في ظل تداعيات المشروع النووي الإيراني
هل يبرز القطب الإسلامي من بلاد فارس
بقلم : عباس بومامي
إن انهيار ما يسمى بالقطب الشيوعي سابقا ترك فراغا قطبيا توجب الطبيعة الازدواجية التي يسير عليها الناموس الكوني ملأه ، و هو ما يعني ضرورة بروز قطب بشري و حضاري آخر ، و بمفهوم ازدواجية الخير و الشر ،الحق و الباطل عندنا نحن كمسلمين لا يمكن للشر أن يمرح وحده في الساحة كما لا يمكن للحق أن يرتاح من مناطحة الباطل له ، و الشر الأمريكي و معه الشر اليهودي بات مستطيرا يغذي بؤر العالم اجمع بالشرور و الآثام و الرذيلة . و لما كان القطب الشيوعي بقيادة روسيا لا يختلف في مضمونه سوى بالايدولوجيا الشيوعية المنصبة أصلا على السياسة و الاقتصاد لمحاولة صنع مجتمع مادي فقط خال من كل عمق روحي و نفساني ، سهل على أمريكا القضاء عليه بحكم أن المجتمعات الشيوعية لما بنيت و شكلت على أساس مادي بحت ألغى فكرة الدين و فكرة المرجعية الروحية و النفسية لديها، صارت تلك المجتمعات تحتكم إلى المقاييس و المعايير المادية فرأت أن وضعها مزري و ظروفها صعبة مقارنة بما هو موجود لدى المجتمعات الغربية و بالتالي سهل عندها الكفر بالشيوعية كعقيدة فكرية و كمصير تم فرضه بقوة الحديد و النار .
الكثير يتحدث عن أن الجنس الأصفر هو من سيملأ الفراغ القطبي و انه هو من يزاحم الجنس الأبيض على الريادة الحضارية و صار حساب أمريكا للصين حسابا ذا شأن ، و قد يكون ذلك صحيحا بالمقياس الاقتصادي لكن بالميزان الروحي و النفسي لا يمكن للصين ممثلة للجنس الأصفر في احتلال ذلك المكان و إن شغلته لفترة فالأكيد أنها ستفقده مثلما فقده السوفييت قبلها . ترى لماذا و على أي أساس يتم ذلك و من ياترى يملأ ذلك الفراغ القطبي ؟
القضية و ما فيها أن القطب الذي تتزعمه أمريكا وصل إلى مستوى مادي لم يصله احد ، بمعنى أن قوة أمريكا علميا واقتصاديا و سياسيا و إعلاميا لا يمكن أن تجابهها أية قوة تبني نفسها على هذه الأسس . و بمعنى آخر أن أية قوة مبنية على الأسس المادية التي بنيت عليها قوة أمريكا و حضارة الغرب عموما لن تهزم أمريكا ذلك أن القوتان المتناطحتان لما تكون تركيبتهما من نفس المادة و ربما يسيران بنفس السرعة ستكون قوة الدفع للقوة ذات الكتلة الأكبر . الصين أو أية دولة أو كيان آخر يعتمد في تشكيل قوته على نفس أسس قوة أمريكا . و حتى و إن ظهرت هناك بعض الاختلافات حول الانجذاب الروحي و العقائدي فان عقيدة الجنس الأصفر سوف لن تذهب به بعيدا في احتلال هذا الحيز القطبي و الإعلان عن ميلاد قطب جديد ثان . اللهم بعض الدول الإسلامية المنتمية إلى مما يسمى بمحور التنينات الست في قارة آسيا كماليزيا و سنغافورة و اندونيسيا .
و لنسأل أنفسنا كمسلمين و كعرب هذا السؤال هل كانت أمريكا أو غيرها يجرؤ على احتقارنا و إذلالنا و احتلال أرضنا و الدوس على معتقداتنا لو كانت قوتنا المادية و العلمية ،لا نقول مثل قوة بريطانيا أو ألمانيا أو الصين أو اليابان بل نقول نصفها فقط ؟ و هل كان اليهود و أمثالهم يجرؤون على اغتصاب فلسطين و العبث في العراق و الزهو في ارض الكنانة و بلاد الشام و صحاري الخليج؟
الأكيد إننا لو امتلكنا نصف قوة هذه الدول سنفتح العالم ، فقط نتيجة ما نحمله في قوبنا من عمق روحي و حتى و إن كان ضعيفا و مخلوطا في أذهان الكثير بلوثات فكرية تكاد تطل برؤوسها كنتوءات لجاهليتنا الاولى ، ان لم نقل جاهلية القرن العشرين حسب مفهوم احد مفكري القرن . قد يقول قائل لكن المشكلة ليست في أعدائنا بل المشكلة فينا و في النظم التي تحكمنا ، ثم ان هناك بون تكنولوجي و صناعي و اقتصادي كبير وواسع بين الكيان الذي يدور احتماله ريادته لهذا القطب الإسلامي و بين القطب الذي تتزعمه أمريكا ؟ و الأمر صحيح في حالة دولة مقابل دولة لكن عندما يتعلق الأمر بقطب حضاري يحمل معه كل القيم و المثل الحضارية و الإنسانية فان الأمر يختلف بحيث يصبح للقوة الروحية ، رغم تفريطنا المبرح فيها ، معنى آخر و مفهوما عميقا عمق تاريخ هذه الأمة . و هذا العمق الحضاري و الفكري مع الالتزام به هو السبيل الوحيد إلى بناء أي قطب ذلك أن المسلمين لم يحدث في تاريخهم الطويل أن برزوا كقوة إقليمية أو عالمية أو حتى محلية بقوتهم الاقتصادية أو الصناعية أو العسكرية . و المؤرخون أكثر من غيرهم العارفون بهذه الحقيقة و هي أن سبب انتصار المسلمين و عوامل فتحهم للعالم و إيصالهم لهذا الدين إلى آخر و ابعد نقطة على الكرة الأرضية لم يك نتاج قواهم السابقة الذكر إنما بسبب قوة واحدة هي قوتهم الروحية ، لأنها هي الأساس و من ثم تتعدد وراءها باقي العوامل و القوى . و هو أمر أيضا يتأكد من خلال آية : " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم " و الحديث القائل : " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف "
و من ثم فان القوة المادية للقطب الأحادي المسيطر اليوم على العالم ستزول لو تناطحها قوة روحية جارفة يحكمها الإخلاص و يرسم معالم سيرها العقل الناضج الذي يأخذ أصحابه نور الإيمان باليمين و ناصية العلم باليسار .
إن القطب المادي الفارغ من الروح المعادي للدين لا يمكن أن يناطحه إلا قطب روحي عامر بالعلم غير معاد للمادة و هذا الأمر لا يكون إلا عند أهل الإسلام و إن ما يخيف أمريكا اليوم و ما يخيفها غدا هو هذا الزخم الروحي الذي عجز صناع السلاح و خبراؤه اختراع سلاح مادي مضاد له . بمعنى أن أمريكا بما لديها من مهندسين مهرة و خبراء كبار و عباقرة في مختلف العلوم لم و لن تستطيع الوقوف أمام القوة الروحية التي يمتلكها ذاك الاستشهادي الذي يفجر نفسه بمحض إرادته . و هذا النموذج غير موجود، و أن وجد في كاميكاز اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، فهو محدود و منطلقه وطني و قومي أكثر مما هو ديني .
إن حديثنا عن إمكانية بروز قطب إسلامي بقيادة إيران متأت من الكثير من العوامل السائرة في طريقها إلى التبلور و من هذه العوامل أن صار لإيران مواطئ أقدام في مصر و لبنان والعراق و أخيرا في فلسطين ، ممثلة في حركة الإخوان المسلمين و حزب الله والمقاومة العراقية و حركة حماس . كما أن دول أمريكا الجنوبية بدء من فنزويلا و انتهاء بالإكوادور صارت تشكل متنفسا لإيران تخفف الكثير من عبء المقاطعة الاقتصادية و الحصار السياسي و الطوق الأمني المفروض ، حتى و إن كانت منطلقاتها الفكرية تختلف من حيث المبدأ مع إيران كدولة إسلامية . و تبقى المصالح الإستراتيجية بين هذه الدول هي الرباط الوثيق الذي يدعم و يشد من أزر القطب المقبل على البروز ، و من ثم فلا عجب ان يتحدث امين حزب الله السيد نصر الله عن إمكانية تحالف مع شافيز لو وصلت الأمور إلى التحالف الاستراتيجي .
و لقد تنبهت أمريكا مبكرا إلى الخطر الذي تشكله إيران بثقلها الجغرافي و الديموغرافي و أخيرا العلمي و الأكثر من ذلك ثقلها الروحي ، و هذا قبل قيام الثورة الإسلامية فيها ، حيث نصبت الشاه حارسا أمينا على منابع النفط و أمدته بالسلاح و المال و جعلت من إيران موقعا أماميا يعرقل تقدم السوفييت آنذاك . و كان لانفجار الثورة في العام 1979 الأثر الكبير و الخطير على دور و مصالح أمريكا في المنطقة حيث انكسر فك الكماشة على المنطقة العربية على اعتبار أن الفك الأخرى تشكلها إسرائيل ، و قد بدا الخطر أكثر في موقف إيران من القضية الفلسطينية و من دعم حزب الله و من التحالف الاستراتيجي مع سوريا خاصة في حرب الخليج الأولى و الأخيرة التي أفضت إلى احتلال العراق ، و كذا التوجه الإيراني نحو العمق الإسلامي في البلقان و الجمهوريات السوفييتية .
و لقد كانت عملية إشعال نار الحرب بين العراق و إيران و دفع دول الخليج إلى المشاركة في المجهود الحربي للعراق و التهويل من المد الشيعي في الخليج كلها عوامل ساعدت في كبح جماح إيران ، إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان و هو ظهور إيران بمظهر المالك و المتحكم في التكنولوجيا النووية ، حيث اكتشفت أمريكا و من يدور في فلكها من الحكومات الغربية أن إيران صارت تشكل خطرا حتى و لو حوصرت في برنامج نووي سلمي ، ذلك أنهم يعرفون أن من تحكم في التكنولوجيا النوويبة السلمية في مقدوره إنتاج و صناعة قنبلة نووية .
و المشكلة بالنسبة لأمريكا و للغرب عموما لا تكمن في صناعة القنبلة النووية في حد ذاتها ، ذلك أن دولة إسرائيل وحدها تملك عشرات القنابل و الرؤوس النووية ، بل المشكلة في تفجير قنبلة تحرر المسلمين و العرب نفسيا و تعتقهم من قيود الخنوع و الخضوع و الخوف للقطب الأحادي . الغرب يخشى حينما يتم الإعلان عن إجراء تجربة نووية إيرانية ناجحة من انفجار قنبلة اشد فتكا في الشارع العربي و الإسلامي ، ذلك أن ما يتحدث عنه الرئيس الإيراني احمدي نجاد هو ما يختلج في قلوب ملايين المسلمين بغض النظر عن التوجه المذهبي لإيران . و هنا تكمن مشكلة إيران ، و بمعنى آخر أن إيران إذا استطاعت تخطي الفكرة المذهبية الضيقة فإنها ستذهب بعيدا في المواجهة و ستصنع من نفسها الدولة القائدة لقطب إسلامي يتجمع و يتخندق فيه معظم المسلمين و سيظهر فيه التكتل الإسلامي أقوى و اشد مثلما ظهر في التنديد بالرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه و سلم - و سيزداد و يقوى و يكبر طرديا كلما تم التضييق عليه و محاصرته و مقاطعته ، و ستكون الأخطاء الإستراتيجية كاستمرار دعم دولة الكيان الصهيوني و حمايته و استفزاز مشاعر المسلمين و فرض نظم خائنة و عميلة عليهم ، و التي تبرزها نشوة العظمة و القوة بالنسبة للقطب الأمريكي و الغربي عموما ، هي المغذي الأساس لكل ما تحبل به المنطقة من أعداء و فكر عدائي لأمريكا و للغرب .
و إن أمام العرب فرصة يتوجب المناورة عليها و هي الضغط على أمريكا و الغرب باتخاذ مواقف عادلة من القضية الفلسطينية و من احتلال العراق و من كثير من الضغط الممارس بشكل علني و مفضوح فاق كل الحدود ، و ذلك بإبداء الميل إلى إيران إما عن اقتناع و بالتالي يكون الأمر استراتيجيا أو عن غير اقتناع و سيكون الأمر عندها تكتيكا ظرفيا . لكن المشكلة عند العرب أنهم لا يريدون لا المناورة و لا الاستراتيجيا ولا التكتيك و هنا اكتشف الغرب مدى ضعفهم و تخاذلهم بل و إقناعهم بالخطر الزاحف ليس من إسرائيل بل من إيران .
و لقد ضاعت قبل ذلك فرصة من ذهب للعرب و كان ذلك حينما اشرف الاتحاد السوفييتي سابقا على الإفلاس و الاندحار ، حيث كان بمقدورهم مد المال للروس الجياع مقابل جلب علمائهم و خبراء السلاح عندهم و استيعاب تكنولوجيتهم . لكن الفرصة فاتت و استطاع الأمريكيون استكمال هزم السوفييت فأمدوهم بالقروض و كشفوا سر ضعفهم الاقتصادي فقضوا عليهم و استفردوا بالعالم و جعلوا من أنفسهم قطبا وحيدا يقر سياسات الدول و يفرض نفسه كدركي له كل الحقوق ولا يترتب عليه أي واجب .
الأيام وحدها و تشبث إيران بمشروعها النووي من خلال التحدي الظاهر للرئيس احمدي نجاد و الوقوف الشامخ للشعب الإيراني وراء رئيسه حماية لمشروعه و نجاح إيران في استقطاب جميع المسلمين حتى يصير المشروع الإيراني، ليس مشروع إيران فحسب بل، مشروع كل العرب و المسلمين ، هو وحده الذي يحفظ هذا المشروع .
و يتوجب على إيران التنبه إلى عمليات جر المنطقة إلى صراع مذهبي بين الشيعة و السنة ، ذلك أن الزج بالمنطقة في أتون حرب مقدسة ضروس من طرف أعداء الأمة هو وحده الكفيل بالقضاء النهائي و الأكيد على مشروع إيران و على مقدرات العالم العربي و الإسلامي خاصة و أن العراق أصبح يمثل الشرارة التي تشعل هذه الحرب لا قدر الله . و لتعلم إيران أن الأعداء بإمكانهم تزويد حتى بعض النظم العميلة بسلاح نووي ليستخدم ضدها في حالة قيام حرب مدمرة من مثل حرب الخليج الأولى .
و إن نجاح إيران في استقطاب المسلمين حول مشروعها يتأتى من عملية إقناع كبيرة وشاقة للدول الخليجية المحيطة بها، حتى و إن أدى بها الأمر إلى حد التنازل على بعض الأمور الخلافية معها، بمعنى انه إذا توجب فلتضح إيران بلحيتها مقابل الحفاظ على رأسها . و التنازل للأخ عن شيء لا يساوي الهزيمة و الركون إلى العدو .
و الأيام و حتى الشهور المقبلة هي وحدها الكفيلة بالإجابة عن الكثير من التساؤلات و الكشف عن الكثير من المستور و المؤكد أن إيران ستستخدم سلاح البترول و الأكثر من ذلك سلاح المضايق البحرية التي يعبر منها هذا البترول .
هل يبرز القطب الإسلامي من بلاد فارس
بقلم : عباس بومامي
إن انهيار ما يسمى بالقطب الشيوعي سابقا ترك فراغا قطبيا توجب الطبيعة الازدواجية التي يسير عليها الناموس الكوني ملأه ، و هو ما يعني ضرورة بروز قطب بشري و حضاري آخر ، و بمفهوم ازدواجية الخير و الشر ،الحق و الباطل عندنا نحن كمسلمين لا يمكن للشر أن يمرح وحده في الساحة كما لا يمكن للحق أن يرتاح من مناطحة الباطل له ، و الشر الأمريكي و معه الشر اليهودي بات مستطيرا يغذي بؤر العالم اجمع بالشرور و الآثام و الرذيلة . و لما كان القطب الشيوعي بقيادة روسيا لا يختلف في مضمونه سوى بالايدولوجيا الشيوعية المنصبة أصلا على السياسة و الاقتصاد لمحاولة صنع مجتمع مادي فقط خال من كل عمق روحي و نفساني ، سهل على أمريكا القضاء عليه بحكم أن المجتمعات الشيوعية لما بنيت و شكلت على أساس مادي بحت ألغى فكرة الدين و فكرة المرجعية الروحية و النفسية لديها، صارت تلك المجتمعات تحتكم إلى المقاييس و المعايير المادية فرأت أن وضعها مزري و ظروفها صعبة مقارنة بما هو موجود لدى المجتمعات الغربية و بالتالي سهل عندها الكفر بالشيوعية كعقيدة فكرية و كمصير تم فرضه بقوة الحديد و النار .
الكثير يتحدث عن أن الجنس الأصفر هو من سيملأ الفراغ القطبي و انه هو من يزاحم الجنس الأبيض على الريادة الحضارية و صار حساب أمريكا للصين حسابا ذا شأن ، و قد يكون ذلك صحيحا بالمقياس الاقتصادي لكن بالميزان الروحي و النفسي لا يمكن للصين ممثلة للجنس الأصفر في احتلال ذلك المكان و إن شغلته لفترة فالأكيد أنها ستفقده مثلما فقده السوفييت قبلها . ترى لماذا و على أي أساس يتم ذلك و من ياترى يملأ ذلك الفراغ القطبي ؟
القضية و ما فيها أن القطب الذي تتزعمه أمريكا وصل إلى مستوى مادي لم يصله احد ، بمعنى أن قوة أمريكا علميا واقتصاديا و سياسيا و إعلاميا لا يمكن أن تجابهها أية قوة تبني نفسها على هذه الأسس . و بمعنى آخر أن أية قوة مبنية على الأسس المادية التي بنيت عليها قوة أمريكا و حضارة الغرب عموما لن تهزم أمريكا ذلك أن القوتان المتناطحتان لما تكون تركيبتهما من نفس المادة و ربما يسيران بنفس السرعة ستكون قوة الدفع للقوة ذات الكتلة الأكبر . الصين أو أية دولة أو كيان آخر يعتمد في تشكيل قوته على نفس أسس قوة أمريكا . و حتى و إن ظهرت هناك بعض الاختلافات حول الانجذاب الروحي و العقائدي فان عقيدة الجنس الأصفر سوف لن تذهب به بعيدا في احتلال هذا الحيز القطبي و الإعلان عن ميلاد قطب جديد ثان . اللهم بعض الدول الإسلامية المنتمية إلى مما يسمى بمحور التنينات الست في قارة آسيا كماليزيا و سنغافورة و اندونيسيا .
و لنسأل أنفسنا كمسلمين و كعرب هذا السؤال هل كانت أمريكا أو غيرها يجرؤ على احتقارنا و إذلالنا و احتلال أرضنا و الدوس على معتقداتنا لو كانت قوتنا المادية و العلمية ،لا نقول مثل قوة بريطانيا أو ألمانيا أو الصين أو اليابان بل نقول نصفها فقط ؟ و هل كان اليهود و أمثالهم يجرؤون على اغتصاب فلسطين و العبث في العراق و الزهو في ارض الكنانة و بلاد الشام و صحاري الخليج؟
الأكيد إننا لو امتلكنا نصف قوة هذه الدول سنفتح العالم ، فقط نتيجة ما نحمله في قوبنا من عمق روحي و حتى و إن كان ضعيفا و مخلوطا في أذهان الكثير بلوثات فكرية تكاد تطل برؤوسها كنتوءات لجاهليتنا الاولى ، ان لم نقل جاهلية القرن العشرين حسب مفهوم احد مفكري القرن . قد يقول قائل لكن المشكلة ليست في أعدائنا بل المشكلة فينا و في النظم التي تحكمنا ، ثم ان هناك بون تكنولوجي و صناعي و اقتصادي كبير وواسع بين الكيان الذي يدور احتماله ريادته لهذا القطب الإسلامي و بين القطب الذي تتزعمه أمريكا ؟ و الأمر صحيح في حالة دولة مقابل دولة لكن عندما يتعلق الأمر بقطب حضاري يحمل معه كل القيم و المثل الحضارية و الإنسانية فان الأمر يختلف بحيث يصبح للقوة الروحية ، رغم تفريطنا المبرح فيها ، معنى آخر و مفهوما عميقا عمق تاريخ هذه الأمة . و هذا العمق الحضاري و الفكري مع الالتزام به هو السبيل الوحيد إلى بناء أي قطب ذلك أن المسلمين لم يحدث في تاريخهم الطويل أن برزوا كقوة إقليمية أو عالمية أو حتى محلية بقوتهم الاقتصادية أو الصناعية أو العسكرية . و المؤرخون أكثر من غيرهم العارفون بهذه الحقيقة و هي أن سبب انتصار المسلمين و عوامل فتحهم للعالم و إيصالهم لهذا الدين إلى آخر و ابعد نقطة على الكرة الأرضية لم يك نتاج قواهم السابقة الذكر إنما بسبب قوة واحدة هي قوتهم الروحية ، لأنها هي الأساس و من ثم تتعدد وراءها باقي العوامل و القوى . و هو أمر أيضا يتأكد من خلال آية : " و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ترهبون به عدو الله و عدوكم " و الحديث القائل : " المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف "
و من ثم فان القوة المادية للقطب الأحادي المسيطر اليوم على العالم ستزول لو تناطحها قوة روحية جارفة يحكمها الإخلاص و يرسم معالم سيرها العقل الناضج الذي يأخذ أصحابه نور الإيمان باليمين و ناصية العلم باليسار .
إن القطب المادي الفارغ من الروح المعادي للدين لا يمكن أن يناطحه إلا قطب روحي عامر بالعلم غير معاد للمادة و هذا الأمر لا يكون إلا عند أهل الإسلام و إن ما يخيف أمريكا اليوم و ما يخيفها غدا هو هذا الزخم الروحي الذي عجز صناع السلاح و خبراؤه اختراع سلاح مادي مضاد له . بمعنى أن أمريكا بما لديها من مهندسين مهرة و خبراء كبار و عباقرة في مختلف العلوم لم و لن تستطيع الوقوف أمام القوة الروحية التي يمتلكها ذاك الاستشهادي الذي يفجر نفسه بمحض إرادته . و هذا النموذج غير موجود، و أن وجد في كاميكاز اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، فهو محدود و منطلقه وطني و قومي أكثر مما هو ديني .
إن حديثنا عن إمكانية بروز قطب إسلامي بقيادة إيران متأت من الكثير من العوامل السائرة في طريقها إلى التبلور و من هذه العوامل أن صار لإيران مواطئ أقدام في مصر و لبنان والعراق و أخيرا في فلسطين ، ممثلة في حركة الإخوان المسلمين و حزب الله والمقاومة العراقية و حركة حماس . كما أن دول أمريكا الجنوبية بدء من فنزويلا و انتهاء بالإكوادور صارت تشكل متنفسا لإيران تخفف الكثير من عبء المقاطعة الاقتصادية و الحصار السياسي و الطوق الأمني المفروض ، حتى و إن كانت منطلقاتها الفكرية تختلف من حيث المبدأ مع إيران كدولة إسلامية . و تبقى المصالح الإستراتيجية بين هذه الدول هي الرباط الوثيق الذي يدعم و يشد من أزر القطب المقبل على البروز ، و من ثم فلا عجب ان يتحدث امين حزب الله السيد نصر الله عن إمكانية تحالف مع شافيز لو وصلت الأمور إلى التحالف الاستراتيجي .
و لقد تنبهت أمريكا مبكرا إلى الخطر الذي تشكله إيران بثقلها الجغرافي و الديموغرافي و أخيرا العلمي و الأكثر من ذلك ثقلها الروحي ، و هذا قبل قيام الثورة الإسلامية فيها ، حيث نصبت الشاه حارسا أمينا على منابع النفط و أمدته بالسلاح و المال و جعلت من إيران موقعا أماميا يعرقل تقدم السوفييت آنذاك . و كان لانفجار الثورة في العام 1979 الأثر الكبير و الخطير على دور و مصالح أمريكا في المنطقة حيث انكسر فك الكماشة على المنطقة العربية على اعتبار أن الفك الأخرى تشكلها إسرائيل ، و قد بدا الخطر أكثر في موقف إيران من القضية الفلسطينية و من دعم حزب الله و من التحالف الاستراتيجي مع سوريا خاصة في حرب الخليج الأولى و الأخيرة التي أفضت إلى احتلال العراق ، و كذا التوجه الإيراني نحو العمق الإسلامي في البلقان و الجمهوريات السوفييتية .
و لقد كانت عملية إشعال نار الحرب بين العراق و إيران و دفع دول الخليج إلى المشاركة في المجهود الحربي للعراق و التهويل من المد الشيعي في الخليج كلها عوامل ساعدت في كبح جماح إيران ، إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان و هو ظهور إيران بمظهر المالك و المتحكم في التكنولوجيا النووية ، حيث اكتشفت أمريكا و من يدور في فلكها من الحكومات الغربية أن إيران صارت تشكل خطرا حتى و لو حوصرت في برنامج نووي سلمي ، ذلك أنهم يعرفون أن من تحكم في التكنولوجيا النوويبة السلمية في مقدوره إنتاج و صناعة قنبلة نووية .
و المشكلة بالنسبة لأمريكا و للغرب عموما لا تكمن في صناعة القنبلة النووية في حد ذاتها ، ذلك أن دولة إسرائيل وحدها تملك عشرات القنابل و الرؤوس النووية ، بل المشكلة في تفجير قنبلة تحرر المسلمين و العرب نفسيا و تعتقهم من قيود الخنوع و الخضوع و الخوف للقطب الأحادي . الغرب يخشى حينما يتم الإعلان عن إجراء تجربة نووية إيرانية ناجحة من انفجار قنبلة اشد فتكا في الشارع العربي و الإسلامي ، ذلك أن ما يتحدث عنه الرئيس الإيراني احمدي نجاد هو ما يختلج في قلوب ملايين المسلمين بغض النظر عن التوجه المذهبي لإيران . و هنا تكمن مشكلة إيران ، و بمعنى آخر أن إيران إذا استطاعت تخطي الفكرة المذهبية الضيقة فإنها ستذهب بعيدا في المواجهة و ستصنع من نفسها الدولة القائدة لقطب إسلامي يتجمع و يتخندق فيه معظم المسلمين و سيظهر فيه التكتل الإسلامي أقوى و اشد مثلما ظهر في التنديد بالرسوم المسيئة للرسول – صلى الله عليه و سلم - و سيزداد و يقوى و يكبر طرديا كلما تم التضييق عليه و محاصرته و مقاطعته ، و ستكون الأخطاء الإستراتيجية كاستمرار دعم دولة الكيان الصهيوني و حمايته و استفزاز مشاعر المسلمين و فرض نظم خائنة و عميلة عليهم ، و التي تبرزها نشوة العظمة و القوة بالنسبة للقطب الأمريكي و الغربي عموما ، هي المغذي الأساس لكل ما تحبل به المنطقة من أعداء و فكر عدائي لأمريكا و للغرب .
و إن أمام العرب فرصة يتوجب المناورة عليها و هي الضغط على أمريكا و الغرب باتخاذ مواقف عادلة من القضية الفلسطينية و من احتلال العراق و من كثير من الضغط الممارس بشكل علني و مفضوح فاق كل الحدود ، و ذلك بإبداء الميل إلى إيران إما عن اقتناع و بالتالي يكون الأمر استراتيجيا أو عن غير اقتناع و سيكون الأمر عندها تكتيكا ظرفيا . لكن المشكلة عند العرب أنهم لا يريدون لا المناورة و لا الاستراتيجيا ولا التكتيك و هنا اكتشف الغرب مدى ضعفهم و تخاذلهم بل و إقناعهم بالخطر الزاحف ليس من إسرائيل بل من إيران .
و لقد ضاعت قبل ذلك فرصة من ذهب للعرب و كان ذلك حينما اشرف الاتحاد السوفييتي سابقا على الإفلاس و الاندحار ، حيث كان بمقدورهم مد المال للروس الجياع مقابل جلب علمائهم و خبراء السلاح عندهم و استيعاب تكنولوجيتهم . لكن الفرصة فاتت و استطاع الأمريكيون استكمال هزم السوفييت فأمدوهم بالقروض و كشفوا سر ضعفهم الاقتصادي فقضوا عليهم و استفردوا بالعالم و جعلوا من أنفسهم قطبا وحيدا يقر سياسات الدول و يفرض نفسه كدركي له كل الحقوق ولا يترتب عليه أي واجب .
الأيام وحدها و تشبث إيران بمشروعها النووي من خلال التحدي الظاهر للرئيس احمدي نجاد و الوقوف الشامخ للشعب الإيراني وراء رئيسه حماية لمشروعه و نجاح إيران في استقطاب جميع المسلمين حتى يصير المشروع الإيراني، ليس مشروع إيران فحسب بل، مشروع كل العرب و المسلمين ، هو وحده الذي يحفظ هذا المشروع .
و يتوجب على إيران التنبه إلى عمليات جر المنطقة إلى صراع مذهبي بين الشيعة و السنة ، ذلك أن الزج بالمنطقة في أتون حرب مقدسة ضروس من طرف أعداء الأمة هو وحده الكفيل بالقضاء النهائي و الأكيد على مشروع إيران و على مقدرات العالم العربي و الإسلامي خاصة و أن العراق أصبح يمثل الشرارة التي تشعل هذه الحرب لا قدر الله . و لتعلم إيران أن الأعداء بإمكانهم تزويد حتى بعض النظم العميلة بسلاح نووي ليستخدم ضدها في حالة قيام حرب مدمرة من مثل حرب الخليج الأولى .
و إن نجاح إيران في استقطاب المسلمين حول مشروعها يتأتى من عملية إقناع كبيرة وشاقة للدول الخليجية المحيطة بها، حتى و إن أدى بها الأمر إلى حد التنازل على بعض الأمور الخلافية معها، بمعنى انه إذا توجب فلتضح إيران بلحيتها مقابل الحفاظ على رأسها . و التنازل للأخ عن شيء لا يساوي الهزيمة و الركون إلى العدو .
و الأيام و حتى الشهور المقبلة هي وحدها الكفيلة بالإجابة عن الكثير من التساؤلات و الكشف عن الكثير من المستور و المؤكد أن إيران ستستخدم سلاح البترول و الأكثر من ذلك سلاح المضايق البحرية التي يعبر منها هذا البترول .