حسين أبو السباع امرأة على الماسنجر! رواية «دنيا الانترنت عالمي الافتراضي الذي يسحب من وريدي آلامي التي اتقيؤها قراءة ومتابعة للكتَّاب الذين تزين صورهم صفحات المواقع الإخبارية والصحف الألكترونية. أتصفح وأقلب تارة هنا، وأخرى هناك، ولا أهدأ حتى تؤلمني عيني من البحث والقراءة والدردشة مع صديقاتي، فأخرج من صمتي المطبق وتعبيرات وجهي غير المفهومة لمن يراني وقتها، وعادة ما أنام إلى جوار جهازي بعيداً عن فراش عبدالله في غرفة الصالون حيث العدد الهائل من الدببة الاسفنجية التي احتضنها وتحتضنني ونغوص جميعاً في نوم عميق إلى الصباح، وما حدث أمس، يحدث اليوم». في ثالث ليلة لدخلتي على زوجى، دخل علىَّ مسرعاً، ناداني: ليلى استعدي، ثوانٍ وأكون جاهز لك يا حياتي». اقترب مني ومسح على شعري بأصابعه التي كانت تحوي خاتماً فضياً كنت أحبه جداً من أول لحظة رأيته في يده يلمع، لأن خاتمه هذا كان يذكرني بأول رجل أحببته بـ يوسف الذي لم أرتبط به، ولم تتم فرحتي معه، افترقنا، إلى حيث لا رجعة. تزوجت أنا هذا الرجل عبد الله المرشد التربوي في أحد المدارس الحكومية، والذي لم تربطني به أي روابط على رغم زواجنا الذي استمر لأكثر من خمسة عشر عاماً حتى الآن. قمت من مكاني ليلتها حيث أجلس أمام جهاز الكمبيوتر الخاص بي، وكعادتي أمارس ادماني للمحادثات عبر «الماسنجر»، تحممت، وارتديت قميص نوم أحمر نارياً صارخاً يكشف أكثر مما يستر، يشف ما تحته من «سوتيان» و «كلوت» من اللون ذاته، يقولون إن الأحمر دائما ما يلهب غرائز الرجال. بدأ عبد الله خلع ملابسه، قطعة قطعة، حتى بدا أمامي لأول مرة وقتها كيوم ولدته أمه، لم يكن ذكره منتصبا بالقدر المناسب كما قال لي، وإنه يحتاج لبعض الرومانسية، حتى يتم مراده، لم يبق معه غير ساعته وخاتمه، ترقبته خلع ساعته، وسرعان ما نزع خاتمه الفضي، ونحاه جانباً، أدرت وجهى ناحية الخاتم، وكأن لمعان صاحب الخاتم قد زال مع خاتمه، طلبت منه أن يلبسه مرة أخرى، رفض بشبقه الذي عودني عليه ليالٍ ثلاثة، ساقني أمامه، ولم ينطق بعدها بأي كلمة. ذابت الرومانسية التي أوهمني أنه يبحث عنها مع اكتمال انتصاب شيئه، قبلني، اعتصر كلا الثديين، ثم اعتلاني رافعاً ساقيَّ إلى أعلى، وبسرعة أدخل ذكره، وأنا أتأوه، وأصرخ، وكلمَّا علا صراخي ازداد عنفه في معركته الجنسية، قذف سائله الدافئ، وقام من فوره منطلقاً نحو الحمام ليغتسل، وتركني قبل أن أشعر النشوى، أتمدد في فراشي، اضطرني شبقي أن أكمل العملية الجنسية وحدي. ورغم ذلك لمَّا بدأ يسألني عن مدى استمتاعي معه بـ «منتهى الثقة»، لم يكن بوسعي أن أحبطه استكمالاً لوضعي بالنسبة له كزوجة، فأشعرته أنه الفارس الذي لا يبارى في تكسير أجسام النساء عند معاشرتهن، كان يقتنع، ويصدق أنه فارس مغوار يستطيع فتح أعتى الحصون والقلاع الحصينة بإشارة من إصبعه. عادة لا ينطق بأي كلمة خلال معاشرتي، حتى حينما أقول له أحبك، كان لا يرد ويستمر في نهش لحمي بقبلاته الحارة، وكلما مرر أصابعه أمامي تذكرت خاتمه الفضي المخلوع، وتذكرت حبيبي الغائب. قمت أنا الأخرى وأزلت الفوطة التي مسحت بها ما بين فخذيَّ، وأخذت حماماً بارداً في شتاء نوفمبر القارس، كي أطفئ نداءات جسدي المتعب. ارتديت الطاقم الأحمر ذاته مرة أخرى، فلم أكن لأقوى على الذهاب لحجرة النوم لتبديل ملابسي. نام عبد الله واتجهت أنا إلى ما كنت أمارسه الإنترنت لا يزال يعمل، شعرت ببرودة وقشعريرة ما، وفراغ حاد يجتاحني، وكان عبد الله قد أدار وجهه ناحية الحائط، وغطَّ في نوم عميق متعالي الشخير . بحثت عن أية إنسانة أتكلم معها من صديقاتي على «الماسنجر»، كلهن نائمات، فضلت أن أنام هذه الليلة، قبل أن يقتلني الفراغ، وتقتلني الوحدة... تركت فراش الزوجية هذه الليلة لأول مرة في الليلة الثالثة واتجهت إلى غرفة الصالون. تناولت دمية اسفنجية على شكل «دب» احتضنتها وأحتضنت جسدي معها، دارت أمامي صورة يوسف، وخيالات الضحك واللعب سوياً في أيامي الأولى، كانت له ضحكة ساحرة تسلبني مشاعري بجنون صارخ، ضحكته كانت تستفز أحاسيسي المرهقة... فأشعر بانتعاش طفولي، وخدر لذيذ. جلست على أحد الكراسي المنجدة بالقطن بعناية، غصت في نعومته، وتحت بطانية ذات ملمس ناعم، غبت عن الدنيا لست ساعات متواصلة، نمت نوماً عميقاً، شعرت أنى مدغدغة الأحاسيس والجسد. فتحت عيني، ونحوت ناحية غرفة النوم، لاستكشف حال عبد الله وألملم ملابسي لارتديها، وأخلع الطاقم الأحمر، جلت ببصري في الغرفة باحثة عن خاتمه الفضي، وجدته فوق الكومودينو بلمعته التي شاهدت عليها انعكاسات عمري الذي مر قبل زواجي من عبد الله، ولقاءاتي بـ يوسف عند شجرة التوت التي خلعتها هيئة الرصف والطرق باعتبار أن الشارع ضيق بوجودها، ومن دونها سيكون المنظر أجمل، وذات يوم جاء بلدوزر ضخم واجتثها من جذورها، في ثوانٍ اجتث سنوات عمري التي أمضيتها مع يوسف قبل أن يرحل ويهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية باحثا عن شهادة دراسية تتيح له فرصة الإقامة للعمل والمال. وعدني أنه سيعود بعد عام، حاول خطبتي، لكن أبي - رحمه الله- رفض بشدة- وقال له: عندما ترجع يا ابني سيكون بيننا كلام كثير، ويا ترى من سيعيش؟! سافر يوسف بعد رفض أبي طلبه الارتباط بي، وتركني نهباً لرياح المشاعر الضائعة، والغيرة من البنات والنساء الأمريكيات اللاتي أشاهدهن في أفلام السينما والتلفزيون، وانتظاراً لخطابات وصلني منها أربعة خطابات لا زلت أحتفظ بها في مكتبتي الصغيرة في بيت أبي، كتبت له ردوداً على هذه الخطابات، لكن بعد أقل من عام، انقطع عن مراسلتي من دون أن أعرف سبباً لانقطاعه...! وقتلتني الظنون التي ساقتني إلى تصور يوسف وقد ارتبط بإحدى الشقراوات الأمريكيات... وتخيلته مرات وهو مرتدياً قبعة رعاة البقر، والجينز، وتصورات استمرت لسنوات طويلة... مرت سنوات خمسة... وجاء عبد الله طالباً الزواج بي، وافق أبي على الفور، وبعد أقل من عام على زواجي، عرفت - صدفة - من خلال إحدى الجرائد أن يوسف قد مات في حادث سير، دارت بي الدنيا، تناولت وجبة دسمة جدا من الحزن لمدة طويلة لا أذكر بالتفصيل كم عدد أيامها، ولا شهورها، ولا سنواتها، لكن ما أعلمه أني حتى الآن لا أزال أتناول هذه الوجبة يومياً. وانقطعت كل الآمال التي ولدت داخلي أنه من الممكن أن يوسف يأتي يوم وأراه عائداً من غربته الطويلة، ومعه مال وفير، وقتها كنت سأطلب منه أن يسامحني على زواجي من غيره رغماً عني، وكنت سأترك الدنيا من أجله، سأذهب معه حتى إلى الجحيم، لكنه لم يعد، ولن يعود إلى الأبد، ولا يزال يعيش بداخلي، أتذكر ملامحه، أتفرسها بمخيلتي كل مساء، وكلما جلست أمام شاشة الكمبيوتر، ورأيت صور رجال، كنت أبحث عن ملامحه في ملامحهم... ولم أكن أجدها أبداً... إلى هذه اللحظات. ومنذ ذلك الحين، تكورت حياتي على أعمالي اليومية... القيام مبكراً جداً، أجهز أولادي الثلاثة للذهاب إلى المدرسة... يوسف، وائل، سمية . حرصت أن أسمي أول أولادي يوسف، حتى يظل لساني عامراً بذكر هذا الاسم مع ابني، وأيقظ عبد الله ليوصلهم إلى مدارسهم، ويعود بعد ذلك لنذهب إلى العمل سوياً، فقد استطاع أن يوجد لي فرصة عمل معه في نفس مجاله مرشدة تربوية نسوية بعد عام من المذاكرة وتحضير دبلومة دراسية، استطعت بها الولوج إلى ميدان العمل، كنَّا نذهب سوياً، وأعود وحدي، وهو يذهب لإحضار الأولاد من مدارسهم. لم أكن أعرف عنه شيئا طوال يومه، ولا هو لم يكن يعرف عني أي شيء، وما كنت حريصة على أن أعرف عنه أي شيء، فقد أنطفأ وهج زواجي منه بعد أن خلع خاتمه الفضي من يده، ورفض أن يلبسه أثناء نومه معي، كانت كل مشاعري متجهة من دون إرادتي إلي يوسف حتى وإن رحل، فقلبي الذي ينبض بداخل صدري كل دقاته تفتأ تذكر يوسف . { كنت أرى السنوات وهي تمر مر السحاب، تنفلت من بين يدي كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه. عام تلو آخر، وأبنائي يكبرون، وأنا على نفس تكوري الحياتي الذي صار يقتلني، صرت كآلة صماء لا تنفع إلا عند استدعاء عبدالله إلى الفراش، كنت أحب قوته، لان جسدي بعدها يستريح وأنام من التعب، فهو قاس جداً في معاركه الجنسية من دون أن يلتفت لي، ولا لمشاعري، كنت أحدِّق دائماً في سقف الحجرة، لم يغير أبداً وضعه في معاشرتي، كان يحب دائماً أن يعتليني، وكأنه يسحق شيئاً ما. عيناي معلقتان بسقف الحجرة دائماً، أتلفت يميناً ويساراً، حتى يفرغ هو من معركته، وافرغ أنا إلى أدماني، وجلوسي لساعات طويلة أمام شاشة الكومبيوتر الخاص، أقلب صفحات الدردشة عبر المواقع الالكترونية المختلفة. ادخل دائماً تحت اسم مستعار، غالباً ما يكون ذكورياً، حتى أتجنب اللاهثين وراء النساء من دون أي مبرر، سوى أنها امرأة لها ثديان، وأفخاذ وتملك الاتجاه السالب في المباشرة الجنسية حسب المفهوم العربي السائد، المرأة لا يجب أن تكون فاعلاً في الفراش، لا بد أن تلعب دور المفعول به، ويحرم عليها أن تبدي لزوجها أي رغبة في أي محاولة لتجديد وضع المعاشرة في الفراش، لان الزوج – أي زوج – سرعان ما سيشك في أخلاق زوجته، وسرعان ما سيسأل من أين عرفت هذه الأشياء، وكيف أتاها الحياء لتطلب بنفسها، وتقترح... المرأة في العالم العربي مسلوبة الرغبة، الصمت هو ما ربتنا عليه أمي في الماضي قبل أن تموت، المشي بحساب، يجب ألا تتلفتي أثناء مشيك، ويجب ألا تنظري في غير اتجاه سيرك، وبالتحديد عند موضع قدمك، يجب ألا... يجب ألا... يجب ألا... حتى تكونين فتاة ثم امرأة محترمة في نظر الرجل الشرقي. ذهبت أمي إلى قبرها محمولة على الأعناق، لم تلتفت إلينا خوفاً من أن يساء فهمها، وهي في النعش، لا بد وأن تكون صماء كما عاشت، وكما ماتت بعد أبي بعدة سنوات. لست أدري لما ذا أكره مشهدها المتكرر حين عودة أبي من عمله مدعياً إرهاقاً، ومناً علينا بما ينفق من أجلنا، كانت تسرع لتحضر إناء به ماء دافئ، وتخلع عنه جواربه، وسرعان ما يضع أبي قدميه في الإناء، وتدلك قدميه، وتمرر أصابع يديها فيما بين أصابع قدميه، كان يبدو منتعشاً، متباهياً بانحناء أمي أمامه... كم تكرر هذا المشهد، وكم كرهت مشاعر أمي السلبية، وكم تكرر أمام عيني، حتى بعد وفاة أبي وأمي، وأنا أتصور أنه يجبرها في القبر على أن تفعل معه ما كانت تفعله في الدنيا... ربما... الله أعلم.. ماتت أمي، ولا يزال صدى صوتها يرن في أذني: «يجب أن، ويجب ألا، وعليَّ أن، وعليَّ ألا...». ولما انتقلت إلى بيت عبدالله في أول ليلة قال لي إنه الرجل في هذا البيت، يجب أن أطيع أوامره في كل شئ، وقال إنه ديمقراطي، سيسمح لي بمناقشته لكن رأيه هو الذي سيؤخذ به في نهاية المطاف حتى لا أتعب نفسي في الحديث معه، ووقت أن يطلب مني أي شئ، تجب عليَّ الطاعة العمياء، يجب ألا افتح فمي بأي اعتراض... ذكرني في ليلته الأولى بكلام أمي، يجب أن... ويجب ألا، فلم أحفل كثيراً بكلماته التي أصرَّ على تريدها كل يوم، لست ادري لماذا يرددها... ربما كان يعتقد أنه يرسخ مفاهيمه عندي بترديدها... لا أعرف! عبدالله رجل طموح جداً، وعلى مستوى مباشرة البيت كأي رجل شرقي، لا يعرف ولا يحب أن يعرف أو يسمع عن المرأة أو منها إلا كلمة نعم، حاضر... وإلا فهي قد أجرمت جرماً شديداً، ووقعت تحت بند الحلال والحرام. شجعني على المذاكرة واستثمار وقت الفراغ، لأعمل معه، لزيادة دخل البيت من خلال مورد جديد يدر مالاً، لان الحياة قاسية، وكل يوم في غلاء مستمر، ذاكرت لعام تقريباً، حصلت على شهادة سهَّلت لي فرصة العمل، ومن أول شهر استملت فيه راتبي، كان عبدالله ماداً يده نحوي لأعطيه الراتب كاملاً، سألته وقتها، ألسنا زوجين شريكين في الحياة ولي شخصيتي وكياني، ومن حقي أن أتصرف في راتبي كما أشاء؟ تغيرت ملامح عبدالله واحمرت عيناه، وقال لي بصوت مرتفع: نعم، نعم، شخصيتك، يا ست هانم شغلك ووقتك ده بتاعي أنا، وفلوسك كمان بتاعتي أنا إنت فاهمة؟! انهارت ساعتها كل تفاصيل عبدالله الرجولية أمام عيني، واستعدت صورة يوسف حينما كنَّا نذهب سوياً مسرعين إلى شجرة التوت، ويشتري لي أي شئ يمر بنا. ورغم ظروفه المادية السيئة وقتها، إلا أنه كان يرفض وبشدة أن أشارك معه في شراء أي شئ، ويقول لي: ألست رجلاً أمامك. حتى آخذ نقوداً منك يا ليلى؟ كلماته كانت تأخذني لعوالم أخرى، حتى اعتدت أن أترك له فرصة إسعادي بشرائه لي بعض الأشياء الصغيرة، فالفتاة والمرأة بوجه عام غاية سعادتها أن تشعر أن رجلها ينفق عليها، ولو أقل النفقات، وتود دائماً أن تشعر أنها تحت كفالة الرجل بكل رغباتها. الرجل للمرآة كل حياتها، وان كانت المرأة جزء من حياته. تسارعت دقات قلبي، تشوشت صورة عبدالله أمام عيني مع صورة يوسف، ولم أدر إلا بحركة شفاه عبدالله وهو يقول لي: أنت سمعاني يا هانم أنا الراجل هنا، مش أنتِ. ونزع من حقيبة يدي أول راتب أتقاضاه في حياتي من عملي، كنت أخطط لشراء أشياء عديدة، ليست خاصة بي. خططت لشراء قميص جديد ليوسف، وأخر لوائل، وفستان لسمية، وقميص فاخر لـ عبدالله، لكنه أجهض حلمي، وفرحتي بأول راتب في حياتي، أخذ نقودي التي عشت شهراً كاملاً أتلفت حولي وأحرم نفسي من أية متعة أنثوية في شراء أي غرض من أغراضي. كنت أتجول أمام محلات الماكياج واكتفي بالفرجة من دون الشراء، خوفاً من أن أتعلق بإصبع أحمر شفاه، أو أي من أنوع كريمات الأساس الغالية، أو حتى علبة صغيرة من البودرة ذات الملمس الناعم... حرمت نفسي من كل هذه الأحلام لأجل الأطفال الثلاثة، و عبدالله، تباً لك يا عبدالله أجهضت حلمي معك كرجل، وكزوج، وكحبيب، وككل شيء... غالبتني دموعي، ولم أدر بنفسي وإلا ووجنتيَّ مبتلتين، مسحت بمنديلي الورقي كل ما سال من عيني رغماً عنى... عبدالله قبل هذه اللحظة كان زوجي الذي أعطيه كل ما يحلم به قبل أن ينطق بطلبه، ليس حباً فيه، وإنما حرصاً على عشرة زوجية طويلة، عودتنا الأيام أن يرى كل منَّا الآخر، ينتظر كل منا الآخر، يشتهي كل مِنَّا الآخر في الفراش، أما بعد هذه اللحظة فقد استسلمت لمسيرة حياتي التي لا أرى فيها أية طاقة من نور، لم يكن يحب أن يسمع معاناتي، ليست لديه القدرة على الإنصات لامرأة مهما كانت هذه المرأة، هو يبدو رقيقاً من الخارج، رونقه الخارجي جذَّاب لأي شخص لا يعرفه، متناسق، أكوي له ملابسه، فتصبح أنيقة. أخذ مني راتبي وكان يعطيني مصروفاً يومياً... { تفاصيل عملي اليومية تبدأ منذ اللحظة الأولى التي ألتقي فيها بفتيات في عمر الزهور، كان عملي كمرشدة تربوية لا يقتصر على جزئية وحيدة في العمل بقدر ما كان يتدخل في كل جزئيات العمل، كانت مدرسة البنات داخلية، وهنَّ لا يخرجن منها إلا كل أسبوع عائدات إلى منازلهن مع ذويهن. من الصباح أشرف على استكمال كل طالبة لتناول وجبة الإفطار، وذهابها إلى فصلها من دون تباطؤ، وبعد أن تدخل الطالبات فصولهن، كان مخصص لي بعض الحصص التي أمر فيها على الفصول لأطمئن على نفسيات الطالبات، وسلوكياتهن، وبعض الضوابط الإشرافية والنظامية داخل أسوار المدرسة الداخلية. كانت لي بعض الجمل التي دائماً ما تعبر فوق لساني إلى أذان الطالبات، مثل «أنا أختكم الكبيرة، وأي واحدة فيكم عندها أي مشكلة لا تتردد أبداً في عرضها عليَّ». كان لسان حالي دائما يقول في نفسي داعية الله: يارب ما تيجي أي مشاكل، أنا مش ناقصة. مكتبي الصغير وضعوه داخل حجرة أشبه بقبو المحراب في المساجد، تشعرني نصف استدارته أن الكون يبدأ من يدي اليمنى، وينتهي عند اليسري، وما أقوم به باليمين، لابد وأن يعود علي باليسار. كل يوم تقريباً، كنت أرى فتاة أو اثنتين في سن المراهقة، تأتى إلى مسرعة تشكو إلىَّ معاملة الآباء والأمهات، وكيف لا تسمح أمهاتهن لهن بالتنزه إلا في الأعياد، وبعض الآباء يحرِّم على الفتيات استعمال الكمبيوتر خلال الإجازة الأسبوعية. مشاعر البنات كلها كانت سلبية تجاه الأهل، وكل واحدة تحلم بفرصة الفرار من هذا السجن الذي يفرضه عليها أبوها، وأمها، حتى يأتي ابن الحلال. وذات يوم روت إحداهن لي قصة جلوسها خلسة أمام الكمبيوتر الخاص بأبيها، بعد أن قامت بتوصيله إلى سلك التليفون لتفتح الإنترنت، ذلك الحلم الذي سمعت عنه كثيرا من زميلاتها، وتعرف أن جهاز أبيها علىه برامج الإنترنت التي تسهل فتحه، لأنه كان دائما يقول في خيلاء وبتباهٍ مدعياً ثقافة العولمة: «...وأنا بقلب مواقع الإنترنت وجدت موضوعاً مهما جدا حفظته عندي على الجهاز...». ومع تكرار هذه العبارة على لسان الأب، ازداد شغف الفتاة الصغيرة التي فتحت الكمبيوتر، ولمَّا وجدت برنامج تشغيل الإنترنت- كما رسمت شكله لها إحدى زميلاتها- كان أول موقع فتح أمام الفتاة إباحيا، فزعت الصغيرة، حاولت أن تقوم، لكنها لم تستطع ازدادت رغبتها في مشاهدة غير المألوف أمامها. حاولت أن تفتش عن أي شيء آخر داخل جهاز الأب، لم تجد أمامها إلا المشاهد الساخنة التي أججت فيها ناراً، وحقداً تجاه هذا الأب المستبد الذي أدركت من فورها أنه كذَّاب، مدعى الأدب والحشمة، وهو لا يعرف عنهما شيئاً، لعنت الأب لثوانٍ، ثم تناست مع فعلت، ولما شعرت حركة خارج غرفة مكتب الأب، أغلقت الجهاز، واختبأت حتى اطمأنت لعدم دخول أحد عليها. ساعدها على ارتياد مكتب الأب، تغيبه شبه الدائم عن البيت، فأصبح أمامها أربع جلسات أسبوعية أمام الكمبيوتر لمشاهدة غير المعتاد ولا المألوف بالنسبة لها. تعلمت من بعض زميلاتها كيفية مسح المحفوظات الخاصة ببرامج التشغيل، ومسح جميع المواقع التي تم فتحها في كل جلسة، حتى يعود الكمبيوتر محتفظاً بما تركه الأب فقط، ولا يلحظ ما فعلته الفتاة. جاءتني الفتاة مسرعة، مزعورة، من تكرار رؤيتها لمشاهد الجنس العنيفة على المواقع التي تفتحها، وأنها اشتاقت للتجربة، لكنها تخشى في الوقت ذاته من تحذيرات الأم وصوتها يتردد دائما في أذنيها بأن جسدها ليس ملكاً لها، وإنما ملك لعائلتها، الفتاة يجب أن تحفظ هذا الجسد بكل فطريته للزوج الذي سيأتي يوماً ليتسلم الأمانة، وتنزاح ساعتها مسؤولية وهم البنات من فوق أكتاف الأب والأم، وخصوصاً الأم. أصرت الفتاة على أنها ليست بهذا الكم من السوء، وليست قليلة الأدب، لكنها تشعر باستثارة لمشاعرها تظل عالقة أمام عينيها لمدة أسبوع، حتى تعود مسرعة إلى البيت، وتعاود تشغيل برامجها المعتادة، وعرفت من زميلتها كيفية ممارسة العادة السرية، التي جربتها، وهي خائفة من فض بكارتها لجهلها بالممارسة الحريصة، فهي لا تزال تتحسس هذا الطريق، لكنها قررت التوقف عن كل هذه الأشياء، وقررت أن تفهم الأمور بشكلها الصحيح، من دون الدخول من مرحلة التأنيب والتوبيخ المعتادة من الأهل... فاختارتني لهذه المهمة الصعبة...! حقيقة لم تكن مشكلة هذه الفتاة غريبة على مسامعي بالرغم من فظاعتها، فكأنها تتحدث عني أنا في الماضي، ذكرتني بكلمات أمي، عليكي أن....، وعليكي ألا...، ويجب أن....، ويجب ألا...، جالت في عيني صورة نعش أمي الذي كانت تحمل فيه، وكيف أنها عاشت منساقة تحت إمرة رجلها ومجتمعها، من دون أن تتلفت، وماتت وحملت منساقة من دون أن تتلفت أيضاً... وجملها الشهيرة : «إذا كان الراجل بحر، المرة بر»، و «الست تعيش تحت جناح الراجل». «الست مكسورة الجناح» شعرت لدغة قوية من داخلي أفقت وأمامي الفتاة ومشكلتها... حاولت أن أدرب الفتاة على ممارسة الرياضة، حتى أتعب جسدها الغض بالتمرينات التي تؤدي فوراً بعد الحمام إلى النوم الهادىء من دون التفكير في أي ممارسات قد تؤدي بها إلى الهلاك المحتم لو جاءتها النشوة زائدة، وأدخلت إصبعها في داخلها أكثر من اللازم، وفضت بكارتها، وقتها لن يصدقها أحد بما تقول، بل سيتهمونها بالزنا، وارتكاب الخطيئة. وسيكون جزاؤها في أغلب الأحيان القتل، أو مع البعض من خلال أحد الأطباء المشبوهين الذين يقمون بإجراء جراحة لإعادة ما تم فضه ترقيع . فكرتُ في حال هذه الفتاة كثيراً جداً، استهلكتني عبارتها وهي تحكي بعفوية، بعد مشاهدتها للمشاهد الإباحية، وتنصتها على تصرفات الأب والأم معا، و كيف رأت الأب وهو يسب أمها من أول لحظة بعد الاستيقاظ من النوم، وكيف يكون معها غاية في الرقة والنعومة بعد أن يظن أن بناته وأبناءه قد ناموا، وكيف بعدها يسوقها سوقاً تجاه غرفة النوم، وقالت: بعدها لا أسمع إلا صوت أمي وهي تتأوه، إلى أن أسمع صوت شخير أبي... نام أو كأنه مات. كنت أحمل كل قصة من قصص البنات هذه فوق رأسي، في مخيلتي، أسير بها، ليل نهار، وبعضها كنت أعجز للوهلة الأولى على حلها، إلا بالطرق الوعظية، بقال الله حيناً، وقال الرسول حيناً آخر، كل فتاة كانت تجلس أمامي تحكي، فالأنثى تحب أن تكون في حياتها أذن تسمعها لميلها إلى الإفشاء دائماً، وكل فتاة ولها مدخل معي، لم أعجز أبداً عن حل أحد هذه المشكلات. خلال هذه الأثناء، كان عبد الله قد وجد عملاً آخر في الليل، يزيد من دخل الأسرة، كان يحلم أن يتعب في شبابه حتى يستريح بعد عدة سنوات، كان يعمل لساعات طويلة في اليوم، يعمل في كل شيء، وأي شيء يصادفه... ساقه طموحه للعمل في التجارة...! كانت فرصة لي بالطبع أن أحيا، وأتنفس بعيداً عنه، بعد أن عاملني كالأطفال، بإعطائه مصروفاً يومياً، وبعد مشاجرات طويلة، واستجداء أطول قرر أن يكون المصروف أسبوعياً حتى لا أسبب له صداع يومي. { كانت فكرة المصروف الأسبوعي هذه طوق نجاة تعلقت فيه لأشتري بعض حاجياتي الصغيرة التي أطمح إليها، اشتريت أول ما اشتريت برواز لوضع الصور داخله، لكني تركته من دون وضع الصورة، وضعته أمامي بجوار شاشة الكمبيوتر، وأسندته على مقلمة لوضع الأقلام، ووردة طبيعية كنت أشتريها كل يوم، لأني لا أحب الورد الاصطناعي. عمل عبد الله كان يضطره إلى السفر كل أسبوع خميس، وجمعة خارج العاصمة، كنت أبيت وحدي في المنزل، معي الأولاد في غرفتهم، أراجع لهم بعض الدروس، وأهرول مسرعة إلى عالمي الخاص، الإنترنت و البرواز الخالي من الصورة، والوردة الجديدة التي كانت تهبني روحاً ونفساً في عالمي الصغير، المحدود، الذي يدخلني إلى ساحات أكثر رحابة، وعوالم أخرى، ورؤى أخرى كانت تأخذني من روحي المقيدة في جسدي المحدود إلى عالم الماوراء. أمر على مواقع نفسية، محاولة الاستزادة في عملي لحل مشكلات البنات، وما يطرأ عليها كل يوم من جديد، واختلاف طرق العولمة، ومشكلات الهاتف الجوال الذي وضع صنَّاعه به كاميرا لتسجل كل الأحداث المحيطة، وتتسرب كل الأمور التي سُميت في الصحف بـ المسكوت عنه . وبعد أن أفرغ من عملي، وحلي لبعض المشكلات المعضلة، أفرغ إلى نفسي، وإلى صديقاتي القليلات جداً اللاتي كنت أبوح مع واحدة منهن فقط بكل ما ينتابني من حالات الخواء النفسي، والفزع من لحظة استدعاء عبد الله لفراشه. قررت أن أنسى نصفي الأسفل معه، وأترك للكمبيوتر نصفي الأعلى محاولة أن أجد الروح التي أبحث عنها، الإنسانة الوحيدة التي كانت تمدني ببعض ذرات الأمل المتطايرة أمامي. إسعاد، وكان في الحقيقة اسمها على مسمى، فهي دخلت حياتي منذ سنوات كهدية من الله، كي تسعدني بخفة ظلها وبراءتها، تعاني ما تعاني المرأة في العالم العربي، لكنها استطاعت أن تتبرمج، وأن تقلب كل حادثة مؤلمة في حياتها إلى ابتسامة تبثها في روحي، كنت أحكي لإسعاد، وتحكي لي كل صغيرة وكبيرة في حياتها اليومية، كانت تحب الأكل بشراهة، ولهذا تفضل النوم مبكراً نسبياً قياساً على موعد نومي الذي يتجاوز الثانية صباحاً من كل يوم، تقريباً كانت تنام أمام كاميرا المحادثة على الماسنجر، ككل يوم أختم حكاياتي معها، بتصبحي على خير يا إسعاد . أغلق معها الكاميرا، وأعود إلى الدردشة التي أدخلها باسم عاشق الشات، وإمعاناً في التمويه كنت أضع صورة رجل وسيم، وكثيراً ما وجدت دعوات من بنات صغيرات يطلبن رقم هاتفي، يردن التحدث إلىَّ، كنت أجيد التحدث بصوت رجولي، ولو كتابة، أبداً لم أخطأ في استعمال الأفعال الذكورية، بدلاً من طبيعتي الأنثوية الضائعة... حتى يصيبني الملل والجوع العاطفي، لأعود متذكرة يوسف من جديد، وما كنت نسيته لحظة واحدة طوال حياتي، منذ أن عرفته، وحتى وإن رحل، وحتى وإن مات، كان دائماً بيني وبين عبد الله حتى في الفراش، كنت أستشعر أنفاسه، أذكره، ولمَّا كنت أقول لـ عبد الله كلمة أحبك، التي لم يبادلني إياها ولو مرة واحدة في فراش الزوجية، كنت أقولها لـ يوسف، وكثيراً ما تبادرت إلى عيني بضع قطرات من دموع تسيل رغماً عني، وأنا ممدة على فراشي وحيدة، أو حتى مع عبد الله . لم يملأ زوجي الفراغ الذي تركه يوسف أبداً في حياتي الضائعة، الفارغة، من أي ذكرى، سوى يوسف و شجرة التوت التي اجتثوها من مكانها، وإلى الآن كلما أمر بمكانها، لا يزال خالياً من أي شيء، وكلما أمر من هذا الطريق أشعر كأن صدري ضيقاً حرجاً كأنما أصعد في السماء. سألني عبد الله ذات يوم عن البرواز الذي أضعه بجوار الكمبيوتر، لكن سؤاله جاء بسخرية مني، ومن تصرفي هذا، واعتبره حمقا... لم أعبأ كالعادة، بتعليقاته اللاذعة، التي كانت تجلدني أحياناً، وهو يتناسى كوني امرأة مسؤولة خلال توبيخه لي لأي خطأ يرتكبه الأولاد. مللت هذه الحياة مع هذا المخلوق الذكوري الذي بُعث من عصر مات أصحابه، وتركوا مخلفاتهم الثقافية يحملها أشباه عبد الله . أعود من شطحاتي إلى كمبيوتري الصغير مطفئة نور الغرفة التي أجلس فيها، حتى لا أرى إلا شاشته، والكلمات التي تدور أمامي على الشاشة، يفزعني في هذا السكون رنين جرس الهاتف، ترتعد فرائصي، أتمالك لأرى الطارق ليلاً، فإذا بصديقة ساهرة مثلي أحياناً، تمضي معي نصف الليل تثرثر عن أحوالها مع زوجها وأولادها، والفَلك الذي قُيدت فيه، منذ أن استيقظت في الصباح، وإلى أن جاءت تحكي معي... ثرثاااااااارة جدا. { الانترنت هو عالمي الافتراضي الذي أحيا داخل مواقعه، وأتنقل كنحلة لا تكف عن الدوران حتى تعود برحيقها من كل بستان زهرة، أدور وأقلب في كل الاتجاهات، ازدادت معارفي. وبين هذه المواقع التي تعودت ارتيادها لم أكن أتعب أبداً في البحث عن ملامح يوسف في وجوه الرجال الذين كنت اقرأ كتاباتهم، في الصحف الإلكترونية أو حتى الإعلانية، كانت الملامح تتشابه، كلها مع بعضها، بعيداً عن عيني يوسف الحالمتين، ووداعته وبراءته التي كان يحملها بين عينيه، كان حين يغضب يشبه الطفل الذي يشرد بعيداً عن أمه، قد تنتابه حالة بكاء لو استوعب خطورة وضعه. يوسف ملامحه جميلة، متفردة، تمر السنوات، ولا تزال صورته عالقة بمخيلتي بكامل تفاصيلها، من أنف وعينين، وشفاه وقمحية خفيفة للون البشرة، يوسف كان ملائكي الطلعة فارساً من فرسان العصور القديمة، يحب الشعر، ويحب أن يقرأ الرومانسيات. أدخل دنيا الانترنت لأسبح بين أشخاص افتراضيين، لا أملك منهم الا صوتاً من خلال المايك، وصورة من خلال الكاميرا التي أمامي، بينما في الحقيقة أتشوق إلى أن أكون مع كل هؤلاء في الوقت ذاته. دنيا الانترنت عالمي الافتراضي الذي يسحب من وريدي آلامي التي اتقيأها قراءة ومتابعة للكتاب الذين تزين صورهم صفحات المواقع الاخبارية والصحف الالكترونية. اتصفح واقلب تارة هنا، واخرى هناك، ولا اهدأ حتى تؤلمني عيني من البحث والقراءة والدردشة مع صديقاتي، فأخرج من صمتي المطبق وتعبيرات وجهي غير المفهومة لمن يراني وقتها، وعادة ما أنام الى جوار جهازي بعيداً عن فراش عبدالله في غرفة الصالون حيث العدد الهائل الذي جمعته من الدببة الاسفنجية التي احتضنها وتحتضنني ونغوص جميعاً في نوم عميق الى الصباح، وما يحدث أمس، يحدث اليوم. قررت ذات يوم أن أغير البرنامج المعتاد لحياتي وأحاول مجرد محاولة التواصل مع عبدالله مرة أخرى، فقد تكون فيه ملامح لا أراها، ملامح بعيدة، غير اتخاذه لي وسيلة لتهدئة رغباته. فكرت أن أرتب له أشياءه التي يضعها بغير اكتراث، إن كانت بعيدة عن يدي أو قريبة فهو متأكد أنه حين يعود سيجد الوضع كما هو. اليوم قررت أن أسرق وقتاً من مواقعي ومن دردشاتي لأذهب إلى ترتيب حجرة النوم كاملة، ودولاب عبدالله الصغير الذي يحتفظ فيه بكل أشيائه وحاجياته الصغيرة والغالية عليه، اقتربت من الدولاب رتبت بعض أوراقه الموجودة، وأجندة زرقاء كانت هي أكبر ما بين أوراقه، لم أهتم بالتقليب فيها وضعت مفرشاً صغيراً أسفل كتبه وأوراقه وعطرت الحجرة ثم أغلقتها وعدت أدراجي إلى ما كنت أمارسه من قبل الدردشة مع الصديقات على الانترنت. وبعد ساعتين تقريباً عاد عبدالله من العمل رأيته يمر بصالة المنزل قائلاً بصوته الجهوري: السلام عليكم، سلم على الاولاد، ورآني في غرفة الصالون كعادته: إزيك يا ليلى، رفعت عيني من فوق شاشتي، وكأنه فاجأني وبادلته السلام. دخل متثاقلاً من تعب يوم عمل طويل إلى غرفة النوم يبدو كأنه يجر قدميه بصعوبة، وبعد لحظات خرج منها كالوحش الكاسر صارخاً: «مين اللي فتح الدولاب بتاعي ولعب فيه كدة؟» أسرع خطواته نحوي، وقال: «مين اللي لعب بأوراقي بهذا الشكل؟» قلت له: أبداً رتبت لك أوراقك وكتبك. قال بصوت مرتعش: «حد طلب منك يا مدام؟» قلت له: «هو لازم حد يطلب يا عبد الله؟ سأل باهتمام بالغ: الأجندة فين الاجندة؟ قلت له: أي اجندة؟ قال: الزرقاء اللي كانت موجودة بين الاوراق؟ قلت له مكانها، فيها إيه الأجندة دي يا عبدالله؟ قال: مش شغلك يا هانم وإياك تقربي من دولابي مرة ثانية، ياريت كلامي يكون مفهوم. قلت له: أنا اللي غلطانة علشان حاولت أريحك شوية. قال بصوته العالي جداً: مش شغلك يا هانم، خليك في الهباب اللي انتي قاعدة طول يومك قدامه ده، كلمي صديقاتك اللي إنت يا دوب لسة سايباهم في شغلك... دي حاجة تقرف!! تركني عبدالله وانطلق كالسهم نحو غرفة النوم ليتأكد من أوراقه وكتبه وبحث باهتمام ملحوظ عن أجندته الزرقاء فلما رأيته وجدها هدأ تماماً وعاد طفلاً مسالماً لكنه لا يزال محمر الوجنتين. أحبطني عبد الله كعادته، ولم اهتم كعادتي بما يثيره أو يغضبه أو يسعده أو أي عمل قد يؤدي إلى التواصل بيننا، عدت إليه كعادتي في الحياة معه. واطأطئ وجهي أمام شاشتي الصغيرة أبحث عن إسعاد لأحكي لها ما دار بيني وبين عبدالله فهي كم قلبت رأسي بموضوعاتها التي لا تنتهي، أدرت «الماسنجر»، لم أجدها مستيقظة، هممت بإدارة قرص الهاتف لأخبرها بالدخول إلى «الماسنجر»، لكني تذكرت أننا آخر الاسبوع الخميس، ولديها ألف عمل عليها أن تقوم به، غسيل وطبيخ ومسح كل شيء لا بد أن يتم ترتيبه هذا اليوم، وقبل أن يعود زوجها إلى البيت لأن عليها أيضاً أن تستحم وتكف عن الطعام تماماً، وهو شيء صعب جداً عليها حتى تأكل معه بعد أن ينام الأولاد. وبعد أن يتناولا سوياً العشاء يقوم من فوره ليقودها نحو الفراش ليكمل على بقيتها الباقية من كونها امرأة... كانت تحتال بأنها تعانى من دورتها الشهرية حتى ينفر منها زوجها، وفشلت حيلتها، لأنه كان يذبح نصفها الأعلى من جسدها، المهم هو أن ثورته تهدأ، بأي طريقة..! مسكينة يا إسعاد ... كم روت لي أنها في أحيان كثيرة لم تتمالك نفسها الا والنوم يغالبها، وهو لا يفهم، المهم أن هذا هو يوم كل شيء لإسعاد وتنام نوماً عميقاً الى صلاة الجمعة من اليوم التالي... { تسرب الملل مرة أخرى الآن إلى نفسي المرهقة. جلت ببصري وبذاكرتي في حكايات البنات التي يروينها لي ومراهقات تذكرتها في سنوات عمري الأولى والعادة السرية التي يقمن بها حتى يكبحن جماح شهوة جنينة تبدأ تتخلق، قبل أن تعرف أي معلومات عن الذكر. «الذكر» هو المخلوق الخرافي الذي دائماً تحذر منه الأمهات فهو الذئب الذي ينتظر خروج الشاة إلى الخارج حتى يفترسها وتنسى النساء أن المرأة دائماً في أمان متى لم تكن لديها رغبة في الرجل المطارد لها، مهما كانت مطاردته...! تذكرت حضوري ذات مرة مع مدرسة زميلة لي في المدرسة تدرس العلوم وكان الموضوع عن الجهاز التناسلي عند الرجل، وعند المرأة. قامت المدرسة بعمل رسم توضيحي لكلا الجهازين على السبورة بجوار بعضهما، جهاز الرجل يميناً والمرأة يساراً وكم كانت البنات في هذه الأثناء منشغلات بالجهة اليمنى وكلما تهم المعلمة بعمل المقارنة بين الجهازين نسمع بعض التعليقات والأسئلة المضحكة التي تدور بين البنات وبعضهن كان يرسم رسومات غريبة في أوراقهن البيضاء... وإحداهن ادعت جرأة وقالت: «يا سلام لو الدرس ده عملي يا أبلة؟». عنفتها زميلتي، وطردتها خارج الفصل، حتى تحكم سيطرتها على البقية، وتنتهي من شرحها الدرس المقرر... عدت الى شاشتي الصغيرة ودخلت أقلب في بريدي الالكتروني وفي بعض المقالات التي تهتم بمعاناة البنات اللاتي أرشدهن وأنا أحتاج لمرشدة أخرى ترشدني أنا..! قلبت وقلبت وإذا بي بصورة استوقفتني عندها كثيراً، صرخت بصوت مبحوح: يوسف ... لا يزال على قيد الحياة، معقول، أسرعت لآخر المقال المنشور فإذا باسم الكاتب يظهر أمامي موقعاً مقاله حسن عبدالسلام . تسارعت أنفاسي ودقات قلبي معاً دموعي صارت تسابق استفهاماتي «يا ربي، يا إلهي ما هذا الشبه الرهيب؟ ما هذه الابتسامة؟ ما هذا الأنف والفم؟ وما كل هذا الشبه يا ربي؟ لم اهتم كثيراً بما كتبه صاحب المقال، ولم اقرأه، ذهبت مسرعة الى آخر المقال وجدت عنوان بريده الالكتروني [email protected] أسرعت الى فتح بريدي الإلكتروني وأرسلت له رسالة كان بها أنت رائع جداً، أرجو أن نتواصل ليلى. بعد لحظات انتابتني قشعريرة سرت بجسدي بأكمله من أصابع قدمي إلى شعري. ما الذي تفعلينه يا ليلى؟ صوت ضميري يصرخ داخلي، هذه أول مرة تقولين هذا الكلام لرجل، أرد على ضميري، لكنه يوسف، أفيقي يا ليلي، إنه ليس يوسف، إنه حسن عبدالسلام طبيب متخصص في أمراض الذكورة. أرد بسرعة: لا إنه يوسف، تتسارع داخلي الأحداث، أتذكر الفراغ الذي يحاصرني رغم امتلاء وقتي عن آخره من الصباح الى المساء، أعود إلى شاشتي الصغيرة مسرعة، أفتش عنه مرة أخرى، لا تزال صورته أمام عيني قمت بحفظها من الموقع على جهازي، حاولت تكبيرها لكن من دون جدوى. عدت إلى بريدي الإلكتروني فكرت أن أكتب له رسالة أخرى أستحثه على الرد لكني تعقلت تعقلاً موهوماً وأقنعت نفسي بأن الرسالة الأولى تكفي لأن يهتم بالموضوع، هو ليس صحافياً من المعتاد له أن يرد له رسائل كثيرة حول موضوعاته التي ينشرها هو طبيب والطبيب عادة ما يهتم بهذا النوع من التواصل خصوصاً ولو كانت الموقعة امرأة، لأنها ربما تكون زبونة وتذهب عيادته... وما أكثر مشكلات النساء. أكلتني الحيرة، وأكلني الصداع النصفي الذي داهمني منذ أن زادت عدد ساعات جلوسي أمام شاشة الكومبيوتر وبلغت الآن الأربعين عاماً، عدت مرة أخرى إلى بريدي الإلكتروني، لأبحث عن أشياء أخرى قد أرسلها الى يوسف، لا ... أقصد إلى حسن عبدالسلام، ليس مهماً بالنسبة لي الاسم... فجأة ظهرت لي رسالة كرد على رسالتي التي أرسلتها منذ دقائق، يا إلهي، يا إلهي إنه هو يرد على رسالتي يشكرني على القراءة والاهتمام بالتواصل... رقيق كما عرفتك يا يوسف ... ترك لي رقم هاتفه الجوال والذي رأيت الأرقام الأولى منه 00971 أسرعت نحو هاتفي الجوال، أدرت الأرقام، رن هاتفه، خجلت من نفسي ويحي ماذا أفعل، تباً لك يا ليلى، ماذا تفعلين، لم أكن وقتها أتمالك مشاعري المرهقة، يوسف قد عاد من سفره الطويل، أغلقت السماعة، وبَّخت نفسي على فعلتي هذه. بعد لحظات، رنت نغمات هاتفي الجوال، نظرت إلى الرقم فإذا برقمه يظهر على الشاشة، أمسكت الهاتف بيدين مرتعشتين، ضغطت زر الإجابة: سمعته على الجانب الآخر يقول: آلو.. آلو..؟ رددت عليه بسرعة وأنا أجمع أشلاء ذكرياتي المتعبة، ومشاعري التي تركت أعواماً نهباً لرياح عبدالله والأولاد، والعمل، تمالكت نفسي ورددت: آلو، مين حضرتك؟ قال: يا هانم أنا وجدت رقم سيادتك مسجل على هاتفي ضمن المكالمات التي لم أرد عليها، عفواً كنت مشغولاً مع مريض عندي... قاطعته... آه حضرتك الدكتور حسن عبدالسلام؟ أجاب نعم قلت له كلام حضرتك رائع في الحقيقة، صمت برهة حتى يتكلم، قال لي: بعد ساعة ستفرغ عيادتي من المرضى، ولديّ كمبيوتر وسأدخل على الإنترنت، فهل يسعدني الحظ بمقابلتك؟ رددت على الفور: أوكي باي. أغلقت السماعة من فوري، يا ربي ما هذا الشبه، ما هذا الصوت، ما هذا التطابق العجيب، حتى صوته صوت يوسف، عدت سنوات طويلة إلى الوراء، رأيت أغصاناً من شجرت التوت وهي متدلية فوق رأسي أنا و يوسف حينما كنّا نمر بها. على كل الأحوال، سأنتظر هذه الساعة على أحر من الجمر، سأنتظر حتى تفرغ من عملك يا يوسف، سأعد لك شاياً معي، نتناوله سوياً الليلة، ولحسن حظي الليلة الخميس، و عبدالله في الخارج، ولن يعود اليوم، سأبقى معك لأطول فترة ممكنة. درت إلى نفسي قائلة: لا يا ليلى تعقلي، ليس بهذه الصورة تكون مشاعرك ملقاة في الطريق لأي عابر سبيل، قلت: لا أنا أبحث عن يوسف منذ سنوات طويلة، وحينما وجدته ألا أعيد ما قد فات من حياة طويلة مضت، وأنا أتلظى على جمر لا ترحم ناره أحشائي المتقطعة من حر رفض أبي ارتباطي بيوسف، وزواجي من دون أخذ رأيي بهذا الرجل عبدالله الذي لا تربطني به أي روابط إلا الأولاد الذين أخشى عليهم التشرد من جرّاء الطلاق، لو طلبته، وقد مات أبي، وماتت أمي، وحتى إخوتي فقد انقطعت الصلة بيننا تقريباً تماماً، فلا أرى أحدهم إلا في الأعياد الرسمية إن رأيته... لا أزال أراقب الماسنجر، حتى يدخل يوسف أو حسن لا يهم، مرت دقائق الساعة كساحات كسيحة، تحبو من دون أمل في الوصول إلى نقطة نهايتها أو نهايتي، وأنا أفرك مناديلي الورقية بين يدي المتعرقتين من الاضطراب، والانتظار، وتكوين الحروف التي سأضعها في جمل مفيدة أستطيع أن أقولها له، أقنعت نفسي بأني لن أقول له قصة يوسف في أول الأمر، فقط سأطلب منه أن يتواصل معي ولو مرة في الأسبوع حتى أراه ولو دقائق معدودة... دخل حسن عبدالسلام على الماسنجر الآن، رأيته يعطيني إشارة البدء لأدخل معه المحادثة، قال في البداية السلام عليكم. حاولت استجماع أعصابي المحترقة، وتجميع أصابعي التي ازدادت برودة وارتعاشاً، وكدت أغلق مربع حوار المحادثة، لولا صوت ناداني من داخلي دقيقة أو دقيقتين لن تخرب الدنيا... وجدته مرة أخرى يكتب: السلام عليكم. على الفور رددت عليه السلام: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته حسن: كيف حالك يا مدام، ولا يا آنسة؟ ليلى: هاهاهاها حسن: هل قلت شيئاً مضحكاً؟ ليلى: أضحكتني كلمة آنسة حسن: لماذا ألستِ آنسة تحت العشرين؟ ليلي: أنت جداً مجامل حسن: ممكن نتعرف ببعض؟ سيادتك تعرفي أن اسمي حسن عبدالسلام، وأنا لا أعرف من تكون صاحبة العزة. ليلى: صاحبة العزة اسمها ليلى. حسن: الله، إيه الاسم الجميل ده. ليلى: الله يخليك، كلك ذوق. حسن: ممكن أسألك سؤال بايخ شوية؟ ليلى: تفضل حسن: كم عمرك؟ وعلى فكرة الإجابة اختيارية ليلى: أنا أصغر منك... هاهاهاهاها حسن: حلوة جداً منك دي ليلى: وأنت كم عمرك؟ حسن: أكيد حاكون أنا أكبر منك بحوالي سنتين أو ثلاثة. ليلى: دي بقى أحلى، بس أنا من خلال الصورة أقدر أقول أن عمرك تقريباً من خمسة وثلاثين إلى أربعين. حسن: بالضبط كدة سبعة وثلاثين عاماً بالتمام والكمال. ليلى: واضح من رقم تليفونك إنك في الإمارات، صح؟ حسن: نعم ليلى: ماذا تفعل هناك؟ حسن: أعمل منذ سنوات طويلة ليلى: هل أنت متزوج؟ حسن: نعم، ولدي ثلاث بنات وولد. ليلى: معاك في الإمارات، ولا في مصر؟ حسن، هنا شوية، وهناك شوية، وأنتِ يا ليلى؟ ليلى: أنا عندي ولدين وبنت حسن: فين أبوهم؟ ليلى: معنا حسن: أنت متزوجة، ولديك أولاد أيضا، ما شاء الله، ما شاء الله. لم أدر بنفسي إلا ومرت أربع ساعات متواصلة ونحن نتحدث سوياً ونتعارف، أعطيته رقم هاتفي الجوال بعد أن طلبه، وحينما سألني عن مواعيد الاتصال، رددت عليه على الفور في أي وقت يحبه سيجدني أرد عليه، ليس هناك داع للخجل... شجعته، نعم شجعته على الاتصال بي، فلقد وجدت فيه رقة وعذوبة لم أعيشها في حياتي بعد رحيل يوسف عن عالمي، ورحيله عن العالم أجمع... استأذن في الانصراف... وغاب عن الماسنجر، وانطلق على وعد أن نلتقي مرة أخرى في اليوم التالي... أزاح حسن عن كاهلي ركام امرأة معذبة، ممزقة ما بين واقع مأزوم أحياه مع زوجي عبد الله، وبين خيال عشت أداعبه سنوات طويلة فائتة من عمري مع يوسف، وغيابه، ثم موته... غبت عن الزمن، وعن الأولاد النائمين، وعن عبدالله الذي ترك جدران البيت تتهدم فوق رأسي ببرودة استوطنت مشاعري منذ الليلة الثالثة لزواجنا حينما خلع خاتمه الفضي. نمت بعدها، واستيقظت في الصباح لأواصل تكوري الحياتي اليومي، لكني اليوم كنت أكثر إشراقاً للمرة الأولى منذ سنين، ترتسم ابتسامتي فوق شفتي الباديتين حمراوين من دون أن أضع فوقها أي مساحيق... واستمرت الابتسامة معي إلى أن عدت إلى البيت مرة أخرى منطلقة كالسهم حتى أنتهي من كل عمل لأتفرغ لـ يوسف فلا بد أن يأتي اليوم في المساء، يناديني صوت من داخلي تذكري يا ليلى اسمه حسن، وليس يوسف ...! { عبد الله مرة أخرى في حياتي، حين عودتي من عملي، وجدته يناديني بعد ساعة تقريباً، قال إنه ينوى أن يعمل في التجارة، بيع وشراء، وخطوة خطوة يطمح أن تتوسع تجارته الصغيرة، أراد أن يخبرني أنه أخذ مصاغي الذي كنت أضعه في حقيبة صغيرة بدولاب حجرة النوم، باعه واستثمره في تجارته الجديدة، لم ألتفت كثيرا لما قال عن مشروعه الجديد، ولا عن مصاغي، ولا عن أي حرف في كلامه، فكل تفكيري الآن مركز حول الساعة التي تحين وألتقي يوسف أو حسن عبد السلام ... وكنت قد تعودت من عبد الله مثل هذه التصرفات، كأن يفتح حقيبة يدي، ويأخذ منها ما يشاء، ويضع فيها ما يشاء، وتعود من دون إذن مني أن يفتح دولابي، ويعبت بملابسي، دائماً كنت أراه كأنه يبحث عن شيء ما ضائع منه، لم أكن أفهم أنه يبحث عن دليل خيانتي، كان يتصور دائما أن في الزوجات والأبناء عدو خفي، قد أكون أنا عدوته الخفية التي يبحث عنها كي يأخذ حذره. لم أعبأ به طوال حياتي، ولم أعبأ بما يبحث عنه، لا في الدولاب، ولا في حقيبتي، ولا في عمري بأكمله، فحياتي صارت خاوية قبل أن يظهر حسن فيها، والتقيه، اليوم أشعر بمكامن الضعف داخلي تقوى، لم أعد أشعر إحباط الأمس، ولم أعد أشعر أني مخلوق مهمش في حياة أحد، أنا ليلى رغم أنفك يا عبد الله ...! لا يزال عبد الله يحملق في ملامحي، ينتظر غضبي، ينتظر أن أعلن استيائي مما يفعل معي، كي يكبت فيَّ كل ملامحي من جديد، ويمارس عليَّ سلطته الزوجية الذكورية، فكرت قليلاً فيما بيني وبين نفسي، فرأيت ألا أعطيه هذه الفرصة حتى لا يفرغ شحنته في وجهي، وتبقى داخله، علها تنفجر وهي داخله، فتخلصني من هذا الجحيم. لم أعلن أي غضب، وأجبته بابتسامة باردة لا حدود لها، وقلت له بعبارة غير المكترث: افعل ما تشاء... تعجب عبد الله واستاء من تعبيراتي السلبية تجاه مشروعه الجديد، وتعجب أكثر لأن لم أغضب لانتهاكه حقوقي بأخذه ذهبي وبيعه من دون الرجوع إليه. كاد ينفجر غيظاً، تركته وانصرفت، وهو يتكلم بصوت عالٍ كلاماً لم أميز حروفه، لكني كنت سعيدة من داخلي، أني انتصرت عليه هذه المرة، بثباتي غير المعتاد، استجمعت كل شجاعتي، وتركته معطية ظهري لوجهه، وافتعلت أني مشغولة بأي عمل...! تركته، خرجت من الغرفة، بدأت في استكمال ما بدأت في عمله من شغل البيت، سريعاً، سريعاً، حتى أتفرغ تماماً، فالوقت يجري الآن بسرعة، أنهيت وأنتهيت من كل ما أردت هدمه وبناءه في البيت، وسرعان ما استبدلت ملابسي المتعرقة، بملابس أخرى نظيفة، ووضعت عطراً مثيراً حول عنقي، وغيرت الوردة التي بجوار الكمبيوتر، ووضعت أخرى أكثر نضارة، وأزلت كل ذرات التراب المحيطة بالكمبيوتر، جعلت كل شيء يلمع أمامي، أعطيت عناية أكثر للشاشة، لأنها هي التي سأرى فيها يوسف، لا، لا، حسن . استرجعت كلامي معه أمس، كم كان رقيقاً، مجاملاً، يزداد اشتياقي إلى الدخول على «الماسنجر»، وانتظار حسن، أدرت زر تشغيل جهاز الكمبيوتر، قلبت سريعاً في بعض المواقع، وأدرت «الماسنجر»، فوجدت إسعاد تتثاءب أمامي، سلَّمت عليها سريعاً، طلبت مني البقاء معها، لكني اعتذرت متعللة بأني متعبة اليوم، ظهرت علامة اتصال حسن بالماسنجر، أغلقت الكاميرا، ودخلت على الفور، فتحت مربع الحوار بيننا. حياني قائلا: كيف حال الحلوين النهاردة؟ استشعرت منه لغة طبية محايدة، لم تعجبني، كنت متوقعة أن لهفته لي أكثر من ذلك، لكني رجعت إلى نفسي قائلة، أنت بالنسبة له مجرد علاقة جديدة، طبيب، يبحث عن زبائن، أو عن أصدقاء، فليس لك أن تتوقعي أكثر من هذا حتى لا تتعبي نفسك يا ليلى، في الحقيقة كان صوت العقل داخلي عالياً هذه المرة أقنعني بمنطقه، عدت إلى حسن : الحمد لله. تعجب من تأخري في الرد عليه، تعللت بأن كتابتي بطيئة على لوحة المفاتيح، صدقني على الفور، لكنه عاد وطلب مني أن أسرع من حركة أصابعي حتى لا يهدر وقت كثير خلال المحادثة، أجبت بنعم. سألني مرة أخرى: ليلى، ممكن أسألك سؤال؟ ليلى: تفضل. حسن: ما الذي دفعك للكتابة لي، هل تعانين من أي شيء؟ فاجأني بهذا السؤال المباشر، لكن صراحتي سبقت لساني، فقلت له لأنك تشبه شخصاً عزيزاً إلى نفسي. حسن: تحبينه يا ليلى؟ ليلى: نعم حسن: تحبين شخصاً غير زوجك؟ ليلى: قبل أن أعرف زوجي، عرفته، أحببته. حسن: وماذا حدث بعد ذلك؟ ليلى: افترقنا، ومات. حسن: ياااه، نهاية موجعة جداً، الله يكون في عونك، وزوجك ألا تحبينه؟ ليلى: والله بصراحة جداً، العلاقة بيننا، متوقفة عند حدود العشرة لمدة طويلة من عمر كل منا. حسن: لكن هذه معاناة حقيقية. ليلى: لست وحيدة في هذه المعاناة، زوجات كثيرات أعرفهن يعانين المشكلة نفسها مع أزواجهن الذين لا يراعون مشاعر الزوجة، ولا يجددون معها الحياة كما تتمنى، فالمرأة مثل النبات الأخضر الصغير، دائما يحب الرعاية والحنان والشعور بالاحتواء. حسن: إيه دا كله، دا أنت شاعرة كمان. ليلى: أبداً، لا شاعرة، ولا حاجة، دي حياتي التي أحياها يومياً، وأعانيها أشد المعاناة. حسن: احكي يا ليلى، أنا أسمعك، كلي آذان صاغية يا صاحبة العزة. ليلى: دعك مني أنا، احك لي أنت عن نفسك. حسن: أبداً، أنا دكتور لم أستطع تكوين مستقبلي المادي في بلدي، ووجدت فرصة عمل في الإمارات براتب أستطيع من خلاله تحسين مستواي المادي، ومستقبل أولادي من بعدي، هكذا فكرت. ليلى: وما الذي جعلك تنشر في هذا الموقع الإلكتروني الذي رأيت عليه مقالك؟ حسن: والله، طريقة من طرق الإعلان، حتي يعرفني أكبر عدد من الناس. ليلى: هكذا توقعت. حسن: ماذا توقعتِ؟ ليلى: أن سبب كتابتك هو البحث عن زبائن أكثر. حسن: وهل في هذا عيب؟ ليلى: لا أبداً. حسن: ممكن أشوفك، شغلي الكاميرا استشعرت منه أمراً ذكورياً لم أقبله فادعيت أن الكاميرا الخاصة بي عطلانة. حسن: يا خسارة، كنت أتمنى أن أراكِ تتحركين أمامي. ليلى: أتحرك أمامك؟ هل أنا حشرة تحت الميكروسكوب حتى تود أن تراني أتحرك لتراقبني. حسن: لم أقصد، قصدت أن أراكي فقط. فرصة تانية، كلمني أنت عن زواجك حسن: تصدقيني لو قلت لك إننا نتحدث من نبض واحد، كنت أحب إنسانة، الفرق بين قصتي وقصتك أني عرفتها وأحببتها بعد زواجي، تحولت حياتي، انقلبت رأساً على عقب، قررت الزواج بها، أقنعتني أنها تحبني مثلما أحبها، وأكثر، لكن العقبة هي زواجي من امرأة غيرها، وقالت لي بلهجة حسرة، ياه لو كنت جيت بدري شوية يا حسن، كانت حاجات كتير جداً اتغيرت في الدنيا...، بعد أن سمعت هذا الكلام منها، فكرت أن أطلق زوجتي، لكني تمهلت قليلاً لاختبار مشاعرها تجاهي، فكرت في حيلة ماكرة هو أن أخبرها أن مشاكلي مع زوجتي تزداد تأزماً يوماً بعد آخر، والحياة صارت مستحيلة، وأن مشاجرتنا تتكرر يومياً، ويبدو أن أحداً رآني معكِ فأخبرها بأني على علاقة بكِ، فطلبت الطلاق، ثم أخبرتها بعد مدة بأن الحياة صارت مستحيلة، وأخبرتها بعد ذلك بأني طلقتها، ويجب أن نتزج فوراً، لأني لم أتعود أن أحيا من دون امرأة، وجدتها تتراجع عن موقفها معي، وتتهرب من لقاءاتها بي، وتدعي شعوراً بالذنب، وأنها لن تكون سعيدة معي، وهي تشعر أنها بنت سعادتها على خراب بيت امرأة أخرى. حقيقة يا ليلى، وجدت ما توقعت منها، حمدت الله، وعرفت قيمة زوجتي بعدها، وحافظت عليها برموش عيني. ليلى: واضح إنك تعبت جداً في حياتك. حسن: تصوري أن احنا بنتكلم منذ أكثر من ساعتين من دون أن ندري، أنا مضطر أستأذن الان، وحاولي غداً يكون عندك كاميرا يا ليلي، أوكي. ليلى: إن شاء الله يا حسن. خرج حسن من المحادثة التي دارت بيني وبينه، ثم سرعان ما أعطاني رنة على هاتفي الجوال، حاولت الاتصال به، فلما رد قال إنه فقط يداعبني. تركته، وأنا أطير بجناحين في سماوات عالية بعيدة عن الأرض التي أسير فوقها، جمعت أشلاء مشاعري المتناثرة هنا وهناك، غبت عن الوعي في غفوة صغيرة، حلمت بيوسف، وحسن في الوقت ذاته، رأيت وجه كليهما ينصهر في بوتقة واحدة مكوناً ملامح أخا ذة، لم أدر ساعتها الفرق بين حسن ويوسف، ذابا في شخص واحد، وكلانا يعاني، وكلانا كان على موعد مع الآخر في اليوم التالي... أفقت من غفوتي، فوجدت نفسي لا أزال ممدة على كرسيَّ المنجد بعناية، وهو المفضل عندي، والكمبيوتر لا تزال شاشته مضيئة، آه لقد تركته يعمل ونمت، كان الوقت قد جاوز الثانية عشرة مساء، أدرت مرة أخرى جهازي للبحث عن إسعاد، وجدتها لحسن الحظ نائمة، لكني وجدت رسالة منها، تسألني مع من كنت أتحدث؟ لم أعبأ بالرسالة، ولا بصاحبتها، كما لا أشعر حركة دوران الأرض من تحت قدمي، كنت حالمة في عوالم وردية كفتاة تخطو خطوتها الأولى في حبها الأول، كم تزهو وتريد أن العالم كله يعرف أنها تحب، قررت أن أروي ما يدور بيني وبين حسن على الماسنجر لإسعاد، لكن تراجعت متساءلة ما الذي دار بيني وبين حسن؟ ليست هناك تفاصيل تهم إسعاد وترتبط بعلاقتنا سوياً... لكنها سألت؟ ليس مهم سأخبرها بأني لم أغلق الماسنجر ونسيت الجهاز طوال الليل يعمل. قررت أن أنام اليوم مبكراً، لأصحو مبكراً، وأنا أتمتع بمزاج معتدل هذه الليلة، أفرغت شحنة الإفشاء التي تقلق المرأة، تحدثت إلى حسن، وفي حديثه معه استشعرت أني أفكر بصوت عال، هو لا يراني، لا يعرفني، كل ما أريده أن أتكلم، وأسمع من على الجانب الآخر. حينما استيقظت، ذهبت إلى الحمام، نظرت في المرآة، وجدت كلتا وجنتيا توردتا، وشفتاي قد أحمرتا، ونهراً عذباً صافياً يجري في مشاعري، فكل حياتي خلال اليومين الفائتين قد تغيرت رأساً على عقب، فرحت بملامحي الجديدة، أعددت لأولادي فطورهم، وأيقظت عبد الله . وكالعادة اليومية، خرجوا جميعاً، وعاد عبد الله لنذهب سوياً إلى العمل، كنت قد ارتديت أحلى ثياب لدى، وبمنتهى الرشاقة نزلت سلم البيت وأنا أغني وأدندن مع نفسي أغنية أم كلثوم حاقبله بكرة وبعد بكرة، وبعد بعدو وأقوله بكرة... ينظر عبد الله نظرة خبيثة مشككة في قواي العقلية، ثم حدثني بصوت مرتفع قائلا: ايه ليلى، إنت تعبانة النهادرة، فيه إيه؟ قلت له: أبداً مافيش حاجة، قال: طيب خلاص بلاش الصداع اللي إنتِ عامله ده، اسكتي. لم تكن هذه هي المرة الأولى التي يغتال فيها عبد الله براءتي، فهو قد اعتاد أن ينهرني كالأطفال ليس مهما لا المكان، ولا الزمان، المهم العقاب الفوري، حتى لا أنسى سبب معاقبتي، ولا أعود إلى ما أغضبه حسب وجهة نظره، غصت في ذاتي، عدت سنوات طويلة إلى الوراء، تذكرت وقت أن ذهبنا أنا وهو لزيارة أخته في منزلها، وحينما طلب مني أن أناوله كوب الشاي الذي أعدته أخته، حاولت أن أضحك معه، وقلت قم أنت وخده، ساعتها استشعرت بركاناً خامداً، وسرعان ما تقاذفت الحمم من فم عبد الله ، وقام من فوره ممسكاً كوب الشاي، وأمام أخته، وأولادها قذفني بالكوب الساخن، ورأيت ملامح تحريضية في عين أخته، على رغم أنها تظاهرت بمحاولتها تهدئة الموقف، وغصبت ساعتها، وتدخل أخوتي، وإخوته، وأصلحوا بيننا، تباً لك يا عبد الله كأنك الآن تقذف بكوب الشاي الساخن مرة أخرى تجاهي... استشطت غضباً، صمت، وأنا ألعن كل لحظة عشتها معه...! وبسرعة عدت إلى حسن وتناسيت مع قاله عبد الله وبقيت على حلم المساء، واللقاء المرتقب بيني وبين حسن عبد السلام، أو يوسف . فمضيت اليوم كله على أمل هذا اللقاء. { عدت إلى المنزل، مسرعة بعد الانتهاء من برنامجي اليومي، حرصت على الانتهاء اليوم من كل أعمالي مبكراً نسبياً عن الأمس، حتى تتسنى لي فرصة أكبر للجلوس مع حسن، عطرت الحجرة، نظفت كل شيء، المكتب، والوردة، والبرواز، ولمعت الأرضيات، كان البيت يلمع، وكأنه يستعد لاستقبال ضيف رفيع المستوي... وضعت مساحيقي الحمراء والصفراء، والخضراء، كل الألوان الجميلة التي تتناسب مع وجهي وملامحه، وضعتها... كانت كل حواسي في انتظار مجيئ المساء، وإطلالة حسن أمامي... رن جرس الباب، فتحت وجدت أمامي عبد الله فاجأني اليوم بعودته إلى المنزل على غير عادته في ساعة مبكرة، كان يأتي أحياناً في ظروف استثنائية، كأنه يقوم بعمل تفتيشي مفاجئ، استبدل ثيابه، وكان واضحاً أنه لن ينوي الخروج مرة أخرى. سألته عن سبب عودته مبكراً على غير عادته، أجاب بابتسامة باهتة: أبداً وحشتيني. ابتسمت ساخرة، وقلت له: وبعدين، ادخل في الموضوع مباشرة. قال: لا موضوع ولا غيره، خلصي اللي في إيدك، وتعالي أنا عاوزك النهاردة، عاوز أنام معاكي، تعالي بسرعة... اقترب مني وتحرش بنهدي بسرعة... قال: تعالي بسرعة. لم ينتظر ردي، لم ينتظر تعبيرات وجهي، ولم يلتفت إلى أي شيء، استدار متجهاً نحو غرفة النوم، فكرت يا ربي ماذا أفعل؟ حسن سينتظرني الليلة، ما ذا أفعل؟ ناداني عبد الله، صوته شتت أفكاري، ما كنت لأؤجل طلبه اليوم، لأني تهربت منه في ليالٍ سابقة، فكان ينغص علىَّ حياتي، ربما حينما فكرت أن أهبه نصفي الأسفل فقط استرحت قليلاً، لكن اليوم أريد أن أفر هاربة منه، كرر نداءه لي: ليلى، ساعة علشان تيجي؟ لم يكن أمامي مهرب من الإجابة كارهة، ذهبت بخطى متثاقلة نحو غرفة النوم، رأيت عبد الله تحت الغطاء من دون أي ملابس، مستعداً لالتهام وجبته الجنسية التي يعد لها، ويتحينها، رغم تفشيلي لمحاولاته العدة، اليوم قرر ألا أراوغ، وألا أتعلل بأي شيء. قال لي: تعالي بسرعة، رأيته يدلك قضيبه من تحت الغطاء، يستحثه على الانتصاب بسرعة. قلت له: تحب ألبس حاجة معينة؟ قال بشبق: لا تعالي بسرعة. خطوة خطوة ناحية الفراش، ترك قضيبه، وشدني نحوه، وكالعادة، بدأ معركته الجنسية، ملتهماً كل ماتبقى من جسدي ومشاعري، غير ملتفت كعادته أىضاً إلى أناتي وصرخاتي النابعة ليست عن متعة كما كان يتصور، بل عن ألم نفسي رهيب ينتابني كلما ولج قضيبه داخلي من دون استعداد من ناحيتي لذلك، ولم يصبر حتى تتم إثارتي، بل كان يؤلمني جدا، وعيناي معلقتان في سقف الحجرة، كما هو وضعي معه، وكنت من داخلي أترقب نزول سائله الدافئ حتى يفرغ من تكسير جسدي بكل ما يملك من خبرة زائفة في معاشرة النساء، كلها اكتسبها من أصدقائه الذين لا يعلمون عن المرأة ولا عن طبيعتها شيئاًَ، عرفت ذلك لأن بعض أصدقائه كانت زوجاتهم من معارفي الاتي كن يحكين تفاصيل الفراش لي، ويعتبرنني كمرشدة تربوية، أعرف كل شيء، متخيلات أني أعيش حياة مختلفة، ولا أعاني مثلهن. تذكرت مرة أخرى يوسف ، و حسن، أو تذكرتهما معاً في شخص واحد. تذكرت انتظار حسن على الإنترنت في الموعد المحدد، آه آه... ياه الآن قد انتهى عبد الله من معركته معي... انتهى هو، وانتهيت أنا، تكسرت عظامي، وانشق لحمي، ولم أتمالك نفسي من النوم الذي غلبني حتى صباح اليوم التالي، حتى أنني لم أقو على القيام للاغتسال. كان كل شيء ثقيلاً حتى نومي، كان مفزعاً مليئا بكوابيس عن الغرق، والموت، والانحدار من مكان مرتفع إلى أسفل... لم أهنأ بنومي هذه الليلة، وكعادة عبد الله عند الانتهاء من معركته، كأن شيئا لم يكن ربما يرتدي ملابسه ويخرج ليسهر مع أصدقائه، ويتركني من دون أن يفكر في عقلي ولا قلبي ولا مشاعري، ولا نومي أو صحوي. عبد الله أرهقني أكثر من المعتاد هذه الليلة، كان بادياً سعيداً بأمر لم أعرفه وقتها، لكنه في صباح اليوم التالي أخبرني أنه سيشتري سيارة صغيرة تقلنا إلى مدرسة الأولاد، وإلى العمل معاً، كان فرحاً بكل شيء بالسيارة التي سيركبها. وقال لي متفاخراً: إن أجمل خصوصية في الوجود للرجل أنه يركب وحده ثلاثة أشياء هي المرأة، والسيارة، والحذاء، وانفجر ضاحكاً...! شعرت إهانة كبيرة لمَّا قرن ذكر المرأة مع الحذاء، لم أعترض على كلامه بسخفه المعتاد، بل أعطيته نظرة اشمئزاز لم يعبأ بها، فقط توقف عن الضحك، وصمت مولياً وجهه إلى الناحية الأخرى... نزلت من السيارة أمام مدرستي الداخلية، وتركني منطلقاً كالسهم مسرعاً جداً، فرحاً بالسيارة الجديدة التي يركبها، لم تكن على أحدث صيحة، بل كانت مستعملة استعمالاً محترماً كما وصفها لي، فلقد أخذ يصف لي جمال ومزايا السيارة الجديدة لأكثر من شهر بعد أن اشتراها. كثر خروج عبد الله في المساء، وكلمَّا كنت أسأله كان يقول لي: شغل... شغل... إنت عاوزاني أقعد جنب الهباب اللي إنتي بتضيعي وقتك كله عليه، طيب إنتِ عبيطة، أنا مش عبيط، سبيني أخرج... كان سؤالي عن سبب خروجه فقط للمعرفة ليس أكثر، ولكي أطمئن أنه لن يعود مبكراً، كي أتمكن أنا من الدردشة التي تمتد بي لساعات طويلة. كنت جداً حزينة اليوم، لأني لم ألتق حسن أو يوسف، وحاولت أن أرسل له رسالة sms عبر الجوال أخبره فيها باعتذاري عن عدم مجيئي بالأمس، لكن رصيدي قد نفد، والأسبوع لم ينقض بعد حتى أحصل على مصروف الأسبوع التالي. اضطرني الحصار المادي الذي فرضه علىَّ عبد الله أن انتظر إلي المساء، هناك قد أجد حسن، وأشرح له الموقف. امتدت بي ساعات العمل، إلى أن انتهيت، واستعدت تكوري اليوم، للقضاء على كل أعمالي، وأسرعت إلى الكمبيوتر في موعد الأمس الذي اتفقت مع حسن على أن ألتقيه، أدرت زر التشغيل، وبعده «الماسنجر»، لم أجده منتظرني، أسرعت إلى بريدي الإلكتروني، كي أرسل له رسالة اعتذار عن ما بدر مني بالأمس رغماً عني، متمنية في الوقت ذاته أن يقبل اعتذاري، ويتم تواصله معي. وجدت في صندوق الرسائل الواردة رسالة من حسن يقول فيها: «اشتقت إلىكِ بالأمس يا ليلى، أين كنتِ؟ كيف نسيتي موعدنا؟ أ لهذه الدرجة الوعود لا تحمل عندك قيمة؟ دارت بي الدنيا دورة كاملة، وأنا أتساءل كيف ظن بي هذه الظنون، كيف تجرأ لأن يصف حالته عن عدم مجيئي أمس بالاشتياق، في الوقت ذاته أشعر في نبرته صدقاً غريباً يجرفني نحوه. لأول مرة بعد يوسف أسمع هذه العبارات، اشتقت إليكِ، موعدنا، هجومه الذكوري ضايقني نسبياً لكن براءته، على رغم عنفه كان رقيقاً كـ يوسف تماماًَ. استجمعت حروفي بسرعة، وبعثرتها في رسالة كرد على حسن عبد السلام، قلت فيها: لا تغضب كانت هناك ظروف أقوى مني بالأمس، لم أستطع الجلوس على الكمبيوتر أبداً، أنتظرك. وعدت إلى الماسنجر، وكانت يد على الفأرة واليد الأخرى تعبث بشفتي السفلى التي كادت أن تسقط من أثر ارتعاش ألم بها، وحكة غريبة، لم أشعر بها، أبداً في حياتي، كان هناك شبق لذيذ، وشعور بالخدر، وأنا في انتظار وصول حسن، وظهوره أمامي. اليوم قررت أن أشغل الكاميرا الخاصة بي، سأجعله يراني، وكيف يراني، لابد أن أستعد بكامل زينتي، أضع عطراً مثيراً، وأحيا عالمي الافتراضي... لحظات وأنا جالسة مكاني وعيناي محملقتان في الشاشة انتظارا لحسن، ظهرت علامة دخوله، وشعرت وقتها انتفاضة تسري بجسدي بأكمله. ماذا دهاكِ يا ليلى، ماذا حدث، أخرج ولا أكمل، لا أنتظر حتى أراه، أجبت رسالته بالدخول، قبلت دعوة تسجيل رؤيته عن طريق الكاميرا، وأدرت كاميرتي أنا الأخرى، ووضعت السماعة في أذني حتى أسمعه، وبمجرد أن قال: إزيك يا ليلى، أجبته على الفور: الحمد لله، إنت إزيك. قال: وحشتيني جدا، كنتِ فين امبارح، انتظرتك، وتعبت من الانتظار، حقيقي وحشتيني، وبعدين إيه الجمال دا كله، إنت جميلة جدا يا ليلى... ياااه دا أنا حظي سعيد جدا أني بشوف الجمال الرقيق ده. شعرت بإحساس غريب، تيار منعش يسري من أخمص قدمي ماراً لما بين فخذى، مستثيرا كل حس أنثوي بداخلي، شعرت سائلي يتدفق من كلامه، لأول مرة أسمع هذه الكلمات، تدور بي الدنيا، يا ربي ماذا أقول له؟ لم أجد الكلمات، تلعثمت، خرجت مني تنهيدة نشوى، باغتني على الفور قائلا: الله إيه دا كله، تنهيدتك دي جميلة جدا، تعرفي إنها أثارتني جداً. استجمعت أعصابي، ولم استطع أن استجمع ابتسامتي التي فضحتني على عين كاميرتي الخبيثة التي نقلت له شعوري فوراً. وقلت له: أرجوك يا حسن، إيه الكلام اللي بتقوله ده. لم يعبأ بكلامي، واستمر في وصف محاسني، من شعري إلى عيني، إلى أنفي، إلى لون بشرتي، إلى حجم ثدي المكتنز، إلى خصري، لم أستطع أن أقول أى شيء... كنت مستسلمة تماماً لكلماته التي أذابت فيَّ هذا الجليد الذي بناه عبد الله طوال خمسة عشر عاماً مضت. تباً لك يا عبد الله، لم تعرف يوماً أني امرأة كوردة عطشى لنقطة ندى في الفجر كي ترتوي، نداى كلمة حلوة تأسرني بها، أتوه في متاهات جميلة، لم أقدر أن أستجمع أعصابي، ولا مشاعري ولا شبقي، سائلي أسفلي يتدفق بغزارة، وكلمات حسن مستمرة في أذني، صوته يا الله، مثير جدا، به الشبق، والحنان، وبه يوسف . كل الأحداث تجمعت في مشاعر امرأة متعطشة إلى وترها ليعزف عليه رجل يجيد العزف، أتقن حسن العزف بمهارة، خرجت مني آه النشوي، قال لي: ياااه كل المشاعر دي جواكي، ومخبية، ليلى أنا بحبك... ازدادت غزارة مائي أسفلي، لم يحضر أمامي إلا شبق غائب عني طوال عمري الذي ولىَّ من دون أي استمتاع، أخذتني كلمته بعيداًَ جداً عند يوسف الذي قالها لي كثيراً قبل أن نفترق، تذكرت يدي يوسف واعتصاره لثديي برفق، وترديده كلمات نزار قباني عن ثدي، قائلا: وأدرته أهكذا كان مستديرا؟ كنت أستسلم ليدي يوسف وأنا في سنواتي الأولى، وكنت أستشعر نشوى، وحباً تجاهه، وهو أبداً لم يجعل إثارتي تصل إلى الذروة، قال لي: إنه يحافظ علىَّ، وعلى رغم وعوده لي بالزواج، إلا أنه أبداً لم يحاول أن تمتد يده إلى أبعد من ثدي.. وهو يردد أحبك يا ليلى... أحبك يا ليلى. لكن من وقتها وأنا لم أسمع هذه الكلمة أبداً، من أي مخلوق، لكني تعقلت كثيرا، ووقفت عند حدود هذه الشاشة التي أمامي، وأعتصرت أحلامي، وكبحت جماحي بشدة. قلت له: إيه الكلام دا يا حسن، إنت فاكرني إيه؟ أسرع في الإجابة: أجمل وأرق امرأة قابلتها في حياتي. قلت له: أنت لا تعرف عني شيئاً، أنا فقط الذي أعرفك؟ قال: كيف تعرفيني؟ ربما يكون وريدنا واحد، ويصب دمه من قلب واحد، وإحساسه من شعور واحد، ربما التقينا قبل أن نخلق، وربما خلقنا روحاً واحدة بجسدين. قلت له: إيه الفلسفة دي كلها يا حسن، إنت عاوز تفهمني إنك بالسرعة دي حبتني، الظاهر إني تسرعت في الكلام معك، أنا مضطرة أمشي، قلت هذه الجملة الأخيرة، وأنا أتمنى أن يعتذر عن ما قاله، وأدعو الله في قلبي لذلك. يا إلهي ماذا أصابك يا ليلى، إلى هذا الحد أصبحتِ ضعيفة؟ صرت كقطعة زبد وضعت في إناء ساخن، تدور، وتدور حول نفسها إلى أن تزول صلابتها، وتذوب، تعقلي، رويدا، رويداً على مشاعرك يا ليلى. رد على حسن: أرجوكِ، أنا آسف، أعتذر عن أي كلمة صدرت مني، أرجوكِ ابقِ معي يا ليلى. أغلقت الكاميرا الخاصة بي، فلم يعد يراني، لكني ما زلت أراه، وهو يعتذر لي، ويتوسل بكل الطرق التي تجعلني أسامحه كأن يرسل لي وردة الكترونية، أو شخص يعتذر، أو يبكي، كلها رسومات مصممة على الماسنجر لمثل هذه الظروف... قررت تغيير الموضوع، واللجوء إلى الأسئلة التي تدخلنا في موضوعات أخرى بعيدة عن شبقي الذي قتلني، وأحيا مشاعري الدفينة، وأزاح الركام عن الأنثى الكامنة داخلي... سألته: أين زوجتك يا حسن؟ حسن: في مصر ليلى: علشان كدة أنت تبحث على من يملأ فراغها حسن: صدقيني، والله أبداً ليلى: ومتى سترجع إليك؟ حسن: بعد ثلاثة أسابيع تقريباً ليلى: ترجع لك بالسلامة حسن: الله يسلمك استطعت بأعجوبة أن أنجو بنفسي من هذا الشلال الهادر الذي اندفع بداخل أحاسيسي ومشاعري، فصلت السماعة فوراً. اكتفيت بالكتابة على لوحة المفاتيح، حاول معي أن أعيد تشغيل الكاميرا، تعللت بأن هناك مشاكل في الإنترنت والأسلاك عندي، ورفضت أن أظهر ضعيفة أمام حسن أو يوسف ... مرت الساعات سريعة جدا، لم أدر بنفسي إلا و عبد الله يدير مفتاحه في قفل الباب لفتحه، استشعرته قريباً مني، أغقلت الماسنجر فوراً... وعدت إلى مواقعي التي كنت افتحها خوفاً من اقتراب عبد الله ناحية الجهاز ويرى ما أفعل، حتى لما سألني ماذا تفعلين؟ بعد أن قال : ازيك يا ليلى؟ قلت له: هناك معلومات أحاول تجميعها الآن عن مشاكل البنات، طلب مني إعداد الطعام، أعددته له، وحاولت أن أعود أدراجي مرة أخرى، لكنه جذبني نحوه، قبلني من وجنتي، وجذبني لفراشه، قبل أن يخلع ملابسه، طلبت منه أن يستحم أولاً، فهو لتوه عائدا من خارج البيت محملاً بالعرق، وتراب الطريق، والإرهاق، لأول مرة استجاب لي، ذهب على فوره بعد أن قال: معك حق يا ليلى، اليوم أنا مرهق جداً، وعاوز أستريح... كنت أتمنى اليوم بالذات أن يكون عبد الله هو طوق نجاتي من حسن الذي انزلقت معه في طريق، لا أعلم ما نهايته، ربما أضعف مرة أخرى معه، ربما أكون قوية طوال الوقت، ربما، لا أستطيع أن أفعل شيئاً، لكنى للحظتي متعلقة برؤية حسن أشد التعلق، جلست في الفراش انتظاراً لعبد الله، وعلى وجهي ابتسامة مصطنعة، محاولة بها إفراغ كل ما بي من شحنات شبقية. تركت نفسي له تماماً، يعبث بها كما يشاء، وكعادته لم ينتظر إثارتي، ولم ينظر إلى ابتسامتي، واكتفى بقوله: إنت اليوم شهية جداً، تعالي، شدني نحوه، وبسرعة اعتلاني، وتماماً ككل المرات... إلى أن تهدمت تماماً، لكني هذه المرة منذ ثالث أيام زواجي من عبد الله أفرغ شحنتي معه قبل أن يقذف ماءه الدافئ... ثم تركني وخرج مرة أخرى ليسهر مع أصدقائه، هكذا تبدل عبد الله بعد أن توسع في تجارته صار يسهر بشكل شبه يومي مع أصدقائه الذين كثرت أعدادهم، ولا يعود إلا بعد منتصف الليل تقريباً. نمت، باستسلام رهيب، وبداخلي مشاعر الانشطار، ما بين عبد الله زوجي، وبين يوسف الضيف الغائب العائد في صورة حسن، حتى أنني في نومي، مضيت الليل بأكمله معه في فراش واحد، ونحن نهنأ بمشاعرنا الصافية، يحتضنني، يمسح على شعرى، يفرك شحمة أذني برفق، تعلو وجهه ابتسامة صافية... هكذا مضَّينا الليل بأكمله سويا في نسمات رقيقة نتنفسها حتى الصباح... { وفي المدرسة... جاءتني إحدى الطالبات مذعورة تريد أن تتحدث معي في أمر خطير، أفزعتني معها، تمالكت نفسي ولم أظهر مشاعري الداخلية على ملامح وجهي، كنت أفلح في تمثيل هذا الآداء مع الطالبات. أخذتها ودخلنا مكتبي المحرابي الشكل، أجلستها، ولمَّا هدأت بدأت تروي لي عن قصة ابنت عمها التي انتحرت مساء أمس بسبب أنها الفتاة الجامعية التي أقامت علاقة مع ابن عمها من دون علم الأهل، حتى حملت منه سفاحاً، وأنجبت بنتاً جميلة. لم تجعل أهلها يشعرون بشيء، وأتفقت مع ابن عمها الذي رفض الزواج بها، على أن يلقيا الطفلة إلى جوار أحد المساجد، ونفَّذا ما اتفقا عليه. ألقيا الطفلة الرضيعة في الطريق، وخوفاً من افتضاح أمرهما أسرعا جرياً بعيدا عن المكان... وبعد ساعة عادت الأم إلى المكان ذاته لمعرفة مصير الطفلة... لم تفلح محاولتها، ولم تعرف عن ابنتها شيئاً، انهارت، ولم تتحمل الألم النفسي الذي حاصرها، وتصورات عن عصابات أطفال الشوارع، وعن مصير هذه الطفلة التي سرعان ما تكبر لتجد نفسها إما متسولة، وإما مقتادة لممارسة الدعارة، أو السرقة، أو... أو...، لم تتحمل هذه المشاهد المتتابعة، ولم تتحمل أن تبقى في الدنيا، وهي ترى أمامها ابن عمها النذل الذي ألقى بها وبابنته في الطريق، استشعرت أنها حشرة ملقاة في الطريق، دهستها الأقدام، لم تتحمل فألقت بنفسها من الطابق السابع...! أخذت الفتاة نوبة بكاء لم أتمالك نفسي، فبكيت معها... لكني بسرعة تمالكت دموعي، وسيطرت على دموعي، مسحتها بمنديلي الورقي المصاحب لي دائما، والتفت إلى الفتاة الصغيرة التي أفزعتني كلماتها. أتمت حكايتها ودموعها تنهمر بكاءً حارقاً مزق نياط قلبي المتعب من ليلة الأمس القريبة، ومن ليال كثيرة خاوية إلا من بكائي الطويل، ومتعب من مشاعر أنثى مهملة، ومن مشاعر أم استشعرت خوفاً على ابنتها الرضيعة، حتى بعد ارتكاب الجريمة. صدمتني قصة الفتاة، استمرت في روايتها باكية بحرقة على ابنة عمها، وتقول منهنهة: عارفة يا استاذة بنت عمي كانت مؤدبة خالص، والله كانت خجولة جداً، ازاي عملت كدا؟ تدور بي الدنيا، آسف على علاقات شيطانية تنبت من أرض بور، وتصعد في الهواء من دون جذور، ثم استوقفني ضميري بصوته الهادر، وذكرني بما فعلته أمس مع حسن، وما استسلمت له من كلمات عذبة وأنا في الأربعين، فكيف بفتاة في أوائل العشرينات من عمرها أن تصمد وتتماسك؟ لكن أنا لي ظروفي الخاصة التي دفعتني إلى هذه المشاعر المتضاربة، لا أبرر جريمتي، بل أخفف عن نفسي وقعها. هدأت الفتاة ثم انصرفت وأنا في عالم غير العالم، في دنيانا الحالمة، اذكر يوسف حيناً، و حسن حيناً، و عبدالله يطل بصورته أمامي ينهرني على أفعالي المراهقة من وجهة نظره... لم أقو في هذا اليوم على أي عمل، قبعت في مكتبي إلى انتهاء ساعات العمل، كان عبدالله ينتظرني اليوم أمام باب المدرسة بالسيارة الجديدة، ركبت واندفع بقوة، ترجرجت في السيارة ثم علا صوتي له قائلة: إيه ما تسوق بالراحة شوية. قال: ممكن تقعدي ساكتة. التفت إليّ وجد دمعة قد وجدت طريقها في وجهي متجهة إلى الأسفل كخيط رفيع متعرج. قال لي: مالك النهاردة عنيكِ مدمعة ليه؟ قلت له: أبداً، تراب دخل فيها. قال: تراب، آه، آه. نظر بغير اكتراث إلى طريقه، وهو يتمتم بأغنية من أغانيه التي يحبها، إلى أن وصلنا المنزل، كان هو قد قام بإحضار الأولاد من مدارسهم من قبل، وجعلني في آخر المطاف. دخلنا البيت سوياً، تناولنا طعامنا، وبينما نحن نأكل دارت عيني فرأيت ابنتي الصغيرة، أشفقت عليها من مستقبلها الذي لا يعلمه إلا الله، دعوت لها في نفسي، ودعوت لكل البنات في هذا الزمان أن يحفظهن الله، تذكرت أني أحتاج لدعوة من هذه الدعوات الجميلة، فدعوت الله لي بالهداية. نمت ساعتين، وبعد استيقاظي وجدت رقم هاتف حسن مسجلاً على هاتفي الجوال، لم أقم بشراء بطاقة شحن الهاتف إلى الآن، لم يحن بعد موعد أخذ مصروف الأسبوع. دخلت بسرعة على الإنترنت، أدرت الماسنجر، وجدته في انتظاري... حسن ينتظر أن أدخل، وبسرعة كتب لي مرة أخرى: بحبك يا ليلى. صمت برهة... وجدته يكمل: مالك، أنا مش عاوز منك رد على كلمتي هذه، بل أريد منك فقط أن تكوني معي. رددت عليه: طيب أنا معاك. حسن: وحشتيني يا رقيقة. ليلى: والله أنا مش رقيقة ولا حاجة دا أنا متنيلة بنيلة. حسن: أنا شغلت الكاميرا، شايفاني. ليلى: نعم، وأنا كمان شغلت الكاميرا حسن: وإيه رأيك فيّ؟ استعرض حسن وجهه أمام الكاميرا، ثم رفع يديه لأراهما، وياللهول، رأيت في اصبعه خاتماً جميلاً، اكتملت عندي صورة يوسف، بدأت القشعريرة تدب في أوصالي مرة أخرى، طلبت منه أن يظهر لي خاتمة بوضوح، كرر رفع يده، رأيت الخاتم في كامل استدارته، لاحظ هو إعجابي بالخاتم، قال لي: هل يعجبك؟ ليلى: نعم. حسن: أخلعه لك. ليلى: لا، لا، لا حسن: ما بك؟ ليلى، لا شيء أنت إزيك؟ حسن: الحمد لله. ليلى: احك لي عن يومك. حسن: أنا مش مهم دلوقت، المهم أنت شكلك باين عليك مهمومة، ليه يا ليلى؟ رويت له قصة الفتاة التي جاءتني اليوم إلى مكتبي بالمدرسة، تأثر لحالها، ولحال ابنة عمها، كاد يبكي... قال لي: كل يوم تحدث مثل هذه الحوادث، وتتكرر بشكل لافت، لا تنسي يا ليلى مشاكل المواقع الإباحية التي يدخلها الشباب والبنات، وما فيها من إثارة، ومشكلات العنوسة، والبطالة، مشكلات كثيرة جداً حولنا. ثم استدرك: إيه تقل الدم ده، إحنا بنتكلم عن المشاكل دي، هو إحنا ناقصين مشاكل؟ وحشتيني بجد يا ليلى. ليلى: وأنت. حسن: بجد يا ليلى، وحشتك، أرسلت لك صوراً لي، شفتيها؟ ليلى: ليس بعد، سأراها الآن. فتحت ملف الصور المرسلة لي فإذا بصوره وهو في عيادته، وفي بيته، أرسل لي خمس صور كلها تنطق برجولته المثيرة، حفظتها على جهازي مع رسائله التي أرسلها في ملف خاص باسم حسن عبدالسلام، وعدت إليه، هذا الملف الذي كنت أخفي فيه كل أحاسيسي بعبد الله، ويوسف، وأخيراً، وضعت فيه كل ما يدور بيني وبين حسن... كل شيء، كل شيء...! ليلى: أنت دخلت عالمي بقوة يا حسن. حسن: جمالك ومشاعرك الرقيقة أخذتني يا ليلى. ليلى: آه. حسن: آهاتك تثيرني يا ليلى، يا أجمل من في الكون، أنت المرأة الوحيدة التي قابلتها وكانت صادقة إلى أبعد حد، أخذتني بعيداً بحيث لا يمكن أن أتركك. ليلى: آه آه. شعرت وقتها باستثارتي مرة أخرى، أحسها حسن من آهاتي المنفلتة، فجأة رأيته أمام كاميرتي يظهر لي شعر صدره الكثيف، مستعرضاً جسمه الذكوري. وهم بخلع بنطلونه ليكشف عن أعضائه التناسلية، وأنا في صمت أنظر إليه، إلى رجولته، إلى صدرٍ كم اشتقت لأن يضمني، ولذكره المنتصب، من دون أن يلج داخلي، لم أتماسك، أزدادت آهاتي المتعطشة. بسرعة أغلقت الكاميرا، والماسنجر، وكانت استثارتي بلغت مداها، لم أتمالك نفسي، إلا وأنا منطلقة نحو الحمام، سكبت على جسدي الماء البارد بسرعة، وأنا بكامل ملابسي، جسدي بكل ما فيه يرتعد من الإثارة التي سرت في دمي.. رن جرس هاتفي المحمول، ضغطت زر الإجابة، فإذا به حسن، صرخت فيه وأنا أتأوه كمن يجري، إيه اللي عملته ده، أنا مش حكلمك تاني، وأغلقت السماعة... عاود الاتصال، سمعني أبكي، حاول أن يخفف عني، قلت ومن دون أن أدري: أنا تعبانة، تعبانة يا حسن، بدأ حسن ينفث في أذني صوته المثير، واستغل الفرصة... حاول أن يتحرش بكل مشاعري... هربت منه مرة أخرى، أغلقت هاتفي، وأكملت سكب الماء البارد على جسدي حتى هدأت تماماً، وبدلت ملابسي، وحاولت أن أنام فنمت. لم أدر بنفسي، إلا و عبد الله يقف بجواري، يناديني: ليلى، ليلى استيقظت، طلب مني أن أنام في فراشه، مسحت عينى لأزيل النوم وآثاره منهما، ذهبت مجرجرة ساقى نحو فراش عبد الله، كان ينوى أن ينال مني الليلة، لكنه أمانيه لم تتحقق إذ أن النوم قد غالبني مرة وأخرى ولم أستطع الاستيقاظ حتى الصباح. استيقظت في صباح اليوم التالي، وجدت عبد الله إلى جواري عارياً تماماً، حاولت أن أتذكر ما صار بيننا بالأمس، تأكدت من أنه لم ينل مني شيئاً... أيقظته، قام من نومه عبوساً، لم يتكلم كثيراً، ارتدى ملابسه، ودرنا سوياً في فلكنا اليومي... ككل الأيام، العمل، وما بعد العمل، وما بعد بعد العمل، الإنترنت.. بكيت بيني وبين نفسي، كيف أصل إلى هذا المستوى مع حسن أن أراه كما بدا لي بالأمس، رسائله لم تنقطع منذ أمس على هاتفي الجوال، كلها اعتذارات رقيقة، واستعطاف لأن أكمل معه هذا الطريق الذي حاول أن يقنعني بأن كلانا يحتاج إلىه بقوة. ولمَّا فتحت بريدي الإلكتروني وجدته مرسلاً لي صوراً خاصة به، صور عارية، مظهراً ذكره منتصباً، وغابة من الشعر تكسو صدره العريض، صوره كانت مثيرة جداً لي، جلت ببصري كمراهقة في سن الأربعة عشر، حلمت من أحلام اليقظة أننا.... أفقت وأنا أنظر إلى كامل جسده. فكرت أن أعطيه ما يريد، تراجعت قليلاً، فكرت في أولادي، ماذا لو عرفوا يوماً من الأيام ما دار بيني وبين حسن؟ لكن من أين سيعرفون؟ الأمر بيني وبين حسن فقط، لكن من يدريني لعل حسن سيفشي السر يوماً ما، أو ربما يساومني عليه... ربما، لكن على أي شيء سيساومني، إنها ليست صور فوتوغرافية أو خطابات بريدية، إنها كلها إلكترونية، حتى أنها غير معترف بها قانونياً، ليلى... ماذا داهكِ، أتفكرين أن تفعلي مثل حسن، أن تخلعي ملابسك أمام الكاميرا، أن تشاهدين أعضاءه، ويشاهد محاسنك، و عبد الله زوجي، صاحب الحق الرئيس، عبد الله لم يكن يملأ فراغ مشاعري، ولم يكن يعتني بي مطلقاً، حتى ولو؟ كيف أكون خائنة؟... أية خيانة؟ إنها إلكترونية، وليست على الحقيقة... حسن لا يعرف أين أقيم، ولا اسم زوجي، ولا حتى اسمي كاملاً، ربما تلتقيا يوماً، سأعمل جهدي حتى لا نلتقي، ربما يلتقي زوجك؟ لن يعرف كلاهما الآخر، ربما يلتقي إحدى بناتك؟ ربما يلتقيهم جميعاً ليس مهماً، فهم لا يعرفونه، وهو لا يعرفهم، هو يعرف ملامحي أنا، وحتى ملامحي على كاميرا الماسنجر، من الصعب جدا تمييزها في الواقع... وسوسات شيطاني كانت أقوى مني، والفراغ الذي تركني فيه عبد الله بعد أن ينام الأولاد يقتلني، يترك لشيطاني الفرصة كاملة للوسوسة، واستسلامي لها، ولحسن. تعقلي يا ليلى... تعقلت كثيراً، وكاد عقلي يميتني، ماذا أفعل؟ هل أمارس الحب على طريقة حسن ؟ أم على طريقة يوسف ؟ أم على طريقة عبد الله، أم على طريقتي الرومانسية الحالمة؟ يا ليلى... كل الطرق تؤدي إلى الجنس... تذكري! يوسف حافظ على براءتي وعذريتي، عبد الله انتهك كل مكامني، حسن يريد أن يحصل على ما كل ما تمتد إليه يده أو بصره، ولو مؤقتاً... تعبت! أعددت لنفسي كأساً من الليمون البارد لعله يهدىء أعصابي المنفلتة، وجلست مرة أخرى أمام شاشتي والماسنجر من جديد، فتحت فإذا بحسن ينتظرني مرة أخرى... أدار زر تشغيل الكاميرا الخاصة به، فإذا به جالس أمامي بكامل رجولته، اعتذر لي عن كل ما صدر منه، ووعدني بعدم التكلم فيه مرة أخرى، حمدت الله أني أنقظت من هذا المأزق الذي كدت أنزلق فيه. طلب مني تشغيل الكاميرا الخاصة بي، أدرت زر الموافقة، رآني، سرعان ما بدأ يثني على ملامحي المثيرة، وقال لي: إذا كنت ترفضين أن تظهري أمامي عارية، فلا أقل من أن تبادليني حباً بحب يا ليلى، صمت برهة، ثم أغلقت الكاميرا، أعلن هو استياءه، وقال لي إنت لا يمكن تكوني إنسانة لها قلب ومشاعر، أغلقت الميكروفون، كتب أمامي جملاً كثيرة كلها تتهمني بقسوة القلب، والشدة، وأنا أتمزق من داخلي، كيف لها أن يصفني بهذه الأوصاف القاسية، كيف له أن يجرؤ على هذا، بينما من داخلي، شعرت ارتعاشة تسري بكامل جسدي، أرسل لي دعوة فتح الكاميرا، ومن دون أن أشعر قبلت الدعوة، حاولت أن أتحدث، لم يترك لي فرصة الكلام، كانت كلماته في أذني ساخنة، أذابت كل برودي، حفزت في مشاعر الأنثي، انفلتت مني آه النشوى، تمكن هو من السيطرة بإحكام على كل جسدي، بالرغم من أننا لم نتلامس، سرعان ما خلع ملابسه، وأمرني بقوة قائلاً: أخلعي ملابسك، ذكرني عنفه بقوة أمي في تحذيراتها عليك أن، ويجب ألا....، وكما كنت أستسلم لأمي، وكما كنت استسلم لعنف عبد الله وجره لي نحو فراشه بقوة في أغلب الأحيان، استسلمت لحسن تماماً، فعلت من دون تردد، من دون تفكير، شعرت إثارة تسري بكامل جسدي، تحسست ثديىَّ، رأي حلمتيَّ وأنا أفرك فيهما من شدة الإثارة التي دبت بداخلي، ازداد شبقي قذفت ماءً كثيراً، وحسن يستعرض أمامي عضوه الذكري، ويفرك فيه بقوة، وأنا أفرك في ثدييَّ وأسفلي، إلى أن قذف سائله أمام عيني، ونحن نتبادل العبارات المثيرة التي لا أدري كيف عبرت فوق لساني، قذفت نشوتي كاملة، كانت موجعة، أصابني خدر لذيذ، استشعرت رغبة مكبوتة انطلقت من داخلي، أغلقت بعدها الكاميرا، وأغلقت الكومبيوتر، وبكيت طويلاً... استشعرت ندماً شديداً، تذكرت أن حينما استسلمت لأمي، ثم لعبد الله، ثم لحسن، لم أكن استسلم لـ يوسف حبي الحقيقي، لأنه هو الوحيد الذي كان يحبني، ويحافظ علىَّ، كان يخشى أن أشعر ندماً يوماً ما، وبابتسامته البريئة كان دوماً يخفف عني ما أعانيه من قسوة أمي التي تعودت الخضوع لأوامرها من دون تفكير، حتى أحصل على لقب مؤدبة في نظر الجميع. وبالرغم من كرهي الاستسلام طواعية لأمي ثم لعبد الله، إلا أنني شعرت اليوم أن استسلم لحسن رغماً عني، ربما لأني عانيت كثيراً من الكبت الذي وضعني فيه مجتمعي الذكوري الذي لا يعرف إلا الرجل في كل تعديلاته الدستورية أو حتى القانونية، لابد من مراعاة جانب الرجل الحر أولاً، ثم تأتي المرأة التي يراها مجتمعها أنها مجرد تابع للذكر، المجتمع الذي يخجل فيه الذكر أن يعرف اسم أمه أو أخته أو زوجته، وحين يذكر اسم الزوج فيقال السيد فلان والسيدة حرمه.. تباً لكل يجب أن...، ويجب ألا...، التي جعلت دائما الخيانة أنثى! نظرت إلى مرآتي الموجودة في غرفة نومي، وجدت ملامح امرأة مشوهة. سألت نفسي: أين أنت يا ليلى؟ أين أنت يا أستاذة؟ يا مرشدة تربوية؟ ماذا فعلتِ؟ لم أستطع الرد على نفسي بإجابة واحدة، أنَّبت نفسي بشعور الخيانة الذي تسرب إلى ضميري، وشعرت أني حشرة ملقاة على الطريق... بكيت طويلاً حتى ساعات الصباح الأولى! حلَّ الصباح، وأنا لم أنم دقيقة واحدة، لحظات وسمعت ابني يوسف يئن ويتوجع، انطلقت إليه وجدت حرارته مرتفعة، أيقظت عبدالله، أفاق في لحظات، أخذناه وانطلقنا به إلى أقرب طبيب، حرارته تجاوزت الأربعين، وارتعدت فرائصي خوفاً عليه، شعرت أن الله ينذرني، يريد أن يحثني على التوبة، قررت ألا أعود إلى ما فعلته مع حسن أبداً، خوفاً على أبنائي الذين تحملت لأجله كثيراً من المعاناة، يكفي تحملي عبدالله الذي أشعر بأنه يكرهني، بل ويحتقرني. جرس الهاتف الجوال الخاص بي أخذ يرن، ويرن، أنظر إلى الرقم فإذا به حسن، رفضت الإجابة، كان عبدالله قريباً جداً مني، سألني عن الطالب، كذبت عليه قائلة إنها إسعاد، صدقني كعادته، ولم يكترث.. حسن مستمر في طلبه لي، حالتي النفسية كانت في أحط مستوياتها، خوفي على ابني، خوفي على شرفي الذي تخليت عنه لأول مرة في حياتي، انكشافي على رجل غريب عني، مهما كان يشبه يوسف، فهو غريب عني..! الحمد لله انخفضت حرارة يوسف وعدنا به إلى البيت محمَّلين أنا وأبوه بمشاعر قلق رهيبة على الولد. عبدالله يعتبره خليفته في الدنيا بأسرها، وفي البيت، ويؤمل فيه أن يقوم مقامه في أي لحظة حينما يتذكر الموت يذكر أن ابنه يوسف هو الوريث الوحيد ذكورياً لحماية البيت من بعده، ومن سيأخذ العزاء فيه، هكذا كان يردد دائماً. لم أتحمل إدماني لممارسة الجلوس أمام شاشة الكومبيوتر، كان عبدالله في أشد حالات الانفعال قلقاً على يوسف، وبمجرد أن رآني متجهة ناحية الكومبيوتر، فزع فيَّ صوت عال: يا هانم شوفي ابنك الأول، وبعدين هببي اللي عاوزه تهببيه، والله ما أنت قاعدة على الكمبيوتر النهاردة، وإذا خالفتي يميني ده والله لأكون كاسره لك. روعني تهديده، خشيت على ابني وعلى نفسي من انفعالات عبدالله، لملمت نفسي، وجلست إلى جوار ابني، وشعرت أن عبدالله يراقبني بقوة هذا اليوم، ربما انفعالاته وقلقه تجاه ابنه زادت من حدته معي.. ربما...! رن جرس الهاتف، تواريت وضغطت زر الإجابة، سمعت صوت حسن يقول لي: إزيك يا ليلى، وحشاني جداً، أين أنتي، أنا عايزك على الانترنت، قلت له بصوت ضعيف حتى لا يسمعني عبدالله النهاردة ما ينفعش، ابني حرارته مرتفعة، وذهبنا به إلى الطبيب، والحمدلله نزلت الحرارة شوية. فاجأني حسن قائلاً: طيب أنا عايزك دلوقت؟ أجبته: ابني يناديني. حسن: ليلى، أرجوكِ أنا عاوزك، أشتهيكِ. ليلى: ابني يناديني. سمعت صوت عبدالله يقترب مني، أغلقت السماعة فوراً، ثم أغلقت التليفون وذهبت أدراجي إلى جوار ابني، أغيِّر له الكمادات الباردة، حتى هدأ تماماً. قال لي عبدالله : ادخلي نامي أنت يا ليلى، وأنا حكمل سهر لحد ما أطمن، قمت من مكاني وقلت له تصبح على خير يا حسن. فزع عبدالله: حسن مين ده يا ست هانم يا محترمة؟ اضطربت بيني وبين نفسي، تلعثمت، لم أقو على الرد، تمالكت قائلة: زلة لسان، كنت بتفرج على فيلم في التلفزيون واسم البطل جه على لساني من غير ما اشعر، صدقني يا عبدالله... كظم عبدالله غيظه من أجل ابنه المريض، ودفعني بعيداً عنه، وولّى وجهه ناحية ابنه، وجلس إلى جواره حتى بزوغ فجر يوم جديد. وفي صباح اليوم التالي... استيقظت في موعدي تماماً، وأسرعت للاطمئنان على ابني يوسف، وجدته لا يزال نائماً، ووجدت هاتفي الجوال عليه عشرات الرنات من حسن . أيقظت الأولاد و عبدالله، خرجوا جميعاً إلا أنا بقيت في المنزل مع يوسف أراعيه، خرجوا جميعاً، أعددت افطاراً خفيفاً لـ يوسف، ونام بعدها مرة أخرى. ذهبت أنا إلى جهاز الكمبيوتر محاولة إخفاء الملف الذي سميته حسن عبدالسلام، وكل ما يتعلق بما دار بيننا، لأني كنت سجلت خواطري في صفحات خاصة بي، فكرت أين أخفي هذه الملفات، فمن الممكن أن يكسر عبدالله الكمبيوتر في أي لحظة الآن كما هدد، خصوصاً أنه ماهر في كسر الأشياء، تذكرت حين قال ليوسف ذات يوم قم من أمام التليفزيون، ولمَّا لم يقم أسرع عبد الله بكسر التليفزيون، وبقينا قرابة الشهر من دون جهاز جديد، وتحت توسلاتي من أجل الأولاد، اشترى عبد الله تلفزيوناً آخر، واشترط علينا شروطاً قاسية حتى لا يتم كسره مرة أخرى. فكرت كثيراً، فلم أجد أأمن من جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بـ عبدالله، عملاً بالمقولة إن أأمن مكان للص هو قسم الشرطة، بالفعل قمت بعمل نسخ من الملفات ووضعتها في جهاز عبدالله، بل وأخفيته حتى لا يلاحظه صدفة. أدمنت الجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، أبحث عن ذاتي الضائعة، والتي تصر على السقوط من دون شعور مني لإيقافها عن هذا الانحدار الذي أخذت أشكاله تتصاعد بتكرار لقاءاتي بـ حسن على الإنترنت، وأنا عارية تماماً، أداعب كل محاسني التي يشتهيها حسن، ويقول لي: امسكي...، افركي...، افتحي...، امسحي... كنت أفعل وأنا أتأوه من نشوى غائبة عني سنوات طويلة. لكن العجيب وقتها أني كنت أعطي عبد الله متعة أكبر، وكل حرام مارسته مع حسن مارسته حلالاً مع عبد الله، وشعوراً من ناحيتي بكلماتٍ معسولة، كلها تدل على مدى كفاءته الزوجية معي، كان يبتسم، وهو يتصور أنه بالنسبة لي كل الرجال مجتمعة، يتركني، وبعد أن يذهب إلى أصدقائه، أذهب أنا إلى الكمبيوتر، بعد الاتصال بحسن للدخول على الماسنجر، ونمارس سوياً كل حرام...! وذات مساء، وأنا عارية تماماً، اتصلت بي إسعاد، رن هاتفي معلناً رقمها بإلحاح، ورغم أني حاولت جاهدة تجاهل هذه الرنات، وأنا مغلقة غرفتي لأكون أنا وحسن وحدنا، بعد أن ينام الأولاد، لتنطلق آهاتي تملأ الفراغ المحيط بي، والفراغ القابع داخلي... تلح إسعاد هذه المرة في طلبها لي عبر الهاتف، أمسكت هاتفي وجدتها من على الجهة الأخرى تقول لي: ليلى... إيه اللي إنت بتعمليه ده، أنا شايفاكي يا ليلى، الكاميرا مفتوحة، إنت مع مين يا ليلى؟؟؟ إلبسي هدومك بسرعة... هالتني الصدمة، يا خبر أسود، معقولة يا إسعاد ... أغلقت الكاميرا على الفور، قلت لها: ماذا رأيتِ؟ إسعاد: رأيت كل شيء، كل حاجة يا ليلى... إنت كنتِ مع مين؟ ليلى: بعدين... بعدين يا إسعاد . أغلقت الهاتف، أغلقت الماسنجر، أغلقت الكمبيوتر، ارتديت ملابسي، انزويت كقطة مبتلة في ركن الغرفة، بكيت طويلاً... شعرت أن دموعي لم تسطع أن تزيل همي الجاثم فوق صدري المتعب من أهات محترقة عبر شاشة لا أنال منها إلا العالم الافتراضي الذي لم أستطع أن أعيشه في الواقع... عشت التمزق..! غلبني النوم في هذه الليلة. في الصباح اتصلت بـ إسعاد صديقتي في التليفون لأخبرها أنني لن أذهب إلى العمل اليوم، وتأخذ لي إجازة، أخبرتني إنها ستزورني بعد اليوم بعد العمل لتطمئن على يوسف، و «نحكي شوية مع بعض، الموضوع بتاع امبارح مش بسيط يا ليلى، لازم أعرف كل حاجة»... في الوقت الذي اتفقنا عليه تقريباً، رن جرس الباب، فتحت، وجدت إسعاد قد جاءت مصطحبة معها كيساً مملوءاً بالبرتقال والموز، دخلت وقبلت يوسف في فراشه، ووضعت يدها بيدي وانطلقنا سوياً إلى غرفة الصالون، لاحظت اضطرابي، ومحاولتي التهرب من فتح الموضوع، لكني عجزت في العثور على نقطة الانطلاق. شعرت أن جريمتي أقوى من أن أتكلم فيها مع أي مخلوق، حتى لإسعاد، درت معها في الحديث، إلى أن قالت: خشي في الموضوع اللي أنت عاوزة تحكيه... ليلى: موضوع إيه؟ إسعاد: ليلى أنت صحبتي من زمان، وأنا أعرفك كويس، افتحي صدرك يا أختي وزيحي عنك. ليلى: لأ.. إسعاد: ليلى، أنا شفتك امبارح، وانت عريانة، واحتمال كبير جدا يكون فيه حد تاني شافك. لم أتمالك دموعي التي انهمرت غزيرة، وأنا أنهنه، ورويت لها كل ما حدث بيني، وبين حسن عبدالسلام، وأني لا أستطيع التوقف عن علاقتي معه، فهو الرجل الذي انتظرته أن يأتي منذ زمن طويل. إسعاد: ليلى يا حبيبتي، الموضوع اللي بتحكي فيه ده خطير جداً، وممكن يوديكِ في ستين داهية، لازم تقطعي العلاقة دي فوراً، وبعدين تعالي هنا، دا يا حبيبتي مش حب ولا تعلق، ده وهم واضح استسلمتِ له من طبيعة حياتك اللي تجيب اكتئاب دي... وبعدين عبدالله كمان ما يستاهلش منك كدة، الراجل شايلك في عينيه، وفاتح لك البيت. ليلى: ما أنا عارفة كل ده، بس مش طايقة، مش قادرة على تحمله، كل ما يطلبني للسرير أشعر أن حسن بيني وبينه دلوقتي، وامبارح غلطت وناديت عبدالله باسم حسن . إسعاد: يانهار أسود، لا ياحبيبتي الموضوع كده ما ينسكتش عليه، إنت لازم تعرضي نفسك على دكتور نفساني. ليلى: أنا مش مجنونة يا إسعاد . إسعاد: لا إنت مجنونة وأكتر، وحتخربي بيتك بإيدك. ليلى: دكتور نفسي؟! وهو فين ده؟ إسعاد: حسأل عن دكتور كويس ونروح له مع بعض. ليلى: حافكر، وأرد عليك. إسعاد: أنا اتأخرت ولازم أمشي دلوقتي. انصرفت إسعاد، وجلست وحدي أفكر في موضوع الدكتور النفساني، أنا فعلاً أعصابي تعبانة جداً.. ومحتاجة حد يساعدني على التخلص من هذا الإدمان. اتصلت على الفور بـ إسعاد كانت لتوها وصلت بيتها، أخبرتها بموافقتي على الذهاب لدكتور نفساني، وأغلقت السماعة فوراً. ناداني يوسف، ورن جرس هاتفي الجوال، كان حسن، ضغطت زر عدم الرد، وذهبت إلى يوسف، اطمأننت عليه، وذهبت مكاني، شعرت شبقاً عجيباً، استرجعت ما دار بيني وبين حسن، اتصلت به، لست أدري كيف أقنعني بأن نلتقي في المساء سوياً لنمارس الجنس الصريح، وقال لي إنه يحب أن ألبس له طاقماً أسود قميص، سوتيان، كلوت شفافاً... كل ملابسي يجب أن تكون شفافة هذاالمساء، نسيت كل ما دار بيني وبين إسعاد، وكل معاناتي النفسية، وإحساسي العميق بالندم بعد أن أخلع ملابسي عن كامل جسدي، ومائي الذي يتدفق، وبالرغم من كل هذه المشاعر المتشابكة إلا أنني بصوت المخدرة أجبت: أوكي. عاد الأولاد و عبدالله من الخارج، سرعان ما تناولوا طعامهم الذي قمت بإعداده أثناء غيابهم، نام الأولاد، خرج عبدالله لمقابلة أصدقائه. وأخذت أنا أعد نفسي للقاء حسن أمام الكاميرا. نام الأولاد... اطمأن قلبي لذلك... وارتديت الطاقم الأسود الذي طلبه مني حسن ...!!! أدرت زر التشغيل، أدرت الماسنجر، أدرت الكاميرا، أدرت ظهري لكل المنغصات التي كنت أشعر بها، حتى رأيت حسن أمامي عارياً تماماً، سمعت أناته الحارة في المايكروفون، قبلني، طلب مني أن أكون مثله، سرعان ما خلعت ملابسي بهستيرية غريبة. طلب مني أن أدور أمام الكاميرا، فعلت، رأى أجزاء جسدي بأكلمه، غبت عن الدنيا، ازداد شبقي تجاه هذا اللعين الذي راودني عن نفسي، وكسب المعركة... غبت عن كل ما حولي ولم أدر إلا بآهاتي تنطلق مني، ومائي ينطلق كشلال جارف. وفجأة أدرت نفسي فإذا بي أرى عبدالله واقفاً خلفي رآني... شعرت حشرجة...!! لم أدر بنفسي إلا وهو يمسك بالكومبيوتر منهالاً به ضرباً على رأسي وكامل جسدي، صرخت، كانت لطماته قوية، سال الدم من فمي، تبعثرت، حاولت أن أرتدي أي ملابس من حولي لم أستطع، شدني نحو الباب، حاول إخراجي عارية كما أنا، أمسكت بجلباب كان ملقى على مقعد في صالة البيت، أخذته، وهو يسحبني بقوة إلى أن أخرجني من باب البيت كما أنا، وهو يسبني بأقذع الألفاظ، يا سافلة، يا ساقطة، يا حيوانة، إنت طالق، طالق، طالق، اطلعي برة يا زبالة. غبت عن الوعي تماماً، بعض الجيران حاول تهدئة الموقف معه، لكنهم فشلوا، ورفض أن ينطق بأي كلمة، أخرجني خارج الشقة، ودخل وأغلق الباب، فقام الجيران بنقلي إلى المستشفى، مكثت هناك شهراً كاملاً غائبة عن الوعي تماماً من أثر ارتجاج في المخ، وعدد من السحجات التي أصابت كامل جسدي. صديقتي إسعاد كانت بجانبي طوال الوقت، ولما أفقت من غيبوبتي، سألت إسعاد عن الأولاد، لم تخبرني في حينها عن أي شيء، تكرر سؤالي، وأنا أتعافى شيئاً فشيئاً، حتى تمالكت صحتي، وتمالكت عقلي الذي كان يغيب عن الوعي أحياناً، ويعود إليه أخرى، سألتها عن الأولاد، قالت لي: إن عبدالله أخذهم وسافر، ولا أحد يعرف أين سافر، ومر علينا في البيت، أخبر زوجي أن حاجاتك اللي موجودة في البيت تمري تخديها ولا يحب أن يسمع عنك أي أخبار... شفتِ يا ليلى... ياما حذرتك يا ليلى..!! خارت قواي مرة أخرى، هالتني الصدمة، لم أعد أستطيع أن أفكر في أي اتجاه، أولادي، ازداد حقدي على نفسي، كرهت الحياة بأسرها، كرهت نفسي، كرهت الكومبيوتر، كرهت الماسنجر، كرهت المجتمع الذي تربيت فيه، كيف همشني لأني امرأة، كيف أعطى لـ عبدالله الحق في أن يغتصبني وقت أن يشاء هو من دون مراعاة مشاعري أنا، حقدت على كل شيء حولي.... كرهت كل مذكر... وكرهت ذاتي التي أهنتها إلى درجة الإنحطاط، أنا أحببت يوسف في مراهقتي، وتزوجت عبد الله، ثم عدت إلى يوسف الغائب الذي فارق الحياة في صورته الجديدة حسن عبد السلام، لم أكن لأقوى على المقاومة، لأن داخلي هش، وخارجي أكثر هشاشة... أنا امرأة لا تعرف غير ماضيها، أما مستقبلها ليس بيد الله فقط كما نؤمن، لكن بيد عبد الله زوجي أيضاً، فهو الوحيد الذي أعطاه الدين والمجتمع كامل الحرية في تعامله معي، فلم يتعامل مع مشاعري، ولم يهتم بما أشعر معه، أما يجب أن أشعر معه، إنما تعامل مع جسدي فقط، فهو ملكه، هكذا فهمت من أمي، وأكد ذلك لي عبد الله ... تباً لكِ يا أمي، وتباً لك يا عبد الله ... غبت مرة أخرى عن الوعي لأسبوع كامل، وأصبت بصدمة عصبية حادة، تم نقلي من مستشفاي إلى إحدى المصحات النفسانية... كانت إسعاد تزورني بين الحين والآخر من دون أن يعلم أحد، لأن زوجها منعها من معرفتي أو حتى الاقتراب مني. صرت ككلب أجرب يخشى الناس العدوى منه... كانت تأتيني خلسة، وتُحضر لي ما تستطيع حمله، وما تسمح به إدارة المستشفى من طعام، وشراب، ومجلات، لتسرّي عني. استعدت بعضاً من عافيتي، لكن حالتي وصفها الأطباء بالمكتئبة، ووصل بي الأمر إلى محاولة الانتحار أكثر من مرة... منعوا إسعاد من زيارتي أثناء ذلك... منعوا كل من حولي من الاقتراب مني... كنت أصرخ من أعماقي منادية: أولادي... يا ترى أين أنتم الآن؟ أسئلة تدور، وتدور في رأسي، وأنا تارة نائمة بفعل المخدر الذي يصرف لي في المصحة، أو نائمة بأثر الإرهاق والتعب من محاولة انتحار فاشلة كانوا يسعفونني في آخر لحظة... ستة أشهر طويلة، كئىبة، مرت وأنا تحت العلاج، نزيلة المصحة النفسية، وفي إحدى زيارات إسعاد، سألتها عن أي أخبار للأولاد، أجابت بالنفي، طلبت منها أن تستأذن إدارة المستشفى في أن تصحبني إلى البيت لساعة واحدة، ثم نعود، كنت أريد أن ألملم بعض أشيائي الصغيرة... حاولت إسعاد أن تذهب وحدها لتحضر ما أريد، رفضت وصممت على أن أذهب أنا وتكون برفقتي. وافقت الإدارة بشرط أن يكون في صحبتنا ممرضتان ذهاباً وإياباً خوفاً من تعرضي لأي انتكاسة... دخلت بيتي لأول مرة بعد الكارثة التي وقعت، لم يتغير شيء أبداً، ترك عبدالله كل شيء، وانطلق مع الأولاد إلى خارج البيت، تاركاً أشياءه، وأشيائي، كل شيء تركه خلفه وذهب... كل محتويات البيت كانت مكسرة، مبعثرة، متناثرة هنا، وهناك، تبعثرت أنا أيضاً، حاولت أن ألملم نفسي المتكسرة، وذهبت يدي إلى أزرار لوحة مفاتيح الكمبيوتر المبعثرة على سجادة الصالون، رأيت قطعتين من ملابسي الداخلية، بكيت بحرقة، حاولت إسعاد تهدئتي، احتضنتي، قالت لي: بسرعة يا ليلى.. بحثت عن الكمبيوتر الخاص بـ عبد الله ... لم أجده، لابد أن يكون قد أخذه معه، عبد الله لا يستطيع أن يبتعد كثيراً عن كمبيوتره المحمول، فعليه كل بيانات تجارته. دخلت غرفة نومي لملمت أشيائي الصغيرة، جلت ببصري فإذا بدولابه مفتوح، وتطل منه الأجندة الزرقاء التي أنَّبني ذات يوم لأني اقتربت منها، مددت يدي المرتعشة من أثر الإبر التي تعاطيتها في المستشفى ناحية الأجندة، أخذتها، خبأتها بين أشيائي، شعرت وأنا أمسكها كأن عبدالله سيحضر الآن، وينهال عليّ ضرباً مرة أخرى... انهارت أعصابي، بكيت، صرخت، دخل الممرضتان أمسكت كل منهما بطرف من ثيابي، أعطوني حقنة مهدئة، غبت بعدها عن الوعي، وأنا أحتضن أشيائي، والأجندة الزرقاء...!!! عدت إلى المصحة النفسية مرة أخرى بعد مرور ساعتين، وذهبت إسعاد إلى بيتها وأولادها، وفي كل مرة تبكي قبل أن تخرج من عندي، وتدعو لي بالشفاء... أخرجت الأجندة الزرقاء الخاصة بـ عبدالله، قلبت أوراقها، وجدت في أول صفحة تاريخ أول يوم لمقابلتنا ومجيئه لطلب يدي من أبي، وصف كم كان فرحاً لمَّا رأى رقتي وجمالي، وازدادت فرحته لما تزوجنا سريعاً. تصفحت الأوراق سريعاً، كلها مؤرخة بتواريخ شبه يومية، اكتشفت على الفور أن هذه الأجندة هي مذكرات عبدالله اليومية... يا الله، أنت يا عبدالله لديك القدرة على تسجيل مذكراتك، كم كان فرحاً بدخولي بيته، وازدادت سعادته مع أول ليلة، وازدادت أكثر من الثانية، وتوقف عن ثالث ليلة، ليلة أن خلع الخاتم من يده. وجدته يقول: ليلى في هذه الليلة إنسانة أخرى، كائناً حياً بعيداً جداً عن الذي أعرفه، ليلى التي أشتهيها، تغيرت تماماً، كنت أحاول الاقتراب منها، فتنفر برأسها بعيداً عن قبلاتي، تزداد رغبتي فيها، وكنت ألحظ عينيها المعلقتين بسقف الحجرة، لم تكن ليلى الساخنة التي عرفتها، وتزوجتها، لم تكن ليلتها إلا جسداً أصم، وصارت هكذا، باردة، لا تعطيني أي إحساس بكوني رجل يحب عروسه ويشتهيها والتي لم يمض على زواجهما أكثر من يومين. كنت أغار من جهاز الكومبيوتر الذي تحبه أكثر من أي شيء في الدنيا، وتعطيه معظم وقتها، تحبه أكثر من كونها امرأة، أدمنته، حاولت أن أبعده عنها، لكن كل محاولاتي فشلت، وكلما أدعوها للفراش، تشعرني أنها مدعوة لوجبة حزن، كانت ملامحها دائماً حزينة، شاردة في ملكوت بعيد، لا أعرف أين كانت حين تفيق... مرات كثيرة كنت أراقبها وهي جالسة أمام كومبيوترها الصغير، وهي تتحدث إلى صديقاتها في المدرسة، كنت أحدث نفسي بأن ما تفعله ليس عيباً، من مبدأ التسلية، ليلى إنسانة جميلة، لكن أنا لا أجيد الكلام الحلو الذي ألقيه في أذنها ليل نهار، أنا رجل عملي، أبحث دائماً عن حياة كريمة لي ولها وللأولاد، الحياة جداً صعبة وقاسية... الحياة لا ترحم الفقراء. كنت أضغط على أعصابي وصحتي في العمل فترة وفترتين، وأدخر، كنت أدخر كل مليم زائد عن حاجتنا، ولم أسمع منها كلمة تشجيع في يوم من الأيام، كانت غائبة عن الوعي معي طوال الوقت، شعرت أنها ربما تكرهني لذنب لم أفعله، سألتها أكثر من مرة عن سبب شرودها عني، كانت لا تجيب. سالتها عن إمكانية أن نلتقي، تتركني وتذهب بعيداً ناحية الكومبيوتر، وكأنها حين تجلس أمامه تتحول لمخلوق آخر، تائه في دنيا بعيدة، حالمة بخلاص من العالم الذي تحياه، حتى علاقتها بالأولاد، لم تكن بها الحميمية المعهودة بين الأم وأولادها، كانت تحب يوسف أكثر، ولا أعرف سبباً لهذا الحب، ربما لأنه أول فرحتنا، ربما، لكنها كانت تدلله بصورة أقلقتني على تكوين الولد النفسي. ليلى إنسانة جميلة، لكنني لا أستطيع أن أصرح لها بمشاعري بهذه الصورة، كنت أرى أبي، كلما قسا على أمي ازدادت حباً فيه، ورأت فيه رجولة ونضجاً، ربما في النهار تدعو عليه من غضبها، لكن بمجرد أن يأتي تتحول إلى قطة وديعة تتمسح بثيابه، وبأشيائه، تفرح لو أهداها قبلة في الهواء... كنت أرى أمي، وهي تتفنن في عمل الحلاوة التي تزيل به شعر جسدها كله، حينما كنت طفلاً، كانت لا تستحي من أن تخلع أجزاء ثيابها أمامي، كنت أرى معالم جسد أمي، وهي تزيل شعره، وهي تداعبه، ثم تستحم بعد ذلك، وتعد ثيابها بعناية لانتظار عودة أبي من عمله الذي سرعان ما يتناول عشاءه، ثم يتبادلان العبارات الصريحة التي كنت أفهم معظمها، وحينما كان أبي يقول: الواد لسه صاحي، ترد أمي: دا لسه عيل ما يفهمش. كنت أفهم كل شيء، فهمت تفاصيل جسد أمي، لم ألحظ وجود هذا العضو الموجود بين فخذي أبي عندها، فكرت بعقلية طفل وقتها أين ذهب هذا العضو، تلصصت إلى أن دخلا غرفة نومهما، وتسحبت فوق أطراف أصابعي، لأرقبهما من فتحة مفتاح الباب، ولحسن حظي وقتها، كان الفراش مقابلاً تماماً للباب، رأيت ما رأيت، كم كان أبي عنيفاً مع أمي، وكم كانت تقبله من رقبته، ومن جميع ما تطاله شفتاها. عرفت لماذا أمي لا تملك ما يملكه أبي بين فخذيه، اشتهيت المرأة، وأنا لم أتجاوز ثماني سنوات... كبرت هذه المشاعر داخلي يوماً، تلو آخر، وفي أيام المراهقة كثيرا ما مارست العادة السرية. رباني أبي على القوة، أفهمني أن المرأة إذا شعرت أنك تحبها تشعر أنك ضعيف، فلا تشعرها بذلك أبداً، اجعلها هي التي تحبك، وكن دائماً أنت الراجل الرزين... وقبل زواجي بليلة جلس أبي معي، قال لي: إياك أن تجعل زوجتك وقت أن تطلبها تتمنع، فلابد أن تستجيب بكل الطرق، ولابد أن تكون أنت دائما فوقها، دائما اشعرها بقوتك، فاهم، علشان تحترمك... أصدقائي الذين عرفتهم منذ الصغر، كانوا يروون لي مغامراتهم الجنسية مع عاهرات يأخذونهن من الطريق، وكيف كانت الآهات تتجاوز حدود غرف النوم، وأسمعهم يقولون لا بد أن تكون المرأة دائماً أسفلك، هذا الوضع يشعرها دائماً أنها الأقل، يجبرها على طاعتك...! كنت لا شعورياً أنفذ ما يطرح أمامي، وتتكرر عبارات الرجال من حولي في جلسات المساء، لا بد أن تكون مبادراً أنت بكل الجولات والصولات الذكورية... لكني كلما فعلت هذه الأفاعيل مع ليلى لم تكن تكترث بي، ولا بمشاعري، دائماً أجدها تولي وجهها بعيداً جداً عني... مللت الحياة مع ليلى، ووصلنا إلى طريق مسدود، لكني زلت أحبها، فهي زوجتي، وأم أولادي، والمرأة الوحيدة التي عرفتها في حياتي، وتزوجتها لأنها من بيت طيب، وعلى خلق... تصفحت أوراق الأجندة الكثيرة التي حملت لي مشاعر كنت لا أراها، كنت لا أرى إلا نفسي، وكنت متقوقعة في شخص يوسف حبي الأول الذي أعطيته كل عواطفي الأولى التي تخلقت في بداية مراهقتي، لكن يوسف قد رحل وتزوجت، كان عليّ أن أنسى كل ماض لي، وأفتح صفحة جديدة مع من تزوجته، لم أفعل هذا... يا لغبائي. دارت الدنيا في رأسي، أصابتني رعشة قوية هذه المرة، تزداد الرعشة في جسدي، أشعر ببرودة، آآه، صرخاتي تعالت، جاء الطبيب والممرضات، حقنوني بمهدئ غبت عن الوعي والأجندة لا تزال قريبة مني... وعرفت بعدها أن إدارة المدرسة التي أعمل بها نظراً لطول فترة غيابي المرضي، تقرر فصلي نهائياً. كان ساعتها قد أخذ عبدالله الأولاد وسافر، ولم يهتم أن يعرف عني أي شيء، وتوسعت تجارته وأصبح مرموقاً في مجتمع التجارة، فقد مر عام كامل على إقامتي في المصحة النفسية تحت العلاج... في هذه الأثناء احتاج عبد الله لعقد صفقة من صفقاته التجارية، قلَّب في ذاكرته، كانت المعلومات الخاصة بهذه الصفقة موجودة على الكومبيوتر المحمول الخاص به، فتحه، احتاج لمهندس صيانة لإصلاح ما به من أعطال، فكشف عن كل الملفات التي تم إخفاؤها، قلب عبدالله الملفات، وإذا به يجد ملفاً مكتوباً عليه حسن عبدالسلام، يفتحه، يجد قصة ليلى معه منذ الليلة الثالثة لزواجه منها، ويجد توصيفاتها له بالبرود، والقسوة، توقف عند بضع كلمات كانت ليلى قد كتبتها في ملف حسن عبدالسلام . «إن حسن لا يمثل لي شيئاً بالقدر الذي يمثله عبدالله فهو فقط شبيه لـ يوسف الذي أحببته في مراهقتي، وبحثت عنه كثيراً، فوجدت ملامحه متطابقة مع ملامح حسن، من هنا كانت اتصالي به، لكنه كسَّر مشاعري، وخدرني بمعسول الكلام الذي لم أجده مع عبدالله زوجي صاحب الأمر والنهي في حياتي، عاملني كطفل مشاكس، ليس كامرأة لها مشاعرها... اتجهت من دون وعي مني نحو حسن، وبعد أن حدثتني إسعاد عن ضرورة عرض نفسي على طبيب نفساني، ذهبت وحدي إلى أحد الأطباء، ونصحني أن اتبع تعليماته، بأن الإدمان لا يمكن أن يتم الشفاء منه فجأة، وإلا حدثت انتكاسة، لا بد من الخروج من بوابة الماسنجر، خطوة، خطوة...! بدأ العلاج معي، لكنني ما زلت مريضة، أشعر أن قدمي تشدني لإدارة زر التشغيل، وطلب حسن على التليفون لأخبره أني وحدي، ماذا أفعل، أنا نادمة على فعلتي هذه أشد الندم، وربنا يستر، تباً لك يا عبدالله أنت السبب، تركتني للفراغ والوحدة والبرودة، تركتني لأفكار دوماً تذكرني بما فعلته معي لحظة أن رأيت يدك ممدوة طالباً راتبي كله، من دون الرجوع لي في أي طلب أو اعتراض، كلما نظرت في ملامحك يا عبد الله تذكرت تجاهلك لمشاعري، تذكرت اهتمامك فقط بطعامك وشرابك، وجنسك، لم تهديني يوماً وردة تعبيراً منك عن حبك لي، لم تهبني كلمة حلوة تدفئ ليالي الشتاء الباردة القابعة في عمق نفسي، شعرت اليتم معك، وشعرت الترمل في حياتك، عبد الله أنت السبب في هذا الإدمان الذي أعانيه... أنت السبب! قلب عبدالله الملف جيداً، وجد في نهايته بريد حسن عبدالسلام الإلكتروني، فكَّر أن يعرف منه الحقيقة، أن يعرف إلى مدى وصلت العلاقة بين ليلى و حسن . وكان عبد الله وقتها قد أفرغ شحنة غضبه في عمله، وتربية أولاده، وصار أكثر تعقلاً، بسبب عمله في التجارة التي فرضت عليه أساليب تضطره الهدوء والابتسام في وجه أعدائه، حتى ينال منهم ما يريد. أرسل له رسالة، يطلب منه بنبرة رجل الأعمال الواثق أن يحدثه في التليفون لأمر ضروري... وكعادة حسن عبد السلام الذي دائما كان يبحث عن زبائن من أي طريق، وكانت أوداجه تنتفخ فرحاً حينما يسمع عن عمل جديد يدر عليه مالاً أكثر. { تحدث عبدالله إلى حسن عبدالسلام . واحتال عبدالله بأنه أحد الزبائن الذي سمع بشهرته، سافر عبدالله إلى حسن في الإمارات... قابله بدم بارد... لأقصى حدود، فهو ذهب لهدف ويصر على الوصول إليه. تحمل عبدالله رؤية وجه هذا الرجل حسن الذي تسبب في خراب بيته وفراقه عن زوجته... أتقن دوره، اقترب منه جداً، وبأسلوبه مدروس، ولسان معسول، استطاع عبد الله أن يصبح في وقت وجيز صاحباً لـ حسن . سهرا سوياً مراراً، بدأ عبد الله في استحضار روايات غير حقيقة عن علاقات نسائية كثيرة، ويروي بالتفصيل عن هند، وسعاد، وسهام، وأمل، ... أسماء نسائية كثيرة نسجها خيال عبد الله ليقنع بها حسن ويجعله يتكلم بإفشاء، وليجري لسانه من دون توقف. نجح عبد الله في طريقته وأسلوبه، واستمر في سرد رواياته المختلقة حتى توقف قليلاً عند ليلى المرأة التي ادعى عبد الله أنها ضمن النساء اللاتي عرفهن، توقف حسن قائلاً: ليلى، كانت بتشتغل إيه ليلى بتعتك دي؟ عبد الله: مرشدة تربوية حسن: وكانت بتعمل معاك إيه؟ عبد الله: كل حاجة كنت بطلبها منها كانت بتعملها. حسن: أمال كانت عاملة شريفة معايا ليه؟ عبد الله: إنت تعرفها؟ حسن: عز المعرفة، بس أنا كنت فاكرها شريفة مش زي ما انت بتحكي، ولمَّا ضغطت عليها، خلعت هدومها قدامي مرتين تلاتة، وتعطلت الكاميرا وقتها أكثر من مرة، ولم أر من تفاصيل جسمها إلا القليل، حتى أنا مش فاكر أي حاجة عنها دلوقتي، الحكاية دي بقالها كتير. جال حسن ببصره محلقاً بعيداً من أثر السكر، وحكى له عن قصة ليلى: أحببتها جداً، وكنت أرى فيها إنسانة جميلة، انتهزت فرصة علاقتها السيئة بزوجها وعدم مقدرته على ملأ فراغ حياتها، وحاولت أن أقيم معها علاقة، لكنها كانت ترفض بقوة، ولولا إلحاحي عليها، والضغط على مشاعرها واستعمال كل أساليب الضغط لما نفذت ما أطلبه من استعراض جسدها الذي حطمه احساس زوجها الجاهل، حتى دخل ذات يوم عليها وهي تكلمني وانقطع الإرسال بها إلى اليوم، ولا أعرف كيف حالها الآن، لكني يا صاحبي أحببتها، وتعلقت بها جداً، هي إنسانة محترمة جداً، وصريحة جداً، وبريئة جداً... أكيد مش زي ما انت بتحكي كدة، أكيد دي ليلى تانية، مش كدة؟ جايز يا حسن، جايز تكون ليلى تانية من هي اللي أنا أقصدها... على العموم أنا مضطر أمشي دلوقت، وأشوفك بعدين... لم يدر حسن بما قاله عبد الله، إذ كانت حالة السكر التي عليها قد بلغت مداها، فتركه عبدالله في سكره، وعاد إلى أولاده الذين سافر بهم، وحاول الاتصال بإسعاد صديقة ليلى. فرحت إسعاد جداً بهذا الاتصال، أخبرته ان ليلى تعبانة جداً من يومها، وأنها نزيلة مصحة نفسية، نجمع لها نقوداً حتى ندفع مصاريف علاجها، بعدما فصلوها من المدرسة. رق قلب عبدالله تجاه ليلى، ترك أولاده، وسافر لرؤية ليلى من بعيد، وجدها صارت أطلال إنسان، محطمة، بائسة، مريضة، تعاني وجعاً في جميع أنحاء جسدها المتعب، تعاني مرارة من فراقها عن أولادها، تغيب عن الوعي كثيراً، فقدت جزءاً كبيراً من ذاكرتها، تحكي عن أشياء لا وجود لها، أصيبت بحالات الهلاوس سمعية وبصرية، لكنها بين وقت وآخر، يراها الأطباء ممسكة بأجندة زرقاء تقرأ فيها. هكذا أخبره الأطباء الذين سألهم عن حالتها. كانت كلمات عبدالله المدونة بأجندته بلسمها الشافي، فقد أعادت لها هذه الكلمات إحساساً بأن عمرها لم ينقض هدراً، شعرت أن عبدالله كان يقسو عليها لأنه يفهم المرأة خطأ، لا لأنه يكرهها... هكذا نفهم الحقائق في عالمنا العربي متأخراً... وربما بعد فوات الأوان. أخذ عبدالله يراقبها من بعيد، وهي في حديقة المصحة، تتحرك بعكازين يحملانها، بعد أن تعبت أعصابها وعجزت عن المشي وحدها... لمح بيديها أجندته الزرقاء... رق قلبه مرة أخرى لها... غالبته دموع أبداً لم يرها أحد، لم يجد من الكلمات ما يصلح ما تم كسره... عاد إلى إسعاد، سألها عن أي شيء تعرفه عن ليلى، أجابته: ليلى أشرف إنسانة عرفتها في حياتي، كل الموضوع أن نفسيتها ساءت خلال السنوات الأخيرة، وكانت تترد على طبيب نفساني اسمه ..... يعرف كل تفاصيلها، لو محتاج تتأكد، لكن ليلى أكثر إنسانة دفعت ثمن فهمك الخاطئ لها يا أستاذ عبدالله... ربنا يشفيك يا ليلى. ليلى ما زالت قابعة في مصحتها تتلقى العلاج الذي لم يعد له أي أثر في حالتها التي تزداد تأخراً يوماً بعد آخر، يلتقى عبدالله بالأطباء المعالجين، يخبرونه أنها في حالة سيئة جداً، وتحتاج للراحة، ولو تعرضت لحدث سعيد، ربما يؤثر هذا في شفائها، ربما يعطيها الثقة في نفسها مرة أخرى، وتستعيد الحياة، أو تستعيدها الحياة. ينطلق عبدالله مرسلاً أحد رجاله الذين يعملون معه ليحضر أبناءه من الخارج، ويدخلون جميعاً على ليلى في المستشفى.. بعد أن مهدت إسعاد معها لهذا اللقاء... يقبل عبدالله يدها قائلاً: يا أرق إنسانة في الدنيا أرجوك سامحيني على كل اللي عملته معاك، أرجوك يا ليلى... تنظر ليلى نحوهم بعين زائغة، لا تكاد تتبينهم، تفيق من غفوتها على صورة أولادها المشوشة أمامها، و عبدالله يضع يده على أكتافهم، وقد حضرت إسعاد وزوجها هذا الموقف محاولين الصلح بين عبدالله وليلى، قبَّل عبدالله يدها، بكى مسحت ليلى دموع عبدالله، وقالت له: لا تبك يا عبدالله الأولاد محتاجين لك. عبدالله: ومحتاجين لك انت كمان يا ليلى. إسعاد: ربنا يعافيك يا ليلى وتروَّحي بيتك مع جوزك وأولادك. ليلى: جوزي.. عبدالله طلقني يا إسعاد. زوج إسعاد: بسيطة جداً أروح أجيب المأذون دلوقتي وآجي يحضر زوج إسعاد المأذون، يعقدون العقد من جديد تعم الفرحة أعين الجميع... تزعرد إسعاد من فورها... تمر الأيام سريعاً و عبدالله والأولاد يزورون ليلى كل يوم يلتفون حولها، يهبونها أملاً جديداً في الحياة، حتى شفيت تماماً من كل أمراضها وتعافت، وعادت إلى بيتها الجديد بصحبة عبدالله الذي حملها بين يديه كأول يوم في زواجهما، وقال لها: نفتح صفحة جديدة يا ليلى.. وشوفي أنا محضر لك إيه يا حبيبتي، مفاجأة دخلت ليلى البيت فوجدته مليئاً بالزهور ومزيناً بديكور راق، وذوق حالم، وكان عبدالله قد أعد لها مكتباً خاصاً وفوقه أحدث أجهزة الكومبيوتر، وبجواره البرواز الذي كانت تحبه ليلى وقد وضع فيه صورة زواجهما، ويحيط بهما الورد من كل جانب، أخذها بين ذراعيه، وجمع الأولاد حولهما. وعادت الضجة من جديد بين عبدالله وليلى التي كانت قد شفيت تماماً من إدمانها الجلوس لساعات طويلة أمام الكومبيوتر، فقد ملأ عبدالله كل وقتها بما يسوقه لها من أعذب الكلمات والاهتمام. شعرت ليلى وقتها أنها وردة جميلة، وجدت مكانها الصحيح، وجدت مأواها الذي تأوي اليه كل يوم، أعدت كل سبل الراحة لعبدالله وأولادهما.. وأصبح هو يراعي مشاعرها التي كانت متعبة في كل صغيرة وكبيرة، الآن هدأت واطمأنت، ولبس عبدالله خاتمه، عاد إليه بريقه من جديد، كثالث يوم من أيام دخلتنا، نادانا برقة قائلاً: ليلى حبيتي، أنت النهاردة جميلة جداً، ممكن أقطف من ورد خدودك الأحمر دا، مسح بأصابعه على شعري ربت على كتفي احتضنني مسح شحمة أذني برفق، نمت كطفلة لم تتجاوز العاشرة بين يديه، شعرت بأمان جديد لم أعتده في الماضي، وصار عبد الله يجلس معي وقتاً طويلاً يسليني ويحاورني. شعرت أنني اليوم فقط قد تزوجت، أمسكت بيد عبد الله وخلعت خاتمه الذي كان يلبسه، ألقيت به من الشرفة.. فلم اعد أعرف الآن من أسماء يوسف إلا ابني، ولم أعد أبحث إلا عن راحتهم جميعاً. ولم تعد دنيا الانترنت عالمي الافتراضي الذي يسحب من وريدي آلامي التي اتقيؤها قراءة ومتابعة، بل صرت أعيش عالمي الحقيقي مع عبد الله وأولادنا. تمت الرياض- 14 يناير 2007 حسين أبو السباع