منظمة التحرير الفلسطينية: من مطلب التحرير الكامل إلى بداية تآكل الثوابت
و النتيجة لا واقعية مطلب الإصلاح
عند تأسيسها عام 1964 تبنت منظمة التحرير مطلب تحرير كامل الأراضي الفلسطينية التي اغتصبتها العصابات الصهيونية من أصحابها التاريخيين عام 1948 لتشمل مطالبتها تحرير كامل الأراضي من البحر حتى النهر بعد الهزيمة المخزية للأنظمة العربية عام 67. و كانت المنظمة حسب ما نص عليه ميثاقها تتبنى الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل بالعودة و تقرير المصير و إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني. و أدت مجريات الأحداث في أعقاب هزيمة 67 و التي تمثلت بتصدر حركة فتح الفتية عمليات المقاومة الفدائية ضد إسرائيل و أبرزها معركة الكرامة إلى بسط الحركة سيطرتها على قيادة المنظمة و استبداد قيادة فتح بقراراتها. و منذ تسلمها دفة القيادة شرعت حركة فتح بالتأكيد على استقلالية القرار الفلسطيني و تخليص المنظمة من وصاية الأنظمة العربية. و عززت المنظمة انجازاتها الميدانية في ساحة المواجهة مع الاحتلال بإنجازات سياسية فقد شهد النصف الأول من السبعينات اعترافا عربيا بالمنظمة كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني و منح المنظمة صفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما شهدت أول انتخابات بلدية تجري تحت الاحتلال عام 76 تفوق انصار المنظمة على منافسيهم من الموالين لسلطة الاحتلال. و كان هذا شاهدا على أن شعبية المنظمة امتدت من الخارج إلى الداخل ( الضفة الغربية و قطاع غزة) بحيث يمكن القول أن فترة أواسط السبعينات كانت فترة صعود للمنظمة كونها قد كرست نفسها كممثل شرعي و حيد للشعب الفلسطيني أمام العالم أجمع دون أن تضطر أن تتخلى عن شيء من ثوابتها.
بدأ الهبوط في الوضع العام للمنظمة بعد الخروج من بيروت بعد حصار 82 و تشتت مقاتليها و قيادتها على عدد من الدول العربية أهمها تونس التي استقبلت رئيسها ياسر عرفات. بعد هذا الفشل للمنظمة في إدارة الصراع من خارج الأرض المحتلة أصبحت الأعين موجهة للداخل ليصبح الميدان الرئيسي للصراع مع الاحتلال.
و بعد أقل من سنة على نشوب انتفاضة الحجارة الشعبية الأولى أواخرعام 87 أعلن المجلس الوطني للمنظمة وثيقة الاستقلال التي تتحدث عن سلام عادل و شامل قائم على قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار التقسيم رقم 181. مهد هذا الاعتراف الضمني بإسرائيل الطريق لعقد مؤتمر مدريد الذي مهد بدوره لتوقيع اتفاقية أوسلو التي تمثل برأي الكثيرين و منهم كاتب هذه السطور خطأ فادحا نحى بالقضية الفلسطينية منحى خطيرا و سلمها لبراثن المجهول بشكل رسمي. و من بين الكوارث التي جلبتها هذه الاتفاقية على الشعب الفلسطيني و القضية الفلسطينية، و على سبيل المثال لا الحصر، أنها تجاهلت بشكل صارخ ربط أي اتفاق مع اسرائيل بوقف الاستيطان الذي يلتهم بشكل منظم و يومي أرضنا الفلسطينية مما أتاح للاحتلال الابقاء على هذا السلاح الفتاك الذي يراهن بمواصلته على تشويه ما تبقى من أراضي 67 ليتعذر بذلك الحديث عن دولة فلسطينية قابلة للحياة.
و شهدت الفترة ما بين قيام السلطة عام 94 و اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 تراجعا خطيرا للأداء النضالي الفلسطيني و انتعاشا مجنونا و غير مسبوق للاستيطان الاسرائيلي. كما تفشى الفساد المالي و الإداري في معظم مؤسسات السلطة الوليدة ناهيك عن الفساد الأخلاقي الذي جاء كنتيجة منطقية لما ذكر.
شكلت السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاق المذكور و أدى هذا الى اختفاء الحدود بين ما كان يعرف بالمنظمة و ما أصبح يعرف بالسلطة لينتهي بالتماهي الكامل بين الاثنتين أو بالأحرى بحلول الثانية محل الأولى.
كان الأمر و كأن زعامة المنظمة أرادت و لو بأي ثمن اتفاقا يمهد أمامها الطريق للعودة إلى الأراضي المحتلة و الله سبحانه و تعالى وحده يعلم ما كان يدور بخلد قادة فتح الذين وقعوا هذه الاتفاقية باسم منظمة التحرير بشكل ديكتاتوري دون الأخذ برأي أحد حتى الفصائل الأخرى المنضوية تحت إطار هذه المنظمة في إطار حوار وطني شامل كون هذه الاتفاقية تتعلق بمصير الشعب برمته.
و بعد مرور حوالي عام و نصف على انتفاضة الأقصى تبنت القمة العربية في بيروت المبادرة السعودية التي تتلاشى ذكر حق عودة اللاجئين و تضع مصيرهم بدلا من ذلك في قالب غامض و فضفاض مرتهن بقبول الطرف الاسرائيلي. و سارع الرئيس الراحل ياسر عرفات بتبني هذه المبادرة قبل أن يجف حبرها. لم تكن تلك مفاجأة فقد سبق القمة المذكورة بفترة توقيع ما يعرف باتفاقية جنيف بين ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة و يوسي بيلين زعيم حزب ميريتس الاسرائيلي. لم يكن ذلك طبعا ليتم من خلف ظهر أبو عمار و لم يكن عبد ربه ليفاوض بصفته الشخصية. و هذه الاتفاقية تسقط صراحة حق عودة اللاجئين حيث تنص على عدم السماح لهم بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها بل الى الدولة الفلسطينية التي ستقوم الى جانب اسرائيل بموجب الاتفاقية. كما انها تعطي الحق بالسيادة على ما يسمى بالحي اليهودي في القدس لإسرائيل ناهيك عن الكثير من الثغرات القاتلة الأخرى التي تزخر بها هذه الاتفاقية.
و يستمر الانحدار في منحنى المطالب الفلسطينية ليصل الى خارطة الطريق التي تضع التوصل الى حل للقضايا النهائية ( القدس و اللاجئين و الحدود و المياه و المعابر) رهن القبول الاسرائيلي في وقت يعلن فيه رئيس المنظمة و السلطة أبو مازن أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلام. أي سلام و أي مفاوضات؟ ما هي أوراق القوة أو الضغط التي ستجبر اسرائيل على الانصياع الى المطالب الفلسطينية العادلة. حجة الرئيس المبنية في اعتقادي على حسن نية قد يصل إلى درجة السذاجة أننا سنثبت للعالم أننا نريد السلام و أن اسرائيل لا تريد و النتيجة المنطقية لذلك ان العالم سيضيق ذرعا بإسرائيل و يجبرها على إعادة الحقوق إلى أصحابها. أتساءل هل هذه الرؤيا مبنية على قراءة دقيقة للسياسة الدولية؟!
بعد كل ما تقدم هل يمكن الحديث عن إصلاح المنظمة؟ يمكن من ناحية نظرية أن نتخيل أن ذلك ممكن. لكن الاصلاح يتضمن شقين: إصلاح الشكل و إصلاح المضمون. إصلاح الأول أسهل من الثاني بكثير فيمكن التوصل الى اتفاق على صيغة تمثيلية لمختلف القوى و الفصائل آخذين في الاعتبار نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. أما المضمون الذي يتمثل بالبرنامج أو الميثاق الجديد الذي سيتم الاتفاق عليه فهنا موضع الخلاف.
فميثاق المنظمة الجديد الذي فرضته الأحداث و المواقف في السنوات الخمس عشرة الأخيرة أكثر من كونه مكتوبا بشكل منظم يتكون في معظمه من جملة الاتفاقات و التفاهمات و الالتزامات التي ابرمتها المنظمة مع الجانب الاسرائيلي من خلال المفاوضات. الاعتراف بإسرائيل أحد أهم بنود هذا الاتفاق. لكن الاعتراف مقابل ماذا؟ لقد ضربت اسرائيل بعرض الحائط كل الاتفاقات التي عقدت، من اوسلو مرورا بخارطة الطريق و انتهاءا باتفاقية معبر رفح. و يقال أنها تعكف الآن على تنفيذ خطة بموافقة الولايات المتحدة لإسقاط الحكومة الجديدة التي شكلتها حماس بممارسة عملية خنق اقتصادي و سياسي مزدوجة إن صح القول.
هنالك مبرران لإبقاء منظمة التحرير بوضعها الحالي بنظر قادة فتح: الاول انها حازت على اعتراف دول العالم بعد انخراطها في عملية السلام مع اسرائيل، و الثاني انها تمثل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم. و غني عن القول أن فادة فتح عندما يتحدثون عن إصلاح المنظمة إنما يقصدون بذلك ما يتعلق بالشكل فقط دون المضمون لأن التطرق إلى الأخير يتناقض و السياسة التي دأبوا على اتباعها منذ سنين.
لكنني أتساءل هل بقي المبرر الأول قائما بعد ما عاناه الرئيس الراحل ابو عمار على أيدي الاحتلال الاسرائيلي من حصار بمباركة أو لامبالاة امريكية و ما ردده بوش من وراء شارون كالتلميذ النجيب من انه ليس بالشريك المناسب، الشريك المناسب لماذا؟ طبعا هم يريدون رئيسا ينال رضاهم. ثم جاء "شريك" جديد ،أقصد الرئيس الحالي أبو مازن، كان من المفروض أن "يناسبهم"، لكنه و مع كل محاولاته أن يجمع بين المتناقضات لم ينل رضاهم و نعته الاسرائيليون مجددا انه ليس بشريك. و للتذكير فقط أن الاول كان يشغل و الثاني يشغل حاليا منصب رؤساء للمنظمة التي وقعت اتفاقيات السلام. لقد نسفت اسرائيل بسلوكها المتغطرس كل اتفاقيات و مشاريع السلام لأنها أصلا لن تفهم هذه اللغة ما دمنا ندير الصراع بهذه الطريقة البائسة.
أما المبرر الثاني فقد سقط كتحصيل حاصل فكيف للمنظمة أن تدافع عن و تمثل فلسطينيي الشتات و قد أسقطت المطالبة الجادة بحق عودتهم دون مشاورتهم كما بينا اعلاه.
لا أرى أي مبرر لبقاء هذه المنظمة بحالتها الراهنة مهما حاول البعض أن يفصلوا الشكل عن المضمون لان اصلاح الاول سينفي الثاني أو العكس و ستصبح بالتالي منظمة جديدة لا علاقة لها بالقديمة سوى الاسم. حركات التحرر التي تسعى لإرضاء الآخرين على حساب قضيتها غير جديرة بالبقاء. لكن الأمر لا يتعدى الاعلان الرسمي عن وفاة هذه المنظمة فقد دخلت في موت سريري منذ سنين عندما فقدت هويتها التمثيلية و التحررية.
المنظمة أصبحت مثقلة بهذا الكم من الاتفاقات و الالتزامات التي شكلت منذ البداية عبئا ثقيلا يثقل كاهل هذا الشعب و يحول بينه و بين التقدم نحو إنجاز حقوقه العادلة.
نحن، أقصد الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية و الإجتماعية مطالبون أكثر من أي و قت مضى بالوقوف بجدية امام ماضينا و مستقبلنا في آن و تسمية الأشياء بمسمياتها دون اعتبار للآخرين أو مداراة للأخطاء السابقة. نحن بحاجة لمنظمة تحرير او قيادة وطنية موحدة جديدة تبنى على أسس عادلة و تنذر نفسها للخلاص من الاحتلال.
و إلى ذلك هذه دعوة للجميع بمن فيهم الأخوة في حماس لدراسة خيار حل السلطة الذي ينادي به الكثير من المثقفين بناءا على أسباب وجيهة أهمها إفشال الخروج أحادي الجانب من مناطق في الضفة بشكل موضوعي بعيد عن المصالح الفصائلية الأنانية. لهذا الاقتراح الأخير محاذيره و أول ما يبرز إلى الذهن كيفية تأمين تدفق المساعدات المالية بالأساس لتأمين رواتب ما يقارب 150 ألف موظف حكومي.
هذا المأزق الخطير الذي أوصلتنا له قيادتنا عن طريق سوء تصرفها بمصير هذا الشعب يدفعنا إلى السؤال الكبير: المساعدات المالية في يد و ضياع ما تبقى من الوطن في يد أخرى فمن نختار؟ بالتأكيد نحن أمام خيارين أحلاهما مر.
و قد يقول قائل هذه الخطوة تعيدنا إلى الصفر، فأقول له إن العودة إلى الصفر إنجاز كبير لأننا في هذه الفترة من تاريخنا تحت الصفر بكثير.
فؤاد صالح
7/4/2006
و النتيجة لا واقعية مطلب الإصلاح
عند تأسيسها عام 1964 تبنت منظمة التحرير مطلب تحرير كامل الأراضي الفلسطينية التي اغتصبتها العصابات الصهيونية من أصحابها التاريخيين عام 1948 لتشمل مطالبتها تحرير كامل الأراضي من البحر حتى النهر بعد الهزيمة المخزية للأنظمة العربية عام 67. و كانت المنظمة حسب ما نص عليه ميثاقها تتبنى الكفاح المسلح كطريق وحيد لتحقيق هدفها الاستراتيجي المتمثل بالعودة و تقرير المصير و إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على كامل التراب الوطني الفلسطيني. و أدت مجريات الأحداث في أعقاب هزيمة 67 و التي تمثلت بتصدر حركة فتح الفتية عمليات المقاومة الفدائية ضد إسرائيل و أبرزها معركة الكرامة إلى بسط الحركة سيطرتها على قيادة المنظمة و استبداد قيادة فتح بقراراتها. و منذ تسلمها دفة القيادة شرعت حركة فتح بالتأكيد على استقلالية القرار الفلسطيني و تخليص المنظمة من وصاية الأنظمة العربية. و عززت المنظمة انجازاتها الميدانية في ساحة المواجهة مع الاحتلال بإنجازات سياسية فقد شهد النصف الأول من السبعينات اعترافا عربيا بالمنظمة كممثل شرعي و وحيد للشعب الفلسطيني و منح المنظمة صفة مراقب في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
كما شهدت أول انتخابات بلدية تجري تحت الاحتلال عام 76 تفوق انصار المنظمة على منافسيهم من الموالين لسلطة الاحتلال. و كان هذا شاهدا على أن شعبية المنظمة امتدت من الخارج إلى الداخل ( الضفة الغربية و قطاع غزة) بحيث يمكن القول أن فترة أواسط السبعينات كانت فترة صعود للمنظمة كونها قد كرست نفسها كممثل شرعي و حيد للشعب الفلسطيني أمام العالم أجمع دون أن تضطر أن تتخلى عن شيء من ثوابتها.
بدأ الهبوط في الوضع العام للمنظمة بعد الخروج من بيروت بعد حصار 82 و تشتت مقاتليها و قيادتها على عدد من الدول العربية أهمها تونس التي استقبلت رئيسها ياسر عرفات. بعد هذا الفشل للمنظمة في إدارة الصراع من خارج الأرض المحتلة أصبحت الأعين موجهة للداخل ليصبح الميدان الرئيسي للصراع مع الاحتلال.
و بعد أقل من سنة على نشوب انتفاضة الحجارة الشعبية الأولى أواخرعام 87 أعلن المجلس الوطني للمنظمة وثيقة الاستقلال التي تتحدث عن سلام عادل و شامل قائم على قرارات الشرعية الدولية بما فيها قرار التقسيم رقم 181. مهد هذا الاعتراف الضمني بإسرائيل الطريق لعقد مؤتمر مدريد الذي مهد بدوره لتوقيع اتفاقية أوسلو التي تمثل برأي الكثيرين و منهم كاتب هذه السطور خطأ فادحا نحى بالقضية الفلسطينية منحى خطيرا و سلمها لبراثن المجهول بشكل رسمي. و من بين الكوارث التي جلبتها هذه الاتفاقية على الشعب الفلسطيني و القضية الفلسطينية، و على سبيل المثال لا الحصر، أنها تجاهلت بشكل صارخ ربط أي اتفاق مع اسرائيل بوقف الاستيطان الذي يلتهم بشكل منظم و يومي أرضنا الفلسطينية مما أتاح للاحتلال الابقاء على هذا السلاح الفتاك الذي يراهن بمواصلته على تشويه ما تبقى من أراضي 67 ليتعذر بذلك الحديث عن دولة فلسطينية قابلة للحياة.
و شهدت الفترة ما بين قيام السلطة عام 94 و اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000 تراجعا خطيرا للأداء النضالي الفلسطيني و انتعاشا مجنونا و غير مسبوق للاستيطان الاسرائيلي. كما تفشى الفساد المالي و الإداري في معظم مؤسسات السلطة الوليدة ناهيك عن الفساد الأخلاقي الذي جاء كنتيجة منطقية لما ذكر.
شكلت السلطة الفلسطينية بموجب الاتفاق المذكور و أدى هذا الى اختفاء الحدود بين ما كان يعرف بالمنظمة و ما أصبح يعرف بالسلطة لينتهي بالتماهي الكامل بين الاثنتين أو بالأحرى بحلول الثانية محل الأولى.
كان الأمر و كأن زعامة المنظمة أرادت و لو بأي ثمن اتفاقا يمهد أمامها الطريق للعودة إلى الأراضي المحتلة و الله سبحانه و تعالى وحده يعلم ما كان يدور بخلد قادة فتح الذين وقعوا هذه الاتفاقية باسم منظمة التحرير بشكل ديكتاتوري دون الأخذ برأي أحد حتى الفصائل الأخرى المنضوية تحت إطار هذه المنظمة في إطار حوار وطني شامل كون هذه الاتفاقية تتعلق بمصير الشعب برمته.
و بعد مرور حوالي عام و نصف على انتفاضة الأقصى تبنت القمة العربية في بيروت المبادرة السعودية التي تتلاشى ذكر حق عودة اللاجئين و تضع مصيرهم بدلا من ذلك في قالب غامض و فضفاض مرتهن بقبول الطرف الاسرائيلي. و سارع الرئيس الراحل ياسر عرفات بتبني هذه المبادرة قبل أن يجف حبرها. لم تكن تلك مفاجأة فقد سبق القمة المذكورة بفترة توقيع ما يعرف باتفاقية جنيف بين ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة و يوسي بيلين زعيم حزب ميريتس الاسرائيلي. لم يكن ذلك طبعا ليتم من خلف ظهر أبو عمار و لم يكن عبد ربه ليفاوض بصفته الشخصية. و هذه الاتفاقية تسقط صراحة حق عودة اللاجئين حيث تنص على عدم السماح لهم بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها بل الى الدولة الفلسطينية التي ستقوم الى جانب اسرائيل بموجب الاتفاقية. كما انها تعطي الحق بالسيادة على ما يسمى بالحي اليهودي في القدس لإسرائيل ناهيك عن الكثير من الثغرات القاتلة الأخرى التي تزخر بها هذه الاتفاقية.
و يستمر الانحدار في منحنى المطالب الفلسطينية ليصل الى خارطة الطريق التي تضع التوصل الى حل للقضايا النهائية ( القدس و اللاجئين و الحدود و المياه و المعابر) رهن القبول الاسرائيلي في وقت يعلن فيه رئيس المنظمة و السلطة أبو مازن أن المفاوضات هي الطريق الوحيد للوصول إلى السلام. أي سلام و أي مفاوضات؟ ما هي أوراق القوة أو الضغط التي ستجبر اسرائيل على الانصياع الى المطالب الفلسطينية العادلة. حجة الرئيس المبنية في اعتقادي على حسن نية قد يصل إلى درجة السذاجة أننا سنثبت للعالم أننا نريد السلام و أن اسرائيل لا تريد و النتيجة المنطقية لذلك ان العالم سيضيق ذرعا بإسرائيل و يجبرها على إعادة الحقوق إلى أصحابها. أتساءل هل هذه الرؤيا مبنية على قراءة دقيقة للسياسة الدولية؟!
بعد كل ما تقدم هل يمكن الحديث عن إصلاح المنظمة؟ يمكن من ناحية نظرية أن نتخيل أن ذلك ممكن. لكن الاصلاح يتضمن شقين: إصلاح الشكل و إصلاح المضمون. إصلاح الأول أسهل من الثاني بكثير فيمكن التوصل الى اتفاق على صيغة تمثيلية لمختلف القوى و الفصائل آخذين في الاعتبار نتائج الانتخابات التشريعية الأخيرة. أما المضمون الذي يتمثل بالبرنامج أو الميثاق الجديد الذي سيتم الاتفاق عليه فهنا موضع الخلاف.
فميثاق المنظمة الجديد الذي فرضته الأحداث و المواقف في السنوات الخمس عشرة الأخيرة أكثر من كونه مكتوبا بشكل منظم يتكون في معظمه من جملة الاتفاقات و التفاهمات و الالتزامات التي ابرمتها المنظمة مع الجانب الاسرائيلي من خلال المفاوضات. الاعتراف بإسرائيل أحد أهم بنود هذا الاتفاق. لكن الاعتراف مقابل ماذا؟ لقد ضربت اسرائيل بعرض الحائط كل الاتفاقات التي عقدت، من اوسلو مرورا بخارطة الطريق و انتهاءا باتفاقية معبر رفح. و يقال أنها تعكف الآن على تنفيذ خطة بموافقة الولايات المتحدة لإسقاط الحكومة الجديدة التي شكلتها حماس بممارسة عملية خنق اقتصادي و سياسي مزدوجة إن صح القول.
هنالك مبرران لإبقاء منظمة التحرير بوضعها الحالي بنظر قادة فتح: الاول انها حازت على اعتراف دول العالم بعد انخراطها في عملية السلام مع اسرائيل، و الثاني انها تمثل الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم. و غني عن القول أن فادة فتح عندما يتحدثون عن إصلاح المنظمة إنما يقصدون بذلك ما يتعلق بالشكل فقط دون المضمون لأن التطرق إلى الأخير يتناقض و السياسة التي دأبوا على اتباعها منذ سنين.
لكنني أتساءل هل بقي المبرر الأول قائما بعد ما عاناه الرئيس الراحل ابو عمار على أيدي الاحتلال الاسرائيلي من حصار بمباركة أو لامبالاة امريكية و ما ردده بوش من وراء شارون كالتلميذ النجيب من انه ليس بالشريك المناسب، الشريك المناسب لماذا؟ طبعا هم يريدون رئيسا ينال رضاهم. ثم جاء "شريك" جديد ،أقصد الرئيس الحالي أبو مازن، كان من المفروض أن "يناسبهم"، لكنه و مع كل محاولاته أن يجمع بين المتناقضات لم ينل رضاهم و نعته الاسرائيليون مجددا انه ليس بشريك. و للتذكير فقط أن الاول كان يشغل و الثاني يشغل حاليا منصب رؤساء للمنظمة التي وقعت اتفاقيات السلام. لقد نسفت اسرائيل بسلوكها المتغطرس كل اتفاقيات و مشاريع السلام لأنها أصلا لن تفهم هذه اللغة ما دمنا ندير الصراع بهذه الطريقة البائسة.
أما المبرر الثاني فقد سقط كتحصيل حاصل فكيف للمنظمة أن تدافع عن و تمثل فلسطينيي الشتات و قد أسقطت المطالبة الجادة بحق عودتهم دون مشاورتهم كما بينا اعلاه.
لا أرى أي مبرر لبقاء هذه المنظمة بحالتها الراهنة مهما حاول البعض أن يفصلوا الشكل عن المضمون لان اصلاح الاول سينفي الثاني أو العكس و ستصبح بالتالي منظمة جديدة لا علاقة لها بالقديمة سوى الاسم. حركات التحرر التي تسعى لإرضاء الآخرين على حساب قضيتها غير جديرة بالبقاء. لكن الأمر لا يتعدى الاعلان الرسمي عن وفاة هذه المنظمة فقد دخلت في موت سريري منذ سنين عندما فقدت هويتها التمثيلية و التحررية.
المنظمة أصبحت مثقلة بهذا الكم من الاتفاقات و الالتزامات التي شكلت منذ البداية عبئا ثقيلا يثقل كاهل هذا الشعب و يحول بينه و بين التقدم نحو إنجاز حقوقه العادلة.
نحن، أقصد الشعب الفلسطيني بكافة أطيافه السياسية و الإجتماعية مطالبون أكثر من أي و قت مضى بالوقوف بجدية امام ماضينا و مستقبلنا في آن و تسمية الأشياء بمسمياتها دون اعتبار للآخرين أو مداراة للأخطاء السابقة. نحن بحاجة لمنظمة تحرير او قيادة وطنية موحدة جديدة تبنى على أسس عادلة و تنذر نفسها للخلاص من الاحتلال.
و إلى ذلك هذه دعوة للجميع بمن فيهم الأخوة في حماس لدراسة خيار حل السلطة الذي ينادي به الكثير من المثقفين بناءا على أسباب وجيهة أهمها إفشال الخروج أحادي الجانب من مناطق في الضفة بشكل موضوعي بعيد عن المصالح الفصائلية الأنانية. لهذا الاقتراح الأخير محاذيره و أول ما يبرز إلى الذهن كيفية تأمين تدفق المساعدات المالية بالأساس لتأمين رواتب ما يقارب 150 ألف موظف حكومي.
هذا المأزق الخطير الذي أوصلتنا له قيادتنا عن طريق سوء تصرفها بمصير هذا الشعب يدفعنا إلى السؤال الكبير: المساعدات المالية في يد و ضياع ما تبقى من الوطن في يد أخرى فمن نختار؟ بالتأكيد نحن أمام خيارين أحلاهما مر.
و قد يقول قائل هذه الخطوة تعيدنا إلى الصفر، فأقول له إن العودة إلى الصفر إنجاز كبير لأننا في هذه الفترة من تاريخنا تحت الصفر بكثير.
فؤاد صالح
7/4/2006