الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

طوق الحمامة لعبد الله شقرون: بين الحب والمستنسخ التراثي الأندلسي بقلم:د.جميل حمداوي

تاريخ النشر : 2006-12-10
3- طوق الحمامة لعبــــد الله شــــقــرون:

بين الحب و المستنسخ التراثي الأندلـسي



الدكتور جميل حمداوي

يعد الأستاذ عبد الله شقرون من أهم رواد المسرح الإذاعي والتلفزي بالمغرب بسبب غزارة إنتاجه التمثيلي وقيادة دفة التمثيل والتأطير داخل أروقة الإذاعة المغربية منذ انطلاق إذاعة التلفزة المغربية في بداية الستينيات. وقد ولد الكاتب في مدينة سلا سنة 1926م. وقد حصل على الإجازة في الأدب العربي من الجزائر ودبلوم الإخراج الإذاعي والتلفزيوني من مدرسة هيئة الإذاعة والتلفزيون الفرنسية بباريس، ودرس العلوم الإسلامية وفقه اللغة العربية بالمدرسة التطبيقية للدراسات العليا بجامعة السوربون، كما درس الفقه الإسلامي والحديث النبوي وتفسير القرآن الكريم، واشترك في دورة تكوين المخرجين الإذاعيين التي نظمتها على المستوى الأوربي بباريس الإتحاد الأوربي للإذاعة.

وقد تولى عدة مناصب إدارية سامية: عمل في راديو المغرب بالرباط منتجا ومحررا ومذيعا ومخرجا وصحافيا، وعمل رئيسا لمصلحة التمثيل العربي بالإذاعة المغربية من 1952إلى 1962، وصار بعد ذلك نائب المدير بالإذاعة والتلفزة ومديرا ثم متصرفا عاما ورئيسا للعلاقات الخارجية ومستشارا سابقا لوزارة الثقافة.

إن عبد الله شقرون هو بكل جدارة مؤسس المسرح الإذاعي والتلفزي بالمغرب إذ ألف نحو 500 تمثيلية باللغة العربية والدارجة وأضاف إليها اثنتي عشرة مسلسلة. كما أنه خبير في مجال نشاط دولي متعدد الجوانب، ولاسيما في نطاق الاتحادات والمنظمات الإقليمية للإذاعة الصوتية/ الراديو/ والإذاعة المرئية المسموعة/ التلفزيون/بإفريقيا والعالم العربي، وهو متخصص كذلك في ميدان الملكية الفكرية وحقوق المؤلف فوق المجاورة على الصعيد الدولي. وقام بالإخراج الفني- في الإذاعة المغربية- لمئات من الأعمال الدرامية والتمثيلية بين سهرات مسرحية وتمثيليات ومسلسلات لمؤلفين وكتاب مختلفين بما في ذلك إنتاجه الزاخر. وحاز على عدة جوائز تقديرية وتكريمية.

" وسينهمر ميكروفون الإذاعة بسيل من التمثيليات الأثيرية ابتداء من سنة 1949م، حين سيشرف على قسم التمثيل، عبد الله شقرون، الذي لعب دورا هاما في تحريك وتأطير هذا القسم، والذي غطى بنشاطه المسرحي، تأليفا واقتباسا وإخراجا، فترة زمنية طويلة تشمل خمس عشرة سنة، شد فيها آذان المستمعين إلى الميكروفون بمعدل مرة أو مرتين في الأسبوع. كما ساهم أثناءها في تكوين طاقم من الممثلين والممثلات الذين تحولوا من الميكروفون إلى الخشبة أو جمعوا بينهما معا، وبذل جهدا محسوسا في مغربة الخطاب المسرحي، مضمونا ولغة. ولاشك في أن هذا كفيل بأن يبوىء اسم عبد الله شقرون مكانة تاريخية مرموقة، ليس كقيدوم للمسرح الإذاعي فحسب، بل كدعامة للمسرح المغربي عامة".

ومن أعمال هذا الكاتب المبدع نذكر هذا الإنتاج الثري من الدراسات والأعمال الجيدة:


أعمال الكاتب تاريخ صدورها الصفحات المكــــــــان

التلفزيون عبر القمار الاصطناعية وحقوق الآخرين 1981م 286ص تونس

شعراء على مسرح التلفزيون 1983م 208ص تونس

مسرح في التلفزيون والإذاعة 1985م 384ص تونس

حقوق المؤلف في الإذاعة والتلفزيون 1986م 184ص تونس

الأدب الشعبي على أمواج الإذاعة 1987م 400ص تونس

حديث الإذاعة حول المسرح العربي 1988م 356ص تونس

تكريم من الكرام 1994م 210ص تونس

فن الإذاعة 1957م 60ص تطوان

حياة في المسرح 1997م 510ص الدار البيضاء

الواقعــــــــــة 1996م 381ص الرباط

الإذاعة والتلفزة المغربية 1999م 352ص الدار البيضاء

جلسات حول الدراما التلفزيونية 2001م 110ص الدار البيضاء

نظرات في شعر الملحون 2001م 112ص الدارالبيضاء

فجر المسرح العربي بالمغرب 1988م 184ص تونس

مسرحية طوق الحمامة ط1/2001

ط2/2005 112ص الدار البيضاء

A la rencontre du théâtre au Maroc 1988 294P Casablanca

Le droit d’auteur face à la communication audiovisuelle 1999 188P Casablanca

دولة الشعر والشعراء على ضفتي أبي رقراق 2004م 200ص الدار البيضاء

وإذا تأملنا المتناص الذي استندت إليه هذه المسرحية الوجدانية ذات الطابع التاريخي والاجتماعي والإنساني فيتمثل في كتاب ابن حزم الأندلسي ألا وهو" طوق الحمامة في الألفة والألاف" الذي ألفه سنة 418 هـــ، وهو آنذاك في الرابعة والثلاثين من عمره نزولا عند رغبة أحد أصدقائه فوضع له رسالة في صفة الحب وأسبابه، وأعراضه، وما يقع فيه وله على سبيل الحقيقة...

وقد قسم ابن حزم رسالته في فلسفة الحب هذه إلى ثلاثين بابا منها في أصول الحب عشرة، وفي أعراض الحب وصفاته المحمودة والمذمومة اثنا عشر بابا، ومنها في الآفات الداخلة على الحب ستة أبواب، ومنها بابان ختم بهما الرسالة، وهما باب الكلام في قبح المعصية، وباب فضل التعفف.

ولقد استوحى عبد الله شقرون هذه المسرحية من التراث الأندلسي الوسيط إبان العصر المرابطي وملوك الطوائف، وقد نشرت هذه المسرحية سنة 1976م بمجلة الفنون المغربية، شهري: أكتوبر ودجنبر، السنة الثالثة، العددين:3و4. وقد أخذت المسرحية حيزا كبيرا(41 صفحة أي من 184 إلى 225 ) من ذلك العدد المزدوج الخاص بالنصوص المسرحية المغربية، وكانت المسرحية من الحجم الكبير. ثم نشرها الكاتب في كتابه" مسرح في التلفزيون والإذاعة" ضمن سلسلة " نصوص ونماذج" في سنة 1985م. ولقد أعاد طبع هذه المسرحية بصيغة منفردة تحت عنوان طوق الحمامة عن مطبعة النجاح الجديدة بالدار البيضاء سنة2001م، وقررتها وزارة التربية الوطنية المغربية سنة 2005م في مدارسها الإعدادية لذلك تم طبعها من جديد.

وعليه، فلقد استلهم عبد الله شقرون مسرحيته من طوق الحمامة لابن حزم تناصا وامتصاصا لا اجترارا وتقليدا، وقد بين ذلك بقوله:"وإذا كانت هذه المسرحية عملا تمثيليا أصيلا- ومتواضعا- وليست إعدادا لحكايات" طوق الحمامة" أو اقتباسا لأبوابها، فلابد من الإشارة هنا إلى الحكاية التي وردت في هذه الرسالة وكانت منطلقا لحبكة المسرحية بصفة عامة، وهي الحكاية التي يقول ابن حزم إنه لم يسمعها عن بعض ملوك البربر حول رجل أندلسي باع جارية- كان يجد بها وجدا شديدا- لفاقة أصابته... ولم يظن هذا الرجل أن نفسه ستهيم في تتبعها بعد بيعها... وقد وردت تلك الحكاية في الباب الذي أشار فيه ابن حزم، كذلك، إلى نكبة السجن التي أصابته وصديقه محمد بن إسحاق على يد خيران العامري، صاحب المرية...وهي النكبة التي تعتبر فراشا لهذه المسرحية...

وقد كان من اللازم دراسة المحيط التاريخي- المجتمعي – الذي عاش فيه ابن حزم، وابتكار قصة ذات شخصيات تكون قريبة من الحقيقة.

وإذا جاز للخيال أن يحلق في عالمه قليلا فلتكن بعض التصورات والأبيات المضمنة في هذه المسرحية سابقة- في وضعها- للتاريخ الحقيقي الذي كتب فيه ابن حزم رسالته هذه بمدينة شاطبة بعد تاريخ إقامته في المرية" .

ومن النصوص المسرحية التي استوحت التراث الأندلسي، نذكر على سبيل المثال:

1- سالف لونجة لعبد الكريم برشيد( أسطورة أندلسية)

2- سيوف من غرناطة لأشنتيف رحال

3- علي بن حزم العاشق للسائح الحسن

4- حسناء الأندلس لإبراهيم الوزاني

5- مأساة المعتمد لطريبق حسن

6- ربة شاعر" ابن زيدون" للفيلالي علال بن الهاشمي

7- ليالي إشبيلية لعبد الكبير العلمي

8- السر المكتوم لعبد الله شقرون

9- غريب وعجيب لعبد الكريم برشيد.

و إذا تأملنا عنوان المسرحية التي نحن بصدد دراستها فهو عنوان تراثي يستنسخ التراث الأدبي لابن حزم امتصاصا واستفادة لا محاكاة أو تقليدا، وقد صيغ في قالب الجملة الاسمية: خبر لمبتدإ محذوف + مضاف إليه

أي أن هذا العنوان قائم على خاصية الحذف وإضمار الخبر الذي يجيب عنه النص.

هذا، وإن المسرحية تتكون من ثلاثة فصول بهذا الشكل:


فصول المسرحية مكان المسرحية زمان المسرحية الشخصيات

المسرحية

الفصل الأول

25 صفحة بلاد الأندلس، في مدينة ألمرية، على عهد صاحبها خيران العامري أوائل القرن الخامس للهجرة، أي أوائل القرن الحادي عشر للميلاد خيران- ابن حزم-ابن اسحق- هشام- مرجانة- إسماعيل-الشريف-صاحب الشرطة- مزنة- العواد

الفصل الثاني 14 صفحة

الفصل الثالث50 صفحة

يلاحظ من خلال هذا الجدول أن هذه المسرحية تتكون من فصول غير متناظرة حيث يأخذ الفصل الأخير حيزا أكبر نظرا لاحتوائه على الصراع الدرامي والحل والنهاية بالمقارنة مع الفصول التمهيدية السابقة.

1- المحتوى الدرامي:

تتناول هذه المسرحية قصة حب درامية في الأندلس بألمرية إبان فترة خيران العامري. وعلى الرغم من استهلالها بالمأساة والنحيب والبكاء إلا أنها تنتهي في الأخير بالمسرة والسعادة على غرار الروايات التاريخية الكلاسيكية بسبب تنازل إسماعيل عن الجارية مرجانة لعشيقها الأول بعد أن أظهر هشام حبه الحقيقي لمرجانة عن طريق البرهان الحسي وذلك عندما قرر أن يرمي نفسه من النافذة على عكس هشام لم يستطع أن يضحي من أجل هذه الجارية الحسناء.

في الفصل الأول، يدخل صاحب الشرطة ليخبر الحاكم خيران العامري وهو بين النوم والإفاقة يسمع إلى العواد ينقر دقات الموسيقى بفتنة الأندلس وأخبار ألمرية. لينتقل مجرى الحديث بينهما لاستعراض مآل ابن اسحق وابن حزم الذين زج بهما في السجن بسبب الوشاية والحسد والرغبة في الإيقاع بهما لمكانتهما العالية وذيوع صيتهما.ولما أحضر الأسيران، وبخهما الحاكم وأوعدهما بالقتل؛ لأنهما أثارا الشغب والفتنة بين الناس عندما أظهرا حبهما لبني أمية في الأندلس بعد هروبهما من قرطبة ومجيئهما إلى ألمرية. لكن الرجلين أنكرا جملة وتفصيلا ما نسبا إليهما واعتبرا ذلك مكيدة دبرت لهما عمدا وحسدا وحقدا، وأن حلولهما إلى ألمرية إنما كان هروبا من قرطبة التي حل بها الفساد والاضطراب السياسي وكثرة الفتن السياسية بسبب الصراع حول الحكم ولاسيما من قبل أصحاب سليمان المستعين وكذلك حبا في العامريين وحاكم ألمرية الصالح والرجل العادل. ومن ثم، فهدفهما في ألمرية إنما الدعوة إلى الوحدة الوطنية ووحدة الأندلس ووحدة الحب والعقيدة:

"ابن حزم: إنها دعوة إلى الحب والمحبة بين الناس، دعوة إلى الإيمان بوحدة البلاد طولا وعرضا، دعوة إلى التمسك بالشريعة المقدسة، إنها الدعوة إلى عدم تفرقة كلمة الأمة، إنني وصاحبي نبحث عن الهدف النظيف الذي من أجله يعيش الناس ويسعدون، ولأجله يفضلون موتا على حياة، وحياة على موت... فلماذا يألف الناس بعضهم بذواتهم ولذواتهم... لماذا يصدقون في دخيلتهم وسويدائهم، ولكنهم لا يفرغون نفس العواطف الحميمة الصادقة على مصالح البلاد والعباد... إنهم من أجل المال وسامي المناصب يتقاتلون، وإلى التعدي والظلم يجنحون... الحب... الحب...، يا خيران....هو مفتاح السعادة وطريق الأمل... إن الوحدة في العواطف المتجاوبة المنسجمة شرعة أزلية تقضي علىالفتنة... فكر في الوحدة في الأمر، والوحدة في الخلافة... وفكر في التوحيد لذات الله..." .

إن ابن حزم يرجع الوحدة الوطنية والوحدة الأندلسية والعقدية إلى وحدة الحب؛ لأن الحب هو الذي يؤلف القلوب ويصهرها في بوتقة واحدة وإحساس شعوري صادق قوامه الأخوة والتعاون والتشارك والتمازج الروحي والوجداني والوجودي سواء أكان ذاتيا أم موضوعيا. وبعد ذلك، يدخل الشريف أبو جعفر سيد الشرفاء مع هشام ليتوسط له لدى حاكم ألمرية خيران العامري، ولكن ليس في قضية سياسية أو اجتماعية أو مادية بل في قضية الحب والغرام، يريد أن يكون حكما في محكمة العشق والحب بين شخصين يتنازعان جارية حسناء في الجمال وبارعة في الشعر والظرافة: إنها مرجانة ست الجمال والبهاء.

لقد عاش هشام مع جاريته مرجانة في قرطبة وألمرية حياة قوامها السعادة والثراء والترف والغنى؛ لأن هشاما ورث عن آبائه وأجداده ثروة طائلة وممتلكات لا تعد ولا تحصى بله عن العقارات والأراضي في قرطبة التي تدر عليه أرباحا إضافية. بيد أن الفتن التي وقعت في قرطبة دفعت بهشام وعشيقته التي عاش معها قصة رومانسية عفيفة رائعة إلى ترك قرطبة ليحل بألمرية التي قضى فيها فترة من الزهو والحب مع مرجانة في فرح وسعادة لا يشوبه أي شائب؛ لكن هذا الإسراف في الحياة والتبذير المستمر والفتن التي اشتعلت بقرطبة والتي حرمته من عقاراته وممتلكاته وأمواله دفعه كل ذلك إلى الإفلاس والفقر المدقع بعد أن باع كل شيء حتى حلي حبيبته مرجانة ومظاهر زينتها.

وفي الفصل الثاني، ننتقل مع الكاتب إلى بيت هشام مع مرجانة، إذ تطلب منه هذه الجارية الجميلة أن يهون عليه وأن يتجلد، وأن الاستدانة ليس حلا لاستمرار الحب بينهما، وليس هناك من سيقرض هذا المعدم في ألمرية مادام شخصا مفلسا وعلى الرغم من ممتلكاته المحجوزة في قرطبة بسبب نار الفتنة التي عاثت بالمدينة فسادا وتخريبا ودمارا بسبب التنافس حول كرسي الحكم. واقترحت مرجانة في الأخير حلا مناسبا وواقعيا، وهو أن يبيعها في سوق النخاسة من أجل أن يعيش سعيدا ومن أجل هذا الحب الذي لا يمكن أن يستمر في ظلال الفقر والجوع والعذاب. كما أنها لا تريد أن يعيش عشيقها هشام في نكد وهم بسببها وهي لا تريد أن تحمله ما لا يطاق. لذا، ألحت عليه أن يبيعها لكي تخلصه من أعبائها وتسعده بالنقود التي سيجنيها من ذلك البيع."وانتقلت مرجانة إلى بيت مشتريها إسماعيل بن شهبون الأحمدي، التاجر الوجيه، فانتقل معها قلب هشام بن المبروك وعقله... أظلمت الدنيا في عينيه وطار لبه وجن جنونه... وأحاط به الفراغ" ، وأصبح شريدا في ألمرية،يعاني من داء الحب، يكاد يجن بسبب فراقه لمرجانة وأحس أنه خسر الدنيا والآخرة، ففقد عقله وصوابه؛ مما دفع الشريف ليتدخل له عند الحاكم خيران العامري. وقد اندهش ابن حزم لهذه القصة التي كان يعرضها الشريف على الحاكم ليقضي فيها وهو عارف بالحب وأعراضه وصفاته وأحواله وآثاره الإيجابية والسلبية. بيد أن الحاكم استغرب لهذه القضية التي لاتمت بصلة إلى اختصاصاته ولا علاقة لها بقضايا الأمة. لكن ابن حزم والشريف أقنعا بخطورة هذه القضية ووجاهتها وأهميتها الإنسانية والاجتماعية و لاسيما أن الجارية تعاني من الرق والعبودية لا حرية لها في إبداء رأيها أو التعبير بكل صراحة وجرأة عن شعورها وإحساسها وتحديد ميولاتها وأهوائها.وبعد تردد من قبل الحاكم النبيل، نزل عند رغبة ابن حزم وأبي جعفر للفصل في هذه القضية الشائكة التي لم يشهدها قط في بلاطه وعصره.

وفي الفصل الثالث، ننتقل إلى بيت إسماعيل حيث مرجانة تعيش في حزن وكآبة بسبب الفراق والنوى والاغتراب الذاتي والمكاني وبسبب حبها الشديد لهشام على الرغم من حياة الترف والثراء في منزل إسماعيل تاجر ألمرية. وكانت مرجانة تزداد عشقا وحسرة وكمدا كلما أخبرتها مزنة بتيه عشيرها هشام وخباله الجنوني من شدة حبه لها. وحتى إسماعيل سيدها الذي اشتراها من هشام كان متيما بها، يحبها حبا جنونيا؛ لكن مرجانة لا تريد أن تستسلم له أو تطيعه فكانت عنيدة معه, وقد توسل إليها مرارا وتكرارا أن تطيعه في أغراضه ولكن بدون جدوى. و على الرغم من هذا الحب من طرف واحد، إلا أن إسماعيل رفض توسط الشريف لهشام وشفاعته الكبرى، كما أبى توسط الحاكم خيران الذي استدعاه إلى بهو قصره ليتنازل عن الجارية لمن يحبها بصدق شريطة أن يضاعف له النقود أضعافا مضاعفة مادام امتلاكه للجارية كان شرعيا وقانونيا.لكن إسماعيل رفض رفضا قاطعا كل الإغراءات المتكررة، وصرح بأنه يحبها أكثر مما يحبها هشام، وأنه لا يستطيع أن يفرط فيها. وأمام عجز الحاكم الفصل في هذه القضية الشائكة، قرر ابن حزم العارف بالحب داء ودواء أن يتولى الفصل بينهما بعد أن أيد الحاكم قراره وشجعه على ذلك. فاختار ابن حزم امتحانا ملموسا للتأكد من حب الطرفين بعد أن كان يعارضه في آرائه صديقه ابن اسحاق الذي كان قاسيا شيئا ما على مرجانة وهشام. وهذا الامتحان هو أن يلقي كل واحد نفسه من نافذة القصر إلى أسفله ليظفر بمرجانة، فأسرع هشام في التنفيذ بشكل جنوني، فلولا قدرة الله ومشيئته لكان من الهالكين. ولما حل دور إسماعيل امتنع وتردد كثيرا. ولما ألح عليه الحاكم، رفض الانتحار والموت من أجل جارية، فاختار المال بدلا منها. وهنا، تأكد الحضور من صدق حب هشام وزيفه لدى إسماعيل الذي كان يدعي الحب نفاقا وهراء.

وفي الأخير، شكر الحاكم إسماعيل وأعطاه كل ما وعد به، كما شكر الشريف جعفر على وساطاته الإنسانية من أجل الصالح العام، وتمنى للعاشقين حياة سعيدة ووعدهما أيضا بهبة ستصلهما في أقرب وقت. وفي نفس الوقت، أطلق سراح السجينين: ابن حزم وابن اسحق، وتمنى لهما تجوالا مبرورا في نواحي الأندلس وزودهما بما يحتاجانه في سفرهما. وأمر صاحب الشرطة أن يدخل عليه العواد ليمتعه بنقرات العود ليريحه من مشاغل الحكم وتعب القضية.

وهكذا تدخل في هذه المسرحية الأندلسية الممتعة الجوانب الغزلية الوجدانية مع الجوانب التاريخية و الجوانب السياسية والاجتماعية والحضارية، وتعطي صورة جلية حول كل هذه النواحي في القرن الخامس الهجري بالأندلس التي كانت تعرف فتنا و اضطرابات على جميع الأصعدة، وتؤشر على أفول نجم حضارة الأمويين.

ولكن هذه المسرحية التي كتبت في عقد السبعين، وهي تعزف على أوتار الشوق والعشق والحب عبر أثير الإذاعة، لا تعكس واقعها الذي كان يغص بالصراعات والتناقضات السياسية والاجتماعية والحزبية. أي أن مسرحية عبد الله شقرون في واد والواقع المغربي في واد آخر. ويعني هذا، أن شقرون يهرب بالشعب المغربي من واقعه الذي يعيش فيه إلى واقع تاريخي وتراثي بعيد عنه وليس فيه سوى الطرب وجنون الحب وقصص الغرام. بينما الإنسان المغربي كان يتصارع مع لقمة الخبز وشغل يستره من التسول والإذلال والإهانة:"لقد حاول عبد الله شقرون- يقول نجيب العوفي- أن يقوم، من خلال كثير من التمثيليات التي أنتجها، بقراءة في الخريطة الاجتماعية. وكانت قراءته بريئة وآثمة في آن واحد. كانت بريئة من جهة، لأنه اعتمد على عين وصفية- نقدية في التقاط قضايا ومشاكل لها وجودها في الساحة الاجتماعية، وحاول أن يجعل من الميكروفون المسرحي أداة تعرية وتوعية. وكانت آثمة من جهة ثانية، لأنه اقتصر على نماذج يمكن أن نعتبرها ثانوية وصغرى إذا قيست بالنماذج الرئيسية والكبرى. وإثم هذه القراءة لا يتحدد فقط في اقتطاع وانتقاء المشاكل الصغرى من خضم المشاكل الكبرى، بل يتحدد أيضا في اقتطاع المشاكل الصغرى من خضم المشاكل الكبرى، بل يتحدد أيضا في اقتطاع المشاكل الصغرى ذاتها عن سياقها التاريخي وغلافها الاجتماعي، والنظر إليها بعين فلكلورية فوقية يصبح معها الميكروفون المسرحي، نقيض الحالة الأولى، أداة تسلية وتضليل."

ويضيف نجيب العوفي بأن المسرح الإذاعي عند عبد الله شقرون هو نوع من المسرح المتكرر في شكله ومضمونه يستهدف تبليد الذوق المغربي واستلاب السامع وتغريبه عن مجتمعه الذي يحتاج إلى مسرح النقد والشهادة ومسرح بريخت: مسرح الملحمة والتغيير لا مسرح التكريس والمحافظة على أوضاع المجتمع السائدة:" لقد أنتج عبد الله شقرون سيلا من التمثيليات، استطاع بواستطها أن يكيف ذوق المتلقي ويستلب الأذن المغربية، فيما يشبه الأفيون. وأصبح قسم التمثيل بمثابة ورشة لإنتاج أصناف من الفرجة السمعية لا ضابط لها ولا رابط. وقد ترتبت عن هذه السيولة الإنتاجية نتيجتان سلبيتان ومتلاحمتان، تتمثل أولاهما في هبوط المستوى الفكري والفني لمعظم التمثيليات المذاعة، وافتقادها لغطاء نظري سليم مما جعلها مجرد حدوتات حوارية تحرك فضول المستمع وشوقه أكثر مما تحرك فكره ووجدانه. وتتمثل ثانيهما في تدجين ذوق المستمع واستلاب أذنه المسرحية، من جراء ربطه بنمط إنتاج مسرحي متكرر ومتناسخ وإن تنوعت مضامينه واختلف أشكاله في الظاهر."

2- الصراع الدرمي:

يتمثل الصراع الدرامي في هذه المسرحية العاطفية الوجدانية في الصراع بين شخصيتين أساسيتين وهما: إسماعيل وهشام حول حب مرجانة الجارية الحسناء في جمالها وأخلاقها وشعرها. فهشام يجسد الحب الحقيقي والإخلاص والوفاء والتضحية حتى إنه يشبه رومو جولييت ويبدو ذلك عندما رمى بنفسه من نافذة القصر استعدادا للموت من أجل حبيبته العزيزة عليه. أما إسماعيل فيشخص الحب الزائف وادعاء الغرام والنبل؛ لكن الظروف والامتحانات أثبتت نواياه وأنه لا علاقة له بالحب والعشق، بل يمثل ذلك ظهورا أمام الحضور قصد تحقيق مآربه الغرائزية والمادية. لذا، يمكن أن نقول بأن الصراع الدرامي في النص بين الحب والمادة، بين العشق والموت، أو بين الغرام والمال، أو بين الجنون والعقل. كما يحمل هذا الصراع الدرامي دلالات رمزية، إذ يرمز إلى من يحب الأندلس حبا جنونيا يريد وحدتها الوطنية والسياسية والعقدية والاجتماعية وهناك من يفرط فيها ولا يريد إلا مصالحه الشخصية أو المادية. فالمنطلق في ذلك أن مرجانة هي الأندلس الحسناء، هي الشعر والحضارة والأخلاق والنبل ودماثة الإحساس والتضحية:

" ابن حزم: بل إن الخلفاء الحقيقيين هم أولائك الذين أقاموه - يقصد سليمان المستعين- دمية وعاثوا في قرطبة فسادا، وهدما، وتخريبا ! ..." .

" هشام: تسلطت الفتنة العاتية على قرطبة، فعمت باطنها وظاهرها، داخلها وأرباظها... وحتى الطرق المؤدية إليها، واختلط الحابل بالنابل، وقام بين عقاراتي ومتاعي هناك المنيع من الحواجز والسدود" .

ويعني هذا أن المسرح الإذاعي في شخصية عبد الله شقرون خدم المسرح المغربي من حيث الكم والتنشيط الفني، ولكنه أضره من حيث الوظيفة والرسالة إذ كرس نوعا من المسرح المستلب الذي يخدر الشعب المقهور بالأزمات والمشاكل، ذلك الشعب الذي كان يدغدغه الفقر والبطالة والأمية والتخلف بكل أنماطه.

3- الشخصيات الدرامية:

إن هذه المسرحية الوجدانية زاخرة بالشخصيات التاريخية والإنسانية التي سنوضحها على المنوال التالي:

الشخصيات الوظيفة الاجتماعية المقومات الجسدية المقومات النفسية والأخلاقية

خيران العامري حاكم ألمرية و سيد الرجال العامريين- رجل صلب العود- جهوري الصوت- في نحو الخمسين- يحب سماع موسيقى العود- خير- عادل- رحيم- إنساني- حازم- مرن ومعتدل- سياسي بارع-

أبو محمد علي بن أحمد بن حزم أديب وشاعر وعالم وابن وزير مشهور- شاب دون الثلاثين- الحزم- الإصلاح- شجاع- جريء- العلم- الأخلاق- قدرته على المناظرة- فتى معروف في الأندلس- لاجىء إلى ألمرية- التحلي بالأدب- أموي الميولات-

ابن اسحق رفيق ابن حزم في تجواله بالأندلس شاب دون الثلاثين- لاجيء على ألمرية- شجاع وجريء- مناظر- كثير الأدب- ذو أصل ومحتد-

هشام بن مصطفى المبروك وارث أملاك ومال عن آبائه وأجداده شاب في الخامسة والثلاثين مسرف ومبذر- عشيق مرجانة- شاعر متيم- مغامر إلى درجة الجنون- التضحية والوفاء-

مرجانة جارية شابة في الثلاثين- جميلة المنظر- حسناء مثل القمر- البهاء- امرأة مكتملة- الهيبة والجلال- التضحية والوفاء- كثيرة الحب لهشام- النضج – لطيفة المعشر- حلوة الشمائل- أديبة شاعرة- جودة التفكير- بعيدة عن الدلال الباهت-

إسماعيل بن شهبون الأحمدي من كبار التجار رجل في الخامسة والأربعين- رجل عنيد- الوجاهة-مادي- جبان- مدع- صلب قلبه من جلمود- غني المال-

أبو جعفر كبير شرفاء ألمرية ومن أهل البيت رجل في الخامسة والستين- شيخ وقور- رجل شريف- خير- طيب القلب- يتوسط في إصلاح البين-

صاحب الشرطة المسؤول عن نظام المدينة في نحو الخامسة والأربعين- متسرع- خشن- ساذج- عنيف- متقلب-

عباس عازف على العود -------------- موهبة العزف- فنان- متخلق ومتأدب مع حاكم ألمرية- حساس- مطرب.

مزنة خادمة بيت إسماعيل شابة في سن مرجانة- نصوحة- رفيقة مرجانة- كتومة للأسرار- حساسة- الطاعة


ويمكت تخطيط البنية العاملية بهذه الطريقة لتحديد العوامل وعناصر التواصل:

المرسل: الحب ــــــــــــــــ← المرسل إليه:أهل الأندلس

الذات: هشام ــــــــــــــــــــــــــــــ← الموضوع: مرجانة

المساعد:ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ← المعاكس: إسماعيل

ابن حزم- أبو جعفر- الحاكم- الصدق- الامتحان.

هذا ما يمكن قوله باختصارعن الشخصيات والتي يمكن تصنيفها إلى:

أ?- شخصيات رسمية/ سياسية: الحاكم- صاحب الشرطة.

ب?- شخصيات وسيطة/واصلة: ابن حزم- ابن اسحق- الشريف- مزنة

ت?- شخصيات عاشقة: مرجانة-هشام- إسماعيل.

ث?- شخصيات مطربة: عباس.

4- الفضاء الدرامي:

يمكن الحديث عن فضاءين داخل المسرح: الفضاء الدرامي: هو ذلك البناء الخيالي لبنية فضاء المسرحية من قبل القارىء أو المشاهد. بينما الفضاء السينوغرافي هو فضاء العرض والفرجة سيساهم في بنائه السينوغراف ومشاركوه.

إن الفضاء الدرامي في النص عام وخاص، فالعام يتمثل في ألمرية بالأندلس على عهد صاحبها خيران العامري أوائل القرن الخامس للهجرة، أي أوائل القرن الحادي عشر للميلاد.أما الفضاء الخاص، فيختلف من فصل إلى آخر:

ففي الفصل الأول، يحضر قصر خيران ولاسيما طابقه العلوي كما تبين الخلفية الدرامية ذلك:" غرفة صغيرة في طابق علوي من قصر خيران، أمير ألمرية، في بلاد الأندلس. في الواجهة الأمامية شرفة داخلة على شكل نافذة واسعة تبدو من خلالها زرقة السماء.

هناك مجال واحد للدخول والخروج على أساس أنه سلم يؤدي إلى الطابق الأرضي."

وفي الفصل الثاني، ننتقل إلى فضاء غرفة صغيرة متواضعة تجمع بين مرجانة وهشام بعد أن تغيرت بهما الأحوال المادية بسبب الإسراف والتبذير وتقلب الأحوال السياسية بقرطبة بسبب التدمير والتخريب والفتن الداخلية.

وفي الفصل الأخير، نجد الفضاءات النصية التالية:

أ?- منزل إسماعيل الفاخر الذي يجمع في داخله مرجانة التي ابتاعها من هشام وخادمته مزنة وخاصة في بهو حجرة كبيرة ذات زليج بفسيفساء أندلسية، ولها نافذة تبدو منها أزهار ( وفي هذا المكان سيدور الحوار بين مرجانة ومزنة حول عشيقها هشام، وبين إسماعيل ومرجانة، وبينه والشريف، وأيضا بينه وهشام).

ب?- غرفة القصر في الطابق العلوي ذي النافذة المطلة على زرقة السماء.

إذا، هناك أربعة فضاءات درامية متقابلة فيما بينها:

أ?- فضاء القصر بمواصفاته الرسمية يجسد السلطة،

ب?- فضاء البيت المتواضع الذي يجمع بين مرجانة وهشام، ويجسد الحب والإخلاص والوفاء،

ت?- فضاء منزل إسماعيل الأنيق الذي يجسد النعمة والثراء والغنى وزيف المشاعروشبقية صاحبه.

ث?- فضاء النافذة وهو فضاء الانفتاح على العالم الخارجي وفضاء الامتحان عن مدى صدق حب الطرفين العاشقين وفضاء الاسترواح النفسي وترصد الخارج والواقع.

5- الإنارة أو الإضاءة:

تقوم الإضاءة أو الإنارة بدور سينوغرافي هام في تحديد الفضاء الزمني للمسرحية أو إبراز الحالات والوضعيات وتبئير المشاهد الدرامية لكي يركز عليها المشاهد أو ينتبه لها انتباها شديدا.أي أن الإضاءة هي نتاج الإنارة تنير الممثلين وخشبة المسرح وزوايا الركح والفضاء الفرجوي المعروض، وتخلق الإضاءة أجواء مختلفة بتنوع الضغوطات والألوان ولعبة الظلال.

وفي طوق الحمامة، نجد عدة مستويات للإضاءة، ففي الفصل الأول كما يتبين من خلال الخلفية الدرامية، نجد إضاءة طبيعية" زرقة السماء تبدو من نافذة الطابق العلوي للقصر"، وهذه الإضاءة فضائية ليس إلا، تحدد المكان والزمان. وتصبح الإضاءة ذات وظيفة سينوغرافية في تحديد المشاهد الدرامية وتبئيرها:

« انتقال إلى مجال تشخيصي آخر...

- يبقى خيران ورجال مجلسه يتتبعون المشهد في ركن منزو عن وقائع المشهد التالي، وهنا للإنارة دور هام."

وفي الفصل الثاني، تصبح للإضاءة دور تشخيصي سينوغرافي كما تقول ذلك الخلفية الدرامية:" تنقل الإنارة اهتمام المشاهدين إلى هذا المجال التشخيصي حيث يبدو هشام إلى جانب مرجانة..."

كما تقوم الإضاءة بتحديد المشاهد المسرحية وتقسيمها بصريا:" انتقال وعودة إلى مجلس خيران باستعمال وسائل الإنارة المسرحية" ، " ابن حزم: ( يروي المشهد الذي يبدو شيئا فشيئا في ركن آخر... الإنارة تتبدل في انتقال المجال التشخيصي) .

6- الإشارات الإخراجية أو الركحية:

الإشارات الإخراجية أو الإرشادات الركحية هي توجيهات يقدمها المؤلف للمتلقي أو الممثل أو المخرج لتمثلها قصد استيعاب النص الدرامي أو تمثيله أو عرضه سينوغرافيا، وقد تكون هذه التوجيهات موجزة أو طويلة جدا حتى تتحول إلى نص أو خلفية درامية تحدد الشخصيات والأمكنة والأزمنة وكل ما يتعلق من عناصر الفعل المسرحي. وغالبا ما تكون هذه العلامات السينوغرافية خارجة عن الجمل والمقاطع الحوارية، قد توضع بين قوسين أو تكتب بخط متميز سواء أكان خافتا أم مشبعا بالسواد.

وفي طوق الحمامة، تتخذ الإشارات المسرحية عدة سمات مظهرية:

أ?- كنص يحدد الخلفية الدرامية بكل مكوناتها السينوغرافية في مطلع كل فصل؛

ب?- الأقواس داخل الحوارات

ت?- الخط المتميز المشبع بالسواد بين المناطق الفاصلة

بين الحوارات.

وتؤدي هذه الإشارات الركحية عدة وظائف داخل المسرحية:

- تحديد وضعية الشخصية: ( يدخل ويتكلم)، العواد يتوقف عن العزف، العواد يقف من مكانه احتراما والعود بيده....

- تبيان الفضاء وتأثيثه: غرفة صغيرة في طابق علوي....هندسة الغرفة وزخرفتها وتأثيثها على النمط الأندلسي...

- إبراز سيميائية التواصل:(نحو صاحب الشرطة)...

- تحديد حالات الشخصيات ومواصفاتها:( ضاحكا)، ( مترددا)،

- تعيين المجال التشخيصي أو السينوغرافي:( انتقال إلى مجال تشخيصي آخر...).

7- الديكور الدرامي:

نعني بالديكور مجموعة من العناصر التي تملأ فضاء الفرجة وتساهم في خلق العرض المسرحي ومشاهده المرئية أو الخيالية، أو نعرفه بأنه تنظيم الخشبة أو الفضاء الركحي أو الدرامي أو المكان المرجعي الواقعي الذي نقدمه بصريا للمتفرجين أو القراء، ويتكون من اللوحات المرسومة أو الملونة، أو بعض الأشياء، أو الفضاء الديكوري المبني، وبتعبير آخر نقصد بها: الستارات، والأثاث، والمباني ومستلزمات المناظر. وكان الديكور قديما يتمثل في الستارات الملونة للمنظور، أما اليوم، فنعني بها المواد المعمارية الهندسية والإكسسوارات والأزياء والملابس.

وتتضمن مسرحية طوق الحمامة مجموعة من العناصر الديكورية نجملها في هذه الخطاطة التوضيحية:

عناصر الديكور الفصول الدرامية المكونات والسمات

المباني الفصل الأول غرفة صغيرة- قصر- طابق علوي- شرفة في شكل نافذة- سلم أرضي- الصفة

الفصل الثاني غرفة صغيرة-

الفصل الثالث بهو حجرة كبيرة- نافذة- نافذة القصر- الشرفة- الدرج الموجود في القصر- ستارة

الأثاث الفصل الأول تأثيث مزخرف على النمط الأندلسي.

الفصل الثاني تأثيث متواضع

الإكسسوارات الفصل الأول آلة العود- صرة من المال-

الفصل الثاني آلات موسيقية قليلة

الفصل الثالث الأزهار-آلة العود-

الأزياء والملابس الفصل الثالث مرجانة في أبهى الحلل والحلي والزينة على الطراز الأندلسي- لثام مرجانة شفاف يزيدها جمالا-

الهندسة الفصل الأول هندسة ذات نمط أندلسي.

الفصل الثاني الشكل الهندسي العام أندلسي.

الفصل الثالث فسيفساء أندلسية بزليج مزخرف

الألوان الفصل الأول زرقة السماء-

الفصل الثاني ضوء الإنارة

الموسيقى الفصل الأول ينقر عواد على آلة العود الطرب الأندلسي

الفصل الثاني نغمات موسيقية خافتة بآلات قليلة

الفصل الثالث العزف على العود- موسيقى الختام

8- الحوار واللغــــــة:

يعد الحوار من أهم العناصر التي تشكل الخطاب الدرامي وهو أساس التواصل الإنساني والتشخيصي كما أنه يعكس الصراع الإيديولوجي بين الشخصيات ويجسد ميولات ومواقف الشخصيات ويفرز نفسيات الممثلين ورؤاهم للعالم.كما يعبر المنولوج عن الصراع الداخلي والتمزق النفسي، أما الحوار الصامت فقد يعبر عن موقف الرفض أو التفكير أو التأمل.وللحوار المباشر- الديالوغ- في طوق الحمامة عدة وظائف يمكن حصرها في:

1- التعريف بالشخصيات المقدمة في النص الدرامي:

" ابن اسحق:يا خيران، إنك، وجيه رجال العامريين وسهمهم النافذ، تعلم حق العلم إن أبا عمر أحمد بن سعيد بن حزم، والد علي صاحبي، كان..رحمه الله... وزيرا نابها للمنصور محمد بن أبي عامر، الحاجب العظيم، والمجاهد الصادق، كما صار وزيرا لولد المنصور من بعده، عبد الملك المظفر، وتعلم أن.."

2- تصوير الشخصيات وتبيان حالاتهم وسلوكاتهم:

" ابن اسحق: ذلك رفيق اغترف من معين العلم، وتحلى بالأدب، وتزيا بسربال الطاعة، وقد وهبه الله عقلا عظيما،وحكمة أصيلة، وعجنته تجارب الحياة رغم عنفوان سني حياته...

خيران: بل هو شخص مغرور بلغ به العجب مبلغا بعيدا...."

3- تبيان مواقف الشخصيات وآرائهم العقدية والسياسية:

" خيران: وسليمان المستعين الذي أقاموه خليفة... هو أيضا أموي...

ابن اسحاق: ولكن، شتان مابين الخليفتين....

ابن حزم: بل إن الخلفاء الحقيقيين هم أولائك الذين أقاموه دمية وعاثوا في قرطبة فسادا، وهدما، وتخريبا!" .


4- تطوير القصة والحبكة الدرامية:

يساهم الحوار في تحبيك القصة وتأزيمها وخلق تمسرحها الدرامي، وقد رأينا كيف بلغت أزمة الحب ذروتها بين هشام وإسماعيل حتى وصلت القضية إلى حاكم ألميرية، وعلى الرغم من ذلك لا يريد أن يتنازل إسماعيل عن مرجانة إلا بعد فشله في تنفيذ الامتحان الذي اقترحه ابن حزم على العشيقين معا للبرهنة على مدى حبهما لمرجانة الجارية الحسناء.

5- التمهيد للأحداث ( البرولوج):

يساهم الحوار في التمهيد للأحداث وخاصة في البرولوج أو مستهل المسرحية؛ لذا يعد المشهد الأول( خيران←اسحاق/ خيران←ابن حزم) تمهيدا وتوطئة للأحداث التي ستأتي بعد ذلك، والتي ستتعقد مع قصة اسماعيل وهشام، ولتنتهي بالامتحان وإفراج الحاكم عن الأسيرين: اسحاق وابن حزم. ومن ثم، فالمسرحية ذات نهاية سعيدة تتخللها لحظات درامية ولحظات فكاهية كوميدية، أي أنها تشبه مسرحية تراجيكوميدية.

6- الحوار يحقق التواصل:

ويقوم الحوار بدور مهم في عملية التواصل وتبادل الكلام بين الشخصيات وتبليغ المعلومات والتصورات سواء أكان هذا التواصل واضحا شفافا أم كان تواصلا قائما على الإضمار والتخفية والسخرية والاستهزاء واللعب اللغوي الاجتماعي. وكل هذا حاضر في هذه المسرحية مادامت أنها تواصلية في الجوهر والعمق.

7- الحوار أداة إخراجية وسينوغرافية:

من أهم مميزات الحوار أنه يثري الإخراج ويغنيه دراميا ويساعد الممثل على تمثل المواقف وتحبيك الصراع وتأثيث المشاهد وتغيير الديكور وتحقيق التواصل مع الشخصيات:

" صاحب الشرطة: ألا ينزل سيدي الأمير إلى القاعة الكيرى؟" .

" صاحب الشرطة: تفضلا بالدخول... إن مولانا خيران هنا... ومرحبا بأبي جعفر... شريف الأشراف"

" هشام: سأبيع هذا البيت وما فيه من أثاث" .

ويحضر الحوار الصامت في هذه المسرحية ليعبر عن التأمل والتفكير الذهني والروية كما في هذا السياق الحواري:

" فترة صمت

إسماعيل: ( مطرقا)

الشريف: وسيكون في عملك هذا مرضاة الله..." .

وإلى جانب الحوار الصامت تحضر المناجاة في شكل لغة استبطانية وجدانية لتعبر عن المعاناة والشكوى والتألم والاستعطاف:

" مرجانة: ( منفردة) ليت شعري، هل سلوتني، وهل يحلو لك النوم، أم النوم قد هجرك؟ لله ما أبعدك وما أقربك..." .

كما يوظف الكاتب المنولوج أو الحوار الداخلي للتعبير عن الصراع الداخلي والتمزق النفسي:

" مرجانة:( تبقى لوحدها) متاع محيط ونعمة شاملة... ولكن لوعة الفؤاد لا دواء لها ولا ترياق إلا ماكان لها مبعثا ( تتنهد) هيهات...هيهات... هيهات" .

كما نجد الحوار التأملي الذهني الصامت الذي يعبر عن الشرود والتفكير العميق والغياب الجسدي نحو الحضور الوجداني والروحي:

" مرجانة: ( تتأمل في النافذة) ليتها كانت إلى الدرب نافذة...الله... الله... هل إلى التأسي من سبيل؟ ( تبكي)" .

أما لغة المسرحية فهي لغة عربية فصيحة قوامها الشاعرية والتناص وتنويع الأساليب( نفي، حصر، استفهام، نداء، التمني، التحسر، الأمر، الوعيد...) واستعمال ألفاظ مشرقة سلسة تارة وجزلة فخمة تارة أخرى بعيدا عن العامية أو اللغة الثالثة. كما وظف خطاب السخرية والاستهزاء والسرد والإقناع والحذف المضمر للتلميح والإيحاء والإشارة. وتتخذ اللغة معاجم متنوعة: المعجم العاطفي، والمعجم السياسي، والمعجم الديني، والمعجم التاريخي، والمعجم الأدبي، والمعجم الاجتماعي.

ويتسم أسلوب المسرحية بالتوتر الدرامي والشحنة الوجدانية التي تختلط بالتأزم والشاعرية ورقة الانفعالات والأحاسيس الوجدانية.



8- الأبعاد المرجعية:

تعكس المسرحية" طوق الحمامة" لعبد الله شقرون البيئة الأندلسية التي كانت تعج بالتناقضات الاجتماعية والتفاوت الطبقي والاضطرابات السياسية والفتن الداخلية ولاسيما في قرطبة وصراع بني أمية حول السلطة ومناصب الحكم وازدهار الحكم العامري في مدينة ألمرية. كما تجسد طبيعة الحضارة الأندلسية التي تتمثل في العمارة الفسيفسائية والاهتمام بالمجال الأخضر وانتشار العشق والحب بين الأسر الأندلسية واهتمامهم بالطرب والشعر والغناء والموسيقى. كما يبين لنا النص انتشار الرقيق والعبيد والجواري في المجتمع الأندلسي وتفسخه حضاريا بسبب الفرقة والصراعات السياسية في القرن الخامس الهجري قرن ملوك الطوائف والدولة المرابطية. كما يصور لنا النص صراع العشاق وتهافتهم حول الجواري ومعاناتهم النفسية من شدة الوجد والهوى والحب إلى درجة الجنون والموت.

خلاصــــــة:

ونستنتج مما سبق، أن مسرحية " طوق الحمامة" لعبد الله شقرون َلمسرحية عاطفية وجدانية ذات أبعاد مرجعية تاريخية واجتماعية وسياسية تصور صراع الحب والمادة أو صراع العشق والزيف في قالب شعري تاريخي كلاسيكي يستلهم المستنسخ التراثي الأندلسي بشكل تناصي قائم على التحوير الفني والامتصاص الدلالي.


ملاحظة:

JAMIL HAMDAOUI AMAR(BP :5021 NADOR-62002 MAROC جميل حمداوي( عمرو)
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف