
قراءة في التأسيس والانطلاق "1-3" د. حسين ابو شنب
منظمة التحرير الفلسطينية.. خيمتنا.. كيف نحميها؟
اعادت الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت يوم الاربعاء 25/1/2006، الحياة الى روح منظمة التحرير، وجرى الماء متدفقا في شرايينها، وذرفت العيون دموعا، بكاء والما وحزنا على تلك الايام الخوالي التي كانت فيها رؤوسنا شامخة، والهامات عالية والفخار كبيرا، وانت تطوف العالم تحت خيمة منظمة التحرير الفلسطينية وبالتأكيد اكثر بكثير من السير تحت مظلة السلطة الوطنية التي لم تستطع ان تقوّم بنيانها بالقوائم الثابتة التي رسختها منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وهيئاتها واتحاداتها الشعبية وصندوقها القومي وجيش التحرير، وهي ذات الركائز التي اوصانا بها الزعيم القائد المؤسس الاستاذ احمد الشقيري الذي قال مودعا >تمسكوا بها، فان ضاعت ضاعت القضية< ومنها بالطبع مركز الابحاث، فخر الابداع في قراءة العدو واحياء الشخصية الوطنية، ذلك المركز الذي تتأثرت اوراقه وكتبه وملفاته دون وازع من ضمير او وعي او ادراك، ولكم ان تسألوا ميدان انصار في رمال غزة كيف كان حال مركز الابحاث.
اما وقد عادت الحياة الى روح منظمة التحرير، وكيف الحديث عن احيائها وتفعيلها، لغطا تارة واعتزازا تارة اخرى وتوفيقا ثالثة، فان الحديث عن التأسيس اصبح ضرورة للتعرف على الواقع والاقتراب نحو الصواب حتى لا نظلم ذلك التاريخ العظيم الذي تجسده منظمة التحرير الفلسطينية، ماضيا وحاضرا، ومستقبلا، وبغض النظر عن الاختلاف في الرأي على شأنها من حيث القيادة وليس من حيث الاطار والتكوين والمسيرة، فهي للجميع داخل القيادة او خارجها، وهي البيت الذي يجمعنا، والخيمة التي تظللنا، والمركب الذي حملنا الى الوطن، وجعل السلطة تداولا كما يحدث هذه الايام مع الحق في الاختلاف في السلطة وعن السلطة ومستقبل السلطة، رافضا في ذلك الدعوة لحل السلطة لانها كلمة باطل لا صدق في قولها شكلا ومضمونا، ودعاتها اصحاب مصالح خاصة جدا، لا ارتباط لها بالوطن والقضية والحق كذلك، ولذلك حديث يطول.
ونعود الى منظمتنا الخيمة ونسأل..
- لماذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية؟
- ما الظروف التي احاطت بانشائها؟
- وما عبقريتها؟ فكيف نعود لها؟
- وهل لا يزال فينا عاشق..؟
- ام ان عشقنا اليوم.. مروق؟
- وعن ذلك نجيب..
كانت النكبة، الخدعة والكذبة والادعاء والغفلة معا، وكان المخلصون اشقاء واصدقاء وابناء الوطن، وشعر الصادقون بما كان، وكان التهجير القسري وليس اللجوء، وكان القهر والظلم ودعوات الباطل، ومؤامرات التجويع والتخوين والتجهيل والتمريض، وكله من اجل الموت سريعا، ولا يكون لفلسطين وجود من بعد ذلك.
كانت ثورة الاحرار في مصر الكنانة الذين عاشوا على ارض فلسطين وعانوا معاناة شعب فلسطين، فأحيت هذه الثورة بقائدها الخالد ابدا جمال عبدالناصر، روح الحرية والنضال والثورة فبدأت خلاياها تنمو بهدوء مع نمو وانتشار الحركات القومية والشيوعية والاسلامية، واتخذت جميعها من مراكز الخدمات الاجتماعية لوكالة الغوث دارا للتعبير والاحياء والاستقطاب متكاملة في ذلك مع اللقاءات السرية، والمماحكات السياسية التي افرزت تنظيمات سياسية تعلن عن الحق في الحرية والتحرير والمطالبة بحمل السلاح، وهو ما استدعى تشكيل الفرقة الفدائية الاولى >ك 14< بقيادة الضابط المصري العظيم، مصطفى حافظ الذي قضى في رسالة ملغومة، لا يزال يحفظ له المحبة اهل فلسطين بعامة واهل قطاع غزة بخاصة، وللبطل من قبله احمد عبدالعزيز الذي قاتل مع اخوته ابناء فلسطين والمتطوعين المصريين في مكافحة مؤامرة النكبة، واصبح الرأي العام الفلسطيني والعربي مهيئا ليوم النصر والتحرير والوفاء.
الساحة الفلسطينية ساخنة، عاصفة ومصطلح الفدائيين >تياليم< لغة الاعلام والسياسة والحرب كذلك، واحتل الراديو صدارة الاحداث رغم ندرته وبدائيته، وكانت العيون محدقة نحو القائد الزعيم/ ابو خالد، والقلوب منشرحة للفدائيين، والنموذج قائم وقادر، واهل فلسطين مستعدون لان يكونوا طليعة الجيش او الجيوش، فكان العدوان الثلاثي، فسقطت غزة، وسينا وبور سعيد، واشتدت المواجهة وكان لا بد من برنامج صادق وسريع لتحرير فلسطين فتشكلت >العاصفة< >والثأر< وطلائع العودة، وغير ذلك مع جبهات وتنظيمات، وكان لا بد من قرار، يدفع نحو التحرير.
في ذلك الوقت تبدأ مؤامرة جديدة لفك الحصار عن دولة الاغتصاب، فكانت مؤامرة تحويل مياه نهر الاردن، وهي بالطبع لا تزال قائمة ولا تزال موضع خلاف وربما الخلاف اليوم بشأن طولها وعرضها الذي قد يصل الى البحر الابيض المتوسط في ضوء الخطة الاميريكية الصهيونية للاحياء الاقتصادي على تلك المنافذ المائية هنا وهناك، ولعل القول بمحور >فيلادلفيا< يأتي في هذا السياق ونردده وللاسف الشديد دون وعي او تدقيق.
كانت القمة العربية عام 1964، يدعى اليها ممثل لفلسطين احمد الشقيري، ويتم الاتفاق على انشاء منظمة التحرير الفلسطينية ويكلف الشقيري بالاعداد لاعلانها وتصبح مراقبا في جامعة الدول العربية، ممثلا شرعيا لفلسطين والفلسطينيين في كل مكان داخل الوطن وخارجه وفي كل مواطن الشتات.
وفي 28/5/1964، انعقد المجلس الوطني الفلسطيني الاول في مدينة القدس بلجنته التأسيسية وعددها >44< عضوا موزعين على الكفاءات الوطنية الفلسطينية >من كل انحاء فلسطين سواء داخل الوطن او البلاد العربية وغير العربية حيث التواجد الفلسطيني، واستطيع في هذه العجالة ان اجزم بان معظم اعضاء المجلس الوطني آنذاك من المثقفين، والقدرات الانتاجية ومن ذوي السمعة الطيبة، ورفعت من ذلك الوقت شعارها ا لثلاثي >وحدة وطنية، تعبئة قومية<، تحرير< واستطاعت منظمة التحرير الفلسطينية ان تخلق واقعا وطنيا وقوميا وعالميا، وان تؤسس لشخصية وطنية فلسطينية، وان تجعل الحدود العربية مع فلسطين المحتلة، ساخنة وجاذبة، وان تفتح المجال للمقاتلين من طلائع حركة فتح >العاصفة< ان تصل الى العمق الفلسطيني، وان تهدد حقيقة الكيان الصهيوني، وان تحرك المشاعر العربية، وان تعلن التنظيمات السياسية باتجاهاتها المتعددة عن فصائل مسلحة تشكل حالة جديدة في الوطن العربي، تسحب البساط من تحت اقدام الانظمة العربية بالوانها واطيافها، وان يصبح المجال جاهزا لاستقبال هذه الفصائل في اطار منظمة التحرير الفلسطينية بل وان تقود منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح، التي كان رئيسها والناطق باسمها ياسر عرفات >ابو عمار< على رأس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت هذه اللجنة القيادية بحق شاملة للقوى والكفاءات الوطنية الفلسطينية ودون استثناء، ومن الصواب للتاريخ ان نؤكد ان التيار الاسلامي الحديث لم يكن قائما آنذاك ولم يكن موقف مسبقا لاستثنائه، ولم يكن له انذاك فصيل مسلح او مقاوم يشارك الحالة الفلسطينية في صراعها مع العدو، واعوانه في المنطقة وفي التصدي لمحاولات، الالغاء والاتباع والوصاية والتصويت والاحتواء.
اذن منظمة التحرير شاملة للجميع دون استثناء.. - والباب اليوم مفتوح للجميع، وفق آليات جديدة.. وحتى لا نظلم منظمة التحرير يجب ان نفرق بين امرين.
الاول: اطار منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الخيمنة، البناء، الكيان، الدولة المعنوية، العنوان، الصمود، التحدي، النصر، القرار الوطني المستقل، الحوارات الوطنية الشاملة، احياء التراث، لملمة الشتات، الانتصار على القهر والظلم، الشموخ، العطاء، الحضور العربي والاسلامي والدولي، والتأثير في حركات التحرير العالمية، والامم المتحدة جنبا الى جنب مع دول العالم، القضاء على دعايات التخوين والعجز والهوان، الاعتراف العالمي الذي فاق الاعتراف بالدولة الاسرائيلية على الاقل ما يزيد عن الثلث طبعا قبل اوسلو، ثم الاحياء للاتحادات الشعبية المتعددة في كل المجالات ومشاركاتها الاقليمية والدولية، بل وقدرة هذه الاتحادات آنذاك >وليس اليوم< على التأثير في القرار العربي والعالمي وفق التخصص، والحضور الاعلامي المتفوق، وحالة الجذب والاستقطاب التي افرغت الكثير من الاحزاب العربية الكبيرة من جماهيرها، والادلة كثيرة، حتى اصبحت منظمة التحرير وهيئاتها حاضنة للاحرار من كل مكان، اقليميا وعالميا، واصبحت اطارا يستوعب الجميع على طريق النضال والتحرير، تمغ الهوية الوطنية النضالية وليست هوية نظرية والادلة كثيرة.
الامر الثاني: قيادة المنظمة >اللجنة التنفيذية<
لا يختلف اثنان على ان اللجنة التنفيذية الحالية لا تمتلك نصابا قانونيا بعد غياب اخوة اعزاء، موتا او اعتقالا، او خارج الوطن، بالاضافة الى حالة الاهمال التي قبلت بها منذ اتفاق اوسلو عام 1993، ورضيت بالتهميش لها وللهيئات العاملة وتهميش الاتحادات الشعبية التي يتقلد امناؤها واعضاؤها وظائف عالية جدا ودون فاعلية في اي حال هم فيه >وصاحب بالين كذاب< بالاضافة الى عدم اتاحة الفرصة امام الواعدين، واغلاق الباب في وجه الراغبين في التغيير والتجديد والتحديث واعداد الكوادر، ولعل القائلين بعدم الاعتراف بالمنظمة يقصدون اللجنة التنفيذية وليس الاطار والعنوان والبيت، ونحقق في ذلك معهم، وآن الاوان لأن نعمل جاهدين لتجديد منظمة التحرير وتفعيل قيادتها اولا، وهيئاتها، واتحاداتها، ولجانها، وفي المقدمة من ذلك المجلس الوطني الذي هو الآخر غاب دون مبرر، ودون تفسير، وغير مقبول هذا الغياب وحتى اليوم، ولعل الدعوة التي اطلقها الاخ ابو الاديب مؤخرا عن تشكيل لجان لاحياء المجلس وتفعيله وتجديده ليكون مؤسسة وطنية تشريعية ورقابية وثقافية وسياسية مرجعية بحكم القانون والنظام، وان يعود لحضوره اليومي في كل الفعاليات والتحركات، وان يسهم اعضاؤه في الوفود المختلفة للانشطة البرلمانية العربية والدولية، وان يعود لاعضاء المجلس الوطني حقهم في التفاعل وفق برنامج يتم اعداده وتنفيذه حتى لا يبقى هؤلاء الاعضاء مجرد افراد يلتقون للتمرير وليس للتفعيل.
- اذن منظمة التحرير بيتنا وعنواننا وللجميع.
- واما اللجنة التنفيذية.. نختلف ونتفق حولها.
- آن الآوان ان تجد مكانا يتسع للجميع داخل وخارج الوطن.
- منظمتنا.. مرجعية وطنية وسياسية ونضالية للجميع.
- ومن حق الفعاليات الوطنية القادرة والنشطة والمتميزة ان يكون لها ايضا مكانها في هذه المنظمة.
تلك هي منظمة التحرير الفلسطينية بعطائها وتحدياتها وعبقريتها وقدرتها على الاستمرار.. فكيف نعود اليها؟
وحتى نعود..
لا بد من قراءة المرحلة بخاصة بعد الانتخابات التشريعية، وعودا على الماضي فقد مرت منظمة التحرير بعد الرئيس المؤسس احمد الشقيري وخليفته يحيى حمودة، بمرحلة قيادة الزعيم ياسر عرفات وحركة فتح التي تعاونت بشكل اساسي مع المستقلين والكفاءات ولم يكن لحركة فتح فيها سوى اثنين او ثلاثة على الاكثر والاغلبية للمستقلين وكان في تنازع على قيادة المعارضة >الصاعقة والجبهة الشعبية< رغم ان الشعبية اكثر حضورا بين الجماهير على عكس الصاعقة ذات القوة النظامية التي ننتمي اليها، وظلت الشعبية في قيادة المعارضة بجدارة حتى اوسلو وما بعد الانتفاضة 1987، 1996، 2000، ليبرز بقوة التيار الاسلامي، حماس والجهاد، وتتربع حركة حماس على عرش المعارضة، حتى الانتخابات التشريعية الثانية فتتقدم حركة حماس الى صف القيادة التنفيذية وتتراجع حركة فتح الى صف المعارضة في محاولة لصياغة قد يساعدها في قيادة المعارضة، وذلك يتطلب قراءة جديدة لمعنى المعارضة ومتطلباتها.
اذن العودة تتطلب ما يلي:
1- التفكير الجدي في التغيير والتجديد والتحديث والابتعاد عن التأليه والخلود الابدي للاشخاص في المواقع حتى وان كان مرشح الحزب او الفصيل، بغرض احداث تنافس واحياء بين الافراد لتحقيق الافضل.
2- اعادة القراءة للفصائل والتنظيمات وامتداداتها وامكانياتها وافرادها المرشحين بحيث لا يكون في هذه المواقع القيادية الا من يستحق ذلك وفق معايير جديدة تتوافق مع العصر والمرحلة والواقع فلا يكفي ان يرشح الفصيل فلانا وفقط بل لا بد ان يخضع لمعايير تؤهله لان يكون في موقع القيادة العليا.
3- تحديث ميزان المشاركة فليس صوابا ان تبقى حركة حماس خارج اللجنة التنفيذية او متعادلة مع اي من الجبهات بعدما استطاعت ان تحقق اغلبية برلمانية ولا بد من توافق على حجمها في اطار منظمة التحرير وكذلك حركة الجهاد الاسلامي، وايضا حركة المثقفين والكفاءات وليس الولاءات فقط.
4- ان نعيد قراءة الواقع السياسي وامكانية توفير المكان لاجتماع المجلس الوطني واللجنة التنفيذية بشكل دوري او طارئ من اجل ان تبقى هذه المنظمة انجازا وطنيا تاريخيا، وخيمة نحتمي بها ونستظل بظلها، فلا يطغى عليها حب السلطة او رغبة الاستئثار، او التمسك بالمصلحة الخاصة ليبقى كل في صومعته لا يقترب منه جديد.
ونصل الى الختام ونقول..
احياء منظمة التحرير يرتبط ارتباطا قويا بالقدرة على تحمل المسؤولية من ناحية، والايمان بضرورتها حتى يتحقق ما قامت من اجله وليس من اجل ما يستجد من معطيات قد تعجب بعضنا ولا يقبل بها بعضنا، لأن منظمة التحرير اطارنا الاوسع الذي يتسع للجميع من اجل ما يؤمن به الجميع، وهو بحق ثوابتنا الوطنية وحقوقنا الشرعية غير القابلة للتصرف، ذلك عشقنا بحق وليس خيالا.. ولا بأس ان نتعلم من عدونا، نقرأ ونتأمل ونتعلم والصراع قائم حتى النصر.. وتبقى هي منظمة التحرير الفلسطينية، العنوان والخيمة.
عضو المجلس الوطني - استاذ الاعلام والاتصال
منظمة التحرير الفلسطينية.. خيمتنا.. كيف نحميها؟
اعادت الانتخابات التشريعية الثانية التي جرت يوم الاربعاء 25/1/2006، الحياة الى روح منظمة التحرير، وجرى الماء متدفقا في شرايينها، وذرفت العيون دموعا، بكاء والما وحزنا على تلك الايام الخوالي التي كانت فيها رؤوسنا شامخة، والهامات عالية والفخار كبيرا، وانت تطوف العالم تحت خيمة منظمة التحرير الفلسطينية وبالتأكيد اكثر بكثير من السير تحت مظلة السلطة الوطنية التي لم تستطع ان تقوّم بنيانها بالقوائم الثابتة التي رسختها منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها وهيئاتها واتحاداتها الشعبية وصندوقها القومي وجيش التحرير، وهي ذات الركائز التي اوصانا بها الزعيم القائد المؤسس الاستاذ احمد الشقيري الذي قال مودعا >تمسكوا بها، فان ضاعت ضاعت القضية< ومنها بالطبع مركز الابحاث، فخر الابداع في قراءة العدو واحياء الشخصية الوطنية، ذلك المركز الذي تتأثرت اوراقه وكتبه وملفاته دون وازع من ضمير او وعي او ادراك، ولكم ان تسألوا ميدان انصار في رمال غزة كيف كان حال مركز الابحاث.
اما وقد عادت الحياة الى روح منظمة التحرير، وكيف الحديث عن احيائها وتفعيلها، لغطا تارة واعتزازا تارة اخرى وتوفيقا ثالثة، فان الحديث عن التأسيس اصبح ضرورة للتعرف على الواقع والاقتراب نحو الصواب حتى لا نظلم ذلك التاريخ العظيم الذي تجسده منظمة التحرير الفلسطينية، ماضيا وحاضرا، ومستقبلا، وبغض النظر عن الاختلاف في الرأي على شأنها من حيث القيادة وليس من حيث الاطار والتكوين والمسيرة، فهي للجميع داخل القيادة او خارجها، وهي البيت الذي يجمعنا، والخيمة التي تظللنا، والمركب الذي حملنا الى الوطن، وجعل السلطة تداولا كما يحدث هذه الايام مع الحق في الاختلاف في السلطة وعن السلطة ومستقبل السلطة، رافضا في ذلك الدعوة لحل السلطة لانها كلمة باطل لا صدق في قولها شكلا ومضمونا، ودعاتها اصحاب مصالح خاصة جدا، لا ارتباط لها بالوطن والقضية والحق كذلك، ولذلك حديث يطول.
ونعود الى منظمتنا الخيمة ونسأل..
- لماذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية؟
- ما الظروف التي احاطت بانشائها؟
- وما عبقريتها؟ فكيف نعود لها؟
- وهل لا يزال فينا عاشق..؟
- ام ان عشقنا اليوم.. مروق؟
- وعن ذلك نجيب..
كانت النكبة، الخدعة والكذبة والادعاء والغفلة معا، وكان المخلصون اشقاء واصدقاء وابناء الوطن، وشعر الصادقون بما كان، وكان التهجير القسري وليس اللجوء، وكان القهر والظلم ودعوات الباطل، ومؤامرات التجويع والتخوين والتجهيل والتمريض، وكله من اجل الموت سريعا، ولا يكون لفلسطين وجود من بعد ذلك.
كانت ثورة الاحرار في مصر الكنانة الذين عاشوا على ارض فلسطين وعانوا معاناة شعب فلسطين، فأحيت هذه الثورة بقائدها الخالد ابدا جمال عبدالناصر، روح الحرية والنضال والثورة فبدأت خلاياها تنمو بهدوء مع نمو وانتشار الحركات القومية والشيوعية والاسلامية، واتخذت جميعها من مراكز الخدمات الاجتماعية لوكالة الغوث دارا للتعبير والاحياء والاستقطاب متكاملة في ذلك مع اللقاءات السرية، والمماحكات السياسية التي افرزت تنظيمات سياسية تعلن عن الحق في الحرية والتحرير والمطالبة بحمل السلاح، وهو ما استدعى تشكيل الفرقة الفدائية الاولى >ك 14< بقيادة الضابط المصري العظيم، مصطفى حافظ الذي قضى في رسالة ملغومة، لا يزال يحفظ له المحبة اهل فلسطين بعامة واهل قطاع غزة بخاصة، وللبطل من قبله احمد عبدالعزيز الذي قاتل مع اخوته ابناء فلسطين والمتطوعين المصريين في مكافحة مؤامرة النكبة، واصبح الرأي العام الفلسطيني والعربي مهيئا ليوم النصر والتحرير والوفاء.
الساحة الفلسطينية ساخنة، عاصفة ومصطلح الفدائيين >تياليم< لغة الاعلام والسياسة والحرب كذلك، واحتل الراديو صدارة الاحداث رغم ندرته وبدائيته، وكانت العيون محدقة نحو القائد الزعيم/ ابو خالد، والقلوب منشرحة للفدائيين، والنموذج قائم وقادر، واهل فلسطين مستعدون لان يكونوا طليعة الجيش او الجيوش، فكان العدوان الثلاثي، فسقطت غزة، وسينا وبور سعيد، واشتدت المواجهة وكان لا بد من برنامج صادق وسريع لتحرير فلسطين فتشكلت >العاصفة< >والثأر< وطلائع العودة، وغير ذلك مع جبهات وتنظيمات، وكان لا بد من قرار، يدفع نحو التحرير.
في ذلك الوقت تبدأ مؤامرة جديدة لفك الحصار عن دولة الاغتصاب، فكانت مؤامرة تحويل مياه نهر الاردن، وهي بالطبع لا تزال قائمة ولا تزال موضع خلاف وربما الخلاف اليوم بشأن طولها وعرضها الذي قد يصل الى البحر الابيض المتوسط في ضوء الخطة الاميريكية الصهيونية للاحياء الاقتصادي على تلك المنافذ المائية هنا وهناك، ولعل القول بمحور >فيلادلفيا< يأتي في هذا السياق ونردده وللاسف الشديد دون وعي او تدقيق.
كانت القمة العربية عام 1964، يدعى اليها ممثل لفلسطين احمد الشقيري، ويتم الاتفاق على انشاء منظمة التحرير الفلسطينية ويكلف الشقيري بالاعداد لاعلانها وتصبح مراقبا في جامعة الدول العربية، ممثلا شرعيا لفلسطين والفلسطينيين في كل مكان داخل الوطن وخارجه وفي كل مواطن الشتات.
وفي 28/5/1964، انعقد المجلس الوطني الفلسطيني الاول في مدينة القدس بلجنته التأسيسية وعددها >44< عضوا موزعين على الكفاءات الوطنية الفلسطينية >من كل انحاء فلسطين سواء داخل الوطن او البلاد العربية وغير العربية حيث التواجد الفلسطيني، واستطيع في هذه العجالة ان اجزم بان معظم اعضاء المجلس الوطني آنذاك من المثقفين، والقدرات الانتاجية ومن ذوي السمعة الطيبة، ورفعت من ذلك الوقت شعارها ا لثلاثي >وحدة وطنية، تعبئة قومية<، تحرير< واستطاعت منظمة التحرير الفلسطينية ان تخلق واقعا وطنيا وقوميا وعالميا، وان تؤسس لشخصية وطنية فلسطينية، وان تجعل الحدود العربية مع فلسطين المحتلة، ساخنة وجاذبة، وان تفتح المجال للمقاتلين من طلائع حركة فتح >العاصفة< ان تصل الى العمق الفلسطيني، وان تهدد حقيقة الكيان الصهيوني، وان تحرك المشاعر العربية، وان تعلن التنظيمات السياسية باتجاهاتها المتعددة عن فصائل مسلحة تشكل حالة جديدة في الوطن العربي، تسحب البساط من تحت اقدام الانظمة العربية بالوانها واطيافها، وان يصبح المجال جاهزا لاستقبال هذه الفصائل في اطار منظمة التحرير الفلسطينية بل وان تقود منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة حركة فتح، التي كان رئيسها والناطق باسمها ياسر عرفات >ابو عمار< على رأس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وكانت هذه اللجنة القيادية بحق شاملة للقوى والكفاءات الوطنية الفلسطينية ودون استثناء، ومن الصواب للتاريخ ان نؤكد ان التيار الاسلامي الحديث لم يكن قائما آنذاك ولم يكن موقف مسبقا لاستثنائه، ولم يكن له انذاك فصيل مسلح او مقاوم يشارك الحالة الفلسطينية في صراعها مع العدو، واعوانه في المنطقة وفي التصدي لمحاولات، الالغاء والاتباع والوصاية والتصويت والاحتواء.
اذن منظمة التحرير شاملة للجميع دون استثناء.. - والباب اليوم مفتوح للجميع، وفق آليات جديدة.. وحتى لا نظلم منظمة التحرير يجب ان نفرق بين امرين.
الاول: اطار منظمة التحرير الفلسطينية، البيت الخيمنة، البناء، الكيان، الدولة المعنوية، العنوان، الصمود، التحدي، النصر، القرار الوطني المستقل، الحوارات الوطنية الشاملة، احياء التراث، لملمة الشتات، الانتصار على القهر والظلم، الشموخ، العطاء، الحضور العربي والاسلامي والدولي، والتأثير في حركات التحرير العالمية، والامم المتحدة جنبا الى جنب مع دول العالم، القضاء على دعايات التخوين والعجز والهوان، الاعتراف العالمي الذي فاق الاعتراف بالدولة الاسرائيلية على الاقل ما يزيد عن الثلث طبعا قبل اوسلو، ثم الاحياء للاتحادات الشعبية المتعددة في كل المجالات ومشاركاتها الاقليمية والدولية، بل وقدرة هذه الاتحادات آنذاك >وليس اليوم< على التأثير في القرار العربي والعالمي وفق التخصص، والحضور الاعلامي المتفوق، وحالة الجذب والاستقطاب التي افرغت الكثير من الاحزاب العربية الكبيرة من جماهيرها، والادلة كثيرة، حتى اصبحت منظمة التحرير وهيئاتها حاضنة للاحرار من كل مكان، اقليميا وعالميا، واصبحت اطارا يستوعب الجميع على طريق النضال والتحرير، تمغ الهوية الوطنية النضالية وليست هوية نظرية والادلة كثيرة.
الامر الثاني: قيادة المنظمة >اللجنة التنفيذية<
لا يختلف اثنان على ان اللجنة التنفيذية الحالية لا تمتلك نصابا قانونيا بعد غياب اخوة اعزاء، موتا او اعتقالا، او خارج الوطن، بالاضافة الى حالة الاهمال التي قبلت بها منذ اتفاق اوسلو عام 1993، ورضيت بالتهميش لها وللهيئات العاملة وتهميش الاتحادات الشعبية التي يتقلد امناؤها واعضاؤها وظائف عالية جدا ودون فاعلية في اي حال هم فيه >وصاحب بالين كذاب< بالاضافة الى عدم اتاحة الفرصة امام الواعدين، واغلاق الباب في وجه الراغبين في التغيير والتجديد والتحديث واعداد الكوادر، ولعل القائلين بعدم الاعتراف بالمنظمة يقصدون اللجنة التنفيذية وليس الاطار والعنوان والبيت، ونحقق في ذلك معهم، وآن الاوان لأن نعمل جاهدين لتجديد منظمة التحرير وتفعيل قيادتها اولا، وهيئاتها، واتحاداتها، ولجانها، وفي المقدمة من ذلك المجلس الوطني الذي هو الآخر غاب دون مبرر، ودون تفسير، وغير مقبول هذا الغياب وحتى اليوم، ولعل الدعوة التي اطلقها الاخ ابو الاديب مؤخرا عن تشكيل لجان لاحياء المجلس وتفعيله وتجديده ليكون مؤسسة وطنية تشريعية ورقابية وثقافية وسياسية مرجعية بحكم القانون والنظام، وان يعود لحضوره اليومي في كل الفعاليات والتحركات، وان يسهم اعضاؤه في الوفود المختلفة للانشطة البرلمانية العربية والدولية، وان يعود لاعضاء المجلس الوطني حقهم في التفاعل وفق برنامج يتم اعداده وتنفيذه حتى لا يبقى هؤلاء الاعضاء مجرد افراد يلتقون للتمرير وليس للتفعيل.
- اذن منظمة التحرير بيتنا وعنواننا وللجميع.
- واما اللجنة التنفيذية.. نختلف ونتفق حولها.
- آن الآوان ان تجد مكانا يتسع للجميع داخل وخارج الوطن.
- منظمتنا.. مرجعية وطنية وسياسية ونضالية للجميع.
- ومن حق الفعاليات الوطنية القادرة والنشطة والمتميزة ان يكون لها ايضا مكانها في هذه المنظمة.
تلك هي منظمة التحرير الفلسطينية بعطائها وتحدياتها وعبقريتها وقدرتها على الاستمرار.. فكيف نعود اليها؟
وحتى نعود..
لا بد من قراءة المرحلة بخاصة بعد الانتخابات التشريعية، وعودا على الماضي فقد مرت منظمة التحرير بعد الرئيس المؤسس احمد الشقيري وخليفته يحيى حمودة، بمرحلة قيادة الزعيم ياسر عرفات وحركة فتح التي تعاونت بشكل اساسي مع المستقلين والكفاءات ولم يكن لحركة فتح فيها سوى اثنين او ثلاثة على الاكثر والاغلبية للمستقلين وكان في تنازع على قيادة المعارضة >الصاعقة والجبهة الشعبية< رغم ان الشعبية اكثر حضورا بين الجماهير على عكس الصاعقة ذات القوة النظامية التي ننتمي اليها، وظلت الشعبية في قيادة المعارضة بجدارة حتى اوسلو وما بعد الانتفاضة 1987، 1996، 2000، ليبرز بقوة التيار الاسلامي، حماس والجهاد، وتتربع حركة حماس على عرش المعارضة، حتى الانتخابات التشريعية الثانية فتتقدم حركة حماس الى صف القيادة التنفيذية وتتراجع حركة فتح الى صف المعارضة في محاولة لصياغة قد يساعدها في قيادة المعارضة، وذلك يتطلب قراءة جديدة لمعنى المعارضة ومتطلباتها.
اذن العودة تتطلب ما يلي:
1- التفكير الجدي في التغيير والتجديد والتحديث والابتعاد عن التأليه والخلود الابدي للاشخاص في المواقع حتى وان كان مرشح الحزب او الفصيل، بغرض احداث تنافس واحياء بين الافراد لتحقيق الافضل.
2- اعادة القراءة للفصائل والتنظيمات وامتداداتها وامكانياتها وافرادها المرشحين بحيث لا يكون في هذه المواقع القيادية الا من يستحق ذلك وفق معايير جديدة تتوافق مع العصر والمرحلة والواقع فلا يكفي ان يرشح الفصيل فلانا وفقط بل لا بد ان يخضع لمعايير تؤهله لان يكون في موقع القيادة العليا.
3- تحديث ميزان المشاركة فليس صوابا ان تبقى حركة حماس خارج اللجنة التنفيذية او متعادلة مع اي من الجبهات بعدما استطاعت ان تحقق اغلبية برلمانية ولا بد من توافق على حجمها في اطار منظمة التحرير وكذلك حركة الجهاد الاسلامي، وايضا حركة المثقفين والكفاءات وليس الولاءات فقط.
4- ان نعيد قراءة الواقع السياسي وامكانية توفير المكان لاجتماع المجلس الوطني واللجنة التنفيذية بشكل دوري او طارئ من اجل ان تبقى هذه المنظمة انجازا وطنيا تاريخيا، وخيمة نحتمي بها ونستظل بظلها، فلا يطغى عليها حب السلطة او رغبة الاستئثار، او التمسك بالمصلحة الخاصة ليبقى كل في صومعته لا يقترب منه جديد.
ونصل الى الختام ونقول..
احياء منظمة التحرير يرتبط ارتباطا قويا بالقدرة على تحمل المسؤولية من ناحية، والايمان بضرورتها حتى يتحقق ما قامت من اجله وليس من اجل ما يستجد من معطيات قد تعجب بعضنا ولا يقبل بها بعضنا، لأن منظمة التحرير اطارنا الاوسع الذي يتسع للجميع من اجل ما يؤمن به الجميع، وهو بحق ثوابتنا الوطنية وحقوقنا الشرعية غير القابلة للتصرف، ذلك عشقنا بحق وليس خيالا.. ولا بأس ان نتعلم من عدونا، نقرأ ونتأمل ونتعلم والصراع قائم حتى النصر.. وتبقى هي منظمة التحرير الفلسطينية، العنوان والخيمة.
عضو المجلس الوطني - استاذ الاعلام والاتصال