برنامج حماس ، من المقاومة الى "الصبر مفتاح الفرج"
حسن نورالدين
يبدو الأفق السياسي و النضالي مسدودا تماما امام حماس كحركة و حكومة في ذات الوقت ،و التصريحات و المواقف التي يدلي بها قادة الحركة اليوم تتراوح ما بين التخبط و عدم وضوح الرؤية ، و بين الانجرار ، الواعي او غير الواعي ، نحو تسهيل مهمة اولمرت و حكومته القادمة لتنفيذ مخططاتها في الفصل الاحادي و ترسيم الحدود من جانب واحد ،و هي تصريحات و مواقف تعكس بوضوح حالة الانسداد السياسي و النضالي التي اشرنا اليها...
الموقف الأكثر تعبيرا عن هذه الحالة في الآونة الأخيرة جاء من خالد مشعل ، حين صرح من الكويت أن شعبنا ليس أمامه في هذه المرحلة سوى "الصبر الى أن يأتيه الفرج"!! ...
و غني عن القول ان مثل هذا النمط من التفكير انما يصلح لربات البيوت و ختايرة القرى الفلسطينية اكثر مما يصلح لقائد حركة سياسية رئيسية ، ناهيك عن ان يكون قائدا لشعب ، مطلوب منه ان يضع استراتيجيات و خططا تكفل الخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية ، و تتجاوز منطق "انتظار غودو" الغيبي الذي يطرحه علينا مشعل و الكثير من منظري حركة حماس و قادتها و كتابها الصحفيون في هذه الايام...
واقع الأمر ان حركة حماس كانت سببا رئيسيا في ايصال نفسها و ايصال الحالة الفلسطينية عموما الى هذا المستوى من الانسداد و المآزق السياسية ،فلقد أصرت الحركة ذات يوم على انتهاج أسلوب مغامر و متهور في العمل العسكري المقاوم من خلال الاصرار على سياسة "المقاومة بكل أشكالها" و "في كل زمان و مكان" ، رافضة كل الدعوات المخلصة من اجل ترشيد المقاومة و حصرها ضد الجنود و المستوطنين في الاراضي المحتلة عام 67 بما يكفل زيادة فعاليتها و جدواها في الوصول الى الاهداف المرحلية لشعبنا في تحرير الضفة و قطاع غزة و اقامة دولته المستقلة عليهما ،و كانت الحسابات السياسية الخاصة و معايير المكاسب الفصائلية الفئوية الضيقة هي التي تتحكم في سلوك حماس و مواقفها في هذا الشأن آنذاك ...
اذ انه و بالرغم من كل التطورات الدولية التي كانت تحتّم اعادة النظر في أساليب العمل العسكري ، خصوصا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ، و بالرغم من المخاطر التي شكلتها بعض اشكال العمليات التي مارستها حماس على وجود السلطة الوطنية و مؤسسات الشعب الفلسطيني و مكتسباته ، الا ان حماس تجاهلت كل هذه المعطيات و مضت في سياسة و نهج لم يكن له اي مردود ايجابي او مجدي على الشعب الفلسطيني و قضيته ، بقدر ما سمح لها بزيادة شعبيتها و توسيع نفوذها المحلي و الاقليمي ، على حساب مصالح شعبنا...
اليوم تجد حماس نفسها غير قادرة على مواصلة هذه السياسة التي اتبعتها في الماضي ، و الاسوأ من ذلك أنها تحاول الضغط على الفصائل الفلسطينية الأخرى من أجل ايقاف عمليات المقاومة المسلحة ، و أن منظري الحركة و قادتها قد انتبهوا فجأة الى أهمية ما باتوا يسمونه "المقاومة الشعبية السلمية" و حصر العمل المسلح في مواجهة الاجتياحات الصهيونية (و ليس حتى في اراضي 67 ضد الجنود و المستوطنين على ما كانت فتح و ما زالت تطالب) ،اضافة الى نغمة مراعاة التوقيت و اسلوب الرد على الاعتداءات الاسرائيلية ، على ما صرح به سعيد صيام منذ ايام ، و هي مفاهيم كانت حماس (و صيام نفسه) اول من يعارضها و يستهزىء بها في الماضي !!...
و بالترافق مع انسداد افق المقاومة و العمل المسلح امام حماس ، فان الافق السياسي أمامها مسدود أيضا ، و القيود الآيديولوجية التي تكبل الحركة نفسها بها تمنعها من التقدم باتجاه اطلاق عملية سياسية حقيقية على أساس مبدأ "دولتين لشعبين" بما يضع اسرائيل امام مسؤولياتها امام المجتمع الدولي و بما يؤدي في النهاية الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل...
هنا نجد حماس امام انسداد سياسي و انسداد نضالي مقاومي ، و ما صنع هذا و ذاك انما هو عوامل تنظيمية و سياسية خاصة بحركة حماس ، ناتجة عن طبيعتها التنظيمية و ادارتها للصراع وفق معايير تضع المصالح الحزبية الخاصة قبل المصلحة الوطنية العامة ،غير ان المشكلة الاكبر ان حماس لا تبدو معنية بالخروج من حالة الانسداد السياسي و النضالي هذه ، بقدر ما تحاول فقط التأقلم معها و التعايش مع شروطها في انتظار تبدل الاحوال ، و هذا ما عبر عنه تصريح مشعل الاخير الذي لم يتحدث فيه عن "المقاومة" كسبيل للخروج من المأزق الحالي ، و لا عن المفاوضات كخيار بديل ... كلا .. فقد تحدث فقط عن "الصبر" الى حين تبدل الاوضاع بما يسمح "بالفرج" !!...
ان حماس بمثل هذه التصريحات و المواقف انما تعلن عن عجزها و افلاسها ،و تؤكد التحليلات التي رأت ان وجودها في قيادة الشعب الفلسطيني سوف يجر الى حالة من الجمود السياسي و النضالي تؤدي الى واقع من اللاسلم و اللا حرب ،و هذه في الواقع افضل حالة يمكن ان تتمناها اسرائيل من اجل تمرير خططها للفصل الاحادي بهدوء و دون تهديد من المقاومة من جانب ، و بذريعة عدم وجود شريك تفاوضي بحكم رفض حماس للمفاوضات على اسس الشرعية الدولية من جانب آخر ..
ان حماس مطالبة بتقديم تصور واضح و رؤية متكاملة للخروج من مأزق الجمود السياسي و النضالي الذي يشكل حالة مثالية لتمرير خطط اولمرت و حزب كاديما ،
و هذا التصور ينبغي ان يتجاوز منطق "الصبر مفتاح الفرج" الذي يطرحه علينا مشعل !...
حسن نورالدين
يبدو الأفق السياسي و النضالي مسدودا تماما امام حماس كحركة و حكومة في ذات الوقت ،و التصريحات و المواقف التي يدلي بها قادة الحركة اليوم تتراوح ما بين التخبط و عدم وضوح الرؤية ، و بين الانجرار ، الواعي او غير الواعي ، نحو تسهيل مهمة اولمرت و حكومته القادمة لتنفيذ مخططاتها في الفصل الاحادي و ترسيم الحدود من جانب واحد ،و هي تصريحات و مواقف تعكس بوضوح حالة الانسداد السياسي و النضالي التي اشرنا اليها...
الموقف الأكثر تعبيرا عن هذه الحالة في الآونة الأخيرة جاء من خالد مشعل ، حين صرح من الكويت أن شعبنا ليس أمامه في هذه المرحلة سوى "الصبر الى أن يأتيه الفرج"!! ...
و غني عن القول ان مثل هذا النمط من التفكير انما يصلح لربات البيوت و ختايرة القرى الفلسطينية اكثر مما يصلح لقائد حركة سياسية رئيسية ، ناهيك عن ان يكون قائدا لشعب ، مطلوب منه ان يضع استراتيجيات و خططا تكفل الخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه القضية الفلسطينية ، و تتجاوز منطق "انتظار غودو" الغيبي الذي يطرحه علينا مشعل و الكثير من منظري حركة حماس و قادتها و كتابها الصحفيون في هذه الايام...
واقع الأمر ان حركة حماس كانت سببا رئيسيا في ايصال نفسها و ايصال الحالة الفلسطينية عموما الى هذا المستوى من الانسداد و المآزق السياسية ،فلقد أصرت الحركة ذات يوم على انتهاج أسلوب مغامر و متهور في العمل العسكري المقاوم من خلال الاصرار على سياسة "المقاومة بكل أشكالها" و "في كل زمان و مكان" ، رافضة كل الدعوات المخلصة من اجل ترشيد المقاومة و حصرها ضد الجنود و المستوطنين في الاراضي المحتلة عام 67 بما يكفل زيادة فعاليتها و جدواها في الوصول الى الاهداف المرحلية لشعبنا في تحرير الضفة و قطاع غزة و اقامة دولته المستقلة عليهما ،و كانت الحسابات السياسية الخاصة و معايير المكاسب الفصائلية الفئوية الضيقة هي التي تتحكم في سلوك حماس و مواقفها في هذا الشأن آنذاك ...
اذ انه و بالرغم من كل التطورات الدولية التي كانت تحتّم اعادة النظر في أساليب العمل العسكري ، خصوصا بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر ، و بالرغم من المخاطر التي شكلتها بعض اشكال العمليات التي مارستها حماس على وجود السلطة الوطنية و مؤسسات الشعب الفلسطيني و مكتسباته ، الا ان حماس تجاهلت كل هذه المعطيات و مضت في سياسة و نهج لم يكن له اي مردود ايجابي او مجدي على الشعب الفلسطيني و قضيته ، بقدر ما سمح لها بزيادة شعبيتها و توسيع نفوذها المحلي و الاقليمي ، على حساب مصالح شعبنا...
اليوم تجد حماس نفسها غير قادرة على مواصلة هذه السياسة التي اتبعتها في الماضي ، و الاسوأ من ذلك أنها تحاول الضغط على الفصائل الفلسطينية الأخرى من أجل ايقاف عمليات المقاومة المسلحة ، و أن منظري الحركة و قادتها قد انتبهوا فجأة الى أهمية ما باتوا يسمونه "المقاومة الشعبية السلمية" و حصر العمل المسلح في مواجهة الاجتياحات الصهيونية (و ليس حتى في اراضي 67 ضد الجنود و المستوطنين على ما كانت فتح و ما زالت تطالب) ،اضافة الى نغمة مراعاة التوقيت و اسلوب الرد على الاعتداءات الاسرائيلية ، على ما صرح به سعيد صيام منذ ايام ، و هي مفاهيم كانت حماس (و صيام نفسه) اول من يعارضها و يستهزىء بها في الماضي !!...
و بالترافق مع انسداد افق المقاومة و العمل المسلح امام حماس ، فان الافق السياسي أمامها مسدود أيضا ، و القيود الآيديولوجية التي تكبل الحركة نفسها بها تمنعها من التقدم باتجاه اطلاق عملية سياسية حقيقية على أساس مبدأ "دولتين لشعبين" بما يضع اسرائيل امام مسؤولياتها امام المجتمع الدولي و بما يؤدي في النهاية الى اقامة دولة فلسطينية مستقلة الى جانب اسرائيل...
هنا نجد حماس امام انسداد سياسي و انسداد نضالي مقاومي ، و ما صنع هذا و ذاك انما هو عوامل تنظيمية و سياسية خاصة بحركة حماس ، ناتجة عن طبيعتها التنظيمية و ادارتها للصراع وفق معايير تضع المصالح الحزبية الخاصة قبل المصلحة الوطنية العامة ،غير ان المشكلة الاكبر ان حماس لا تبدو معنية بالخروج من حالة الانسداد السياسي و النضالي هذه ، بقدر ما تحاول فقط التأقلم معها و التعايش مع شروطها في انتظار تبدل الاحوال ، و هذا ما عبر عنه تصريح مشعل الاخير الذي لم يتحدث فيه عن "المقاومة" كسبيل للخروج من المأزق الحالي ، و لا عن المفاوضات كخيار بديل ... كلا .. فقد تحدث فقط عن "الصبر" الى حين تبدل الاوضاع بما يسمح "بالفرج" !!...
ان حماس بمثل هذه التصريحات و المواقف انما تعلن عن عجزها و افلاسها ،و تؤكد التحليلات التي رأت ان وجودها في قيادة الشعب الفلسطيني سوف يجر الى حالة من الجمود السياسي و النضالي تؤدي الى واقع من اللاسلم و اللا حرب ،و هذه في الواقع افضل حالة يمكن ان تتمناها اسرائيل من اجل تمرير خططها للفصل الاحادي بهدوء و دون تهديد من المقاومة من جانب ، و بذريعة عدم وجود شريك تفاوضي بحكم رفض حماس للمفاوضات على اسس الشرعية الدولية من جانب آخر ..
ان حماس مطالبة بتقديم تصور واضح و رؤية متكاملة للخروج من مأزق الجمود السياسي و النضالي الذي يشكل حالة مثالية لتمرير خطط اولمرت و حزب كاديما ،
و هذا التصور ينبغي ان يتجاوز منطق "الصبر مفتاح الفرج" الذي يطرحه علينا مشعل !...