
مأساة التعليم في القدس
جميل السلحوت
كنا نحن الفلسطينيين نـفاخر بأننا من أكثر شعوب العالم تعليماً ، وحتى أن بعضنا لا يزال يفاخر بأن تعليم الفلسطينيين كان له دور في تعليم وتطوير بعض دول المنطقة ، وقد يكون في هذه الأقوال شيء من الصحة ، لكن هل استمر هذا الوضع وهذا التميز التعليمي ؟؟
قبل وقوع الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967 العدوانية لم يكن في الأراضي المحتلة أي جامعة ، بل كان هناك عدد من دور المعلمين ، وهي معاهد متوسطة كانت تختص باعداد الطلبة الذين يـنهون الثانوية العامة كي يكونوا معلمي مدارس ، والان يوجد سبع جامعات ، ست منها في الضفة الغربية وواحدة في قطاع غزة ، اضافة الى عدد من كليات المجتمع والمعاهد المتوسطة ، وانشاء الجامعات في الأراضي الفلسطينية كان بادرة ايجابية بالنسبة لتعليم الاناث ، حيث أن قرب هذه الجامعات من مكان سكن الطالبات ، مما يمكن الطالبة من الدوام الجامعي والعودة الى بيت ذويها ساعد في ذلك ، في حين كانت نسبة تزيد عن الخمسين بالمئة من الفلسطينيين لا ترسل بناتها قبل ذلك الى الجامعات ، أما الآن فإن عدد الطالبات الفلسطينيات في الجامعات يصل الى أكثر من الثلثين ، وأن عزوف الذكور أو عدم قدرتهم على الالتحاق بالجامعات لأسباب تعليمية أصبح ظاهرة مألوفة ، فهل يصدق انسان أن مدارس القدس تعاني من نقص في المعلمين الذكور ، علماً أن عدد المقدسيين الفلسطينيين من حملة الهوية الزرقاء التي تمكنهم من العيش والتعلم والعمل في المدينة يصل الى حوالي 270 ألف مواطن ، وعزوف الشباب الذكور عن الالتحاق بالجامعات ليس حكراً على القدس بل يتعداها الى المناطق الأخرى ، حيث أن سوق العمل الاسرائيلي كان سبباً كافياً لترك آلاف الطلبة مقاعد الدراسة قبل أن ينهوا الثانوية العامة ، في حين أن العادات والتقاليد لا تسمح للاناث بأن يلتحقن في سوق العمل الاسرائيلي .
ومع ذلك فآن للقدس خاصية تميزها عن بقية الأراضي المحتلة ، فهذه المدينة التي كانت عبر التاريخ منبراً تعليمياً وثقافياً وحضارياً تتعرض للتهويد بشكل مستمر ، وهي مستهدفة أكثر من بقية المناطق الفلسطينية ، وبما أن المقدسيين يحملون بطاقات هوية زرقاء – حسب التقسيمات الادارية للاحتلال – فرغم حصار المدينة وعزلها بجدار الفصل التوسعي العنصري ، الا أنه يسمح لسكانها بالدخول الى اسرائيل والعمل فيها ، مع كل القيود والاشتراطات الأمنية على كل طالب عمل حتى ولو في الأعمال السوداء ، كما أن سياسة التجهيل تستهدف القدس أيضاً أكثر من غيرها ، وترمي الى أن يبقى مواطنوها الفلسطينيون " حطابين وسقائين " ومع الأسف وبدون مبالغة فإنهم يشكل وآخر استجابوا لهذه السياسة بقصد أو بدون قصد .
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً ، فإن سياسة التجهيل تأخذ جوانب عدة منها :
القدرة الاستيعابية للمدارس :
فالمدارس الرسمية التي تتبع بلدية القدس ووزارة المعارف الاسرائيلية تستوعب حوالي نصف عدد طلبة وطالبات القدس الذين يصل عددهم الى حوالي ستين ألف طالب ، وتعاني هذه المدارس من نقص في الغرف الدراسية يصل الى حوالي 280 صفاً دراسياً في العام الدراسي الحالي ، وبعض المدارس تعمل بنظام المناوبة ، حيث أن هناك طلاباً يدرسون في الصباح وآخرين بعد الظهر ، اضافة الى وجود مئات الصفوف الدراسية في غرف مستأجرة معدة أصلاً لتكون للسكن ، وهناك صفوف في الملاجىء ، وحتى في الممرات ، كما أن هذه المدارس تفتقر الى الملاعب ، وتعيين المدرسين والمدرسات فيها يخضع لفحوصات أمنية ، مما يعني تغييب كفاءات واستبدالها بعكسها ، وتعاني هذه المدارس من نقص في الملاعب والمختبرات والمكتبات ووسائل الايضاح والحاسوب .
في حين يتوزع نصف الطلاب والطالبات على مدارس خاصة بعضها يتبع دائرة الأوقاف الاسلامية ، أو وكالة الغوث ، أو كنائس وأديرة ، وهناك مدارس ملكية خاصة ، وغالبية هذه المدارس تعاني هي الأخرى من نقص في غرف التدريس ، وبعضها في أبنية مستأجرة لا تصلح أن تكون صفوفاً دراسية ، كما أنها تعاني من نقص في الملاعب والمختبرات والمكتبات ووسائل الايضاح والحاسوب ، وتتميز عن المدارس الرسمية بكفاءة معلميها ومعلماتها لأن تعيينهم يتم على أسس تربوية وتعليمية ، وحسب الكفاءات ، ولا يخضع لمحاسبة أمنية ، واذا ما استثنينا مدارس الأوقاف الاسلامية ووكالة الغوث فإن المدارس الأخرى تأخذ رسوماً تعليمية تفوق القدرات الاقتصادية لغالبية المواطنيين ، علماً أن قدرة هذه المدارس على استيعاب الطلاب محدودة .
واذا كان من حق الطلاب والطالبات أن يحصلوا على التعليم الالزامي المجاني حتى انتهاء المرحلة الثانوية ، فإن ذلك لا ينطبق على فلسطينيي المدينة المقدسة لعدم قدرة المدارس الرسمية على استيعابهم ، ولعدم بناء مدارس جديدة تتناسب والزيادة الطبيعية للسكان ، علماً بأن المقدسيين الفلسطينيين يُلزمون بدفع نفس الضرائب المختلفة التي يدفعها الاسرائيليون في الجانب الغربي من المدينة ، وفي الأحياء الاستيطانية المقامة على الأراضي العربية في القدس الشرقية ، دون الأخذ بفوارق المداخيل بين الطرفين ، ومع ذلك فإن القوانين الاسرائيلية غير المكتوبة ، ولكنها مرسومة على أرض الواقع تمنع طلبة القدس من الالتحاق بالمدارس الفلسطينية الواقعة خارج حدود البلدية ، والتي أصبحت الآن خلف جدار الفصل العنصري التوسعي ، وحتى قبل بناء الجدار سيء الصيت ، فإن التحاق الطلبة المقدسيين بالمدارس الفلسطينية خارج حدود البلدية كان مغامرة غير محمودة العواقب ، لأن من يريد الحصول على بطاقة الهوية في سن السادسة عشرة حسب القانون ، هذه الهوية التي تسمح له بالتنقل ، فإنه يطلب منه شهادات تعجيزية لاثبات مكان اقامته داخل حدود البلدية ، منها شهادات المدرسة .
وتشتت المدارس ، وتعدد مرجعياتها ، اضافة لقرب سوق العمل الاسرائيلي وانفتاحه على القدس ، اضافة الى دور اللهو الكثيرة التي يمكن للمراهقين الوصول اليها ، تعتبر كلها أسباباً لتسيب الطلبة من المدارس ، حتى بات عدم احترام الطلبة لقوانين التعليم ، وعدم هيبتهم من معلميهم ، وتسكعهم في الشوارع في ساعات الصباح - أي في وقت الدوام المدرسي - وفي ساعات ما بعد الظهر باتت أموراً ظاهرة للعيان ، فهل يتم الانتباه لهذه الظواهر ؟؟ وهل سيتم وضع الحلول لها ، أم سيأتي علينا حين في القدس ، نستورد فيه معلمين لمدارسنا ، أو يتعلم أبناؤنا وبناتنا بالعبرية الفصحى ؟؟
جميل السلحوت
كنا نحن الفلسطينيين نـفاخر بأننا من أكثر شعوب العالم تعليماً ، وحتى أن بعضنا لا يزال يفاخر بأن تعليم الفلسطينيين كان له دور في تعليم وتطوير بعض دول المنطقة ، وقد يكون في هذه الأقوال شيء من الصحة ، لكن هل استمر هذا الوضع وهذا التميز التعليمي ؟؟
قبل وقوع الأراضي الفلسطينية تحت الاحتلال في حرب حزيران 1967 العدوانية لم يكن في الأراضي المحتلة أي جامعة ، بل كان هناك عدد من دور المعلمين ، وهي معاهد متوسطة كانت تختص باعداد الطلبة الذين يـنهون الثانوية العامة كي يكونوا معلمي مدارس ، والان يوجد سبع جامعات ، ست منها في الضفة الغربية وواحدة في قطاع غزة ، اضافة الى عدد من كليات المجتمع والمعاهد المتوسطة ، وانشاء الجامعات في الأراضي الفلسطينية كان بادرة ايجابية بالنسبة لتعليم الاناث ، حيث أن قرب هذه الجامعات من مكان سكن الطالبات ، مما يمكن الطالبة من الدوام الجامعي والعودة الى بيت ذويها ساعد في ذلك ، في حين كانت نسبة تزيد عن الخمسين بالمئة من الفلسطينيين لا ترسل بناتها قبل ذلك الى الجامعات ، أما الآن فإن عدد الطالبات الفلسطينيات في الجامعات يصل الى أكثر من الثلثين ، وأن عزوف الذكور أو عدم قدرتهم على الالتحاق بالجامعات لأسباب تعليمية أصبح ظاهرة مألوفة ، فهل يصدق انسان أن مدارس القدس تعاني من نقص في المعلمين الذكور ، علماً أن عدد المقدسيين الفلسطينيين من حملة الهوية الزرقاء التي تمكنهم من العيش والتعلم والعمل في المدينة يصل الى حوالي 270 ألف مواطن ، وعزوف الشباب الذكور عن الالتحاق بالجامعات ليس حكراً على القدس بل يتعداها الى المناطق الأخرى ، حيث أن سوق العمل الاسرائيلي كان سبباً كافياً لترك آلاف الطلبة مقاعد الدراسة قبل أن ينهوا الثانوية العامة ، في حين أن العادات والتقاليد لا تسمح للاناث بأن يلتحقن في سوق العمل الاسرائيلي .
ومع ذلك فآن للقدس خاصية تميزها عن بقية الأراضي المحتلة ، فهذه المدينة التي كانت عبر التاريخ منبراً تعليمياً وثقافياً وحضارياً تتعرض للتهويد بشكل مستمر ، وهي مستهدفة أكثر من بقية المناطق الفلسطينية ، وبما أن المقدسيين يحملون بطاقات هوية زرقاء – حسب التقسيمات الادارية للاحتلال – فرغم حصار المدينة وعزلها بجدار الفصل التوسعي العنصري ، الا أنه يسمح لسكانها بالدخول الى اسرائيل والعمل فيها ، مع كل القيود والاشتراطات الأمنية على كل طالب عمل حتى ولو في الأعمال السوداء ، كما أن سياسة التجهيل تستهدف القدس أيضاً أكثر من غيرها ، وترمي الى أن يبقى مواطنوها الفلسطينيون " حطابين وسقائين " ومع الأسف وبدون مبالغة فإنهم يشكل وآخر استجابوا لهذه السياسة بقصد أو بدون قصد .
ولكي تكون الصورة أكثر وضوحاً ، فإن سياسة التجهيل تأخذ جوانب عدة منها :
القدرة الاستيعابية للمدارس :
فالمدارس الرسمية التي تتبع بلدية القدس ووزارة المعارف الاسرائيلية تستوعب حوالي نصف عدد طلبة وطالبات القدس الذين يصل عددهم الى حوالي ستين ألف طالب ، وتعاني هذه المدارس من نقص في الغرف الدراسية يصل الى حوالي 280 صفاً دراسياً في العام الدراسي الحالي ، وبعض المدارس تعمل بنظام المناوبة ، حيث أن هناك طلاباً يدرسون في الصباح وآخرين بعد الظهر ، اضافة الى وجود مئات الصفوف الدراسية في غرف مستأجرة معدة أصلاً لتكون للسكن ، وهناك صفوف في الملاجىء ، وحتى في الممرات ، كما أن هذه المدارس تفتقر الى الملاعب ، وتعيين المدرسين والمدرسات فيها يخضع لفحوصات أمنية ، مما يعني تغييب كفاءات واستبدالها بعكسها ، وتعاني هذه المدارس من نقص في الملاعب والمختبرات والمكتبات ووسائل الايضاح والحاسوب .
في حين يتوزع نصف الطلاب والطالبات على مدارس خاصة بعضها يتبع دائرة الأوقاف الاسلامية ، أو وكالة الغوث ، أو كنائس وأديرة ، وهناك مدارس ملكية خاصة ، وغالبية هذه المدارس تعاني هي الأخرى من نقص في غرف التدريس ، وبعضها في أبنية مستأجرة لا تصلح أن تكون صفوفاً دراسية ، كما أنها تعاني من نقص في الملاعب والمختبرات والمكتبات ووسائل الايضاح والحاسوب ، وتتميز عن المدارس الرسمية بكفاءة معلميها ومعلماتها لأن تعيينهم يتم على أسس تربوية وتعليمية ، وحسب الكفاءات ، ولا يخضع لمحاسبة أمنية ، واذا ما استثنينا مدارس الأوقاف الاسلامية ووكالة الغوث فإن المدارس الأخرى تأخذ رسوماً تعليمية تفوق القدرات الاقتصادية لغالبية المواطنيين ، علماً أن قدرة هذه المدارس على استيعاب الطلاب محدودة .
واذا كان من حق الطلاب والطالبات أن يحصلوا على التعليم الالزامي المجاني حتى انتهاء المرحلة الثانوية ، فإن ذلك لا ينطبق على فلسطينيي المدينة المقدسة لعدم قدرة المدارس الرسمية على استيعابهم ، ولعدم بناء مدارس جديدة تتناسب والزيادة الطبيعية للسكان ، علماً بأن المقدسيين الفلسطينيين يُلزمون بدفع نفس الضرائب المختلفة التي يدفعها الاسرائيليون في الجانب الغربي من المدينة ، وفي الأحياء الاستيطانية المقامة على الأراضي العربية في القدس الشرقية ، دون الأخذ بفوارق المداخيل بين الطرفين ، ومع ذلك فإن القوانين الاسرائيلية غير المكتوبة ، ولكنها مرسومة على أرض الواقع تمنع طلبة القدس من الالتحاق بالمدارس الفلسطينية الواقعة خارج حدود البلدية ، والتي أصبحت الآن خلف جدار الفصل العنصري التوسعي ، وحتى قبل بناء الجدار سيء الصيت ، فإن التحاق الطلبة المقدسيين بالمدارس الفلسطينية خارج حدود البلدية كان مغامرة غير محمودة العواقب ، لأن من يريد الحصول على بطاقة الهوية في سن السادسة عشرة حسب القانون ، هذه الهوية التي تسمح له بالتنقل ، فإنه يطلب منه شهادات تعجيزية لاثبات مكان اقامته داخل حدود البلدية ، منها شهادات المدرسة .
وتشتت المدارس ، وتعدد مرجعياتها ، اضافة لقرب سوق العمل الاسرائيلي وانفتاحه على القدس ، اضافة الى دور اللهو الكثيرة التي يمكن للمراهقين الوصول اليها ، تعتبر كلها أسباباً لتسيب الطلبة من المدارس ، حتى بات عدم احترام الطلبة لقوانين التعليم ، وعدم هيبتهم من معلميهم ، وتسكعهم في الشوارع في ساعات الصباح - أي في وقت الدوام المدرسي - وفي ساعات ما بعد الظهر باتت أموراً ظاهرة للعيان ، فهل يتم الانتباه لهذه الظواهر ؟؟ وهل سيتم وضع الحلول لها ، أم سيأتي علينا حين في القدس ، نستورد فيه معلمين لمدارسنا ، أو يتعلم أبناؤنا وبناتنا بالعبرية الفصحى ؟؟