
هل يمكن لحركة حماس أن تخلق نموذجاً واقعياً إيجابياً؟ بقلم د. خالد محمد صافي
يصعب تعريف الواقعية لتعدد استخداماتها في السياسية والفن وحتى في الاقتصاد ولكن بلا شك فإنها مشتقة من الواقع. ويمكن القول إنها عكس الخيال أو عكس المثالية. وهي تعني في الأدب مدرسة أدبية بخلاف مدارس الرمزية والرومانسية والمثالية وغيرها. ولكن سنتناول هنا الواقعية كمفهوم سياسي يتم تناوله على الألسن للتعبير عن التعامل مع الواقع والانطلاق منه في معالجة القضايا السياسية واليومية. فعندما نطلب من إنسان أن يكون واقعياً نقصد منه أن يعيش الواقع ويبتعد عن التحليق بعيداً في عالم الخيال والمثالية. ولذلك تعزز المفهوم في الإدراك والوعي وحتى الشعور واللاشعور بضرورة الاستجابة لظروف الواقع والتعاطي معها. وتدرج المفهوم أكثر وأصبح يعد استسلاماً للواقع، وبات في ظل التراجع بل الترهل الفلسطيني والعربي يرادف الانهزامية وذلك على أساس أن الواقع الفلسطيني والعربي ضعيف وواهن ولا يقوى على مجابهة التحديات. وأصبح الخطاب الرسمي الفلسطيني بل العربي يتسم بالواقعية، وينطلق من رؤية واحدة تتقاطع مع السياسية في مفهومها السلبي وهو فن الممكن. وبدأ يتردد أن الإنجازات التفاوضية الفلسطينية تنطلق من فن الممكن في تحقيق المكاسب السياسية في ظل معطيات محلية وإقليمية ودولية غير مواتية ومناسبة لتحقيق اختراقات فلسطينية وعربية لاسيما وأن النظام الدولي اليوم هو نظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي وعلى الصعيد الفلسطيني والعربي الرسمي أصبحت إسرائيل أمراً واقعاً لابد من التسليم به، وتحاول الولايات المتحدة الآن الترويج أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تشكل أمراً واقعاً يجب عدم تجاهله ولابد من رسم حدود دولة إسرائيل بناء على هذه المعطيات. وهنا تم تعزيز مبدأ الواقعية السلبية في العقل والإدراك العربي.
ولكن دعنا هنا ننطلق من مفهوم ومدلول آخر للواقعية بالمعنى الإيجابي. وسنطلق عليها الواقعية الإيجابية بمعنى أن ننطلق في خطابنا وممارستنا من تشخيص علمي للواقع ضمن رؤية نقدية موضوعية. وأن يتم دراسة عوامل القوة والضعف على الصعيد الذاتي والموضوعي. وتحديد التحديات المجتمعية والاقتصادية والسياسية والأمنية. وكذلك تحديد القدرات والكفاءات التي نمتلكها. وبناء على تحديد علمي واضح بعيداً عن الضبابية والغيبية والنرجسية والشعاراتية والإدعاء المطلق بامتلاك الحقيقة يمكن رسم معطيات الاستجابة. وهنا لابد من تحديد معسكر الأصدقاء والأعداء بدقة. ولنعد هنا إلى نظرية المؤرخ البريطاني الشهير "توينبي" الذي وضع نظريته في تفسير التاريخ على أساس التحدي والاستجابة. وأن الدول والحضارات يتحدد مصيرها ووجودها وديمومتها بناء على قدرتها على الاستجابة للتحديات التي تواجهها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وأن الأحداث التاريخية تصنع بين التحدي والاستجابة. ويمكن القول إن الفلسطينيين والعرب قد واجهوا في القرن العشرين تحدياً قوياً وخطيرً وهو الخطر الصهيوني، وأن استجابتهم له لم تكن بالقدر الكافي والمستوى المطلوب ولذلك تلق العرب الهزيمة تلو الأخرى، وانتقلوا من فشل إلى فشل أكبر. وهنا لابد من أن نستذكر المفكر اللبناني القومي نجيب عازوري الذي كتب كتاب "يقظة الأمة العربية" سنة 1905م، ونبه فيه إلى الخطر الصهيوني حيث قال: "ظاهرتان هامتان، لهما نفس الطبيعة بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن تتوضحان في هذه الآونة في تركيا الأسيوية أعنى: يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع، وأن مصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر أحدهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين الذين يمثلان مبدأين حضاريين، يتعلق مصير العالم بأجمعه". وهنا فإن الحركة الصهيونية قد بدأت تخلق الوقائع على الأرض ثم تحصد نتائجها السياسية. فيما شكل الموقف الفلسطيني والعربي ردود أفعال على الواقع التي تفرضه الحركة الصهيونية، والتي نجحت في النهاية من تكريس الوطن القومي اليهودي في فلسطين كأمر واقع. وتحولت إسرائيل من حلم إلى واقع في مقابل تحول فلسطين من واقع إلى حلم. لذلك فإننا كفلسطينيين وعرب استجبنا للواقع، ولم نكن على مستوى التحدي فيما قامت الحركة الصهيونية ثم إسرائيل بخلق الواقع التي تريده وترغب به ثم تحاول إجبارنا على الاستسلام له كقدر محتوم. وهنا يكمن الفرق بين الواقعية السلبية التي تتعاطى مع الواقع كما هو، وتدور في فلكه محاولة التعامل معه ضمن فن الممكن وبين الواقعية الإيجابية التي تحاول استنهاض الواقع القائم وتطوير عناصر القوة الذاتية والموضوعية الكامنة فيه في محاولة جادة لخلق واقع جديد تستطيع من خلاله تحقيق الأهداف المرجوة.
ونعاني الآن على الصعيد السياسي من أزمة في فهم الواقع. فهناك تيار الواقعية السلبية التي تعني الاستسلام والانهزام للواقع السياسي القائم، وأنه لابد من التعاطي مع الواقع الإسرائيلي والدولي. والإبقاء على المفاوضات كنهج استراتيجي في ظل تأزم الواقع الفلسطيني والعربي. وهذا التيار قد أصبح يعاني من أزمة حقيقية كونه قد وصل إلى طريق مسدود جراء واقعيته المفرطة التي أفقدت نفسها من كل أوراقها الضاغطة، ودخلت مرحلة الاستجداء وسط تأكل بعدها الشعبي. وهناك تيار الواقعية الإيجابية الذي يحاول خلق حالة من التصلب والتحدي، وممارسة خطاب استنهاضي ذاتي ولكن ضمن معطيات موضوعية صعبة. ولسنا هنا بصدد مناقشة مدى ملائمة العنصر الزمني أم لا، فإن وصول هذا التيار للسلطة، وتسلمه مقاليد الحكومة قد فرض حضوره ولم يعد مجدياً إمكانية مناقشة ذلك. وهذا التيار لا زال يواجه ضبابية في عملية التقييم الذاتي الموضوعي، ولا يزال ينطلق من خطاب ديماغوجي شعاراتي أكثر منه خطاباً علمياً مدروساً. وهو يحاول الانطلاق من رؤية أحادية تدعي امتلاك الحقيقة والحلول السحرية في زمن ولت فيه المعجزات الغيبية. ولم يحاول هذا التيار تحديد معسكر الأعداء والأصدقاء بدقة. يتشبث بوعود هنا وهناك، ويطلق التصريحات المتناقضة هنا وهناك أيضاً. فمثلاً هل يمكن التعويل على واقع عربي رسمي كان هو على مدار أكثر من نصف قرن جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل. ويعول على الأنظمة الرسمية العربية التي كرست الخطاب الواقعي الذي يتعاطى مع إسرائيل كواقع لابد من التعايش معه. وتخلت عن استراتيجيه المقاومة لصالح استراتيجيه السلام أو لنكن دقيقين استراتيجيه الاستسلام. ولابد من التساؤل هنا هل الأنظمة العربية القائمة معنية بنجاح تجربة حركة حماس في السلطة؟ ولكن ما نحن متأكدون منه أن الأنظمة العربية القائمة معنية بفشل حركة حماس أكثر من إسرائيل لأن نجاح حركة حماس في تجربتها هو في الوقت نفسه إبراز لفشل هذه الأنظمة. ويشكل تقويضاً لشرعيتها وتهديداً لاستمرارها. وهل الأنظمة العربية معنية بتصدير تجربة خيار الشعب والديمقراطية النزيهة، وتكريس مبدأ تداول السلطة. كذلك يبقى التساؤل قائماً هل إيران معنية بتجربة حركة حماس السنية أم تحاول استخدامها كورقة ضاغطة في لعبتها الإقليمية والدولية؟ ولذلك فلا بد من القول إن الواقعية الإيجابية لكي تنجح لابد من تجاوز النهج الخطابي الشعاراتي، وترك الخطاب الاتهامي التهربي الذي لا يزال يتصور نفسه في صفوف المعارضة. فالكل أضحى يدرك أن حركة حماس قد ورثت إرثاً ثقيلاً على الصعد كافة. وأن حل إشكالاته لن يكون بضربة سحرية، وإنما بشكل تدريجي ينطلق من تحديد بواطن القوة والضعف، واتباع استرتيجية اختراق للحصار المفروض ضمن رؤية واضحة يحشد فيها طاقات شعبية فلسطينية وعربية وحتى دولية. وفي الوقت نفسه توظيف الكفاءات والقدرات بعيداً عن عقلية الإقصاء والتصنيف على أسس فئوية ضيقة. وتصليب الجبهة الداخلية وتقويتها، ضمن خطاب تعبوي جديد يعلو على عقلية التقوقع والانكفاء والنرجسية العاجية. فنجاح حركة حماس في خلق نموذج واقعي إيجابي أو فشلها سيحدد مصير القضية الفلسطينية، وسيحدد مدى قدرتنا على استنهاض الواقع أم الاستسلام له.
يصعب تعريف الواقعية لتعدد استخداماتها في السياسية والفن وحتى في الاقتصاد ولكن بلا شك فإنها مشتقة من الواقع. ويمكن القول إنها عكس الخيال أو عكس المثالية. وهي تعني في الأدب مدرسة أدبية بخلاف مدارس الرمزية والرومانسية والمثالية وغيرها. ولكن سنتناول هنا الواقعية كمفهوم سياسي يتم تناوله على الألسن للتعبير عن التعامل مع الواقع والانطلاق منه في معالجة القضايا السياسية واليومية. فعندما نطلب من إنسان أن يكون واقعياً نقصد منه أن يعيش الواقع ويبتعد عن التحليق بعيداً في عالم الخيال والمثالية. ولذلك تعزز المفهوم في الإدراك والوعي وحتى الشعور واللاشعور بضرورة الاستجابة لظروف الواقع والتعاطي معها. وتدرج المفهوم أكثر وأصبح يعد استسلاماً للواقع، وبات في ظل التراجع بل الترهل الفلسطيني والعربي يرادف الانهزامية وذلك على أساس أن الواقع الفلسطيني والعربي ضعيف وواهن ولا يقوى على مجابهة التحديات. وأصبح الخطاب الرسمي الفلسطيني بل العربي يتسم بالواقعية، وينطلق من رؤية واحدة تتقاطع مع السياسية في مفهومها السلبي وهو فن الممكن. وبدأ يتردد أن الإنجازات التفاوضية الفلسطينية تنطلق من فن الممكن في تحقيق المكاسب السياسية في ظل معطيات محلية وإقليمية ودولية غير مواتية ومناسبة لتحقيق اختراقات فلسطينية وعربية لاسيما وأن النظام الدولي اليوم هو نظام القطب الواحد الذي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي وعلى الصعيد الفلسطيني والعربي الرسمي أصبحت إسرائيل أمراً واقعاً لابد من التسليم به، وتحاول الولايات المتحدة الآن الترويج أن المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة تشكل أمراً واقعاً يجب عدم تجاهله ولابد من رسم حدود دولة إسرائيل بناء على هذه المعطيات. وهنا تم تعزيز مبدأ الواقعية السلبية في العقل والإدراك العربي.
ولكن دعنا هنا ننطلق من مفهوم ومدلول آخر للواقعية بالمعنى الإيجابي. وسنطلق عليها الواقعية الإيجابية بمعنى أن ننطلق في خطابنا وممارستنا من تشخيص علمي للواقع ضمن رؤية نقدية موضوعية. وأن يتم دراسة عوامل القوة والضعف على الصعيد الذاتي والموضوعي. وتحديد التحديات المجتمعية والاقتصادية والسياسية والأمنية. وكذلك تحديد القدرات والكفاءات التي نمتلكها. وبناء على تحديد علمي واضح بعيداً عن الضبابية والغيبية والنرجسية والشعاراتية والإدعاء المطلق بامتلاك الحقيقة يمكن رسم معطيات الاستجابة. وهنا لابد من تحديد معسكر الأصدقاء والأعداء بدقة. ولنعد هنا إلى نظرية المؤرخ البريطاني الشهير "توينبي" الذي وضع نظريته في تفسير التاريخ على أساس التحدي والاستجابة. وأن الدول والحضارات يتحدد مصيرها ووجودها وديمومتها بناء على قدرتها على الاستجابة للتحديات التي تواجهها سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. وأن الأحداث التاريخية تصنع بين التحدي والاستجابة. ويمكن القول إن الفلسطينيين والعرب قد واجهوا في القرن العشرين تحدياً قوياً وخطيرً وهو الخطر الصهيوني، وأن استجابتهم له لم تكن بالقدر الكافي والمستوى المطلوب ولذلك تلق العرب الهزيمة تلو الأخرى، وانتقلوا من فشل إلى فشل أكبر. وهنا لابد من أن نستذكر المفكر اللبناني القومي نجيب عازوري الذي كتب كتاب "يقظة الأمة العربية" سنة 1905م، ونبه فيه إلى الخطر الصهيوني حيث قال: "ظاهرتان هامتان، لهما نفس الطبيعة بيد أنهما متعارضتان، لم تجذبا انتباه أحد حتى الآن تتوضحان في هذه الآونة في تركيا الأسيوية أعنى: يقظة الأمة العربية وجهد اليهود الخفي لإعادة تكوين مملكة إسرائيل القديمة على نطاق واسع، وأن مصير هاتين الحركتين هو أن تتعاركا باستمرار حتى تنتصر أحدهما على الأخرى، وبالنتيجة النهائية لهذا الصراع بين هذين الشعبين الذين يمثلان مبدأين حضاريين، يتعلق مصير العالم بأجمعه". وهنا فإن الحركة الصهيونية قد بدأت تخلق الوقائع على الأرض ثم تحصد نتائجها السياسية. فيما شكل الموقف الفلسطيني والعربي ردود أفعال على الواقع التي تفرضه الحركة الصهيونية، والتي نجحت في النهاية من تكريس الوطن القومي اليهودي في فلسطين كأمر واقع. وتحولت إسرائيل من حلم إلى واقع في مقابل تحول فلسطين من واقع إلى حلم. لذلك فإننا كفلسطينيين وعرب استجبنا للواقع، ولم نكن على مستوى التحدي فيما قامت الحركة الصهيونية ثم إسرائيل بخلق الواقع التي تريده وترغب به ثم تحاول إجبارنا على الاستسلام له كقدر محتوم. وهنا يكمن الفرق بين الواقعية السلبية التي تتعاطى مع الواقع كما هو، وتدور في فلكه محاولة التعامل معه ضمن فن الممكن وبين الواقعية الإيجابية التي تحاول استنهاض الواقع القائم وتطوير عناصر القوة الذاتية والموضوعية الكامنة فيه في محاولة جادة لخلق واقع جديد تستطيع من خلاله تحقيق الأهداف المرجوة.
ونعاني الآن على الصعيد السياسي من أزمة في فهم الواقع. فهناك تيار الواقعية السلبية التي تعني الاستسلام والانهزام للواقع السياسي القائم، وأنه لابد من التعاطي مع الواقع الإسرائيلي والدولي. والإبقاء على المفاوضات كنهج استراتيجي في ظل تأزم الواقع الفلسطيني والعربي. وهذا التيار قد أصبح يعاني من أزمة حقيقية كونه قد وصل إلى طريق مسدود جراء واقعيته المفرطة التي أفقدت نفسها من كل أوراقها الضاغطة، ودخلت مرحلة الاستجداء وسط تأكل بعدها الشعبي. وهناك تيار الواقعية الإيجابية الذي يحاول خلق حالة من التصلب والتحدي، وممارسة خطاب استنهاضي ذاتي ولكن ضمن معطيات موضوعية صعبة. ولسنا هنا بصدد مناقشة مدى ملائمة العنصر الزمني أم لا، فإن وصول هذا التيار للسلطة، وتسلمه مقاليد الحكومة قد فرض حضوره ولم يعد مجدياً إمكانية مناقشة ذلك. وهذا التيار لا زال يواجه ضبابية في عملية التقييم الذاتي الموضوعي، ولا يزال ينطلق من خطاب ديماغوجي شعاراتي أكثر منه خطاباً علمياً مدروساً. وهو يحاول الانطلاق من رؤية أحادية تدعي امتلاك الحقيقة والحلول السحرية في زمن ولت فيه المعجزات الغيبية. ولم يحاول هذا التيار تحديد معسكر الأعداء والأصدقاء بدقة. يتشبث بوعود هنا وهناك، ويطلق التصريحات المتناقضة هنا وهناك أيضاً. فمثلاً هل يمكن التعويل على واقع عربي رسمي كان هو على مدار أكثر من نصف قرن جزءاً من المشكلة وليس جزءاً من الحل. ويعول على الأنظمة الرسمية العربية التي كرست الخطاب الواقعي الذي يتعاطى مع إسرائيل كواقع لابد من التعايش معه. وتخلت عن استراتيجيه المقاومة لصالح استراتيجيه السلام أو لنكن دقيقين استراتيجيه الاستسلام. ولابد من التساؤل هنا هل الأنظمة العربية القائمة معنية بنجاح تجربة حركة حماس في السلطة؟ ولكن ما نحن متأكدون منه أن الأنظمة العربية القائمة معنية بفشل حركة حماس أكثر من إسرائيل لأن نجاح حركة حماس في تجربتها هو في الوقت نفسه إبراز لفشل هذه الأنظمة. ويشكل تقويضاً لشرعيتها وتهديداً لاستمرارها. وهل الأنظمة العربية معنية بتصدير تجربة خيار الشعب والديمقراطية النزيهة، وتكريس مبدأ تداول السلطة. كذلك يبقى التساؤل قائماً هل إيران معنية بتجربة حركة حماس السنية أم تحاول استخدامها كورقة ضاغطة في لعبتها الإقليمية والدولية؟ ولذلك فلا بد من القول إن الواقعية الإيجابية لكي تنجح لابد من تجاوز النهج الخطابي الشعاراتي، وترك الخطاب الاتهامي التهربي الذي لا يزال يتصور نفسه في صفوف المعارضة. فالكل أضحى يدرك أن حركة حماس قد ورثت إرثاً ثقيلاً على الصعد كافة. وأن حل إشكالاته لن يكون بضربة سحرية، وإنما بشكل تدريجي ينطلق من تحديد بواطن القوة والضعف، واتباع استرتيجية اختراق للحصار المفروض ضمن رؤية واضحة يحشد فيها طاقات شعبية فلسطينية وعربية وحتى دولية. وفي الوقت نفسه توظيف الكفاءات والقدرات بعيداً عن عقلية الإقصاء والتصنيف على أسس فئوية ضيقة. وتصليب الجبهة الداخلية وتقويتها، ضمن خطاب تعبوي جديد يعلو على عقلية التقوقع والانكفاء والنرجسية العاجية. فنجاح حركة حماس في خلق نموذج واقعي إيجابي أو فشلها سيحدد مصير القضية الفلسطينية، وسيحدد مدى قدرتنا على استنهاض الواقع أم الاستسلام له.