بين قراءة معطيات الواقع وسبر آفاقه بأمانة وتجرد، أو صناعة تلك المعطيات بل و«اصطناعها» لجهة تسويق رؤية أو اتجاه أو منظومة فكرية بأكملها، خيط رفيع يمتاز من خلاله فجر الأمانة والصدقية والموضوعية في تناول المعلومات والإحصاءات في مضمار البحث العلمي، من ليل التحيز والارتهان لمشاريع معنية، ولجهة أطراف وجهات باتت معروفة ومدركة.
ففي آخر استطلاع للرأي قامت به «مؤسسة زغبي العالمية لاستطلاع الرأي» وبرعاية مؤسسة «القيادات العربية الشاملة» بدبي، وشملت 3900 شاب عربي من كل من (المغرب ومصر والسعودية والإمارات العربية ولبنان والأردن)، فقد أظهرت نتائج هذا الاستطلاع أن «تحولات كبيرة جارية في الرأي العام العربي». ولعل أهم نتيجة خلص إليها ذاك الاستطلاع تمثلت في «اتجاه أنظار العرب إلى قضاياهم الداخلية، وانصراف اهتمامهم إليها، وارتباطهم ببلدانهم أكثر من غيرها».
لم يكن ما تقدم سوى مقدمة لقصف تمهيدي لعقولنا، ليتم الإعلان بعد ذلك عن أهم نتيجة متمخضة عن ذلك الاستطلاع الذي تعهدت بتسويق نتائجه عدد من القنوات الإعلامية العربية، وتمثلت تلك النتيجة في الإجابة التي استخلصها الاستطلاع عن تسلسل أهمية القضايا التي تهم «المنطقة العربية» حسب تعبير الاستطلاع، فجاء النزاع «الإسرائيلي ـ الفلسطيني»، هكذا تم التعبير عنه، في المرتبة السابعة من حيث الأهمية؟! بالمقارنة مع المرتبة الثانية في استطلاع سابق أجرته ذات المؤسسة عام 2002. ففيما احتلت قضية البطالة وحصول الشباب على فرص للعمل المرتبة الأولى بجدارة؟ مع ملاحظة درجة التباين في التفاؤل بين الشباب عينة الاستطلاع، فيما يخص إمكانية الحصول على فرصة عمل مناسبة، وهو الأمر الذي اتسم به الشباب السعوديون والإماراتيون فقط.
والغريب أنه على الرغم من المصاعب الاقتصادية الجمة التي تعاني منها مجتمعاتنا، وسيطرة الهاجس المعيشي اليومي على طموحات الشباب وآمالهم، إلا أن عينة البحث قد أبدت تفاؤلها بالمستقبل، وأن حياتهم أفضل مما كانت عليه حياة آبائهم؟ وهو الأمر الذي « فسره» المشرفون على الاستطلاع «بثقة» الشباب بقدرة مجتمعاتهم وحكوماتهم على تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تكتنف مجتمعاتنا!؟.
وليواصل الاستطلاع قصف عقولنا، ويعلن بثقة عالية ارتداد الشباب العربي عن التعريف بأنفسهم من خلال الانتماء إلى العروبة أو الإسلام لصالح «التعريف بأنفسهم بالرجوع إلى بلدانهم» وهوياتهم القطرية الضيقة. وهو ما عنى في رأي مشرفي الاستطلاع منح الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في كل دولة عربية «فرصة لتعبئة مواطنيها باتجاه الجهود الرامية لحل المشكلات، وتحسين مستوى حياة المجتمعات في هذه الدول».
كما رصد الاستطلاع تغير لجهة الموافقة على «عمل المرأة ومساهمتها في الحياة العامة»، وفي نظرة الشباب إلى المرأة بوجه عام، ودورها المستقبلي في المشاركة في صياغة ملامح المجتمع المأمول.
تقويض الهوية شباب الأمة هو ما حاول ذلك الاستطلاع إيهامنا بوقوعه وحصوله، أو الترويج لفكرة وجوب تحققها عملياً من خلال ربطها بتجاوز محن الواقع المعيشي المأزوم وفردوس النعيم القطري المنتظر والموعود. ولما كانت «فلسطين» القضية الأكثر تعبيراً عن مدى ارتباط الفرد بهويته الحضارية العربية والإسلامية، و«الترمومتر» الأكثر صدقية لقياس مدى التمسك بها والتفاعل معها، فقد تم التركيز على تراجع أهميتها ومركزية أولوياتها لدى الشباب العربي في ذلك الاستطلاع. وبالتساوق مع ذلك «ضرب» مفهوم الانتماء إلى العروبة أو الإسلام بوصفهما العنصرين المهيمنين في تكوين هويتنا الحضارية، وصولاً إلى تقويض الجانب الأخلاقي في هويتنا ومجتمعاتنا، وهو الجانب الذي تمثله «المرأة» بوصفها عماده وأسه الناظم، وفبركة رؤية جديدة لدورها ومساهمتها في صناعة المجتمع.
فهل كان الاستطلاع أميناً لجهة التعبير عن صدقية نتائجه؟ أم أن الإجابة الفطرية التي يبتدر بها الإنسان العادي السؤال عن موقع «فلسطين» وأهميتها في حياته اليومية، والتعريف عن هويته الحضارية المستمدة من ثوابته الدينية ومكانة فلسطين فيها، هي التي تفند معطياته ونتائجه؟! يبدو أن الاستطلاع قد أريد له أن يندرج في سياق «هجوم» الديمقراطية الغربية على منطقتنا، كما هاجمتنا أساطيلها وجيوشها، ومحاولة إيهامنا بأن مستقبل أمتنا ونهوضها مرتهن بالتخلي عن ثوابتنا ومكونات هويتنا، والتشاغل عنها بتكريس النزعة القطرية وترسيخها من خلال الانكباب على تفاصيل تنظيم انتخابات تشريعية تلف المنطقة برمتها، ولو كانت جزئية وتحت نصال الاحتلال؟.
ففي آخر استطلاع للرأي قامت به «مؤسسة زغبي العالمية لاستطلاع الرأي» وبرعاية مؤسسة «القيادات العربية الشاملة» بدبي، وشملت 3900 شاب عربي من كل من (المغرب ومصر والسعودية والإمارات العربية ولبنان والأردن)، فقد أظهرت نتائج هذا الاستطلاع أن «تحولات كبيرة جارية في الرأي العام العربي». ولعل أهم نتيجة خلص إليها ذاك الاستطلاع تمثلت في «اتجاه أنظار العرب إلى قضاياهم الداخلية، وانصراف اهتمامهم إليها، وارتباطهم ببلدانهم أكثر من غيرها».
لم يكن ما تقدم سوى مقدمة لقصف تمهيدي لعقولنا، ليتم الإعلان بعد ذلك عن أهم نتيجة متمخضة عن ذلك الاستطلاع الذي تعهدت بتسويق نتائجه عدد من القنوات الإعلامية العربية، وتمثلت تلك النتيجة في الإجابة التي استخلصها الاستطلاع عن تسلسل أهمية القضايا التي تهم «المنطقة العربية» حسب تعبير الاستطلاع، فجاء النزاع «الإسرائيلي ـ الفلسطيني»، هكذا تم التعبير عنه، في المرتبة السابعة من حيث الأهمية؟! بالمقارنة مع المرتبة الثانية في استطلاع سابق أجرته ذات المؤسسة عام 2002. ففيما احتلت قضية البطالة وحصول الشباب على فرص للعمل المرتبة الأولى بجدارة؟ مع ملاحظة درجة التباين في التفاؤل بين الشباب عينة الاستطلاع، فيما يخص إمكانية الحصول على فرصة عمل مناسبة، وهو الأمر الذي اتسم به الشباب السعوديون والإماراتيون فقط.
والغريب أنه على الرغم من المصاعب الاقتصادية الجمة التي تعاني منها مجتمعاتنا، وسيطرة الهاجس المعيشي اليومي على طموحات الشباب وآمالهم، إلا أن عينة البحث قد أبدت تفاؤلها بالمستقبل، وأن حياتهم أفضل مما كانت عليه حياة آبائهم؟ وهو الأمر الذي « فسره» المشرفون على الاستطلاع «بثقة» الشباب بقدرة مجتمعاتهم وحكوماتهم على تجاوز الصعوبات الاقتصادية التي تكتنف مجتمعاتنا!؟.
وليواصل الاستطلاع قصف عقولنا، ويعلن بثقة عالية ارتداد الشباب العربي عن التعريف بأنفسهم من خلال الانتماء إلى العروبة أو الإسلام لصالح «التعريف بأنفسهم بالرجوع إلى بلدانهم» وهوياتهم القطرية الضيقة. وهو ما عنى في رأي مشرفي الاستطلاع منح الحكومات ومؤسسات المجتمع المدني في كل دولة عربية «فرصة لتعبئة مواطنيها باتجاه الجهود الرامية لحل المشكلات، وتحسين مستوى حياة المجتمعات في هذه الدول».
كما رصد الاستطلاع تغير لجهة الموافقة على «عمل المرأة ومساهمتها في الحياة العامة»، وفي نظرة الشباب إلى المرأة بوجه عام، ودورها المستقبلي في المشاركة في صياغة ملامح المجتمع المأمول.
تقويض الهوية شباب الأمة هو ما حاول ذلك الاستطلاع إيهامنا بوقوعه وحصوله، أو الترويج لفكرة وجوب تحققها عملياً من خلال ربطها بتجاوز محن الواقع المعيشي المأزوم وفردوس النعيم القطري المنتظر والموعود. ولما كانت «فلسطين» القضية الأكثر تعبيراً عن مدى ارتباط الفرد بهويته الحضارية العربية والإسلامية، و«الترمومتر» الأكثر صدقية لقياس مدى التمسك بها والتفاعل معها، فقد تم التركيز على تراجع أهميتها ومركزية أولوياتها لدى الشباب العربي في ذلك الاستطلاع. وبالتساوق مع ذلك «ضرب» مفهوم الانتماء إلى العروبة أو الإسلام بوصفهما العنصرين المهيمنين في تكوين هويتنا الحضارية، وصولاً إلى تقويض الجانب الأخلاقي في هويتنا ومجتمعاتنا، وهو الجانب الذي تمثله «المرأة» بوصفها عماده وأسه الناظم، وفبركة رؤية جديدة لدورها ومساهمتها في صناعة المجتمع.
فهل كان الاستطلاع أميناً لجهة التعبير عن صدقية نتائجه؟ أم أن الإجابة الفطرية التي يبتدر بها الإنسان العادي السؤال عن موقع «فلسطين» وأهميتها في حياته اليومية، والتعريف عن هويته الحضارية المستمدة من ثوابته الدينية ومكانة فلسطين فيها، هي التي تفند معطياته ونتائجه؟! يبدو أن الاستطلاع قد أريد له أن يندرج في سياق «هجوم» الديمقراطية الغربية على منطقتنا، كما هاجمتنا أساطيلها وجيوشها، ومحاولة إيهامنا بأن مستقبل أمتنا ونهوضها مرتهن بالتخلي عن ثوابتنا ومكونات هويتنا، والتشاغل عنها بتكريس النزعة القطرية وترسيخها من خلال الانكباب على تفاصيل تنظيم انتخابات تشريعية تلف المنطقة برمتها، ولو كانت جزئية وتحت نصال الاحتلال؟.