الحكومة الفلسطينية الجديدة.. وتحديات المرحلة القادمة!
بقلم : حسن ربعي
كما توقع الجميع, فازت حكومة هنية بثقة غالبية نواب المجلس التشريعي دون عناء, وأدى أعضائها اليمين الدستورية بعد يومين من السجال والجدال حول برنامجها السياسي , وتوافقه أو عدمه مع المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني, وسياسة مؤسسة الرئاسة ومنظمة التحرير, التي حظيت بنصيب الأسد في هذه النقاشات.
صحيح أن الفوز بثقة البرلمان لأية حكومة في العالم خطوة هامة, واجتياز عقبة, فشلت الكثير من الحكومات في العالم في اجتيازها, لكنها في الحالة الفلسطينية ـ وبالذات بالنسبة للحكومة الجديدة ـ ليست على هذا النحو, كما أنها ليست نهاية الصعاب, فهي بدايتها فقط, وحجم هذه الخطوة لا يتجاوز حجم نقطة ماء في محيط, بالنسبة للتحديات القادمة التي تنتظرها, والعقبات التي ستعترض طريقها, والمواجهات التي سيفرض عليها خوضها. فأمام هذه الحكومة أزمات كثيرة داخليا وخارجيا, وخيارات محدودة, وضغوطات إقليمية ودولية هائلة, وبانتظار شعبنا تهديدات بحصار أكثر قسوة, , وتدمير اقتصاد, وعزلة دولية, كعقاب له على خياره الديمقراطي الذي يبدو أنه خرج عن معايير " الديمقراطية " التي تريدها أمريكا وإسرائيل وفق مقاسهما الخاص في المنطقة.
لذلك على الحكومة الجديدة شد الأحزمة, والاستعداد جيدا لمواجهة المستقبل القاتم القادم, الزاخر بالتحديات ونذر المواجهة.
على ضوء النقاشات الساخنة التي شهدتها قاعات التشريعي في رام الله وغزة على مدى يومين, وبروز الكثير من نقاط الخلاف بين حركة حماس وفصائل منظمة التحرير, وتفرد حماس بالسلطة ـ مع أنها وقفت بقوة في وجه هذا النهج حينما كانت في المعارضة ـ قد يتساءل أي مواطن فلسطيني عادي, هل ستصمد الحكومة أمام هذه التحديات؟ وألم يكن بالإمكان تجنب الدخول في هذه الأزمات, من خلال تشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم معظم ـ إن لم يكن جميع ـ القوى والفصائل على الساحة, وتكون قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ؟
بالتأكيد كان ذلك ممكنا لو توفرت النوايا الصادقة عند الجميع على التوصل لقاسم مشترك, أو اللقاء في منتصف الطريق.
هناك مثل عربي عامي يقول:" إذا بدك تطرد نسيبك, غلي مهر بنتك".. وهذا ما فعلته حركة حماس بكل جرأة بعد فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية وحصولها على أغلبية برلمانية لم تتوقعها, مكنتها من تشكيل حكومة حمساوية خالصة لا يشارك فيها أي فصيل فلسطيني آخر, لأن للحركة أهدافها اللاحقة. لذلك رفعت ثمن المشاركة, بتمسكها ببرنامجها السياسي بهذه القوة, ورفضها تضمين برنامج الحكومة بندا يعترف صراحة بوثيقة الاستقلال, وبالقانون الأساسي الفلسطيني الذي بموجب الفقرة 48 منه جرت الانتخابات ووصلت حماس للسلطة, وبمنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل حركة فتح عمودها الفقري, كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني, ومرجعية عليا للسلطة ومؤسساتها ـ كما بينت مداخلات رؤساء الكتل النيابية المشاركة في المنظمة قبل منح الثقة للحكومة ـ علما بأن المنظمة قد نالت هذا الاعتراف من أكثر من 150 دولة في العالم على مدى السنوات الماضية من النضال, حتى قبل وجود حركة حماس على خارطة العمل السياسي والنضالي الفلسطيني بعقود.
لقد تكللت معركة حماس الأولى مع حركة فتح بالنصر بعد أن نجحت في دحرها عن السلطة, واستحوذت عليها بالكامل , والدلائل على الأرض تشير إلى أن ساعة الصفر للمواجهة الفاصلة قد حانت, وأن حماس تتجه نحو تحقيق نصر آخر, وهدفا استراتيجيا هاما للحركة, منظمة التحرير التي لها مع مؤسساتها ثأر قديم, وحسب تصريحات قادة الحركة فقد جاءت ساعة الحساب, وكافة الظروف مهيأة اليوم أمامها لتضع شروطها للدخول في هذه المنظمة, والتعامل معها, خاصة وأنها طالما سعت للدخول فيها في السابق بشروط كان القبول بها بالنسبة للفصائل الأخرى ـ حتى الأمس القريب ـ أحد أشكال المستحيل, فما كانت تطالب به من تمثيل, فاق في تلك الفترة حجمها على الساحة بكثير.
بغض النظر عن الأسباب وأولها " خراب البيت " الفتحاوي, هناك حقيقة لا ينكرها أحد, وهي أن حماس حققت أحد أهدافها وتتربع اليوم دون منافس على عرش السلطة. ولكن ماذا بعد؟
هل تركز حماس كل جهودها لإصلاح المنظمة, أو الاستحواذ عليها, وينتهي الأمر عند هذا الحد؟..أم أن هناك مواجهات أخرى أكثر خشونة وضراوة بانتظار الحركة؟.. وهل ستتمكن حماس من التغلب على الأزمات القادمة, ومواجهة التحديات على الجبهتين الداخلية والخارجية؟
نتمنى ذلك مع إدراكنا التام لحجم هذه التعقيدات والتحديات, التي تنتظر الحكومة الجديدة, والمعارك الفاصلة التي عليها ليس فقط خوضها, وإنما الانتصار فيها.
ثلاثة ملفات شائكة وبالغة التعقيد, كونها مترابطة ومتداخلة, تشكل تحد كبير للحكومة الجديدة, وعليها أن تعد جيدا لمواجهتها, وفك رموزها وطلاسمها, فالإخفاق في مواجهة أحدها يعني الفشل بكل معانيه ومرارة تجرعه.
• الملف الأول, الجبهة الداخلية: لا يختلف اثنان في أن حركة حماس ما كان لها أن تحقق هذا الفوز لو اعتمدت برنامجا سياسيا يتحدث فقط عن المقاومة, أو عن عروبة فلسطين من البحر إلى النهر, لكنها حظيت بثقة الجزء الأكبر من بين أصحاب حق الاقتراع من أبناء شعبنا الذين منحوها الثقة, بناء على أساس برنامج اجتماعي, واقتصادي يرتكز على إصلاح أخطاء المرحلة السابقة ومحاربة الفساد وهدر المال العام, والقضاء على ظاهرة الفلتان الأمني وتوفير الأمن للمواطن وفرص العمل وتحسين الظروف المعيشية والنمو الاقتصادي, وغير ذلك من الوعود, وهو برنامج طموح لا يمكن أن يعرقله فلسطيني عاقل, لكن ستكون هناك عقبات كبيرة أمام تحقيقه أولها الاحتلال, إضافة إلى مجموعة من تجار الحرب والمنتفعين من أخطاء المرحلة السابقة, وكذلك وقف المعونات من الدول المانحة, التي تربط استمرارها بإدخال تعديلات كثيرة على برنامج حماس السياسي, وانخفاض حجم المساعدات من الدول العربية والإسلامية, التي نلاحظ أن حركة حماس ومن خلال تصريحات مسئوليها ستعتمد بشكل كبير على هذه المساعدات لتأمين رواتب موظفي السلطة وتغطية بعض النفقات الأخرى لها, وهنا علينا أن نعترف بصراحة ـ من خلال تجارب السنوات الماضية ـ أنه لا يمكن الرهان على هذه الوعود بالمساعدات, والمراهن عليها يكون أشبه بمن ينظر إلى السراب يحسبه ماء.
ولا نبالغ حين نقول أن الإخفاق على هذه الجبهة بالتحديد هو الأكثر خطورة على الحكومة الجديدة ويعني فشلها, لا بل نهايتها.
• الملف الثاني, الجبهة الإسرائيلية: وقد تعتبر الأكثر تعقيدا وخطورة, ليس على الحكومة الجديدة فحسب, وإنما على الشعب الفلسطيني بشكل عام, خاصة وأن إسرائيل تحاصره برا, بحرا, وجوا, وتتحكم في قطرة الماء, رغيف الخبز, وحبة الدواء, ولا تأبه كثيرا بالمواثيق والأعراف الدولية إذا ما فكرت بفرض حصار اقتصادي خانق قد يكون وحده قادرا على إفشال الحكومة الجديدة. ثم أن إسرائيل قد تجد في حكومة فلسطينية لا تعترف بها أو بمرجعية عملية السلام وبخطة خارطة الطريق فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها بفرض وقائع جديدة على الأرض, وتمرير حلول أحادية الجانب, أولها ترسيم حدود من جانب واحد ـ كما وعد أولمرت ـ بهدف القضاء على أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة, وتبرير تنصلها من الاتفاقيات السابقة بحجة انعدام الشريك الفلسطيني, فحماس في نظرها ليست شريكا ما دامت لا تعترف بها, وسبق وأعلنت أكثر من مرة أنها لن تتفاوض مع حركة حماس ما لم تنبذ "العنف", وأنها ستقدم على تنفيذ خطوات عقاب جماعي بحق الشعب الفلسطيني الذي أوصل حماس للسلطة, ناهيك عن احتمالات قيامها بعملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ ولا نستغرب أن تكون هذه المرة بقرار دولي ـ للقضاء على ما تسميه خطر "الإرهاب" الفلسطيني, ففي عام 2003 احتاجت إسرائيل عملية واحدة فقط داخل الخط الأخضر استخدمتها كذريعة لإعادة احتلال الضفة الغربية, وأجزاء من قطاع غزة, وتدمير مقرات وأجهزة السلطة, وكل رموز السيادة الفلسطينية, وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات لأكثر من ثلاث سنوات داخل مبنى المقاطعة في رام الله حتى استشهاده.
• الملف الثالث, الشرعية الدولية: نجحت إسرائيل خلال السنوات السابقة بدعم أمريكي في تصنيف حركة حماس كحركة "إرهابية" تمارس "العنف", فهي لا تحظى باعتراف دولي أو لنقل محاولة حصار دولية إرضاء لإسرائيل والولايات المتحدة التي تمارس ضغوطا كبيرة على الاتحاد الأوروبي والدول المانحة الأخرى لعدم التعامل مع حركة حماس, أو إجراء أية اتصالات سياسية معها, وكذلك وقف المساعدات المالية عن سلطة فلسطينية على رأسها حماس. أمريكا كانت أول الدول التي طالبت باستعادة مساعدة مالية بقيمة 50 مليون دولار قدمتها للسلطة قبل فوز حركة حماس في الانتخابات, كما كانت أول الدول ـ إضافة إلى كندا ـ التي أعلنت عن تعليق المساعدات المالية, و حضرت على دبلوماسييها إجراء أية لقاءات مع أعضاء حكومة حماس مباشرة بعد أدائهم اليمين, وهذا أول الغيث. لا يمكن لأحد أن يراهن على تغيير هذه المواقف في المستقبل القريب إلا إذا غيرت حماس من مواقفها وأدخلت تغييرات جذرية على برنامجها السياسي, فكل شيء في السياسة له ثمن, والدعم الدولي للحكومة القادمة إذا أرادت حماس أن يستمر, ثمنه اعتراف الحركة بإسرائيل ونبذها "العنف" والكفاح المسلح كوسيلة لحل الصراع, وهذا ما لن تقدم عليه حماس ـ بالقليل ليس في المستقبل القريب ـ لأن في ذلك مقتلها, ونهاية مأساوية لتاريخها السياسي والنضالي.
مستقبل غامض بانتظار المنطقة بأسرها خلال الشهور القادمة, في ظل الواقع السياسي الجديد على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية يفرض على الحكومة الجديدة أن تستعد جيدا, وأن تكون في أقصى درجات الجاهزية لمواجهة كافة الاحتمالات.
ونحن على يقين تام بأن غالبية الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح ستكون القوة الداعمة والمساندة لهذه الحكومة في مواجهة هذه الصعاب لأن فتح أكثر من تدرك أن إفشال حماس ليس قوة لها, تماما كما لم يكن إفشالها قوة لحماس, فالخاسر الأوحد في كلتا الحالتين هو الشعب الفلسطيني والمستفيد هو الاحتلال. وعلى قيادة حماس أن تدرك حجم المخاطر المحدقة بشعبنا وبمشروعنا الوطني, كما عليها أن تتعامل بمسؤولية مع كل ما تم إنجازه خلال المرحلة السابقة حماية لمشروعنا الوطني , وأن تبقي على أبواب الحوار مع الفصائل الأخرى مفتوحة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني في أسرع وقت ممكن لمواجهة التحديات الكبيرة القادمة, وللحفاظ على الوحدة الوطنية لشعبنا الفلسطيني.
بقلم : حسن ربعي
كما توقع الجميع, فازت حكومة هنية بثقة غالبية نواب المجلس التشريعي دون عناء, وأدى أعضائها اليمين الدستورية بعد يومين من السجال والجدال حول برنامجها السياسي , وتوافقه أو عدمه مع المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني, وسياسة مؤسسة الرئاسة ومنظمة التحرير, التي حظيت بنصيب الأسد في هذه النقاشات.
صحيح أن الفوز بثقة البرلمان لأية حكومة في العالم خطوة هامة, واجتياز عقبة, فشلت الكثير من الحكومات في العالم في اجتيازها, لكنها في الحالة الفلسطينية ـ وبالذات بالنسبة للحكومة الجديدة ـ ليست على هذا النحو, كما أنها ليست نهاية الصعاب, فهي بدايتها فقط, وحجم هذه الخطوة لا يتجاوز حجم نقطة ماء في محيط, بالنسبة للتحديات القادمة التي تنتظرها, والعقبات التي ستعترض طريقها, والمواجهات التي سيفرض عليها خوضها. فأمام هذه الحكومة أزمات كثيرة داخليا وخارجيا, وخيارات محدودة, وضغوطات إقليمية ودولية هائلة, وبانتظار شعبنا تهديدات بحصار أكثر قسوة, , وتدمير اقتصاد, وعزلة دولية, كعقاب له على خياره الديمقراطي الذي يبدو أنه خرج عن معايير " الديمقراطية " التي تريدها أمريكا وإسرائيل وفق مقاسهما الخاص في المنطقة.
لذلك على الحكومة الجديدة شد الأحزمة, والاستعداد جيدا لمواجهة المستقبل القاتم القادم, الزاخر بالتحديات ونذر المواجهة.
على ضوء النقاشات الساخنة التي شهدتها قاعات التشريعي في رام الله وغزة على مدى يومين, وبروز الكثير من نقاط الخلاف بين حركة حماس وفصائل منظمة التحرير, وتفرد حماس بالسلطة ـ مع أنها وقفت بقوة في وجه هذا النهج حينما كانت في المعارضة ـ قد يتساءل أي مواطن فلسطيني عادي, هل ستصمد الحكومة أمام هذه التحديات؟ وألم يكن بالإمكان تجنب الدخول في هذه الأزمات, من خلال تشكيل حكومة ائتلاف وطني تضم معظم ـ إن لم يكن جميع ـ القوى والفصائل على الساحة, وتكون قادرة على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية ؟
بالتأكيد كان ذلك ممكنا لو توفرت النوايا الصادقة عند الجميع على التوصل لقاسم مشترك, أو اللقاء في منتصف الطريق.
هناك مثل عربي عامي يقول:" إذا بدك تطرد نسيبك, غلي مهر بنتك".. وهذا ما فعلته حركة حماس بكل جرأة بعد فوزها الساحق في الانتخابات التشريعية وحصولها على أغلبية برلمانية لم تتوقعها, مكنتها من تشكيل حكومة حمساوية خالصة لا يشارك فيها أي فصيل فلسطيني آخر, لأن للحركة أهدافها اللاحقة. لذلك رفعت ثمن المشاركة, بتمسكها ببرنامجها السياسي بهذه القوة, ورفضها تضمين برنامج الحكومة بندا يعترف صراحة بوثيقة الاستقلال, وبالقانون الأساسي الفلسطيني الذي بموجب الفقرة 48 منه جرت الانتخابات ووصلت حماس للسلطة, وبمنظمة التحرير الفلسطينية التي تشكل حركة فتح عمودها الفقري, كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني, ومرجعية عليا للسلطة ومؤسساتها ـ كما بينت مداخلات رؤساء الكتل النيابية المشاركة في المنظمة قبل منح الثقة للحكومة ـ علما بأن المنظمة قد نالت هذا الاعتراف من أكثر من 150 دولة في العالم على مدى السنوات الماضية من النضال, حتى قبل وجود حركة حماس على خارطة العمل السياسي والنضالي الفلسطيني بعقود.
لقد تكللت معركة حماس الأولى مع حركة فتح بالنصر بعد أن نجحت في دحرها عن السلطة, واستحوذت عليها بالكامل , والدلائل على الأرض تشير إلى أن ساعة الصفر للمواجهة الفاصلة قد حانت, وأن حماس تتجه نحو تحقيق نصر آخر, وهدفا استراتيجيا هاما للحركة, منظمة التحرير التي لها مع مؤسساتها ثأر قديم, وحسب تصريحات قادة الحركة فقد جاءت ساعة الحساب, وكافة الظروف مهيأة اليوم أمامها لتضع شروطها للدخول في هذه المنظمة, والتعامل معها, خاصة وأنها طالما سعت للدخول فيها في السابق بشروط كان القبول بها بالنسبة للفصائل الأخرى ـ حتى الأمس القريب ـ أحد أشكال المستحيل, فما كانت تطالب به من تمثيل, فاق في تلك الفترة حجمها على الساحة بكثير.
بغض النظر عن الأسباب وأولها " خراب البيت " الفتحاوي, هناك حقيقة لا ينكرها أحد, وهي أن حماس حققت أحد أهدافها وتتربع اليوم دون منافس على عرش السلطة. ولكن ماذا بعد؟
هل تركز حماس كل جهودها لإصلاح المنظمة, أو الاستحواذ عليها, وينتهي الأمر عند هذا الحد؟..أم أن هناك مواجهات أخرى أكثر خشونة وضراوة بانتظار الحركة؟.. وهل ستتمكن حماس من التغلب على الأزمات القادمة, ومواجهة التحديات على الجبهتين الداخلية والخارجية؟
نتمنى ذلك مع إدراكنا التام لحجم هذه التعقيدات والتحديات, التي تنتظر الحكومة الجديدة, والمعارك الفاصلة التي عليها ليس فقط خوضها, وإنما الانتصار فيها.
ثلاثة ملفات شائكة وبالغة التعقيد, كونها مترابطة ومتداخلة, تشكل تحد كبير للحكومة الجديدة, وعليها أن تعد جيدا لمواجهتها, وفك رموزها وطلاسمها, فالإخفاق في مواجهة أحدها يعني الفشل بكل معانيه ومرارة تجرعه.
• الملف الأول, الجبهة الداخلية: لا يختلف اثنان في أن حركة حماس ما كان لها أن تحقق هذا الفوز لو اعتمدت برنامجا سياسيا يتحدث فقط عن المقاومة, أو عن عروبة فلسطين من البحر إلى النهر, لكنها حظيت بثقة الجزء الأكبر من بين أصحاب حق الاقتراع من أبناء شعبنا الذين منحوها الثقة, بناء على أساس برنامج اجتماعي, واقتصادي يرتكز على إصلاح أخطاء المرحلة السابقة ومحاربة الفساد وهدر المال العام, والقضاء على ظاهرة الفلتان الأمني وتوفير الأمن للمواطن وفرص العمل وتحسين الظروف المعيشية والنمو الاقتصادي, وغير ذلك من الوعود, وهو برنامج طموح لا يمكن أن يعرقله فلسطيني عاقل, لكن ستكون هناك عقبات كبيرة أمام تحقيقه أولها الاحتلال, إضافة إلى مجموعة من تجار الحرب والمنتفعين من أخطاء المرحلة السابقة, وكذلك وقف المعونات من الدول المانحة, التي تربط استمرارها بإدخال تعديلات كثيرة على برنامج حماس السياسي, وانخفاض حجم المساعدات من الدول العربية والإسلامية, التي نلاحظ أن حركة حماس ومن خلال تصريحات مسئوليها ستعتمد بشكل كبير على هذه المساعدات لتأمين رواتب موظفي السلطة وتغطية بعض النفقات الأخرى لها, وهنا علينا أن نعترف بصراحة ـ من خلال تجارب السنوات الماضية ـ أنه لا يمكن الرهان على هذه الوعود بالمساعدات, والمراهن عليها يكون أشبه بمن ينظر إلى السراب يحسبه ماء.
ولا نبالغ حين نقول أن الإخفاق على هذه الجبهة بالتحديد هو الأكثر خطورة على الحكومة الجديدة ويعني فشلها, لا بل نهايتها.
• الملف الثاني, الجبهة الإسرائيلية: وقد تعتبر الأكثر تعقيدا وخطورة, ليس على الحكومة الجديدة فحسب, وإنما على الشعب الفلسطيني بشكل عام, خاصة وأن إسرائيل تحاصره برا, بحرا, وجوا, وتتحكم في قطرة الماء, رغيف الخبز, وحبة الدواء, ولا تأبه كثيرا بالمواثيق والأعراف الدولية إذا ما فكرت بفرض حصار اقتصادي خانق قد يكون وحده قادرا على إفشال الحكومة الجديدة. ثم أن إسرائيل قد تجد في حكومة فلسطينية لا تعترف بها أو بمرجعية عملية السلام وبخطة خارطة الطريق فرصة ذهبية لتحقيق أهدافها بفرض وقائع جديدة على الأرض, وتمرير حلول أحادية الجانب, أولها ترسيم حدود من جانب واحد ـ كما وعد أولمرت ـ بهدف القضاء على أية فرصة لإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة, وتبرير تنصلها من الاتفاقيات السابقة بحجة انعدام الشريك الفلسطيني, فحماس في نظرها ليست شريكا ما دامت لا تعترف بها, وسبق وأعلنت أكثر من مرة أنها لن تتفاوض مع حركة حماس ما لم تنبذ "العنف", وأنها ستقدم على تنفيذ خطوات عقاب جماعي بحق الشعب الفلسطيني الذي أوصل حماس للسلطة, ناهيك عن احتمالات قيامها بعملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية وقطاع غزة ـ ولا نستغرب أن تكون هذه المرة بقرار دولي ـ للقضاء على ما تسميه خطر "الإرهاب" الفلسطيني, ففي عام 2003 احتاجت إسرائيل عملية واحدة فقط داخل الخط الأخضر استخدمتها كذريعة لإعادة احتلال الضفة الغربية, وأجزاء من قطاع غزة, وتدمير مقرات وأجهزة السلطة, وكل رموز السيادة الفلسطينية, وحصار الرئيس الراحل ياسر عرفات لأكثر من ثلاث سنوات داخل مبنى المقاطعة في رام الله حتى استشهاده.
• الملف الثالث, الشرعية الدولية: نجحت إسرائيل خلال السنوات السابقة بدعم أمريكي في تصنيف حركة حماس كحركة "إرهابية" تمارس "العنف", فهي لا تحظى باعتراف دولي أو لنقل محاولة حصار دولية إرضاء لإسرائيل والولايات المتحدة التي تمارس ضغوطا كبيرة على الاتحاد الأوروبي والدول المانحة الأخرى لعدم التعامل مع حركة حماس, أو إجراء أية اتصالات سياسية معها, وكذلك وقف المساعدات المالية عن سلطة فلسطينية على رأسها حماس. أمريكا كانت أول الدول التي طالبت باستعادة مساعدة مالية بقيمة 50 مليون دولار قدمتها للسلطة قبل فوز حركة حماس في الانتخابات, كما كانت أول الدول ـ إضافة إلى كندا ـ التي أعلنت عن تعليق المساعدات المالية, و حضرت على دبلوماسييها إجراء أية لقاءات مع أعضاء حكومة حماس مباشرة بعد أدائهم اليمين, وهذا أول الغيث. لا يمكن لأحد أن يراهن على تغيير هذه المواقف في المستقبل القريب إلا إذا غيرت حماس من مواقفها وأدخلت تغييرات جذرية على برنامجها السياسي, فكل شيء في السياسة له ثمن, والدعم الدولي للحكومة القادمة إذا أرادت حماس أن يستمر, ثمنه اعتراف الحركة بإسرائيل ونبذها "العنف" والكفاح المسلح كوسيلة لحل الصراع, وهذا ما لن تقدم عليه حماس ـ بالقليل ليس في المستقبل القريب ـ لأن في ذلك مقتلها, ونهاية مأساوية لتاريخها السياسي والنضالي.
مستقبل غامض بانتظار المنطقة بأسرها خلال الشهور القادمة, في ظل الواقع السياسي الجديد على الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية يفرض على الحكومة الجديدة أن تستعد جيدا, وأن تكون في أقصى درجات الجاهزية لمواجهة كافة الاحتمالات.
ونحن على يقين تام بأن غالبية الفصائل الفلسطينية وعلى رأسها حركة فتح ستكون القوة الداعمة والمساندة لهذه الحكومة في مواجهة هذه الصعاب لأن فتح أكثر من تدرك أن إفشال حماس ليس قوة لها, تماما كما لم يكن إفشالها قوة لحماس, فالخاسر الأوحد في كلتا الحالتين هو الشعب الفلسطيني والمستفيد هو الاحتلال. وعلى قيادة حماس أن تدرك حجم المخاطر المحدقة بشعبنا وبمشروعنا الوطني, كما عليها أن تتعامل بمسؤولية مع كل ما تم إنجازه خلال المرحلة السابقة حماية لمشروعنا الوطني , وأن تبقي على أبواب الحوار مع الفصائل الأخرى مفتوحة لتشكيل حكومة ائتلاف وطني في أسرع وقت ممكن لمواجهة التحديات الكبيرة القادمة, وللحفاظ على الوحدة الوطنية لشعبنا الفلسطيني.