وكان الليل هائلا كبيرا كخيمة مأتم كللت بالسواد حدادا على وفاة النهار، وليس فيها سوى أنوار قمر شاحب ونجوم أضيئت لتهدى المعزيين حين عثر بالصدفة فى حوزة ابنه الصغير شريف – فى المرحلة الابتدائية – على صباع طباشر ملون يلهو به ، وعندما سأله عن مصدره تلجلج وفشل فى إقناعه بأنه هدية المدرس لتفوقه 00 حقق معه حتى أدرك انه استولى عليه من صندوق الطباشير بحجرة الرسم دون علم المدرس 00 ظل قرابة الساعة يشرح له خطأه ويوضح له جريمته التى ارتكبها فى حق زملائه ومجتمعه بعبارات محفوظة كالقوالب الجاهزة بطريقة آلية ، وفى نهاية كلامه أمره أن يذهب فى الغد إلى المدرس ويعترف له بما حدث ويرد صباع الطباشير له إلا أنه لم يفعل وضربه على عصيانه لكلامه 00 شرد بعدها فى ذكرياته : فهو طوال عمره ومنذ أن كف أبوه عن ضربه وعقابه وصب الأوامر والنصائح كالزيت المغلى فوق رأسه ومنذ موته كأنما عاهد نفسه بعدها ألا يستمع لنصيحة أحد سواء أكان مخطئا أم مصيباً وسواء أكانت النصيحة من عاقل أم أحمق ، بل لقد جعل شعاره بوعى منه وبغير وعى أن يخالف كل ما يقال له من نصائح وهوايته الكبرى أن يعصى القوانين ، يظل القانون عدوه اللدود إلى أن ينجح فى حرقه ، ويستلذ بتكرار خرقه والتعليمات تظل عبئا لا يطاق إلى أن ينجح فى العثور على وسيلة يستطيع أن يتحايل بها عليها بل كل ما يأخذ شكل القانون ، إذا تصادف ووجد قيشانى فى دورة مياه يدخلها لامعا نظيفا لا يستريح إلا إذا اخرج قلما وخط وشخبط حتى يشوه المنظر 00 إذا جلس على مقعد عربة الأتوبيس سرعان ما يخرج المطواة الصغيرة ذات السلاح الحاد من سلسلة مفاتيحه ويعمله فى جلد الكرسى فى تخف شديد يقطعه حتى يطل القطن ، وفى دهان الجوانب حتى يظهر معه معدنها ، وإذا أردته أن يكرهك كره العمى انصحه نصيحة أو انقده نقدا وتطرق لجريمته التى ليست فى قيمة صباع الطباشير بل فى معناها 00 سرقة ما ليس حقه ومنع انتفاع التلاميذ به وهو لن يستغله إلا فى إتلاف جدران البيت او جلده أو ملابسه 00 شرد فيما يحصل عليه من منح من عملاء المصلحة الأغنياء 00 انه لا يسرق أموال الحكومة أو الشعب بل يدفع العملاء له برضائهم ليحصلوا على تسهيلات حتى يستطيع أن يجابهه غلاء المعيشة 00 رزقه ورزق أولاده ، لكن الرزق ليس فى الحصول على الأموال باى طريقة بل البركة فيما تحصّل عليه من الحلال وتقليص أوجه الصرف واختزال قيمته وهناك الكثير من الدلائل فى حياته 00 دمل فى عين زوجة جاره الكناس يخف من مرهم تيرامسين عين مقترض من جار بينما دمل فى عين زوجته يحتاج لطبيب عيون مشهور وعلاج غالى بعد عملية جراحية صغرى ، وأبناء جاره طوال النهار ونصف الليل صيفاً وشتاءً نصف عرايا يخف بردهم بنصف اسبرينة بينما أولاده مع الوقاية والتحصين شفاؤهم لا يكاد يتم حتى بكيس أدوية غالية 00 التفت حوله هربا من صراعه النفسى اصطدمت نظراته ببراويز معلقة على الحائط نسيها بما تحوى من آيات قرآنية تربط الرزق بالتقوى وبالسماء كما تقلصت من ذاكرته عدد أجزاء القرآن التى حفظها فى صغره إلى بضع أجزاء ثم إلى بعض آيات من سور يتلوها فى صلواته التى يحافظ على أن تكون علانية وربما احتاجت تلك الآيات أيضا للتقويم إذا اضطرته الظروف وصار أماماً لمصلين حفظه للقرآن 00 لكن هل يصح أن يكون أماماً لمصلين ؟ 00 انه لا يكاد يصلح إلا أن يكون إماماً لابنه فيما يفعله 00 سنوات كثيرة حبس فيها الصراع النفسى داخله فى قمم أطلقه صباع طباشير ملون 00 أجل إنه لا يأخذ أموال من العملاء رغما عنهم إلا أنهم لا يضحوا بأموالهم إلا ليحصلوا على ما ليس من حقهم ومن خلاله ومن بيع نفسه يجنوا أضعاف ما دفعوا ملايين المرات وتكون النتيجة إما أكل غير صالح له ولأسرته أو سكن متهاٍو لابنه 00 انه فى حاجه إلى أن يحب نفسه ويقدرها فلا يعرضها للمذلة والبيع والشراء 00 فإذا قدرها أحب أن تقيم فى بيئة نظيفة وقوية وصحية وتمنع عمن لا يستحق ما يصبو لاغتصابه ليتكسب من بنيان المجتمع ونظافته وصحته 0
بحزم قاطع أخذ ابنه فى الصباح وذهب إلى المدرسة وجعله يعترف للمدرس بما فعله ويطلب الصفح والغفران 0 السيد سعيد علام
العمار الكبرى - طوخ - القليوبية
بحزم قاطع أخذ ابنه فى الصباح وذهب إلى المدرسة وجعله يعترف للمدرس بما فعله ويطلب الصفح والغفران 0 السيد سعيد علام
العمار الكبرى - طوخ - القليوبية