أوراق إصلاح منظومة التربية والتكوين- رؤية من الداخل
2- البحث العلمي المعطل
بالتأكيد إن لدينا بحثا تربويا في المغرب، ولنا باحثون وكتابا من الطراز الرفيع، وبعد أن لم تكن لنا مراكز للتكوين التربوي باتت لدينا وانتسب إليها آلاف من أطر التربية والتكوين. هي مؤشرات وغيرها دالة على أن تطورا تربويا عرفه المغرب في العقود الأخيرة، ولعل ذلك ما كان دافعا في وقت ما إلى إحداث كلية علوم التربية، غير أنه ومع ذلك هل لدينا سياسة للبحث التربوي؟
بقدر ما لدينا باحثين كبارا بقدر ما ليست لدينا سياسة للبحث التربوي. فلقد عطلت كلية علوم التربية أو تكاد وافتقرت المراكز والمعاهد التربوية إلى نقلة نوعية في علاقتها بالبحث العلمي الجنيني الذي يشتغل عليه الطلبة المتدربون، ولم تبذل أية مجهودات لاستثمار تلك الأعمال وتبني مشاريع في هذا الإطار، وجل الخريجين تنتهي علاقتهم بالبحث بمجرد انتهائهم من سنة أو سنوات التكوين، ولا وجود لنقاش حول كيفية تفادي هذا الانقطاع وذلك الهدر الكبير للطاقات…
لا شك أن هناك أعمال تنجز من قبل اللجنة المشرفة على تتبع تنفيذ مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ولهاته الأخيرة خبراؤها الذين تلجأ إليهم وتصدر تقارير معروفة، كما أن هناك أعمالا تنجز من قبل الوزارة الوصية على التربية والتكوين على شكل تقارير أو تكليف باحثين بالاشراف على تدبير ملف ما أو غير ذلك من الاعمال المعروفة ايضا. ولكن هل يستحق هذا أن يسمى سياسة للبحث التربوي؟ وحتى متابعة البرلمان الموقر للشأن التربوي التكويني من خلال الكم الهائل من الأسئلة التي تطرح في هذا الصدد أو ذاك، لا يظهر من خلال النظر إليها مجتمعة وحسب تصنيف أولي للموضوعات التي تطرقها أو المنهجية التي تطرح بها، وجود لتصورات ذات طبيعة شمولية في الطرح وتحليل في المنهجية او تصب في أطر استراتيجية لها ما قبلها وما بعدها.
لقد استهلك نموذج القول في منظومة التربية والتكوين بناء فقط على التقارير التي تنتجها اجتماعات تدبير اليومي في مكاتب بيروقراطية أو قاعات ولقاءات استعراضية. ولم يستهلك هذا النموذج فحسب بل لم يكن له من مبرر للوجود أصلا، ففي هذه المرحلة من مراحل تطور مغرب ما بعد الاستقلال كان من المفروض أن تكون لدينا تقاليد عريقة في البحث العلمي عموما والبحث التربوي خصوصا.
كيف يعقل، إذن، والحال هذه أن نصف ما يجري في المنظومة التربوية بالاصلاح؟ هل يستطيع أحد أن يزعم أن الاصلاح جاء نتيجة تراكم دراسات علمية وهو ثمرة إنجازاتها وتطورها الطبيعي؟ هل يستطيع أحد أن ينكر أن دينامية الاصلاح بمساره الحالي ومظاهره البادية للعيان في المؤسسات والفضاءات التربوية التكوينية إنما هي نتاج لتقرير البنك الدولي الشهير؟ هل يدعي أحد القدرة على المرافعة باسم المنهاج التربوي المعيش اليوم على أنه بنية نسقية معروفة المعالم وواضحة العلاقات فيما بين مكوناتها؟ هل يزعم أحد أن لديه آليات علمية للمتابعة والتقييم، أو حتى يملك الإرادة الايجابية بما يكفي في هذا الاطار؟
لا نستطيع إذن أن نسلم بمسمى إصلاح طالما ليست لدينا الآلة العلمية الكفيلة بالتعريف الدقيق للمصطلح عبر مختلف لحظات تمظهره عبر مسارات التشخيص والتخطيط وتقييم التنفيذ. إن فقدان الاصلاح إذن للتغطية العلمية الضرورية يجعلنا في وضعية حرجة أمام الواقع المليئ بالمتاهات وضبابية في الفهم وبالتالي في القرارات والأحكام…
كنا نظن أن تسارع الأحداث والاكراهات التي تحف باتخاذ القرارات قد تكون منعت من إيلاء الاهتمام الكافي لبناء سياسة رصينة في مجال البحث التربوي وأن الانتقال إلى النصف الثاني من عشرية الاصلاح سيكون مناسبة لتدارك هذا النقص الفظيع وإضاءة تلك العتمة المخيفة، خاصة بعد توحيد الوزارات المعنية، غير أن الأمور لا تزداد إلا تنكرا للبحث العلمي وإمعانا في تعطيله. فلا شيئ في الافق يظهر بصيصا من الأمل في هذا الإطار، وحتى اللآكاديميات كمثال بسيط لا تكلف نفسها إلا ميزانية رمزية لهذا الغرض وإنفاقها يشمل ما لا يمكن إدراجه ضمن مجال البحث العلمي بتاتا، فضلا عن الحديث عن سياسة واضحة المعالم!؟
نخلص من هذا الكلام الذي لا يقصد منه تعتيم الصورة ولكن قراءة الامور كما هي في الواقع، إلى أن أهم سمات الاصلاح الحالي للمنظومة التربوية احتفظ بأهم سمات الاصلاحات السابقة وهي سمة تهميش بل تعطيل البحث العلمي التربوي. وهو بذلك لم يصلح أهم عطب ظلت المنظومة التربوية تعاني من تبعاته ويشل من طاقاتها ويحد من فعاليتها.
كيف يعقل هذا وقد تعاقب على الوزارة الوصية أساتذة باحثون؟! إننا أمام وضعية غريبة حقا؟! ولقد طرح سؤال على الوزير الحالي من قبل فعاليات المجتمع المدني، بمناسبة لقائه معهم على هامش انعقاد إحدى دورات المجلس الاداري للاكاديمية بالجهة الشرقية حول هذا الموضوع على الشكل التالي: هل للوزارة استراتيجية في مجال البحث العلمي التربوي؟ ولم يجب في حينها عن السؤال؟!
طبعا ليس مجال تنشيط البحث العلمي التربوي حكرا على المؤسسة الوصية، وإن كان لها حظ وافر من المسؤولية، ولكنه أيضا يعني من بين من يعنيهم فعاليات المجتمع المدني. ودون الدخول في متاهات تحليل مفهوم المجتمع المدني لنقتصر على التعريف التبسيطي ولنقل إن المغرب عرف تزايدا ملحوظا في عدد الجمعيات ذات الميولات المختلفة والاهتمامات المتباينة وكثير منها يشتغل في حقل التربية والتكوين فهل تعير في مجمل الأمر اهتماما كافيا للاستثمار في البحث العلمي التربوي الكفيل بتمكينها من آليات فعالة في مجال اشتغالها؟!
إن قضية البحث العلمي عموما ليست قضية المؤسسة وحدها بل هي قضية مجتمع بشكل عام ولذلك نرى مثلا مؤسسات تجارية تؤسس وتمول مراكز للبحث العلمي في كثير من البلاد… وحق للتربية والتكوين أن تستثمر في هذا الاتجاه، أعني اعتماد استراتيجية وطنية عاجلة في مجال تنشيط البحث العلمي واسنبات مراكز للبحث على المقاييس المتعارف عليها عالميا.
وخلاصة القول إن إصلاحا غير مستند إلى نتائج البحث العلمي بما فيه الكفاية من شأنه أن يتحرك في واقع لا يعرفه ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى أزمة تواصل بين أطراف جسم المنظومة التربوية. فهل الورقة الثالثة الاساسية للاصلاح إلا ورقة التواصل في منظومتنا التربوية؟
محمد راشيد
الرئيس المسير لمركز الدراسات والأبحاث في المجمتع المدني والمناهج التربوية – وجدة ×{ جمعية تعنى بالمساهمة في تطوير البحث العلمي }
( يتبـــــع )
2- البحث العلمي المعطل
بالتأكيد إن لدينا بحثا تربويا في المغرب، ولنا باحثون وكتابا من الطراز الرفيع، وبعد أن لم تكن لنا مراكز للتكوين التربوي باتت لدينا وانتسب إليها آلاف من أطر التربية والتكوين. هي مؤشرات وغيرها دالة على أن تطورا تربويا عرفه المغرب في العقود الأخيرة، ولعل ذلك ما كان دافعا في وقت ما إلى إحداث كلية علوم التربية، غير أنه ومع ذلك هل لدينا سياسة للبحث التربوي؟
بقدر ما لدينا باحثين كبارا بقدر ما ليست لدينا سياسة للبحث التربوي. فلقد عطلت كلية علوم التربية أو تكاد وافتقرت المراكز والمعاهد التربوية إلى نقلة نوعية في علاقتها بالبحث العلمي الجنيني الذي يشتغل عليه الطلبة المتدربون، ولم تبذل أية مجهودات لاستثمار تلك الأعمال وتبني مشاريع في هذا الإطار، وجل الخريجين تنتهي علاقتهم بالبحث بمجرد انتهائهم من سنة أو سنوات التكوين، ولا وجود لنقاش حول كيفية تفادي هذا الانقطاع وذلك الهدر الكبير للطاقات…
لا شك أن هناك أعمال تنجز من قبل اللجنة المشرفة على تتبع تنفيذ مقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين ولهاته الأخيرة خبراؤها الذين تلجأ إليهم وتصدر تقارير معروفة، كما أن هناك أعمالا تنجز من قبل الوزارة الوصية على التربية والتكوين على شكل تقارير أو تكليف باحثين بالاشراف على تدبير ملف ما أو غير ذلك من الاعمال المعروفة ايضا. ولكن هل يستحق هذا أن يسمى سياسة للبحث التربوي؟ وحتى متابعة البرلمان الموقر للشأن التربوي التكويني من خلال الكم الهائل من الأسئلة التي تطرح في هذا الصدد أو ذاك، لا يظهر من خلال النظر إليها مجتمعة وحسب تصنيف أولي للموضوعات التي تطرقها أو المنهجية التي تطرح بها، وجود لتصورات ذات طبيعة شمولية في الطرح وتحليل في المنهجية او تصب في أطر استراتيجية لها ما قبلها وما بعدها.
لقد استهلك نموذج القول في منظومة التربية والتكوين بناء فقط على التقارير التي تنتجها اجتماعات تدبير اليومي في مكاتب بيروقراطية أو قاعات ولقاءات استعراضية. ولم يستهلك هذا النموذج فحسب بل لم يكن له من مبرر للوجود أصلا، ففي هذه المرحلة من مراحل تطور مغرب ما بعد الاستقلال كان من المفروض أن تكون لدينا تقاليد عريقة في البحث العلمي عموما والبحث التربوي خصوصا.
كيف يعقل، إذن، والحال هذه أن نصف ما يجري في المنظومة التربوية بالاصلاح؟ هل يستطيع أحد أن يزعم أن الاصلاح جاء نتيجة تراكم دراسات علمية وهو ثمرة إنجازاتها وتطورها الطبيعي؟ هل يستطيع أحد أن ينكر أن دينامية الاصلاح بمساره الحالي ومظاهره البادية للعيان في المؤسسات والفضاءات التربوية التكوينية إنما هي نتاج لتقرير البنك الدولي الشهير؟ هل يدعي أحد القدرة على المرافعة باسم المنهاج التربوي المعيش اليوم على أنه بنية نسقية معروفة المعالم وواضحة العلاقات فيما بين مكوناتها؟ هل يزعم أحد أن لديه آليات علمية للمتابعة والتقييم، أو حتى يملك الإرادة الايجابية بما يكفي في هذا الاطار؟
لا نستطيع إذن أن نسلم بمسمى إصلاح طالما ليست لدينا الآلة العلمية الكفيلة بالتعريف الدقيق للمصطلح عبر مختلف لحظات تمظهره عبر مسارات التشخيص والتخطيط وتقييم التنفيذ. إن فقدان الاصلاح إذن للتغطية العلمية الضرورية يجعلنا في وضعية حرجة أمام الواقع المليئ بالمتاهات وضبابية في الفهم وبالتالي في القرارات والأحكام…
كنا نظن أن تسارع الأحداث والاكراهات التي تحف باتخاذ القرارات قد تكون منعت من إيلاء الاهتمام الكافي لبناء سياسة رصينة في مجال البحث التربوي وأن الانتقال إلى النصف الثاني من عشرية الاصلاح سيكون مناسبة لتدارك هذا النقص الفظيع وإضاءة تلك العتمة المخيفة، خاصة بعد توحيد الوزارات المعنية، غير أن الأمور لا تزداد إلا تنكرا للبحث العلمي وإمعانا في تعطيله. فلا شيئ في الافق يظهر بصيصا من الأمل في هذا الإطار، وحتى اللآكاديميات كمثال بسيط لا تكلف نفسها إلا ميزانية رمزية لهذا الغرض وإنفاقها يشمل ما لا يمكن إدراجه ضمن مجال البحث العلمي بتاتا، فضلا عن الحديث عن سياسة واضحة المعالم!؟
نخلص من هذا الكلام الذي لا يقصد منه تعتيم الصورة ولكن قراءة الامور كما هي في الواقع، إلى أن أهم سمات الاصلاح الحالي للمنظومة التربوية احتفظ بأهم سمات الاصلاحات السابقة وهي سمة تهميش بل تعطيل البحث العلمي التربوي. وهو بذلك لم يصلح أهم عطب ظلت المنظومة التربوية تعاني من تبعاته ويشل من طاقاتها ويحد من فعاليتها.
كيف يعقل هذا وقد تعاقب على الوزارة الوصية أساتذة باحثون؟! إننا أمام وضعية غريبة حقا؟! ولقد طرح سؤال على الوزير الحالي من قبل فعاليات المجتمع المدني، بمناسبة لقائه معهم على هامش انعقاد إحدى دورات المجلس الاداري للاكاديمية بالجهة الشرقية حول هذا الموضوع على الشكل التالي: هل للوزارة استراتيجية في مجال البحث العلمي التربوي؟ ولم يجب في حينها عن السؤال؟!
طبعا ليس مجال تنشيط البحث العلمي التربوي حكرا على المؤسسة الوصية، وإن كان لها حظ وافر من المسؤولية، ولكنه أيضا يعني من بين من يعنيهم فعاليات المجتمع المدني. ودون الدخول في متاهات تحليل مفهوم المجتمع المدني لنقتصر على التعريف التبسيطي ولنقل إن المغرب عرف تزايدا ملحوظا في عدد الجمعيات ذات الميولات المختلفة والاهتمامات المتباينة وكثير منها يشتغل في حقل التربية والتكوين فهل تعير في مجمل الأمر اهتماما كافيا للاستثمار في البحث العلمي التربوي الكفيل بتمكينها من آليات فعالة في مجال اشتغالها؟!
إن قضية البحث العلمي عموما ليست قضية المؤسسة وحدها بل هي قضية مجتمع بشكل عام ولذلك نرى مثلا مؤسسات تجارية تؤسس وتمول مراكز للبحث العلمي في كثير من البلاد… وحق للتربية والتكوين أن تستثمر في هذا الاتجاه، أعني اعتماد استراتيجية وطنية عاجلة في مجال تنشيط البحث العلمي واسنبات مراكز للبحث على المقاييس المتعارف عليها عالميا.
وخلاصة القول إن إصلاحا غير مستند إلى نتائج البحث العلمي بما فيه الكفاية من شأنه أن يتحرك في واقع لا يعرفه ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى أزمة تواصل بين أطراف جسم المنظومة التربوية. فهل الورقة الثالثة الاساسية للاصلاح إلا ورقة التواصل في منظومتنا التربوية؟
محمد راشيد
الرئيس المسير لمركز الدراسات والأبحاث في المجمتع المدني والمناهج التربوية – وجدة ×{ جمعية تعنى بالمساهمة في تطوير البحث العلمي }
( يتبـــــع )