
على شفا الكارثة!!
محمود الهباش
"إذا لم يطرأ تغيير جوهري على الوضع، فستقع في غزة كارثة كالتي وقعت في كوسوفو"، هكذا عبر ديفيد شيرر مدير مكتب تنسيق العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، تحت ضغط الإغلاق والحصار الإسرائيلي المشدد والمستمر على القطاع، والذي يحول دون وصول المتطلبات المعيشية لمواطنيه، كما يعرقل تصدير إنتاجه الزراعي، ويفرض بذلك واقعًا أشبه بالمجاعة على القطاع، الذي يعد الأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم، ويشهد نسبة فقر وبطالة تقترب من مستويات قياسية مقارنة بالمحيط الإقليمي على الأقل، بعيدًا عن المقارنة بمستويات المعيشة في دول أوروبا أو غيرها، التي يبدو القطاع أمامها كجزء من لوحة سريالية قديمة، تعود ربما إلى آلاف من السنين قبل الميلاد.
تحذير المسئول الدولي لا يتجاوز، في أحسن الأحوال، ما نسبته عشرة بالمائة من دقة التعبير والوصف لما آلت إليه الأوضاع في كل الأراضي الفلسطينية، وليس فقط هنا في غزة، حيث أصبح الفقر الذي يخشاه العالم أمنية غالية يتمنى كثيرون هنا بلوغها، أملاً في الخلاص مما هو أشد وأنكى، على الأقل على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، الذي تؤكد كل التقارير والدراسات والواقع المعاش أنه يمر بمرحلة من أسوأ المراحل على الإطلاق، حيث تشير معطيات البنك الدولي أنه في غضون سنتين على الأكثر سينزل 75 في المائة من الفلسطينيين إلى ما دون خط الفقر، وأنهم بالفعل يقتربون بتسارع من حاجز الموت المجتمعي، الذي هو أشد خطرًا من مجرد الموت الطبيعي العادي.
إسرائيل تعرف بالضبط ماذا تفعل، وهي تدرك أيضًا أن مواصلة الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين لن يؤدي على انفضاض الشارع من حول حركة حماس، وهو الهدف المزيف الذي تختبئ خلفه هذه السياسة الإسرائيلية الحمقاء، بل سيقود بالضرورة إلى مزيد من التأييد لحماس في الشارع الفلسطيني والعربي، لتحقق إسرائيل بذلك أحد أمرين؛ فإما أن ترضخ حماس تحت ضغط الحصار والمقاطعة واحتياجات الجماهير، وتعلن تنازلها عن الثوابت السياسية والوطنية التي تعلنها، ولا زالت حتى اللحظة تتمسك بها، الأمر الذي يحقق للدولة العبرية اختراقًا مهمًا لجبهة الوعي الإسلامي الرافض لوجودها، أو أن يتواصل رفض حماس الذي تتذرع به إسرائيل للهرب من أية استحقاقات دولية تفرضها رؤية المجتمع الدولي للتسوية السياسية، وتتمسك بالتالي بخططها الرامية إلى فرض ما تسميه الحلول الأحادية، بحجة أنه لا يوجد شريك فلسطيني تتفاوض معه.
ولعلنا في مواجهة كل هذه التحديات الصعبة، لا نكون مبالغين إذا ما اعتبرنا أننا بالفعل على شفا الكارثة، وأننا أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن نواصل تحمل الضغوط الاقتصادية التي ستفضي بنا إلى كارثة، أو أن نتحمل تبعات التنازلات السياسية التي ستقودنا أيضًا إلى كارثة، ولعلنا أيضًا لا نبالغ حين نحمل المجتمع الدولي، وبالتحديد اللجنة الرباعية الدولية مسئولية ما آلت، أو ما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين، خصوصًا في ظل سياسة "الدلع" التي تتعامل بها مع إسرائيل، التي لم تتعرض حتى اليوم لضغط حقيقي يجبرها على القبول والتسليم بتغيير سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
الحكومة الفلسطينية الجديدة لا تتحمل وحدها تبعات مواجهة هذا الواقع، لكنها بالتأكيد تتحمل، مع مؤسسة الرئاسة، نصيب الأسد في هذه المواجهة، فبعد أن أسلم الناس لها راية القيادة والقرار، أصبحت مصائرهم أمانة في أعناق رئيسها ووزرائه، الذين تقع على عاتقهم مسئولية رعاية مصالح الجماهير، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، حتى لا تقع الكارثة.
[email protected]
محمود الهباش
"إذا لم يطرأ تغيير جوهري على الوضع، فستقع في غزة كارثة كالتي وقعت في كوسوفو"، هكذا عبر ديفيد شيرر مدير مكتب تنسيق العمليات الإنسانية للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، عن حقيقة الأوضاع الاقتصادية والإنسانية في قطاع غزة، تحت ضغط الإغلاق والحصار الإسرائيلي المشدد والمستمر على القطاع، والذي يحول دون وصول المتطلبات المعيشية لمواطنيه، كما يعرقل تصدير إنتاجه الزراعي، ويفرض بذلك واقعًا أشبه بالمجاعة على القطاع، الذي يعد الأكثر كثافة سكانية على مستوى العالم، ويشهد نسبة فقر وبطالة تقترب من مستويات قياسية مقارنة بالمحيط الإقليمي على الأقل، بعيدًا عن المقارنة بمستويات المعيشة في دول أوروبا أو غيرها، التي يبدو القطاع أمامها كجزء من لوحة سريالية قديمة، تعود ربما إلى آلاف من السنين قبل الميلاد.
تحذير المسئول الدولي لا يتجاوز، في أحسن الأحوال، ما نسبته عشرة بالمائة من دقة التعبير والوصف لما آلت إليه الأوضاع في كل الأراضي الفلسطينية، وليس فقط هنا في غزة، حيث أصبح الفقر الذي يخشاه العالم أمنية غالية يتمنى كثيرون هنا بلوغها، أملاً في الخلاص مما هو أشد وأنكى، على الأقل على الصعيد الاقتصادي والمعيشي، الذي تؤكد كل التقارير والدراسات والواقع المعاش أنه يمر بمرحلة من أسوأ المراحل على الإطلاق، حيث تشير معطيات البنك الدولي أنه في غضون سنتين على الأكثر سينزل 75 في المائة من الفلسطينيين إلى ما دون خط الفقر، وأنهم بالفعل يقتربون بتسارع من حاجز الموت المجتمعي، الذي هو أشد خطرًا من مجرد الموت الطبيعي العادي.
إسرائيل تعرف بالضبط ماذا تفعل، وهي تدرك أيضًا أن مواصلة الضغوط الاقتصادية على الفلسطينيين لن يؤدي على انفضاض الشارع من حول حركة حماس، وهو الهدف المزيف الذي تختبئ خلفه هذه السياسة الإسرائيلية الحمقاء، بل سيقود بالضرورة إلى مزيد من التأييد لحماس في الشارع الفلسطيني والعربي، لتحقق إسرائيل بذلك أحد أمرين؛ فإما أن ترضخ حماس تحت ضغط الحصار والمقاطعة واحتياجات الجماهير، وتعلن تنازلها عن الثوابت السياسية والوطنية التي تعلنها، ولا زالت حتى اللحظة تتمسك بها، الأمر الذي يحقق للدولة العبرية اختراقًا مهمًا لجبهة الوعي الإسلامي الرافض لوجودها، أو أن يتواصل رفض حماس الذي تتذرع به إسرائيل للهرب من أية استحقاقات دولية تفرضها رؤية المجتمع الدولي للتسوية السياسية، وتتمسك بالتالي بخططها الرامية إلى فرض ما تسميه الحلول الأحادية، بحجة أنه لا يوجد شريك فلسطيني تتفاوض معه.
ولعلنا في مواجهة كل هذه التحديات الصعبة، لا نكون مبالغين إذا ما اعتبرنا أننا بالفعل على شفا الكارثة، وأننا أمام خيارين أحلاهما مر، فإما أن نواصل تحمل الضغوط الاقتصادية التي ستفضي بنا إلى كارثة، أو أن نتحمل تبعات التنازلات السياسية التي ستقودنا أيضًا إلى كارثة، ولعلنا أيضًا لا نبالغ حين نحمل المجتمع الدولي، وبالتحديد اللجنة الرباعية الدولية مسئولية ما آلت، أو ما ستؤول إليه الأوضاع في فلسطين، خصوصًا في ظل سياسة "الدلع" التي تتعامل بها مع إسرائيل، التي لم تتعرض حتى اليوم لضغط حقيقي يجبرها على القبول والتسليم بتغيير سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني.
الحكومة الفلسطينية الجديدة لا تتحمل وحدها تبعات مواجهة هذا الواقع، لكنها بالتأكيد تتحمل، مع مؤسسة الرئاسة، نصيب الأسد في هذه المواجهة، فبعد أن أسلم الناس لها راية القيادة والقرار، أصبحت مصائرهم أمانة في أعناق رئيسها ووزرائه، الذين تقع على عاتقهم مسئولية رعاية مصالح الجماهير، سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا، حتى لا تقع الكارثة.
[email protected]