الأخبار
الهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينيةمستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية مشددة من قوات الاحتلالعائلات أسرى الاحتلال تطالب الوفد بتسريع إنجاز الصفقة خلال هذا الأسبوع
2025/7/6
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

هل يتجه العراق نحو حرب أهلية.. أم انه يعيشها فعلا؟ بقلم:د. ايمن الهاشمي

تاريخ النشر : 2006-04-11
هل يتجه العراق نحو حرب أهلية.. أم انه يعيشها فعلا؟

2006/04/10

د. ايمن الهاشمي

يحاول الرئيس بوش وبقية أركان إدارته، ومعهم جوقة المستفيدين من الغزو الأمريكي ممن جاؤوا مع دباباته وحكموا العراق بفضلها وحمايتها ومازالوا، يحاولون تصوير العراق وكأنه بات جنة الله في أرضه، وبالتالي يصرون علي نفي وجود أية علامات (حرب أهلية) في العراق، وهذا مايصرح به مسؤولو عراق اليوم في إنكار وجود حرب أهلية. الرئيس بوش في خطابه الأخير ببيت الحرية في واشنطن 30/3/2006، أكد أن العراق يسير بخطوات جيدة نحو إقرار الأمن والديمقراطية. وبعين الوقت لم يخف بوش إمتعاضه من تنامي سيطرة الميليشيات الطائفية علي الجيش والشرطة بالعراق وإرتكابها أعمال الخطف والتعذيب خارج القانون وقال : لن نقبل بإستمرار نفوذ الميليشيات . من جانبها، أقرت غوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية يوم 31/3/2006 في كلمة القتها في بلاكبرن ببريطانيا بإرتكاب (العديد من الأخطاء التكتيكية في العراق)، أما وزير الدفاع رامسفيلد ففي الوقت الذي يعزز من تأكيدات رئيسه أن الحرب الأهلية لم تقع بعد... لكنه يعود ويقرر بأن الحرب الأهلية لو وقعت في العراق فإن الجيش الأمريكي لن يتدخل فيها!!.

وعلي الطرف الآخر فهناك أكثر من طرف عراقي وغير عراقي إضافة إلي حقائق ووقائع الميدان ومايجري علي أرض الرافدين اليوم، كلها تؤكد أن هناك بوادر للحرب الأهلية.. إن لم تكن الحرب الطائفية قد ابتدأت فعلا، فالدكتور أياد علاوي رئيس وزراء العراق السابق، أكد أن الحرب الأهلية واقعة الآن في العراق وإن العراق قد إنتقل فعلا إلي مرحلة الحرب الأهلية، وما يشهده من أعمال عنف وقتل لا يمكن ان يندرج تحت أي توصيف آخر، سوي توصيف الحرب الأهلية . ويتساءل د.علاوي إن لم تكن حربا أهلية فما يمكن أن نسمي مايحصل اليوم ؟ وهو يحذر من عواقب زج الميليشيات الطائفية في الجيش والشرطة علي مستقبل العراق. ويشير عدد من قادة القوي السنية بأن ما يحصل اليوم في العراق يعني بدء الحرب الأهلية... من تداعيات متمثلة في التصفيات الدموية اليومية، وقتل الآلاف من العراقيين شهرياً، بحيث زاد عدد جثث القتلي من المدنيين العراقيين الذين تتسلمهم مشرحة الطب العدلي في بغداد كل يوم علي المئة جثة بعد أن كانت تتلقي معدل لايزيد عن خمس جثث يوميا في حوادث (موت مشتبه به) قبل غزو العراق، مئة جثة لأشخاص قتلوا غيلة بالرصاص أو بالشنق والتعذيب، وعلي أيدي عصابات منظمة لها إمتدادات وحماية (رسمية)!... فيما عبَّرَ رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ حارث الضاري، عن الاعتقاد بان الحرب الاهلية قائمة فعلا في العراق ، وقال: إن الحرب قائمة ومنذ ستة اشهر تقريبا لكنها غير معلنة، وكنا نود الا تعلن وكنا ندفع بها نحن ومن معنا من عقلاء العراق وهم كثر والحمد لله ، واضاف: لكن الإرادات الشريرة كثيرة أيضا وتريد ان تلعب لعبتها الخطيرة لتحقيق مصالح سياسية وفئوية عجزت في الحصول عليها امام المعارضة الشديدة للاحتلال وخططه ، وقال: اننا نعاني اليوم من حكم المليشيات، والحكومة الحالية تمثل مكونا واحداً، وهذا المكون يمتلك مليشيات هي التي تتحكم من خلال منظورها الحزبي والفئوي، وهو ما يفسر تفاقم مسلسل الاغتيالات والمداهمات وشلالات الدم .

مئة جثة يوميا لقتلي عراقيين أبرياء ومعذبين بأبشع أنواع التعذيب... ماذا يمكن أن نسمي هذا غير حرب أهلية تقودها وتمارسها الميليشيات؟... عشرات المساجد دمرت حرقا وتهديما وتفجيرا وقتل أئمتها علنا أمام مسمع ومرأي قوات الحكومة التي لم تحرك ساكنا لحفظ الأمن إن لم تكن بعضها متورطة في الأعمال الدموية....لابل أن عشرات من حوادث القتل والدهم تلك قد تم تصويرها وتوثيقها فيديويا من قبل المهاجمين، وتباع اليوم علنا في أسواق العراق... مما يؤكد أن تلك الأعمال لم تكن رد فعل عفوي بل كانت معدا لها ومخططا لها بإتقان من قبل أطراف ممتدة داخل السلطة.

روبرت فيسك مراسل صحيفة الاندبندنت البريطانية كتب تقريرا وصف فيه الوضع الميداني في العراق بـ ام الكوارث وذلك لان الحكومة العراقية الانتقالية ومعها عشرات الالاف من قوات التحالف لا تسيطر بالفعل إلاّ علي بضعة امتار في المنطقة الخضراء بالعاصمة في مواجهة نحو 40 الف مقاتل وان نسبة البطالة في بلاد الرافدين اضحت 80% في حين كان العراق قبل الحرب يستوعب 5 ملايين من العمالة الوافدة.

كما أن الأنباء تشير إلي اكثر من ثلاثين ألف عراقي من الشيعة والسنة علي حد سواء، أجبروا علي النزوح من ديارهم بسبب أحداث العنف الطائفي التي اندلعت اثر تفجير سامراء، وهذه الأرقام ليست مجرد تخرصات أو تخمينات إعلامية، وانما هي بيانات أعلنت عنها المنظمة الدولية للهجرة التابعة للأمم المتحدةً، فالتوتر الطائفي الذي زاد السياسيون من إحتقانه، وإشتد بشكل غير مسبوق بعد التفجير الآثم للمرقد العسكري، والذي اعتبر عملا مبررا باتقان بهدف دفع البلد نحو هاوية الحرب الأهلية التي ان اندلعت شرارتها لن يعود بالوسع التحكم في مداها، ويتحدث التقرير عن أن الكثير من هؤلاء المهجرين من مختلف محافظات العراق، يعيشون في مخيمات مؤقتة، وهو ما يذكّرنا بالصورة المرعبة التقليدية التي تنشأ عادة إثر الصدامات الطائفية أو العرقية في البلدان المختلفة، حيث يتفكك النسيج الوطني، السكاني والديمغرافي، وتتحول المجتمعات إلي كانتونات وبؤر طائفية أو مذهبية أو عرقية منغلقة علي ذاتها، وهي صورة يمكن استعادتها من التاريخ القريب جداً للبنان الذي اكتوي بنيران الحرب الأهلية التي أحالته يومها إلي خراب ودمار يعشش الموت في كافة أرجائه وزواياه. إن الخطر لايكمن في مجرد هذه الأعداد، سواء منها تلك المعلنة أو غير المعلنة، لأنها تظل في نهاية المطاف نتيجة دوامة العنف الراهنة في البلاد، ولكن القلق ينشأ من مخاطر استمرار الاحتقان الطائفي الذي قد يدفع نحو تكريس الفتنة الطائفية الشاملة، مما يدفع الكثيرين للاحتماء بطوائفهم في المناطق التي تشكل فيها هذه الطوائف أكثرية، خصوصاً مع انتشار المليشيات المحلية التي تنطق باسم الطوائف، وميل الكثير من الزعماء الجدد الذين أفرزتهم المرحلة الراهنة إلي تكريس نفوذهم عبر تعزيز الولاءات الطائفية والمذهبية.

إن تراجيديا الدم المُسال اليوم في العراق تؤكد بدء وقوع حرب أهلية حقيقية يقدر ضحاياها بنحو مئة قتيل يوميا يضافون الي قائمة الـ150 الف قتيل عراقي الاخرين الذين حصدت ارواحهم آلة الحرب الشريرة فضلا عن عمليات غير مسبوقة من التطهير العرقي جعلت ثلاجات الموتي لا تتسع لاستقبال قادمين جدد. وبهذا المعني يقول أحد منظري الاحتلال الامريكي للعراق ديفيد فيليبس، العضو في مجلس العلاقات الخارجية ونائب مدير مركز العمل الوقائي التابع له: (إنها حرب أهلية بالفعل فالحرب الأهلية هي عبارة عن صراع يدور علي أسس طائفية ويكون منظما ومنسقاً، وهناك عدة مستويات من الشدة في الصراع الأهلي، ولكن حين ننظر الي الارتفاع المضطرد في عدد الضحايا وتأثير ذلك علي الحالة النفسية للعراقيين، فإنني أعتقد أن هذا الوضع يرتقي الي مستوي حرب أهلية).

ويبدو أن الامريكان ومن دفعهم لهذه الحرب الكارثية، غير مقتنعين بما يحصل اليوم علي انه حرب اهلية بل يتوقعون صورة اكثر فتكا وتدميرا...فما هي الصورة التي يريدونها؟.. انها صورة الارض المحروقة من اجل ان يتقاتل العراقيون فيما بينهم بعيدا عن استهداف قوات الغزو... ويبدو أن سياسة الارض المحروقة التي تتبعها الجيوش الغازية عند إنسحابها من أرض العدو ستستخدمها الادارة الامريكية بعدما تقرر الانسحاب من العراق. فإندلاع حربٍ أهلية سيجعل أبناء العراق ولعقودٍ قادمة يجترون ويلاتها وآثارها وهو وقت كاف لإنتقال شرر فتنة الحرب إلي باقي دول المنطقة، خدمة للأهداف الصهيونية وأمن إسرائيل. وبالتالي فإن دول الجوار العراقي وعموم الدول العربية تتحمل وزر حماية العراق والمنطقة من خطر الحرب الأهلية وتبعاتها لاسمح الله.

إن القتل الحاصل اليوم من جانب الميليشيات الطائفية المتسترة بزي الشرطة والجيش، يقوم علي الهوية والاسم.. فنقاط التفتيش التي يقيمها هؤلاء يتقصدون منها توجيه الاهانات لكل من يحمل اسماً معيناً.. ويقومون بشتم الصحابة والخلفاء أمامهُ.. أو يلعنون اسمهُ.. فإذا جادلهم في ذلك أو رفض الاهانة أو استنكرها... فإنه يكون عرضة للإعتقال حتما.. ولن يُعرف لهُ مصير إلا في مشرحة الطب العدلي أو في مصفي المياه الآسنة بالرستمية أو في الصحاري والقفار.. جثة هامدة.... والعشرات ممن اعتقلوا أو استشهدوا لم يكن ذنبهم سوي اسمهم سبباً في ذلك.

إن ماجري ويجري اليوم في العراق من تطورات دموية بإتجاه اشعال حرب اهلية واسعة تهدد وحدة العراق سياسيا واجتماعيا وجغرافيا اذا ما استمرت الامور علي ماهي عليه حاليا. فحرب المساجد إبتدأت في وقت مبكر من الإحتلال، من خلال الإعتداء السافر علي مساجد أهل السنة من قبل الميليشيات المسلحة، أو أعمال التفجير الأهوج مشبوه الفاعلين والنوايا ومن يقفون وراءه في إستهداف مساجد الشيعة وذهاب الأبرياء ضحايا لحوادث تفجير لم يكشف ولم يعرف من قام بها وماهي دوافعه.. ولم تقبض السلطات الأمريكية ولا العراقية علي فاعل واحد مما يجعل هذه الحوادث في إطار المؤامرة لزرع الفتنة الطائفية في العراق... ولكنها تفاقمت عقب حادث تفجير سامراء، وهو الحادث المثير للشبهات هو الآخر، وعلي يد مجهولين، حيث ولدّت هذه الحادثة الإجرامية أعمال عنف قام بها الغوغاء والمدفوعون من قبل القوي التي تريد إشعال نار الفتنة، وأودت بحياة المئات وأدت إلي إحراق مئات المساجد واتسعت لتطال ائمة المساجد ورغم الجهود التي بذلت لاحتواء الازمة فإن كثيراً من المراقبين يرون أنها نار لاتزال تحت الرماد قد تشتعل في أية لحظة دافعة العراق الي فوهة بركان مذهبي وطائفي وعرقي وأن آثارها لن تقف عن حدود العراق فقط بل ستطال المنطقة.

إن كثيرا من عقلاء العراق وحكمائه يبذلون اليوم جهودا متفانية من أجل حقن الدماء وإيقاف نزيف الدم.. لكن للأسف فإن جهودا أخري علي الضد تسعي إليها أطراف أخري (رسمية وغير رسمية) مستفيدة من تأجيج نار فتنة الحرب الأهلية الطائفية تسعي لصب الزيت علي النار لصالح أجندات إقليمية لاتريد الخير للعراق، ويبدو أن المشهد العراقي سيظل علي فوهة بركان مشتعل لن ينطفئ أو يهدأ إلا إذا تم رحيل قوات الاحتلال.. وإلي أن تجتمع إرادة القوي السياسية الوطنية العراقية علي هدف يوحدها ويصب مجراه في مصلحة العراق وسيادته ووحدته الوطنية.. وليس لنا إلا الدعاء أن يوفق الله حكماء العراق، في إطفاء نار الفتنة التي إن إشتعلت لاسمح الله.... فستأكل الأخضر واليابس.. حرب لارابح فيها غير أعداء الأمة.. حرب كل العراقيين فيها خاسرون..

قلوبنا وعقولنا علي العراق... لعل الله يجنب أهله الأسوأ.. ويلهم قادة شأنه الحكمة وبُعد البصيرة. ودعواتنا أن تتكلل جهود المخلصين خيرا.. ويعم الوئام أرض دار السلام.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف