
التفعيل المرتجى
ــــــــــــــ
عدلي صادق
ــــــــــــــ
غداة فوز "حماس" في الانتخابات، تحدثنا عن ضرورة التفعيل السياسي للفوز، بحيث يتبنى الممسكون بمقاليد الأمور، في السلطة، خطاباً يطالب المجتمع الدولي، بوقف الانقلاب الإسرائيلي على عملية التسوية، وهو الإنقلاب الحاصل منذ انتخابات العام 1996 التي جلبت الليكود، بزعامة نتنياهو، الى الحكم. إن ذلك ـ في السياسة ـ أجدى من الإعراب عن انقلاب فلسطيني على العملية السلمية، بمفرداتها المتوافرة!
صحيح أن من يطالبون "حماس" اليوم، بأن تعتمد الاتفاقات، لم يطالبوا الليكود بالشيء نفسه، في العام 1996 ولم يضغطوا على حكومة إسرائيل، بل ازدادوا تأييداً لها، ولم يعترضوا حتى على ضم أحزاب تطالب بإبادة الفلسطينيين؛ لكن الصحيح كذلك، أننا لا نحظى بالامتياز نفسه، الذي اختص به الأمريكيون والأوروبيون الدولة العبرية. وهذه من حقائق السياسة. ولعل من المفارقات، أن الأطراف الدولية لم تطلب من حركة "فتح" عشية انتخابات 96 أية تغييرات على مستوى نظامها الأساسي ـ كحركة ـ وعلى مستوى أدبياتها التي لم تقتلع فقرات اقتلاع إسرائيل، واكتفت بـ "اعتراف" المنظمة، وبدور الرئيس الشهيد عرفات، في العملية السلمية، قبل أن يغتاله المنقلبون على هذه العملية السلمية، في ظل صمت وتمهيد ـ أو في ظل تواطؤ ـ الضاغطين اليوم على الشعب الفلسطيني!
* * *
وعلى الرغم من ذلك، فإن خطوة "حماس" المتمثلة في خوض الانتخابات، ثم في تشكيل الحكومة، تعكس توجهاً واقعياً، ينقصه الأفق السياسي لكي يتبدى. ويُخطيء من يظن، بأن الأمريكيين والأوروبيين، لا يريدون لحركة "حماس" أن تستمر في الحكم وأن تتوغل في الواقعية. إن أفضل مكاسب الأمريكيين وحلفائهم، تتمثل في أن "حماس" عندما تحكم بسلوك إداري ومالي وإصلاحي محترم، فإنها تعزز الاتجاه الإسلامي المعتدل في المنطقة، لغير صالح التيار الجهادي السلفي، الذي أوقع الأمريكيين في مآزق شتى. وكلما تشكل الأفق السياسي، كلما تكرس الأنموذج المقبول، من عمل الإسلاميين. ففلسطين تحديداً، هي دائماً في نقطة الضوء، ولعل هذا ما أزعج التيار الجهادي السلفي، من مشاركة "حماس" في الانتخابات، على النحو اللافت في الشريط الأخير لأيمن الظواهري!
* * *
ممانعة "حماس" حتى الآن، في الانزلاق بالمفردات، ولو الى ما دون منزلق البعض، الذي كان يسمي العدو مجرد طرف آخر، إنما هي من لوازم السياسة، ليس بمقاييس "حماس" فقط وإنما حتى بمقاييس من يريدون لـ "حماس" أن تنزلق. فالواقع يفسر المكنون: الاتفاقات التي انقلب عليها الإسرائيليون، هي مُنشئة السلطة التي تتسلمها "حماس" بأمارة أن هذه الاتفاقات، أعطت المجلس التشريعي اسمه، وقررت تكوينه العددي ـ قبل التعديلات غير الحمساوية ـ وأعطته أهدافه، وولايته الجغرافية، وولايته القانونية، وأعطته صلاحياته، وعمره الزمني القانوني، وكيفية انتخاب أعضائه برقابة دولية. بل إن "خارطة الطريق" هي أم الموقع المستحدث، وهو رئيس الوزراء بصلاحيات، وهي أم موقع وزير الداخلية، ولا فرق بين الاعتراف بالأمر الواقع، والاعتراف القانوني.
إن أقصر الطرق للتفعيل السياسي للوضعية الراهنة للحكومة، هو الحديث الواضح، عن استعداد لتنفيذ الاتفاقات التي انقلب عليها المحتلون. ولا يغرن "حماس" أن بعض الدول تدعو وفوداً من الحكومة الجديدة لزيارتها. فهذه الدول لا تريد سماع الكلام المسموع حتى الآن، عن "برنامج المقاومة". ففي الواقع أن كل عاصمة تريد أن تكون الحلحلة على يديها، وإن لم تكن هناك حلحلة، فإن الجمود لن يؤسس لنفسه ديبلوماسية فاعلة، سيما في ظل معطيات إقليمية ودولية!
* * *
أخيراً، نخشى أن تكون "حماس" محرجة من احتمالات تعييرها والغمز من قناتها، في الساحة الفلسطينية، إن أحدثت تبدلات في خطابها السياسي. إن كان هذا وارداً، تكون "حماس" مخطئة، لأن هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ليس سهلاً لكي يظفر به فاسدون ومترهلون، وأدعياء براعة سياسية وأدعياء واقعية. فليغمز هؤلاء من قناة تجاربهم وترهلهم. والشعب الفلسطيني، قبل فوز "حماس" كان في حاجة الى نهوض حقيقي للحركة الوطنية، والى إصلاح فعلي للسلطة، لكي يحقق هدف الاستقلال والحرية، وقد اختارت الأغلبية "حماس" لكي تحقق هذا الهدف، بعد أن يئست من إمكانية حدوث الإصلاح المرتجى، في صيغة الحكم!
www.adlisadek.com
ــــــــــــــ
عدلي صادق
ــــــــــــــ
غداة فوز "حماس" في الانتخابات، تحدثنا عن ضرورة التفعيل السياسي للفوز، بحيث يتبنى الممسكون بمقاليد الأمور، في السلطة، خطاباً يطالب المجتمع الدولي، بوقف الانقلاب الإسرائيلي على عملية التسوية، وهو الإنقلاب الحاصل منذ انتخابات العام 1996 التي جلبت الليكود، بزعامة نتنياهو، الى الحكم. إن ذلك ـ في السياسة ـ أجدى من الإعراب عن انقلاب فلسطيني على العملية السلمية، بمفرداتها المتوافرة!
صحيح أن من يطالبون "حماس" اليوم، بأن تعتمد الاتفاقات، لم يطالبوا الليكود بالشيء نفسه، في العام 1996 ولم يضغطوا على حكومة إسرائيل، بل ازدادوا تأييداً لها، ولم يعترضوا حتى على ضم أحزاب تطالب بإبادة الفلسطينيين؛ لكن الصحيح كذلك، أننا لا نحظى بالامتياز نفسه، الذي اختص به الأمريكيون والأوروبيون الدولة العبرية. وهذه من حقائق السياسة. ولعل من المفارقات، أن الأطراف الدولية لم تطلب من حركة "فتح" عشية انتخابات 96 أية تغييرات على مستوى نظامها الأساسي ـ كحركة ـ وعلى مستوى أدبياتها التي لم تقتلع فقرات اقتلاع إسرائيل، واكتفت بـ "اعتراف" المنظمة، وبدور الرئيس الشهيد عرفات، في العملية السلمية، قبل أن يغتاله المنقلبون على هذه العملية السلمية، في ظل صمت وتمهيد ـ أو في ظل تواطؤ ـ الضاغطين اليوم على الشعب الفلسطيني!
* * *
وعلى الرغم من ذلك، فإن خطوة "حماس" المتمثلة في خوض الانتخابات، ثم في تشكيل الحكومة، تعكس توجهاً واقعياً، ينقصه الأفق السياسي لكي يتبدى. ويُخطيء من يظن، بأن الأمريكيين والأوروبيين، لا يريدون لحركة "حماس" أن تستمر في الحكم وأن تتوغل في الواقعية. إن أفضل مكاسب الأمريكيين وحلفائهم، تتمثل في أن "حماس" عندما تحكم بسلوك إداري ومالي وإصلاحي محترم، فإنها تعزز الاتجاه الإسلامي المعتدل في المنطقة، لغير صالح التيار الجهادي السلفي، الذي أوقع الأمريكيين في مآزق شتى. وكلما تشكل الأفق السياسي، كلما تكرس الأنموذج المقبول، من عمل الإسلاميين. ففلسطين تحديداً، هي دائماً في نقطة الضوء، ولعل هذا ما أزعج التيار الجهادي السلفي، من مشاركة "حماس" في الانتخابات، على النحو اللافت في الشريط الأخير لأيمن الظواهري!
* * *
ممانعة "حماس" حتى الآن، في الانزلاق بالمفردات، ولو الى ما دون منزلق البعض، الذي كان يسمي العدو مجرد طرف آخر، إنما هي من لوازم السياسة، ليس بمقاييس "حماس" فقط وإنما حتى بمقاييس من يريدون لـ "حماس" أن تنزلق. فالواقع يفسر المكنون: الاتفاقات التي انقلب عليها الإسرائيليون، هي مُنشئة السلطة التي تتسلمها "حماس" بأمارة أن هذه الاتفاقات، أعطت المجلس التشريعي اسمه، وقررت تكوينه العددي ـ قبل التعديلات غير الحمساوية ـ وأعطته أهدافه، وولايته الجغرافية، وولايته القانونية، وأعطته صلاحياته، وعمره الزمني القانوني، وكيفية انتخاب أعضائه برقابة دولية. بل إن "خارطة الطريق" هي أم الموقع المستحدث، وهو رئيس الوزراء بصلاحيات، وهي أم موقع وزير الداخلية، ولا فرق بين الاعتراف بالأمر الواقع، والاعتراف القانوني.
إن أقصر الطرق للتفعيل السياسي للوضعية الراهنة للحكومة، هو الحديث الواضح، عن استعداد لتنفيذ الاتفاقات التي انقلب عليها المحتلون. ولا يغرن "حماس" أن بعض الدول تدعو وفوداً من الحكومة الجديدة لزيارتها. فهذه الدول لا تريد سماع الكلام المسموع حتى الآن، عن "برنامج المقاومة". ففي الواقع أن كل عاصمة تريد أن تكون الحلحلة على يديها، وإن لم تكن هناك حلحلة، فإن الجمود لن يؤسس لنفسه ديبلوماسية فاعلة، سيما في ظل معطيات إقليمية ودولية!
* * *
أخيراً، نخشى أن تكون "حماس" محرجة من احتمالات تعييرها والغمز من قناتها، في الساحة الفلسطينية، إن أحدثت تبدلات في خطابها السياسي. إن كان هذا وارداً، تكون "حماس" مخطئة، لأن هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ليس سهلاً لكي يظفر به فاسدون ومترهلون، وأدعياء براعة سياسية وأدعياء واقعية. فليغمز هؤلاء من قناة تجاربهم وترهلهم. والشعب الفلسطيني، قبل فوز "حماس" كان في حاجة الى نهوض حقيقي للحركة الوطنية، والى إصلاح فعلي للسلطة، لكي يحقق هدف الاستقلال والحرية، وقد اختارت الأغلبية "حماس" لكي تحقق هذا الهدف، بعد أن يئست من إمكانية حدوث الإصلاح المرتجى، في صيغة الحكم!
www.adlisadek.com