في الذكري الثالثة للاحتلال الأمريكي: كارثة العراق وبعض الأقلام الموتورة
محمود القصاب
كاتب عراقي
بعض تداعيات وافرازات الكارثة التي حلت بالعراق، هي أن الاحتلال الأمريكي الصهيوني، اضافة الي جرائمه المتعددة في هذا البلد قد أوجد أيضاً صوراً ونماذج قبيحة صارت تعرف بذيول أو أدوات للمحتل، من هذه النماذج السيئة تلك الجوقة من الكتاب والصحافيين الذين يقدمون خدماتهم الاعلامية والدعائية للاحتلال. ومن المؤسف أن عدد هؤلاء ليس بقليل، وشرورهم كثيرة، وهم منتشرون علي امتداد الساحة العربية بما فيها ساحة البحرين. ويمكن تصنيف أو تقسيم هذه الفئة الي ثلاث مجموعات تصب جميعها في طاحونة المحتل الأمريكي، وتسهم في ترويج أكاذيبه.
المجموعة الأولي تضم زمرة من الصحافيين والكتاب المتأمركين من الذين يتنفسون الهواء الأمريكي وهم لا يخفون حماسهم ومساندتهم للعدوان علي العراق وتأييد احتلاله دون مواربة، ولا ينتابهم شعور بالخجل من مواقفهم الصريحة والمعلنة، لذا تجدهم علي استعداد دائم لتطويع أقلامهم وكتاباتهم بما يخدم صورة الاحتلال الأمريكي للعراق والدفاع عن سياساته والبحث عن مسوغات وتبريرات لكل جرائمه وفظائعه، ولكل هذه الأسباب فقد استحقوا ـ وبجدارة ـ لقب المارينز العرب . والمجموعة الثانية هي التي تضم وتستوعب كل الأفراد والعناصر الذين يتنفسون هواء الطائفية ويحركهم هوي العصبية والمذهبية، وهؤلاء في كل الظروف والأحوال غير معنيين بالبحث عن الحق والحقيقة، وهم غير مؤهلين وليسوا علي استعداد لسماع أو رؤية غير ما هم مقتنعون به، ويعانون عمي في البصر والبصيرة، وهو ما يقودهم دائماً الي الباس الحق بالباطل والانسياق وراء الغرائز الأمريكية الوحشية بوعي ومن دونه، وغالباً ما يستخدمون المفاهيم ذاتها والعبارات نفسها والأوصاف التي يتعامل بها المحتل في قضية العراق، فهي تسمي الاحتلال تحريرا وتدمير العراق اعمارا وتقسيمه طائفياً وعرقياً ديمقراطية ، وتسمي المقاومة ارهابا ، وكتاباتهم ومقالاتهم عموماً تنضح بالأحقاد والسموم.
أما المجموعة الثالثة في هذا الثالوث السيئ فهي في تصورنا الأكثر قبحاً وسوءاً، بل الأكثر خطورة أيضاً، نظراً للأسلوب المراوغ والمخادع الذي تستخدمه عند تغليف الكتابات بادعاءات وطنية وقومية كاذبة، والتخفي وراء شعارات غير صادقة حول معاداة المحتل، والتظاهر بالحرص علي الشعب العراقي ومصلحته والتباكي علي ما حل به من ويلات وفواجع، والادعاء بأن مواقفهم وكتاباتهم حول العراق والعدوان عليه واحتلاله مبنية ومرتبطة بوجود نظام دكتاتوري وأن الاحتلال قد مثل فرصة للتخلص منه واقامة البديل الديمقراطي الذي يحقق العدل والمساواة، ويؤمن عراقاً جديداً متطوراً كما يزعمون، وفي طريقة تناولهم للوضع الراهن في العراق بكل ما يحمله من كوارث ومآس يجسدون قمة الانتهازية والنفاق السياسي، وتنتاب المرء حالة من الذهول والغثيان وهو يتابع ما يكتبه هؤلاء ويحشون به أعمدة مقالاتهم، ويعجب من قدرتهم علي التلون وسرعة التبدل في المواقف والمواقع والاستعداد النفسي والأخلاقي لديهم علي نقل البندقية من كتف الي كتف بحسب الأهواء والمصالح الشخصية من دون أن يرف لهم جفن أو يتحرك عندهم وازع من ضمير، وهم يتحاملون علي قيادة العراق قبل الغزو بهذا الأسلوب الفج والموتور، وتحميلها كل الرزايا الأخلاقية والخطايا السياسية من دون وجه حق، وترديد افتراءات وأكاذيب الغزاة نفسها بتبرير العدوان واستمرار الاحتلال، بالرغم من أن بعض الداخلين في هذه الفئة الضالة والمضللة لم يتركوا سانحة أو فرصة ــ قبل الغزو وسقوط النظام الوطني في العراق ـ الا اغتنموها من أجل مصالحهم الخاصة، والتي لم تكن الرحلات المتكررة الي بغداد في ذلك الوقت سوي الوجه الظاهر من تلك المصالح التي غابت وجعلتهم يكتشفون اليوم كذباً وزوراً أن النظام السابق كان قمعياً ودكتاتورياً، ولم يكن كذلك بالنسبة اليهم قبل سقوطه. ما نريد أن نخلص اليه هو أن جميع هذه النماذج بمختلف ألوانها ومشاربها ودوافعها تشكل اليوم ــ طوعاً أو كرهاً ــ بوقاً للمحتل الأمريكي وهي متوافقة معه في حجم معاداتها وكراهيتها للقوي القومية ورموزها المناضلة، وان اختلفت أسباب ودرجة الهوس والاندفاع الأعمي في هذه الكراهية.
ومع كل ما تحدثه هذه الفئات من ضرر واساءة الي القضايا القومية فانها في الواقع لا تمثل سوي ظاهرة شاذة ونشاز في تاريخنا السياسي والثقافي، وليسوا أكثر من حالة أو صورة مشوهة ومتعارضة مع الوعي والانتماء الصادق لتاريخ الأمة وعقيدتها وشخصيتها الحضارية. وهم لذلك موضع سخرية وازدراء أبناء هذه الأمة خاصة في هذا الظرف البالغ الخطورة الذي تتحدد فيه المواقف الصادقة من المسألة العراقية ومن الاحتلال والمقاومة العراقية التي لم تعد تحتمل أي تسويف أو تزييف، ولا تسمح بهذا التداخل الذي يشوه الوعي والفكر. نقول هذا ونحن نعيش هذه الأيام الذكري الثالثة للغزو الأمريكي الصهيوني والطائفي الشعوبي للعراق، والعالم يراقب ويشهد الواقع المرير لهذا البلد العزيز، الواقع الذي يقدم الشواهد اليومية المتواصلة علي حجم الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان العراقي، والدوس بأحذية الغزاة علي قيم الحرية والديمقراطية المزعومة، واقع ليس فيه سوي صور الموت والدمار وتفجر كل النزعات والقيم المتخلفة مثل الطائفية والعشائرية والعرقية الانفصالية وغيرها من القيم الفاسدة التي تتعارض مع بناء دولة عصرية ومتطورة كما يروج المحتل وعملاؤه من القوي الطائفية والشعوبية، وبالرغم من كل هذه المشاهد المفجعة لا يزال أولئك الكتاب والصحافيون قابعين في مواقعهم ومتشبثين بمواقفهم القديمة والمسيئة، ولا يزالون يتحدثون عن العراق الجديد و النموذج الديمقراطي الذي يجب أن يكون قدوة لدول المنطقة، والنموذج هذا الذي يتحدثون عنه هو عبارة عن بلد غابت فيه الدولة وصار محطة لأوباش العالم من الغزاة واللصوص وقطاع الطرق، وتحول الي وكر للعصابات و الميليشيات و فرق الموت الصولاغية ، وصار مرتعاً لجرائم الموساد والقوي الارهابية ولأجهزة المخابرات الصهيونية والايرانية تسرح وتمرح فيه من دون حسيب أو رقيب، ترسم فيه صورة العذاب والموت للعراقيين وتضع أسس تخريب وتقسيم العراق وسرقة ثرواته وتشويه تاريخه ومواقفه الوطنية والقومية. في ضوء هذه المشاهد والصور المأساوية التي يقذف بها واقع العراق المحتل وفي ظل حالات الظلم والحيف المتزايدة علي الشعب العراقي الصابر والمغلوب علي أمره، ومع كل مظاهر الخوف والرعب اللذين يطبقان علي رقبته من كل الاتجاهات، في ضوء كل هذا من حقنا أن نتساءل مع كل الخيرين في هذا الوطن وفي هذا العالم وخاصة أن الاحتلال قد أكمل عامه الثالث، وأوغل في جرائمه النازية وأحقاده العنصرية ضد هذا البلد العربي وشعبه، نتساءل أين معايير العدل والانصاف؟ وأين قيم الفضيلة وشرف المهنة ومصداقية الكلمة والأمانة الصحافية؟ لماذا تختفي هذه القيم من قاموس هؤلاء الكتاب والصحافيين وتتواري أمام جرائم المحتل الأمريكي وأعوانه من القوي العميلة؟ ولماذا يغيب العقل والضمير عن رؤية عراق اليوم الذي تقطع أوصاله والذي ليس فيه سوي الموت عنواناً ينتظر ويتوعد العراقيين في كل لحظة وفي كل زاوية؟ ومع كل هذا الحاصل فان تلك الأقلام المسعورة ما زالت تلوك بضاعتها القديمة، وما زالت النفوس المريضة مهووسة ومشحونة بأحقادها الدفينة علي العراق وقيادته قبل الغزو والاحتلال، ولا نزال نري ونسمع نفس الأراجيف والتخرصات من تلك الأقلام الساقطة التي تسهم في حملة التزييف والتضليل التي تمارسها الأجهزة الاعلامية والدعائية للمحتل. و
مع ادراكنا التام بأنه في ظل الوضع العالمي القائم لا مجال فيه للصدق والانسانية، ولا مكان فيه لقيم المروءة والشرف، وحيث تسود الولايات المتحدة الأمريكية باغراءاتها وجبروتها ومفاهيمها كقوة وحيدة قاهرة مستبدة، وفي ظل منطق القهر والعدوان والظلم الأمريكي الذي يفرض نفسه علي الساحة الدولية، نقول مع ادراكنا لكل ذلك الا اننا علي يقين ونؤمن أيضاً بأن التاريخ لن يتوقف عند هذه الحالة الشاذة من العسف والطغيان الأمريكي الصهيوني، وان ارادة ومقاومة الشعوب الحرة وتعاطف الأحرار والخيرين في هذا العالم مع هذه الارادة والمقاومة ومساندتها والوقوف معها بالكلمة الصادقة ــ وهو الحد الأدني ــ سوف يعجل بانتصار الحق واندحار الباطل وعلو شأن الحقيقة، وهذا ما تتكفل به المقاومة الوطنية العراقية في الوقت الراهن من تعرية الاحتلال وهزيمته، وكشف زيف شعاراته وأكاذيبه، وادخاله في مأزق خطير وفشل ذرائعه، وسقوطه قانونياً وأخلاقياً بعد سقوط كل ذرائع الغزو علي الصعيد الأمريكي الداخلي وعلي الصعيد العالمي، وباتت الحقائق ساطعة. ونحن هنا من أجل هذه الحقائق التي يحاول المحتل الأمريكي وأبواقه تجاهلها أو تغييبها، سوف نكرر ونعيد ما قد قلناه وكتبناه عشرات المرات، بل مئات المرات، وتناولته الأقلام الصادقة والنزيهة، ولا يتطلب منا هذا الواجب سوي استنطاق واقع العراق وكشف حجم المآسي والفواجع التي يتجرعها العراقيون اليوم في ظل الاحتلال وأعوانه من القوي الطائفية والشعوبية الحاقدة، ومقارنة هذا الوضع الكارثي مع ما كان موجودا وقائما قبل الغزو والاحتلال حتي مع وجود الحصار الظالم والعقوبات القاسية التي قد فرضت عليه منذ عام 1990، يوم شرعت الأمم المتحدة ذلك الظلم وقدمت الغطاء للعدوان ومهدت للاحتلال، فقد رأينا كيف استطاع العراق في أعقاب العدوان عليه في عام 1991 وما تعرض له من تدمير همجي لكل مقومات الحياة فيه، وبعد أن تمكن من القضاء علي صفحة الغدر والخيانة القادمة من راء الحدود الشرقية، فقد استطاعت قيادة العراق في ذلك الوقت وفي زمن قياسي من بناء كل ما دمرته معاول العدوان وخربته أيادي الغدر والخيانة، وتمكن في فترة وجيزة من الحد من التأثيرات السلبية للحصار علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي، وابتكر العديد من الوسائل والأساليب، وأبدع في العديد من المجالات، واستطاع أن يوفر الأمن والغذاء والدواء والكهرباء، وهو ما عجزت عنه دولة الاحتلال، دولة حقوق الانسان والديمقراطية المزعومة، التي جعلت المواطن العراقي يعيش الحرمان من كل هذه الخدمات الأساسية. وقد كان العراق في ذلك الوقت علي وشك استعادة سيادته علي أرضه وثرواته قبل أن تتمكن الادارة الأمريكية والقوي الصهيونية وحلفاؤهم من الأنظمة المتواطئة في توظيف أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) والشروع في التحضير للغزو والاحتلال الذي وقع في فجر 20 اذار (مارس) 2003، عندما أقدم التحالف الأمريكي ـ الصهيوني والقوي الطائفية علي استخدام كل قواهم الشيطانية لاحتلال قلب العروبة ورأس حربتها. واليوم تؤكد الوقائع الحاصلة بعد مرور ثلاثة أعوام علي الغزو، تؤكد مصداقية قيادة العراق وكذب وافتراء أعدائها، فكل الشواهد تثبت أن العراقيين كانوا صادقين في كل ما قالوه، ابتداء من مزاعم وجود أسلحة الدمار الشامل مروراً بالعلاقة المزعومة مع تنظيم القاعدة وصولاً الي أن حزب البعث الحاكم آنذاك قد أكد مراراً أن مخطط العدوان علي العراق واحتلاله لن يخدم سوي الصهاينة وحلفائهم من القوي الطائفية والشعوبية والأنظمة المتواطئة معها.
كما أن قيادة البعث قد أعدت لمقاومة الاحتلال قبل فترة زمنية مناسبة وهيأت مستلزمات وادارة هذه المقاومة بأسلوب وطريقة فيها الكثير من الذكاء والتفرد، فقد كانت في قدراتها وخططها وتكتيكاتها مفاجأة للأصدقاء قبل الأعداء؛ بعكس ادارة بوش الغبية التي خططت للعدوان واستطاعت احتلال العراق واعتبرت هذا الأمر هو نهاية المطاف وهو ما أدخلها في ورطة قاتلة لا تعرف حتي الآن كيف السبيل للخروج منها. ان هذه المقارنة تقودنا حتماً وبالضرورة الي استرجاع صورة الدولة التي كانت قائمة قبل الغزو ومقارنتها مع الفوضي العارمة الحاصلة في الوقت الحاضر، مقارنة بين عراق الأمس وعراق اليوم أو ما تبقي منه، حيث تحولت الدولة فيه الي دولة عصابات للقتل والخطف والسرقة، ودولة الاعتقالات والسجون الخاصة و العامة ، وجري استبدال الكفاءة والخبرة والأهلية بالولاء والمحسوبية والمحاصصة الطائفية والعرقية والعشائرية، غاب وضاع القرار في أجهزة الدولة ومؤسساتها وتحولت الي مقاه و صالونات لعقد الصفقات المشبوهة والعقود الوهمية، وجرت تصفية كل الكفاءات والكوادر المهنية والطبية والعلمية، ولم يعد الطبيب أو المهندس أو المدرس أو العالم يأمن علي حياته الا وهو في خارج العراق. الوزارات أصبحت مرتعاً للفسادين الاداري والمالي وعلي رأس المتورطين في هذا الفساد الرؤوس الكبيرة، وصار من غير الممكن ايجاد وظيفة أو تعيين حارس أو بواب أو توقيع معاملة بسيطة من دون وساطة أو تزكية سياسية أو طائفية أو عشائرية أو رشوة مالية.
وبسبب هذا الفساد جرت سرقة مليارات الدولارات وتم تهريبها الي جيوب أو بنوك في الخارج، لتستقر في حسابات من كانوا بالأمس في المعارضة وصاروا اليوم علي رأس الحكم ممن يدعون الشرف والفضيلة والاستقامة، وكانوا يزعمون أن النظام السابق يبدد أموال الشعب العراقي. واذا ما انتقلنا الي صورة مأساوية أخري لكشف حجم معاناة شعب العراق اليوم، لا بد من التوقف عند مأساة الخدمات ، خاصة الكهرباء التي هي في الواقع لا وجود لها اطلاقاً، ويمكن تصور كيف يعيش العراقيون في صيف العراق اللاهب التي تصل درجة الحرارة فيه في الظل الي 65 درجة مئوية، ناهيك عن كوارث البيئة، وكيف تحولت كل مدن العراق وخاصة العاصمة بغداد الي مزابل ومرتع للنفايات والاشعاعات الملوثة.
أما عن قضية النفط والوقود فالحديث عنها يدمي القلب، فهذا البلد الغني صاحب أكبر مخزون من احتياطات النفط الذي يعوم علي بحيرات من النفط الخام، يعيش فيه المواطن أزمة لا وجود لمثلها في أفقر دول العالم؛ فالعراقي اذا أراد شراء حاجته من الوقود عليه الانتظار ساعات طويلة ليحصل في نهاية الأمر علي وقود مخلوط بالماء وبالمواد في السوق السوداء التي راجت بفعل أزمة الوقود التي أصبح المسئولون وعوائلهم علي رأس ادارة هذه الأسواق من أجل تهريب النفط الي دول الجوار؛ وكلنا يتذكر كيف تصرف ذلك الوزير الطائفي لمعالجة أزمة النفط والوقود المستفحلة، عندما قام بتوقيع عقد نفطي مع ايران رهن بموجبه العراق وصناعاته النفطية بيد ايران الي الأبد. والواقع أن الحديث عن كوارث العراق في ظل الاحتلال وعملائه يمكن أن يكون بلا نهاية، فالعراقي يعاني الفقر والويلات والعذابات اليومية، وهو عاجز عن الحصول علي ما يسد رمقه، في الوقت الذي يعيش فيه الوزراء الجدد والمسؤولون الحاليون في مساكن ومكاتب مبردة ووثيرة، ولا يخرجون منها الا الي السفر خارج العراق، ولا يجرؤ أحد منهم النزول الي الشارع. (انظر القدس العربي 25/2/2006م فصل من كتاب سيصدر عن بغداد بعنوان بغداد بين الجد والهزل ـ انطباعات عائد من بغداد ). ان هدفنا من هذه التفاصيل والاسترسال في سرد الوقائع التي اشرنا اليها بخصوص معاناة العراقيين، انما أردنا في الحقيقة تذكير أولئك الذين لا يزالون سادرين في غيهم وعماهم وهم يتجاهلون هذه الحقائق بشكل متعمد من أجل الاستمرار في مواقفهم المخزية، وممارسة خداع الناس وبيعهم الأكاذيب والأوهام حول ما يسمي بالعراق الجديد و الديمقراطي و النموذجي ، والمتاجرة بعذابات العراقيين لأسباب طائفية ولأغراض سياسية وحزبية ضيقة، ضاربين بعرض الحائط بكل صرخات واستغاثات هذا الشعب المظلوم الذي يتعرض الي ابادة حقيقية علي يد النازيين الجدد وأتباعهم من قوي الموت والدمار. أما نحن فاننا علي ثقة تامة بأن الاحتلال مهما طال فهو الي زوال وسوف تزول معه كل الصور والنماذج القبيحة التي أوجدها، ومنها من دون شك تلك الجوقة من كتاب البغي والعدوان الأمريكي.
محمود القصاب
كاتب عراقي
بعض تداعيات وافرازات الكارثة التي حلت بالعراق، هي أن الاحتلال الأمريكي الصهيوني، اضافة الي جرائمه المتعددة في هذا البلد قد أوجد أيضاً صوراً ونماذج قبيحة صارت تعرف بذيول أو أدوات للمحتل، من هذه النماذج السيئة تلك الجوقة من الكتاب والصحافيين الذين يقدمون خدماتهم الاعلامية والدعائية للاحتلال. ومن المؤسف أن عدد هؤلاء ليس بقليل، وشرورهم كثيرة، وهم منتشرون علي امتداد الساحة العربية بما فيها ساحة البحرين. ويمكن تصنيف أو تقسيم هذه الفئة الي ثلاث مجموعات تصب جميعها في طاحونة المحتل الأمريكي، وتسهم في ترويج أكاذيبه.
المجموعة الأولي تضم زمرة من الصحافيين والكتاب المتأمركين من الذين يتنفسون الهواء الأمريكي وهم لا يخفون حماسهم ومساندتهم للعدوان علي العراق وتأييد احتلاله دون مواربة، ولا ينتابهم شعور بالخجل من مواقفهم الصريحة والمعلنة، لذا تجدهم علي استعداد دائم لتطويع أقلامهم وكتاباتهم بما يخدم صورة الاحتلال الأمريكي للعراق والدفاع عن سياساته والبحث عن مسوغات وتبريرات لكل جرائمه وفظائعه، ولكل هذه الأسباب فقد استحقوا ـ وبجدارة ـ لقب المارينز العرب . والمجموعة الثانية هي التي تضم وتستوعب كل الأفراد والعناصر الذين يتنفسون هواء الطائفية ويحركهم هوي العصبية والمذهبية، وهؤلاء في كل الظروف والأحوال غير معنيين بالبحث عن الحق والحقيقة، وهم غير مؤهلين وليسوا علي استعداد لسماع أو رؤية غير ما هم مقتنعون به، ويعانون عمي في البصر والبصيرة، وهو ما يقودهم دائماً الي الباس الحق بالباطل والانسياق وراء الغرائز الأمريكية الوحشية بوعي ومن دونه، وغالباً ما يستخدمون المفاهيم ذاتها والعبارات نفسها والأوصاف التي يتعامل بها المحتل في قضية العراق، فهي تسمي الاحتلال تحريرا وتدمير العراق اعمارا وتقسيمه طائفياً وعرقياً ديمقراطية ، وتسمي المقاومة ارهابا ، وكتاباتهم ومقالاتهم عموماً تنضح بالأحقاد والسموم.
أما المجموعة الثالثة في هذا الثالوث السيئ فهي في تصورنا الأكثر قبحاً وسوءاً، بل الأكثر خطورة أيضاً، نظراً للأسلوب المراوغ والمخادع الذي تستخدمه عند تغليف الكتابات بادعاءات وطنية وقومية كاذبة، والتخفي وراء شعارات غير صادقة حول معاداة المحتل، والتظاهر بالحرص علي الشعب العراقي ومصلحته والتباكي علي ما حل به من ويلات وفواجع، والادعاء بأن مواقفهم وكتاباتهم حول العراق والعدوان عليه واحتلاله مبنية ومرتبطة بوجود نظام دكتاتوري وأن الاحتلال قد مثل فرصة للتخلص منه واقامة البديل الديمقراطي الذي يحقق العدل والمساواة، ويؤمن عراقاً جديداً متطوراً كما يزعمون، وفي طريقة تناولهم للوضع الراهن في العراق بكل ما يحمله من كوارث ومآس يجسدون قمة الانتهازية والنفاق السياسي، وتنتاب المرء حالة من الذهول والغثيان وهو يتابع ما يكتبه هؤلاء ويحشون به أعمدة مقالاتهم، ويعجب من قدرتهم علي التلون وسرعة التبدل في المواقف والمواقع والاستعداد النفسي والأخلاقي لديهم علي نقل البندقية من كتف الي كتف بحسب الأهواء والمصالح الشخصية من دون أن يرف لهم جفن أو يتحرك عندهم وازع من ضمير، وهم يتحاملون علي قيادة العراق قبل الغزو بهذا الأسلوب الفج والموتور، وتحميلها كل الرزايا الأخلاقية والخطايا السياسية من دون وجه حق، وترديد افتراءات وأكاذيب الغزاة نفسها بتبرير العدوان واستمرار الاحتلال، بالرغم من أن بعض الداخلين في هذه الفئة الضالة والمضللة لم يتركوا سانحة أو فرصة ــ قبل الغزو وسقوط النظام الوطني في العراق ـ الا اغتنموها من أجل مصالحهم الخاصة، والتي لم تكن الرحلات المتكررة الي بغداد في ذلك الوقت سوي الوجه الظاهر من تلك المصالح التي غابت وجعلتهم يكتشفون اليوم كذباً وزوراً أن النظام السابق كان قمعياً ودكتاتورياً، ولم يكن كذلك بالنسبة اليهم قبل سقوطه. ما نريد أن نخلص اليه هو أن جميع هذه النماذج بمختلف ألوانها ومشاربها ودوافعها تشكل اليوم ــ طوعاً أو كرهاً ــ بوقاً للمحتل الأمريكي وهي متوافقة معه في حجم معاداتها وكراهيتها للقوي القومية ورموزها المناضلة، وان اختلفت أسباب ودرجة الهوس والاندفاع الأعمي في هذه الكراهية.
ومع كل ما تحدثه هذه الفئات من ضرر واساءة الي القضايا القومية فانها في الواقع لا تمثل سوي ظاهرة شاذة ونشاز في تاريخنا السياسي والثقافي، وليسوا أكثر من حالة أو صورة مشوهة ومتعارضة مع الوعي والانتماء الصادق لتاريخ الأمة وعقيدتها وشخصيتها الحضارية. وهم لذلك موضع سخرية وازدراء أبناء هذه الأمة خاصة في هذا الظرف البالغ الخطورة الذي تتحدد فيه المواقف الصادقة من المسألة العراقية ومن الاحتلال والمقاومة العراقية التي لم تعد تحتمل أي تسويف أو تزييف، ولا تسمح بهذا التداخل الذي يشوه الوعي والفكر. نقول هذا ونحن نعيش هذه الأيام الذكري الثالثة للغزو الأمريكي الصهيوني والطائفي الشعوبي للعراق، والعالم يراقب ويشهد الواقع المرير لهذا البلد العزيز، الواقع الذي يقدم الشواهد اليومية المتواصلة علي حجم الانتهاكات الصارخة لحقوق الانسان العراقي، والدوس بأحذية الغزاة علي قيم الحرية والديمقراطية المزعومة، واقع ليس فيه سوي صور الموت والدمار وتفجر كل النزعات والقيم المتخلفة مثل الطائفية والعشائرية والعرقية الانفصالية وغيرها من القيم الفاسدة التي تتعارض مع بناء دولة عصرية ومتطورة كما يروج المحتل وعملاؤه من القوي الطائفية والشعوبية، وبالرغم من كل هذه المشاهد المفجعة لا يزال أولئك الكتاب والصحافيون قابعين في مواقعهم ومتشبثين بمواقفهم القديمة والمسيئة، ولا يزالون يتحدثون عن العراق الجديد و النموذج الديمقراطي الذي يجب أن يكون قدوة لدول المنطقة، والنموذج هذا الذي يتحدثون عنه هو عبارة عن بلد غابت فيه الدولة وصار محطة لأوباش العالم من الغزاة واللصوص وقطاع الطرق، وتحول الي وكر للعصابات و الميليشيات و فرق الموت الصولاغية ، وصار مرتعاً لجرائم الموساد والقوي الارهابية ولأجهزة المخابرات الصهيونية والايرانية تسرح وتمرح فيه من دون حسيب أو رقيب، ترسم فيه صورة العذاب والموت للعراقيين وتضع أسس تخريب وتقسيم العراق وسرقة ثرواته وتشويه تاريخه ومواقفه الوطنية والقومية. في ضوء هذه المشاهد والصور المأساوية التي يقذف بها واقع العراق المحتل وفي ظل حالات الظلم والحيف المتزايدة علي الشعب العراقي الصابر والمغلوب علي أمره، ومع كل مظاهر الخوف والرعب اللذين يطبقان علي رقبته من كل الاتجاهات، في ضوء كل هذا من حقنا أن نتساءل مع كل الخيرين في هذا الوطن وفي هذا العالم وخاصة أن الاحتلال قد أكمل عامه الثالث، وأوغل في جرائمه النازية وأحقاده العنصرية ضد هذا البلد العربي وشعبه، نتساءل أين معايير العدل والانصاف؟ وأين قيم الفضيلة وشرف المهنة ومصداقية الكلمة والأمانة الصحافية؟ لماذا تختفي هذه القيم من قاموس هؤلاء الكتاب والصحافيين وتتواري أمام جرائم المحتل الأمريكي وأعوانه من القوي العميلة؟ ولماذا يغيب العقل والضمير عن رؤية عراق اليوم الذي تقطع أوصاله والذي ليس فيه سوي الموت عنواناً ينتظر ويتوعد العراقيين في كل لحظة وفي كل زاوية؟ ومع كل هذا الحاصل فان تلك الأقلام المسعورة ما زالت تلوك بضاعتها القديمة، وما زالت النفوس المريضة مهووسة ومشحونة بأحقادها الدفينة علي العراق وقيادته قبل الغزو والاحتلال، ولا نزال نري ونسمع نفس الأراجيف والتخرصات من تلك الأقلام الساقطة التي تسهم في حملة التزييف والتضليل التي تمارسها الأجهزة الاعلامية والدعائية للمحتل. و
مع ادراكنا التام بأنه في ظل الوضع العالمي القائم لا مجال فيه للصدق والانسانية، ولا مكان فيه لقيم المروءة والشرف، وحيث تسود الولايات المتحدة الأمريكية باغراءاتها وجبروتها ومفاهيمها كقوة وحيدة قاهرة مستبدة، وفي ظل منطق القهر والعدوان والظلم الأمريكي الذي يفرض نفسه علي الساحة الدولية، نقول مع ادراكنا لكل ذلك الا اننا علي يقين ونؤمن أيضاً بأن التاريخ لن يتوقف عند هذه الحالة الشاذة من العسف والطغيان الأمريكي الصهيوني، وان ارادة ومقاومة الشعوب الحرة وتعاطف الأحرار والخيرين في هذا العالم مع هذه الارادة والمقاومة ومساندتها والوقوف معها بالكلمة الصادقة ــ وهو الحد الأدني ــ سوف يعجل بانتصار الحق واندحار الباطل وعلو شأن الحقيقة، وهذا ما تتكفل به المقاومة الوطنية العراقية في الوقت الراهن من تعرية الاحتلال وهزيمته، وكشف زيف شعاراته وأكاذيبه، وادخاله في مأزق خطير وفشل ذرائعه، وسقوطه قانونياً وأخلاقياً بعد سقوط كل ذرائع الغزو علي الصعيد الأمريكي الداخلي وعلي الصعيد العالمي، وباتت الحقائق ساطعة. ونحن هنا من أجل هذه الحقائق التي يحاول المحتل الأمريكي وأبواقه تجاهلها أو تغييبها، سوف نكرر ونعيد ما قد قلناه وكتبناه عشرات المرات، بل مئات المرات، وتناولته الأقلام الصادقة والنزيهة، ولا يتطلب منا هذا الواجب سوي استنطاق واقع العراق وكشف حجم المآسي والفواجع التي يتجرعها العراقيون اليوم في ظل الاحتلال وأعوانه من القوي الطائفية والشعوبية الحاقدة، ومقارنة هذا الوضع الكارثي مع ما كان موجودا وقائما قبل الغزو والاحتلال حتي مع وجود الحصار الظالم والعقوبات القاسية التي قد فرضت عليه منذ عام 1990، يوم شرعت الأمم المتحدة ذلك الظلم وقدمت الغطاء للعدوان ومهدت للاحتلال، فقد رأينا كيف استطاع العراق في أعقاب العدوان عليه في عام 1991 وما تعرض له من تدمير همجي لكل مقومات الحياة فيه، وبعد أن تمكن من القضاء علي صفحة الغدر والخيانة القادمة من راء الحدود الشرقية، فقد استطاعت قيادة العراق في ذلك الوقت وفي زمن قياسي من بناء كل ما دمرته معاول العدوان وخربته أيادي الغدر والخيانة، وتمكن في فترة وجيزة من الحد من التأثيرات السلبية للحصار علي المستوي الاقتصادي والاجتماعي، وابتكر العديد من الوسائل والأساليب، وأبدع في العديد من المجالات، واستطاع أن يوفر الأمن والغذاء والدواء والكهرباء، وهو ما عجزت عنه دولة الاحتلال، دولة حقوق الانسان والديمقراطية المزعومة، التي جعلت المواطن العراقي يعيش الحرمان من كل هذه الخدمات الأساسية. وقد كان العراق في ذلك الوقت علي وشك استعادة سيادته علي أرضه وثرواته قبل أن تتمكن الادارة الأمريكية والقوي الصهيونية وحلفاؤهم من الأنظمة المتواطئة في توظيف أحداث الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) والشروع في التحضير للغزو والاحتلال الذي وقع في فجر 20 اذار (مارس) 2003، عندما أقدم التحالف الأمريكي ـ الصهيوني والقوي الطائفية علي استخدام كل قواهم الشيطانية لاحتلال قلب العروبة ورأس حربتها. واليوم تؤكد الوقائع الحاصلة بعد مرور ثلاثة أعوام علي الغزو، تؤكد مصداقية قيادة العراق وكذب وافتراء أعدائها، فكل الشواهد تثبت أن العراقيين كانوا صادقين في كل ما قالوه، ابتداء من مزاعم وجود أسلحة الدمار الشامل مروراً بالعلاقة المزعومة مع تنظيم القاعدة وصولاً الي أن حزب البعث الحاكم آنذاك قد أكد مراراً أن مخطط العدوان علي العراق واحتلاله لن يخدم سوي الصهاينة وحلفائهم من القوي الطائفية والشعوبية والأنظمة المتواطئة معها.
كما أن قيادة البعث قد أعدت لمقاومة الاحتلال قبل فترة زمنية مناسبة وهيأت مستلزمات وادارة هذه المقاومة بأسلوب وطريقة فيها الكثير من الذكاء والتفرد، فقد كانت في قدراتها وخططها وتكتيكاتها مفاجأة للأصدقاء قبل الأعداء؛ بعكس ادارة بوش الغبية التي خططت للعدوان واستطاعت احتلال العراق واعتبرت هذا الأمر هو نهاية المطاف وهو ما أدخلها في ورطة قاتلة لا تعرف حتي الآن كيف السبيل للخروج منها. ان هذه المقارنة تقودنا حتماً وبالضرورة الي استرجاع صورة الدولة التي كانت قائمة قبل الغزو ومقارنتها مع الفوضي العارمة الحاصلة في الوقت الحاضر، مقارنة بين عراق الأمس وعراق اليوم أو ما تبقي منه، حيث تحولت الدولة فيه الي دولة عصابات للقتل والخطف والسرقة، ودولة الاعتقالات والسجون الخاصة و العامة ، وجري استبدال الكفاءة والخبرة والأهلية بالولاء والمحسوبية والمحاصصة الطائفية والعرقية والعشائرية، غاب وضاع القرار في أجهزة الدولة ومؤسساتها وتحولت الي مقاه و صالونات لعقد الصفقات المشبوهة والعقود الوهمية، وجرت تصفية كل الكفاءات والكوادر المهنية والطبية والعلمية، ولم يعد الطبيب أو المهندس أو المدرس أو العالم يأمن علي حياته الا وهو في خارج العراق. الوزارات أصبحت مرتعاً للفسادين الاداري والمالي وعلي رأس المتورطين في هذا الفساد الرؤوس الكبيرة، وصار من غير الممكن ايجاد وظيفة أو تعيين حارس أو بواب أو توقيع معاملة بسيطة من دون وساطة أو تزكية سياسية أو طائفية أو عشائرية أو رشوة مالية.
وبسبب هذا الفساد جرت سرقة مليارات الدولارات وتم تهريبها الي جيوب أو بنوك في الخارج، لتستقر في حسابات من كانوا بالأمس في المعارضة وصاروا اليوم علي رأس الحكم ممن يدعون الشرف والفضيلة والاستقامة، وكانوا يزعمون أن النظام السابق يبدد أموال الشعب العراقي. واذا ما انتقلنا الي صورة مأساوية أخري لكشف حجم معاناة شعب العراق اليوم، لا بد من التوقف عند مأساة الخدمات ، خاصة الكهرباء التي هي في الواقع لا وجود لها اطلاقاً، ويمكن تصور كيف يعيش العراقيون في صيف العراق اللاهب التي تصل درجة الحرارة فيه في الظل الي 65 درجة مئوية، ناهيك عن كوارث البيئة، وكيف تحولت كل مدن العراق وخاصة العاصمة بغداد الي مزابل ومرتع للنفايات والاشعاعات الملوثة.
أما عن قضية النفط والوقود فالحديث عنها يدمي القلب، فهذا البلد الغني صاحب أكبر مخزون من احتياطات النفط الذي يعوم علي بحيرات من النفط الخام، يعيش فيه المواطن أزمة لا وجود لمثلها في أفقر دول العالم؛ فالعراقي اذا أراد شراء حاجته من الوقود عليه الانتظار ساعات طويلة ليحصل في نهاية الأمر علي وقود مخلوط بالماء وبالمواد في السوق السوداء التي راجت بفعل أزمة الوقود التي أصبح المسئولون وعوائلهم علي رأس ادارة هذه الأسواق من أجل تهريب النفط الي دول الجوار؛ وكلنا يتذكر كيف تصرف ذلك الوزير الطائفي لمعالجة أزمة النفط والوقود المستفحلة، عندما قام بتوقيع عقد نفطي مع ايران رهن بموجبه العراق وصناعاته النفطية بيد ايران الي الأبد. والواقع أن الحديث عن كوارث العراق في ظل الاحتلال وعملائه يمكن أن يكون بلا نهاية، فالعراقي يعاني الفقر والويلات والعذابات اليومية، وهو عاجز عن الحصول علي ما يسد رمقه، في الوقت الذي يعيش فيه الوزراء الجدد والمسؤولون الحاليون في مساكن ومكاتب مبردة ووثيرة، ولا يخرجون منها الا الي السفر خارج العراق، ولا يجرؤ أحد منهم النزول الي الشارع. (انظر القدس العربي 25/2/2006م فصل من كتاب سيصدر عن بغداد بعنوان بغداد بين الجد والهزل ـ انطباعات عائد من بغداد ). ان هدفنا من هذه التفاصيل والاسترسال في سرد الوقائع التي اشرنا اليها بخصوص معاناة العراقيين، انما أردنا في الحقيقة تذكير أولئك الذين لا يزالون سادرين في غيهم وعماهم وهم يتجاهلون هذه الحقائق بشكل متعمد من أجل الاستمرار في مواقفهم المخزية، وممارسة خداع الناس وبيعهم الأكاذيب والأوهام حول ما يسمي بالعراق الجديد و الديمقراطي و النموذجي ، والمتاجرة بعذابات العراقيين لأسباب طائفية ولأغراض سياسية وحزبية ضيقة، ضاربين بعرض الحائط بكل صرخات واستغاثات هذا الشعب المظلوم الذي يتعرض الي ابادة حقيقية علي يد النازيين الجدد وأتباعهم من قوي الموت والدمار. أما نحن فاننا علي ثقة تامة بأن الاحتلال مهما طال فهو الي زوال وسوف تزول معه كل الصور والنماذج القبيحة التي أوجدها، ومنها من دون شك تلك الجوقة من كتاب البغي والعدوان الأمريكي.