
لنتخذ القرار الصحيح!!
محمود الهباش
ها قد حدث بالفعل ما لم يكن أحد منا يتمناه، أو على الأقل، نحن فقط في بداية الطريق الصعب نحو مزيد من تفاقم الأزمات التي ما انفكت تعصف بالشعب الفلسطيني على مدى كل السنوات الماضية، منذ أن وقعت النكبة قبل ثمانية وخمسين عامًا، وحتى يومنا هذا، وإن كان أبرز أبعاد الأزمة الراهنة هو البعد الاقتصادي، بعد أن اتخذ منه العدو والقريب شوكة غرسها في خاصرة الشعب الفلسطيني، استدرارًا لمزيد من التنازلات والتراجعات، التي فتحنا نحن أبوابها، حتى لم يبق أمامها إلا وجود الشعب الفلسطيني برمته، لتطيح به من طريق استتباب الأمر لمشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المشرق العربي جملة وتفصيلاً.
قبيل تشكيل الحكومة الفلسطينية الراهنة، قلت في مقالة سابقة تحت عنوان "الأمنيات وحدها لا تكفي": "بإمكاننا أن نستغني عن المساعدات الأمريكية والغربية إذا استطعنا الحفاظ على تدفق المساعدات العربية والإسلامية، لكن هل سنضمن ذلك في ظل الهيمنة الأمريكية؟ وهل يمكن أن تخاطر الحكومات بعلاقاتها مع واشنطن بسبب مساعدتها لنا؟ أستبعد ذلك، وبالتالي فعلينا أن نتوقع أيامًا عجافًا قد تطول وقد تقصر، وعلى الحكومة الفلسطينية أن تبدأ في تهيئة الشعب لتلك الأيام، وأن تعتمد برامج واقعية في مواجهة الأزمة المنتظرة، لأن الأمنيات الجميلة بالرخاء الاقتصادي والرفاهية لا تكفي لسد الرمق، ولا تصلح في معالجة الأزمات".
ورغم ذلك، ورغم أن هذا الواقع الذي لم نكن نتمناه، لم يكن غائبًا عن توقعاتنا أو توقعات الحكومة حتى قبل وقوعه، ورغم أن أبسط قواعد العمل والقيادة تتطلب التخطيط والإعداد المسبق، إلا أن ثقافتنا السياسية المترهلة، التي ميزت حركة الأمة بأسرها على مدى سنوات، أبقتنا أسرى الأمنيات الجميلة والأحلام الوردية، التي لا يصلح شيء منها في مواجهة واقع العالم المعاصر، المشحون بالتقلبات والأزمات، والقائم على حسابات المصالح وموازين الربح والخسارة، والذي لا يعترف بالعواطف الإنسانية أو المشاعر النبيلة أو الأمنيات المجردة، لنستيقظ من أحلامنا الخادعة على مرارة الواقع الذي ألقانا في بؤرة الأزمة، التي لم نعد لها العدة من قبل، مطالبين بالاختيار بين الموت وما هو أشد على نفوسنا منه.
اليوم، ونحن نواجه هذه الأزمة الخانقة، التي تواصل ضغطها على واقعنا الواقع بالفعل تحت جملة معقدة من الضغوط المتشعبة، يجب ألا نكثر من البكاء والتحسر على ما فاتنا من فرصة الإعداد والاستعداد، فوقتنا أثمن من أن نهدره في مثل ذلك، وأمامنا الكثير مما يمكن أن نفعله، حتى ونحن في قلب دوامة الأزمة التي تضغط على المشاعر والعقول سواء بسواء، ولكن بعيدًا عن تلك الأمنيات الحمقاء التي لم تكن ولن تكون إلا سجنًا نحبس فيه طاقات الإبداع والمواجهة المخبوءة في أعماقنا، والقادرة على مواجهة أصعب الظروف والأزمات، إن نحن أحسنا توظيفها واستثمارها.
أنا لا أتوقع أن تكون الحكومة قادرة، على الأقل بشكل كامل، على حل هذه الأزمة، وبالتالي فليس أمامها وأمامنا سوى مواجهتها بأسلوب إدارة الأزمة، سعيًا إلى التخفيف من ضغوطها وأثقالها عن كاهل المواطن الفلسطيني، وأولى الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا الاتجاه أن نبدأ معًا بالتفكير المنفتح على كل الظروف والاحتمالات والتوقعات، والمستعد سلفًا لأي نوع من القرارات، ذلك أن كل إجابة سؤال من الأسئلة التي نحن مطالبون بها في مواجهة هذه الأزمة، يمكن أن تفتح علينا سؤالاً جديدًا أكثر حدة وأشد تعقيدًا، يحتاج إلى طاقات عقلية متراكمة، تحرر ثقافتنا السياسية من الترهل والعدمية والأحادية القاتلة، وتعيد إنتاج مواقفنا وفق منهج مستنير يعتمد لغة الواقع الملتزم، بعيدًا عن خبل الأحلام الخادعة أو الأمنيات البلهاء.
قد تستطيع السلطة، برئاستها وحكومتها، توفير رواتب الموظفين لهذا الشهر، لكن هذا لا يعني انتهاء الأزمة، بل تأجيل انفجارها فقط، هذا الانفجار الذي سيطيح، حال وقوعه لا قدر الله، بالمشروع السياسي والاجتماعي الراهن، وأقصد به السلطة الوطنية الفلسطينية، بما يعني العودة خطوات واسعة على الوراء، ولكي لا يحدث ذلك لابد للقيادة الفلسطينية، بما في ذلك الرئيس والحكومة، من الحكمة والشجاعة في اتخاذ القرار الصحيح.
[email protected]
محمود الهباش
ها قد حدث بالفعل ما لم يكن أحد منا يتمناه، أو على الأقل، نحن فقط في بداية الطريق الصعب نحو مزيد من تفاقم الأزمات التي ما انفكت تعصف بالشعب الفلسطيني على مدى كل السنوات الماضية، منذ أن وقعت النكبة قبل ثمانية وخمسين عامًا، وحتى يومنا هذا، وإن كان أبرز أبعاد الأزمة الراهنة هو البعد الاقتصادي، بعد أن اتخذ منه العدو والقريب شوكة غرسها في خاصرة الشعب الفلسطيني، استدرارًا لمزيد من التنازلات والتراجعات، التي فتحنا نحن أبوابها، حتى لم يبق أمامها إلا وجود الشعب الفلسطيني برمته، لتطيح به من طريق استتباب الأمر لمشروع الهيمنة الأمريكية الإسرائيلية على المشرق العربي جملة وتفصيلاً.
قبيل تشكيل الحكومة الفلسطينية الراهنة، قلت في مقالة سابقة تحت عنوان "الأمنيات وحدها لا تكفي": "بإمكاننا أن نستغني عن المساعدات الأمريكية والغربية إذا استطعنا الحفاظ على تدفق المساعدات العربية والإسلامية، لكن هل سنضمن ذلك في ظل الهيمنة الأمريكية؟ وهل يمكن أن تخاطر الحكومات بعلاقاتها مع واشنطن بسبب مساعدتها لنا؟ أستبعد ذلك، وبالتالي فعلينا أن نتوقع أيامًا عجافًا قد تطول وقد تقصر، وعلى الحكومة الفلسطينية أن تبدأ في تهيئة الشعب لتلك الأيام، وأن تعتمد برامج واقعية في مواجهة الأزمة المنتظرة، لأن الأمنيات الجميلة بالرخاء الاقتصادي والرفاهية لا تكفي لسد الرمق، ولا تصلح في معالجة الأزمات".
ورغم ذلك، ورغم أن هذا الواقع الذي لم نكن نتمناه، لم يكن غائبًا عن توقعاتنا أو توقعات الحكومة حتى قبل وقوعه، ورغم أن أبسط قواعد العمل والقيادة تتطلب التخطيط والإعداد المسبق، إلا أن ثقافتنا السياسية المترهلة، التي ميزت حركة الأمة بأسرها على مدى سنوات، أبقتنا أسرى الأمنيات الجميلة والأحلام الوردية، التي لا يصلح شيء منها في مواجهة واقع العالم المعاصر، المشحون بالتقلبات والأزمات، والقائم على حسابات المصالح وموازين الربح والخسارة، والذي لا يعترف بالعواطف الإنسانية أو المشاعر النبيلة أو الأمنيات المجردة، لنستيقظ من أحلامنا الخادعة على مرارة الواقع الذي ألقانا في بؤرة الأزمة، التي لم نعد لها العدة من قبل، مطالبين بالاختيار بين الموت وما هو أشد على نفوسنا منه.
اليوم، ونحن نواجه هذه الأزمة الخانقة، التي تواصل ضغطها على واقعنا الواقع بالفعل تحت جملة معقدة من الضغوط المتشعبة، يجب ألا نكثر من البكاء والتحسر على ما فاتنا من فرصة الإعداد والاستعداد، فوقتنا أثمن من أن نهدره في مثل ذلك، وأمامنا الكثير مما يمكن أن نفعله، حتى ونحن في قلب دوامة الأزمة التي تضغط على المشاعر والعقول سواء بسواء، ولكن بعيدًا عن تلك الأمنيات الحمقاء التي لم تكن ولن تكون إلا سجنًا نحبس فيه طاقات الإبداع والمواجهة المخبوءة في أعماقنا، والقادرة على مواجهة أصعب الظروف والأزمات، إن نحن أحسنا توظيفها واستثمارها.
أنا لا أتوقع أن تكون الحكومة قادرة، على الأقل بشكل كامل، على حل هذه الأزمة، وبالتالي فليس أمامها وأمامنا سوى مواجهتها بأسلوب إدارة الأزمة، سعيًا إلى التخفيف من ضغوطها وأثقالها عن كاهل المواطن الفلسطيني، وأولى الخطوات التي يجب اتخاذها في هذا الاتجاه أن نبدأ معًا بالتفكير المنفتح على كل الظروف والاحتمالات والتوقعات، والمستعد سلفًا لأي نوع من القرارات، ذلك أن كل إجابة سؤال من الأسئلة التي نحن مطالبون بها في مواجهة هذه الأزمة، يمكن أن تفتح علينا سؤالاً جديدًا أكثر حدة وأشد تعقيدًا، يحتاج إلى طاقات عقلية متراكمة، تحرر ثقافتنا السياسية من الترهل والعدمية والأحادية القاتلة، وتعيد إنتاج مواقفنا وفق منهج مستنير يعتمد لغة الواقع الملتزم، بعيدًا عن خبل الأحلام الخادعة أو الأمنيات البلهاء.
قد تستطيع السلطة، برئاستها وحكومتها، توفير رواتب الموظفين لهذا الشهر، لكن هذا لا يعني انتهاء الأزمة، بل تأجيل انفجارها فقط، هذا الانفجار الذي سيطيح، حال وقوعه لا قدر الله، بالمشروع السياسي والاجتماعي الراهن، وأقصد به السلطة الوطنية الفلسطينية، بما يعني العودة خطوات واسعة على الوراء، ولكي لا يحدث ذلك لابد للقيادة الفلسطينية، بما في ذلك الرئيس والحكومة، من الحكمة والشجاعة في اتخاذ القرار الصحيح.
[email protected]