عندما يصبح التبرير منهجاً
بقلم الكاتب: راسم المقيد
[email protected]
إذا كانت الأيديولوجيا تعني التبرير فإن " ايسوب "كما في الأسطورة الإغريقية القديمة، هو أول إيديولوجي في التاريخ , و" ايسوب " هو الثعلب الذي قفز ليلتقط العنب من الكرمة المرتفعة أكثر من مرة وعندما لم يستطع قال " أنه حامض ".
عندما تنشر صحيفة الرسالة المقربة من حركة حماس , في عدد يوم الخميس السادس من إبريل 2006 , مقالة بعنوان "المقاومة عندما تعني ....التخريب !!!"فإن ذلك يعني أن قدرا هائلا من التلاعب بالحقائق المجتزأة أصبح مبررا , وعنوانا أيديولوجياً للتأويل , باعتبار أن الحقيقة تختلف بعد وصول حماس إلى السلطة عما قبله , فما كان مبررا لحركة حماس قبل وصولها إلى السلطة , أصبح محرما على غيرها تبعا لاختلاف الدوافع والأهداف.
لو أن هذا المقال نشر في صحيفة أخرى قبل وصول حركة حماس إلى السلطة , واستبدلت كلمة حركة " فتح " بدلا من حركة حماس في العبارة , " بحيث أنه من الواضح أن بعض هذه العمليات تبدو وكأنها تأتي فقط من أجل إحراج الحكومة الفلسطينية الجديدة بقيادة حركة حماس , هذا في الوقت الذي تواجه فيه هذه الحكومة مؤامرة كبرى تهدف إلى إفشالها وإحباطها " لاعتُبر هذا المقال نقدا لاذعا لكل ما كانت تمارسه حركة حماس في وجه حكومة حركة فتح على اعتبار أن الوطن تم اقتسامه إلى غنائم فصائيلية , حيث تم انتقاد كافة أشكال المقاومة بما فيها العمليات "الاستشهادية" , والتي كان يتم الحديث عنها باعتبارها خلقت توازنا للرعب مع العدو , هذا عدا الحديث عن الذرائع اللانهائية التي تقدمها المقاومة اليوم للعدو لتحقيق مخططاته , وانتقاد أن يكون قطاع غزة منطلقا لأعمال المقاومة ضد الاحتلال " الذي يزيد الطين بله في هذه الأيام أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على أن عمليات المقاومة انطلاقا من القطاع تأتي في غمرة المناكفات السياسية بين الفرقاء في الساحة الفلسطينية" وتبلغ القسوة بالهزأ من المقاومة وتسفيه أهدافها على شاكلة " فمرة أخرى آن الأوان أن تتوقف المقاومة عن هز شباك القضية الوطنية " .
الذين مجدوا الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة , ودعوا إلى تحويله قاعدة ارتكاز لانطلاقها منه ,و كانوا يعيبون على السلطة دعوتها للتهدئة , تحولوا اليوم إلى دعاة للارتداد عن نهج المقاومة , تحت تبريرات العقلانية وعدم تقديم الذرائع للاحتلال , كانوا يقولون سابقا , لماذا الدعوة لوقف المقاومة من قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل منه , ونحن نطالب الدول العربية بفتح حدودها مع إسرائيل أمام المقاومة .
الكثير من الكتاب الذين كانوا يوظفون مقالاتهم لتمجيد المقاومة والدفاع عن أهدافها , تحولوا بصورة مريبة إلى دعاة للعقلانية والتروي , فبعد أن كانوا "جيفاريين" في فلسطين وعقلانيين في العراق , أصبحوا اليوم عقلانيين في قطاع غزة , و"جيفاريين" في الضفة , وحتى دعاة تواصل مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية وبما فيها الطرف الإسرائيلي , المؤسف كيف يستطيعون إقناع أنفسهم بهذا التغيير, بعد كل تلك المواقف المتشددة التي تخلوا عنها .
لماذا هذا التحول الشديد , هل لأن "حركة حماس تختلف حقيقة عما سواها" , ويجب إعطاءها فرصة لتطبيق برنامجها السياسي والداخلي , أم لأن "الهم الوطني يمر في مرحلة حساسة ويستوجب تماسك الجميع " , وهل كان الهم الوطني في يوم من الأيام يحتمل الفرقة والمناكفة , هل المصلحة الوطنية تكمن في ما تراه حركة حماس فقط , ما جدوى الحديث عن المصالح الضيقة أو المصالح الفصائيلية , أحد قادة حركة حماس يقول في صحيفة الأيام يوم 14 3 2006 " أنه إذا كانت حركة فتح لا تريد المشاركة في الحكومة فإنها ترسل رسالة سلبية إلى الشعب الفلسطيني مفادها أنها تفضل المصلحة الخاصة على المصلحة الوطنية ", ماذا كان يمكن أن يقال غير ذلك لحركة حماس , وماذا كانت تؤثر حركة حماس عندما كانت ترفض دعوات المشاركة في السلطة الوطنية , أو حتى عندما كانت تحتجب عن اجتماعات هيئة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية .الحكمة ليست مقتصرة على أحد بعينه , ولا أحد يستطيع إدعاء احتكار الصواب أو المصداقية , فأنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كلٌ يُؤخذ بكلامه أو يُرد إلا صاحب هذه القبر " وكان يُشير إلى قبر الرسول "صلى الله عليه وسلم" , وحركة حماس حركة سياسية , مهما استعانت بالخطاب الديني , وهي غير مستعصية على النقد , وما يمكن أن يوجه إلى الحركات الوطنية الأخرى يمكن أن يوجه إليها , باعتبار أن الهم الوطني مفتوح على تلاقي الاجتهادات الصادقة , وليس على المواقف الآنية المتقلبة , التي تعتقد " أن الحقيقة أمام جبال البرانس تختلف عما خلفها " كما في تعليق لمكسيم رودنسن على موقف جان بول سارتر المتناقض حيال كل من الجزائر وفلسطين .
بقلم الكاتب: راسم المقيد
[email protected]
إذا كانت الأيديولوجيا تعني التبرير فإن " ايسوب "كما في الأسطورة الإغريقية القديمة، هو أول إيديولوجي في التاريخ , و" ايسوب " هو الثعلب الذي قفز ليلتقط العنب من الكرمة المرتفعة أكثر من مرة وعندما لم يستطع قال " أنه حامض ".
عندما تنشر صحيفة الرسالة المقربة من حركة حماس , في عدد يوم الخميس السادس من إبريل 2006 , مقالة بعنوان "المقاومة عندما تعني ....التخريب !!!"فإن ذلك يعني أن قدرا هائلا من التلاعب بالحقائق المجتزأة أصبح مبررا , وعنوانا أيديولوجياً للتأويل , باعتبار أن الحقيقة تختلف بعد وصول حماس إلى السلطة عما قبله , فما كان مبررا لحركة حماس قبل وصولها إلى السلطة , أصبح محرما على غيرها تبعا لاختلاف الدوافع والأهداف.
لو أن هذا المقال نشر في صحيفة أخرى قبل وصول حركة حماس إلى السلطة , واستبدلت كلمة حركة " فتح " بدلا من حركة حماس في العبارة , " بحيث أنه من الواضح أن بعض هذه العمليات تبدو وكأنها تأتي فقط من أجل إحراج الحكومة الفلسطينية الجديدة بقيادة حركة حماس , هذا في الوقت الذي تواجه فيه هذه الحكومة مؤامرة كبرى تهدف إلى إفشالها وإحباطها " لاعتُبر هذا المقال نقدا لاذعا لكل ما كانت تمارسه حركة حماس في وجه حكومة حركة فتح على اعتبار أن الوطن تم اقتسامه إلى غنائم فصائيلية , حيث تم انتقاد كافة أشكال المقاومة بما فيها العمليات "الاستشهادية" , والتي كان يتم الحديث عنها باعتبارها خلقت توازنا للرعب مع العدو , هذا عدا الحديث عن الذرائع اللانهائية التي تقدمها المقاومة اليوم للعدو لتحقيق مخططاته , وانتقاد أن يكون قطاع غزة منطلقا لأعمال المقاومة ضد الاحتلال " الذي يزيد الطين بله في هذه الأيام أن هناك الكثير من المؤشرات التي تدل على أن عمليات المقاومة انطلاقا من القطاع تأتي في غمرة المناكفات السياسية بين الفرقاء في الساحة الفلسطينية" وتبلغ القسوة بالهزأ من المقاومة وتسفيه أهدافها على شاكلة " فمرة أخرى آن الأوان أن تتوقف المقاومة عن هز شباك القضية الوطنية " .
الذين مجدوا الاندحار الإسرائيلي من قطاع غزة تحت ضربات المقاومة , ودعوا إلى تحويله قاعدة ارتكاز لانطلاقها منه ,و كانوا يعيبون على السلطة دعوتها للتهدئة , تحولوا اليوم إلى دعاة للارتداد عن نهج المقاومة , تحت تبريرات العقلانية وعدم تقديم الذرائع للاحتلال , كانوا يقولون سابقا , لماذا الدعوة لوقف المقاومة من قطاع غزة بعد انسحاب إسرائيل منه , ونحن نطالب الدول العربية بفتح حدودها مع إسرائيل أمام المقاومة .
الكثير من الكتاب الذين كانوا يوظفون مقالاتهم لتمجيد المقاومة والدفاع عن أهدافها , تحولوا بصورة مريبة إلى دعاة للعقلانية والتروي , فبعد أن كانوا "جيفاريين" في فلسطين وعقلانيين في العراق , أصبحوا اليوم عقلانيين في قطاع غزة , و"جيفاريين" في الضفة , وحتى دعاة تواصل مع كافة الأطراف الإقليمية والدولية وبما فيها الطرف الإسرائيلي , المؤسف كيف يستطيعون إقناع أنفسهم بهذا التغيير, بعد كل تلك المواقف المتشددة التي تخلوا عنها .
لماذا هذا التحول الشديد , هل لأن "حركة حماس تختلف حقيقة عما سواها" , ويجب إعطاءها فرصة لتطبيق برنامجها السياسي والداخلي , أم لأن "الهم الوطني يمر في مرحلة حساسة ويستوجب تماسك الجميع " , وهل كان الهم الوطني في يوم من الأيام يحتمل الفرقة والمناكفة , هل المصلحة الوطنية تكمن في ما تراه حركة حماس فقط , ما جدوى الحديث عن المصالح الضيقة أو المصالح الفصائيلية , أحد قادة حركة حماس يقول في صحيفة الأيام يوم 14 3 2006 " أنه إذا كانت حركة فتح لا تريد المشاركة في الحكومة فإنها ترسل رسالة سلبية إلى الشعب الفلسطيني مفادها أنها تفضل المصلحة الخاصة على المصلحة الوطنية ", ماذا كان يمكن أن يقال غير ذلك لحركة حماس , وماذا كانت تؤثر حركة حماس عندما كانت ترفض دعوات المشاركة في السلطة الوطنية , أو حتى عندما كانت تحتجب عن اجتماعات هيئة المتابعة العليا للقوى الوطنية والإسلامية .الحكمة ليست مقتصرة على أحد بعينه , ولا أحد يستطيع إدعاء احتكار الصواب أو المصداقية , فأنس بن مالك رضي الله عنه قال : " كلٌ يُؤخذ بكلامه أو يُرد إلا صاحب هذه القبر " وكان يُشير إلى قبر الرسول "صلى الله عليه وسلم" , وحركة حماس حركة سياسية , مهما استعانت بالخطاب الديني , وهي غير مستعصية على النقد , وما يمكن أن يوجه إلى الحركات الوطنية الأخرى يمكن أن يوجه إليها , باعتبار أن الهم الوطني مفتوح على تلاقي الاجتهادات الصادقة , وليس على المواقف الآنية المتقلبة , التي تعتقد " أن الحقيقة أمام جبال البرانس تختلف عما خلفها " كما في تعليق لمكسيم رودنسن على موقف جان بول سارتر المتناقض حيال كل من الجزائر وفلسطين .