الأخبار
(يسرائيل هيوم): هكذا حاولت حماس اختراق قاعدة سرية إسرائيلية عبر شركة تنظيفجندي إسرائيلي ينتحر حرقاً بعد معاناته النفسية من مشاركته في حرب غزةالهدنة على الأبواب.. وتجار الحرب إلى الجحيممسؤولون أميركيون: ترامب يريد الاتفاق مع نتنياهو على شروط إنهاء حرب غزةنتنياهو: لقائي مع ترامب قد يسهم في التوصل إلى اتفاق بغزةالاحتلال يستدعي 15 محامياً للتحقيق لمشاركتهم في انتخابات النقابةفلسطين تقدم أول سفير لها لدى "الكاريكوم"البايرن يتلقى ضربة قوية.. الكشف عن حجم إصابة موسيالا ومدة غيابهصحيفة: إيران ضربت خمس منشآت عسكرية إسرائيلية بشكل مباشر خلال الحربريال مدريد يكمل المربع الذهبي لكأس العالم للأنديةفقه التفاوض الإسرائيليّ: من أسطرة السياسة إلى الابتزاز المقدس"الإعلامي الحكومي" بغزة: مؤسسة غزة الإنسانية متورطة في مخطط تهجير جماعي لسكان قطاع غزة(حماس): يجب أن يكون ضمانات حقيقية من الإدارة الأميركية والوسطاء لسريان وقف النارارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 57.418إسرائيل تقر مشروع قانون يمنع توظيف المعلمين الذين درسوا في جامعات فلسطينية
2025/7/7
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

اللاجئون الفلسطينيون وديعة وذمة بقلم:د.علي ثويني

تاريخ النشر : 2006-04-03
اللاجئون الفلسطينيون وديعة وذمة بقلم:د.علي ثويني
اللاجئون الفلسطينيون وديعة وذمة

د.علي ثويني*

* معمار وباحث أكاديمي عراقي

لا أتذكر متى عرفت (جلال كامل)، فأولى ذكرياتي ترجعني إلى أيامي الأولى في هذه الدنيا، في فترة اكتشاف عوالمي ،المؤتلفة و المختلفة ،ولاسيما المختلفة منها التي لمستها في كنف بيت جلال .حينها اكتشفت أن أهله يتكلمون بلكنة مختلفة عن أهلي لكني أفهمها . كان جلال في حينها ينادي جدته (ستي) ، وكنت أعتقد ان أسمها هكذا،واستهجن أن ينادي العبد جدته بأسمها ،لكن تفتق ذهني لاحقا عن ترجيح..ربما أنها كانت (معلمة) ولذلك يطلق عليها (ستي). وهكذا أكتشفت عوالم الفلسطينيين ،وتصاعد الأمر في أولى مراحل المدرسة،حيث كنت أتبارى مع جلال على شرف(أول على الصف). ومازلت أتذكر كيف كان أبوه يحنو علي ويحثني على منافسة جلال .

أكتشفت في الكبر أن تلك كانت نفحات إنسانية نموذجية بقبول المختلف قد تجسدت في فسيفساء حي مدينة الحرية القابع على هامش النسيان،بما ضمه من تلاوين. لم أكن يوما اشعر بأن هؤلاء يختلفون بشئ،و لم أعر أهمية البته بكونهم أغراب أو "سنة" (بحسب تصانيف اليوم المهترئة)، وأنا العراقي المنحدر من عائلة شيعية. لم اشعر بفرق الأصول فكل من سكن حينا كان حتما قادما من وراء الأفق.. من بعيد، فأهلي قدموا من الميمونة في جنوب العراق قبل أربعة عقود وأهل جلال قدموا من قرية جبع الماكثه قرب حيفا على البحر المتوسط قبل عقد من السنين. لم نشعر يوما بغضاضة إزاء هؤلاء فكلنا بشر وكلنا أغراب،والأهم مسافرون في هذه الدنيا .لقد مارسنا جورة وتلطف وتجمل ،مثلما كان الحال مسترسلا في الأعراف، قبل أن تحل لعنة البعث وتسود عقلية وتوجس البداوة وشيوع (كتابة التقارير الحزبية) الذي أزال الإنسانية و الرحمة من القلوب.

كنت أشعر بسطوة ملكاتهم الحضارية،و استهوتني عقليتهم " البيضاوية" . أتذكر حينما توفيت جدته (سته) رحمها الله، رصدت رد فعل جمهرة القادمين للتعزية.ربما يكون ذلك أولى نفحات المفاضلة الثقافية في ذهنيتي،بأن المعزيات ارتدين الأبيض الجميل دون السواد الذي لف حياة العراقيين بالكدر. أنهن لا يمارسن فعل (الملاجاه) الممارس من لدن نساؤنا "الشرقاويات"، والذي كان يحرجني مع نفسي منذ ذلك الحين. تعلمت أن الموت عند هؤلاء القوم سيان مع الحياة، وان إيقاد شمعه للميت أولى من أن تلطم الخدود وتشق الجيوب افتعالا أو صدقا. لاحظت أن ثمة إبتسامات وتلطف وتجمل تسري بين الحضور،عكس ما رأيته في (فواتحنا) الكئيبة.

تدخل بعض الفلسطينيين بالسياسة مبكرا،وخشينا ونحن صغار إبان أيام إنقلاب 8 شباط 1963 الاسود بأن يقتلنا (أسكندر) الفلسطيني ،حينما طبق أحكام منع التجول في حيّنا المسكين، من خلال مرابطته فوق أعلى مباني الحي وإطلاقه الرصاص على من يدب ويتحرك في الشوارع ،مؤازرة وحماية لسلطة الإنقلابيين. لكن لم يكن أهل جلال يعبئون من تصرف هذا الأحمق، بل أمتعضوا وجل الفلسطينيين مثلهم.

لقد شكل الفلسطينيون رعيلا ثوريا أيام الشباب والهيجان في بداية السبعينات، وصور لنا بحماسهم المفرط وكم الملصقات على جدران الحي، بأنهم فعلا أصحاب قضية ، بينما كان الوضع في العراق ينذر بشؤم في الأفق. حملات الاغتيالات وعمليات تكميم الأفواه وضبابية الوضع، وذيلية القوى السياسية "المؤتلفة"..كلها تعلن عن ريح سموم قادم.كنا متعاطفين مع الشيوعيين كونهم ظلموا ،وكان ثمة من يحاورنا من عناصر الجبهة الشعبية والديمقراطية من فلسطينيي الحرية،و لم يكن مؤزري (فتح) إلا أقلية لاتذكر، قبل أن تظهر سلطة التنظيمات البعثية (جبهة النضال الشعبي) و(الجبهة العربية) التي قومتها سلطة البعث وصرفت عليها بسخاء مريب.

هجرت العراق في أواسط السبعينات ولم أرى جلال حتى اليوم، لكني شاهدته لاحقا وقد أصبح فنانا يشار له بالبنان،وتابعته على التلفاز ممثلا . لقد تبدل به كل شئ،لكني مازلت أحس نفحات الطفوله من بين حركاته و أداءه ،وحتى نبرة صوته، تعيد لي ذكرى الطفولة والصبى. ثم نقل عنه الأهل بأنه كان دائب السؤال عني في غربتي الطويلة، وقدم المساعدة لأخوتي عندما أنتخوه، وكان يذكرهم (بالملح والزاد) الذي جمعنا. وهكذا مكث جلال أصيلا في إنسانيته، عراقي النزعة ، بعد ان تقمصته روحا عراقية من ضمن جيل الفلسطينيين الثاني القادم الى بيت النهرين عام 1951 .وهو مايدلل على أن البنية النفسية والثقافية العراقية غامرة ومطبعة لكل وارد إليها.

قرأت هذه الأيام عن نكبة هؤلاء المساكين،وأطلعت توا بأن فلسطينيي مدينة الحرية مهددين بالفناء بعد أن وصلتهم رسائل غبراء، تخيرهم بين الطرد والموت. وتذكرت جلال و(سته) وابوه ولطفي أخوه، وأخته حنان التي رغب الأهل (منهم ومنا) أن أقترن بها. وتسائلت :هل يعقل أن هؤلاء لايشكلون جزء من ضميرنا وذاكرتنا العراقية،وهل يعقل أن ينبذوا في العراء بعد أن بنوا معنا تلاويننا، وكرسوا مكارمنا، وتركوا أجمل انطباع في خواطرنا. لا أبالغ أن أحسست أحيانا أن جلال وأهله أقرب لي من عشيرتي وأقربائي الذين يسكنون في أحياء بغداد الأخرى. هل يعقل أن يهجر جلال من بيت(دور الشؤون) البائس الذي ظل مرابطا به على هدى تشبثه بعراقيته في العقلية و الطبع واللسان .

لقد هرب الفلسطينيون نحو صحراء رويشد طلبا للأمان في الأردن( الشقيق) ،لكنهم ردوا على اعقابهم، وعاملوهم(بصدق) عراقيين. تسائلت في خاطري أي عروبة ممسوخة هذه التي تاجر بها البعثيون ودجلوا بها العرب جميعا من عبدالناصر الى ملك حسين الى القذافي الى بني سعود الى بني صباح الى آخر دجال من دجاليهم ،و"الأشقاء" يمكثون على حدودهم الواهية المرحبة بالغازي والزائر الأجنبي. أي عروبة هذه التي جعلتنا نختار آخر الملاجئ في آخر الأصقاع لنهرب من ضيمهم وإمتهانهم.يحضرني هنا ما قاله أحد الأخوة الشعراء: الحمد لله الذي لم يجعل كل الدنيا عربا ومسلمين ..فأين سيذهب العراقي هاربا من ظلم البعثيين.

وبالمحصلة وبحسب الترويجات الطائفية الشيعية والقومية الكردية المغرضة بأن هؤلاء من بقايا سلطة البعث البائدة والمفخخين المتربصين، أي(طابور خامس). فإن كان من هؤلاء الفلسطينيين من طبل وزمر للبعث وعمل شرا وسفك دما، فليحاسب على فعلته بالقانون والشرع. أما تهمة الخوض في آسن البعث،يدعوني للتساؤل: بالله عليكم من لم يفعلها حينما مسخ العراق، أليس نحن أهل العراق من هزينا الأعقاب وهزجنا (حزب البعث أحنا يلوق ألنا) و(نعم ..نعم للقائد صدام حسين) و(تسفير العجم مطلب جماهيري) و(بالروح بالدم..الخ)، وقبلها أعتبر اليساريون صدام (كاسترو العراق). أليس نحن من بنى منظومات البعث من عرب وأكراد وسنة وشيعة وفئات وسطية مبتزة.كلنا ياكرام شاركنا بالجريمة على حد سواء. فلماذا نلوم هؤلاء المساكين،ولانوجه نقدنا المباشر إلى من طبخ في مخابراته علقم البعث وأوصلهم لسدة الحكم بـ(قطاره) المشؤوم..أليس الأمريكان هم من أوصل صدام للسلطة؟.

ينطبق على الفلسطينيين اليوم قانون الغاب الساري في البلد، فهم يسحقون ويبتزون مثل كل الفئات (الأقليات) الواقعة بين المطرقة والسندان ،حالهم مثل حال التركمان واليزيدية والكلدوآشوريين والشبك والكاكئية والصابئة. أليس كل هؤلاء أستعملهم صدام قسرا وترويعا وإغراءا وأستقطب نخبهم ،وكانوا سيطحنو لو عارضوا نزواته .

الفلسطينيون اليوم يعانون ضيما مركبا ،بين كونهم من أصول عربية والسلطة الغالبة والمسيرة (قومية كردية) تتوجس شرا بالعرب وتمارس سياسة(رحم الله من زار وخفف)،لكنها تستلطف جلب أكراد تركيا وسوريا وإيران وتهبهم أوراق أصولية وتسكنهم الموصل وكركوك. والأتعس بأن "أشقاؤنا" العرب مثل العجم، يصدرون لنا مفخخاتهم ويرومون نحرنا قربانا في صراعهم على السلطة مع الأمريكان. والأنكى من كل ذلك،والذي أساء لفلسطينيينا، أن أهل غزة مازالوا يرفعون صور صدام ويترحمون على عدي وقصي مما يثير غيض العراقيين.حتى قرأت تعليقا لأحدهم على موقع(دنيا الوطن) يفتي بأن يذبح العراق عن بكرة أبيه،ويجلب بمحل سكانه "المجاهدين" التائهين في طورا بورا والشيشان وتشاد و كل الأصقاع .

والأمر الأهم في ذلك ،بأن ثمة حرب طائفية مشتعلة أوارها اليوم، وتغذيها جهات داخلية وخارجية صاحبة مصلحة بها.وبهذه الفوضى ووسط الغابة، صنف الفلسطينيين من ضمن أهل السنة ، وشملوا مع ( أقلية) سنية تدافع "هكذا" عن سلطة قرون أبتلى بها شيعة العراق.وهكذا أراد عتاة الطائفيين من الشيعة أن يلصقوا بالفلسطينيين كل جرائم البعث الساقط جزافا،وبادر أساطينهم اليوم جلب الإيرانيين ليفرضوا بهم أمرا واقعا،على حساب فقراء الشيعة من أهلنا، والفئات (الأقليات الدينية) الوطنية المسحوقة، وكذلك الفلسطينيين.

أن فلسطينيينا قدموا منذ 55 عاما ،وهم بذلك محسوبين علينا..رضينا أم ابينا.وبالنتيجة فهم ذمة في أعناقنا،مثل أي عهد شرف قطعناه ، بالرغم من أننا نعيش حالة إنحطاط أخلاقي تداعى من حقبة البعث،ويمارس من طرف طبقات السلطة السياسية الجديدة. اللاجئون الفلسطينيون أخواننا في الدم بعدما شربوا مياه الفراتين ،ولم يمسهم سوء من أهلنا أيام الملكية أو الشهيد عبدالكريم قاسم بعدما أعانهم ووهبهم الحظوة،على خلاف العروبيين الذين تاجروا بهم.الفلسطينيون اليوم منا ، هم عراقيون بعقليتهم وإنتمائهم ومصيرهم،فأن غرق العراق غرقوا وأن تعافى فهم أولى من يبني البلد بإخلاص. أليس أحسن لنا من إستيراد العمالة من بنغلادش .أليس الأجدر أن نهبهم الجنسية العراقية ، وهم مؤهلون لها، وبذلك نرفع عنهم اللغط والقلق والضيم والحيف .

نهيب بأهل الضمائر الحية من شرفاء العراق ،والنخب الواعية الإنتباه الى ما يحيق بالبنية السكانية للبلد ،ونحذر الجميع من ماساة إنسانية قادمة ضد هؤلاء . ولنرفع صوتنا جميعا داعين بأولوية حماية الإنسان في العراق من مواطنين ووافدين ،على حساب فوضى الحرب و السياسة والاقتصاد الضاربة أطنابها. ومازال الأمل معقودا على أهل الخير للذود وإحياء وتكريس أخلاقنا الموروثة من تراثنا المجيد.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف