
الحكومة بين الرحى والطاحون، وسياسة سيب وأنا أسيب
بقلم: آصف قزموز
بتاريخ:8/4/2006
في ضوء هذا التكالب الدولي الظالم على الشعب الفلسطيني الحصار السياسي والاقتصادي الدولي الفاضح والمؤشر لحالة الانفصام التي تعبر عنها هذه الدول في نظرتها للديمقراطية الفلسطينية، يصبح معيار الحكم على عودة المجتمع الدولي الى جادة الصواب في هذا الأمر يتوقف على مدى انحسار وتراجع هذه الضغوط السياسية والاقتصادية الظالمة على شعبنا وفك العزلة المفروضة على السلطة الوطنية الفلسطينية.
صحيح ان خافيير سولانا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي قد عبر مؤخراً عن موقف غير سلبي تجاه حكومة حماس حين دعا لإعطائها فرصة، وحث اسرائيل على الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه ان يعرقل التوصل الى تسوية في الشرق الاوسط، وبأن اسرائيل لا تستطيع تحقيق السلام بمفردها. لكن دعوته حماس لأن "تتغير"، كانت ستكون أقوى وأكثر موضوعية ونجاعة لو أنها ترافقت مع دعوة مماثلة اكثر صراحة ووضوحاً لإسرائيل كي تتغير هي الأخرى، حتى يكون الأمر تغييراً متبادلاً يستجيب لضرورات ملحة للطرفين. ذلك لأن حماس هي جزء من الكل الفلسطيني بينما اسرائيل في المعادلة هي الكل الاسرائيلي وما هو مطلوب منها هو أكثر أهمية وضرورة وحسماً لحل الصراع مما هو مطلوب من حكومة حماس الحالية. مع أننا لن نسقط من اعتباراتنا بعض التصريحات الأولمرتية الأخيرة التي قال فيها أولمرت "ان الحكومة الاسرائيلية التي ينوي تشكيلها "ستركز جهودها على التقدم بالعملية السياسية وتعزيز العدالة الاجتماعية" بينما كان محمود الزهار وزير الخارجية يطيّر رسالته المثيرة للجدل الى كوفي أنان والمحمّلة بمؤشرات ودلالات واضحة لا لبس فيها عن نوايا حماس الايجابية تجاه الحل السياسي العادل للقضية الفلسطينية، لا سيما مبدأ قيام الدولتين. اضافة الى بعض التوجيهات الصادرة عن رئيس الوزراء وبعض المسؤولين في الحكومة بهذا الشأن وذات الاتجاه السياسي المرن اللافت وغير المسبوق.
إن التتابع والتكامل الأميركي الاسرائيلي الناجم عن معادلة توازن المصالح ما بينهما، وسياسة خذني جيتك، تتبدى تجلياته في أبشع صورها المجافية لحقوق الشعوب والعدالة الدولية والانسانية، حين نشاهد الشعب العراقي يدفع ثمناً باهظاً لتغطية كلفة الفواتير الأميركية لسياسات واشنطن الكولونيالية الكونية ومصالحها العابرة للقارات من جهة، والشعب الفلسطيني يدفع الثمن الباهظ ذاته لانعكاسات رؤية واشنطن لمصالح الفلسطينيين عبر منظارها الفلكي للكون وفرق العملة والدم الناجمين عن حسابات الربح والخسارة لكل من واشنطن وتل أبيب.
لكن مهما بلغت حدود التباين ما بين صورة الحقوق الفلسطينية بالمنظار الاسرائيلي البحت وصورتها بالمنظار الكوني الأميركي الاستعماري فلن نتفاءل في الوصول الى حل عادل من وجهة النظر الفلسطينية بكل ابعادها ومساحاتها الممتدة ما بين اقصى اليمين واقصى اليسار، ذلك لأن حقوقنا ما زالت تشكل النقطة السوداء القاتلة في كبد مصالحهما العدوانية وغير العادلة حتى الآن، ما يجعل لزاماً على جميع الاطراف وليس على أحد دون آخر ان تتغير وتغير في حساباتها ومعاييرها بما يحقق السلام العادل الحقيقي وغير القابل للعبث والتصرف من أحد.
ثلاث جبهات بحواجز الصد والتحديات المختلفة تقف اليوم في وجه الحكومة الجديدة بكل ما يعنيه التحدي من معنى. ما يجعل نجاح او عدم نجاح الحكومة رهين المحابس الثلاثة. بل يتوقف النجاح في مطلق الأحوال على مدى قدرة حركة حماس على وضع المحددات والآليات المنطقية والمناطقية الملائمة لمواجهة أو مشاغلة الجبهات الثلاث لإتمام عملية الاقلاع الوطني والسياسي للحكومة بسلام. وهو ما يعني ان على الحكومة الجديدة مجموعة من الاستحقاقات والواجبات العاجلة والملحّة لا بد من الشروع بها بشكل متناغم ومتناسق على الجبهات الثلاث. ولعل في إثبات قدرة حماس وجدارتها في معالجة قضايا واستحقاقات الجبهة الفلسطينية الداخلية التي اعتلت صهوتها في الوصول لسدة الحكم، لا سيما قدرتها على طرح النموذج والبديل الجيد في ملامسة قضايا الوطن والمواطن، المؤشر الايجابي على تمكينها من النجاح في مواجهة الجبهتين الاسرائيلية والدولية المحدقتين بها من كل حدب وصوب حتى اللحظة. بل ربما سيكون في ذلك خلق قوة دفع وصمود لدى المواطن في التآلف والتعاطف مع هذه الحكومة، لا سيما بعد ان اصبح الحصار يستهدف كل فرد فلسطيني في لقمة عيشة وكرامته وحقوقه الوطنية بشكل سافر غير مسبوق. من هنا فإن مؤشرات واحتمالات الفشل او النجاح ستظهر ملامحها أولاً في معمعان التحدي الداخلي سواء لجهة الحاجات الضرورية والاصلاحية للمواطن، أم لجهة القدرة على التعامل الهادئ والعاقل في استكمال انتقال السلطة وتسلمها تحت وابل الضغوط والصراعات التنافسية ما بين القديم والجديد، مع الأخذ بالاعتبار ان الجديد لا يمكن له ان يتأتى ويولد إلاّ في رحم القديم. ولا بد ان يظل الضمير الوطني حياً ورقيباً ساهراً على اداء كل الفلسطينيين كل من موقعه لعبور هذا النفق الصعب ودرء المخاطر الخارجية التي تتهددنا جميعاً داخل المركب وخارجه جنباً الى جنب مع حفظ حق الجميع في التنافس الشريف اللاتناحري والنزيه نزاهة ديمقراطيتنا التي أوصلتنا لما نحن فيه، دون ان يغيب عن اذهاننا جوهر قانون وحدة وصراع الاضداد وأن البقاء للأصلح، وبما يحبط كل المحاولات الاسرائيلية المحمومة لتنفيذ المشروع العدواني احادي الجانب، وحتى لا نندم حين لا ينفع الندم.
بقلم: آصف قزموز
بتاريخ:8/4/2006
في ضوء هذا التكالب الدولي الظالم على الشعب الفلسطيني الحصار السياسي والاقتصادي الدولي الفاضح والمؤشر لحالة الانفصام التي تعبر عنها هذه الدول في نظرتها للديمقراطية الفلسطينية، يصبح معيار الحكم على عودة المجتمع الدولي الى جادة الصواب في هذا الأمر يتوقف على مدى انحسار وتراجع هذه الضغوط السياسية والاقتصادية الظالمة على شعبنا وفك العزلة المفروضة على السلطة الوطنية الفلسطينية.
صحيح ان خافيير سولانا الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي قد عبر مؤخراً عن موقف غير سلبي تجاه حكومة حماس حين دعا لإعطائها فرصة، وحث اسرائيل على الامتناع عن القيام بأي عمل من شأنه ان يعرقل التوصل الى تسوية في الشرق الاوسط، وبأن اسرائيل لا تستطيع تحقيق السلام بمفردها. لكن دعوته حماس لأن "تتغير"، كانت ستكون أقوى وأكثر موضوعية ونجاعة لو أنها ترافقت مع دعوة مماثلة اكثر صراحة ووضوحاً لإسرائيل كي تتغير هي الأخرى، حتى يكون الأمر تغييراً متبادلاً يستجيب لضرورات ملحة للطرفين. ذلك لأن حماس هي جزء من الكل الفلسطيني بينما اسرائيل في المعادلة هي الكل الاسرائيلي وما هو مطلوب منها هو أكثر أهمية وضرورة وحسماً لحل الصراع مما هو مطلوب من حكومة حماس الحالية. مع أننا لن نسقط من اعتباراتنا بعض التصريحات الأولمرتية الأخيرة التي قال فيها أولمرت "ان الحكومة الاسرائيلية التي ينوي تشكيلها "ستركز جهودها على التقدم بالعملية السياسية وتعزيز العدالة الاجتماعية" بينما كان محمود الزهار وزير الخارجية يطيّر رسالته المثيرة للجدل الى كوفي أنان والمحمّلة بمؤشرات ودلالات واضحة لا لبس فيها عن نوايا حماس الايجابية تجاه الحل السياسي العادل للقضية الفلسطينية، لا سيما مبدأ قيام الدولتين. اضافة الى بعض التوجيهات الصادرة عن رئيس الوزراء وبعض المسؤولين في الحكومة بهذا الشأن وذات الاتجاه السياسي المرن اللافت وغير المسبوق.
إن التتابع والتكامل الأميركي الاسرائيلي الناجم عن معادلة توازن المصالح ما بينهما، وسياسة خذني جيتك، تتبدى تجلياته في أبشع صورها المجافية لحقوق الشعوب والعدالة الدولية والانسانية، حين نشاهد الشعب العراقي يدفع ثمناً باهظاً لتغطية كلفة الفواتير الأميركية لسياسات واشنطن الكولونيالية الكونية ومصالحها العابرة للقارات من جهة، والشعب الفلسطيني يدفع الثمن الباهظ ذاته لانعكاسات رؤية واشنطن لمصالح الفلسطينيين عبر منظارها الفلكي للكون وفرق العملة والدم الناجمين عن حسابات الربح والخسارة لكل من واشنطن وتل أبيب.
لكن مهما بلغت حدود التباين ما بين صورة الحقوق الفلسطينية بالمنظار الاسرائيلي البحت وصورتها بالمنظار الكوني الأميركي الاستعماري فلن نتفاءل في الوصول الى حل عادل من وجهة النظر الفلسطينية بكل ابعادها ومساحاتها الممتدة ما بين اقصى اليمين واقصى اليسار، ذلك لأن حقوقنا ما زالت تشكل النقطة السوداء القاتلة في كبد مصالحهما العدوانية وغير العادلة حتى الآن، ما يجعل لزاماً على جميع الاطراف وليس على أحد دون آخر ان تتغير وتغير في حساباتها ومعاييرها بما يحقق السلام العادل الحقيقي وغير القابل للعبث والتصرف من أحد.
ثلاث جبهات بحواجز الصد والتحديات المختلفة تقف اليوم في وجه الحكومة الجديدة بكل ما يعنيه التحدي من معنى. ما يجعل نجاح او عدم نجاح الحكومة رهين المحابس الثلاثة. بل يتوقف النجاح في مطلق الأحوال على مدى قدرة حركة حماس على وضع المحددات والآليات المنطقية والمناطقية الملائمة لمواجهة أو مشاغلة الجبهات الثلاث لإتمام عملية الاقلاع الوطني والسياسي للحكومة بسلام. وهو ما يعني ان على الحكومة الجديدة مجموعة من الاستحقاقات والواجبات العاجلة والملحّة لا بد من الشروع بها بشكل متناغم ومتناسق على الجبهات الثلاث. ولعل في إثبات قدرة حماس وجدارتها في معالجة قضايا واستحقاقات الجبهة الفلسطينية الداخلية التي اعتلت صهوتها في الوصول لسدة الحكم، لا سيما قدرتها على طرح النموذج والبديل الجيد في ملامسة قضايا الوطن والمواطن، المؤشر الايجابي على تمكينها من النجاح في مواجهة الجبهتين الاسرائيلية والدولية المحدقتين بها من كل حدب وصوب حتى اللحظة. بل ربما سيكون في ذلك خلق قوة دفع وصمود لدى المواطن في التآلف والتعاطف مع هذه الحكومة، لا سيما بعد ان اصبح الحصار يستهدف كل فرد فلسطيني في لقمة عيشة وكرامته وحقوقه الوطنية بشكل سافر غير مسبوق. من هنا فإن مؤشرات واحتمالات الفشل او النجاح ستظهر ملامحها أولاً في معمعان التحدي الداخلي سواء لجهة الحاجات الضرورية والاصلاحية للمواطن، أم لجهة القدرة على التعامل الهادئ والعاقل في استكمال انتقال السلطة وتسلمها تحت وابل الضغوط والصراعات التنافسية ما بين القديم والجديد، مع الأخذ بالاعتبار ان الجديد لا يمكن له ان يتأتى ويولد إلاّ في رحم القديم. ولا بد ان يظل الضمير الوطني حياً ورقيباً ساهراً على اداء كل الفلسطينيين كل من موقعه لعبور هذا النفق الصعب ودرء المخاطر الخارجية التي تتهددنا جميعاً داخل المركب وخارجه جنباً الى جنب مع حفظ حق الجميع في التنافس الشريف اللاتناحري والنزيه نزاهة ديمقراطيتنا التي أوصلتنا لما نحن فيه، دون ان يغيب عن اذهاننا جوهر قانون وحدة وصراع الاضداد وأن البقاء للأصلح، وبما يحبط كل المحاولات الاسرائيلية المحمومة لتنفيذ المشروع العدواني احادي الجانب، وحتى لا نندم حين لا ينفع الندم.