
خطأ حركة حماس بل خطيئتها السياسية في تسلم الحكومة الفلسطينية: بقلم د. خالد محمد صافي
أحياناً يجد الكاتب أو المحلل نفسه يكتب أو يحلل خارج التيار أو يغرد خارج السرب. وقد يعتبر البعض ذلك غير مألوفاً، حيث أن الكاتب يعكس بقلمه هموم الواقع، ويعبر عما يسود الشارع من تساؤلات أو نقاشات. ولكن دعنا نقول إن الكاتب قد يحلق أحياناً بعيداً عن الواقع، فهو قد يضع قدماً له على الأرض (الواقع) يحاول أن يتخطى بها الحفر والنتوئات التي تسببها الممارسة السياسية والواقع اليومي المعاش وقدماً أخرى يحاول التحليق بها في الفضاء ينشد الأمل، ويتلمس أفاق المستقبل، والبحث عن مكان أفضل تحت الشمس يتجاوز الواقع المثقل بالأزمات والفشل المتكرر. وحتى لا نحلق بالقارئ بعيداً علينا الدخول في الموضوع مباشرة دون لف أو دوران، حتى لو كنا بذلك نجدف ضد التيار. ولكن على كل حال فإن ما نقدمه هو مجرد رأي، وقد كفلت لنا وثيقة الاستقلال، والقانون الأساسي حرية التعبير وإبداء الرأي. لذلك فإننا نرى أنه كان من الخطأ بل الخطيئة (بالمعنى السياسي وليس الفقهي الشرعي) دخول حركة حماس السلطة كحكومة، والخطأ الأكبر هو تشكيلها حكومة فلسطينية بمفردها. لقد أدى ذلك إلى تقديم حركة حماس قرباناً على مذبح الأسرة الدولية التي لا تعرف الرحمة. وكان الأجدر بحركة حماس أن تبقى كتلة معارضة قوية في البرلمان، وأن تشكل رقابة فاعلة سياسياً ومالياً وإدارياً، وذلك ضمن برنامج إصلاحي واضح المعالم والحدود. ويتم تطبيقه تدريجياً يتم من خلاله استنهاض العامل الذاتي، وتقويته من خلال التخفيف من معادلات ارتباطاته الاقتصادية والمالية الخارجية كفترة انتقالية تمهيدية للاستقلال بالعامل الذاتي وتوفير عناصر القوة له لمواجهة أي تحديات داخلية وخارجية. وكان ذلك سيعفيها من المواجهة المباشرة لما تتعرض له الآن من ضغوط شديدة في محاولة لتدجينها، وجعلها تقبل شروط المجتمع الدولي الذي يتحكم في مالية السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد أوقفت سلطات الاحتلال التحويلات الشهرية للسلطة التي تصل إلى نحو 60 مليون دولار، وهي بالمناسبة حق فلسطيني تجبيه دولة الاحتلال على البضائع الفلسطينية المصدرة والمستورة عبر إسرائيل، وتأخذ نسبة مقابل هذه الجباية. أي أن دولة الاحتلال تحرمنا وتعاقبنا بما هو من حقنا حسب اتفاقية باريس الاقتصادية سيئة الصيت. كما أوقفت الولايات المتحدة دعمها وكذلك الدول الأوروبية الممول الرئيس للسلطة، والتي يصل حجم معونتها إلى نحو سبعمائة مليون دولار سنوياً. وهذه الدول أصبح يتماهى موقفها مع الدولة العبرية، وتطالب حركة حماس بالاستجابة للشروط التي هي شروط إسرائيلية بالدرجة الأولى، والتي تتمثل في اعتراف حركة حماس في إسرائيل، ونبذ العنف، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين السلطة ودولة الاحتلال. وقد أبدت حركة حماس بعض المرونة أو كما يطلق عليها البراغماتية فيما يخص نبذ العنف عندما أبدت استعدادها لتمديد التهدئة وصولاً إلى الهدنة. وصرح قادتها عن تعاملهم بواقعية ومسؤولية مع الاتفاقيات التي تناسب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهو تحول من الممكن أن يتطور إلى مرونة وواقعية أكبر. ومع ذلك فلم يجد ذلك قبولاً من المجتمع الدولي الذي يطالب بركوع واستجداء واستسلام مباشر دون لبس أو غموض. أما بخصوص الاعتراف فهو ما تصر عليه إسرائيل والمجتمع الدولي إصراراً لن تسعفه الخطب الدبلوماسية والإجابات العمومية. وهذا الاعتراف ليس ذا أهمية من الناحية القانونية لأن منظمة التحرير الفلسطينية وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قد اعترفت بإسرائيل. وحركة حماس حزب فيما المنظمة هي الإطار الوطني الجامع. فهناك مثلاً في إسرائيل أحزاباً لا تعترف بالمنظمة وحتى بالسلطة ومع ذلك تدخل الحكومة الإسرائيلية دون أن يطالبها أحد بذلك. إذاً المجتمع الدولي وإسرائيل تحرص على اعتراف حركة حماس بإسرائيل لأسباب تاريخية ودينية. حيث أن اعتراف حركة حماس بإسرائيل يشكل اعترافاً من حركة دينية تنطلق من مرجعية دينية فقهية، وبحصول إسرائيل على هذا الاعتراف تكون قد أكملت الاعتراف الفلسطيني بها سياسياً وقانونياً وتاريخيا وفقهياً، وهذا ما سيفرغ الجانب الفلسطيني من أي مرجعيات مستقبلية رافضة لدولة الاحتلال، وبالتالي فقدانه أي أوراق ضاغطة في يده. ونكون قد فرضنا كجيل هزيمتنا على الأجيال المستقبلية قولاً وفعلاً. كما أن اعتراف حركة حماس بإسرائيل سيفتح الأبواب مشرعة أمام الأخيرة للنفاذ لبقية العالم العربي والإسلامي على اعتبار أن اعتراف حركة حماس سيشكل مصوغ فقهي وشرعي أمام الآخرين سواء حركات دينية أو شعوباً أو حكومات للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. ومن هنا تكمن الخطورة حيث تحاول الولايات المتحدة وأوروبا أن تجرد الشعب الفلسطيني من صمام أمانه وآخر الأوراق في يده. وربما كان من الأجدر أن تبقى السلطة الوطنية الفلسطينية كجسم سياسي أمام العالم، نستطيع من خلاله امتصاص الضغط الدولي فيما تبقى حركة حماس خارج السلطة كورقة ضاغطة ومرجعية رافضة لما يتم في الواقع السياسي المترهل. فمثلاً قبل قيام الدولة العبرية سنة 1948م كانت الوكالة اليهودية تمثل الوجه السياسي للحركة الصهيونية فيما كانت منظمات "الأرغون" "وشتيرن" الصهيونية تمثل الجانب الإرهابي المقاوم للانتداب البريطاني والفلسطينيين. وكانت الوكالة اليهودية تتنصل من الأعمال الوحشية الإرهابية لهذه المنظمات غير المنضمة للوكالة اليهودية، وبالتالي بقيت خارج نطاق الضغط الدولي. وكان من الممكن لحركة حماس أن تبقى تمثل الوجه المقاوم، وصمام الأمان السياسي للقضية بعيداً عن الضغط. ولكن بدخولها الحكومة ورئاستها لها فقد وقعت بين مطرقة الواقع الفلسطيني المعاش وسنديان الضغط الدولي المالي والسياسي، وهو بالطبع مؤلم ويعتمد في معيشته على الغير فهو بذلك مجتمع وسلطة تابعة في لقمة عيشها للغير وها ما يحد من قدرة العامل الفلسطيني كعامل مؤثر وقوي. فالعامل الذاتي الفلسطيني هو الأضعف بين العوامل الأخرى التي تتحكم به مالياً. ومن البديهي أن من يملك العنصر المادي يملك خيوط كثيرة من السيطرة والتأثير. وأن حركة حماس بتعويلها على العامل الذاتي كان يمثل قراءة غير موضوعية للواقع الفلسطيني والعربي والدولي. وفي ظل واقع عربي ضعيف مرتبط بمصالح سياسية واقتصادية وأمنية مع الولايات المتحدة فإنه من الصعب التعويل عليه. وقد أثبتت سنوات الانتفاضة السابقة تذبذب التمويل العربي، أما الجانب الإيراني فلم يصلنا منه في السنوات السابقة سوى تصريحات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، وموقفاً سياسياً إعلامياً لم يعد يجدِ في عالم تتحكم فيه قوى أكثر فاعلية وتأثير. ولذلك فإن حركة حماس التي تمتلك برنامجاً إصلاحيا اقتصادياً وإدارياً ومالياً يصعب تنفيذه بدون أولاً توفر استقرار سياسي وأمني ودعم مالي دولي. أما العامل السياسي والأمني فلا تزال إسرائيل تمتلك زمام الأمور فيه، وهي تستطيع أن تشغل السلطة كل يوم بمتاهات أمنية وسياسية تستنزف كل الجهد الحكومي. أما عامل التمويل فهو واضح وجلي وكلنا كيف أن الشارع الفلسطيني أصبح لا ينام أو يصحو إلا مستفسراً عن الراتب، أو متسائلاً هل تم فتح معبر كارني (الشجاعية) أو أغلق. وبذلك فإن قضيتنا قد اختزلت إلى متابعة هموم الواقع المعاش، وتراجع الاهتمام السياسي أمام الاهتمام بتأمين لقمة العيش. وما يزيد الطين بلة هو الفلتان الأمني، فلا يكفي المواطن الفلسطيني هموم البحث عن لقمة العيش بل عليه اللهاث حول الحفاظ على حياته من غول الفلتان الأمني. ولذلك فإن دخول حركة حماس للحكومة وترؤسها لها قد أدخل قضيتنا في وحل الواقع المعيشي الصعب. وأدخل حركة حماس في دولاب لا ينتهي من الضغط الممارس من الخارج والذي لن يتوقف إلا بتدجين الحركة وإخضاعها لشروط العامل المؤثر والقوي. وهي أيضاً في وضع حرج بسبب الضغط الممارس عليها من أسفل من مجتمع استهلاكي غير منتج، مرتبط بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، وبإطار المساعدات الخارجية. وهذا ما سيفقد حركة حماس شرعيتها ووجودها كحركة مقاومة مجاهدة، ويفقدها القدرة على تنفيذ برنامجها الذي على أساسه نالت ثقة الشارع الفلسطيني.
أحياناً يجد الكاتب أو المحلل نفسه يكتب أو يحلل خارج التيار أو يغرد خارج السرب. وقد يعتبر البعض ذلك غير مألوفاً، حيث أن الكاتب يعكس بقلمه هموم الواقع، ويعبر عما يسود الشارع من تساؤلات أو نقاشات. ولكن دعنا نقول إن الكاتب قد يحلق أحياناً بعيداً عن الواقع، فهو قد يضع قدماً له على الأرض (الواقع) يحاول أن يتخطى بها الحفر والنتوئات التي تسببها الممارسة السياسية والواقع اليومي المعاش وقدماً أخرى يحاول التحليق بها في الفضاء ينشد الأمل، ويتلمس أفاق المستقبل، والبحث عن مكان أفضل تحت الشمس يتجاوز الواقع المثقل بالأزمات والفشل المتكرر. وحتى لا نحلق بالقارئ بعيداً علينا الدخول في الموضوع مباشرة دون لف أو دوران، حتى لو كنا بذلك نجدف ضد التيار. ولكن على كل حال فإن ما نقدمه هو مجرد رأي، وقد كفلت لنا وثيقة الاستقلال، والقانون الأساسي حرية التعبير وإبداء الرأي. لذلك فإننا نرى أنه كان من الخطأ بل الخطيئة (بالمعنى السياسي وليس الفقهي الشرعي) دخول حركة حماس السلطة كحكومة، والخطأ الأكبر هو تشكيلها حكومة فلسطينية بمفردها. لقد أدى ذلك إلى تقديم حركة حماس قرباناً على مذبح الأسرة الدولية التي لا تعرف الرحمة. وكان الأجدر بحركة حماس أن تبقى كتلة معارضة قوية في البرلمان، وأن تشكل رقابة فاعلة سياسياً ومالياً وإدارياً، وذلك ضمن برنامج إصلاحي واضح المعالم والحدود. ويتم تطبيقه تدريجياً يتم من خلاله استنهاض العامل الذاتي، وتقويته من خلال التخفيف من معادلات ارتباطاته الاقتصادية والمالية الخارجية كفترة انتقالية تمهيدية للاستقلال بالعامل الذاتي وتوفير عناصر القوة له لمواجهة أي تحديات داخلية وخارجية. وكان ذلك سيعفيها من المواجهة المباشرة لما تتعرض له الآن من ضغوط شديدة في محاولة لتدجينها، وجعلها تقبل شروط المجتمع الدولي الذي يتحكم في مالية السلطة الوطنية الفلسطينية. فقد أوقفت سلطات الاحتلال التحويلات الشهرية للسلطة التي تصل إلى نحو 60 مليون دولار، وهي بالمناسبة حق فلسطيني تجبيه دولة الاحتلال على البضائع الفلسطينية المصدرة والمستورة عبر إسرائيل، وتأخذ نسبة مقابل هذه الجباية. أي أن دولة الاحتلال تحرمنا وتعاقبنا بما هو من حقنا حسب اتفاقية باريس الاقتصادية سيئة الصيت. كما أوقفت الولايات المتحدة دعمها وكذلك الدول الأوروبية الممول الرئيس للسلطة، والتي يصل حجم معونتها إلى نحو سبعمائة مليون دولار سنوياً. وهذه الدول أصبح يتماهى موقفها مع الدولة العبرية، وتطالب حركة حماس بالاستجابة للشروط التي هي شروط إسرائيلية بالدرجة الأولى، والتي تتمثل في اعتراف حركة حماس في إسرائيل، ونبذ العنف، والاعتراف بالاتفاقيات الموقعة بين السلطة ودولة الاحتلال. وقد أبدت حركة حماس بعض المرونة أو كما يطلق عليها البراغماتية فيما يخص نبذ العنف عندما أبدت استعدادها لتمديد التهدئة وصولاً إلى الهدنة. وصرح قادتها عن تعاملهم بواقعية ومسؤولية مع الاتفاقيات التي تناسب المصالح العليا للشعب الفلسطيني، وهو تحول من الممكن أن يتطور إلى مرونة وواقعية أكبر. ومع ذلك فلم يجد ذلك قبولاً من المجتمع الدولي الذي يطالب بركوع واستجداء واستسلام مباشر دون لبس أو غموض. أما بخصوص الاعتراف فهو ما تصر عليه إسرائيل والمجتمع الدولي إصراراً لن تسعفه الخطب الدبلوماسية والإجابات العمومية. وهذا الاعتراف ليس ذا أهمية من الناحية القانونية لأن منظمة التحرير الفلسطينية وهي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قد اعترفت بإسرائيل. وحركة حماس حزب فيما المنظمة هي الإطار الوطني الجامع. فهناك مثلاً في إسرائيل أحزاباً لا تعترف بالمنظمة وحتى بالسلطة ومع ذلك تدخل الحكومة الإسرائيلية دون أن يطالبها أحد بذلك. إذاً المجتمع الدولي وإسرائيل تحرص على اعتراف حركة حماس بإسرائيل لأسباب تاريخية ودينية. حيث أن اعتراف حركة حماس بإسرائيل يشكل اعترافاً من حركة دينية تنطلق من مرجعية دينية فقهية، وبحصول إسرائيل على هذا الاعتراف تكون قد أكملت الاعتراف الفلسطيني بها سياسياً وقانونياً وتاريخيا وفقهياً، وهذا ما سيفرغ الجانب الفلسطيني من أي مرجعيات مستقبلية رافضة لدولة الاحتلال، وبالتالي فقدانه أي أوراق ضاغطة في يده. ونكون قد فرضنا كجيل هزيمتنا على الأجيال المستقبلية قولاً وفعلاً. كما أن اعتراف حركة حماس بإسرائيل سيفتح الأبواب مشرعة أمام الأخيرة للنفاذ لبقية العالم العربي والإسلامي على اعتبار أن اعتراف حركة حماس سيشكل مصوغ فقهي وشرعي أمام الآخرين سواء حركات دينية أو شعوباً أو حكومات للاعتراف بإسرائيل وتطبيع العلاقات معها. ومن هنا تكمن الخطورة حيث تحاول الولايات المتحدة وأوروبا أن تجرد الشعب الفلسطيني من صمام أمانه وآخر الأوراق في يده. وربما كان من الأجدر أن تبقى السلطة الوطنية الفلسطينية كجسم سياسي أمام العالم، نستطيع من خلاله امتصاص الضغط الدولي فيما تبقى حركة حماس خارج السلطة كورقة ضاغطة ومرجعية رافضة لما يتم في الواقع السياسي المترهل. فمثلاً قبل قيام الدولة العبرية سنة 1948م كانت الوكالة اليهودية تمثل الوجه السياسي للحركة الصهيونية فيما كانت منظمات "الأرغون" "وشتيرن" الصهيونية تمثل الجانب الإرهابي المقاوم للانتداب البريطاني والفلسطينيين. وكانت الوكالة اليهودية تتنصل من الأعمال الوحشية الإرهابية لهذه المنظمات غير المنضمة للوكالة اليهودية، وبالتالي بقيت خارج نطاق الضغط الدولي. وكان من الممكن لحركة حماس أن تبقى تمثل الوجه المقاوم، وصمام الأمان السياسي للقضية بعيداً عن الضغط. ولكن بدخولها الحكومة ورئاستها لها فقد وقعت بين مطرقة الواقع الفلسطيني المعاش وسنديان الضغط الدولي المالي والسياسي، وهو بالطبع مؤلم ويعتمد في معيشته على الغير فهو بذلك مجتمع وسلطة تابعة في لقمة عيشها للغير وها ما يحد من قدرة العامل الفلسطيني كعامل مؤثر وقوي. فالعامل الذاتي الفلسطيني هو الأضعف بين العوامل الأخرى التي تتحكم به مالياً. ومن البديهي أن من يملك العنصر المادي يملك خيوط كثيرة من السيطرة والتأثير. وأن حركة حماس بتعويلها على العامل الذاتي كان يمثل قراءة غير موضوعية للواقع الفلسطيني والعربي والدولي. وفي ظل واقع عربي ضعيف مرتبط بمصالح سياسية واقتصادية وأمنية مع الولايات المتحدة فإنه من الصعب التعويل عليه. وقد أثبتت سنوات الانتفاضة السابقة تذبذب التمويل العربي، أما الجانب الإيراني فلم يصلنا منه في السنوات السابقة سوى تصريحات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع، وموقفاً سياسياً إعلامياً لم يعد يجدِ في عالم تتحكم فيه قوى أكثر فاعلية وتأثير. ولذلك فإن حركة حماس التي تمتلك برنامجاً إصلاحيا اقتصادياً وإدارياً ومالياً يصعب تنفيذه بدون أولاً توفر استقرار سياسي وأمني ودعم مالي دولي. أما العامل السياسي والأمني فلا تزال إسرائيل تمتلك زمام الأمور فيه، وهي تستطيع أن تشغل السلطة كل يوم بمتاهات أمنية وسياسية تستنزف كل الجهد الحكومي. أما عامل التمويل فهو واضح وجلي وكلنا كيف أن الشارع الفلسطيني أصبح لا ينام أو يصحو إلا مستفسراً عن الراتب، أو متسائلاً هل تم فتح معبر كارني (الشجاعية) أو أغلق. وبذلك فإن قضيتنا قد اختزلت إلى متابعة هموم الواقع المعاش، وتراجع الاهتمام السياسي أمام الاهتمام بتأمين لقمة العيش. وما يزيد الطين بلة هو الفلتان الأمني، فلا يكفي المواطن الفلسطيني هموم البحث عن لقمة العيش بل عليه اللهاث حول الحفاظ على حياته من غول الفلتان الأمني. ولذلك فإن دخول حركة حماس للحكومة وترؤسها لها قد أدخل قضيتنا في وحل الواقع المعيشي الصعب. وأدخل حركة حماس في دولاب لا ينتهي من الضغط الممارس من الخارج والذي لن يتوقف إلا بتدجين الحركة وإخضاعها لشروط العامل المؤثر والقوي. وهي أيضاً في وضع حرج بسبب الضغط الممارس عليها من أسفل من مجتمع استهلاكي غير منتج، مرتبط بعجلة الاقتصاد الإسرائيلي، وبإطار المساعدات الخارجية. وهذا ما سيفقد حركة حماس شرعيتها ووجودها كحركة مقاومة مجاهدة، ويفقدها القدرة على تنفيذ برنامجها الذي على أساسه نالت ثقة الشارع الفلسطيني.