عملية تل أبيب: الصراع على الخيارات الفلسطينية
بقلم ماجد كيالي
لن تكون العملية التي نفّذتها "سرايا القدس" (التابعة لحركة الجهاد الإسلامي)، في تل أبيب، الأخيرة من نوعها، لعدّة أسباب ذاتية وموضوعية: أولها، أن إسرائيل هي المصدر الأساسي لتغذية نزعة العنف عند الفلسطينيين، من خلال استمرارها بأعمال القتل والتدمير بحقهم، وسعيها لتأبيد واقع الاحتلال؛ عبر تعزيز الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، ومحاولات تقييد الاستقلال الفلسطيني. وثانيها، استمراء بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة، ولاسيما تلك المحسوبة على تيار "الإسلام السياسي" (حركتي حماس والجهاد)، انتهاج هذا النمط من العمليات، بالنظر لبساطتها، وكلفتها القليلة، ولتوفّر المادة البشرية، من المتظلمين والمتضررين من الاحتلال، والذين يسعون للثأر من تنكيله وعسفه. وثالثها، أن هذه العمليات تفيد هذه الفصائل، فهي تمنحها حجماً يفوق حجمها الواقعي (بالنظر إلى الصخب الإعلامي الذي تحدثه)، ولكونها تدغدغ غرائز الانتقام الشعبوية عند الفلسطينيين، المغلوبين على أمرهم، وتخلق لديهم وعياً زائفاً بنوع من الندّية، أو التكافؤ، المقابل للبطش الإسرائيلي، وربما للآلة العسكرية الإسرائيلية (وفق نظرية توازن الرعب!)؛ في محاولة لإضفاء بعض الصدقية على هذه الادعاءات.
على أية حال، فإن الغرض من العمليات التفجيرية/الاستشهادية، التي جرى تنفيذها ضد الإسرائيليين في مناطق 48، منذ البداية، لم يكن يتركّز فقط على تقويض أمن الإسرائيليين، أو الضغط على إسرائيل، لإجبارها على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي الواقع فإن لهذا النمط من العمليات توظيفات داخلية، أيضاً، فهي بمثابة الشكل الذي تحاول فيه بعض المنظمات تعزيز وجودها في الساحة الفلسطينية، وفرض أولوياتها وخياراتها السياسية على الفلسطينيين؛ ولعل هذا ما يفسر توقيت معظم هذه العمليات.
الآن وبغضّ النظر عن الخطابات السياسية، التبريرية والترويجية، فإن الجهات السياسية التي تقف وراء هكذا عمليات تتوخّى، على الأغلب، تعزيز مكانتها وشرعيتها في الساحة الفلسطينية، والتعويض عن ضعف مساهمتها في إدارة الساحة الفلسطينية، وعن وجودها خارج النظام الفلسطيني، من خلال فرض نوع من "الفيتو" على توجهات القيادة والسلطة، عبر هذا الأسلوب تحديدا؛ بمعزل عن جدواه السياسية، وبتجاهل لردود الفعل القاسية التي يستدعيها، من قبل إسرائيل، التي تمعن قتلا وتدميرا بالفلسطينيين، بمناسبة هذه العمليات أو بدعوى وضع حد لها. وبمعنى أكثر تحديدا، فإن تيار الإسلام السياسي في الساحة الفلسطينية، يحاول من خلال هذا الشكل، طرح ذاته نداً لحركة فتح (حزب السلطة)، ومنافساً لها على قيادة الساحة الفلسطينية، من دون أن يتحمل تبعات، أو استحقاقات، انخراطه في النظام الفلسطيني. فإذا كانت حركة فتح هي التي أطلقت الرصاصة الأولى، في سفر المقاومة الفلسطينية المعاصرة، فإن هذا التيار يحاول الذهاب أبعد من ذلك في تبني نهج العمليات التفجيرية. التوظيف الأخر لمثل هذه العمليات يتمثّل في أن بعض الجهات الفلسطينية المعارضة، لاسيما تلك المحسوبة على تيار "الإسلام السياسي"، لا تخفي حقيقة وجود أجندة، أو رؤية خاصة بها، بما يتعلّق بالصراع ضد المشروع الصهيوني (فضلاً عن تقاطعها مع حسابات سياسية خارجية)، وهي رؤية تجعل الصراع ضد إسرائيل مطلقا، بالزمان والمكان وبالوسائل، وكأنه خارج حسابات السياسية وموازين القوى للشعب المعني بالصراع.
هكذا فإن حركتي حماس والجهاد الإسلامي (على الرغم من التمايزات النسبية بينهما) تحاولان، من خلال مدلولات هذه العمليات وأبعادها السياسية والرمزية والجغرافية، كسر الإجماع السياسي الفلسطيني، المتمثّل بفكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، والعمل على تقويض عملية التسوية برمتها، على أساس أن مشروعهما الخاص (الأيدلوجي والسياسي والإقليمي) يتطلب صدّ هذه العملية.
ولعل هذا ما يفسر أن هذه العمليات ظلّت تأتي، على الأغلب، في توقيت سياسي غير مناسب بالنسبة للأجندة الفلسطينية؛ والمشكلة، أنها أيضا، تأتي من خارج الدروس والتجارب التاريخية المتعلقة بحرب الشعب، أو حرب العصابات، التي تستخدم استراتيجية الضعيف لتحييد قوة العدو، وأسلوب التقدم والتراجع، وحرب النقاط والاستنزاف، والاقتصاد بالقوى وعدم الزج بها في معارك غير مواتية.
يستنتج من كل ذلك بأن المقاومة، وإن كانت حقا مشروعا للشعب الذي يخضع للاحتلال، ليست حقا مطلقا، في الزمان والمكان والأشكال ونوع الهدف. فهذه المقاومة حتى تؤتي ثمارها، ينبغي أن تخضع لمعايير، أهمها: تركّزها ضد الاحتلال، وارتباطها بالهدف السياسي الواضح والمعلن، ومراعاتها تناسب القوى، وقدرة الشعب على التحمّل، واسهامها في تأجيج التناقضات لدى المحتلين، وكسب تعاطف المجتمع الدولي. وهذا كله يتطلب خوض المقاومة بوسائل مشروعة وأخلاقية تتناسب مع القضية النبيلة التي يجري التضحية من أجلها؛ وإن كلّف ذلك الكثير، لإظهار إسرائيل على حقيقتها على شكل دولة استعمارية وعنصرية تمارس القوة لإبقاء الاحتلال وللسيطرة على الشعب الأخر.
عدا عن كل ذلك فإن مقاومة الاحتلال لا يمكن حصرها في المجال العسكري، ولا بمجموعات من العسكريين، فقط، لأن المقاومة المجتمعية ضد الاحتلال، هي الأصل، وهي أشمل وأكبر وأعقد من ذلك. ولعل مشكلة بعض الفصائل المقاتلة، أنها تبالغ كثيرا بدور المقاومة المسلحة، في حين أنها لا تلق بالاً لأشكال النضال الشعبية الأخرى، ولا لعملية البناء (وضمنها العملية الانتخابية)، باعتبارها جزءاً حيويا،ً مكوناً ومكملاً، للعملية الوطنية التحررية.
هكذا جاءت عملية تل أبيب في ظروف غير مناسبة، وكأنها تستدعي ردّة فعل إسرائيلية لقطع العملية السياسية الفلسطينية، المتمثلة بالانتخابات. واللافت أن الطرف الذي قام بهذه العملية (الجهاد الإسلامي) لم يكتف بمقاطعة الانتخابات القادمة، وإنما فضّل التصويت بعملية تفجيرية لقطع هذه العملية، وبالتالي إدخال الفلسطينيين في مواجهات غير محسوبة، في هذه المرحلة الدولية والإقليمية والمحلية، غير المواتية. وفوق ذلك فإن هذا الطرف يدرك بأنه في ذلك يشكّل خرقاً للتفاهمات الفلسطينية للتهدئة، ولو من طرف واحد، لتمرير الاستحقاق الانتخابي، ولتمكين الشعب الفلسطيني من التقاط أنفاسه.
الراجح أن الفلسطينيين، في هذه المرحلة، في غنى عن هكذا عمليات، لأنهم يخوضون معركة كبيرة، لا تقل عن معركتهم في مواجهة إسرائيل، بل إنها تشكل شرطا لها. ويتمثل ذلك بمحاولاتهم تضميد جراحهم وإعادة بناء أوضاعهم، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، وتجديد شرعية كيانهم بالتوجه نحو الانتخابات، بعد أكثر من خمسة أعوام من الاستفراد الإسرائيلي بهم.
عموما، فإن هكذا عمليات باتت تشكل وضعا حرجا للوضع الفلسطيني ينبغي الوقوف أمامه بشكل حازم، وبأشكال الحوار السياسي والضغط الجماهيري، بحيث لا يبقى الأمر مرهونا بموقف السلطة الحرج وبمزاج المعارضة.
بديهي أن التجربة الفلسطينية تصون التعددية والتنوع، فإذا كان ثمة حق لأي فصيل سياسي، في الساحة الفلسطينية، بأن يحتفظ بهويته الأيدلوجية، وأن يدافع عن خياراته السياسية، بما في ذلك مقاطعة الانتخابات التشريعية، ففي المقابل مطلوب بديهياً من أي فصيل أن يخضع للمصالح الوطنية العليا، والاحتكام للمؤسسات، واحترام مبدأ الإجماع الوطني، وضمن ذلك أن يتقبّل نتائج الانتخابات والخيارات السياسية المنبثقة عنها.
وبمعنى أخر فإنه على الرغم من الأضرار التي تلحق بأي فصيل، جراء مقاطعته الانتخابات، على مستوى الشرعية والأهلية، والأضرار التي تنتج عن ذلك على المستوى الوطني، لجهة الدفع باستقرار النظام السياسي وتعزيز وحدته وفاعليته (داخليا وفي مواجهة إسرائيل)، فإنه ليس من حق أي فصيل، مهما كان شأنه، أن يجرّ الشعب الفلسطيني إلى معركة في غير أوانها، أو إلى حرب تفوق قدراته، كما ليس من حقه فرض وصايته أو خياراته السياسية عليه.
بقلم ماجد كيالي
لن تكون العملية التي نفّذتها "سرايا القدس" (التابعة لحركة الجهاد الإسلامي)، في تل أبيب، الأخيرة من نوعها، لعدّة أسباب ذاتية وموضوعية: أولها، أن إسرائيل هي المصدر الأساسي لتغذية نزعة العنف عند الفلسطينيين، من خلال استمرارها بأعمال القتل والتدمير بحقهم، وسعيها لتأبيد واقع الاحتلال؛ عبر تعزيز الاستيطان ومصادرة الأراضي وبناء جدار الفصل العنصري، ومحاولات تقييد الاستقلال الفلسطيني. وثانيها، استمراء بعض الفصائل الفلسطينية المعارضة، ولاسيما تلك المحسوبة على تيار "الإسلام السياسي" (حركتي حماس والجهاد)، انتهاج هذا النمط من العمليات، بالنظر لبساطتها، وكلفتها القليلة، ولتوفّر المادة البشرية، من المتظلمين والمتضررين من الاحتلال، والذين يسعون للثأر من تنكيله وعسفه. وثالثها، أن هذه العمليات تفيد هذه الفصائل، فهي تمنحها حجماً يفوق حجمها الواقعي (بالنظر إلى الصخب الإعلامي الذي تحدثه)، ولكونها تدغدغ غرائز الانتقام الشعبوية عند الفلسطينيين، المغلوبين على أمرهم، وتخلق لديهم وعياً زائفاً بنوع من الندّية، أو التكافؤ، المقابل للبطش الإسرائيلي، وربما للآلة العسكرية الإسرائيلية (وفق نظرية توازن الرعب!)؛ في محاولة لإضفاء بعض الصدقية على هذه الادعاءات.
على أية حال، فإن الغرض من العمليات التفجيرية/الاستشهادية، التي جرى تنفيذها ضد الإسرائيليين في مناطق 48، منذ البداية، لم يكن يتركّز فقط على تقويض أمن الإسرائيليين، أو الضغط على إسرائيل، لإجبارها على الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة. ففي الواقع فإن لهذا النمط من العمليات توظيفات داخلية، أيضاً، فهي بمثابة الشكل الذي تحاول فيه بعض المنظمات تعزيز وجودها في الساحة الفلسطينية، وفرض أولوياتها وخياراتها السياسية على الفلسطينيين؛ ولعل هذا ما يفسر توقيت معظم هذه العمليات.
الآن وبغضّ النظر عن الخطابات السياسية، التبريرية والترويجية، فإن الجهات السياسية التي تقف وراء هكذا عمليات تتوخّى، على الأغلب، تعزيز مكانتها وشرعيتها في الساحة الفلسطينية، والتعويض عن ضعف مساهمتها في إدارة الساحة الفلسطينية، وعن وجودها خارج النظام الفلسطيني، من خلال فرض نوع من "الفيتو" على توجهات القيادة والسلطة، عبر هذا الأسلوب تحديدا؛ بمعزل عن جدواه السياسية، وبتجاهل لردود الفعل القاسية التي يستدعيها، من قبل إسرائيل، التي تمعن قتلا وتدميرا بالفلسطينيين، بمناسبة هذه العمليات أو بدعوى وضع حد لها. وبمعنى أكثر تحديدا، فإن تيار الإسلام السياسي في الساحة الفلسطينية، يحاول من خلال هذا الشكل، طرح ذاته نداً لحركة فتح (حزب السلطة)، ومنافساً لها على قيادة الساحة الفلسطينية، من دون أن يتحمل تبعات، أو استحقاقات، انخراطه في النظام الفلسطيني. فإذا كانت حركة فتح هي التي أطلقت الرصاصة الأولى، في سفر المقاومة الفلسطينية المعاصرة، فإن هذا التيار يحاول الذهاب أبعد من ذلك في تبني نهج العمليات التفجيرية. التوظيف الأخر لمثل هذه العمليات يتمثّل في أن بعض الجهات الفلسطينية المعارضة، لاسيما تلك المحسوبة على تيار "الإسلام السياسي"، لا تخفي حقيقة وجود أجندة، أو رؤية خاصة بها، بما يتعلّق بالصراع ضد المشروع الصهيوني (فضلاً عن تقاطعها مع حسابات سياسية خارجية)، وهي رؤية تجعل الصراع ضد إسرائيل مطلقا، بالزمان والمكان وبالوسائل، وكأنه خارج حسابات السياسية وموازين القوى للشعب المعني بالصراع.
هكذا فإن حركتي حماس والجهاد الإسلامي (على الرغم من التمايزات النسبية بينهما) تحاولان، من خلال مدلولات هذه العمليات وأبعادها السياسية والرمزية والجغرافية، كسر الإجماع السياسي الفلسطيني، المتمثّل بفكرة إقامة دولة فلسطينية في الضفة والقطاع، والعمل على تقويض عملية التسوية برمتها، على أساس أن مشروعهما الخاص (الأيدلوجي والسياسي والإقليمي) يتطلب صدّ هذه العملية.
ولعل هذا ما يفسر أن هذه العمليات ظلّت تأتي، على الأغلب، في توقيت سياسي غير مناسب بالنسبة للأجندة الفلسطينية؛ والمشكلة، أنها أيضا، تأتي من خارج الدروس والتجارب التاريخية المتعلقة بحرب الشعب، أو حرب العصابات، التي تستخدم استراتيجية الضعيف لتحييد قوة العدو، وأسلوب التقدم والتراجع، وحرب النقاط والاستنزاف، والاقتصاد بالقوى وعدم الزج بها في معارك غير مواتية.
يستنتج من كل ذلك بأن المقاومة، وإن كانت حقا مشروعا للشعب الذي يخضع للاحتلال، ليست حقا مطلقا، في الزمان والمكان والأشكال ونوع الهدف. فهذه المقاومة حتى تؤتي ثمارها، ينبغي أن تخضع لمعايير، أهمها: تركّزها ضد الاحتلال، وارتباطها بالهدف السياسي الواضح والمعلن، ومراعاتها تناسب القوى، وقدرة الشعب على التحمّل، واسهامها في تأجيج التناقضات لدى المحتلين، وكسب تعاطف المجتمع الدولي. وهذا كله يتطلب خوض المقاومة بوسائل مشروعة وأخلاقية تتناسب مع القضية النبيلة التي يجري التضحية من أجلها؛ وإن كلّف ذلك الكثير، لإظهار إسرائيل على حقيقتها على شكل دولة استعمارية وعنصرية تمارس القوة لإبقاء الاحتلال وللسيطرة على الشعب الأخر.
عدا عن كل ذلك فإن مقاومة الاحتلال لا يمكن حصرها في المجال العسكري، ولا بمجموعات من العسكريين، فقط، لأن المقاومة المجتمعية ضد الاحتلال، هي الأصل، وهي أشمل وأكبر وأعقد من ذلك. ولعل مشكلة بعض الفصائل المقاتلة، أنها تبالغ كثيرا بدور المقاومة المسلحة، في حين أنها لا تلق بالاً لأشكال النضال الشعبية الأخرى، ولا لعملية البناء (وضمنها العملية الانتخابية)، باعتبارها جزءاً حيويا،ً مكوناً ومكملاً، للعملية الوطنية التحررية.
هكذا جاءت عملية تل أبيب في ظروف غير مناسبة، وكأنها تستدعي ردّة فعل إسرائيلية لقطع العملية السياسية الفلسطينية، المتمثلة بالانتخابات. واللافت أن الطرف الذي قام بهذه العملية (الجهاد الإسلامي) لم يكتف بمقاطعة الانتخابات القادمة، وإنما فضّل التصويت بعملية تفجيرية لقطع هذه العملية، وبالتالي إدخال الفلسطينيين في مواجهات غير محسوبة، في هذه المرحلة الدولية والإقليمية والمحلية، غير المواتية. وفوق ذلك فإن هذا الطرف يدرك بأنه في ذلك يشكّل خرقاً للتفاهمات الفلسطينية للتهدئة، ولو من طرف واحد، لتمرير الاستحقاق الانتخابي، ولتمكين الشعب الفلسطيني من التقاط أنفاسه.
الراجح أن الفلسطينيين، في هذه المرحلة، في غنى عن هكذا عمليات، لأنهم يخوضون معركة كبيرة، لا تقل عن معركتهم في مواجهة إسرائيل، بل إنها تشكل شرطا لها. ويتمثل ذلك بمحاولاتهم تضميد جراحهم وإعادة بناء أوضاعهم، من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، وتجديد شرعية كيانهم بالتوجه نحو الانتخابات، بعد أكثر من خمسة أعوام من الاستفراد الإسرائيلي بهم.
عموما، فإن هكذا عمليات باتت تشكل وضعا حرجا للوضع الفلسطيني ينبغي الوقوف أمامه بشكل حازم، وبأشكال الحوار السياسي والضغط الجماهيري، بحيث لا يبقى الأمر مرهونا بموقف السلطة الحرج وبمزاج المعارضة.
بديهي أن التجربة الفلسطينية تصون التعددية والتنوع، فإذا كان ثمة حق لأي فصيل سياسي، في الساحة الفلسطينية، بأن يحتفظ بهويته الأيدلوجية، وأن يدافع عن خياراته السياسية، بما في ذلك مقاطعة الانتخابات التشريعية، ففي المقابل مطلوب بديهياً من أي فصيل أن يخضع للمصالح الوطنية العليا، والاحتكام للمؤسسات، واحترام مبدأ الإجماع الوطني، وضمن ذلك أن يتقبّل نتائج الانتخابات والخيارات السياسية المنبثقة عنها.
وبمعنى أخر فإنه على الرغم من الأضرار التي تلحق بأي فصيل، جراء مقاطعته الانتخابات، على مستوى الشرعية والأهلية، والأضرار التي تنتج عن ذلك على المستوى الوطني، لجهة الدفع باستقرار النظام السياسي وتعزيز وحدته وفاعليته (داخليا وفي مواجهة إسرائيل)، فإنه ليس من حق أي فصيل، مهما كان شأنه، أن يجرّ الشعب الفلسطيني إلى معركة في غير أوانها، أو إلى حرب تفوق قدراته، كما ليس من حقه فرض وصايته أو خياراته السياسية عليه.