الجعفري والأمريكان
محمد كريشان
بعد زيارة وزيري الخارجية الأمريكية والبريطانية إلي بغداد لم يعد رئيس الحكومة المنتهية ولايته إبراهيم الجعفري يتحرك سوي في الوقت الضائع فلا يمكن أن تكون هناك رسالة توجهها واشنطن ولندن إعرابا عن تبرمها من مأزق تشكيل الحكومة العراقية الجديدة أقوي من هذه الزيارة التي أرادت أن تقول باختصار لقد ضقنا ذرعا بمماحكاتكم في وقت يسقط فيه جنودنا كل يوم ويزداد فيه مأزقنا السياسي أمام رأينا العام في بلدينا .
لم يكن أمام الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني سوي هذه العملية السياسية المتعثرة يفخران بها في العراق الجديد فكانا لا يتغنيان سوي بذهاب العراقيين لصناديق الاقتراع في كانون الاول/ ديسمبر الماضي كلما جوبها بتفاقم الوضع الأمني في البلاد، ولا يتحدثان سوي عن جهود تشكيل الحكومة الجديدة كلما حاججهم كثيرون بارتفاع تكلفة بقاء قواتهما هناك، إلي أن وصلا الآن علي ما يبدو ومن خلال الزيارة ـ الإنذار لسترو ورايس، إلي ما يمكن وصفه ببداية التكشير التدريجي عن الأنياب أمام طبقة سياسية لم يتردد السفير الأمريكي في بغداد قبل أسابيع قليلة في تقريع رموزها بوصفه لهم بأنهم ليسوا شخصيات مسؤولة وأن كل همهم لا يتعدي الحفاظ علي مصالحهم الشخصية وتغذية المنطق الطائفي المقيت.
الورقة التي يبدو الآن أن الجعفري بدأ يستمرئ التلويح بها واللجوء إليها بحذر هو محاولة تسويق نفسه مسؤولا عراقيا وطنيا يرفض الإملاءات الأمريكية ويصر علي أن يمضي قدما في الوفاء لــ خيارات الشعب وهي وصفة كان يمكن أن تنجح فعلا لو أقدم عليها أي شخص آخر من خارج الفريق الذي يدين للأمريكيين وليس أحدا غيرهم بتسلم مقاليد الحكم في البلاد، فقد دخل صاحبنا مع دباباته وكان أول من ترأس مجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأمريكي بول بريمر قبل أن يصبح في حزيران/ يونيو 2004 نائبا للرئيس في الحكومة العراقية المؤقتة ثم رئيس وزراء في الحكومة الانتقالية وكلها مناصب ارتضتها له واشنطن بدرجة أو بأخري. ولهذا فإن الجمل القصيرة التي كان يهمهم بها، وبالكاد تفهم، من أنه يرفض التدخل الأمريكي الذي أبدي ملاحظات حول طائفية وزارة الداخلية وإشارته في مناسبات أخري إلي أن هذه المسألة أو تلك هي شأن عراقي داخلي قبل أن يبدي مقاومة في وجه رغبة واشنطن ولندن استبعاده من رئاسة الوزارة الجديدة بالقول والتلميح إنه لا يقبل التنازل لأحد،، كل ذلك بات غير ذي معني الآن وفي أحسن الأحوال متأخرا جدا.
من يفتخر بالقول إن العراق يصنعه الشعب باختياره وبأنه ليس في حياتي أن أتنازل للآخرين يفترض أنه شخص آخر غير الجعفري ومن هو علي شاكلته لأن من يجلس لبحث أدق تفاصيل الخطوات السياسية وغيرها مع السفير الأمريكي في بغداد ـ وهو بالمناسبة السفير الوحيد في العالم الذي يصول ويجول بهذا الشكل- ومن ينتقد أي دعوة لانسحاب القوات المحتلة من بلاده في وقت لا يطالب فيه علي الأقل بجدولة لذلك، ومن يخــّوف شعبه والعالم بأن انسحابا كهذا قد يعود وبالا علي العراق لا يمكن له أن يستيقظ ذات صباح ليصور للناس أن تمسكه بالترشح لرئاسة الوزراء موقف وطني غيور يعبر عن تشبع أصيل بقيم الديمقراطية واحترام لا يلين لإرادة نواب الشعب!!
إن المفردات الدبلوماسية التي اختارتها كل من رايس وسترو للقول إن علي الجعفري أن يسحب نفسه من الترشح لرئاسة الوزراء أوضح من أن توضح فإما أن يلتقطها المعني بها ويتصرف علي أساسها وإلا وجد نفسه، إذا استمر مأزق تشكيل الحكومة أكثر من أسابيع قليلة جدا، في وضع قد يتعرض فيه لإهانات شخصية مباشرة ويتعرض فيه حلفاؤه إلي ضغوطات وابتزازات لا قبل لهم بمقاومتها وهم جميعا يعلمون قبل غيرهم أنهم آخر من يجوز لهم أو يحق لهم أن يقولوا لا لواشنطن أو لندن.
محمد كريشان
بعد زيارة وزيري الخارجية الأمريكية والبريطانية إلي بغداد لم يعد رئيس الحكومة المنتهية ولايته إبراهيم الجعفري يتحرك سوي في الوقت الضائع فلا يمكن أن تكون هناك رسالة توجهها واشنطن ولندن إعرابا عن تبرمها من مأزق تشكيل الحكومة العراقية الجديدة أقوي من هذه الزيارة التي أرادت أن تقول باختصار لقد ضقنا ذرعا بمماحكاتكم في وقت يسقط فيه جنودنا كل يوم ويزداد فيه مأزقنا السياسي أمام رأينا العام في بلدينا .
لم يكن أمام الرئيس جورج بوش ورئيس الوزراء البريطاني سوي هذه العملية السياسية المتعثرة يفخران بها في العراق الجديد فكانا لا يتغنيان سوي بذهاب العراقيين لصناديق الاقتراع في كانون الاول/ ديسمبر الماضي كلما جوبها بتفاقم الوضع الأمني في البلاد، ولا يتحدثان سوي عن جهود تشكيل الحكومة الجديدة كلما حاججهم كثيرون بارتفاع تكلفة بقاء قواتهما هناك، إلي أن وصلا الآن علي ما يبدو ومن خلال الزيارة ـ الإنذار لسترو ورايس، إلي ما يمكن وصفه ببداية التكشير التدريجي عن الأنياب أمام طبقة سياسية لم يتردد السفير الأمريكي في بغداد قبل أسابيع قليلة في تقريع رموزها بوصفه لهم بأنهم ليسوا شخصيات مسؤولة وأن كل همهم لا يتعدي الحفاظ علي مصالحهم الشخصية وتغذية المنطق الطائفي المقيت.
الورقة التي يبدو الآن أن الجعفري بدأ يستمرئ التلويح بها واللجوء إليها بحذر هو محاولة تسويق نفسه مسؤولا عراقيا وطنيا يرفض الإملاءات الأمريكية ويصر علي أن يمضي قدما في الوفاء لــ خيارات الشعب وهي وصفة كان يمكن أن تنجح فعلا لو أقدم عليها أي شخص آخر من خارج الفريق الذي يدين للأمريكيين وليس أحدا غيرهم بتسلم مقاليد الحكم في البلاد، فقد دخل صاحبنا مع دباباته وكان أول من ترأس مجلس الحكم الذي شكله الحاكم الأمريكي بول بريمر قبل أن يصبح في حزيران/ يونيو 2004 نائبا للرئيس في الحكومة العراقية المؤقتة ثم رئيس وزراء في الحكومة الانتقالية وكلها مناصب ارتضتها له واشنطن بدرجة أو بأخري. ولهذا فإن الجمل القصيرة التي كان يهمهم بها، وبالكاد تفهم، من أنه يرفض التدخل الأمريكي الذي أبدي ملاحظات حول طائفية وزارة الداخلية وإشارته في مناسبات أخري إلي أن هذه المسألة أو تلك هي شأن عراقي داخلي قبل أن يبدي مقاومة في وجه رغبة واشنطن ولندن استبعاده من رئاسة الوزارة الجديدة بالقول والتلميح إنه لا يقبل التنازل لأحد،، كل ذلك بات غير ذي معني الآن وفي أحسن الأحوال متأخرا جدا.
من يفتخر بالقول إن العراق يصنعه الشعب باختياره وبأنه ليس في حياتي أن أتنازل للآخرين يفترض أنه شخص آخر غير الجعفري ومن هو علي شاكلته لأن من يجلس لبحث أدق تفاصيل الخطوات السياسية وغيرها مع السفير الأمريكي في بغداد ـ وهو بالمناسبة السفير الوحيد في العالم الذي يصول ويجول بهذا الشكل- ومن ينتقد أي دعوة لانسحاب القوات المحتلة من بلاده في وقت لا يطالب فيه علي الأقل بجدولة لذلك، ومن يخــّوف شعبه والعالم بأن انسحابا كهذا قد يعود وبالا علي العراق لا يمكن له أن يستيقظ ذات صباح ليصور للناس أن تمسكه بالترشح لرئاسة الوزراء موقف وطني غيور يعبر عن تشبع أصيل بقيم الديمقراطية واحترام لا يلين لإرادة نواب الشعب!!
إن المفردات الدبلوماسية التي اختارتها كل من رايس وسترو للقول إن علي الجعفري أن يسحب نفسه من الترشح لرئاسة الوزراء أوضح من أن توضح فإما أن يلتقطها المعني بها ويتصرف علي أساسها وإلا وجد نفسه، إذا استمر مأزق تشكيل الحكومة أكثر من أسابيع قليلة جدا، في وضع قد يتعرض فيه لإهانات شخصية مباشرة ويتعرض فيه حلفاؤه إلي ضغوطات وابتزازات لا قبل لهم بمقاومتها وهم جميعا يعلمون قبل غيرهم أنهم آخر من يجوز لهم أو يحق لهم أن يقولوا لا لواشنطن أو لندن.