"إننا نعمل بجد من اجل الانفصال عن الشعب الآخر الذي نسيطر عليه وإننا سوف نصل إلى هذه الغاية إن عاجلا أو آجلا".
هذه العبارة التي قالها رئيس الوزراء الصهيوني (المجحوم) إسحق رابين إبان الانتفاضة الفلسطينية الكبرى ليرسم فيها صورة الحل السياسي الذي يبغيه الإسرائيليون، واستطرد فيها قائلاً: "إننا لن نعود الى خطوط عام 1967، ولن ننسحب من القدس ولن نتزحزح عن غور الأردن" باتت هي الخطوط العريضة والمعيار الذي يحدّد مسار الجدار السياسي، وهو المسار الذي تحقق مؤخراً على يد المتطرف أرييل شارون عبر جدار الفصل الذي ابتدعه بين الدولة العبرية والفلسطينيين.
فبالرغم من أن رئيس الوزراء الصهيوني المتطرف أرييل شارون سعى بداية إلى عرقلة جدار الفصل، لكنه مع الوقت تبيّن له أن في هذا الجدار بالذات يكمن الحل للمعضلتين في آن واحد.
وفكرة شارون تتلخص في أنه إذا ما ضرب غربي الخط الأخضر وشمل الكتل الاستيطانية، والمواقع الاستراتيجية في آن واحد، فإنه لا يحل فقط معضلة الأمن بل ويبقي على الفكرة الأيديولوجية بمجملها مع التظاهر بعدم المساس بالمقتضيات السياسية التي أنتجها واقع أوسلو.
وربما أن هذه الأبعاد السياسية الخطيرة للجدار هي من جعل موضوع "جدار الفصل" على رأس أجندة الرئيس محمود عباس عندما كان رئيس الوزراء في عهد الرئيس الراحل عرفات لدى أول زيارة له إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش؛ الذي بادله المخاوف من هذه الخطوة الإسرائيلية رغم حالة التراخي التي تعاملت بها سلطة الحكم الذاتي بداية مع بناء هذا الجدار.
فدرجة الاهتمام بموضوع الجدار ودراستها وتحليلها بشكل وافٍ ومعمّق لم تتم منذ فترة وجيزة رغم ما تنطوي عليه هذه الدراسة من أبعاد تتضمن تأثيرات الجدار الاقتصادية الاجتماعية، إلى جانب التأثيرات السياسية التي تعني التحديد المسبق ومن جانب واحد للحدود المشتركة للبلدين ، والتي أخذت بالبروز عمليا في عهد أولمرت.
والأبعاد السياسية لهذا الجدار هي خطيرة للغاية على مستقبل القضية الوطنية الفلسطينية، إذ إنها ترسم الخطوط العامة للحل السياسي المستقبلي بشكل بعيد كل البعد عن الآمال والطموحات الفلسطينية.
وسأستعرض بالنقاط التالية لأهم الأبعاد السياسية المترتبة على قضية الجدار الفاصل:
1-تهدف الدولة العبرية من وراء إقامة "الجدار" إلى رسم حدود سياسية لإعاقة إقامة الدولة الفلسطينية، وهي تستبق بذلك مفاوضات الوضع النهائي وهو الأمر الذي تدركه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فهم يعون أن إقامة "الجدار" سيلحق بالشعب الفلسطيني أضراراً سياسية واجتماعية واقتصادية، وانه سيساهم في تسمين الغول الاستيطاني وتخليد السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين وأرضهم.
فمن المؤكد أن الدولة العبرية تحاول من وراء التهديد الذي يمثله هذا الجدار، خلق المزيد من الضغوط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على التجاوب مع التصورات الإسرائيلية المتعلقة بحل قضايا اللاجئين والقدس والحدود، وهو ما يقول بكلمات أخرى بأنه من المؤكد أن لهذا الجدار وظيفة تفاوضية، بالنسبة لإسرائيل، التي اعتادت على خلق مثل هذه الوقائع في سياق صراعها التفاوضي مع الفلسطينيين.
على ذلك فإن معضلة الجدار هي معضلة عملية التسوية ذاتها، فإسرائيل تتصرف في كل القضايا (اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والأحوال المعيشية والأمنية)، وكأنه ليس ثمة شريك لها، أو كأن التسوية شأن يخصها لوحدها.
كما ان هذا التكريس لنظام الفصل العنصري على مناطق مترابطة جغرافيا وتاريخيا وفرض حدود سياسية جديدة على الفلسطينيين وما يتطلبه من إقامة حواجز ومعابر عسكرية على المفترقات والطرق الرابطة بين المدن الفلسطينية، سيتيح قدراً كبيراً من المناورة على الأرض لحكومة اليمين الإسرائيلية على طريق تثبيت احتلال الضفة الغربية، وبالتالي تعزيز الاستيطان وخلق وقائع وظروف جديدة على الأرض تكبل المفاوض الفلسطيني في أية مفاوضات مقبلة.
(فالسور العازل) ضم آلاف الهكتارات من أراضي الضفة الغربية للجزء الغربي من السور (داخل الخط الأخضر) وعملياً تقسيم الضفة الغربية إلى ثماني كانتونات رئيسية ممزقة إلى عشرات الجيوب الصغيرة.
وبعد كل هذه السيطرة فلن يتبقى للفلسطينيين عمليا إلا جزء يسير من أرضهم وهو أقل بكثير مما هو مطروح في خطة خارطة الطريق، الهادفة لإقامة دويلة فلسطينية قد تكون قابلة للحياة، مع أن هذه الخطة أصلاً لا تمثل خيار الفلسطينيين ولا برنامجهم الوطني.
2-والمشكلة الأخطر بالنسبة للفلسطينيين، أن الجدار يأخذ مسارين، أحدهما غربي الضفة الغربية ويمتد على مسافة طولها 300 كلم (أنجز ثلثيها تقريباً)، ويهدف لعزل الضفة عن (إسرائيل). والثاني شرقي الضفة، وطوله حوالي 700 كلم، وهو يهدف لعزل الضفة عن غور الأردن والبحر الميت.
وفي بعض المواقع يتّخذ الجدار شكل أسلاك شائكة معزّزة بخنادق بعمق أربعة أمتار من الجانبين، مع أسلاك كهربائية ومجسّات الكترونية وكاميرات، ودوريات حراسة مخولة بإطلاق النار، وكلها مرتبطة بمحطات مراقبة، تبعد عن بعضها البعض 200 متر.
وهذا الجدار هو بمثابة ترسيم لواقع سياسي جديد، تحاول إسرائيل، من خلاله، استباق نتيجة التفاوض على الحدود، مع الفلسطينيين، من طرف واحد، وبما يتعارض مع مبدأ إنهاء الاحتلال الذي بدأ في العام 1967.
فالجدار في كلا الحالين، أي في قاطعه الشرقي أو الغربي، يقتطع أراض فلسطينية بعرض 8 ـ12 كلم، وهو ما يشكل مساحة قدرها 25 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
3- أن هذا الجدار لا يأخذ مسارا طوليا مستقيما على طول الحدود المفترضة بين (إسرائيل) والضفة، إذ أنه في كثير من الحالات يأخذ خطا متعرجا الهدف منه ضم العديد من المستوطنات، التي تتوغّل في عمق الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في مناطق نابلس ورام الله والقدس وبيت لحم. ويعني ذلك أن هذا الجدار لا يهدف إلى حماية (إسرائيل) من عمليات المقاومة الفلسطينية، بحسب ما تروّج (إسرائيل) لتبرير اغتصابها مزيد من أراضي الفلسطينيين، وإنما هو يهدف، أيضاً، إلى ضمّ المستوطنات والأراضي المحيطة بها، مما يغير من الواقع السياسي والجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية.
فهو إذن مشروع استيطاني لا ينتبه إليه المهتمون بتجميد الاستيطان. فاذا اضيفت إلى هذا الجدار كتل الاستيطان الأساسية غربه وشرقه فإن الواقع الذي يتجلى أمامنا هو واقع "أبارتهايد"، واقع فصل عنصري.
4- ان هذا الجدار يشكّل عائقا حيويا أمام التواصل الطبيعي بين المدن الفلسطينية، والى جانب ان ذلك يصعّب عيش الفلسطينيين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية فإن هذا الوضع من الناحية السياسية من شأنه أن يجعل الكيان الفلسطيني المفترض أشبه بدويلة معازل (بانتوستانات) متفرقة، وغير قابلة للحياة.
5- وهذا الجدار سيمثل واقع الحدود المستقبلية بين الدولتين وسيكون بمثابة حدود تنفس، ولكن بما تسمح به (إسرائيل) وليس أي أحد آخر، وتبعاً لتعليماتها وتحت وطأة إجراءاتها الأمنية المشددة وتحقيقا لمصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية.
6-ان إدراك حقيقة ان إنجازات السور الأمنية آخذة بالتلاشي كلما مر الوقت، حيث نجح الفلسطينيون في العديد من الحالات في تسلقّه أو العبور من أسفله في ثغرات البناء، فإنه من السهل الإدراك أن التكتيك في بناء (السور العازل) هو ذاته المبدأ والهدف في شق الطرق الالتفافية، أي مصادرة أكبر رقعة ممكنة من الأراضي الفلسطينية مع الآخذ بعين الاعتبار أهميتها الاستراتيجية والحيوية مع السعي لعزل القرى والمدن الفلسطينية وتطويقها بالمستوطنات.
ففي مناطق تقع فيها القرى الفلسطينية بالقرب من المستوطنات، سيصار إلى إنشاء سور مزدوج يعزل هذه القرى وسكانها في جيوب صغيرة، وهو تفسير إضافي لطول السور المضاعف وتقسيمه إلى محورين فما يصطلح على تسميته (جدار الفصل) هو على أرض الواقع (جداري الفصل).
7-ثمة هدف سياسي آخر على غاية من الأهمية لهذا الجدار وهو يتمثل بإبقاء الكيان الفلسطيني، المفترض، تحت رحمة السيطرة الإسرائيلية، من مختلف النواحي، ولا سيما لجهة منع التواصل بينه وبين دول الجوار (الأردن وربما مصر أيضاً).
ويمكن تلخيص الأبعاد السياسية الماضية بما يلي:
- ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية بدون سكانها إلى (إسرائيل) بشكل نهائي.
- منع إقامة أي كيان سيادي فلسطيني على الأرض الفلسطينية.
-ضم الكثير من المستوطنات القريبة أصلاً من الخط الأخضر إلى (إسرائيل) بدل تفكيكها وإنهاء وجودها.
- العمل على خلق بؤر بين (إسرائيل) والدول العربية المجاورة تستخدمها لخلق حالات من التوتر، بهدف التوسع على حساب أراضى تلك الدول، تحقيقاً لأهدافها التوسعية وتحقيق حلم (إسرائيل) الكبرى.
- خلق وقائع مادية ملموسة على الأرض لتستخدمها في أي مفاوضات قادمة للحل النهائي، بحيث لا يمكن لأي طرف إمكانية التغيير في تلك الوقائع أو استبدالها، ومنهم الفلسطينيون الذين سيكون من الصعب عليهم رسم معالم الدولة الفلسطينية بشكل منفرد.
- ضمان سيطرة الدولة العبرية التامة على عبور الأشخاص والبضائع سواء على المعابر بين (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية أو تلك المعابر على الحدود مع الدول الأخرى.
وما يمكن قوله باختصار إن فكرة الفصل التي برزت أساساً كإجراء سياسي تتخذه (إسرائيل) لتحل من خلاله أزمة فشلها في التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة على الطرفين يصار فيها إلى إقامة كيانين مستقلين، تقول بأن قضية الجدار العازل الذي تقيمه الدولة العبرية في أراضي الضفة الغربية المحتلة سيصبح من أهم القضايا التي تعكّر مسار التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد قضية الاستيطان.
والتساؤل المهم الذي يبرز فيما إذا أنجزت كافة مراحل الجدار، ماذا ستكون طبيعة السيناريوهات السياسية بعد ذلك في الوقت الذي تكون فيه (إسرائيل) ثبتت على الأرض وضمن سياسة الأمر الواقع جميع خططها وتصوراتها للمستقبل، وتكون بذلك قد حددت معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية بشكل منفرد، كما وتكون حددت للفلسطينيين وللعالم أجمع مساراً وحيداً للحل نابع من الرؤية الإسرائيلية فقط.
وأخيرا يخاطب الكاتب العقلاء من أبناء الفصائل الفلسطينية وأخص بالذكر أبناء حركتنا الثورية فتح ، ويتساءل : لماذا التباكي على الرواتب ، ولا نتباكى على الأخطر والمؤلم ؟ ويترك الكاتب الإجابة للعقلاء أصحاب الاستراتيجيات ، أصحاب الوعي الوطني الحقيقي .
هذه العبارة التي قالها رئيس الوزراء الصهيوني (المجحوم) إسحق رابين إبان الانتفاضة الفلسطينية الكبرى ليرسم فيها صورة الحل السياسي الذي يبغيه الإسرائيليون، واستطرد فيها قائلاً: "إننا لن نعود الى خطوط عام 1967، ولن ننسحب من القدس ولن نتزحزح عن غور الأردن" باتت هي الخطوط العريضة والمعيار الذي يحدّد مسار الجدار السياسي، وهو المسار الذي تحقق مؤخراً على يد المتطرف أرييل شارون عبر جدار الفصل الذي ابتدعه بين الدولة العبرية والفلسطينيين.
فبالرغم من أن رئيس الوزراء الصهيوني المتطرف أرييل شارون سعى بداية إلى عرقلة جدار الفصل، لكنه مع الوقت تبيّن له أن في هذا الجدار بالذات يكمن الحل للمعضلتين في آن واحد.
وفكرة شارون تتلخص في أنه إذا ما ضرب غربي الخط الأخضر وشمل الكتل الاستيطانية، والمواقع الاستراتيجية في آن واحد، فإنه لا يحل فقط معضلة الأمن بل ويبقي على الفكرة الأيديولوجية بمجملها مع التظاهر بعدم المساس بالمقتضيات السياسية التي أنتجها واقع أوسلو.
وربما أن هذه الأبعاد السياسية الخطيرة للجدار هي من جعل موضوع "جدار الفصل" على رأس أجندة الرئيس محمود عباس عندما كان رئيس الوزراء في عهد الرئيس الراحل عرفات لدى أول زيارة له إلى البيت الأبيض للقاء الرئيس الأمريكي جورج بوش؛ الذي بادله المخاوف من هذه الخطوة الإسرائيلية رغم حالة التراخي التي تعاملت بها سلطة الحكم الذاتي بداية مع بناء هذا الجدار.
فدرجة الاهتمام بموضوع الجدار ودراستها وتحليلها بشكل وافٍ ومعمّق لم تتم منذ فترة وجيزة رغم ما تنطوي عليه هذه الدراسة من أبعاد تتضمن تأثيرات الجدار الاقتصادية الاجتماعية، إلى جانب التأثيرات السياسية التي تعني التحديد المسبق ومن جانب واحد للحدود المشتركة للبلدين ، والتي أخذت بالبروز عمليا في عهد أولمرت.
والأبعاد السياسية لهذا الجدار هي خطيرة للغاية على مستقبل القضية الوطنية الفلسطينية، إذ إنها ترسم الخطوط العامة للحل السياسي المستقبلي بشكل بعيد كل البعد عن الآمال والطموحات الفلسطينية.
وسأستعرض بالنقاط التالية لأهم الأبعاد السياسية المترتبة على قضية الجدار الفاصل:
1-تهدف الدولة العبرية من وراء إقامة "الجدار" إلى رسم حدود سياسية لإعاقة إقامة الدولة الفلسطينية، وهي تستبق بذلك مفاوضات الوضع النهائي وهو الأمر الذي تدركه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، فهم يعون أن إقامة "الجدار" سيلحق بالشعب الفلسطيني أضراراً سياسية واجتماعية واقتصادية، وانه سيساهم في تسمين الغول الاستيطاني وتخليد السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين وأرضهم.
فمن المؤكد أن الدولة العبرية تحاول من وراء التهديد الذي يمثله هذا الجدار، خلق المزيد من الضغوط على القيادة الفلسطينية لإجبارها على التجاوب مع التصورات الإسرائيلية المتعلقة بحل قضايا اللاجئين والقدس والحدود، وهو ما يقول بكلمات أخرى بأنه من المؤكد أن لهذا الجدار وظيفة تفاوضية، بالنسبة لإسرائيل، التي اعتادت على خلق مثل هذه الوقائع في سياق صراعها التفاوضي مع الفلسطينيين.
على ذلك فإن معضلة الجدار هي معضلة عملية التسوية ذاتها، فإسرائيل تتصرف في كل القضايا (اللاجئين والقدس والمستوطنات والحدود والأحوال المعيشية والأمنية)، وكأنه ليس ثمة شريك لها، أو كأن التسوية شأن يخصها لوحدها.
كما ان هذا التكريس لنظام الفصل العنصري على مناطق مترابطة جغرافيا وتاريخيا وفرض حدود سياسية جديدة على الفلسطينيين وما يتطلبه من إقامة حواجز ومعابر عسكرية على المفترقات والطرق الرابطة بين المدن الفلسطينية، سيتيح قدراً كبيراً من المناورة على الأرض لحكومة اليمين الإسرائيلية على طريق تثبيت احتلال الضفة الغربية، وبالتالي تعزيز الاستيطان وخلق وقائع وظروف جديدة على الأرض تكبل المفاوض الفلسطيني في أية مفاوضات مقبلة.
(فالسور العازل) ضم آلاف الهكتارات من أراضي الضفة الغربية للجزء الغربي من السور (داخل الخط الأخضر) وعملياً تقسيم الضفة الغربية إلى ثماني كانتونات رئيسية ممزقة إلى عشرات الجيوب الصغيرة.
وبعد كل هذه السيطرة فلن يتبقى للفلسطينيين عمليا إلا جزء يسير من أرضهم وهو أقل بكثير مما هو مطروح في خطة خارطة الطريق، الهادفة لإقامة دويلة فلسطينية قد تكون قابلة للحياة، مع أن هذه الخطة أصلاً لا تمثل خيار الفلسطينيين ولا برنامجهم الوطني.
2-والمشكلة الأخطر بالنسبة للفلسطينيين، أن الجدار يأخذ مسارين، أحدهما غربي الضفة الغربية ويمتد على مسافة طولها 300 كلم (أنجز ثلثيها تقريباً)، ويهدف لعزل الضفة عن (إسرائيل). والثاني شرقي الضفة، وطوله حوالي 700 كلم، وهو يهدف لعزل الضفة عن غور الأردن والبحر الميت.
وفي بعض المواقع يتّخذ الجدار شكل أسلاك شائكة معزّزة بخنادق بعمق أربعة أمتار من الجانبين، مع أسلاك كهربائية ومجسّات الكترونية وكاميرات، ودوريات حراسة مخولة بإطلاق النار، وكلها مرتبطة بمحطات مراقبة، تبعد عن بعضها البعض 200 متر.
وهذا الجدار هو بمثابة ترسيم لواقع سياسي جديد، تحاول إسرائيل، من خلاله، استباق نتيجة التفاوض على الحدود، مع الفلسطينيين، من طرف واحد، وبما يتعارض مع مبدأ إنهاء الاحتلال الذي بدأ في العام 1967.
فالجدار في كلا الحالين، أي في قاطعه الشرقي أو الغربي، يقتطع أراض فلسطينية بعرض 8 ـ12 كلم، وهو ما يشكل مساحة قدرها 25 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
3- أن هذا الجدار لا يأخذ مسارا طوليا مستقيما على طول الحدود المفترضة بين (إسرائيل) والضفة، إذ أنه في كثير من الحالات يأخذ خطا متعرجا الهدف منه ضم العديد من المستوطنات، التي تتوغّل في عمق الأراضي الفلسطينية، ولا سيما في مناطق نابلس ورام الله والقدس وبيت لحم. ويعني ذلك أن هذا الجدار لا يهدف إلى حماية (إسرائيل) من عمليات المقاومة الفلسطينية، بحسب ما تروّج (إسرائيل) لتبرير اغتصابها مزيد من أراضي الفلسطينيين، وإنما هو يهدف، أيضاً، إلى ضمّ المستوطنات والأراضي المحيطة بها، مما يغير من الواقع السياسي والجغرافي والديمغرافي في الضفة الغربية.
فهو إذن مشروع استيطاني لا ينتبه إليه المهتمون بتجميد الاستيطان. فاذا اضيفت إلى هذا الجدار كتل الاستيطان الأساسية غربه وشرقه فإن الواقع الذي يتجلى أمامنا هو واقع "أبارتهايد"، واقع فصل عنصري.
4- ان هذا الجدار يشكّل عائقا حيويا أمام التواصل الطبيعي بين المدن الفلسطينية، والى جانب ان ذلك يصعّب عيش الفلسطينيين من الناحية الاقتصادية والاجتماعية فإن هذا الوضع من الناحية السياسية من شأنه أن يجعل الكيان الفلسطيني المفترض أشبه بدويلة معازل (بانتوستانات) متفرقة، وغير قابلة للحياة.
5- وهذا الجدار سيمثل واقع الحدود المستقبلية بين الدولتين وسيكون بمثابة حدود تنفس، ولكن بما تسمح به (إسرائيل) وليس أي أحد آخر، وتبعاً لتعليماتها وتحت وطأة إجراءاتها الأمنية المشددة وتحقيقا لمصالحها الأمنية والسياسية والاقتصادية.
6-ان إدراك حقيقة ان إنجازات السور الأمنية آخذة بالتلاشي كلما مر الوقت، حيث نجح الفلسطينيون في العديد من الحالات في تسلقّه أو العبور من أسفله في ثغرات البناء، فإنه من السهل الإدراك أن التكتيك في بناء (السور العازل) هو ذاته المبدأ والهدف في شق الطرق الالتفافية، أي مصادرة أكبر رقعة ممكنة من الأراضي الفلسطينية مع الآخذ بعين الاعتبار أهميتها الاستراتيجية والحيوية مع السعي لعزل القرى والمدن الفلسطينية وتطويقها بالمستوطنات.
ففي مناطق تقع فيها القرى الفلسطينية بالقرب من المستوطنات، سيصار إلى إنشاء سور مزدوج يعزل هذه القرى وسكانها في جيوب صغيرة، وهو تفسير إضافي لطول السور المضاعف وتقسيمه إلى محورين فما يصطلح على تسميته (جدار الفصل) هو على أرض الواقع (جداري الفصل).
7-ثمة هدف سياسي آخر على غاية من الأهمية لهذا الجدار وهو يتمثل بإبقاء الكيان الفلسطيني، المفترض، تحت رحمة السيطرة الإسرائيلية، من مختلف النواحي، ولا سيما لجهة منع التواصل بينه وبين دول الجوار (الأردن وربما مصر أيضاً).
ويمكن تلخيص الأبعاد السياسية الماضية بما يلي:
- ضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية بدون سكانها إلى (إسرائيل) بشكل نهائي.
- منع إقامة أي كيان سيادي فلسطيني على الأرض الفلسطينية.
-ضم الكثير من المستوطنات القريبة أصلاً من الخط الأخضر إلى (إسرائيل) بدل تفكيكها وإنهاء وجودها.
- العمل على خلق بؤر بين (إسرائيل) والدول العربية المجاورة تستخدمها لخلق حالات من التوتر، بهدف التوسع على حساب أراضى تلك الدول، تحقيقاً لأهدافها التوسعية وتحقيق حلم (إسرائيل) الكبرى.
- خلق وقائع مادية ملموسة على الأرض لتستخدمها في أي مفاوضات قادمة للحل النهائي، بحيث لا يمكن لأي طرف إمكانية التغيير في تلك الوقائع أو استبدالها، ومنهم الفلسطينيون الذين سيكون من الصعب عليهم رسم معالم الدولة الفلسطينية بشكل منفرد.
- ضمان سيطرة الدولة العبرية التامة على عبور الأشخاص والبضائع سواء على المعابر بين (إسرائيل) والأراضي الفلسطينية أو تلك المعابر على الحدود مع الدول الأخرى.
وما يمكن قوله باختصار إن فكرة الفصل التي برزت أساساً كإجراء سياسي تتخذه (إسرائيل) لتحل من خلاله أزمة فشلها في التوصل إلى تسوية سياسية مقبولة على الطرفين يصار فيها إلى إقامة كيانين مستقلين، تقول بأن قضية الجدار العازل الذي تقيمه الدولة العبرية في أراضي الضفة الغربية المحتلة سيصبح من أهم القضايا التي تعكّر مسار التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بعد قضية الاستيطان.
والتساؤل المهم الذي يبرز فيما إذا أنجزت كافة مراحل الجدار، ماذا ستكون طبيعة السيناريوهات السياسية بعد ذلك في الوقت الذي تكون فيه (إسرائيل) ثبتت على الأرض وضمن سياسة الأمر الواقع جميع خططها وتصوراتها للمستقبل، وتكون بذلك قد حددت معالم الدولة الفلسطينية المستقبلية بشكل منفرد، كما وتكون حددت للفلسطينيين وللعالم أجمع مساراً وحيداً للحل نابع من الرؤية الإسرائيلية فقط.
وأخيرا يخاطب الكاتب العقلاء من أبناء الفصائل الفلسطينية وأخص بالذكر أبناء حركتنا الثورية فتح ، ويتساءل : لماذا التباكي على الرواتب ، ولا نتباكى على الأخطر والمؤلم ؟ ويترك الكاتب الإجابة للعقلاء أصحاب الاستراتيجيات ، أصحاب الوعي الوطني الحقيقي .