الأخبار
سيناتور أمريكي: المشاركون بمنع وصول المساعدات لغزة ينتهكون القانون الدوليالدفاع المدني بغزة: الاحتلال ينسف منازل سكنية بمحيط مستشفى الشفاء38 شهيداً في عدوان إسرائيلي على حلب بسورياالاحتلال الإسرائيلي يغتال نائب قائد الوحدة الصاروخية في حزب الله17 شهيداً في مجزرتين بحق قوات الشرطة شرق مدينة غزةمدير مستشفى كمال عدوان يحذر من مجاعة واسعة بشمال غزة"الإعلامي الحكومي" ينشر تحديثًا لإحصائيات حرب الإبادة الإسرائيلية على غزةغالانت يتلقى عبارات قاسية في واشنطن تجاه إسرائيلإعلام الاحتلال: خلافات حادة بين الجيش والموساد حول صفقة الأسرىالإمارات تواصل دعمها الإنساني للشعب الفلسطيني وتستقبل الدفعة الـ14 من الأطفال الجرحى ومرضى السرطانسرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللاسامية في الفكرالصهيوني الجذور التاريخية والاهداف بقلم:عبدالوهاب محمد الجبوري

تاريخ النشر : 2006-05-24
اللاسامية في الفكرالصهيوني الجذور التاريخية والاهداف بقلم:عبدالوهاب محمد الجبوري
اللاسامية في الفكرالصهيوني

الجذور التاريخية والاهداف

عبدالوهاب محمد الجبوري

المقدمة

1- تحتل القضية الفلسطينية الحيز الاكبر من الاهتمام السياسي في الوطن العربي لكونها القضية العربية الاولى وميدان الصراع التاريخي الحاسم بين القوى الخارجية المتآمرة على الكيان والوجود القومي للعرب وبين قوى الحياة والنماء والتقدم في الوطن العربي.. وعلى الرغم من هذا الاهتمام السياسي اليومي الكبير فان الخطر الصهيوني على المصير العربي لم ينل حظه من التفكير والتحليل العلمي ولم يأخذ قسطه من الجهد الفكري الجدي عند بعض المفكرين العرب مما يدفع الى القول بضرورة دراسة العقل والتفكير الصهيوني دراسة علمية شاملة تضيء الطريق امام معرفة المخططات الاسرائيلية ومطامعها واساليبها وغاياتها سلفا في كل مجال وعلى كل صعيد.. ولئن اعتبر الفلاسفة واهل الفكر شعار (اعرف نفسك) بمثابة راس الحكمة ومفتاح التبصر، فان (معرفة العدو) فرضية حتمية) لابد منها في مجال تحقيق معرفة الذات وتقويمها وتعزيزها وحمايتها من الزوال والاندثار.

2- ولن يكون من المبالغة ان نسجل هنا ان طروحات الفكر الصهيوني عبر ماكتبه المفكرون الصهيونيون الاوائل، قد ساعدت على تبلور طور التكوين الفكري والسياسي والاقتصادي والديني للحركة الصهيونية قبل ولادتها بشكلها التنظيمي والرسمي عام 1897 في المؤتمر الصهيوني الاول في بال بسويسرا.

3- من هنا فان قضية عداء السامية (اللاسامية) من اهم المشكلات التي اتصلت بالقضية الفلسطينية منذ تأسيس الحركة الصهيونية وحتى يومنا هذا.. فقد حاولت الحركة الصهيونية جهدها ان تستغل معاداة السامية لتحقيق اهدافها، اولا بتخويف اليهود الذين كادوا ينصهرون في البلاد التي وجدوا انفسهم فيها، وقد قبلتهم الشعوب في تلك البلاد مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات.. وقد وقف هؤلاء ضد الصهيونية واظهروا معارضتهم لها ولكنهم غلبوا على امرهم وخضعوا وضعفوا امام اساليب الصهيونية المتعددة.. فصورت لهم الصهيونية ان عداء الناس لليهود لن ينتهي مهما تقدمت الانسانية.. ثم اغروا من اغروا بالوعود المعسولة فهاجروا الى فلسطين، فلما وصلوا (الارض الموعودة) ندموا على تركهم البلاد التي هاجروا منها فكان لهذا اسباب يأتي في مقدمتها الوضع الديني المتدهور داخل فلسطين المحتلة وسوء الاوضاع الاقتصادية والتمييز العنصري بين الطوائف اليهودية وغيرها مما ساعد على نشوء مايسمى بالهجرة المضادة (حركة النزوح)..

ولم تكن ظاهرة عداء السامية مفيدة للحركة الصهيونية في جانب اليهود وحدهم بل ارهبو بها العالم كله.. فان العالم الغربي اصبح بفعل الدعاية الصهيونية يعاني من عقدة الذنب، فقد اوهمته الصهيونية بانه المسؤول عن عداء السامية وعن كل ماتبع ذلك من نازية وقتل وتشريد لليهود.

4- في هذا البحث اردت وضع مسألة معاداة السامية في السياق الصحيح والحقيقي لمسارها التاريخي والسياسي، وازالة ماعلق بها من تمويه مقصود بينت دوافعه ثم تعرضت الى الاصلين اللغوي والسياسي للفظ السامي ومدلولاته واسباب هذه التسمية وكيفية استغلالها من قبل الحركة الصهيونية لمصلحتها الخاصة مبينا زيف الادعاءات الصهيونية بوجود تراث وحضارة يهوديين اثرا في الحضارة الانسانية بشكل فاعل وجدي.. ثم جئت على موجز تاريخي لنشأة اللاسامية وعلاقتها بالحركة الصهيونية التي استغلت هذه الظاهرة وجندت لها العديد من الكتاب والمفكرين الغربيين المتعاطفين معها لتزيف حقيقتها واستفادت الحركة الصهيونية- في الفترة التي سبقت انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول- من طروحات وكتابات وافكار رواد الصهيونية الاوائل مما يشير الى الدور الكبير الذي لعبته هذه الحركة ومفكروها في خلق ظاهرة اللاسامية واستغلالها في ارهاب الرأي العام العالمي لتحقيق اغراض لا تمت الى عداء السامية بصلة.

تعود فترة اعداد هذا البحث الى (اللحظة) التي أدركت فيها حقيقة ظاهرة معاداة السامية بعدما كنت اتابع ما يقع بين يدي مما ينشر ويكتب عنها في المصادر العربية والعبرية والانكليزية.. وقد اتاح لي هذا ان اخوض تجربة الكتابة عن اللاسامية بعد تردد لاخشية من الكتابة بحد ذاتها- ولان لي تجربتي الخاصة في الكتابة عن مختلف الموضوعات السياسية والادبية والثقافية والعسكرية حيث يختص القسم الكبير منها بالادب الصهيوني والسياسة الصهيونية والعسكريتاريا الصهيونية.. ولكن خشية ان لا اصل الى حد الايفاء فيما اكتب عن هذه الظاهرة، وفعلا كتبت عنها مقالات عديدة في الصحف والمجلات العراقية، الامر الذي دفعني الى نشر دراسة موجزة تحمل عنوان (اللاسامية في الفكر الصهيوني- الجذور التاريخية والاهداف) في جريدة الجمهورية البغدادية في عددها الصادر في 24/6/1980- وهو نفس العنوان الذي يحمله هذا البحث- بالاضافة الى مقالات نشرتها في عدد من الصحف العراقية والعربية في حينه ولاهمية هذا الموضوع وتأثيره في الصراع العربي الصهيوني سياسيا وفكريا واعلاميا وفي علاقته الحساسة بالعالم كله، ولافتقار المكتبة العربية الى العدد المطلوب (كما ونوعا) من البحوث والدراسات والكتب الخاصة باللاسامية، واصلت (قدر ما سمح به الوقت وسمحت به الظروف) رصد هذه الظاهرة ودراستها كي اساهم مع من يساهم من الاشقاء العرب كتابا وباحثين ومتتبعين لسد الفراغ الذي مازال ملحوظاً في جدار التصدي للفكر العنصري الصهيوني واساليبه التضليلية.. وقد كان مقدرا لهذا الجهد المتواضع ان يستمر وتتحول المقالة القصيرة الى دراسة موجزة الى بحث متواضع الى كتاب شامل...

والله ولي التوفيق.

عبدالوهاب محمد الجبوري

كلية الاداب- جامعة الموصل

2005


الفصل الاول

[ من هو السامي – اصل اللفظ واستعماله]

(1)

الاصل اللغوي للفظ:

عمد المستشرقون الى تقسيم اللغات، بغية تسهيل البحث فيها، الى عدة مجاميع تحتوي كل منها طائفة من اللغات تتميز بما فيها من تقارب في اللفظ والتركيب والقواعد والتفكير وجعلوا تقسيمهم هذا مرتكزا على تقسيم الاجناس البشرية.

وقد ورد في الاصحاح العاشر من سفر التكوين – في التوراة- اول تقسيم للاجناس البشرية، اذا ارجعت التوراة النوع الانساني، على تعدد قبائله وشعوبه واممه، الى ابناء نوح الثلاثة وهم: سام وحام ويافث..

وهناك تقسيمات طبيعية اخرى عمد اليها المستشرقون والبحاثون، (وهي ترجع في تكوينها الى طبيعة الانسان من حيث الالوان والملامح الفطرية والاماكن والبيئات)(1) وسواء اكان تقسيم الاجناس البشرية مبنيا على رواية الكتاب المقدس ام على الاعتبارات الطبيعية، فان هناك جنسا بشريا ممتازا متحدا في النشأة والمكان واللون تجمع شعوبه خواص مشتركة وتقوم بينها روابط طبيعية واجتماعية وثيقة ويعرف هذا الجنس الممتاز بالجنس السامي) (2).

اما الجنس الحامي فقد استمد اسمه ووحدته، في التقسيمين الديني والطبيعي مثل الجنس السامي، حتى لقد ذهب بعضهم الى اعتبار الجنس السامي والحامي جنسا واحدا يعرف بالجنس السامي الحامي، لما هناك من تقارب بين اهم امم هذين الجنسين في اللغات وفي تطور الجماعات..

وقد ثبت الان ان معظم الجماعات الحبشية الناطقة بلهجات سامية منحدرة من اصول غير سامية، وان اللغة قد تسربت اليها مع من نزح الى بلادها من الساميين اثر صراع انتصرت فيه هذه اللغة على لغاتها القديمة.

واما الجنس اليافثي فقد وضع له النظر الطبيعي اسما آخر وهو الجنس الآرس او الهندوجرماني واحصوا له امما في آسيا وفي اوربا لم يرد ذكرها في الكتاب المقدس.. ولم يقتصر التقسيم الطبيعي على الاجناس البشرية الثلاثة: السامي والحامي واليافثي او الآري، بل اضاف اليها اجناسا كثيرة اخرى، واضاف الى مجموعات لغات الاجناس الثلاثة ومجموعات تلك الاجناس.. وقد اوصل علم اللغات المجاميع اللغوية الى عشر مجاميع وهي: السامية- الحامية- الآرية- الهندية الصينية- الملايوبولونيزية- الادريدية- الاورالتائية- الاستورالية- الامريكية والباتورية.. ويتفرع عن هذه المجموعات عدد كبير من اللهجات واللغات..

واللغات السامية تطلق على جملة من اللغات التي كانت شائعة منذ ازمان بعيدة في آسيا وافريقيا.. وبعضها حي لا يزال يتكلم به ملايين البشر، ويحمل كنوزا غنية من الثقافة والادب، وبعضها ميت عفت آثاره بذهاب الايام..

التسمية

اول من اطلق على الجنس السامي اسم (اللغات السامية) هو المستشرق الالماني (شلوتزر) في ابحاثه وتحقيقاته في تاريخ الامم الغابرة سنة 1781م، لان معظم الشعوب والامم التي تكلمت او تتكلم هذه اللغات من اولاد سام بن نوح..

ويرى البحاثة الالماني (نولدكه) في كتاب (اللغات السامية) ان ترتيب الامم في سفر التكوين مبني على اعتبارات سياسية وثقافية وجغرافية لا على ظواهر لغوية او تاريخية.. ويعترض نولدكه على هذه التسمية بجملة اعتراضات منها:

1- ان هناك اقواما ساميين- على ماذكرته التوراة- لا يتكلمون بلغة سامية، كالعيلاميين والليديين، فهم ساميون بنص التوراة ولغاتهم ليست من اللغات السامية، لانه ليس هناك من قرابة بينها وبين اللغات السامية..

2- ان هناك لغات سامية، والناطقون بها غير ساميين ولا يجمعهم بالامم السامية اصل قريب مثل الاحباش، فلغتهم سامية وهم من الجنس الحامي..

وقد حاول علماء اللغات ايجاد تسمية للغات الجنس السامي تكون نصا في مسماهم فلم يوفقوا الى ذلك.. وظلت تسمية شلوتزر لهذه اللغات حتى الان..

ويذهب الدكتور احمد سوسة الى تأييد راي البحاثة نولدكه، فيقول في كتابه( العرب واليهود في التاريخ) (ص129):(ان تسمية(السامية) اطلقت على الشعوب التي زعم انها انحدرت من صلب سام، وكان اول من اطلقها بهذا المعنى العالم سلوتزر عام 1781 للميلاد فشاعت منذ ذلك الحين واصبحت عند علماء الغرب علما لهذه المجموعة من الشعوب وسرت الى المؤرخين العرب وباحثيهم عن طريق الاقتباس والتقليد، على الرغم من ان هذه التسمية لا تستند الى واقع تاريخي او الى اسس علمية عنصرية صحيحة او وجهة نظر لغوية، اذ تعتبر اكثر ما تعتبر الحدود الجغرافية والعلاقات السياسية) ويضيف:(فكتبة التوراة مثلا حشروا في السامية شعوبا لا يعدها العلم الحديث من جماعة الساميين مثل العيلاميين واللوديين واقصوا جماعة كان ينبغي ادخالها في زمرة الساميين مثل الفينيقيين والكنعانيين، مع انهم كانوا يعلمون حق العلم ان الكنعانيين هم الساميون العرب الاصليون سكان فلسطين الاولون)..

ورغم ان كاتب البحث لا يعتقد بصحة هذه التسمية لا تاريخيا ولا لغويا ولا علميا، وبالتالي شمول هذه المجموعة من اللغات المسماة بالسامية لاقوام تتكلم هذه اللغات، فانه يجد نفسه مضطرا الى قبول هذه التسمية (ساميين) و(لغات سامية) مادام ان علماء اللغات قد فشلوا- حتى الان- في ايجاد تسمية للغات الجنس السامي تكون نصا في مسماهم.. وعليه يجد نفسه مضطرا ايضا لقبول تقسيمات المجموعة السامية التي تحتوي على لغات الامم السامية وما تفرع عنها وفق ما اشار اليه علم اللغات..

ونظرا الى ان(ترتيب الامم في سفر التكوين مبني على اعتبارات سياسية وثقافية وجغرافية، لا على ظواهر لغوية او تاريخية)- كما اشرت سابقا- فقد يكون وراء هذه التسمية- بهدف حشر اليهود واللغة العبرية في تقسيمات المجموعة السامية والامم السامية- اغراضا سياسية وثقافية هدفها تسميم الجهد العلمي اللغوي العالمي وتزييف الحقائق التاريخية لصالح هذه الجماعة بشكل او بآخر..(فقد صب كتبة التوراة جام حقدهم علىالكنعانيين فنعتوا كنعان بالملعون)(3)، وقد جاء في سفر التكوين ما نصه (وعبد العبيد يكون لاخوته وعبدا ليافت)(4).. (وكذلك اعتبرت التوراة الحيثيين من ذرية كنعان)(5) في حين انهم من الاقوام الهندية الاوروبية..(ومثل ذلك اعتبرت العموريين من صلب حام)(6).. ويشير الدكتور احمد سوسة الى هذه المسألة قائلا: (وقد تعمد مدونو التوراة اقصاء الكنعانيين والفينيقيين سكان فلسطين الاصليين من كتلة الساميين لعداء اليهود الشديد لهما مع انهم كانوا يعلمون حق العلم انهم هم الساميون العرب اهل البلاد)..

ومهما يكن من امر فان المجموعة السامية تنقسم الى ثلاثة اقسام رئيسية: الشرقي او الاشوري البابلي- الغربي او الكنعاني والجنوبي او العربي.. وهناك اقسام فرعية تتدرج تحت كل قسم من هذه الاقسام.

فلغات القسم الشرقي هي: البابلية- الاشورية والكلدانية.

ولغات القسم الغربي هي: الكنعانية- الفينيقية- الارامية- العبرية السريانية- التدمرية والنبطية.

اما القسم الجنوبي فينقسم الى قسمين فرعيين هما: العربي والحبشي.

ولهجات القسم العربي هي: العربية القديمة- القحطانية- الحميرية- المعينية- السبئية والعدنانية المضرية او القرشية الفصحى.. ولهجات القسم الحبشي هي: الاثيوببة- الجفرية- النيجرية والهررية..

اللغة العبرية ليست يهودية:

قد يتساءل البعض لماذا هذا التركيز على الاصل اللغوي للفظ السامي واللغات السامية؟ وللاجابة اقول: ان القصد من هذا التركيز وما سيليه من توضيح هو تناول مسألة اللغة العبرية وعلاقتها باليهودية واليهود وبما سالقيه من ضوء على حقيقة الادعاءات الصهيونية فيما يخص مفهوم اللاسامية في الفكر الصهيوني وكذلك على ابعاد هذه الادعاءات حول اصل اللغة العبرية والحضارة اليهودية المزعومة وربطهم لهذه المسألة- من وجهة نظر صهيونية سياسية ثقافية- بمعاداة السامية وتأثيراتها- حسب ادعاءاتهم- على انشاء ما اسموه بالوطن القومي اليهودي.

وقد استفدت مما كتبه بعض البحاثة والعلماء العرب والاجانب عن هذا الموضوع واخص بالذكر منهم (الدكتور احمد سوسة) و(الدكتور طه باقر) و(الدكتور غوستاف لوبون) و(العلامة بريستد) وغيرهم(7).

فعن حضارة اليهود المزعومة واصل اللغة العبرية اقول، لقد ذهب الاثاريين المعروفيين في قطع شوط متقدم حول حقيقة الحضارة اليهودية واصل اللغة العبرية وعلاقتها باليهودية واللغات السامية الاخرى.. (فصار هؤلاء يطلقون على الشريعة التوراتية تسمية الشريعة الكنعانية باعتبار كلتيهما شرائع واحدة)..

فنرى الاستاذ (اولمستيد) يشير الى (الكنعانيين وضعوا اول شريعة في شكيم (نابلس حاليا) التي تعتبر عاصمة الكنعانيين في فلسطين في تلك العصور ومركزهم الديني الرئيس المقدس حيث كان هيكل الههم (بعل) هناك)(8) ثم يضيف قوله:(والفضل يرجع الى حمورابي وشريعته في حمل الكنعانيين على اعادة النظر في شريعتهم الاولى وتنسيقها من جديد واضافة زيادات وتنقيحات اليها وجعلوها شريعتهم الخاصة بهم، وهي نفس الشريعة التي جاءت في التوراة وقد حافظ عليها اليهود بادخالها في كتبهم المقدسة فوصلت الينا عن طريق ممارستهم الفرائض التي وردت فيها).. ويؤيد ذلك الاستاذ ووترمن فيقول: (وهكذا ان بني اسرائيل (الموسويين) وجدوا شرائع معدة ومهيأة فعملوا بها في مسيرة حياتهم في كنعان).. ويضيف مؤكدا: (ان التحقيقات الاركيولوجية التي يمكن ان تزودنا بمعلومات في هذه الناحية لا تعترف بوجود أي فاصل ثقافي بين الكنعانية واليهودية)(9).. (ويؤكد ذلك الاستاذ (كوجنبرت) بما يؤدي الى نفس المعنى)(10) فيقول: (لقد ثبت الان ان دين العبرانيين (بمعنى اليهود) لا يمكن اعتبار كونه تطور ونمت محليا، بل انما كانت عناصره الجوهرية قد استقبت من آراء كانت عناصره الجوهرية قد استيقت من آراء كانت متراكمة ومن معتقدات كانت شائعة بين الاقوام السامية في الشرق.. وان هذه الوثائق القديمة تبرهن، بما لا يتطرق اليه الشك، على ان انعزال الديانة اليهودية عن غيرها في الزمن القديم لم يكن سوى خرافة بحتة).

ويقرر (ولى ديورانت): (ان اساطير الجزيرة العربية كانت المعين الغزير الذي اخذت منه قصص الخلق والطوفان التي يرجع عهدها في تلك البلاد الى(3) آلاف سنة او نحوها ق.م.. ولعل اليهود قد اخذوا بعضها من الادب البابلي في اثناء اسرهم.. ولكن الارجح من هذا انهم اخذوها قبل ذلك العهد بزمن طويل من مصادر سامية وسومرية قديمة كانت منتشرة في جميع بلاد الشرق الادنى).. ويقول(ديورانت): (ان القصص الشعبية العالمية كانت مصدرا من المصادر التي اقتبس منها كتاب اسفار العهد القديم، فقد كان شائعا في مصر والهند والتبت وبابل وبلاد الفرس واليونان والمكسيك وغيرها قصص شعبية عن الجنة وما فيها من نعيم، وما فيها كذلك من الاشجار المحرمة والافاعي التي سلبت الناس الخلود او نفثت السم في الجنة... اما قصة الطوفان فهي اكثر انتشارا من قصة الخلق نفسها... وكانت الاسفار التي تليت على الشعب بامر يوشيا وعزرا هي التي صيغت منها القوانين التي قامت عليها الحياة اليهودية فيما بعد) وعن هذه الحضارة المزعومة يقول الدكتور سوسة: (ومن الثابت ان اتباع موسى دخلوا فلسطين واكثرهم من الاميين لا يملكون أي قسط من الحضارة والثقافة، فاقتبسوا من الكنعانيين لغتهم وآدابهم وثقافتهم.. وقد مرت عليهم فترة من الزمن تمكنوا خلالها ان يتوصلوا الى تدوين كتاباتهم الخاصة بهم بحروف هجائية اقتبسوها من الكنعانيين (الفينيقيين).. ثم اخذوا يمارسون الزراعة والاعمال الاخرى المتصلة بالحياة المستقرة عن الكنعانيين ايضا.. ومن ذلك يتضح(انه لم يكن لليهود اية مساهمة في الحضارة الانسانية وان اكثر مدوناتهم الادبية والدينية مأخوذة عن الثقافات القديمة وعن النصوص الادبية والدينية من عهود السومرين والكنعانيين والفينيقيين والاكديين والبابليين والاشوريين والكلدانيين والمصريين).. ومجمل القول ان الموسويين تسلموا حضارة لم تكن من ابداعهم بل كانت من نتاج غيرهم.. ويعترف بذلك الدكتور (اسرائيل ولفنسون) وهو يهودي- اذ يقول: (ان يهود العرب لم يظهروا شيئا من النبوغ والعبقرية مطلقا ولم يشتهر من بينهم شخصية واحدة في كل عصورها بالرقي الفكري).. ولكنه يعلل ذلك بقوله ان البيئة الجديدة شلت قوى اليهود الروحانية فتغلبت عليهم العقلية البدوية.. ويرد الدكتور سوسة على هذا التعليل بقوله: ( وهذا التعليل غير وارد لان البيئة الجديدة لايمكن ان تشل القوى الروحانية بل على العكس من ذلك فهي تغذي القوى الروحانية).

ويؤكد العلامة الدكتور(غوستاف لوبون) هذه الحقيقة فيقول في مؤلفه(اليهود في تاريخ الحضارات الاول): (لم يكن لليهود فنون ولا علوم ولا صناعة ولا أي شيء تقوم به حضارة، واليهود لم يأتوا قط باية مساعدة مهما صغرت في اشادة المعارف البشرية، واليهود لم يجاوزوا قط مرحلة الامم شبه المتوحشة التي ليس لها تاريخ).

ويقول العلامة (بريستد) تاييدا لذلك: (ان بني اسرائيل (قوم موسى) عندما جاؤوا الى بلاد كنعان كانت المدن الكنعانية ذات حضارة قديمة نشأت منذ الف وخمسمائة سنة ومنازل متقنة فيها كثير من اسباب الراحة وحكومة وصناعة وتجارة وعلم ومعرفة بالكتابة وديانة وحضارة.. اقتبسها هؤلاء العبرانيون (الموسويون) الساذجون من مواطنيهم.. وقد احدث الامتزاج مع الكنعانيين تغييرات جوهرية في حياة العبرانيين فغادر بعضهم سكن الخيام وشرعوا يبنون بيوتا كبيوت الكنعايين وخلعوا عنهم الجلود التي كانوا يلبسونها وهم في البادية ولبسوا عوضا عنها الثياب الكنعانية المصنوعة من منسوجات صوفية زاهية).

ولم يقتصر تأثر اليهود في الحضارة الكنعانية على الدين والادب واللغة بل شمل الناحية العمرانية الفنية ايضا، فيقول الاستاذ طه باقر في ذلك( ان هيكل سليمان المشهور لم يقتصر على ان بنائه كانوا من (صور) بل انه بني بموجب تصميم معبد كنعاني، وكذلك يقال في زخرفته وتزويقه.. وهكذا كانت قصور ملوكهم في اورشليم).. وان كلمة هيكل اخذها اليهود من كلمة (هيكال) الكنعانية.. (ومما لاشك فيه ان مدوني التوراة الذين دونوا اكثر موادها في الاسر في بابل في عهد الكلدانيين كانوا محيطين بالمدونات القديمة التي كانت في متناول ايديهم وكانوا يحسنون جميع لهجاتها السامية وحتى اللغة السومرية)(11).. ومن الثابت (انهم اقتبسوا الكثير من هذه المدونات التي لم نعثر حتى الان الا على جزء يسير جدا منها بين الانقاض).. وكاتب البحث يؤيد وجهة النظر القائلة: (ان هذا كله يدل على انه ليس فيما دون في التوراة ادب مبتكر خاص باليهود لان اهم ماورد فيها مقتبس من مدونات سبقتها كان رجال الدين من اليهود محيطين بها ولم يصل الينا منها الا النزر اليسير.. لذلك فان كان لليهود فضل على الحضارة فهو ينحصر بمحافظتهم على جانب محدود من ثقافة الكنعانيين العرب وآدابهم الدينية وجغرافية بلادهم وذلك باقتباسها وضمها الى كتبهم المقدسة ثم نقلها الينا عبر الزمن الطويل).

الى جانب هذا، فان مايؤسف له حقا، هو ان بعض الكتاب قد ساروا على النهج المغالط في بحثهم لتلك المسألة، فعندما يتطرقون الى التشابه بين المدونات الاثارية بين كتابات العهد القديم نجدهم يحورون التعبير فيقولون ان المدونات الاثارية جاءت مؤيدة لما ورد في التوراة بدلا من ان يعترفوا صراحة ان الثانية مقتبسة من الاولى(وكأنهم بذلك يريدون ان يعتبروا كتابات العهد القديم هي القديمة وان المدونات الاثارية جاءت مؤيدة لها).

وينطبق الشيء ذاته- في بحثهم- عن اللغة العبرية فلم يستطيعوا التخلص من الكتابات الاجنبية التي تدخل العبرية (بمعنى اليهودية) في كل مكان وزمان: فمن المعلوم- تاريخيا- ان الكنعانية هي اللغة الاصلية القديمة التي كانت سائدة في فلسطين قبل دخول الموسويين اليها بعدة قرون.. وقد اقتبسها الموسويون من الكنعانيين ثم تكونت بعد ذلك اللجهة العبرية المقتبسة من الارامية بعد مرور اكثر من (500) عام على دخولهم ارض فلسطين.. ولكن على الرغم من اعتراف الاختصاصيين بعدم وجود اية لغة عبرية(بمعنى اليهودية) في فلسطين غير الكنعانية في تلك العصور، يعودون فيطلقون على الكنعانية تسمية (العبرية القديمة).. فقد جاء في كتاب (العرب واليهود في التاريخ) ما قاله الاستاذ الابراشي مثلا في كتابة (الاداب السامية): (يتضح ان العبرية القديمة نشأت في فلسطين حتى قبل مهاجرة الاسرائليين (الموسويين) الى كنعان) فاذا كانت هذه اللغة نشأت قبل ظهور موسى عليه السلام واتباعه فكيف يطلق عليها اسم العبرية (بمعنى اليهودية) قبل ان يكون قد وجد اليهود في كنعان؟! والشيء الاخر هو انه بدلا من ان يقال ان اللغة العبرية تشبه اللغة الكنعانية باعتبار هذه الاخيرة هي الاقدم يذكرون ان اللغة الكنعانية تشبه العبرية مما يوهم القارئ والمتابع ويجعلانهما يتصوران ان العبرية هي الاقدم، بل انهم ذهبوا ابعد من ذلك بحيث اعتبروا اللغة العبرية (بمعنى اليهودية) اصلا لكل الكتابات السامية الاخرى، ولكن كيف يمكن التوفيق- كما يقول الدكتور سوسة- بين هذا الادعاء ووجود الكنعانيين في فلسطين قبل عصر موسى واليهود باكثر من الفي عام؟!

ويشير الدكتور سوسة الى الخبر الذي اذاعته محطة لندن العربية يوم 22/2/1971 حيث جاء فيه: (ان المنقبين توصلوا الى اكتشاف مهم، وهو العثور على مخطوطات في الخليل بلغة سكان فلسطين الاصليين ترجع الى سنة 700 ق.م، وتقول الاذاعة ان هذا مايؤيد ان اللغة العبرية متأخرة وان المتكلمين بها اقلية في حين ان لغة سكان فلسطين الاصليين هي التي كانت سائدة في البلاد وتعد اقدم اللغات في فلسطين..)

الاصل السياسي للفظ واسبابه

ان الحركة الصهيونية عمدت منذ نهاية الحرب الاولى الى استخدام كتاب من غير اليهود يبثون الافكار الصهيونية في خبث وذكاء وهم يظهرون بمظهر الحكم العادل الذي لا يطمع في ميله.. وليس من شك ان مثل هؤلاء الكتاب ستلقى كتاباتهم رواجا عند الشعوب التي تحسب نفسها ليست طرفا في النزاع القائم بين العرب والصهيونية، كالشعوب الاسيوية والافريقية مثلا رغم تصاعد النشاط الاعلامي والثقافي العربي بشكل ملحوظ في مختلف انحاء العالم خلال الاونة الاخيرة والموجه بشكل مركز لكشف تلك الاكاذيب وحملات التضليل والتشويه والصهيونية.. وعن اصل السامي وسبب هذه التسمية اقول ان هذا السؤال لم يطرح الا قليلا عند الكتابة عن اللاسامية- معاداة السامية- التي اصبحت سلاحا مشهورا وسيفا مسلطا في يد الصهيونية العالمية، سلاحا ترمي به كل من يحاول ان يبين للناس مخططات الصهيونية او يكشف صفحة من صفحاتها السود.. وكان اكثر الكتاب يتحاشون او يتحرجون من الحديث عن اصل هذا اللفظ.. ولم يكن هذا لجهلهم به او لعدم اهميته وانما كانوا يسكتون عنه امعانا في التمويه او خوفا من ان تطالهم يد الصهيونية..

ان لفظ سام ماخوذ من الاصحاح العاشر من سفر التكوين( انظر القسم الاول من هذا الفصل)(12).

لقد اختلف المؤرخون في اول من استعمل لفظ اللاسامية فمنهم من يرى ان اول من استعمل هذه الكلمة لتعني (كراهية الناس لليهود) هو (ولهلم مار) نحو سنة 1879 ميلادية(13)، وهو من اصل يهودي.. وهذا مما يرجح حد سنا من ان لابد ان يكون مخترع هذا اللفظ اللاسامية- ليكون وقفاً على اليهود من اصل يهودي، يعرف تلك الاصول القديمة ويلم بتاريخ الشعوب السامية، ذلك (لان اللاسامية معناها اللايهودية) ولكن لاسباب تاريخية اختار اليهود الاول. فان لفظ يهودي قد اكتسب عند كثير من الشعوب ظلالا قبيحة لظروف تاريخية شارك اليهود انفسهم في خلقها، فأصبح مجرد اللفظ مقرونا بالشح والخزي وصفات اخرى كثيرة.. ولما كان قادة الصهيونية يدركون هذه الحقيقة راحوا يبحثون عن لفظ اخر، ليس له تلك الظلال القائمة، فاخترعوا لفظ السامية او لنقل اتخذوه ليكن قاصرا على اليهود دون سائر الشعوب السامية الاخرى.. وهكذا اصبح عداء اليهود عداء الساميين.. ونجد الصهاينة يحاولون تجنب لفظ يهودي مرة اخرى حين اقاموا دولتهم في فلسطين عام 1948 فلم يطلقوا عليها اسم (الدولة اليهودية) وانما اسموها (اسرائيل).. (واصبح اليهودي اذا لقيته لا يقول لك هو يهودي بل اسرائيلي هربا من ذلك اللفظ وخجلا من ظلاله).. وقد استعمل العاطفون على اليهود والصهيونية من كتاب الغرب نفس هذا الاسلوب، فهم يسمونهم (الاسرائيليين) والعبرانيين احيانا، لان لفظ العبراني له رونق وظلال من العهد القديم تختلف عن ظلال لفظ يهودي وان اليهود يطلقون على انفسهم لفظ العبرانيين حتى هذا اليوم في الاتحاد السوفيتي.. وعند هذه النقطة اشير الى ما ذكره الدكتور ابراهيم الحاردلو في كتابه (الصهيونية وعداء السامية) ص7: ( وليس لفظ يهودي في العالم العربي من الظلال مايتمتع به في الغرب الاوربي، فان العرب بعد قيام الدولة الصهيونية استعملوا لفظ اسرائيل لانه اخزى وانكى في نظرهم من لفظ يهودي.. ذلك لان لفظ اسرائيل يمثل لكل عربي الاستيطان الاستعماري والغزو الاجنبي وطرد وتشريد معظم شعب فلسطين من ديارهم).. وكاتب البحث- رغم انه يحترم راي الدكتور ابراهيم الحاردلو- الا انه يفضل استعمال لفظ الكيان الصهيوني والعدو الصهيوني لان لفظة (صهيوني) و(صهيونية) تعني الشيء الكثير عن حركة سياسية استيطانية استغلت الدين اليهودي واستغلت المفاهيم الدينية الاخرى لتحقيق مآرب استعمارية عنصرية على حساب الشعب العربي..

وهذا دليل آخر يساق على ان العرب (لم يعرفوا بالعداء لليهود كعنصر في تاريخهم كله، الا بعد ان استولى اليهود الصهاينة وغزوا الاقطار العربية واستعمروا جزءا معينا منها.. ( وان العرب لم يعرفوا اللاسامية الا بعد ان اصبحت تعني اللاصهيونية، وهكذا نجد الالفاظ تحمل ظلالا مختلفة لما يرتبط في ذهن واضعيها او مستعمليها، فبينما يفر اليهود من لفظة يهودي ويتحرج منه العاطفون عليهم في الغرب، نجد ان لفظتي اسرائيلي وصهيوني قد اكتسبتا نفس الظلال القائمة في العالم العربي).

تلك هي اهم الاسباب التي ادت الى اختراع هذا اللفظ واتخاذه واستعماله في كل ما كتب اليهود وغير اليهود منذ اواخر القرن التاسع عشر الميلادي.. وان ( ما اقترحه المؤرخ اليهودي بارون من ان الكاتب الفرنسي المستشرق رينان هو مخترع هذا اللفظ بعيد جدا)(14).. (فان رينان لا يحتاج ان يستبدل لفظ يهودي بلفظ سامي ان اراد اليهود وهو يعلم ان لفظ سامي يشمل اليهود والعرب ولايمكن ان يخلط مثل هذا الخلط)(15).. ومهما يكن فان رينان كان يكتب عن اللغات السامية وكان يعني الساميين جميعا.. (واكبر دليل على ان مخترع هذا اللفظ يهودي ان اليهود جميعا صهاينة (*)، وغيرهم والعاطفين عليهم من الغرب قد استحسنوا هذا الاستعمال وتجاوزوا به تاريخ ظهوره، واصبحوا يطلقون اللاسامية على كراهية اليهود منذ القرن الاول الميلادي.. وهذا خطا تاريخي واصرار لا معنى له، ولكن الصهيونية خاصة وجدت ان هذا يخدم اغراضها ويحقق مقاصدها)(16).

وقد فطن الى هذا المعنى (يوجين دهرنج) اذ يقول: (ان التعبير سامي يتحول بسهولة الى محمدة، وحتى اليهود في بعض الاحيان يفضلونه على الاسم المعروف المحدد)..

الفصل الثاني

اللاسامية في طروحات مفكري الحركة الصهيونية

الاوائل

موسى هيس (1812-1875) (*)

يعتبر موسى هيز اول من حاول ان يجد للحركة الصهيونية اسسا فلسفية تجعل منها آيديولوجية كغيرها من الحركات التي ظهرت في القرن التاسع عشر.. (وفي الحق انه كلف نفسه ما لايطيق ودفع بها الى مزالق كادت تكلفه عقله وصحته)(17) وكانت ولادته مقرونة باحتلال القومية مركز الصدارة في اوربه.. وبعد تجوال فكري (اصبح هيز عميق الاقتناع بان عالم المستقبل يجب ان ينظم كسيمفونية متناسقة على اسس الثقافات القومية)(18).. وكانت مساهمته الاهم تتلخص في الطريقة التي ربط بها مصير شعبه (بالسيمفونية المتناسقة) التي تصورها.. ومؤلف هيز الكلاسيكي هو (روما والقدس) الذي نشره عام 1862.. حاول هيز في هذا الكتاب اثبات (ان الاتجاه الداعي الى ذوبان اليهود في المجتمعات الاوربية، لايشكل حلا عمليا للمسألة اليهودية)(19).. وقد اشار الى ما اسماه (جهل رعاع أسبا واوربا وبدائيتهم) بحيث هم دائما على استعداد لتصديق كل ما يقال عن اليهود.. واضاف هيز(ان الشعب اليهودي شعب (بائس) مطعون به محتقر ومبعثر)(20).. وان (العرق اليهودي) هو واحد من اقدم (الاعراق) الانسانية.. (وان اليهود استطاعوا الحفاظ على وحدتهم بالرغم من اختلاف البيئات بحيث حفظ الجنس اليهودي صفاءه عبر القرون).. وقد آمن هيز (بأن الاصلاح وتغيير الدين والتعليم والاستنارة فشلت جميعها في جعل المجتمع الاوربي يغير نظرته الى اليهودي)(21) وان الذوبان في المجتمعات الاوربية لايشكل حلا افضل من الحلول السابقة الاخرى لان اليهود المقيمين في وسط الامم الاخرى (لا يمكن ان يلتحموا عضويا بهذه المجتمعات) (22)(23).. لهذه الاسباب ولهذه الاعتبارات كلها اكد هيز على انه ليس من حل حقيقي للمسألة (طالما ان اليهودي لازال ينكر قوميته)(24).. ولان هيس كان عميق الاقتناع بان المستقبل هو مستقبل الامم وبسبب ايمانه بوجود قومية يهودية ((بدون الايمان بها ما كانت اليهودية لتدوم))(25)(26) انتهى الى القول بان (النهضة القومية وحدها هي القادرة على وهب عبقرية اليهودي الدينية الحياة من جديد).. ولان هيز (كان عظيم الايمان بمساعدة تقدمها فرنسا لليهود)(27) فقد دعا ابناء شعبه (الى اقامة المستعمرات في الارض المقدسة)(28) (على امل ان تساعد فرنسا في تحقيق هذا المشروع)(29) وفي كتابه (روما والقدس)- الذي هو كناية عن 12 رسالة الى سيدة حزينة على فقد انسان تحبه- يقدم حلا للمشكلة اليهودية على اساس توطين اليهود في فلسطين.. وقد لقي معارضة شديدة من جانب الاصلاحيين اليهود في المانيا ولم يهتم به الاشتراكيون مطلقا.. بينما نجد (مارتن بوبر): (يعتبر هيز بادئ الحركة الصهيونية)(30)، ويقول عنه هرتزل(كل شيء حاولناه يمكن العثور عليه في آثاره)(31).. اما الدعوة الرئيسية في الكتاب فهي الى (قومية يهودية تحرر القدس وتكون بداية عصر الانبثاق الجديد على غرار تحرير المدينة الخالدة رومة في التاريخ القديم)(32) (فالشعب اليهودي حين يعي رسالته التاريخية ويشعر بقوميته ويستولي على فلسطين سوف يدهشن ثورة الاجناس المضطهدة ضد سلطان الشعوب المستبدة.. والدين اليهودي هو المبرر الاول لولادة القومية اليهودية)(34).. وقد انتهى هيز الى القول بان( الوضع العالمي الحاضر يجب ان يشجع اقامة المستعمرات اليهودية في الحال عند قناة السويس وعلى ضفتي الاردن)(35).. وقد نظر الى مسألتي الحرية والقومية من زاوية عرقية وعنصرية، (فالعرق هو الذي يخلق المؤسسات الاجتماعية والمواقف الروحية)(36)..

وقد كتب عنه الاستاذ واكسمان في كتابه (تاريخ الادب اليهودي) قائلا: ( حقق هيز هدفه بطرق ملتوية قد نأت به اصحابه ورمت به في احضان مجموعات غريبة تتجانبها عاصفة من الصراع بين الراسمالية والعمل)(37).. وليس من السهل تقويم شخصية هيز تقويما صحيحا لما تميزت به الازدواجية والتناقض، فهو يهودي الاصل اشتراكي فلسفي النظرة.. اعتنق في بداية حياته فلسفات كانت تتمثل له في شخصيات تلك الفلسفات.. فدرس سبينوزا وهيجل ثم تخلى عن الفلسفة والاشتراكية وانصرف بعد ثورة 1848م الى الفيزيولوجيا عله يجد في دراسة المحسوسات ما يفي بغرضه ويشفى من مرضه.. حتى انه تبنى الكثير من افكار سبينوزا وروسو في كتابه الاول الذي صدر بدون اسم المؤلف، وعنوانه ( تاريخ الانسانية المقدس، اعلان للحرية باسم الروح القدس) بقلم شاب من اتباع الفيلسوف سبينوزا.. _ والحق ان كتابه يبدأ بالخلق وينتهي بالثورة الفرنسية.. ويدل ظاهر الكتاب على مسيحيته ورومنطيقيتيه اكثر من يهوديته وعقلانيتيه)(38) (وهذا الكتاب بمثابة تقليد اعمى وتكرار للنظرة الهيغلية التي كانت في اوج انتشارها آنذاك.. ولا توجد فيه اية اشارة الى تفحص بناء للوضع اليهودي)(39).. وبل على العكس نجد مؤلفه قد باح في مذكراته بان (الدين اليهودي والشرع الموسوي قد ماتا)(40).. ثم يبرز اهتمامه السياسي ويعتنق الافكار الاشتراكية التي نادى بها على غرار دعوة سان سيمون في فرنسا.. ان هذا السعي اليائس من طرفه لاصلاح اخطاء البشرية جمعاء يتعارض مع صهيونيته اللاحقة واعتقاده بدور اليهود المميز في التاريخ)(41) الامر الذي جعله شخصية مزدوجة ومتناقضة الى ابعد الحدود.

ونجد هيس يقول في كتابه (روما والقدس): ( لقد كانت اسرائيل واسطة الوحي للدين في صورته الكاملة في العالم، وهي الرابطة بين الخالق والمخلوقات والجسر الذي يقود من خلق الى خلق).

ومن الافكار التي تبناها هيز فيما بعد ودعا اليها، هي ايمانه بان الصهيونية تشكل الحل الامثل لما اسماه بالمسألة اليهودية وهاجم في كتابه اليهود الذين يدعون الى الانصهار في الحضارة الغربية ويرفضون فكرة (القومية اليهودية) ويعدونها خيانة من اليهود للدول التي يعيشون فيها.. (وليس من شك ان فكرة هيز كانت متاثرة بالافكار التي تقول بتفوق الشعب الآري وتميزه عن غيره من الشعوب.. وليس من عوامل الصرف والاتفاق ان تنتهي الحركة الصهيونية الى حركة نازية كما تحولت فكرة تميز الشعب الآري الى النازية، فان المشرب واحد)(42).. وعليه فان دعوة هيز لا تهدف الى محو اللاسامية فحسب،( بل تفرض وصاية الصهيونية على البشرية كلها)(43) (لان الانسانية من غير اليهود، وان من الاغراض التي سوف يحققها قيام الدولة الصهيونية في فلسطين حمل الحضارة الاوربية الى آسيا وافريقيا)(44).. ولعل هذا هو نفس الشعب الذي كانت تتذرع به الدول الاستعمارية حين استعمرت آسيا وافريقيا.. فكانوا يدعون انهم يبغون نقل الحضارة لتلك البلاد، ولايريدون الاستعمار.. هكذا نشأت قومية هيز(تذكيها عواطف الكراهية وترويها المشاعر بالتفوق وتظللها غمامات من الخوف والشك والفشل)(45).

ليوبنسكر(1821-1891)(*).

يعتبر بنسكر اكبر مفكر في الحركة الصهيونية يأتي بعد هيز.. ولم يكن بنسكر اكثر اليهود الروس، ذوبانا في المجتمع الروسي فحسب، بل كان ايضا اكثرهم حماسا لجعل اللغة الروسية والثقافة الروسية تطغيان على حياة اليهود الداخلية وعلى ديانتهم ايضا.. ولان بنسكر من مواليد توماشوف من اعمال بولونبا الروسية وحيث ان اباه كان من علماء عصره المتنورين فقد عمل على تزويد الابن بثقافة روسية متنورة حتى انه لم يتعلم في مدرسة الحي اليهودي بل انهى دراسته الثانوية في مدرسة روسية.. (وقد مارس الطب في اوديسة وخدم كضابط طبيب في حرب القرم)(46).. ومنذ عام 1860 بدأ يولي الشؤون اليهودية اهتماما بارزا، فراح يكتب المقالات في المجلات الاسبوعية الصادرة باللغة الروسية ويقوم بنشاط فعال في (جمعيته نشر الثقافة بين يهود روسيا)(تأسست 1863)(47).. وكان ذلك كله ناجما عن ايمان بنسكر بان (النظام الروسي سيطور نفسه الى ملكية دستورية تعيش في ظلالها كل الشعوب في مساواة تامة)(48)..

وحين حصلت اضطرابات اوديسة خلال فصح 1871 بقي على اعتقاده بضرورة العمل على دمج اليهود في حياة روسية الليبرالية المتحررة، انما بدا الشك يساوره حول مقدرة التنوير وحده على حل مشاكل اليهود.. وما ان وقفت اعمال العنف في عام 1881- بعد اغتيال القيصر اسكندر الثاني في اذار 1881- حتى راح بنسكر يبحث عن علاجات واساليب جديدة للمشكلة، فسافر الى اوربا الغربية والوسطى لنشر افكار دعوته الجديدة الى ضرورة تركيز اليهود في دولة قوميه، لكنه لم يجد مؤيدين لفكرته(49).. وعند عودته الى روسيا 1882 نشر افكاره وآراءه في كراس بالمانية دون ذكر اسم المؤلف.. وكان عنوانه (التحرر الذاتي)(50)..

نداء من يهودي روسي الى بني قومه داعيا اياهم لمساعدة انفسهم والعمل على التحلي بذلك الوعي وتلك الصفات التي تؤهلهم لحياة الاستقلال الاقليمي(51) ونداء بنسكر هو بالاساس هجوم، على اولئك الذين بنوا آمالهم على تحرير الحكومات الاوربية لذاتها وتغيرها لاساليب معاملتها لليهود)(52).. واليهود في نظره بمثابة الضيوف في كل مكان وليسوا اصحاب منزل خاص بهم)(53).. والعداء للسامية خطر يسود العالم اجمع، مصدره الخوف من اليهود الذي اعتبره بمثابة الخوف من الاشباح(54). واكد بنسكر على ان اللاسامية جعلت امكانية تمتع اليهود بحقوق الاقلية في أي مكان امكانية ضعيفة.. وقد وصف اليهود قائلا: (ان الشخص الذي لايقول ان الشعب اليهودي هو شعب الله- المختار- المختار لكراهية العالمية لابد ان يكون اعمى). واضاف (ان اليهود، اينما كانوا، ينظر اليهم على انهم غرباء ولذا يحتقرون) واعلن بنسكر (انه لاتحرر اليهود المدني ولا تحررهم السياسي كان كافيا لرفعهم في اعين الشعوب الاوربية ولذلك فان التحرر الحقيقي يكمن في خلق قومية يهودية للشعب اليهودي).. وكان بنسكر مقتنعا(بان اليهود كانوا يفتقدون ما كانت جميع الامم الاخرى تمتلكه (55)) وعنى بذلك الارض (حيث يعيش شعب ما تحت حكم واحد)(56).. واضاف بنسكر (ان التجربة علمته شيئا فهو ان اليهود يجب ان يكون لهم ماوى ان لم يكن لهم بلد خاص بهم).. ولم تقتصر مساهمة بنسكر في الحركة الصهيونية على مساهمته في الدائرة الفكرية فقد قدم عددا من الاقتراحات العملية والتنظيمية اقترح بموجبها اقامة منظمة مركزية تكون مواتها (الجمعيات القائمة فعلا).. وطالب بعقد مؤتمر قومي ينبثق عنه مكتب مركزي، وان تعذر ذلك تنشأ دائرة تتولى القيام بالاغراض ذاتها.. وتقيم الدائرة هذه- بالاشتراك مع عدد من المتمولين اليهود- شركة مساهمة، مهمتها شراء قطعة ارض يمكن- مع الوقت- استيطانها من قبل عدة ملايين من اليهود(57).. وكان حاصل فكرته ان كراهية الشعوب لليهود، كل الشعوب دون استثناء، مسألة نفسية اكثر منها اجتماعية.. فالعلاج الذي وصفه كان يقضي بايجاد قومية يهودية تعيش على ارضها.. والوطن القومي اليهودي) يمكن قيامه في أي مكان من العالم(58).. ولكن فكرته الاخيرة هذه لم تبعد عنه انتقادات المتزمتين الدينية واعتبار الليبراليين ان دعوته تشكل خيانة للايمان بانتصار الانسانية على التعصب والبغضاء.. وما لبث ان (تصهين) تحت تأثير اتباعه الذين تخلوا عن حركة التنوير وعلى الاخص خضوعه لتأثير كل من ليلينبلوم وهرمان شابير(59).. ثم عين بنسكر رئيسا لحركة (احباء صهيون الجديدة).. وفي خلال رئاسته تمكنت الحركة من جمع المال لاقامة المستعمرات الصهيونية في فلسطين وساعدت كثيرا في تمهيد السبيل امام الفكر والعمل الصهيوني بين يهود اوربا الشرقية من خلال اعمالها التثقيفية (60).. وتأسست في روسية، بتأييد من بنسكر(جمعية تأييد المزارعين واصحاب الحرف اليدوية اليهود في كل من سورية وفلسطين) التي كانت تعرف بـ(لجنة اوديسة).. (ولا يخفى ان اهمية بنسكر تكاد تنحصر في الحقل الفكري والتثقيفي اكثر منها في الحقل الصهيوني العملي)(61).. مع العلم ان دعاة استعمار فلسطين افلحوا في صهينته وكسب ولائه لمسألة الاصرار على ضرورة(كون دولتهم اليهودية في فلسطين).. وقد خدم بنسكر الحركة الصهيونية منذ تصهينه حتى وفاته، وهرتزل يعترف في مذكراته بانه لم يطلع على كراس التحرر الذاتي الا بعدج ان نشر دعوته لقيام (الدولة اليهودية).. وهو لو عرف بذلك كما يقول- لما كان وجد هناك من حاجة الى نشر آرائه(المشابهة) في كتاب(الدولة اليهودية)..

ومن المفيد هنا ان انقل ترجمة بعض ما جاء في كراس (التحرر الذاتي) والتي تلقي ضوءا على التصور الصهيوني لما يسمى بمعاداة السامية التحرر الذاتي نداء من يهودي روسي الى شعبه

(اذ انا لم اكن لنفسي فمن سيكون لي؟ وان لم يكن الآن فمتى؟)



(تلك الاحزان التي سببتها اعمال العنف الدموية، تبعتها فترة من السكون ليستطيع خلالها ان يتمالك كل من الصياد والفريسة انفاسهما الى حين يعود في هذه الاثناء اليهود اللاجئون(الى البلاد التي هاجروا منها) بالنقود ذاتها التي جمعت من اجل مساندة الهجرة.. وتعلم يهود الغرب ثانية ان يتحملوا الصرخة (هب، هب)(62). تلك الصرخة التي صاحها آباؤهم في الايام الماضية)..

ثم يقول ايضا: (تخلى اليهود متعمدين عن قوميتهم الى حد ما وذلك كي يختلطوا مع الغير.. لكنهم لم ينجحوا في تحقيق اعتراف جيرانهم في انهم مواطنون ذوو حقوق متساوية).. وفي مكان آخر من الكراس يعبر بنسكر عن افكاره عن اللاسامية: (انتقل هذا الخوف من الشبح اليهودي من جيل الى اخر وقوي عبر العصور، الى ان ادى التحامل ضد اليهود- الذي بدوره، والى جانب اسباب اخرى، مهد الطريق الى عقدة الخوف من اليهود).. ويقول ايضا: (اصبح الخوف من اليهودية.. متعمقا في طبيعة شعوب الارض..)، (الخوف من اليهود هو انحراف نفسي موروث ومرض تناقلت عدواه منذ الفي سنة ولا يمكن استئصاله) (وهكذا لم تنفصل اليهودية عبر التاريخ عن اللاسامية.. وقد ظلت الحركة اللاسامية تعيش جنبا الى جنب مع الشعب اليهودي (المتجول))، (ومهما بلغ الاختلاف بين الامم فانها تتعاون معا على اكراه اليهود، الكل يتفق على هذه المسألة)(بعد تحليل عقدة الخوف من اليهود على انه مرض وراثي يتصف به الجنس البشري وبعد ان بينا ان كره السامية يعتمد على انحرافات موروثة في العقل الانساني، يجب علينا كنتيجة ان نصل الى الخلاصة الاتية: ان محاربة هذا الكره كمحاربة أي حالة عقلية موروثة، امر صعب ولا فائدة منه).. لكن بنسكر يضيف: (لذا فالاهم من هذا كله هو ان تتخلى عن المجادلات العقبمو التي هي مضيعة للوقت والطاقة لان الالهة نفسها تحارب ضد الخرافات عبثا.. لا يمكن مجابهة الكره والتحامل والنوايا السيئة بالعقل مهما كان قويا وواضحا.. يجب اذن اما ان تبقى هذه القوى الشريرة ضمن حدود قوية مادية او ان يتم تجاهلها كاية قوة طبيعية عمياء).. (ان تحرير اليهود واجب كواجب تحرير الزنوج والنساء لانهم شعب حر لكنه مستعبد.. انهم ينتمون الى عرق متقدم وليسوا زنوجا)،.. (لقد اعلنا اقدس كفاح ضد كل الشعوب الارض..)، (وقد استغل اعداؤنا للبرهنة على نقصنا بانه لم يقم فينا اناس مبدعون، ليس هكذا الحكم عادلا وان كان صحيحا الى حد، هذا مع العلم ان رجال الفكر لم يوجدوا بين خصومنا بكثرة الثمر في موسمه.. لعنهم الله، انهم يلومون النسر الذي حلق في الماضي عاليا في السماء وعرف الالوهية)؟! (اعطونا مجال وجود القومية الحرة، ومن ثم تجرأوا على لومنا وتعييرنا بعدم وجود رجال عباقرة عندنا). ثم ينتقل بنسكر في دعواه الى جانب آخر قائلا: (لحسن الحظ ان الامور قد بدات تتغير الان ذلك ان الحوادث التي جرت في السنين القليلة الماضية بسبب حركة التنوير في المانيا والمجر وخاصة في روسية اثرت اكثر من حملة الاضطهاد الدامية التي قامت في العصور الوسطى)(63) ويضيف بنسكر معبرا عن النوايا الصهيونية قائلا: (يجب ان تكون الارض التي نحن بصدد شرائها ذات مركز جيد وخصبة ومساحتها كافية لاسكان عدة ملايين.. يجب ان تكون الارض التي ستصبح ملكا للامة غير غريبة جدا عن تلك الامة.. اننا نريد ملجأ واحدا، لان وجود عدة ملاجئ سيعيد خلق معالم تشتتنا القديمة.. اذن يجب اختيار وطن قومي دائم وفقا لكل المتطلبات..)،( انه من الواضح بان تكوين ملجأ يهودي لا يتم الا بمعونات الحكومات، فعلى خالقي بعثنا القومي ان يعملوا بحذر واناة وذلك لتحقيق الدعم لمثل هذا الملجأ)..

اذن فأن هذين المفكرين يعتبران من كبار المفكرين الصهيونيين الاوائل الذين سبقوا بافكارهم ودعواتهم وطروحاتهم النشوء الرسمي والعلني للحركة الصهيونية بحوالي المائة عام- أي قبل انعقاد المؤتمر الصهيوني الاول عام 1897 في بال بسويسرا والذي اسفر عن ظهور الحركة الصهيونية بشكل رسمي وعلني وباطارها التنظيمي الكامل وعن تعيين تيودور هرتزل رئيساً ومؤسسا لها.. وقد عمل موسى هيس وليو بنسكر على وضع اللبنات الاولى لهذه الحركة والتي اصبحت، فيما بعد، الاسس المعتمدة في وضوح وتجسيد برنامجها.. كما عاصرهما وجاء بعدهما عدد اخر من المفكرين الذين لعبوا دورا مضافا ومتمما في تعميق مفاهيم الفلسفة الصهيونية والمشروع الصهيوني امثال الحاخام تسفي هيرش كاليشر والحاخام يهودا القالي وبيريتز سمولنسكين واليعازر بن يهودا وتيودور هرتزل وغيرهم..

ان نشوء الحركة الصهيونية على يد هؤلاء كان مترافقا مع طرح وولادة مفهوم اللاسامية- أي انه كان اذاة من ادوات الصهيونية وسلاحا من اسلحتها الفتاكة في تحقيق مآربها والتأثير على الراي العام العالمي وعموم اليهود في مختلف انحاء العالم لقبول المفاهيم الصهيونية والتسليم بها والترويج لها، وهذا السلاح كان ومازال يشهر في وجه كل من يقف ضد الصهيونية ولا يؤيدها منذ مايقرب من مائتي عام وحتى الان..

وساقدم فيما يلي تعريف بسيط لاثنين اخرين من مفكري الحركة الصهيونية ومن دعاة ومتبني مفهوم اللاسامية هما كاليشر ويهودا القالي دون الدخول في تفصيلات نشاطهما او التعرض لافكارهما لانهما يتماثلان في النهج والسلوك- الى حد ما، مع فكر ونشاط موسى هيس وبنسكر..

الحاخام تسقي هيرش كاليشر(1795-1874)

ولد كاليشر عام 1795 في وقت طغى فيه المفهوم القومي على أي مفهوم آخر في اوربا(64).. (وكانت ولادته في بوزن، وهي المقاطعة الغربية من بولونيا آنذاك، وكانت خاضعة للسيطرة البروسية منذ عام 1793)(65).. وقد عبر عن صهيونية في رسالة بعث بها عام 1836 الى كبير فرع عائلة روتشلير في برلين.. وقد جاء فيها: (ان بداية الخلاص سوف تأتي عن طريق اسباب طبعية نتيجة للجهد الانساني وعن طريق ارادة الحكومات لجمع شمل اسرائيل المبعثرة في الارض المقدسة)(66).. وحين تأسست جمعية رعاية الاستيطان اليهودي في فلسطين عام 1860 في فرانكفورت على نهر الاودر انضم اليها واستمد من اهدافها بواعث كتابه الصهيوني(البحث عن صهيون) الذي ظهر عام 1862(67).. وكانت النقطة البارزة في مؤلفه تتمثل في رد كاليشر على انصار الحل المنادي بالتدين كاسلوب لحل المشكلة اليهودية.. فقد اكد كاليشر على ان (بداية الخلاص بداية تتم بالجهد الانساني) وانه – أي الخلاص- لن يكون على ايدي (المسيح المنتظر) وعلى عكس ذلك، فانه سيبتدئ بايقاظ رغبة المحسنين في المساعدة، وبكسب موافقة الامم المختلفة على جمع بعض المشردين من اهل (اسرائيل) في الارض المقدسة (68)(69).. واعلن كاليشر ان ماحدث للانسان في جنة عدن وما حدث (لاسرائيل) في وقت لاحق لم يكن الا تجربة لطاعة الانسان وتجربة لايمان (اسرائيل) بل ان قوانين التوراة التي تحرم اكل لحوم (الحيوانات غير الطاهرة) وتيه اليهود لم تكن الا (امتحانا اخر لايمان هؤلاء). (وبالتالي، وبما ان ظهور المسيح المنتظر لن يفسح المجال امام اختبار اليهود، فان على اليهود ان يقتنعوا نهائيا بان (المسيح المخلص) لن يظهر وعليهم ان يضعوا نهاية لانتظارهم الطويل له)(70).. ودعا كاليشر اليهود الى استيطان فلسطين لانه بدون ذلك لن يبدجا تجمعهم في الارض المقدسة.. ولكي يشجع عملية الاستيطان تلك اقترح كاليشر اقامة منظمة تتولى تحقيق ذلك بحيث تكون مسؤوليتها (شراء المزارع والحقول وحرثها..

الحاخام يهودا القالي (1798-1878)

ولد في سراجيفو وكان ابوه من الزعماء الروحيين بين يهود العرب.. قضى صباه في القدس حيث خضع لتأثير نزعات القبالة في صوفيتها وميلها الشديد الى الحلولية وتفسيرها الرمزي لجميع الاعداد والحروف في التلمود (71).. ومنذ عام 1834 راح يعبر في كتاباته عن (ضرورة القيام بمجهود انساني خاص لتحقيق خلاص اليهود)(72).. فنشر كراسا بعنوان (اسمي يااسرائيل) واقترح فيه اقامة مستعمرات يهودية في فلسطين لكي تكون بدورها مقدمة لا ضرورية للخلاص المنتظر)(73).. تصور الخطوط الكبرى لبرنامج العمل على تحقيق ما اسماه (بالخلاص الذاتي) على الشكل التالي (74): الى 1- الدعوة لعقد جمعية عامة كبرى، 2- ايجاد صندوق قومي لشراء الاراضي، 3- اقامة صندوق مماثل لجباية الضرائب، 4- السعي لتقديم قرض قومي.. وهي الافكار التي تبناها هرتزل فيما بعد وراحت الحركة الصهيونية تعمل على وضعها موضع التنفيذ وكان جد هيراتزل (سيمون لوب) من تلامذته والمعجبين به.. وفي عام 1843 اصدر كتاباً عن (الخلاص الثالث) وفسر الخلاص الجديد علىاساس تشجيع الاستيطان في فلسطين بقصد تعمير (الارض الخراب) واعدادها بصورة تدريجية.. واعتبر (العودة الجماعية) بمثابة بداية للخلاص الذي وعد به جميع الانبياء(75).. وهي متممة لتلك العودة الفردية التي ينص عليها التقليد الديني في التوبة والصلاة(76)..

وقد استفادت الحركة الصهيونية من برنامجه فيما بعد، حتى ان الصندوق القومي اليهودي) حين تأسس عام 1901 جرى السير في خطى النهج الذي كان القالي قد رسمه للعمل الصهيوني(77).. وقد قام بعض اتباعه، بعد وفاته مباشرة، بشراء ارض (بتاح تكفا) حيث اقيمت اول مستعمرة صهيونية زراعية في فلسطين.


الفصل الثالث

نشأة اللاسامية ( *)

يتحدث دوف بارنر- احد زعماء حرب المابام الصهيوني- عن اللاسامية فيقول: (لم يصبح استقلال اليهود الذاتي ايام الرومان شوكة في حلق الشعوب الالمانية واللاتينية الا بعد تبلور هذه الشعوب.. ونتيجة لذلك اضطر اليهود المشردون اصلا- قبل النفي النهائي- الى مغادرة مراكز الحضارة في الاسكندرية وبابل وروما، والتوجه نحو اقطار اوربا (المتأخرة).. وقد كان اليهود متعلمين وحذقين، يشعرون بالتفوق، يتصدون بتحديهم لاي رفض محتمل)(78).. (وبعد زمن ليس بالطويل بتفاقم التوتر بين المسيحية واليهودية وكلاهما من مصدر واحد.. هنا مصدر اللاسامية الدينية والايديولوجية)(79) ويضيف بارنير: (ثم تأتي الحملات الصليبية فيسيطر المسيحيون على التجارة مع الشرق، وكانت قبلا بيد اليهود.. هنا جذور اللاسامية الاقتصادية وسبب طرد اليهود واجبارهم على الاعتصام بالغيتوات الاوائل.. في هذا الجو المحموم من الصراعات الطبقية، يصبح اليهود، منذ ذلك الحين فصاعدا، وسيلة صرف الاهتمام عن القضايا الاساسية، كبش المحرقة.. ها ان اللاسامية السياسية قد ولدت)..

فكيف نشأت وتطورت هذه اللاسامية بوجوهها الدينية والايديولوجية والسياسية التي يلعب العامل الاقتصادي والاجتماعي فيها دورا اساسيا؟ يقول اسرائيل كوهين في كتابه (تاريخ الصهيونية المختصر): (ان غاية الفكرة الصهيونية هي اعادة اليهود كافة الى فلسطين باعتبارها وطنهم القومي القديم)(80).

ففي القرن الثامن عشر لم تكن الصهيونية لتتجاوز تعلق اليهود الروحي بنصوص التوراة وطقوس الاعياد والاحتفالات الدينية.. وكانت دوافع رغبة بعض اليهود في العودة الى فلسطين دينية محضة.. والسبب في التأكيد على الجانب الديني والروحي عند اليهود في القرن الثامن عشر حتى منتصف القرن التاسع عشر يعود الى اتجاه الغرب نحو التسامح الديني(81).. ولكن بعض بناة الامبراطوريات في الغرب وجدوا ان الاستعانة باليهود عن طريق اثارة الشعور الديني- القومي بالرغبة في العودة الى فلسطين يخدم مصالحهم في منطقة الشرق الاوسط.. وقد كان الاقتراح الذي تقدم به نابوليون بونابرت عام 1799 اثناء حصاره لمدينة عكا، عندما دعا اليهود الانضواء تحت علمه(لاعادة تأسيس القدس القديمة) واطلق على اليهود لقب(الورثة الشرعيين لفلسطين) هو الاول من نوعه في عصر مابعد النهضة الاوربية(82)..

في نفس الوقت فان تمكن(مجتمع المستوطنين) في اميركا الشمالية من نيل استقلاله عن بريطانيا في العقد الثامن من القرن الثامن عشر واعلانه لميلاد الولايات المتحدة الاميركية، قد ادى الى اتخاذ السكان هناك الجمهورية نظاما لبلادهم وقطعوا علاقتهم بالتاج البريطاني واعلان انتصار البورجوازية الاميريكية الناشئة عن بريطانية (الوطن الام) وبعد سنوات من هذا (الحدث التاريخي) انفجرت الثورة الفرنسية البورجوازية عام 1789 فكانت تكريسا لانهيار النظام الاقطاعي وسقوط النظام الملكي وتطور الرأسمالية وبداية الثورة الصناعية.. وهذان الحدثان صاحبهما انتشار الافكار والشعارات الجديدة (كالحرية والاخاء والمساواة) واعلان(حقوق الانسان) والجمهورية بدل الملكية بالاضافة الى العلمانية وتقليص نفوذ الكنيسة بعد فصلها عن الدولة(83).. اذن فان تبني القوى الاستعمارية لدعوات المفكرين والقادة الصهيونيين الاوائل الخاصة بالهجرة الى فلسطين لانشاء (الوطن القومي اليهودي) بناء على ما تفرضه المصلحة الاستعمارية وما رافق هذا التبني من زعزعة لاسس معظم المعاقل والمؤسسات المحافظة في مجتمعات اوربا قد ساعد على وصول رياح التغيير الى الغيتوات اليهودية وما تمثله من انظمة خاصة بها وقوى اجتماعية منغلقة ومتعصبة..

ونظرا لعمق التأثيرات التي تركتها هذه المرحلة فقد عجزت القوى اليهودية من المحافظة على الصمود(84).. فكان ان اشتد ساعد تيار الاندماج وبدا ينمو ويقوي على حساب تيار (المحافظين على تراث الاجداد والتقاليد اليهودية المقدسة وطقوسها وحماية مثل الشعب المختار واحفاد العبرانيين).

كان هذا التيار الصاعد يضم القوى الجديدة خاصة من المثقفين والعمال اليهود الذين شارك الالاف منهم في مختلف اعمال العنف وخاصة في ثورات 1848 في مختلف انحاء اوربا الغربية والوسطى خاصة ضد (القوى الرجعية التي كانت تسعى لتطويق المد الثوري آنذاك والعمل على خنقه وايقاف نموه)(85).. كان هؤلاء اليهود يعتبرون انفسهم(مواطنين مرتبطين ارتباطا وثيقا بالبلاد التي نشأوا فيها).. وكان هذا التيار الد اعداء اللاسامية من ناحية والد اعداء التيار المحافظ من ناحية ثانية(86).. ولقد برز موسى مندلسون- المفكر اليهودي الالماني- كواحد من ابرز دعاة الاندماج في المجتمعات التي يعيش فيها اليهود الى جانب ايزاك بيير وادولف كوير- الفرنسيين- وغابرييل الالماني..

اما التبار الثاني فكان يضم الاثرياء ورجال الدين واصحاب المصارف والمصانع والتجار والرجعيين.. وكان لقاء هذه المجموعة مع قوى اليمين في اوربا لقاء عميقا جليا(87)..

لقد ادى هذا كله الى بروز معالم الصراع الطبقي بشكل واضح ضمن (المجتمعات اليهودية) في اوربا الغربية والوسطى.. وكان تيار الاندماج هو الاقوى والمتنامي.. وباختصار لقد كان لهذه المرحلة التاريخية اثار عميقة، وفي هذا الصدد يقول ايفانوف في كتاب (احذروا الصهيونية)(ص29): (فقد وجدت الاسباط اليهودية نفسها رغم احتفاظ اكثريتها بسلامة انظمتها الداخلية كالدين والتعليم والمحاكم، وجدت نفسها على حافة الافلاس والصراع الطبقي المكشوف)..

لقد كانت مسألة (اعادة الهيود الى فلسطين) احدى الوسائل التي استخدمتها القوى الاستعمارية لتحقيق اهدافها التوسعية- كما ذكرت سابقا- رغم ان تيار الاندماج- بقيادة موسى مندلسون- في الاوساط اليهودية كان في اوربا الغربية والوسطى هو الاقوى والاكثر فاعلية.. اما وضعهم في اوربا الشرقية فكان مختلفا تماما، فقد( كان يعيش فيها تسعة اعشار يهود العالم تقريبا)(88).. وكان اليهود في بولوفيا وروسيا يلعبون دورا اقتصاديا كبيرا فقد بقوا حتى اواخر القرن الثامن عشر يقومون( بدور التاجر والمرابي وصاحب الحانة ووكيل الاقطاعي والوسيط في جميع الامور..)(89) وفيما كانت (المسألة اليهودية) في اوربا الغربية في طريقها الى الاختفاء بحيث نجد(ان نصف يهود برلين، مثلا، تحولوا الى المسيحية في العقود الثلاثة الاولى من القرن المنصرم) وفيما كانت دعوة اللاسامية تتلاشى هناك، كانت الامور تتطور باتجاه مخالف وعنيف في اوربا الشرقية بسبب الاوضاع الاجتماعية والاقتصادية القائمة هناك.. فبقدر ما تحقق في اوربا الغربية من تحرر بورجوازي عاصف في مطلع القرن الماضي كانت اوربا الشرقية تعيش مرحلة متأخرة عنها بسبب الاوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتجارية التي كانت قائمة هناك.. فتطور الملكية الجديدة- البورجوازية- قد وسع مجال استخدام عمل الاجراء في الانتاج الزراعي.. وفي النصف الاول من القرن الماضي ازداد في روسيا عدد المؤسسات الصناعية وتطورات صناعة الفلاحين الحرفية الصغيرة- وهي المرحلة الاولى لتطور الراسمالية- وتكاثرت انتفاضات الفلاحين في مناطق عديدة من الامبراطورية الروسية(90). وبعض الانتفاضات كان موجها ضد الربا اليهودي.. واشتدت موجة الاضطهاد القيصرية في الداخل ونهجت في الخارج سياسة رجعية شرسة حتى اصبحت تعرف آنذاك باسم (الدرك الاوربي)(91).. وفي (مجرى النضال من اجل نشر الافكار الديمقراطية الثورية تطور الفكر الاجتماعي الروسي التقدمي.. وقام الادب والفن في ظروف روسيا القيصرية بدور مهم في نشر الافكار التقدمية)(92).. وكانت نتائج هذا التطور الجديد ان بدأ اقتلاع مئات الالاف من اليهود من مراكزهم الاقتصادية التقليدية في المجتمع الاقطاعي الذي بدأ يتهاوى، فكان ان غادروا مدنهم الصغيرة الى المدن الكبيرة تفتيشا عن العمل.. فلقد (دمرت الوظيفة التقليدية لليهود في المجتمع الاقطاعي)(93).. وفيما كان فقراء اليهود يتوجهون الى المدن الروسية والبولونية التي بدأت تتسع مع نمو الراسمالية، كان اغنياؤهم يغادرون تلك المناطق متوجهين الى مدن اوربا الغربية والوسطى لامكانيات العمل وسهولة توظيف الاموال هناك.. الى جانب هذا كانت تشير هذه المرحلة الى ان العمال اليهود قد تجنبوا وبشكل يكاد يكون تاما العمل في المجال الزراعي مع ان هذا القطاع كان يستوعب 15-20% كاجراء زراعيين من مجموع العمال العام في العقد الثامن من القرن الماضي في الاميراطورية الروسية(94)..

لقد ادى تطور هذه الاوضاع الى ردة فعل لدى اليهود، ويحدد الصهيونيون الاوائل ردة الفعل هذه بارتباطها بما سموه بظهور (المشكلة) اليهودية) في القرن التاسع عشر ومحاولة بعضهم ايجاد حل لها بتأثير من الظروف والاراء والاتجاهات السائدة في اوربا(95).

يقول تيودور هرتزل في كتاب(الدولة اليهودية) – الطبقة الرابعة، ص12: (ان اليهود يعانون من الاضظهاد اينما وجدوا باعداد كبيرة)، وقد اتهم جميع الامم التي يوجد في مجمعاتها جاليات يهودية باللاسامية (سواء مكبوتة او معلنة).. اما اسباب اللاسامية عنده فكثيرة، اهمها: فقدان اليهود المقدرة على الاندماج بالمجتمعات الغربية في العصور الوسطى، وانصراف الاغنياء من اليهود الى المراباة والتحكم في القطع المالي، وهو مايسبب كراهية الناس لهم(96).. واذا ما اردنا التعمق في البحث عن اسباب ظهور(الحلول الصهيونية) (للمشكلة اليهودية) فان هذا يقودنا الى التعرض لهذه الحلول ضمن اطار تفاعلها التاريخي مع الاحوال والارء السائدة في اوربا خلال القرن الماضي.. ولهذا نجد هيرتزل ينطلق من التسليم بوجود (المشكلة اليهودية) في كل مكان يوجد فيه اليهود باعداد كبيرة، وقال: (بان هذه المشكلة سوف تستمر حتى تجد حلا سياسيا.. والمشكلة في نظرة هي اللاسامية.. فمن الاسباب الاخرى التي ذكرها- اضافة الى ماتقدم- اتجاه البروليتاريا اليهودية نحو الانخراط في صفوف الاحزاب الثورية (97).

وبالرغم من كل ماطرحه المفكرون الصهيونيون الاوائل من اراء وافكار تتعلق بما سموه(بحل المشكلة اليهودية)(98) سواء اكان ذلك نابعا من منطلقات دينية او سياسية او قومية فان الحلول الصهيونية(للمشكلة اليهودية) كانت اكثر تأثرا بالتيار القومي- العنصري في اوربا منها باية تيارات فكرية اخرى، لاسيما وان القرن التاسع عشر هو عصر القوميات والوحدات القومية في اوربا.. وقد تعزز الاتجاه نحو اعتناق (فكرة القومية اليهودية) اثر اغتيال اسكندر الثاني قيصر روسيا عام 1881 وازدياد وطأة اليهود هناك(99).. ورافق ذلك كله اشتداد تيار اللاسامية في اوربا الشرقية (روسيا وبولونيا وبلاد البلطيق ولقد تميز رجال الدين اليهود في بولونيا خاصة بالتعصب والانغلاق).. وكانت القوى الرجعية والسلطات تشجع هذا التيار المعادي لليهود وتنمية لاسباب اقتصادية وسياسية، من ذلك ان السلطات تزداد قوة بمواجهة القوى التقدمية التي ازداد نشاطها في النصب الثاني من القرن الماضي حين تستغل تيار اللاسامية وتشير النوازع والمشاعر الطائفية المتعصبة(100).

وقد انعكست اثار هذا الوضع العام على الحياة اليهودية في اوربا الشرقية بشكل ردود فعل عنيفة ومتعصبة.. فلقد (كان المثقفون يعيشون آنذاك في حالة غليان ثوري)- كما يقول بن غوريون- وبدأ تطور مايمكن ان نسميه بالصهيونية الدينية لتتحول مع هذا الصراع الى الصهيونية السياسية(101)، بمعنى ان العمال والشباب المثقف اليهودي بدأ يثور على المفاهيم السائدة الخاصة باوضاع الجماهير اليهودية التي كانت تعاني من اللاسامية بشكل اضطهاد وتمييز ومذابح ليطالب بالعمل (اذ لا نستطيع انتظار الخلاص يهبط علينا من السماء بل ان واجبنا ان نعمل من اجله بانفسنا وبجهدنا الذاتي).. كما ان فكرة الاندماج التي طرحت في اوربا الغربية ونمت وازدهرت، واجهت موقفا عدائيا الى اقصى الحدود يمكن تقدير حدته من قول بن غوريون في معرض تقديمه لظهور الصهيونية بانها (لم تكن مجرد نظرية شاملة، او مفهوما فلسفيا او دينيا، مستقلة عن الزمان والمكان والظروف، بل كانت في الواقع فلسفة يهودية هي في جوهرها نضال ضد الاندماج (102)(103)..

وقد ظهرت في هذه الفترة كتب ودراسات عديدة وبرزت جمعيات ومنظمات مختلفة بدأت بشكل محاولات لتجديد الدين اليهودي ومفاهيمه وتقاليده وبالاهتمام باللغة العبرية ودراسة مايسميه الصهاينة (بالثراث اليهودي)(104)..

ان هذه العوامل وغيرها لعبت دورا هاما في بروز الحركة الصهيونية- ممثلة البورجوازية اليهودية في اوربا الشرقية بشكل خاص- في العقود الاخيرة من القرن الماضي)*(.. وفي هذه الفترة بدأت الحياة اليهودية هناك تتغير بسرعة وانعكس ذلك على الجانب السياسي فيها اذ (تبدل الطابع الديني)- كما يقول بن غوريون-(الذي عاش اجيالا عديدة بشكل تضرع وتوسل لقوة فوق الطبيعة، ليتخذ شكلا سياسيا قوميا.. وتحول الوعد الالهي الى دافع داخلي عند اليهود يغذي ارادتهم وينظم قواهم).. واذا كان هذا الوعد الالهي بالعودة الى فلسطين) مصدرا اوليا للصهيونية- كما يشير الى ذلك كتاب( حول الصهيونية واسرائيل) ص34، نقلا عن (الكتاب السنوي الاسرائيلي) ص 6-7- وهو (مصدر عميق عاطفي دائم، ومستقل عن الزمان والمكان، وقديم قدم الشعب اليهودي ذاته) فان المصدر الثاني للحركة الصهيونية كان الاهم والاعمق والاكثر تأثير وهو (مصدر تجديد وعمل، وثمرة الفكر السياسي العملي الناشيء عن ظروف الزمان والمكان، والمنبعث من التطورات والثورات التي شهدتها شعوب اوربا في القرن التاسع عشر وما خلفته هذه الاحداث الكبيرة من اثار عميقة في الحياة اليهودية).. ولقد اتسم ظهور(هذه الحركة البورجوازية – الصهيونية- بالتنظيم والقوة والسرعة) وتعلمت الكثير من (الثورات الشعبية التي اجتاحت اوربا) وتعلمت ايضا من خلال (الهجرات الواسعة التي كانت تشهدها اوربا آنذاك فيما بين اقطارها من جهة والى بلاد ما وراء البحار بشكل خاص، من جهة ثانية).. وكان لكل ذلك ابلغ الاثر (في اقدام مجموعات من المثقفين الشباب والعمال على تنظيم انفسهم والهجرة الى فلسطين- الخاضعة آنذاك للسلطنة العثمانية-).

وابتداء من عام 1882 اخذت جموع المهاجرين الصهاينة الذين جندتهم جمعية (محبي صهيون) تصل الى فلسطين، وكانت (الموجة الاولى) قد تدفقت اثر اشتداد حملات التنكيل بيهود روسيا القيصرية عام 1881.. واستمر تدفق هذه الموجة مدة 20 عاما دخل فلسطين خلالها 20-30 الف مهاجر(105) بينما هاجر في نفس الفترة اكثر من نصف مليون يهودي من اوربا الشرقية الى الولايات المتحدة و(البلدان الجديدة) الاخرى(106)..

وفي العقد الاخير من القرن الماضي شهدت فرنسا حدثا سياسيا خطيرا(107) ترك آثارا كبيرة ومعقدة امتدت الى خارج فرنسا.. فقد قدمت الحكومة الفرنسية ضابطا يهوديا الى المحكمة العسكرية بتهمة التجسس لحساب المانيا العنصرية، وكان اسمه الكابتن دريغوس.. وصدر الحكم عليه بالسجن مع الاشغال الشاقة والنفي الى احدى جزر المستعمرات الفرنسية واسمها(جزيرة الموت).. (وارتابت القوى التقدمية الفرنسية في امر هذه القضية فشنت حملة واسعة لكشف الحقيقة بعدما لاحظت من اشتداد تيار اللاسامية وتوصلت هذه القوى الى قناعة بان هناك تلاعبا وتوطؤا وان دريفوس كان بريئا وانه من ضحايا اللاسامية.. وقد اعيدت محاكمته وثبتت براءته بعد سنوات من السجن)(108).

لقد هزت هذه الحادثة اوربا هزا عنيفا واستغلت من قبل الاوساط الرجعية والبورجوازية اليهودية (وكان تيودور هرتزل- الصحفي النمساوي- احد الذين حولتهم هذه الحادثة من داعية للاندماج الى احد المتعصبين للحركة الصهيونية الهادفة الى بناء وطن ودولة لليهود)(109).. وفي عام 1896 اصدر هرتزل كتابه الشهير(الدولة اليهودية) الذي اعتبر صدوره (نقطة تحول كبرى في مسيرة اليهود لعشرات السنين القادمة) اذ احتضنته البورجوازية اليهودية وبدأت تنشط بشكل حثيث لتمويله الى برنامج عمل.. وبعد سنة واحدة من ظهور هذا الكتاب عقد المؤتمر الصهيوني الاول في مدينة بال بسويسرا ووضعت فيه الاداة المخططة والمنظمة للحركة الصهيونية التي راحت تجند انصارها بين يهود العالم وتتعاون مع القوى الامبريالية النافذة لمتابعة مشاريعها العدوانية..

الفصل الرابع

الصهيونية واللاسامية

مسؤولية الصهيونية في وجود اللاسامية

ان نقطة البدء الفكرية لمعاداة السامية هي الافتراض القائل بان اليهودي ليس له وجود فردي مستقل عن امته، وان اليهود كافة يمثلون عنصرا غريبا عالميا ليس له جذور محسوسة وليس له ولاء محدد، وانهم لهذا السبب يمثلون خطرا حضاريا واقتصاديا على أي جماعة انسانية يعيشون فيها، ويوجد في الغرب تراث حضاري كامل تشكل معادة السامية اساسه الفكري(110).. وعلى الرغم من ذلك آمن (المسكيليم)(111) ان معاداة السامية ظاهرة اجتماعية مؤقتة في طريقها الى الزوال التدريجي كنتيجة طبيعية لسيادة العقل وانتشار الاخاء والمساواة وقد آمن هؤلاء ايضا بان الجوهر الانساني لليهود لايختلف عن جوهر أي انسان، وبهذا يكون اندماجه في الجماعة الانسانية شيئا ممكنا ومرغوبا فيه(112) ولكن هذا (التصور العقلاني) لشخصية اليهودي يتعارض وبشكل حاد مع تصور الصهاينة لليهودي على انه شخصية مطلقة تقف خارج التاريخ.. ولو دققنا النظر في الموقف الصهيوني من اليهود- كما يقول د. عبدالوهاب المسيري- نجد انه يتقابل الى حد كبير مع موقف يعادي السامية، فالصهيونية ترى ان اليهود على انهم امة واحدة رغم تشتتهم الاف السنين في كل بقاع الارض، وانه لا توجد أي فروق جوهرية بين اليهودي الاميركي و(اخيه) الحبشي، ان الفكر الصهيوني يلغي فردية اليهودي وتجرده من انسانيته المحسوسة، ويقسم العالم الى الدائرة الهيودية المغلقة والجوييم.. وهذا هو جوهر معاداة السامبة (113).

ولما فشلت حركة التنوير (الهاسكالاه) في وضع الحلول المناسبة لما يسمى (بالمسكلة اليهودية) وانها اعطت نتائج عكسية تمثلت في ازدياد اللاسامية، فهذا يعني ان اليهودي شخصية لا يمكن فهمها ولا يمكن استيعابها- كما يقول بوبر- ولذا لا يمكن اندماجها مع بقية الامم، والايمان باستحالة الاندماج الكامل هو من المبادئ الرئيسية للصهيونية- كما يقول كلاتزكين(114).. بل انه يعد الاندماج (جريمة) و(خطيئة) و(عارا) يحط من كرامة اليهود.

وحتى لو اراد اليهود الاندماج، فان هذا الامر-حسب التصور الصهيوني- مستحيل لان الجوييم يقفون بالمرصاد، وفي هذا الصدد يقول (بيرتيزسمولنسكين): (رعاعهم المتوحشون يقفون كالذئاب التي تبحث عن فريستها، يعاملون اليهود بقسوة بالغة لا مثيل لها منذ العصور الوسطى)(115).. ويقول برنارد لازار، الكاتب الفرنسي الصهيوني: (الشعب اليهودي ضحية عنف الجوييم يعيش (كقطيع او كجماعة من العبيد... هدف كل سوط... قطيع يرفض الناس ان يدخلوه حتى الى الاصطبل)(116).. ونجد الحركة الصهيونية- ممثلة باحد زعمائها، حاييم وايزمان، تصف اللاسامية بانها مثل البكتريا التي قد تكون ساكنة احيانا، ولكن حينما تسنح لها الفرصة فانها تعود للحياة.. وهذه الرؤية الصهيونية المنحطة للنفس البشرية تفترض ان كل الجوييم –الامم غير اليهوية- مصابون بهذا النوع من البكتريا الاخلاقية.. والصهيونية لا تميز بين معاداة السامية الدينية التي وجدت في بعض اجزاء اوربا في العصور الوسطى ومعاداة السامية العنصرية التي تستند الى النظريات العنصرية الحديثة.. بل انها لتصف معاداة العرب للغزو الصهيوني بانها معاداة للسامية.. وان كل من تعرض (لليهود وللصهيونية) بالنقد رمي باللاسامية سواء اكان سياسيا ام كاتبا اديبا ام فيلسوفا ام مؤرخا، والصهيونية لا تستثني في هذا اليهود انفسهم(117).

ويقول الصهيوني نفتالي ايلاتي في كتابه (دراسات في تاريخ اللاسامية في فرنسا) الذي صدر في فلسطين المحتلة عن دار موريشت:( ان الاساس الديني هو الذي يجعل المعادين للسامية يعتقدون ان اليهود غير اهل وغير مستعدين للانصهار في الجمعيات التي يعيشون فيها، وبسبب هذا يعتبرون كغرباء بالنسبة لهم، وحتى في البلدان التي حصل فيها اليهود على حقوق المواطنة الكاملة)(118).. في حين نجد الباحث الصهيوني (دوف بارنار) الذي قدم للكتاب يقول: (ولكن التاريخ لايشير الى ان اليهود عاشوا فترة طويلة بين الجوييم، ومن الواضح اذن انه لايمكن اعتبارهم كغرباء وانه لاحاجة لهم، بل ليس من الضرورة ان يندمجوا فيها... )(119)..

ومن الطروحات الصهيونية لمفهوم اللاسامية نجد ان هذه الظاهرة (نوع من الاحتجاج والثورة على فئة خاصة وضرب من التعبير عن عدم الرضا) فما هي الاسباب التي ادت الى هذه الثورة؟ هذا سؤال لم يطرحه احد من الكتاب الغربيين فيما نعلم(120).. انهم يحاولون ان يبرهنوا ما لايحتاج الى برهان.. يتحدثون عن المنازية وما فعلت باليهود جريمة اثر جريمة، ولكنهم لايذهبون الى ابعد من هذا، سوى تلك التفسيرات التي قصد بها كسب عطف الناس نحو اليهود وتخويفهم من اللاسامية(121).. وازاء هذه التفسيرات الغربية- الصهيونية- لظاهرة اللاسامية يمكن طرح السؤال التالي: هل هذه الظاهرة ظاهرة مرضية في جسم الانسان الاممي (الجوي)- كما يدعي الصهاينة- ام هي ظاهرة كغيرها من الظواهر السياسية ذات الاسباب الموضوعية العارضة والتي سوف تزول بزوال تلك الاسباب؟

يجيب الدكتور ابراهيم الحاردلو على ذلك بقوله: كان العداء بين اليهود والعالم المسيحي عداء دينيا بحتا منذ القرن الاول الميلادي، ولكن في اواخر القرن الثامن عشر ونتيجة للنزعة التحررية التي اجتاحت العالم الغربي منذ الثورة الفرنسية وما بعدها ضعفت الناحية الدينية في اوربا واهتم الناس بالعلم الحديث وتعلقوا به.. ولذا نجد اليهود انفسهم قد اصابهم رشاش من موجة التحرر تلك، فنالوا حقوقهم كمواطنين في القرن التاسع عشر نتيجة لهذا التحرر.. ان الصهيونية مسؤولة عن بعث اللاسامية في الدول الاوربية، لانها كانت تدعو اليهود الى العزلة التامة عن الامم بعد ان اخذوا في الاندماج في تلك الامم(122)..

فموسى هيس بدا يكتب عن الافكار الصهيونية منذ عام 1862م الذي بشر فيه بتمييز اليهود كعنصر وتفوقهم على الناس.. وذلك هو نفس الوقت الذي ظهرت فيه الكتب في فرنسا تدعو الى فكرة تميز الشعوب الآرية.. وصدر كتاب بنسكر سنة 1882م (التحرر الذاتي) يدعو اليهود الى القومية ويحارب حركة الاندماج والاختلاط بالشعوب الاخرى.. كما تصور الخطوط الكبرى لبرنامج العمل الذي وضعه يهودا القالي على تحقيق ما اسماه بـ(الخلاص الذاتي).. وهي الاقطار التي تبناها هرتزل فيما بعد وراحت الحركة الصهيونية تعمل على وضعها موضع التنفيذ.

وصدر كتاب عن (الخلاص الثالث) عام 1843م يفسر فيه (الخلاص الجديد) على اساس تشجيع الاستيطان في فلسطين.. وكذلك بالنسبة لـ(كاليشر) في كتابه (البحث عن صهيون) الذي صدر عام 1862م. وهناك الكثير من الكتب والمقالات والابحاث والدراسات والمحاضرات لمفكري الحركة الصهيونية من يهود وغيرهم تدعو جميعها الى تحقيق المشروع الصهيوني وتصور اللاسامية في صور شتى حسب الظروف والدوافع وتأخذها بالتحليل في ضوء النظريات العلمية المعاصرة وتجمع في الخيال وتفرط الى حد الهذيان.. ولكنها جميعا تتفق في شيء واحد هو التزامها الخط الذي حددته الصهيونية ولا تحيد عنه.. كما ان اكثر الكتب التي صدرت تدعو الى اللاسامية اما ان تكون مواكبة لهذه الكتب التي تدعو للصهيونية او متأخرة عنها بزمن طويل(123).. فمن اشهر الكتب التي صدرت عن اللاسامية كتاب (انتصار اليهود على الالمان) لمؤلفه (ولهلم مار) عام 1870م وكتاب (فرنسا اليهودية) لمؤلفه (درومنت) الكاتب الفرنسي عام 1886م، وقبله بخمس سنوات كتاب ضد اليهود الفه (درهرينغ) عام 1881م، وكتاب (اساس القرن التاسع عشر) لمؤلفه (كامبيريان) عام 1899م(124).. فنجد تاريخيا ان الصهيونية سابقة لكل هذا النشاط ضد اليهود.. وان حادثة الضابط اليهودي (دريغوس) الذي اتهمته فرنسا بالخيانة والتجسس لحساب المانيا عام 1894م ليست السبب المباشر للحركة الصهيونية كما يصورها اكثر الكتاب الغربيين، بل ان الحركة الصهيونية كانت تعمل (بجد ونشاط) قبل تلك الحادثة بنحو نصف قرن كما ان الجمعيات الصهيونية- المشار اليها سابقا- كانت تعمل بعد تكونها، قبل ذلك بزمن طويل، حتى ان هرتزل كان يعد- مع بعض اتباعه- لعقد اول مؤتمر صهيوني عام 1897 منذ فترة قبل تلك الحادثة.. وقد تكون الاتحاد العالمي لليهود في باريس عام 1860م(125).

وهذا الكاتب الانكليزي( جيمس باركس) في كتابه (اللاسامية) حيث يفهم مما كتبه ان اللاسامية تعني عنده اللاسرائيلية واللاصهيونية وليست اللايهودية كما بدأت فيقول: (ولكن ينبغي ان نبين لبعض الاوربيين في الشرق الاوسط حقيقة الشر الذي يفعلون للعرب بجهلهم وشراستهم اللااسرائيلية التي لا يمكن ان تنفصم عن اللاسامية).. ويضيف باسم (الموضوعية والعلم)- زيفا- ومتهما العرب بمحاولة التفرقة بين اللاسامية واللاصهيونية: (ان محاولة العرب للتفرقة بين اللاسامية واللاصهيونية لن تنجح).. وهو الى جانب هذا يتهم العرب ويصمهم باللاساميين.. وهذا يتفق مع وجهة نظر البروفسيور(بلزر) المحاضر بجامعة اوكسفورد، حيث يقول (ان اللاسامية كانت موجودة ابدا منذ القدم ولكن الظروف التي جدت منذ اواخر القرن التاسع عشر ادت الى ازدياد في هذا العداء للسامية بطريقة اكثر نظاما مستندة على العلم الحديث، وقد عرفت باللاسامية السياسية)(126).

وردا على (جيمس باركس) على اتهامه العرب باللاساميين نقول: يشهد العالم كله ويعترف اليهود انفسهم ان معاملة العرب لليهود في مختلف اقطارهم كانت – وماتزال- مبنية على احترامهم ومنحهم لحقوقهم بشكل لم يعرفوه في تاريخهم كله في اية بقعة اخرى من العالم.. حتى ان منهم بلغ الوزارة في العصور الوسطى في الاندلس وفي مصر وغيرها من الاقطار العربية وفي الثلاثينات من هذا القرن في العراق احتل اليهود مناصب حساسة في الدولة العراقية بعد انشاء اول حكومة اهلية عام 1920، فقد عين ساسون حسقيل- وهو من مشاهير يهود العراق واكثرهم خبرة ودارية، وزيرا للمالية في عدة وزارات متتالية من عشرينات هذا القرن(127).. وقد كانت احوال الطائفة اليهودية في العراق مزدهرة ولم يكن هناك تمييز عنصري ضد اليهود فهم يوجدون في كل مكان، في البرلمان وفي الوظائف وفي الجيش(128)..

وبودنا ان نسأل امثال باركس لم انقلب هذا الوضع واصبحت الاقطار العربية لاسامية على حد تعبيرهم؟ نقول، ان الاقطار العربية لم تعرف اللاسامية بمعنى كراهية اليهود كعنصر الى هذا اليوم، وانما شملها مفهوم اللاسامية بعد ان اصبح يعني اللاصهيونية، فالعرب لا ينكرون انهم ضد الصهيونية، فاذا كانت اللاسامية تعني اللاصهيونية فهم بهذا المعنى لاساميين(129)..

كان كثير من الناس يعتقدون ان اللاسامية سوف تنتهي بانتهاء النازية وهزيمتها، وكان ينبغي ان يحدث هذا، ولكن الصهيونية ارادت للاسامية ان تستمر وابقت عليها بكل الوسائل.. ونجد ان باركس- وهو واحد من اولئك الناس- يرجع عن رايه في اخفاء اللاسامية واخذ يردد منذ عام 1946م ان اللاسامية باقية ما بقي اليهود على هذه الارض.

وقد قال ناحوم كولدمان- رئيس المؤتمر العالمي للصهيونية- في مؤتمر عقد في جنيف عام 1958 فيما نشرته صحيفة النيويورك تايمز تقول: (قائد يهودي – كولدمان- يحذر اليوم ان اضمحلال اللاسامية ربما يشكل خطرا على وجود اليهود)(130).. وحتى تبقى الصهيونية مسؤولة عن اللاسامية يقول بعض الكتاب: (ان اختفاء اللاسامية في معناها التقليدي بالرغم من انه مفيد للوضع السياسية والمادي للجماعات اليهودية الا انه اتى بنتائج سلبية في حياتنا الداخلية) (131)..

ان الحديث عن ان اليهود لا يمكن ان يقبلوا كمواطنين في الدول التي يعيشون فيها، وانهم لا يمكن ان يندمجوا في هذه الشعوب، حديث من مخترعات الصهيونية.. فان التاريخ الحديث والوقائع الثابتة تكذب هذا الزعم.. فاننا نجد اليهود الالمان في الحرب الاولى يحاربون (اخوانهم) اليهود في الجيش الفرنسي، كل يحارب بولاء تام لبلده الذي يعيش فيه ويدافع عنه كواحد من مواطنيه(132)..

ان الصهيونية تحاول- ابدا- ان تحول اللاسامية الى عقيدة راسخة في نفوس اليهود حتى تصبح من الوصايا العشر المقدسة قداسة التنزيل(133).. وليس من فرق بين عقيدة وعقيدة، فان اللاسامية النازية تنبع من نفس الفهم الذي اخذت منه الصهيونية، فاللاسامية النازية تقول باستحالة حياة اليهود مع الشعوب الاخرى احتقارا لليهود، وتدعو اللاسامية الصهيونية الى استحالة حياة اليهود مع الشعوب الاخرى احتقارا لتلك الشعوب.. فأي فرق بين الاثنين سواء في الفكرة او الوسائل.. ان الوسائل التي تستعملها الصهيونية اليوم ضد العرب هي نفس الوسائل التي استعملتها اللاسامية النازية ضد اليهود(134)..

استغلال الصهيونية للاسامية

لقد اصبحت بعض بلدان اوربا تعيش تحت تأثير الدعاية الصهيونية التي ادخلت فيها عقدة اللاسامية، واصبحت تعاني من عقدة الذنب وتحاول ان تكفر عنها بالمال والسلاح وتزييف الحقائق احيانا.. فأي صحيفة او مجلة او كتاب يوجه أي نقد للسياسة الصهيونية يتهم باللاسامية.. وقد كتب الاستاذ ليلينتال، يصف ما يجد الناس من ارهاب في اميركا من الصهيونية واساليب التخويف التي تنتهجها ضد كل من يعترض سياستها: (والمسالة الكبرى عندنا في الولايات المتحدة ان الكثيرين الذين يشكون في النهج الذي نهجته (اسرائيل) والذي شاركت فيه الولايات المتحدة- ان هؤلاء اجبن من ان يفصحوا عن هذه الشكوك)(135).. ويستطرد فيقول عن نفسه: (ان هذا الكاتب لا يمكن ان يقدم كشف الضغوط كاملا من انواع الكبت وضروب التخويف التي تمارس ضد هؤلاء الاميركان لان ضحايا الضغط القومي اليهودي لا ينشرون تجاربهم اما خجلا او خشية). وليست هذه الضغوط قاصرة على الولايات المتحدة بل موجهة الى كل من يتصل بمسألة مايسمى بالشرق الاوسط او القضية الفلسطينية..

وحتى الاوربيون الذين يعملون في الامم المتحدة في حملات الانقاذ الخاصة باللاجئين والذين يتأثرون بما يرون من حالة البؤس والظلم التي يعيش فيها هؤلاء المتشردون فتملي عليهم انسانيتهم وضمائرهم ان يصفوا الحقائق كما شاهدوها في تقرير يكتبونه- ولا يملكون تنفيذ ما ورد فيه- ان هؤلاء معرضون كذلك الى شتى انواع الارهاب من اقلام الكتاب المتواطئين مع الصهيونية(136).

اعيد فاكرر ان كل من تعرض للصهيونية بالنقد رمى باللاسامية.. فمن هؤلاء الذين اتهموا باللاسامية على سبيل المثال لا الحصر: فوليتر، هيجل، وكانت.. وفي هذا العصر وزير خارجية بريطانيا سابقا المستر ببغن والاستاذ توينبي(137).

كما ان الصهيونية لا تفرق بين الاممي واليهودي في استعمالها للاسامية، فكثيرا ما اتهمت بعض اليهود المعارضين للصهيونية باللاسامية وهذا اقوى دليل يساق على ان اللاسامية اصبحت تعني اللاصهيونية ولا شيء غير ذلك.. ويذكر لنا ليلينتال ايضا (ص224): (ان اليهود العراقيين تظاهروا في تل ابيب في تموز عام 1951 احتجاجا على التفرقة التي يجدونها من اليهود الاوربيين الذين مايزالون ينظرون الى اليهود الشرقيين- النازحين من آسيا وافريقيا- مواطنين من الدرجة الثانية، فلما تتابعت الاحتجاجات وقويت هاجم بن غوريون المتظاهرين ووصف ثورتهم باللاسامية الاسرائيلية).. ان تحول اللاسامية الى اللاصهيونية جعل من المستحيل اتباع سياسة خارجية معتدلة ناهيك عن رؤية الحق واتباعه في الولايات المتحدة، وسد الطريق امام كل معارضة للحركة الصهيونية.. فاصبحت حكومات الولايات المتحدة ديمقراطية او جمهورية لا ترى الا ماتراه الصهيونية ولا تأتمر الا باوامرها(138).

ولا غرابة ايضا عندما نجد مؤلف كتاب(دراسات في تاريخ اللاسامية في فرنسا) يعتبر قرارات الامم المتحدة التي تدين الاعتداءات الصهيونية على جنوب لبنان والتي تدين الممارسات الصهيونية ضد المواطنين العرب- والتي اعتبرت الصهيونية حركة عنصرية، قرارات ذات اهداف وغايات لا سامية(139).

ومن المفاهيم الاخرى التي يطرحها الكتاب الغربيون المؤيدون او المتعاطفون مع الصهيونية، ما طالعنا به (بلزر)، فقد اصدر عام 1964 كتابا عن نشأة اللاسامية في المانيا، وقدم له بقوله: (لقد حاولت ان ابين في هذا الكتاب ان اللاسامية الحديثة تختلف عن كل الانفجارات السابقة ضد اليهود.. انها وليدة ظروف لم تكن موجودة قبل اواخر القرن التاسع عشر لانه قد اصبح ممكنا في ذلك الوقت ان تنظم حركات قائمة اساسا او جزئيا على اللاسامية، وان تجعل اللاسامية جزء من افكار متناسقة والحق ان لفظ اللاسامية نفسه- في محاولته ان يفيد من العلم- ظهر اول ماظهر عام 1878)(140).. والملاحظ على هذا القول ان بلزر يبدأ باراء محددة مسبقة على الرغم (من محاولته ان يظهر عكس مايضمر).. فانه اللاسامية كانت موجودة ابدا منذ القدم ولكن الظروف التي جدت منذ اواخر القرن التاسع عشر ادت الى تصاعد العداء للسامية باساليب اكثر نظاما واكثر استنادا الى العالم الحديث.. وقد عرفت باللاسامية السياسية- كما ذكر سابقا- وهذا مايقبل به جميع مفكري الصهيونية منذ موسى هيس وحتى حاييم وايزمان.

ولما كان شأن هذا الكاتب- شأن المتعاطفين مع الصهيونية- فانه لم يذكر كل الظروف التي اشار اليها ولم يتحدث عن الطريق الاخر الذي سعى لازدياد وتصاعد هذا العداء وبعثه بذلها بعض اليهود للانصهار في الحضارات الغربية او الشرقية التي وجدوا انفسهم فيها.. ولم يتطرق الى مسؤولية اليهود والصهيونية بصفة خاصة في ازدياد هذا العداء منذ اواخر القرن 19 والى وقتنا هذا، وقد اعترف بها بعض اليهود.. ثم تغافل دور الحركة الصهيونية التي عملت على تنشيط اللاسامية واستعانت بالعلم الحديث واقامت النظريات عليها تلبسها خلعا جديدا، وتصبها قوالب حسب الظروف وتصورها شبحا مخيفا يهدد العلم(141).

ويتحدث بلزر عن الصراع بين اليهود والاوربيين في وسط اوربا قائلا: (انها ليست من نوع اللاسامية التي تتخذ وسيلة لغاية، ليست من اجل ان تكسب خطوة في لعبة سياسية، ولكنها غاية في حد ذاتها)(142)..

وهذه مغالطة وتمويه يرفضه العقل وتكذبه الوثائق لان اللاسامية كانت وسيلة في ايدي النازيين الذين ارادوا تسلم السلطة في المانيا، واقاموا دعايتهم عليها كوسيلة سياسية، وان اللاسامية بعد هزيمة النازية تحولت الى وسيلة سياسية في ايدي الصهاينة كوسيلة في اللعبة السياسية التي يلعبونها على العالم وما تزال من اهم الوسائل في يدهم حتى وقتنا الحاضر (143).

واللاسامية تعني اشياء متعددة في قاموس الاستاذ بلزر كما تعددت معانيها عند باركس وغيره من هؤلاء الكتاب الذين يكتبون باسم العلم.. فاذا ثار العمال في المانيا محتجين على الراسمالية اليهودية واحتكار عدد من اليهود للاقتصاد، تسمى هذه الحركة- على تعبيره- اللاسامية الاقتصادية امعانا في التمويه واللعب بالالفاظ(144).. ويعرف بلزر اللاسامية في موضع اخر من كتابه فيقول: (ان اللاراسمالية على اية حال من اقدم والزم انواع اللاسامية).. وايا ما قصده في هذا التعبير فان وضع امام العالم الراسمالي الغربي شبح هذا الخطر بهدف تخويفه.. ومن المعاني التي اضافها بلزر اللاسامية: السادية، النهلية، اللالبرالية، وهي في التحليل النهائي رفض لكل القيم التي عرفتها الحضارة الغربية(145)، فهو يقول: (من اجل ذلك يكون صحيحا ان تقول ان اللاسامية ترفض كل القيم في الحضارة الغربية).
















الهوامش

1- الكتاب المقدس- أي كتب العهد القديم والعهد الجديد (النسخة العربية) 1953.

2- الدكتور ريمي كمال- دروس اللغة العبرية- الطبعة الرابعة- مطبعة جامعة دمشق- 1966.

3- عبدالوهاب كيالي- المطامع الصهيونية التوسعية- مركز الابحاث- بيروت- 1966.

4- غسان كنفاني- الادب الصهيوني- مركز الابحاث- بيروت- 1967.

5- اسعد عبدالرحمن- المنظمة الصهيونية العالمية، تنظيمها واعمالها (1897-1948)- مركز الابحاث-بيروت- 1967.

6- الدكتور ابراهيم الحاردلو- الصهيونية وعداء السامية- قسم التأليف والنشر، جامعة الخرطوم، 1970.

7- الفكرة الصهيونية- النصوص الاساسية- تأليف ارثر هيرنزبرج- اشراف الدكتور انيس صايغ، ترجمة لطفي العابد وموسى عنز، تعريف الدكتور اسعد رزوق ومراجعة: هلدا شعبان صايغ وابراهيم العابد- مركز الابحاث- بيروت- 1970.

8- الدكتور احمد سوسة- العرب واليهود في التاريخ- الطبعة الثانية- العربي للاعلان والنشر والطباعة.

9- هاني الهندي- حول الصهيونية واسرائيل- دار الطليعة- بيروت- 1971.

01- د. ابراهيم البحراوي- الادب الصهيوني بين حربين، حزيران 1967- تشرين 1973، المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الاولى- 1977.

11- د. عبدالوهاب المسيري- نهاية التاريخ، دراسة في بنية الفكر الصهيوني- المؤسسة العربية للدراسات والنشر- بيروت- الطبعة الاولى 1979.

21- صادق حسن السوداني- النشاط الصهيوني في العراق، 1914-1952- دار الرشيد للنشر منشورات وزارة الثقافة والاعلام العراقية، 1980.

31- عبدالوهاب محمد الجبوري- جريدة (الجمهورية) الصادرة في بغداد 24-6-1980 عندراسة (اللاسامية في الفكر الصهيوني- الجذور التاريخية والاهداف).

ومن المصادر العبرية

41- نفتالي ايلاتي- دراسات في تاريخ اللاسامية في فرنسا- فلسطين المحتلة، دار موريشت- 1980 (ترجم الكاتب بعضا من فصوله من العبرية الى العربية).

51- مجموعة من الصحف والمجلات الصهيونية باللغة العبرية، منها (هاعولام هازيه)، (معاريف) و(دافار) الصادرة خلال الاعوام 1976-1977-1978-1979-1980.

الهوامش:

(1) د. ربحي كمال- دروس اللغة العبرية- مطبعة جامعة دمشق 1966- ص(5)

(2) المصدر السابق- ص (5)

(3) د. احمد سوسة- العرب واليهود في التاريخ- ص 183

(4) التكوين 9: 25-27

(5) سوسة- المصدر السابق- ص183

(6) المصدر السابق- ص 183

(7) امثال (الاستاذ او المستبد) الخبير في تاريخ فلسطين القديم و(الاستاذ ووترمن) من الذين لم استطع الحصول على التراجم العربية لكتبهم مما اضطرني الامر الى الاستفادة مما اورده العلماء العرب في مؤلفاتهم عن ارائهم وتصريحاتهم واقوالهم والاستشهاد بها مع الاشارة الى مصدرها العربي حينا ودون الاشارة الى ذلك حينا اخر حسبما يتطلب سياق البحث والاكتفاء بالاشارة الى المصدر الاجنبي.. وقد نوهت الى هذه النقطة حفظا للامانة العلمية واحتراما لها ومراعاة لمنهج البحث العلمي.

(8) سوسة. المصدر السابق- ص 219

(9) المصدر السابق- ص 220

(01) المصدر السابق- ص 220

(11) المصدر السابق- ص 223

(21) والذي اود اضافته هنا- زيادة على ماجاء في القسم الاول من هذا الفصل- هو راي عالم اخر من علماء الغرب في طبيعة التقسيم الوارد في سفر التكوين.. يقول الاستاذ (وليام رايت): (ان هذا التقسيم الوارد في سفر التكوين لم يكن قائما على علم الاجناس او الجغرافيا، وانما كان معتمدا على التاريخ السياسي والحضاري كما فهمه اليهود في ذلك الوقت) ويتساءل الاستاذ: ( كيف اذن يمكن ان نفسر ذكر الفينيقيين والكنعانيين من ابناء حام) ( وقد عاش الفينيقيون والكنعانيون في تلك البلاد قبل اليهود، وانشاوا فيها حضارة ولغة تأثرت بها اكثر القبائل المهاجرة اليهم، ومن بين تلك القبائل اليهود انفسهم.. ولو فرضنا ان ذلك التقسيم كان صحيحا فان لفظ سام كان يعني العرب واليهود وغيرهم من ابناء سام بن نوح ولم يكن وقفا على اليهود دون سواهم).

(31) د. ابراهيم الحاردلو- جامعة الخرطوم- ص6 (الصهيونية وعداء السامية)

(41) المصدر السابق – ص 7

(51) المصدر السابق- ص 7

( * ) الكاتب لا يتفق والدكتور الحاردلو من ان اليهود جميعا صهاينة ولا اجد ضرورة هنا للخوض في تفاصيل هذا الموضوع.

(61) المصدر السابق- ص8

(71) المصدر السابق- ص 9

(81) آرثر هيرتزبرج- الفكرة الصهيونية، النصوص الاساسية- الترجمة العربية- اصدار مركز الابحاث- بيروت ترجمة لطفي العابد وموسى غز، ص19

(91) اسعد عبدالرحمن- المنظمة الصهيونية العالمية- مركز الابحاث بيروت- ص17

(02) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص21

( * ) مفكر اجتماعي الماني وصهيوني ويكتب اسمه احيانا هيز وهيس، لذا اقتضت الامانة العلمية التنويه الى هذا

(12) المصدر السابق- ص21 وما بعدها

(22) المصدر السابق- ص21 وما بعدها

(32) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص17

(42) المصدر السابق- ص18

(52) المصدر السابق- ص18

(62) هيرنزابرج المصدر السابق- ص21

(72) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص 18

(82) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص 20

(92) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص18

(03) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص20

(13) المصدر السابق- ص 20

(23) المصدر السابق- ص 20

(33) المصدر السابق- ص20

(43) المصدر السابق- ص20

(53) المصدر السابق- ص20

(63) المصدر السابق- ص20

(73) نقل هذا الدكتور ابراهيم الحاردلو في كتبه (الصهيونية وعداء السامية)-ص 9

(83) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص19

(93) المصدر السابق- ص 19

(04) المصدر السابق- ص 19

(14) المصدر السابق- ص19

(24) حاردلو- المصدر السابق- ص10

(34) المصدر السابق- ص10

(44) كتابه (روما والقدس) في هيرتزبرج- الفكرة الصهيونية- ص1 وبعدها

(54) حاردلو- المصدر السابق- ص10

( * ) طبيب روسي وزعيم صهيوني

(64) هيرنزبرج- المصدر السابق- 79

(74) المصدر السابق- 79

(84) المصدر السابق- 79

(94) المصدر السابق- 79

(05) المصدر السابق- 79

(15) المصدر السابق- ص79

(25) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص19

(35) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص79

(45) المصدر السابق- ص79

(55) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص19

(65) المصدر السابق- ص19

(75) يمكن الرجوع الى النص الكامل لكراس(التحرر الذاتي) مترجما الى العربية في كتاب الفكرة الصهيونية- النصوص الاساسية- ترجمة لطفي العابد وموسى عنز- اصدار مركز الابحاث- بيروت- الصفحة 80 وما بعدها.

(85) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص80

(95) هيرتزبرج-المصدر السابق- ص 80

(06) هيرتزبرج-المصدر السابق- ص 80

(16) هيرتزبرج-المصدر السابق- ص 80

(26) يشير كتاب- الفكرة الصهيونية- ص80 الى هذه الصرخة فيقول: ( هي الصرخة التي استعملت ضد اليهود ابان الحركة اللاسامية في المانيا عام 1819.. ويظن، وان لم يكن مؤكدا تماما، بانها اختصار ثلاث كلمات لاتينية تعني: قد ضاعت القدس).

(36) يشير كتاب- الفكرة الصهيونية- 89 الى هذه النقطة بما يلي (الاشارة هنا هي الى بدء الحركة اللاسامية في المانيا وتأليف حزب سياسي(1879) كان يعتمد اساسا على هذه الفكرة، يتزعمها واعظ الكنيسة ادولف ستوكر، والى الحركة المماثلة التي قامت ولكن بدرجة اخف في المجر والى المذابح التي كانت في (1860) في رومانيا والتي اوقفتها الحكومة بالوعد الذي قدمته في مؤتمر برلين (1878) بمنح اليهود حق المساواة وبالطبع الى مذابح روسيا التي كانت الدوافع الرئيسي لكتابات بنسكر).

(46) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص14

(56) هيرتزبرج- المصدر السابق- ص12

(66) المصدر السابق- ص13

(76) المصدر السابق- ص13

(86) المصدر السابق- ص13

(96) عبدالرحمن- المصدر السابق- ص15

(07) هيرتزبرج- المصدر السابق- انظر خلاصة(البحث عن صهيون) في النسخة العربية من (الفكرة الصهيونية)- ص14 وما بعدها.

(17) المصدر السابق- ص9

(27) المصدر السابق- ص9

(37) المصدر السابق- ص9

(47) المصدر السابق- ص9 ما وبعدها

(57) المصدر السابق- ص11

(67) المصدر السابق- ص11

(77) المصدر السابق- ص10

( * ) لما كانت ظاهرة اللاسامية تكاد تكون مترافقة في النشوء وتطور الحركة الصهيونية بمرحلتيها، الاولى _حيث مرت بطور التكوين الفكري قبل عام 1897) والثانية( حيث اتخذت شكلها التنظيمي بعد عام 1897 واصبح لديها اداة تعمل بشكل دائب ومستمر لتحقيق غايات هذه الحركة كما رسمها المؤتمر الصهيوني الاول) فمن الطبيعي ان يكون الحديث عن نشاة الصهيونية، ومع ذلك فقد راى الكاتب ان يعمل- قدر الامكان- ولغرض التخصيص، على فصل هذا التداخل والاقتصار على الحديث عن هذه الظاهرة دون الخوض في التفصيلات المتعلقة بالحركة الصهيونية وما رافقها من تطورات واحداث ومتغيرات خلال مراحل نشوئها وتطورها، لان مجال هذا البحث لا يتسع لهذه الناحية اولا، ولا يعني هذا ايضا انه حاول بهذا العمل وضع حاجز فاصل بين الصهيونية واحدى اهم ظواهرها- اللاسامية- ثانيا، ولان هناك فصلا رابعا يبحث في العلاقة العامة بين الصهيونية واللاسامية ثالثا لذا اقتضت الضرورة هذا التنويه.

(87) دوف بارنر- من الفكر الصهيوني- ص59، نقله هاني الهندي- حول الصهيونية واسرائيل، دار الطليعة- بيروت- ص17.

(97) المصدر السابق- ص17

(08) نقله عبدالوهاب كيالي- المطامع الصهيونية التوسعية- مركز الابحاث، ص12.

(18) المصدر السابق- ص12.

(28) المصدر السابق- ص13

(38) هاني الهندي- حول الصهيونية واسرائيل- ص18.

(48) المصدر السابق- ص 19

(58) المصدر السابق- ص20.

(68) المصدر السابق- ص20.

(78) المصدر السابق- ص 20.

(88) الهندي-المصدر السابق-ص 25، نقلا عن ابراهام ليون- المفهوم المادي للمسألة اليهودية، ص179.

(98) المصدر السابق- ص 26، نقلا عن ابراهام ليون- ص 151.

(09) المصدر السابق- ص 27، نقلا عن تاريخ اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية0 موسكو- ص (121-124).

(19) المصدر السابق- ص27.

(29) المصدر السابق- ص28 نقلا عن- المصدر ذاته- ص (146-147).

(39) المصدر السابق- ص28 نقلا عن ابراهام ليون: المفهوم المادي ص 163.

(49) المصدر السابق- ص29.

(59) انظر الفصل الثاني من هذا البحث.

(69) نقله د. عبدالوهاب كيالي- المصدر السابق- ص14.

(79) هيرتزل- ص 28- 30، نقله كيالي- المصدر السابق- ص 19.

(89) انظر الفصل الثاني.

(99) كيالي- المصدر السابق- ص17.

(100)هندي- المصدر السابق- ص29.

(101)المصدر السابق- ص29-30.

(102)المصدر السابق- ص 30.

(103)هنا اشير الى المعارضة الواسعة النطاق التي واجهتها الصيهونية في صفوف اليهود انفسهم في كل مكان.. وقد نقل لنا الدكتور عبدالوهاب الكيالي في (المطامع الصهيونية التوسعية) ص20-21 ما فصله البروفسور هانز كوهين، في مقالة عن الصهيونية في (دائرة المعارف اليهودية)، الاتجاهات المعارضة للصهيونية في صفوف اليهود وقسمها الى فئات ثلاث:

1- فئة الاندماجيين: وهي فئة ترى ان اليهودية ديانة كغيرها من الديانات وبالتالي لا علاقة لها بقومية معينة او حركة عنصرية، وان ولاء اليهودي من الناحية السياسية يجب ان يكون للادلة التي ينتمي اليها وللمجتمع الذي يعيش فيه..

2- فئة المطالبين بالقومية اليهودية في المنفى: وهي الفئة التي تنادي بضرورة تكتل اليهود حيثما وجدوا على اساس انهم اقلية قومية في المجتمع الذي يعيشون فيه...

3- اما الفئة الثالثة فهي الفئة التي تقول بأن العودة الى فلسطين هي عودة دينية ولا تتم الا بمشيئة ربانية بموجب الوقانين والتعاليم الدينية.

ومهما يكن من امر ضعف انتشار الفكرة الصهيونية في صفوف اليهود قبل عام 1897- كما يقول الدكتور عبدالوهاب الكيالي- فان اعلان الفكرة القومية اليهودية بشكل محدد واضح المعالم في مؤتمر بال واعتماد العمل التنظيمي الشامل والعمل المرتابط الجاد من اجل تنفيذ المخطط الذي وضعهه المؤتمر الصهيوني الاول مكن الصهاينة من احراز صفة الاقلية الناشطة النافذة في فترة وجيزة جدا.

(4. 1) في روسيا القيصرية قامت منظمة صهيونية قوية باسم(حسبديم) كانت تنادي بوجوب التمسك بمبادئ الدين اليهودي والتقاليد اليهودية ومقاطعة المدارس الروسية واعتبار من يخالف ذلك خارجا على دينه.. وكما يذكر هاني الهندي ومحسن ابراهيم في كتابهما (اسرائيل- فكرة حركة دولة) ص(38) فان (جمعية محبي العبرية) التي اتخذت طابعا ادبيا في البداية قد تحولت فيما بعد الى حركة سياسية نشيطة هي (جمعية محبي صهيون) التي سرعان ما انتشرت في كافة اوساط اليهود في اوربا الشرقية ولم تكن هذه الجمعية الهيئة الوحيدة العاملة في اوربا الشرقية فلقد كانت هناك جماعات ومنظمات صغيرة اخرى عاملة في تأكيد الخط الصهيوني (العودة الى صهيون) مثل جمعية (ابناء موسى) الذين بنوا مستعمرة لاحربون، وجمعية (كاديما)- أي الى الامام- اما الهدف المشترك لهذه الجمعيات فقد كان دعم حركة الاستيطان الصهيوني في فلسطين عبر تشجيع الهجرة الى (الاراضي المقدسة) وعبر تقديم المساعدة المالية والمعنوية- كما يشير الى هذا، هربرت بارزن، في (تاريخ مختصر للصهيونية)(ص25).. وكانت حصيلة ذلك كله اقامة المستعمرات الصهيونية الاولى في فلسطين (بتاح مكفا- ريشون ليتسبون- روش الصهيونية.

بيناه- زخرون يا اكوف والجديره) في مطلع الثمانيات من القرن التاسع عشر.. اما اهم انجازات هذه الجمعيات للصهيونية فقد تمثلت في نشر فكر بحث اليهود على استيطان فلسطين، وتحقيقها لموجة الهجرة (المسماة (المالية)) الاولى التي بدأت تنقل فكرة(الوطن القومي) من حيز الافكار الى حيز الواقع..

(*) باختصار فان حالة يهود اوربا بدأت تتأثر بالحركات الثقافية التي كانت تكتسح اوربا منطلقة من غرب القارة مرورا بوسطها وانتهاء بشرفها.. وعن دور (الاستنارة) يقول اسعد عبدالرحمن في (المنظمة الصهيونية العالمية)(ص 10): (اما عصر الاستنارة الذي بدأ يكون لنفسه مجرى في الحقب الاخيرة من القرن 18، فقد كانت له اثار بعيدة على حياة يهود اوربا.. فموسى مندلسون اقترن اسمه( بالاستنارة) اليهودية لانه ايقظ الجوانب العلمانية بين اليهود وكان مؤسسا لحركة (الهاسكالاة) (أي الاستنارة- او التنوير) التي بذلت جهودها من اجل نشر الفكرة العلمانية بين اليهود) وقد كانت غالبية يهود العالم القاطنة في اوربا الشرقية- آنذاك- لاتزال تعاني من سياسة التمييز الاوربية ضد اليهود، وقد تعرضت عملية تحرير يهود روسيا الى انتكاسه في اعقاب اغتيال الامبراطور الكسندر الثاني عام 1881- كما سبق ذكره- فكان ان بدأت موجة من الاعمال الموجهة ضد اليهود سميت عندئذ باللاسامية.. وجنبا الى جنب مع قول الاستنارة كانت (الظاهرة) القومية قد انتشرت في اوربا.. وبدأ الشعور (القومي اليهودي) بحكم كونه (متفرعا عن الاتجاه القومي العام في اوربا) يظهر في العقود الاخيرة من القرن 19.. وبالاضافة الى كون قوى (الاستنارة) قد وجهت ضربة قاضية لنظام الحارات اليهودية (الغيتوات) بما ولدته من موجة تحريرية، فان هذه القوى ايضا فتحت الباب على مصراعيه امام اليهود للاحتكاك المباشر مع المجتمعات الاوربية.. وما ان حصل التماس بين المجموعات اليهودية والمجتمعات الاوربية، حتى طغت على السطح الفروقات العميقة بين الجهتين سواء اكان ذلك على الصعيد الاجتماعي او اللغوي او الاقتصادي.. هذا وقد ساهمت الحركات القومية الاوربية في تعميق هذه الخلافات بتاكيدها.

على توصياتها الخاصة، وبتسليطها الضوء على المجموعات اليهودية في اوربه كمجموعات من الغرباء.. وحين وجد اليهود ان قوى (الاستنارة) اعطت نتائج عكسية تمثلت في ازدياد اللاسامية، ظهرت في اوساطهم ردود فعل متعددة بهدف ايجاد حل (للمشكلة اليهودية) التي بدأتا تعقيداتها تتفاقم.. اما اهم ردود الفعل هذه فقد حصرها (عبدالرحمن- المنظمة الصهيونية)(ص 12-14) نقلا عن (التاريخ والمجتمع اليهودي)، انسيكلوبيديا اميركانا، طبعة عام 1963، المجلد 16،ص 82، 107) بما يلي:

1- التدين وانتظار المخلص: آمن اصحاب هذا الاتجاه بان خلاص اليهود بن ياتي عبر جهد طبيعي او انساني.. وان المخرج من مشاكلهم لابد وان يكون على ايدي الاله، بواسطة(المخلص) (المسيح المنتظر) الذي ستحدث المعجزة على يديه، وعندها فقط يرتاح اليهود من مشاكل التي تعترضهم..

2- الذوبان في المجتمعات، الاندماج: اعتقد بعض اليهود انه طالما ان يهود العالم يصرون على التمسك بالتقاليد والمجتمعات اليهودية لن تكون هناك نهاية لمعاناتهم.. واضاف هؤلاء ان حل (المسألة اليهودية) يكمن في انصهار المجموعات اليهودية وذوبانها في المجموعات الاوربية..

3- الهجرة: دعا اصحاب هذا الحل الى الخلاص من المشاكل بواسطة الهرب منها.. ولهذا فقد هاجر بعض اليهود من اوربة الشرقية الى اوربة الغربية او من اوربة بشكل عام الى الولايات المتحدة واميركة الجنوبية وفلسطين..

4- الاستيطان (الاستعمار) غير السياسي: اصل هذا الاتجاه الحوافز الخيرية التي كانت تدعم تبرعات ومساعدات يقدمها بعض اثريا اليهود مثل البارون دي روتشيلد والبارون موريس دي حيرش، وهذا الاخير هو الذي انشأ الجمعية اليهودية للاستيطان (الاستعمار) في عام 1891 لخدمة هذه الاهداف..

5- الثورة- الا ان بعض اليهود اعتبروا ان كل ما يعانونه من اضطهاد ومشاكل ينبع من الاوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية القائمة في اوربة.. وانه اذا مانسقت هذه الاوضاع فان ذلك سيؤدي حتما الى تحرير اليهود.. وكترجمة عملية لاقتناعات هذا الفريق بدأ انصاره بالانضمام الى الاحزاب الشيوعية والثورية معلنه الحرب على المفهوم القومي، عاملين في سبيل اقامة المجمع المتجانس.. اما المعتدلون بين هؤلاء فقد اكدوا بان انتصار الديمقراطية عبر تغير الحكومات وسيادة النظم الدستورية والبرلمانية سيخلص اليهود من اوضاعهم السيئة ومآسيهم..

6- القومية: لقد كان للموجة اللاسامية في اوربا اثر في زيادة التحليل السياسي عند اليهود هذا التحلحل السياسي وخاصة في عصر القوميات زاد (الوعي العرقي والثقافي) بين اليهود بحيث كانت حصيلته فكراً سياسياً بدأ بالانتشار في اوساط اليهود واما مدرسة الفكر القومي الجديدة هذه فقد رفضت الحلول المشار اليها اعلاه على اساس انها حلول عاجزة بشكل الافرادي او الجماعي عن ان تقدم حلا نهائيا للمشكلة اليهودية، وقد قدمت هذه المدرسة حلا صهيونيا هاجم حلول التدين والاندماج والهجرة والاستيطان غير السياسي والثورة ويمكن الرجوع الى الخطوط الرئيسية لفكر هذه المدرسة الجديدة عبر الافكار التي طرحها المفكرون الصهاينة المشار اليهم في الفصل الثاني وهم: كاليشر وموسى هيس، وينسكر وهرتزل.

(105) الهندي المصدر السابق ص39.

(106) المصدر السابق ص 39.

(107) المصدر السابق ص39.

(108) المصدر السابق ص40.

(109) المصدر السابق ص40.

(110) د. عبدالوهاب المسيري، نهاية التاريخ- دراسة في بنية الفكر الصهيوني، ص97.

(111) المسكيليم: جماعة الاستنارة او التنوير بقيادة موسى مندلسون.

(112) المصدر السابق- ص98.

(113) المصدر السابق- ص98.

(114) نقله المصدر السابق- ص98.

(115) ارثر هرتزبرجح- الفكرة الصهيونية- المصدر السابق- ص47.

(116) نقله المسيري- المصدر السابق- ص99.

(117) عبدالوهاب محمد الجبوري- جريدة (الجمهورية) في دراسة تحت عنوان (اللاسامية في الفكر الصهيونية) الجذور التاريخية والاهداف –24-6-1980، ص3

(118) المصدر السابق- ص3

(119) المصدر السابق – ص3

(120) حاردلو. المصدر السابق –ص 22

(121) المصدر السابق- ص 22

(122) المصدر السابق- ص 22

(123) المصدر السابق- ص 23

(124) المصدر السابق- ص23

(125) المصدر السابق- ص23

(126) المصدر السابق- ص19

(127) صادق السوداني، النشاط الصهيوني في العراق 1914-1952، بغداد- ص21

(128) المصدر السابق- ص20

(129) حاردلو- المصدر السابق= ص15

(130) نقله – حاردلو- المصدر السابق- ص24

(131) أ. ليلنتال- الوجه الاخر للمسألة- نيويورك 1965، ص 183

(132) حاردلو- المصدر السابق- ص 25

(133) ليلنتال- المصدر السابق- ص175

(134) حاردلو- المصدر السابق- ص25

(135) ليلينال، المصدر السابق- نقله حاردلو- المصدر ذاته- ص26.

(136) حاردلو، المصدر السابق- ص27.

(137) المصدر السابق – ص27

(138) المصدر السابق- ص 28

(139) الجبوري- المصدر السابق- ص3.

(140) نقله حاردلو- المصدر السابق- ص 18.

(141) المصدر السابق- ص19

(142) نقله حاردلو- المصدر السابق- ص19

(143) المصدر السابق- ص20

(144) المصدر السابق- ص21

(145) المصدر السابق- ص21

صدر من الموسوعة الصغيرة

101 - الصراع الفكري عند الجاحظ. تاليف د. الياس فرح

102- القنبلة النيوترونية. تأليف محمد عبداللطيف مطلب

103- لمحات من البطولة العربية في شعر الحرب. تأليف غانم جواد رضا

104- الكحول وجسم الانسان. تأليف د. اميرة عبدالستار البيروتي

105- العربية تواجه العصر. تأليف د. ابراهيم السامرائي

106- الوقود النووي تأليف د. نعمان النعيمي

107- افلام الرسوم المتحركة والدمى. تأليف رضا الطيار

108- مدينة بغداد. تاليف د. خالص الاشعث

109- مبيدات الحشرات. تأليف د. جليل ابو الحب

110- الجاحظ. تأليف د. وديعة طه النجم.

111- الجزري رائد الميكانيك التطبيقي العربي. تأليف ماجد عبدالله الشمس

112- حروف الاضافة في الاساليب العربية. تأليف يوسف نمر ذياب

113- الغذاء والتطور العلمي للتغذية. تأليف محمد عبد السعيدي وحميد مجيد العبيدي

114- الاشعاع في حياتنا. تأليف عبدالرسول مهدي عبره

115- شعر الحرب في عصر الرسالة. تأليف د. نوري حمودي القيس

116- البحث البلاغي عن العرب. تأليف د. احمد مطلوب

117- الصناعات النفطية في العراق تأليف د. محمد ازهر سعيد السماك

118- اثر الف ليلة وليلة في الاداب الاوربية. تأليف عبدالجبار محمود السامرائي.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف