
من يؤازر الشعب الحاضر الغائب؟
بقلم: شعبان عدلي صادق
كان منظر محاصرة وقصف وتدمير سجن أريحا واختطاف السجناء منه بعد أن هجرتهم قوات الحرس البريطانية والأمريكية لتتيح المجال لآلة الحرب الإسرائيلية أن تدخل، منظراً مروّعاً يقدّم حلقة أخرى من حلقات الاستهانة بالشعب الفلسطيني وإذلاله على مسمع ومرأى العالم ومن يسموّن أنفسهم بالأسرة الدولية. ففي مثل هذا الاعتداء الصارخ على كرامة وحقوق شعبٍ لا نسمع بالأسرة الدولية بل نسمع تعليقاتٍ متفرقة من هنا وهناك تدعو " الطرفين لالتزام ضبط النفس" وكأنّ على الطرف الذي يُقتل ويُخطف ويُسجن أن يضبط نفسه كي لا تعلو صرخته فوق جنازير الدبابات وأزير الأباتشي إذ لا وجود لأسرةٍ دولية حين يتعلق الأمر بحقوق العرب والمسلمين. ويأتي هدم السجن فوق رؤوس الحراس والسجناء مكمّلاً لهدم المقرّ وهدم الكنائس والمساجد والمنازل وقطع الأشجار وتهجير السكان عن أراضيهم وإعطائها لمستوطنين حاقدين يعتبرون الشعب الفلسطيني غائباً ويغيّبون من تبقّى منه في ديار آبائهم وأجدادهم بكل الجرائم الممكنة، والمفجع في الأمر هو العمل الإجرامي هذا وردود الفعل الإعلامية والدولية عليه والتي شغلت نفسها إما بتاريخ بناء السجن ومن توارد على حكمه، أو بالتصريحات التي كانت تشير وكأنه هناك احتمال لإطلاق سراح السجناء بعد تسلّم حماس مقاليد الأمور، أو الدفاع عن المراقبين البريطانيين والأمريكيين والذين غادروا السجن قبل دقائق قليلة من وصول القوات الإسرائيلية، مما يدلّ دون أدنى شك عن اتفاقٍ مسبق بينهما لتنفيذ الجريمة، كما كان هناك تركيز على احتمال ردود الفعل الغاضبة التي قد تستهدف الأجانب في الأراضي الفلسطينية دون التطرّق أبداً لتصنيف هذه الجريمة وفق القوانين والمعايير الدولية والتي من الواضح لا يتم استخدامها، أو حتى ذكرها، حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، لأنّ هذه القوانين والمعايير لم تعد تُستخدم لهم أو لقضاياهم، إذ أنّ الاستهانة بهم وبدينهم ومساجدهم ومنازلهم وأراضيهم وحتى سجونهم أصبح أمراً مقبولاً من قبل أصدقاء إسرائيل لا نسمع إدانةً له أو صرخةً ضدّه. وإذا كان المبرّر هو قتل وزير السياحة الإسرائيلي الذي ساهم في شنِّّ حرب إبادة ضدّ الفلسطينيين، فمن يُلقي القبض على من يغتالون الشباب والأطفال والنساء في فلسطين كلّ يوم بحجّةٍ أو بأخرى، وبهدفٍ واحد هو الاستيلاء على الأرض والمياه وقطع أوصال الضفة الغربية عن القدس وتهويد مدينة القدس ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في الحرية، وفي دولته المستقلة؟
ولم تكن جريمة استباحة سجن أريحا حادثة معزولة، فكلُّ يوم تقتل إسرائيل المزيد من الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال، وتقطع أصابعهم، وتعتدي على نسائهم على الحواجز، وتجبرهم على التعرّي المذّل أمام أهليهم وأقربائهم( وفق تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول أوضاع المرأة الفلسطينية). فقد جاء في التقرير أنّ جنود الاحتلال يقومون بشكل اعتيادي بالتحرش الجنسي بالنساء حيث يجبرهن جنود الاحتلال " على نزع ملابسهن على مرأى أفراد عائلاتهن" و يؤكد التقرير أنّهن " ضحايا عنف جنسي من جانب جنود الجيش الإسرائيلي والمستوطنين". وكما منعت إسرائيل أكثر من ألفي فلسطيني من العودة إلى قراهم في غور الأردن المحتل للحؤول دون قيامهم بالمطالبة باستعادة أراضيهم التي أقيمت عليها مستوطنات يهودية. والحديث هذا هو عن آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الغور اُستخدم بعضها لإقامة معسكرات للجيش الإسرائيلي ومنعت إسرائيل كلّ أصحاب الأراضي التي صادرتها للاستيطان من العودة إلى قراهم أو زيارة أهليهم.
أما تقرير خبير الأمم المتحدة في الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي الأفريقي الجنوبي جون دوغارد فقد لفت إلى أنّ المستوطنين يُرهبون الفلسطينيين ويروعونهم وأطفالهم كلّ يوم ويدمرون أشجارهم ومحاصيلهم من دون أي عقاب " كما لفت إلى أن عدد الحواجز الإسرائيلية في الضفة قد ازداد من 367 إلى 471 حاجزاً. كما جاء في التقرير" إن طابع القدس الشرقية يتعرض لتغيير كبير ناتج من إقامة جدار يخترق الأحياء الفلسطينية، هدفه الرئيسي " في منطقة القدس تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة بنقلهم إلى الضفة الغربية، الأمر الذي يتسبب بمشاكل إنسانية خطيرة، فثمة عائلات ستنفصل ولن يكون مسموحاً الوصول إلى المستشفيات والمدارس وأماكن العمل، وقد تسبب الجدار بنزوح 15 ألف فلسطيني أصبحوا لاجئين على أرضهم. وأكدّ التقرير أنه على الرغم من انسحاب إسرائيل من مستوطنات قطاع غزة في الصيف الماضي فإن تلك المنطقة ما زالت محتلة في واقع الأمر. أما تقرير وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين فيشير إلى تصعيد إسرائيلي في اعتقال الفلسطينيين وتهجيرهم أو زجّهم في السجون فتحولت ما يسميه الغربيون " واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط" إلى سجنٍ كبير للشعب الفلسطيني وميدان للقتل والتعذيب والاغتيال، ومصدر لسيسات الكراهية والحروب والعدوان، فقد اعتقلت إسرائيل منذ عام 1967 وحتى اليوم ما يزيد عن 650 ألف فلسطيني يشكّلون 20% من مجمل السكان، منهم 9300 أسير في سجون الاحتلال. ولمن يشكك بأي معلومة في هذا التقرير ما عليه إلا أن يزور معرضاً مميزاً للصور الصحافية الذي نظمته المنظمة " مراقبة الحواجز" التي تضم 400 امرأة يهودية يراقبن تصرفات الجنود الإسرائيليين، والذي أُقيم في تل أبيب، يُظهر بعضاً من مشاهد الذل التي يحياها كل فلسطيني يمرّ عبرها. فتجد الأطفال المذهولين والمسنين والنساء الباكيات والمرضى والعمال والناس البسطاء المرتمين على الأرض تحت أقدام جنود الاحتلال والجنود المتغطرسين أو المقهقهين وهم يتمتعون بالتنكيل بالفلسطينيين. وقالت عادي دغان، الناطقة بلسان المنظمة " أن حوالي مليوني فلسطيني يتعرضون للمعاناة بطرق بشعة للغاية، والجمهور الإسرائيلي لا يعرف "; ( والأسرة الدولية)، على ما يبدو، لا تريد أن تعرف عن الفلسطينيين سوى الهدوء وضبط النفس ريثما تستكمل إسرائيل مخططاتها بقضم الأراضي وتهويد القدس وتهجير الفلسطينيين أو قتلهم. وفي هذه الأثناء أيضاً يهدد جنرالات الحرب موفاز وألمرت باغتيال هنية والاحتلال يتفاخر بقتل 70 فلسطينياً عن عمد وسابق إصرار في الأسابيع الأخيرة دون أن يقدم أحد على تسمية كل هذه الجرائم بأنها جرائم إرهابية ضدّ الإنسانية وضدّ القانون الدولي الإنساني وضدّ اتفاقيات جنيف وكلّ الأعراف والشرعية الدولية، ولا يجرأ أي رئيس غربي، بما في ذلك، على اعتبارها إرهاباً أو عنفاً لأن مرتكبيها ليسوا عرباً بل العرب هم ضحاياها.
هذه هي الأخبار الحقيقية عن الشعب الحاضر الغائب، وليس فوز حماس وما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيواصل الدعم لحماس أم لا، فبدلاً من فتات المساعدات لهذا الشعب، المطلوب اليوم هو اتخاذ موقف لوضع حدّ لتدمير اقتصاد هذا الشعب وسرقة أرضه ومياهه وإذلاله وقتله، ومن ثمّ إشغال العالم بدفع تعويض بائس لسدّ رمقه، بينما تستمر آلة التصفية الدموية وإزاحة الشعب عن أرضه مستمرة. ومن هنا أثلج صدورنا قرار المملكة العربية السعودية بالاستمرار في تقديم الدعم السياسي والمالي للشعب الفلسطيني برغم الضغوط الأميركية الهادفة إلى عزل هذا الشعب وخنق طموحه للحرية والاستقلال. هذا الموقف السعودي بالإضافة إلى المواقف العربية والدولية، هام جداً لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل وأميركا على الشعب الفلسطيني، إذ أنّ الشعب بأسره محاصر وهو شعبٌ مهدد بحرب إبادة منظّمة، تشكل حادثة سجن أريحا واختطاف سعدات ورفاقه والاغتيال اليومي للأطفال، والإذلال المستمر للرجال بضع أسطرٍ بها، وتشكل ردة الفعل الدولية عليها خزياً حقيقياً لمن يدّعون أنهم أسرةً دولية ومن يدّعون أنهم حريصون على الأمن والسلام والحرية والديمقراطية، إلا إذا كان كلّ هذا مأمولاً لأعداء العرب فقط بعد أن حكمت التوجهات العنصرية على العرب بالإبادة والقتل والتفتيت كما أصدرت أحكام أخرى بحقّ شعوبٍ أصلية في أماكن أخرى من العالم لا نعرف عن تاريخها اليوم شيئاً سوى النزر اليسير. بعد كلّ هذا يحقّ لنا أن نسأل من يهدد أمن من؟ ومن يصدّر إيديولوجية الكراهية؟ ومن يجب أن يعترف بالآخر؟ هل تهدد حماس أمن إسرائيل، أم أنّ إسرائيل تهدد أمن وحياة ووجود ومستقبل فلسطين والفلسطينيين ومع ذلك ما زال التباكي الغربي على وجود إسرائيل في الوقت الذي يُزاح الوجود الفلسطيني يومياً عن خارطة أرضه ودياره ومقدساته تحت مرأى "العالم الحر" وسمعه؟ هل يحقّ لنا أن نأمل أن تكون الخطوة التي اتفقت عليها السعودية والكويت وسورية وغيرها من البلدان العربية بدعم الشعب الفلسطيني مفصلاً هاماً بأن تتحمل الدول العربية والإسلامية مسؤولية دعم هذا الشعب بالوسائل المالية والسياسية والإعلامية بعيداً عن الابتزاز الذي يتعرض له من قبل قوى غربية ترفض اتخاذ موقف لحمايته من القتل والإبادة والتهجير.وإذا كان قتلهم وقصف مدنهم ومصادرة أراضيهم مادةً انتخابية إسرائيلية ألا يمكن أن تصبح عاملاً هاماً في توحيد كلمة العرب والمسلمين من أجل القدس وفلسطين ومن أجل إنصاف شعب شقيق وإحقاق حقوق عادلة تشرّف المدافعين عنها وتخزي متجاهليها أو المتواطئين عليها؟ وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فإن الخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية باستقبال قادة حماس ودعمها رغم الضغوط الدولية هي خطوة هامة جداً في الاتجاه الصحيح نأمل أن تُستكمل بأن يتحمل العرب والمسلمون مسؤولية دعم الشعب الفلسطيني دعماً كاملاً إلى أن ينال حقه الطبيعي في دولته المستقلة على ترابه الوطني.
[email protected]
بقلم: شعبان عدلي صادق
كان منظر محاصرة وقصف وتدمير سجن أريحا واختطاف السجناء منه بعد أن هجرتهم قوات الحرس البريطانية والأمريكية لتتيح المجال لآلة الحرب الإسرائيلية أن تدخل، منظراً مروّعاً يقدّم حلقة أخرى من حلقات الاستهانة بالشعب الفلسطيني وإذلاله على مسمع ومرأى العالم ومن يسموّن أنفسهم بالأسرة الدولية. ففي مثل هذا الاعتداء الصارخ على كرامة وحقوق شعبٍ لا نسمع بالأسرة الدولية بل نسمع تعليقاتٍ متفرقة من هنا وهناك تدعو " الطرفين لالتزام ضبط النفس" وكأنّ على الطرف الذي يُقتل ويُخطف ويُسجن أن يضبط نفسه كي لا تعلو صرخته فوق جنازير الدبابات وأزير الأباتشي إذ لا وجود لأسرةٍ دولية حين يتعلق الأمر بحقوق العرب والمسلمين. ويأتي هدم السجن فوق رؤوس الحراس والسجناء مكمّلاً لهدم المقرّ وهدم الكنائس والمساجد والمنازل وقطع الأشجار وتهجير السكان عن أراضيهم وإعطائها لمستوطنين حاقدين يعتبرون الشعب الفلسطيني غائباً ويغيّبون من تبقّى منه في ديار آبائهم وأجدادهم بكل الجرائم الممكنة، والمفجع في الأمر هو العمل الإجرامي هذا وردود الفعل الإعلامية والدولية عليه والتي شغلت نفسها إما بتاريخ بناء السجن ومن توارد على حكمه، أو بالتصريحات التي كانت تشير وكأنه هناك احتمال لإطلاق سراح السجناء بعد تسلّم حماس مقاليد الأمور، أو الدفاع عن المراقبين البريطانيين والأمريكيين والذين غادروا السجن قبل دقائق قليلة من وصول القوات الإسرائيلية، مما يدلّ دون أدنى شك عن اتفاقٍ مسبق بينهما لتنفيذ الجريمة، كما كان هناك تركيز على احتمال ردود الفعل الغاضبة التي قد تستهدف الأجانب في الأراضي الفلسطينية دون التطرّق أبداً لتصنيف هذه الجريمة وفق القوانين والمعايير الدولية والتي من الواضح لا يتم استخدامها، أو حتى ذكرها، حين يتعلق الأمر بالعرب والمسلمين، لأنّ هذه القوانين والمعايير لم تعد تُستخدم لهم أو لقضاياهم، إذ أنّ الاستهانة بهم وبدينهم ومساجدهم ومنازلهم وأراضيهم وحتى سجونهم أصبح أمراً مقبولاً من قبل أصدقاء إسرائيل لا نسمع إدانةً له أو صرخةً ضدّه. وإذا كان المبرّر هو قتل وزير السياحة الإسرائيلي الذي ساهم في شنِّّ حرب إبادة ضدّ الفلسطينيين، فمن يُلقي القبض على من يغتالون الشباب والأطفال والنساء في فلسطين كلّ يوم بحجّةٍ أو بأخرى، وبهدفٍ واحد هو الاستيلاء على الأرض والمياه وقطع أوصال الضفة الغربية عن القدس وتهويد مدينة القدس ومصادرة حق الشعب الفلسطيني في الحرية، وفي دولته المستقلة؟
ولم تكن جريمة استباحة سجن أريحا حادثة معزولة، فكلُّ يوم تقتل إسرائيل المزيد من الفلسطينيين بمن فيهم الأطفال، وتقطع أصابعهم، وتعتدي على نسائهم على الحواجز، وتجبرهم على التعرّي المذّل أمام أهليهم وأقربائهم( وفق تقرير صادر عن مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول أوضاع المرأة الفلسطينية). فقد جاء في التقرير أنّ جنود الاحتلال يقومون بشكل اعتيادي بالتحرش الجنسي بالنساء حيث يجبرهن جنود الاحتلال " على نزع ملابسهن على مرأى أفراد عائلاتهن" و يؤكد التقرير أنّهن " ضحايا عنف جنسي من جانب جنود الجيش الإسرائيلي والمستوطنين". وكما منعت إسرائيل أكثر من ألفي فلسطيني من العودة إلى قراهم في غور الأردن المحتل للحؤول دون قيامهم بالمطالبة باستعادة أراضيهم التي أقيمت عليها مستوطنات يهودية. والحديث هذا هو عن آلاف الدونمات من الأراضي الفلسطينية في الغور اُستخدم بعضها لإقامة معسكرات للجيش الإسرائيلي ومنعت إسرائيل كلّ أصحاب الأراضي التي صادرتها للاستيطان من العودة إلى قراهم أو زيارة أهليهم.
أما تقرير خبير الأمم المتحدة في الصراع الفلسطيني_الإسرائيلي الأفريقي الجنوبي جون دوغارد فقد لفت إلى أنّ المستوطنين يُرهبون الفلسطينيين ويروعونهم وأطفالهم كلّ يوم ويدمرون أشجارهم ومحاصيلهم من دون أي عقاب " كما لفت إلى أن عدد الحواجز الإسرائيلية في الضفة قد ازداد من 367 إلى 471 حاجزاً. كما جاء في التقرير" إن طابع القدس الشرقية يتعرض لتغيير كبير ناتج من إقامة جدار يخترق الأحياء الفلسطينية، هدفه الرئيسي " في منطقة القدس تقليص عدد الفلسطينيين في المدينة بنقلهم إلى الضفة الغربية، الأمر الذي يتسبب بمشاكل إنسانية خطيرة، فثمة عائلات ستنفصل ولن يكون مسموحاً الوصول إلى المستشفيات والمدارس وأماكن العمل، وقد تسبب الجدار بنزوح 15 ألف فلسطيني أصبحوا لاجئين على أرضهم. وأكدّ التقرير أنه على الرغم من انسحاب إسرائيل من مستوطنات قطاع غزة في الصيف الماضي فإن تلك المنطقة ما زالت محتلة في واقع الأمر. أما تقرير وزارة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينيين فيشير إلى تصعيد إسرائيلي في اعتقال الفلسطينيين وتهجيرهم أو زجّهم في السجون فتحولت ما يسميه الغربيون " واحة الديموقراطية في الشرق الأوسط" إلى سجنٍ كبير للشعب الفلسطيني وميدان للقتل والتعذيب والاغتيال، ومصدر لسيسات الكراهية والحروب والعدوان، فقد اعتقلت إسرائيل منذ عام 1967 وحتى اليوم ما يزيد عن 650 ألف فلسطيني يشكّلون 20% من مجمل السكان، منهم 9300 أسير في سجون الاحتلال. ولمن يشكك بأي معلومة في هذا التقرير ما عليه إلا أن يزور معرضاً مميزاً للصور الصحافية الذي نظمته المنظمة " مراقبة الحواجز" التي تضم 400 امرأة يهودية يراقبن تصرفات الجنود الإسرائيليين، والذي أُقيم في تل أبيب، يُظهر بعضاً من مشاهد الذل التي يحياها كل فلسطيني يمرّ عبرها. فتجد الأطفال المذهولين والمسنين والنساء الباكيات والمرضى والعمال والناس البسطاء المرتمين على الأرض تحت أقدام جنود الاحتلال والجنود المتغطرسين أو المقهقهين وهم يتمتعون بالتنكيل بالفلسطينيين. وقالت عادي دغان، الناطقة بلسان المنظمة " أن حوالي مليوني فلسطيني يتعرضون للمعاناة بطرق بشعة للغاية، والجمهور الإسرائيلي لا يعرف "; ( والأسرة الدولية)، على ما يبدو، لا تريد أن تعرف عن الفلسطينيين سوى الهدوء وضبط النفس ريثما تستكمل إسرائيل مخططاتها بقضم الأراضي وتهويد القدس وتهجير الفلسطينيين أو قتلهم. وفي هذه الأثناء أيضاً يهدد جنرالات الحرب موفاز وألمرت باغتيال هنية والاحتلال يتفاخر بقتل 70 فلسطينياً عن عمد وسابق إصرار في الأسابيع الأخيرة دون أن يقدم أحد على تسمية كل هذه الجرائم بأنها جرائم إرهابية ضدّ الإنسانية وضدّ القانون الدولي الإنساني وضدّ اتفاقيات جنيف وكلّ الأعراف والشرعية الدولية، ولا يجرأ أي رئيس غربي، بما في ذلك، على اعتبارها إرهاباً أو عنفاً لأن مرتكبيها ليسوا عرباً بل العرب هم ضحاياها.
هذه هي الأخبار الحقيقية عن الشعب الحاضر الغائب، وليس فوز حماس وما إذا كان الاتحاد الأوروبي سيواصل الدعم لحماس أم لا، فبدلاً من فتات المساعدات لهذا الشعب، المطلوب اليوم هو اتخاذ موقف لوضع حدّ لتدمير اقتصاد هذا الشعب وسرقة أرضه ومياهه وإذلاله وقتله، ومن ثمّ إشغال العالم بدفع تعويض بائس لسدّ رمقه، بينما تستمر آلة التصفية الدموية وإزاحة الشعب عن أرضه مستمرة. ومن هنا أثلج صدورنا قرار المملكة العربية السعودية بالاستمرار في تقديم الدعم السياسي والمالي للشعب الفلسطيني برغم الضغوط الأميركية الهادفة إلى عزل هذا الشعب وخنق طموحه للحرية والاستقلال. هذا الموقف السعودي بالإضافة إلى المواقف العربية والدولية، هام جداً لكسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل وأميركا على الشعب الفلسطيني، إذ أنّ الشعب بأسره محاصر وهو شعبٌ مهدد بحرب إبادة منظّمة، تشكل حادثة سجن أريحا واختطاف سعدات ورفاقه والاغتيال اليومي للأطفال، والإذلال المستمر للرجال بضع أسطرٍ بها، وتشكل ردة الفعل الدولية عليها خزياً حقيقياً لمن يدّعون أنهم أسرةً دولية ومن يدّعون أنهم حريصون على الأمن والسلام والحرية والديمقراطية، إلا إذا كان كلّ هذا مأمولاً لأعداء العرب فقط بعد أن حكمت التوجهات العنصرية على العرب بالإبادة والقتل والتفتيت كما أصدرت أحكام أخرى بحقّ شعوبٍ أصلية في أماكن أخرى من العالم لا نعرف عن تاريخها اليوم شيئاً سوى النزر اليسير. بعد كلّ هذا يحقّ لنا أن نسأل من يهدد أمن من؟ ومن يصدّر إيديولوجية الكراهية؟ ومن يجب أن يعترف بالآخر؟ هل تهدد حماس أمن إسرائيل، أم أنّ إسرائيل تهدد أمن وحياة ووجود ومستقبل فلسطين والفلسطينيين ومع ذلك ما زال التباكي الغربي على وجود إسرائيل في الوقت الذي يُزاح الوجود الفلسطيني يومياً عن خارطة أرضه ودياره ومقدساته تحت مرأى "العالم الحر" وسمعه؟ هل يحقّ لنا أن نأمل أن تكون الخطوة التي اتفقت عليها السعودية والكويت وسورية وغيرها من البلدان العربية بدعم الشعب الفلسطيني مفصلاً هاماً بأن تتحمل الدول العربية والإسلامية مسؤولية دعم هذا الشعب بالوسائل المالية والسياسية والإعلامية بعيداً عن الابتزاز الذي يتعرض له من قبل قوى غربية ترفض اتخاذ موقف لحمايته من القتل والإبادة والتهجير.وإذا كان قتلهم وقصف مدنهم ومصادرة أراضيهم مادةً انتخابية إسرائيلية ألا يمكن أن تصبح عاملاً هاماً في توحيد كلمة العرب والمسلمين من أجل القدس وفلسطين ومن أجل إنصاف شعب شقيق وإحقاق حقوق عادلة تشرّف المدافعين عنها وتخزي متجاهليها أو المتواطئين عليها؟ وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فإن الخطوة التي اتخذتها المملكة العربية السعودية باستقبال قادة حماس ودعمها رغم الضغوط الدولية هي خطوة هامة جداً في الاتجاه الصحيح نأمل أن تُستكمل بأن يتحمل العرب والمسلمون مسؤولية دعم الشعب الفلسطيني دعماً كاملاً إلى أن ينال حقه الطبيعي في دولته المستقلة على ترابه الوطني.
[email protected]