الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

النظام السياسي الفلسطيني ومراحل تكريس التوجه نحو التسوية بقلم:علاء فوزي ابو طه

تاريخ النشر : 2006-02-09
: النظام السياسي الفلسطيني ومراحل تكريس التوجه نحو التسوية:

لا يمكن حصر التحول الفكري للنظام السياسي الفلسطيني نحو التسوية بفترة زمنية محددة، إذ كانت تعلو وتهبط على سلم الأولويات بحكم عدة عوامل وضغوط ومؤثرات محلية وإقليمية ودولية، متغيرات تشكلها الأحداث على هذه المستويات فتؤثر بشكل أو بآخر في عملية التعاطي مع فكر التسوية، وكثيرة هي المنعطفات والمراحل التاريخية التي ساهمت في تبلور فكر التسوية بصورته الكاملة عند النظام السياسي الفلسطيني، حيث طرأت على هذا الفكر تحولات جعلته يتخلى أو يبتعد عن الإجماع الوطني الفلسطيني المتمثل في الميثاق الوطني الفلسطيني.

التسوية بكل أشكالها كانت مرفوضة رفضاً قاطعا، كما كانت مرفوضة قرارات الشرعية الدولية، كأساس قانوني لحل المشكلة الفلسطينية، وكانت المنظمة الفلسطينية تحمل لذلك مبررات، أن إسرائيل لا تعترف في برامجها السياسية بوجود الفلسطينيين والمنظمة، فبتالي لا غبار على موقفها من عدم الاعتراف هي الأخرى بإسرائيل، هذا الموقف ظهر منذ حرب 1948، وكما سبق الشارة في (الباب الأول) عن ولادة النظام السياسي الفلسطيني وتمايزه في أكثر من مناسبة عن الفكر السياسي العربي القومي، حتى أدركت الحركة الفلسطينية أن الوجود اليهودي في فلسطين شئ طبيعي ومسلم به، ولكن لم تقتنع تماما الحركة الفلسطينية بالتسليم بالوجود الإسرائيلي إلا بعد هزيمة حزيران/يونيو 1967، حيث مع وقوع النكسة وما أفرزته من معطيات أخذت حركة فتح وهي كبرى الفصائل الفلسطينية تندفع شيئاً فشيئاً على طريق بلورة صيغة من التعايش مع التجمع اليهودي في فلسطين، علما بأن الميثاق الوطني الفلسطيني في حينه لم يمثل أي تقدم في إيجاد توضيح موقف الفكر السياسي الفلسطيني من مسألة الوجود اليهودي في فلسطينين، ويعود هذا الغموض الذي اكتنف الفكر الفلسطيني من هذه المسألة إلى عقبتين وقفتا في طريق تطوره، الأولى تمثلت في أن الفكر بقي محصوراً، حتى مطلع السبعينات في نطاق هدف تحرير كامل الأراضي الفلسطينية ورفض أنصاف الحلول، الثانية أن هذا الفكر ظل غير قادر على تكوين صورة واضحة للإطار السياسي والقانوني الذي سيقرر فيه الشعب الفلسطيني مصيره.

لم تحدث هزيمة حزيران ونتائجها أي تغيير في موقف الرفض لكل أنصاف الحلول ولمختلف أشكال التسويات وفي هذا الصدد عبر الناطق الرسمي باسم حركة فتح (ياسر عرفات) قائلاً:" نحن لا نعترف بالتسويات السلمية. نحن لا نعترف أن للتسويات سوى معنى واحد: أنها الاستسلام ".

وهناك عدة عوامل أدت إلى تغير طفيف جري على التوجه الفلسطيني نحو التسوية، ومن هذه العوامل وأهمها، هو تعاظم تأثير الحركات الفلسطينية المنضوية تحت لواء المنظمة وتزايدت شعبيتها والتف حولها جماهير فلسطينية وعربية، وصارت تستقطب اهتمام قطاعات متزايدة من الرأي العام العالمي، ومن جهة أخرى فقد بينت الهزيمة التي لحقت بالجيوش العربية عدم واقعية التصورات حول إمكانية حسم الوجود الإسرائيلي، وأظهرت بعض الفصائل أن التعايش مع اليهود في فلسطين أمر لا مفر منه خاصة بعد إقرار عدد من الدول العربية بوجود إسرائيل.

احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة قد مهد الطريق أمام شعار"الدولة الفلسطينية الديمقراطية" وذلك في دورة المجلس الوطني التي انعقدت في القاهرة 1971، وسنحاول التوقف عند تلك العوامل التي دفعت بإتجاه طرح شعار"الدولة الديمقراطية" ومن ثم "السلطة الوطنية" ثم "الدولة الفلسطينية".

المطلب الأول: الأزمات المتعددة التي عاشتها منظمة التحرير الفلسطينية:

كانت فكرة التسوية حاضرة عند الفلسطينيين منذ ولادة النظام السياسي الفلسطيني، إلا أنها لم تتبلور واقيعا إلا عبر مجموعة من الأحداث أثرت على البنية والطبيعة التركيبية للنظام السياسي الفلسطيني، كما أثرت على تناوله بجدية طروح التسوية بعدما مرت المنظمة بأزمات وصدامات أدت إلى إنهاكها عسكريا مما وفر ذلك من القناعات الواقعية بالدخول في عملية التسوية علاوة ًعلى الظروف المحيطة التي هيأت وكرست هذا التحول، ومن هذه الأحداث :

أولا: الصدامات بين الجيش الأردني وفصائل حركة المقاومة الفلسطينية:

لقد مثل الحدث السياسي الذي طرأ في تموز/يوليو1970، موافقة كل من حكومتي مصر والأردن على مبادرة وزير الخارجية الأمريكية روجرز، التي تضمنت مبدأ يقضي بوقف إطلاق النار لمدة ثلاث اشهر، مما دفع قيادة الجبهة الشعبية إلى الانتقال من التوكيد على أهمية قيام الجبهة الوطنية أردنية –فلسطينية، إلى الدعوة الصريحة لتسليم حركة المقاومة الفلسطينية المسلحة السلطة في الأردن، وحسم ازدواجية السلطة لصالحها، في ظروف كان فيها التناقض بين منطق الدولة المستند إلى مفهوم الأمن القطري، ومنطق الثورة المستند إلى مفهوم الأمن القومي، قد وصل ذروة احتدامه، وكانت الثورة قد فقدت إلى حد كبير الغطاء العربي الذي استظلت فيه، في ظروف كهذه يكفي أن تندلع شرارة واحدة كي تشعل حريقا شاملا، ففي السابع من أيلول سبتمبر 1970، بعد إن استغلت الحكومة الأردنية حادثة خطف الطائرات التي قامت بها الجبهة الشعبية، ومن ثم تفجيرها في الأردن، قامت الحكومة الأردنية بحملة عسكرية واسعة تمخضت في تموز 1971، عن تصفية الوجود العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية وافتقادها قاعدة ارتكازها الرئيسية في الأردن، وبخروج حركة المقاومة من الأردن، دخلت مرحلة نوعية، عاشت خلالها في ظل حالة الانحسار الثوري وهاجس الحصار والخوف من التصفية الوشيكة، وتكونت لدى قيادة المنظمة قناعة بعد تلك الصدامات أن مشاريع "الكيان" و "الدولة" هي مشاريع مطروحة للتطبيق الفوري، حيث أشار السيد ياسر عرفات في مقابلة أجريت معه في العاشر من تشرين/نوفمبر نهاية 1970 إلى إجراءات "اتخذت بالفعل في الضفة الغربية لإعلان انفصال الضفة عن الأردن" مقدراً أن هناك "مخططا أمريكيا – إسرائيليا " يرمي إلى إقامة دولة فلسطينية مرتبطة بإسرائيل.

على اثر الاختلال الكبير في موازين القوى، تبين بأن المرحلية في النضال لم تعد مجرد قضية نظرية يمكن الاكتفاء برفضها مبدئيا، بل باتت قضية عملية وبهذا الصدد عبر الناطق الرسمي للجبهة الديمقراطية ( نايف حواتمة) "انه لم يعد ممكنا بعد أيلول 1970 أن تكتفي حركة المقاومة بمجموعة من الشعارات العامة ذات الطبيعة الاستراتيجية التاريخية مثل متابعة الكفاح المسلح تحت شعار التحرير الشامل"، أما صلاح خلف (أبو إياد) احد قيادي حركة فتح قال:"أن أي ارض يجلى عنها الاحتلال، لابد أن نقيم عليها السيادة الفلسطينية وان لا تعود للأردن".

هكذا كان الفكر السياسي الفلسطيني بدأ يثاقل نحو تبني منهج المرحلية في النضال ويستعد لدخول مرحلة نوعية في تاريخ تطوره.

ثانيا: الخروج من لبنان وتسريع وتيرة التسوية:

خرجت المقاومة من الأردن متجهة إلى لبنان لتكون لبنان ملجأ المنظمة منذ بداية السبعينات، هذه المرحلة الحرجة في تاريخ لبنان المعاصر حيث ترافق وجود المنظمة الفلسطينية في لبنان مع الحرب الأهلية اللبنانية والتي انطلقت منذ 1975، ولم تكن الفصائل الفلسطينية بمنأى عن تعقيدات هذه الظرفية في لبنان، ولكن وجود المنظمة في لبنان كان يرتكز على وجود قوة شعبية وعسكرية وسياسية، حيث أثبتت المقاومة الفلسطينية أن وجودها في لبنان ضروري، لتشكيل قيادة فلسطينية تستطيع أن تسير بالمنهج الوطني وهدف التحرير، وعادت المنظمة لتضع نفسها مرة أخرى في مواجهة التحولات السياسية في المنطقة والعالم، حيث أوشكت لبنان بالقيادة الفلسطينية إلى أن يتحول إلى دولة مارقة، تجمع جميع الثائرين عبر العالم والرافضين للمشروع الصهيوني والأمريكي، ونقطة مناهضة قوية في المنطقة للسياسات الغربية، وعت الولايات المتحدة وإسرائيل هذا الخطر الذي ينمو شيئاً فشيئاً، فكانت أن وجهت إسرائيل ضربة قوية للوجود الفلسطيني في لبنان في نفس الوقت الذي أبدى فيه الفلسطينيين استماتة للدفاع عن الوجود الفلسطيني في لبنان، ولكن لظروف إقليمية تمثلت في ترك المنظمة وحدها نهب هذا العدوان واحتلال بلد عربي دون أن يحرك العالم العربي ساكنا، وجاءت الصرخة المدوية لعرفات "يا وحدنا"، صرخة نمت عن ألم وحسرة من عدم تحرك أي نظام عربي ضد ما يجري من ذبح وتقتيل للفلسطينيين في لبنان، لتقطع بذلك شعرة سليمان إن كانت باقية للبعد القومي للقضية الفلسطينية، وكأن الأنظمة العربية أرادت أن توجه للمنظمة رسالة، أن استقلالية القرار السياسي الفلسطيني لم يخدم كثيراً القضية الفلسطينية، وفي ظروف الحصار في بيروت تحركت القيادات الفلسطينية للتفكير جديا هذه المرة في المرحلية والتسوية، وكان الحال أن وجهت للمنظمة ضربة قاضية تمثلت بخروج المنظمة منهكة من لبنان عبر وساطات دولية، برايات بيض تخرج على ظهر السفينة لتودع آخر معقل للمنظمة على حدود فلسطين، لتتوزع بعد ذلك على عدة عواصم عربية وعالمية متفرقة، لتدخل في سنوات التيه الثوري، وفي جملة بالغة الدلالة قال أبو عمار "إني أرى مآذن القدس"، ولكن هذه المرة لم يقصد فيها تحرير القدس بالكامل كهدف نهائي غير قابل للتجزئة، بل انه يرى مآذن القدس عبر التسويات السياسية، ذلك لأنه يدرك بأن المنظمة فقدت برحيلها عن لبنان القاعدة الآمنة التي كانت توفر لها حرية الحركة، وتضمن استقلالية قرارها، الأمر الذي جعلها وأكثر من السابق، تتعرض لضغوطات المحاور العربية المختلفة.

أن ابتعاد المنظمة عن خطوط التماس مع إسرائيل وتشتت قياداتها وتوزعها، خسرت المنظمة الفلسطينية إلى حد كبير ورقة الكفاح المسلح، التي استخدمت لتثبيت دورها كطرف اساسى لابد من مشاركتة في أي جهد يرمي إلى التوصل لتسوية الصراع العربي الإسرائيلي، في هذا السياق أبدى رئيس منظمة التحرير(ياسر عرفات) انفتاحا سياسيا ملموسا، فوافق على المشروع المشترك الذي تقدمت به الحكومتان المصرية والفرنسية.

ثالثا: إشكالية العلاقة بين الكفاح المسلح و النضال السياسي في الفكر الفلسطيني.

نستطيع القول هنا أنه أصبح هناك إدراك فلسطيني للازمة التي تعايشها منظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن حركة فتح وبحكم موقعها القيادي في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، لم تكن تقر بهذه الأزمة، و اعتبرت أن منظمة التحرير لا زالت قادرة على القيام بدروها تجاه التحديات المفروضة على القضية الفلسطينية.

إن منهج التسوية قد استعمل، بعد خروج المقاتلين الفلسطينيين من آخر نقطة للقتال في بيروت، بسبب تزايد المصاعب التي تحيط بالثورة الفلسطينية وافتقادها إلى مقومات الوجود والتحرك المستقل، وتزايد الضغوط و المزايدات العربية عليها.

أن أهم مساهمات الفكر السياسي لحركة المقاومة الفلسطينية في الفكر العربي عموما طرح مقولتي الكفاح المسلح، حرب التحرير الشعبية، كأداة لحل الصراع مع إسرائيل، على أساس أن هذا الصراع يمثل تناقضا عدائيا بين الطرفين، إن الكفاح المسلح في شكل الحرب الشعبية ضرورة يفرضها التفاوت الموضوعي في القدرات التكنولوجية للطرفين، فالحرب الشعبية هي إرادة الشعوب الضعيفة والأقل مقدرة من الناحية العسكرية في كفاحها ضد عدو أكثر قدرة وتقدما.

المسألة الأخرى المهمة التي أثرت في العمل العسكري الفلسطيني هي العلاقة بين العمل العسكري والعمل السياسي، إذ يثار الخوف من عملية النزوع العسكري والاتجاه نحو تقديس كل ما يتعلق بالبندقية وإعطائها أولوية على السياسة، علما بأن السياسة تأتي في البداية والنهاية. كذلك الكفاح المسلح ليس هدفا مجردا بحد، ذاته ولكنه أداة سياسية لتحقيق هدف عام، إن تحديد العلاقة بين العمل السياسي والعمل العسكري ينعكس على طبيعة التدريب والتثقيف ومعيار اختيار القيادات للأهداف والسياسات في الساحة الفلسطينية، ثم تقديس العمل العسكري وتفضيله على العمل السياسي يأتي من عدم ثقة الشعب الفلسطيني في إمكانية تطوير حلول سياسية تحقق المطالب العادلة للشعب الفلسطيني في استرداد حقوقه، لكن التزام الفكر السياسي الفلسطيني بالهدف النهائي للتحرير لم يمنعه من القبول بطرح حلول وسطية مرحلية (مثل طرح إقامة سلطة وطنية 1974 ) وان تسبب ذلك في توتر فلسطيني– فلسطيني في تلك الفترة.

كان من الواضح أن تحولين يبدوان متناقضين إستجدا على القضية الفلسطينية وأثرا على نهج التعاطي معها منذ منتصف السبعينات: الأول هو تصاعد الوطنية الفلسطينية بمستلزماتها و نتائجها، كالتأكيد علي الهوية الوطنية واستقلال القرار الفلسطيني وتبلور شكل من الكيانية الفلسطينية، و الثاني هو تراجع البعد القومي للقضية- بمفهومها الكلاسيكي- الذي يجعل الوحدة و تحرير فلسطين شرطان متلازمان و توالي المؤشرات الدالة علي أن القضية الفلسطينية لم تعد هي الشغل الشاغل للحكومات العربية، و لا حتى للشعوب العربية. و ما بين الوطنية الصاعدة كحقيقة فرضت نفسها علي العالم من جهة، أفول البعد القومي وما يترتب عنه من استحالة قيام حرب تحرير عربية تقضي علي إسرائيل من جهة أخري، انبثق فكر التسوية السلمية، تسوية حاولت أن تستثمر تراجع البعد القومي والعجز الرسمي العربي، وفي نفس الوقت تلحظ دوراً هامشياً للوطنية الفلسطينية الصاعدة، تسوية لا تمانع في تجاوز التعامل السابق مع الفلسطينيين كمجرد لاجئين، ولكنها في نفس الوقت تحد من طموحاتهم و أهدافهم الوطنية و تحاصر فكر و نهج الثورة، كانت التسوية التي تجعل من قرارات الشرعية الدولية أساساً للحل هي الإطار المناسب لتقريب مواقف مختلف الأطراف.

هكذا كانت غيوم التسوية تغطي سماء الشرق الأوسط، ولم يكن الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية بجاهلين للمنحدر الخطر الذي تهوي إليه القضية الفلسطينية كقضية قومية عربية، ولم يكونوا بجاهلين لاتساع الهوة يوماً بعد يوم ما بين الهدف الاستراتيجي(تحرير فلسطين) و الوسائل و الأدوات المتاحة لإنجاز هذا الهدف، كما كانوا يستشعرون الانفصال المتوالي و المتباعد المخطط و المنهج للأنظمة العربية عن التزاماتها بالقضية الفلسطينية. وغياب أي إرادة رسمية بالقتال وفي نفس الوقت صعوبة تطبيق استراتيجية حرب التحرير الشعبية العربية لتحرير فلسطين. هذه القناعة كانت وراء تغلل فكر التسوية للفكر السياسي لقيادة المنظمة، بل كان فكر التسوية حاضرا عند قادة المنظمة قبل أن يطبقه السادات عمليا في كامب ديفيد، كما يقول الدكتور إبراهيم أبراش بأن التفكير بالتسوية عند قيادة المنظمة يعود إلى عام 1970 عندما تم طرح فكرة الدولة الديمقراطية العلمانية، وكان تصور الدولة على انه ليست فقط أطارا سياسيا وقانونيا يمارس الشعب الفلسطيني من خلاله حقه في تقرير المصير، وإنما أيضا صيغة معقولة لمثل هذا التعايش بين العرب واليهود بعد تصفية الكيان الصهيوني.

حاولت القيادة الفلسطينية الانخراط في التسوية بعد شعار التحرير فانتقلت من شعار "السلطة الوطنية" إلى مطلب "الدولة المستقلة" وذلك في الفترة من 1973-1978، حيث دخلت الساحة الفلسطينية مخاضا معقدا، ترتبت عليه صراعات وانقسامات بالغة الأثر، واستمر المخاض حتى بعد أن أقرت القيادة في مجلسها الوطني برنامج "الدولة المستقلة" حيث استمر الصراع داخل فصائل الثورة والمنظمة يطل ويخبو، تبعا لطبيعة التطورات والتحولات السياسية المتعلقة بمسار “التسوية".

إذ أن العوامل الرئيسية التي حفزت عدد من القوى وبعض القيادات الفلسطينية إلى الانعطاف نحو ما أطلق عليه (المرحلية) في الوصول إلى الأهداف، تتصل برؤية راحت تتجذر في تفكير بعض القيادات الفلسطينية، وتقوم على قناعة بأن "التسوية السلمية" بين العرب وإسرائيل وشيكة وان الخطر فيها على الفلسطينيين يأتي من احتمال أن تنتزع أطراف أخرى دور الممثل للشعب الفلسطيني بدلا عن منظمة التحرير، أو أن يسعى طرف عربي ما إلى التفاوض لإستعادة الضفة والقطاع بمعزل عن الفلسطينيين وإرادتهم.

جاءت حرب تشرين الأول /اكتوبر1973، بما وصلت إليها في نتائجها، كانت قد حركت المبادرات السلمية لحل أزمة الشرق الأوسط، في غضون تلك المبادرات، وأثناء تداولها، وفي ظل الحركة الدبلوماسية النشطة التي تلازمت معها، سارعت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية لتقطع مسافة على طريق السعي للانخراط في عملية التسوية، فعقدت دورة المجلس الوطني (12) في القاهرة يونيو1974، وخرجت ببرنامج عمل جديد أطلقت عليه (البرنامج المرحلي) وجاء فيه ما يلي:

1- تأكيد موقف منظمة التحرير الفلسطينية الرافض للقرار 242 الذي يطمس الحقوق الوطنية والقومية لشعبنا ويتعامل مع قضية شعبنا كمشكلة لاجئين، ولذا يرفض المجلس التعامل مع هذا القرار وعلى هذا الأساس في أي مستوى من مستويات التعامل العربية والدولية بما في ذلك مؤتمر جنيف.

2- تناضل منظمة التحرير ضد أي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة والتنازل عن الحق الوطني وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير مصيره فوق ترابه الوطني.

3- تناضل منظمة التحرير بكافة الوسائل وعلى رأسها الكفاح المسلح لتحرير الأرض الفلسطينية، وإقامة سلطة الشعب الوطنية المستقلة المقاتلة على كل جزء من الأرض الفلسطينية التي يتم تحريرها، وهذا يستدعي إحداث المزيد من التغيير في ميزان القوى لصالح شعبنا ونضاله.

4- أن أية خطوة تحريرية تتم هي لمتابعة تحقيق استراتيجية م.ت.ف في إقامة الدولة الفلسطينية الديمقراطية المنصوص عليها في قرارات المجالس الوطنية السابقة.

يعتبر ذلك تحولا نوعيا في سياسة المنظمة الفلسطينية، إلا أن هذا التحول المذكور في سياسة قيادة المنظمة لم يصل إلى القبول بالقرار(242) الصادر عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي في يونيو 1967، والذي يعد قبوله شرطاً أمريكيا لبدء الحوار مع المنظمة، لأن القرار المذكور ينطوي على الاعتراف بدولة إسرائيل، وكان الشرط المسبق لإمكانية مشاركة المنظمة في مؤتمر جنيف مع الوفود العربية الأخرى، وهو ما حفز القيادة الفلسطينية لاجتراح السبل تمهيدا للإعلان عن الاستعداد للاعتراف بدولة إسرائيل.

إن ما يستدعي الانتباه في مجال المساعي الفلسطينية للتأهل إلى المشاركة في المفاوضات، والمضي في سبيل هذا الهدف إلى اختراق المحرمات الوطنية، وهو أن الطرح الأمريكي للشأن الفلسطيني في مفاوضات جنيف (1977) كان يقف عند فكرة "وطن للفلسطينيين سيأخذ شكل كيان مستقل أو كجزء من الأردن أو كعضو في اتحاد كنفدرالي يضم الأردن وسوريا". وقد جاءت الفكرة في مشروع الرئيس الأمريكي "جيمي كارتر" (مارس1977) خلواً من أية إشارة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، ويلفها الإبهام فيما يقصد بـ"الوطن للفلسطينيين" ؟

شهد العام 1977 جهود دولية وإقليمية للتسوية، وتوجت هذه الجهود بزيارة السادات لإسرائيل في 19 تشرين الثاني/أكتوبر 1977، فعندما أصبح واضحا أن سياسة الرئيس جيمي كارتر تفضل معاهدة تسوية شاملة يتم التفاوض عليها من خلال مؤتمر سلام، ونتيجة لتعثر بعض أوجه المساعي نحو ذلك، قررت الولايات المتحدة أن تمارس أقصى ما في وسعها من ضغوط على الطرفين من اجل الوصول إلى اتفاق من خلال مؤتمر القمة الثلاثي الذي عقد في كامب ديفد في 5-17/أيلول-سبتمبر/1978.وكانت حصيلة المؤتمر التوقيع على اتفاقيتين، وتبادل رسائل بين الأطراف المشتركة.

الأولى: هي "إطار السلام في الشرق الأوسط" وقد أكدت على تحقيق السلام وفقاً لروح المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، والقرارين 338، 242، وان هذا السلام يتعزز بعلاقة تعاون بين الدول التي تتمتع بعلاقات طيبة، وان التسوية تكون عن طريق معاهدة سلام وطرحت مشروع الحكم الذاتي باعتباره حلا لمشكلة الضفة الغربية وغزة، ونصت كذلك على ضرورة عدم استخدام القوة لتسوية المنازعات، وان تتم تسوية المنازعات وفق المادة 33 من ميثاق الأمم المتحدة، وطالبت الوثيقة من الأطراف أن يقيموا فيما بينهم علاقات طبيعية.. وطالبت بالاعتراف الكامل وإلغاء المقاطعة العربية.

الثانية: هي: "إطار عمل من اجل عقد معاهدة سلام بين مصر وإسرائيل" تضمنت هذه الوثيقة إطار الاتفاق بمعاهدة سلام بين مصر وإسرائيل على أساس القرار 242، وطالبت أن يتم تنفيذ بنود معاهدة السلام في فترة ما بين عامين إلى ثلاثة أعوام من تاريخ توقيع المعاهدة.

وقعت مصر وإسرائيل المعاهدة في 26 مارس 1979 تبعا لاتفاقيات كامب ديفد، وبذلك انتهى "النزاع" بينهما وحققت الاعتراف المصري الكامل بإسرائيل، وإقامة علاقات كاملة ومفتوحة بين الطرفين، وبموجب هذه المعاهدة خرجت مصر عملياً من دائرة الصراع بين العرب وإسرائيل، ولقد نصت المعاهدة إلى جانب ذلك على منح الفلسطينيين حكماً ذاتياً في الضفة الغربية وقطاع غزة، رغم عدم مشاركة الفلسطينيين وخلاف لرغبتهم وهذا جعل فكرة الحكم الذاتي تصبح أساس كل مشاريع التسوية اللاحقة بغض النظر عن مصادرها، وخاصة أنها أصبحت تحظى بدعم الحكومة الأمريكية.

وكان من نتائج توقيع مصر لهذه الاتفاقية منفردة أن خرجت مصر من الحضيرة العربية وتم نقل مقر جامعة الدول العربية من مصر إلى تونس، ودخل الصراع العربي-الإسرائيلي حالة من الجمود السياسي لم تتغير إلا في النصف الثاني من الثمانينات، حيث شهد تداخلاً وثيقا ًبين المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة في أطراف الصراع، ونتيجة تلك العوامل بدأ الأطراف تتجه إلى إيجاد تسوية سياسية تحقق لها اكبر المكاسب في ظل الظروف السائدة وموازين القوى القائمة.

أولا: يمكن اعتبار قمة فاس 1982 والتي طرحت من خلالها القمة العربية مبادرة سلام بالاعتراف بإسرائيل، في حالة انسحابها من أراضي 1967، أنها مساهمة كبيرة في تعزيز التوجه نحو التسوية.

ثانيا: مهدت القمة العربية في عمان 8/11/1987 إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والدول العربية، وعلى الرغم من عودة مصر إلى الصف العربي، إلا أنها لم تعلق إلغاء المعاهدة مع إسرائيل.

ثالثا: اندلاع الانتفاضة الشعبية الكبرى في كانون الأول/ ديسمبر1987 التي أدت إلى مجموعة من المعطيات كان أهمها ، إبراز البعد الفلسطيني في الصراع على الصعيد الدولي، وبلورت موقفاً دولياً داعماً لفكرة تلمس السبل السلمية لحل النزاع، ذلك على الرغم من أن إسرائيل لجئت إلى القوة لمجابهتها، لكنها بدت عاجزة عن وضع حد لإستمرارها، مما تسبب في ارتفاع كلفة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية، ودعم الموقف الفلسطيني.

رابعا: بدء الانفراج ونجاح جهود الوساطة لقيام حوار فلسطيني – أمريكي، إذ أعلنت الإدارة الأمريكية في 14/2/1988، قراراً ببدء حوار سياسي مع منظمة التحرير الفلسطينية بعد قيام ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير بقبول الشروط الأمريكية للحوار خلال مؤتمر صحفي عقد في جنيف، يقول د.محمد ربيع: الذي أسهم إسهاما كبيرا في الحوار الأمريكي–الفلسطيني في كافة مراحله: "في عام 1988، وبعد فترة مخاض طويلة وتراجع سياسي مستمر، اضطرت المنظمة الفلسطينية إلى القبول علنا بالقرار 242، والدعوة إلى إقامة دولة فلسطينية إلى جانب دولة إسرائيل على ارض فلسطين والإعلان عن استعدادهما للاعتراف بإسرائيل".

يضاف إلى ذلك أن المنظمة أعلنت رفضها للإرهاب بكل أنواعه والاستعداد لوضع ترتيبات أمنية تشمل دول المنطقة بما فيها إسرائيل وذلك لأول مرة، وضمنت هذه الأمور في إعلان قيام الدولة الفلسطينية في الجزائر 15/11/1988، أو ما يسمى وثيقة الاستقلال، فعلى اثر إعلان منظمة التحرير الفلسطينية القبول بالقرارين 242، 338، أصدر وزير خارجية الولايات المتحدة جورج شولتز بيان جاء فيه: "أن منظمة التحرير الفلسطينية أصدرت بياناً قبلت بموجبه القرارات 242،338، واعترفت بحق إسرائيل في الوجود بسلام وأمان، ونبذت العنف، كذلك تعلن الولايات المتحدة استعدادها لحوار جوهري مع ممثلي المنظمة".

لقد واصلت الولايات المتحدة جهودها من اجل الدخول في حوار وتقديم مبادرات في هذا الصدد، إلا أنها ساندت مبادرة "شامير" رئيس الوزراء الإسرائيلي التي طرحت في 14/5/1989 والتي جاءت استجابة للضغوط الأمريكية التي استهدفت تنشيط عملية "السلام"، لقد جاءت مبادرة شامير من اجل إحباط المبادرة الفلسطينية (إعلان الدولة)، ومن ناحية أخرى جاءت محاولة لإرضاء الأمريكيين واستعادة زمام المبادرة السياسية من المنظمة، حيث استهدفت إظهار المرونة والاستعداد للتحرك إلى الأمام عن طريق "السلام".

وقد رحبت الإدارة الأمريكية بالمبادرة، دون أن تتفحص حقيقتها وأهدافها، وكان المنطق الأمريكي التفاوضي يقوم على أساس أن كل عملية تفاوض مهما كانت أطرفها، سوف تتكفل بخلق دينامية خاصة بها تساعد على تحقيق التقدم والتقارب في وجهات نظر الأطراف المتنازعة، وبسبب حماية إدارة بوش للمبادرة، استعاد شامير زمام المبادرة السياسية مرغما بذلك الفلسطينيين والأمريكان والمصريين على التحرك من واقع رد الفعل وليس الفعل المبادرة.

إن تحرك شامير باتجاه إعادة طرح ما جاء في كامب ديفد، جعل الحوار ينتقل من التركيز على فكرة الدولة الفلسطينية بعد إعلان الاستقلال إلى الحديث عن حكم ذاتي في الضفة وغزة، وهو الأمر الذي اثر على مصر وأدى إلى إعادتها بقوة إلى مسرح الأحداث، وعلى الرغم من انخراط مصر ممثلة برئيسها وأمريكا ممثلة بوزير خارجيتها (جيمس بيكر)، إلا أن جهودها باءت بالفشل لان شامير أراد أن يتحدث دون مفاوضة، وان يعطي انطباعا جادا بالتحرك وان يستغل الوقت المتاح لإضاعة الوقت، مما دفع الرئيس المصري مبارك، إلى تقديم خطة مصرية من عشر نقاط في 11/9/1989، بعد التشاور مع الولايات المتحدة ومنظمة التحرير الفلسطينية وحزب العمل الإسرائيلي، دعت إلى حوار فلسطيني– إسرائيلي في القاهرة، من أجل التوصل إلى اتفاق بخصوص إجراء الانتخابات الفلسطينية، ولقد وضعت الإدارة الأمريكية ثقلها خلف المبادرة المصرية، مع عدم الضغط على إسرائيل، وفي 6/12/1989 قام جيمس بيكر بالإعلان عن مبادرة أمريكية جديدة تتألف من خمس نقاط أطلق عليها "خطة بيكر"، حاول فيها التوفيق بين مبادرة شامير، ومبادرة مبارك، وكان فحوى المبادرة الدعوة لحوار فلسطيني– إسرائيلي في القاهرة، بهدف التدوال حول خطة الانتخابات المقترحة، ومناقشة إمكانية التوصل إلى حل للنزاع الفلسطيني– الإسرائيلي، انطلاقا من مبادرة شامير. ومما جاء في المبادرة أن إسرائيل سوف تشارك في الحوار بعد الإنتهاء من إعداد قائمة بأسماء وفد الفلسطيني يكون مقبولاً لإسرائيل، ومن أجل التمهيد لذلك اقترح بيكر قيام وزراء خارجية أمريكيا ومصر وإسرائيل بعقد اجتماع مشترك خلال أسبوعين في واشنطن، هذا يعني تشكيل لجنة وصاية ثلاثية على الفلسطينيين من جهة، ومنح الحكومة الإسرائيلية الخاضعة لسيطرة الليكود حق النقض بالنسبة لأعضاء الوفد الفلسطيني من جهة أخرى، وفي ضوء قناعة الأمريكان والمصريين بصعوبة الضغط على شامير، فإن التجاوب مع المبادرة الإسرائيلية حتمت الضغط على المنظمة لإرغامها على القبول بشروط شامير، وكذلك المناخ الإقليمي والدولي الذي كان يسير في نفس الاتجاه.

ومن هنا اقتنعت المنظمة جبراً أو طواعية بأنها حتى تكون مقبولة سياسياً وحتى تحول دون شطب المشروع الوطني والكيانية الفلسطينية، أن تنهج نهجاً سلمياً وأن تتحول من خطاب التسوية كتكتيك ومناورة إلى التسوية كخيار استراتيجي، وأن تجعل من قرارات الشرعية الدولية سقفاً لمطالبها، الأمر الذي فرض عليها أن تدفع ثمناً باهظاً لتقبل في لعبة التسوية، ومع ذلك لم يؤدي قبول المنظمة بقرارات الشرعية الدولية إلى تطبيق إسرائيل لهذه القرارات، بل على العكس ازدادت إسرائيل تصلباً، لأن التنازل الفلسطيني جاء في مرحلة تراجع النضال الفلسطيني، وفي مرحلة تراجع الحماس العربي للقضية، وفي مرحلية دخول الشرعية الدولية منعطف جديد مع النظام العالمي الجديد، فكيف حدث هذا التحول؟

المطلب الثاني: ملامح النظام السياسي الفلسطيني بعد التسوية.

مشروع التسوية واتفاق إعلان المبادئ وما تلاه من اتفاقيات، مثلت نقلة نوعية في طبيعة وشكل النظام السياسي الفلسطيني، والذي اعتبرت منظمة التحرير ممثلة ذلك النظام منذ إنشائها 1964 وتم التعامل معها كتجسيد للكيانية السياسية الفلسطينية، من حيث وجود قيادات ومؤسسات: رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، واللجنة التنفيذية، والمجلس المركزي، والمجلس الوطني الفلسطيني، والقضاء الثوري، ومؤسسات أخرى أهمها القوات المسلحة. وقد حدد الميثاق القومي أولاً، ثم الوطني، الاستراتيجية والهدف، فكانت بدايةً استراتيجية الكفاح المسلح، ثم بالتدريج من خلال صياغات تحويرية تم الانتقال من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي، هذا التحول في الاستراتيجية كان نتيجة استعداد لتحويل الأهداف من تحرير كل فلسطين إلى القبول بالدولة على أساس الشرعية الدولية، ومع اوسلو تم الانتقال إلى الشرعية التفاوضية وتأسيس الكيان من خلالها.

كان النظام السياسي الفلسطيني منذ بداياته هو نظام حركة تحرر وطني، تناضل من خارج أراضيها، وهو ما جعل المحددات الخارجية تلعب دوراً كبيراً في قيام النظام السياسي – منظمة التحرير-، ثم التأثير والتدخل في رسم سياساته وحركاته السياسية لاحقاً.

هكذا منذ البداية لم يكن النظام السياسي الفلسطيني هو الفاعل الوحيد في رسم إطار الصراع وتحديد أهدافه وأبعاده بل كان طرفاً ضمن أطراف متعددة عربية ودولية، وزاد الدخول في تسوية غامضة من تكريس أزمة سياسية فلسطينية.

ويبدو أن الثوابت التي حافظ عليها النظام السياسي الفلسطيني، هي اقل بكثير من المتغيرات التي طرأت عليه، فنظرا لمحدودية الإمكانيات الفلسطينية:العسكرية والاقتصادية والديموغرافية (الشتات والاحتلال)، فقد استمرت التدخلات الخارجية في لعب الدور الرئيسي في توجيه النظام السياسي الفلسطيني عن أهدافه واستراتيجية، فقد أصبحت القوى المؤثرة قوى غير صديقة أو معادية أو صديقة غير مؤثرة أو محايدة، فالمعسكر الاشتراكي قد انهار، وكذا النظام الإقليمي العربي، وحركة التحرر العالمية وليس واقع العالم الإسلامي بأفضل حال، والحركة الثورية الفلسطينية نفسها وبالرغم من تشتتها بعد الخروج من لبنان صيف 1982، كانت تشكل حالة إزعاج للولايات المتحدة وإسرائيل ولدول عربية ولكنها بعد اوسلو دخلت قفص التسوية، وتحول الثوار إلى موظفين أو رجال امن دون مهمة محددة، كذلك أن قوى سياسية جديدة ظهرت على الساحة، وحاولت أن تنقذ المشروع الوطني الفلسطيني على أسس جديدة، مثل الجماعات الإسلامية في فلسطين والمد الأصولي خارجها، إلا أن اتفاقية اوسلو وتوابعها لم تفسح مجالا ًلهذه القوى لتكون جزءاً من النظام السياسي الفلسطيني، وهذه القوى أساسا قبل اوسلو لم تكن راغبة بالانضواء في النظام السياسي الذي تمثله منظمة التحرير الفلسطينية، وفي النهاية أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وأوروبا وإسرائيل هي الأطراف المؤثرة في الصراع وهذا ما ظهر جلياً منذ مؤتمر مدريد للسلام 1991 حتى كتابة هذه السطور.

وهكذا استمر مشروع التسوية بوضع شروط محددة وصلاحيات محددة على شكل النظام السياسي الفلسطيني، والذي تمثل في إدارة الحكم الذاتي والسلطة الوطنية الفلسطينية، حتى برزت إشكالية العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وما بين السلطة الفلسطينية الناشئة من خلال نصوص اتفاق اوسلو، والاتفاقيات التي تلتها والتي حددت الضوابط والصلاحيات القانونية والأمنية والاقتصادية والسياسية لسلطة الحكم الذاتي، فالسؤال كيف تدبر الفلسطينيون أمور نظامهم السياسي في ظل وجود شبه ازدواجية وغموض في العلاقة بين الأجهزة المختلفة لمكوناته ؟ بمعنى أخر ما هي العلاقة بين مؤسسات المنظمة والسلطة الفلسطينية ؟

وفقا لهذا الأساس فان النظرة القانونية للأسس التي تنطلق منها صلاحيات هذه المؤسسات، توضح طبيعة العلاقة المتعارف عليها بينهما، بالنسبة للمنظمة هي تركز على المواثيق:

1- الميثاق الوطني الفلسطيني.

2- النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

3- اللائحة الداخلية للمجلس المركزي الفلسطيني.

4- اللائحة الداخلية للمجلس الوطني الفلسطيني.

5- وثيقة الاستقلال، فبراير 1988.

6- قرار اختيار رئيس دولة فلسطين.

أما بالنسبة للسلطة الوطنية الفلسطينية نجد مصادر نظامها في:

1- قرار المجلس المركزي لمنظمة التحرير بإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1993.

2-اتفاق إعلان المبادئ بين حكومة إسرائيل وفريق منظمة التحرير الفلسطينية عام 1993، لإقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية وانتخاب المجلس الفلسطيني في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس.

3-رسائل الاعتراف بين إسرائيل ومنظمة التحرير.

4-اتفاقية غزة- أريحا في مايو 1994 ونقل الصلاحيات المبكرة في أغسطس 1994 ونقل المزيد من الصلاحيات في عام 1995.

5-الاتفاق الفلسطيني الإسرائيلي المؤقت حول الضفة الغربية وقطاع غزة في سبتمبر 1995.

6-الواقع العملي أو الأعراف القانونية.

فبالنسبة لمنظمة لتحرير فإن الميثاق الوطني الفلسطيني نص في المادة (25) على أنه تحقيقاً للأهداف الواردة في الميثاق، تنشأ منظمة التحرير الفلسطينية التي وفقاً للمادة (26) من الميثاق تعتبر ممثلة لقوى الثورة الفلسطينية ومسئولة عن حركة الشعب العربي الفلسطيني، وقد أحالت المادة (32) من الميثاق الوطني إلى النظام الأساسي لمنظمة التحرير لتحديد كيفية تشكيل هيئات المنظمة ومؤسساتها واختصاصاتها، ووفقاً للنظام الأساسي للمنظمة يعتبر المجلس الوطني الفلسطيني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير (كما جاء في المادة السابعة من النظام الأساسي)، فالمجلس الوطني هو صاحب الاختصاص بوضع سياساتها ومخططاتها وبرامجها وآلية تنفيذها.

وقد اكتسبت المنظمة بهذا الوضع اعترافاً عربياً (خاصة منذ مؤتمر القمة في الجزائر 1973، والرباط عام 1974، وعلى المستوى الدولي حيث كان اعتراف العديد من الدول الاشتراكية ودول عدم الانحياز ودول إفريقيا وإسلامية، وكذلك الأمم المتحدة قبلت الصفة التمثيلية للمنظمة ).

من قواعد النظام القانوني الفلسطيني التي تعد مصدر للأحكام التي تحدد طبيعة العلاقة بين منظمة التحرير والكيان الفلسطيني الذي ولد باتفاق بين إسرائيل ومنظمة التحرير (السلطة الفلسطينية)، هي القرارات الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني ومجلسه المركزي باعتبار المجلس الوطني المعبر عن الفلسطينيين في أماكن وجودهم المتعددة في العالم، ومن قرارات المجلس على الخصوص تلك التي تبنى بموجبها مشروع الدولة الديمقراطة الفلسطينية، وإقامتها على كل جزء من الأرض الفلسطيني التي يتم تحريرها، التي كانت بدايتها القرار الصادر في الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني والذي أكد قراره بإعلان الاستقلال عام 1988 حيث عبر فيه المجلس عن إيمانه بتسوية المشاكل الدولية الإقليمية بالطرق السلمية وفقاً لميثاق الأمم المتحدة.

وتمشياً مع إعلان الاستقلال كان قرار المجلس في 30/3/1989 باختيار رئيس دولة فلسطين. وتعتبر قرارات المجلس الوطني تلك وغيرها أساس الدخول في عملية سلام الشرق الأوسط، التي بدأت منذ مدريد 1991، وتتابعت بتوقيع اتفاق إعلان المبادئ عام 1993، وتلاها توقيع الاتفاقية المرحلية الدولية بين حكومة إسرائيل ومنظمة التحرير عن الشعب الفلسطيني في واشنطن 1995، وفي أثناء عملية السلام قرر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية في دورته المنعقدة في10-12/1993، تكليف رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء السلطة الوطنية الفلسطينية وبتكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتشكيل مجلس السلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية برئاسة رئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة.

جاءت اتفاقيات غزة-أريحا 1994، وبروتوكول القاهرة 1995، ثم واشنطن 1995، مؤكدة على مرجعية منظمة التحرير الفلسطينية كممثلة للشعب الفلسطيني، وتحتوي على مؤشرات للمركز القانوني للسلطة الفلسطينية، وعلاقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية و مؤسساتها. فقد نصت الاتفاقية المرحلية علي التزام المنظمة بإجراء انتخابات سياسية عامة لمجلس السلطة "المجلس التشريعي" ولرئيس السلطة، وان هذه الانتخابات تشكل خطوة تمهيدية نحو تحقيق الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني، ولتوفر الأسس الديمقراطية لإقامة مؤسسات فلسطينية، تكون بدايةً بإقامة سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني الانتقالي بانتخاب المجلس الفلسطيني وحددت مواد الاتفاقية صلاحياته التشريعية و التنفيذية.

ومن مجمل الصلاحيات التي حددتها مواد الاتفاقية نجد أنها أعطت الدور الأساسي لممارسة السلطات للمجلس المنتخب والسلطة التنفيذية، أما صلاحيات منظمة التحرير فلم يرد لها ذكر سوي كونها طرفا شريكا مقابلا لحكومة دولة إسرائيل، وأنه وفقا للمادة (9) من اتفاقية واشنطن المرحلية في 28/9/1995 الفقرة 5/ ب ، فإن لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تجري مفاوضات توقيع اتفاقيات مع دول أو منظمات دولية لمصلحة المجلس في الأمور التالية :

1- اتفاقيات اقتصادية كما هو وارد في الملحق الخامس للاتفاقية.

2- اتفاقيات مع دول مانحة من اجل تنفيذ ترتيبات لتقديم المساعدات للمجلس.

3- اتفاقيات من اجل تنفيذ خطط التنمية الإقليمية كما ورد في الملحق الرابع من إعلان المبادئ أو اتفاقيات أخرى في إطار المفاوضات المتعددة.

قد حاول الاتفاق أن ينفي عن هذه العلاقات الدولية صفة "الدولية"، وواضح من خلال الاتفاقيات التي تم التوصل إليها أن دور المنظمة ومؤسساتها في الأراضي الفلسطينية محدودة، فالدور الأكبر هو لمؤسسات السلطة الوطنية التي أفرزتها اتفاق إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وقد زاد من إشكالية طبيعة العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية الفلسطينية، فضلاً عن قلة النصوص التي تعطي دوراً رئيسياً لمؤسسات المنظمة، أن الممارسة العملية للسلطة الوطنية الفلسطينية لا تستند إلى مرجعية دستورية عليا تنظم العلاقة بين المجلس الوطني الفلسطيني والمجلس التشريعي، فكل ما يوجد نظرياً في النصوص القانونية هو ما ورد في قانون الانتخابات الفلسطيني رقم 15 لسنة 1995، حيث نصت المادة الثالثة انه يكون أعضاء المجلس الفلسطيني فور انتخابهم أعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني وفقاً للمادتين 6،5 من النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، وحتى مشروع القانون الأساسي للمرحلة الانتقالية الذي اقره المجلس التشريعي، لم يحدد ملامح العلاقة بين مؤسسات المنظمة ومؤسسات السلطة، فما ورد في المشروع لا يتعدى كونه عبارات عامة، لا يتضمن معاني قانونية محددة، ولم يبين القانون الأساسي كيفية قيادة منظمة التحرير وما دورها واختصاصات مؤسساتها، التي باتت شبه معطلة وكأنه لا دور لها في هذه المرحلة، مما يعني ذلك من وجود مؤشرات تدل على إهمال المنظمة ومؤسساتها، والذي يؤدي ذلك بدوره إلى إنهائها تدريجياً وكلياً وبالتالي إلى انتهاء الميثاق الوطني الفلسطيني، كما تريد إسرائيل لتصبح السلطة الوطنية للحكم الذاتي المحدود بديلاً عن المنظمة.

وما يهم في الاتفاقيات ومنظومة أوسلو كلها أن يتم تطبيق فعلي على أرض الواقع لمفهوم السلام وتطبيق الالتزامات الأمنية، فكان ذلك من أهم مبررات دعم سلطة الحكم الذاتي لتضمن تطبيق الاستحقاقات الأمنية على أرض الواقع، والاعتماد على العجلة السياسية للمفاوضات، وهذا هدف مرحلي، ليتحول هذا الكيان إلى دولة عبر قياس الأداء الفلسطيني من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، ولكن يبدو أن إسرائيل لا تريد لها سوى أن تقوم بدور الإنابة عن دورها، لأن السلطة ستبقى مقيدة حسب الشروط الاتفاقية، وستبقى السياسية الخارجية كلها والأمن الداخلي والخارجي كله في يد إسرائيل، مع الحفاظ على النظام العام والذي سيتم بالتعاون مع الشرطة المحلية، ويستثنى المستوطنون الإسرائيليون من نطاق سلطة الهيئات الإدارية الفلسطينية.

إن هذا النظام سيكون مضمون دوره تخليص إسرائيل من عبء إدارة المناطق المحتلة، وتشغيل المدارس والمستشفيات، ويتيح لها في نفس الوقت الاستمرار لإحتفاظها بالسلطة النهائية في يدها.

إجمالاً يمكن اعتبار اتفاق أوسلو أدخل الحركة الوطنية الفلسطينية في منعطف حاد ومرحلة جديدة، فهو أنهى مرحلة بكاملها من النضال الفلسطيني دون أن يحقق البرنامج الذي شكل أحد أبرز محاور الحقل السياسي الوطني، الذي رسمت تخومه منظمة التحرير الفلسطينية خلال ربع قرن على وجودها ككيان وطني، وهو برنامج يتمحور وما يزال حول إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وممارسة الشعب الفلسطينية لحقه في تقرير المصير والعودة، لقد أدخل اتفاق أوسلو على الحقل السياسي الفلسطيني وقائع ومناخات جديدة، أبرزها:

1- قيام سلطة وطنية فلسطينية على إقليمها الخاص في الضفة والقطاع قبل رسم حدوده من جانب، وقبل تشكل دولة من جانب ثانٍِ، وفي وضع اتسم بمواصلة إسرائيل وضع الشروط والقيود على السلطة الوطنية واستمرار استيطانها لأجزاء مهمة من الضفة الغربية والقطاع ومواصلة رفضها الإقرار بالاستقلال الفلسطيني ومترتباته ومتطلباته.

2- تلاشي عملياً دور ونشاط المؤسسات الوطنية الجامعة للفلسطينيين، وترسيخ تقليد اتخاذ القرارات خارج إطار هذه المؤسسات، مما يترتب على ذلك من تهميش كامل لمؤسسات منظمة التحرير ويخلق مخاوف كانت موجودة في زمن السلطة من تحول الشعب الفلسطيني إلى تجمعات معزولة بعضها عن بعضها الأخر، كما كرس دمج مؤسسات منظمة التحرير في أجهزة السلطة الفلسطينية، تهميشاً ككيان (مؤسسة) وكدور(ممثل للشعب الفلسطيني الوحيد في كل أماكن وجوده)، وبرنامج وطني يمثل المصالح الجامعة للشعب الفلسطيني في تجمعاته المختلفة.

3- انتخاب مجلس تشريعي لسكان الضفة الغربية وقطاع غزة، الأمر الذي وفر إمكانية إدخال تعديل جذري في بينة النظام السياسي الفلسطيني، لأن قيامه، كمؤسسة منتخبة بشكل ديمقراطي ومباشر أوجد حالة جديدة، تتعاكس مع الاتجاه الذي سار عليه النظام السياسي الفلسطيني منذ العام 1982. ويفسر هذا إلى حد بعيد محاولات التهميش التي تعرض لها المجلس التشريعي من قبل السلطة التنفيذية ورئيس السلطة الفلسطينية. مع العلم أن الحفاظ على شرعية المؤسسات المنبثقة من شرعية تمثيلهم للشعب الفلسطيني بإجراء أول انتخابات فلسطينية1996، يعتبر عاملا حاسما لابد الحفاظ عليه، للحفاظ على المشروعية القائمة، وتكريس شرعية الانتخابات والتمثيل، كظاهرة ديمقراطية تدعم موقف القيادة، وتسهل تعقيدات إدارتها للصراع.

4-بروز بعض مظاهر انفضاض وعزوف عن التشكيلات السياسية القائمة(فصائل منظمة التحرير) دون ظهور تشكيلات سياسية جديدة، باستثناء الحركة الإسلامية التي تشكلت خارج إطار منظمة التحرير، كما لم تنجح محاولات تجديد التشكيلات السياسية السابقة، أو بناء تشكيلات جديدة داخل إطار المنظمة، وتستدعي الانتباه ظاهرة ضمور الأحزاب السياسية بعد اتفاق اوسلو وقيام سلطة فلسطينية، كون هذا الوضع السياسي المستجد يتطلب حضورها بقوة باعتبارها شرطاً ومكوناً أساسيا لتبلور نظام سياسي ديمقراطي.

أدخل اتفاق اوسلو تحولاً هاما في تضاريس الحقل السياسي الفلسطيني تجسد في قيام سلطة وطنية على مناطق في الضفة الغربية والقطاع، قبل قيام دولة وقبل تحديد إقليمها بشكل نهائي، وهي سلطة تجد مبرر وجودها في استكمال تحولها إلى دولة مستقلة، معتمدة بالدرجة الأولى على التفاوض مع الدولة المستعمِرة، تشكلت السلطة قبل الدولة وبوجود الاحتلال، وتضخمت بيروقراطية أجهزتها الأمنية والإدارية والمدنية، مع مناخ سياسي داخلي يتميز بغياب القضاء المستقل وضعف المأسسة "الدولانية"، وتهميش سلطة المجلس التشريعي المنتخب، وتحول حركة فتح إلى الانخراط في السلطة وقيادة نظام سياسي تحت خيمة الحزب الواحد، وهيمنة مفردات الدولة المستقلة على لغة الحقل السياسي بعد اوسلو، مع هيمنة عملية التفاوض مع إسرائيل وأساليب مواجهة العراقيل والصعوبات التي تعترض تشكل الدولة الفلسطينية على هموم الحقل السياسي الفلسطيني.

وما أن اقتربت الفترة الانتقالية حسب إعلان المبادئ، حتى أبانت عن وجود خلل جذري في التركيبة البنيوية للنظام السياسي الفلسطيني وإشكاليات في العلاقة النسقية والوظيفية بين بنى هذا النظام، حتى برزت إلى السطح وبقوة دوافع ومبررات الإصلاح الفلسطيني في السلطة وفي المنظمة، وإعادة النظر في المرتكزات القانونية والسياسية والوظيفية التي يشتغل فيها ومن خلالها النظام السياسي الفلسطيني، وجاءت الأحداث مثل تولى الليكود للسلطة في إسرائيل 1996، ومواصلة سياسية الاستيطان وإعادة صياغة اتفاق اوسلو عملياً، كذلك الصدامات المتعددة بين الفلسطينيين والإسرائيليين (انتفاضة النفق، والاشتباكات بين الجيش الإسرائيلي وعناصر من الشرطة الفلسطينية عام 1996، 1998)، وتجميد المفاوضات بين الطرفين فترة غير قصيرة في العام 1997، والاغلاقات الإسرائيلية المتعددة والمتكررة للمناطق الفلسطينية كذلك جاءت انتفاضة الأقصى والتي كشفت النقاب عن العيوب المستورة، وأبانت عن الخلل الكامن في الادراة الفلسطينية للصراع، ومن ازدواجية وارتجالية في اتخاذ القرارات وإصدار الإعلانات والتصريحات، حتى أصبح مطلب الإصلاح مطلبا داخليا وخارجيا ملحا، وقد فتحت أبواب القاهرة للقاء جميع الأطياف السياسية الفلسطينية للوقوف عند هذه النقاط ومحاولة تدراك سلبياتها، توجت بإعلان القاهرة فبراير 2005 والذي دعا إلى دمج كل الفصائل تحت لواء المنظمة بما فيها الحركات الإسلامية ( حماس والجهاد الإسلامي ) وإعادة إحياء مؤسسات المنظمة ودورها، وإعادة الاعتبار لقيادتها، وذلك بإشراف السلطة الفلسطينية.

الباحث: علاء فوزي ابو طه. ماجستير القانون العام، تخصص العلاقات الدولية.

البريد الالكتروني: [email protected]
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف