الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رؤية إلى الإسلام والإرهاب أم إلى المسلمين والإرهاب بقلم:محمد الحنفي

تاريخ النشر : 2006-02-06
رؤية إلى الإسلام والإرهاب أم إلى المسلمين والإرهاب

محمد الحنفي

تقديم :

لقد تلقينا مجموعة من الأسئلة على عنواننا الإليكتروني من السيد عيسى بطرس مفادها :

1) لماذا نجد للإسلام اتجاهات دموية منذ البداية في إفريقيا، و في آسيا و في أوربا ؟

2) لماذا نجد أن الدول الإسلامية متخلفة ؟

3) لماذا يعتقد المسلمون انهم خير أمة أخرجت للناس ؟

و نحن منذ البداية نجد أن السيد عيسى بطرس ينطلق في وضعه للأسئلة أعلاه من كون الدين الإسلامي هو دين الإرهاب و هو قول مجانب للحقيقة، و الواقع في نفس الوقت.

فنحن في تعاملنا مع أي عقيدة –مهما كانت هذه العقيدة- يجب أن نميز بين العقيدة التي تمتلك حق الوجود و حق الشيوع بين الناس، وبين حاملي تلك العقيدة باعتبارهم أصحاب مصالح طبقية لا يدرونها و لا يدركون مواقعهم من علاقات الإنتاج. كما أنهم لا يدركون مدى ما يمارس عليهم من استغلال أو ما يمارسونه هم من استغلال على الآخرين . و لذلك لا يمكن أن نساوي بين الديانة اليهودية، و ما يقوم به اليهود، و بين الديانة المسيحية و ما يقوم به المسيحيون، كما لا يمكن أن نساوي بين الإسلام، و ما يقوم به المسلمون.

و حتى لا نغرق السيد عيسى بطرس في المتاهات التي لا تسمن و لا تغني من جوع كما يقولون فإننا ندعوه إلى التماس الإجابة على أسئلته من خلال معالجتنا ل :

1) الإسلام و الإرهاب، أية علاقة.

2) واقع الإسلام وواقع الحكام.

3) أزمة الدين الإسلامي و أزمة مؤدلجيه.

4) هل يرجع انتشار الإسلام إلى دموية الإسلام أم إلى دموية المسلمين ؟

5) تخلف الدول الإسلامية هل يرجع إلى الإسلام أم إلى تبعية الدول المسماة إسلامية ؟

6) لماذا يعتقد المسلمون انهم خير أمة أخرجت للناس ؟

لأن الإجابة التي يمكن أن تكون مباشرة على أسئلة السيد عيسى بطرس لا يمكن أن تفي بالغرض نظرا لطبيعة الأسئلة نفسها التي تفرض المعالجة الشمولية لعلاقة الإسلام بالإرهاب التي يمكن أن نعتبرها علاقة تنافي، و لكن عندما يتحول الأمر إلى علاقة المسلمين بالإرهاب فإن الأمر يختلف لحضور المصالح الطبقية في ممارسة المسلمين.

الإسلام و الإرهاب .. أية علاقة :

إننا عندما نرتبط بالبدايات الأولى لظهور الإسلام نجد في القرآن : "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة" و التأكيد هنا يجب أن ينصب على الدعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة، لأنها هي الأصل في جميع الديانات. و نظرا لأن ما كان يدعو إليه في البداية كان يتناقض مع المصالح الطبقية للأرستقراطية القرشية. فإن الإسلام وجد نفسه محاصرا و مقموعا من قبل تلك الأرستقراطية. لذلك اضطر المسلمون إلى ركوب كل المسالك التي تؤدي إلى ضمان حماية الإسلام حتى يستمر كمعتقد على وجه الأرض. و لذلك فكل ما قام به المسلمون إبان الدعوة الأولى إلى أن توفي الرسول لا يتجاوز أن يكون دفاعا عن الحق في الوجود ضد كل الذين كانوا يسعون إلى استئصال العقيدة من النفوس سواء كانوا داخل الجزيرة العربية أو خارجها. و بعد موت الرسول بدأت تتكون مصالح أخرى لها علاقة بحاجة المسلمين إلى دولة تحميهم. اضطر المسلمون إلى بداية العمل في هذا الاتجاه و القيام بتحديد مسؤولية الحكم، و القيام بما تستلزمه تلك المسؤولية التي تستلزم المحافظة على وحدة العرب في الجزيرة العربية في ذلك الوقت حتى لا نقول وحدة المسلمين ، لأن الجزيرة العربية في ذلك الوقت لا تضم المسلمين وحدهم، بل كانت تضم إلى جانبهم اليهود و النصارى الذين سماهم القرآن بأهل الكتاب كما جاء في إحدى آياته "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله" . و العمل على وحدة الجزيرة العربية مع الإقرار بتعايش الإسلام مع المعتقدات المخالفة يعتبر أساسيا لقيام دولة عربية على ارض الجزيرة حتى لا نسميها دولة إسلامية لكونها لا تستند إلى تصور للدولة ورد في نص القرآن الذي لم يرد فيه إلا قوله تعالى : " و أمرهم شورى بينهم " و أما ما ورد فيه مما يتعلق بالحكم بما أنزل الله " و أن احكم بينهم بما انزل الله " فهو خطاب موجه إلى الرسول، و في مرحلة لازال المسلمون فيها يسعون و بكل الوسائل للحفاظ على العقيدة الإسلامية. و لتجنب أن يصدر حكم بناءا على رغبة ذاتية في مرحلة لم ترق فيها البشرية بعد إلى مستوى بناء الحكم الموضوعي بعيدا عن الحسابات الذاتية الضيقة. و انتقال العرب إلى ضم العراق و بلاد الشام لا يمكن اعتباره إلا استكمالا للوحدة العربية و العمل على تحصين تلك الوحدة خاصة و أن منطقة العراق كانت تقع تحت نفوذ الفرس، و منطقة الشام كانت تقع تحت نفوذ الروم. و بعد قيام الدولة الأموية اصبح الأمر مختلفا تماما لأن دولة بني أمية اعتمدت في قيامها و استمرارها على ما كان يسمى في ذلك الوقت بالفتوحات الاسلامية التي اعتمدت نفس المنهجية التي اعتمدها موحدو القبائل العربية في عهد ابي بكر و عمر بالخصوص لاستغلال تلك الفتوحات لاستدرار المزيد من الغنائم على الفاتحين، و على مركز الدولة، و على سكان الحجاز الذين تم تحييدهم مقابل تخصيص جزء من الغنائم اليهم حتى يكونوا دعما لبني أمية في الجزيرة العربية. فالأصل هو السعي الى الحصول على مزيد من الغنائم و الفرع هو إقناع الناس بالدين الجديد. و هذا الأصل هو الذي أدركه سكان شمال إفريقيا، و شرعوا في مقاومة الفاتحين باستماتة، بل و انتقموا من بعضهم كما حصل بالنسبة مع عقبة بن نافع إلى أن قام موسى بن نصير بجلب المتفقهين في الدين، و حفظة القرآن الكريم و الحديث الشريف من اجل تعريف الناس بالدين الإسلامي و إقناعهم به فاقتنعوا بما وصلهم عن الإسلام و انخرطوا بدورهم في الفتوحات، و لكن لأجل إنقاذ الشعوب من الحكم المستبد و تحصين شمال إفريقيا من هجمات الأوربيين، وقد تحقق ذلك بعد انتقال الفاتحين إلى الأندلس بقيادة طارق بن زياد وهو مغربي، و إحراق السفن حتى ييأس الجند من العودة إلى المغرب. و مخاطبتهم بقوله "أيها الناس البحر من ورائكم، و العدو أمامكم، فليس لكم و الله إلا الصدق و الصبر"،و هي خطبة تبين إلى أي حد يصدق طارق بن زياد و من معه في تحصين الدين بمهاجمة الأعداء. و تحرير الاندلسيين من استبدادهم حتى ينشأ في الأندلس كيان يشكل درعا يحمي سكان شمال إفريقيا من المهاجمين الأوربيين، و هو ما حصل فعلا، و لعدة قرون. و انطلاقا من هذه الرؤيا. فإن الإسلام كعقيدة لا علاقة له بما يجري في كل مراحل التاريخ الإسلامي بقدر ما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي التي انطلقت مباشرة بعد مقتل عثمان، و تكون الفرق الإسلامية التي صارت تدعي كل منها بأحقيتها في الحكم. و صارت تؤول آيات القرآن، و تختلق الأحاديث لدعم تأويلها. كما هو الشأن بالنسبة لشيعة علي، و شيعة معاوية، و آل الزبير و الخوارج. و هذه الفرق لازال بعضها مستمرا إلى يومنا هذا، و لازالت تستغل الدين و تؤدلجه من اجل الوصول إلى السلطة التي تصبح بوصولها سلطة إسلامية.

و لذلك فالإسلام ليس دينا يدفع إلى ممارسة العنف ضد الآخر، لأنه دين قائم على الحكمة و الموعظة الحسنة. بل إن من يلجأ إلى العنف و باسم الدين الإسلامي هم المسلمون الذين تكونت لديهم مصالح طبقية تدفعهم إلى استغلال الدين كأيديولوجية لحماية تلك المصالح حتى و لو أدى الأمر إلى إرهاب الآخر. و استغلال الدين هو الذي يدفع المسلمين إلى اتخاذ مظاهر معينة تجعل الآخر يعتقد أن ما هم عليه هو الإسلام. و الواقع ليس كذلك، لأن الإنسان في نظر الإسلام بأصغريه، بلسانه و قلبه ، لا بلباسه و هيأته.

و في تعاملنا مع الإسلام تعاملا علميا يجب أن نستحضر أن الدين الإسلامي هو دين نسبي و ليس مطلقا لاعتبارات نذكر منها :

1) أن اصح نص وصلنا نزل على أساس وجود الأسباب التي عرفت فيما بعد عند المفسرين ب"أسباب النزول" أي أن كل آية وصلتنا وردت بالنسبة لسبب معين .و السبب يرتبط بالزمان و المكان.

2) أن القرآن يجب أن ينظر إليه على أن آياته منها ما هو ناسخ، و منها ما هو منسوخ.

3) أن العديد من الصحابة في تقريرهم لأحكام معينة تجاوزوا ما ورد في القرآن من أحكام لا تتناسب مع الشروط الجديدة التي عرفها تطور المجتمعات.

4) أن بعض اجتهادات الفقهاء ذهبت إلى أنه إذا تعارض العقل مع النقل قدم العقل كما هو في مذهب أبي حنيفة النعمان.

5) أن اندماج المسلمين في هذا العالم يقتضي الأخذ بما تم الاتفاق عليه على المستوى العالمي. كما هو الشأن بالنسبة للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي تضمن حفظ كرامة الإنسان. التي هي الغاية القصوى التي يسعى الإسلام إلى تحقيقها كما جاء في القرآن " و لقد كرمنا بني آدم"

و الذين يتعاملون مع الدين الإسلامي على انه دين إطلاق، و أن النصوص الدينية هي نصوص اطلاقية. فإننا إذا تعاملنا معهم كذلك علينا أن نقر ب :

1) أنه صالح لكل زمان و مكان، و هو ما يقتضي أن يكون نظاما شموليا ينفي كل ما سواه. و بناء على ذلك .فنصوصه أيضا مطلقة، و اطلاقيتها تقتضي عدم الأخذ بأسباب النزول التي تقرر النسبية و لا الأخذ بالناسخ و المنسوخ من الآيات و الأحكام فكل ما ورد في القرآن يجب الأخذ به. و كل ما قام به الصحابة يؤخذ به بقطع النظر عن صلاحيته أو عدم صلاحيته لهذا العصر، و كل الأحاديث الواردة يؤخذ بها بقطع النظر عن صحتها أو عدم صحتها و كيفما كان كتاب الحديث الذي وردت فيه.

2) أن النظام الذي يطبق الإسلام هو نظام إسلامي قائم على أساس انه نظام قائم بأمر الله لتطبيق شريعته على الأرض، و المكلفون بإقامة تلك الدولة هم أولو العلم من الفقهاء الذين لهم الحق في الولاية على المسلمين نيابة عن الله في المسلمين.

3) أن الشريعة الإسلامية تعتمد النقل القائم على التأويل الأيديولوجي للنصوص من اجل استصدار أحكام تتناسب مع ما يريده الفقهاء، و حسب تصورهم للنظام الإسلامي الشمولي.

4) أن كل من خالف الشريعة الإسلامية حسب تصور الفقهاء ليس إلا معاديا للإسلام تجب محاربته من خلال محاربة مروجيه الذين يعتبرون كفار أو ملحدين تقام في حقهم الحدود جزاء لهم على كفرهم و إلحادهم.

5) أن حقوق الإنسان هي بدعة غربية تجب محاربتها، وتكفير كل من اخذ بها، و استغلالها في شروط محددة من اجل تحقيق أهداف معينة ليتم التراجع عنها بعد ذلك و تصير حقوقا غربية تتناقض مع ما جاءت به " الشريعة الإسلامية" ،يجب نبذها و محاربتها حتى لا تلتصق بفكر و ممارسة المسلمين.

و هؤلاء الذين يتعاملون مع الدين الإسلامي هذا التعامل إنما هم مؤدلجون للدين الإسلامي منذ مقتل عثمان بن عفان إن لم نقل منذ موت الرسول. و الذين لازالوا مستمرين إلى يومنا هذا، و يزدادون فرقا بفعل تطور الصراع و تنوعه. و هؤلاء المؤدلجون للدين الإسلامي الذين سميناهم في بعض كتاباتنا بالمتنبئين الجدد، يكونون :

1) إما من الطبقة الحاكمة أو في خدمتها. و أدلجتهم للدين الإسلامي تهدف إلى استغلاله بالقدر الذي يخدم تأبيد سيطرتها على السلطة التي تسخر لخدمة مصالح تلك الطبقة و من يسبح في فلكها ،و من اجل تحقيق شرعية ممارستها في أذهان الجماهير التي تتعرض للاستغلال و الابتزاز و القهر باسم الدين.

2) و إما من الأحزاب البورجوازية أو البورجوازية التابعة لجعل سياستها و برامجها ذات سند شرعي يجعل الجماهير الشعبية تقبل بها لاستنادها إلى الدين الإسلامي.

3) و إما من الأحزاب الإقطاعية التي تعتمد أيديولوجيتها على الفكر الخرافي و الفكر الغيبي و الفكر الديني. ذلك الفكر الذي يعادي العقل و المنطق، و يغرق في الغيب و الخرافة و يتمسح بالدين الإسلامي لاكتساب الشرعية.

4) و إما من الأحزاب التي تسمي نفسها إسلامية و التي قامت على أساس ادلجة الدين الإسلامي سعيا إلى تضليل الناس بتلك الادلجة لجعلهم يعتقدون أن تلك الأحزاب هي التي ستجد الحلول لجميع المشاكل على أساس إسلامي في حالة وصولها إلى الحكم حتى يتحقق قيام الدولة الإسلامية على يدها، و حتى يكون الإسلام هو الحل، و الواقع شيء آخر.

و انطلاقا من هذا التعامل الأيديولوجي مع الدين الإسلامي و مع النصوص الدينية. فإننا نجد أن الدين الإسلامي هو دين الحكمة و الموعظة الحسنة.أما المؤدلجون للدين الإسلامي الساعون إلى تحقيق مصالح طبقية هي التي تقف وراء كل أشكال العنف الدموي التي تمارس باسم الدين الإسلامي. أما الدين الإسلامي في حد ذاته فهو بريء من تلك الادلجة. و إذا كان هناك شيء يؤخذ على النصوص الدينية هو قبولها للتأويل الأيديولوجي المغرض الذي تحول مع سيادة الجهل و الفقر و المرض إلى الاعتقاد بأنه هو الإسلام الحقيقي. و كثرة التأويلات الأيديولوجية أعطت انطباعا بأن الإسلام يتعدد بتعدد الدول و الفرق و الأشخاص و الطبقات الاجتماعية، لأن كل واحد و كل جهة تؤوله بما يخدم مصلحتها الطبقية. ويحول ذلك التأويل إلى وسيلة لإرهاب الأفراد و الجماعات و الدول. و لذلك يمكن القول بأن العلاقة بين الإسلام و الإرهاب هي علاقة تناقض. أما علاقة ادلجة الدين الإسلامي بالإرهاب فهي علاقة استلزام منذ قامت تلك الادلجة إلى يومنا هذا.

واقع الإسلام و واقع الحكام :

و انطلاقا مما رأينا في الفقرات السابقة، فإننا يمكن أن نميز بين مستويين في الواقع الإسلامي : مستوى واقع الإسلام، و مستوى واقع الحكام المسلمين.

فواقع الإسلام كدين، لا يمكن أن يختلف أبدا عن جميع الديانات الموجودة على الأرض، و من حقه أن يتواجد، و من حقه أن يتحول إلى قوة مؤثرة في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، و لكن كمنظومة من القيم التي تتفاعل مع منظومات قيمية أخرى ذات مصادر متعددة و متنوعة، و تتطور بفعل ذلك التفاعل كنتيجة لاستيعاب مستجدات ذلك العصر ليستمر التفاعل و التطور الى ما لا نهاية. و هو ما يوضح بجلاء أن واقع الإسلام يتجسد في واقع القيم التي تساهم في بناء الشخصية المتزنة السليمة، الخالية من الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و القادرة على فرض تحقيق كرامة الإنسان وحقه – كإنسان – في الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية التي لا تتحقق كرامة الإنسان إلا بها. و هذه القيم استنباط من النصوص الدينية، و من سيرة الرسول، و من عمل أهل المدينة كما يقولون، أي من الكتاب و السنة. كما يمكن استنباتها في الواقع الاجتماعي بالحكمة و الموعظة الحسنة. و يمكن تطويرها بإنضاج شروط تفاعلها مع القيم الإيجابية أنى كان مصدرها. و يمكن اعتبارها نتيجة لكل الممارسة الإنسانية الإسلامية في تطورها و تفاعلها مع الواقع في تحوله و تغيره عبر الأزمنة و الأمكنة في نفس الوقت. أما إذا تعارضت القيم المسماة "إسلامية" مع إنسانية الإنسان. فهي قيم غير إسلامية، أي أنها قيم أيديولوجية التي لا علاقة لها بالقيم الإنسانية. فالقيم الأيديولوجية هي قيم لا تهم إلا طبقة معينة تسعى إلى أن تصير قيما للمجتمع ككل. و ادلجة الدين الإسلامي تسعى إلى جعل الدين الإسلامي معبرا عن مصلحة طبقة معينة تسعى إلى إلباس قيمها مسحة الإسلام، و تسمي نفسها توجها "إسلاميا" و تنهل من القيم المتخلفة في عصور الظلام. و المتمثلة بالخصوص في نفي كل من خالف رأي تلك الطبقة سواء كانت بورجوازية أو بورجوازية تابعة، أو إقطاعية، أو يمين متطرف يستغل الدين الإسلامي. و لذلك نرى أن التنافي سيبقى قائما إلى ما لا نهاية بين القيم الإسلامية/الإنسانية، و بين القيم الأيديولوجية اللاإنسانية.

و لذلك فواقع الإسلام قائم على الخلط و التضليل و عدم التمييز بين القيم النبيلة الإسلامية/الإنسانية، و بين القيم الأيديولوجية التي تسعى كل طبقة مؤدلجة للدين الإسلامي إلى فرضها على جميع أفراد المجتمع سواء تعلق الأمر بالطبقة الحاكمة أو بالأحزاب المعبرة عن مصالح الطبقات المستفيدة من ادلجة الدين الإسلامي بما يصطلح على تسميته بتوجهات "الإسلاميين" المغرقين في التطرف المؤدلج للدين الإسلامي حتى لا نقول "التطرف الديني" لأنه لا وجود لشيء اسمه التطرف الديني. و هذا الخلط القائم في الواقع الإسلامي هو الذي يجعل الكثيرين يعتقدون أن الإرهاب من طبيعة الإسلام، بينما نجد أن الأمر ليس كذلك إذا ساد الوعي بضرورة التمييز بين القيم الإسلامية/الإنسانية الحقيقية، و بين القيم المنبثقة و المترتبة عن ادلجة الدين الإسلامي. و للوصول إلى امتلاك ذلك الوعي يجب الانكباب على إعادة النظر في كل القراءات التاريخية و الراهنة التي يعتمدها مؤدلجوا الدين الإسلامي. و القيام بالكشف عن الأوهام الأيديولوجية المبثوثة فيها و التي لا علاقة لها بالدين الإسلامي، و فضحها و الكشف عن تناقضها مع القيم الإسلامية/الإنسانية النبيلة، و العمل على محاربتها في الواقع على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية.

و الذي يجب أن يتصدر إلى إعادة النظر المشار إليها هم اليسار المتضرر الأول من ادلجة الدين الإسلامي بعد أن يعيد النظر في ممارسته تجاه الدين لا بالتخلي عن المنهج العلمي الذي يجب اعتماده في التعامل مع مظاهر ادلجة الدين الإسلامي. باعتباره قوة مادية قائمة في الواقع يقتضي المنهج العلمي استحضارها في التحليل العلمي. و إلا فإن ما قام به حسين مروة، و فرج فودة، و غيرهما سيبقى يتيما، و سيبقى مجرد أعمال فردية لم تتحول بعد إلى ممارسة يسارية تسعى إلى تحييد الدين في الصراع الطبقي. و بدون ذلك يبقى اليسار مهمشا، و تبقى ادلجة الدين مقصد كل متهافت إلى حماية مصالحه الطبقية على حساب تدجيل الجماهير و تدجينها و تضليلها باسم الدين الإسلامي.

أما واقع الحكام الذين يتشكلون من الطبقة الحاكمة و مسؤولي أجهزة الدولة، فإنه يتميز بالاستغراق في الاستغلال الهمجي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي الذي يمتد على مدى ساعات اليوم، و أيام الشهر، و سنوات العمر. و هذا الواقع يفرض استمرار انشغال الحكام بما يجعل الجماهير الشعبية الكادحة تعتبر أن ما يقومون به عمل مشروع. و مشروعيته تتمثل في قبول الجماهير الشعبية الكادحة بممارسة الاستغلال عليها. و اعتبار ذلك الاستغلال قضاء و قدرا و القضاء و القدر مفهومان لهما علاقة بإيمان المسلم و الحكام، من خلال فقهاء الظلام المؤدلجين للدين الإسلامي لصالحهم. يحاولون توسع مفهوم القضاء و القدر ليشمل كل الممارسات التي تمارس على الكادحين من قبل المستغلين و من قبل الحكام في نفس الوقت، و تحريف المفاهيم الدينية بإعطائها مدلولات تتناسب مع مصلحة الحكام و من يسبح في فلكهم يعتبر أهم ما يميز واقع الحكام. و لذلك نجد أن واقع الحكام مرتبط ارتباطا جدليا بأدلجة الدين التي تختلف بحسب الطبقة التي تلجأ إلى تلك الادلجة بعد الوصول إلى الحكم. فالبورجوازية الصغرى لا تؤدلج من الدين إلا ما يتناسب مع توفيقيتها و تلفيقيتها، لأنها تأخذ من كل أيديولوجية ما يناسبها، و البورجوازية تحاول أن تجعل ادلجة الدين مكملة لأيديولوجيتها و مدعمة لها. و البورجوازية التابعة، ونظرا لأصولها الإقطاعية المتخلفة فإنها تزاوج بين الأيديولوجية التبعية و ادلجة الدين الإسلامي حتى تعطي الشرعية لممارستها التبعية لمراكز الهيمنة الرأسمالية، و الإقطاع الذي تقوم أيديولوجيته على الغيب و الخرافة و الأساطير يلجأ بدوره إلى ادلجة الدين الإسلامي لإكساب الخرافات و الأساطير شرعية التداول باعتبارها جزءا من الدين الإسلامي، و اعتبار الإيمان بها جزءا من الإيمان. و اليمين المتطرف الآتي من عمق ظلام التاريخ يسعى إلى تحميل الدين الإسلامي من التأويلات الأيديولوجية ما لا يتحمل، و ما لا يقبل عقليا، فكأن الله اختارهم دون سواهم، و تحيز إليهم دون باقي الطبقات الاجتماعية، و دون باقي البشرية، فمنحهم القدرة على القيام بتأويل كل شيء إلى درجة تحويل النصوص الدينية إلى مجرد مقررات أيديولوجية و بيانات سياسية مدنية و منحطة لا علاقة لها بالتاريخ و لا بالواقع، و لا بالدين الإسلامي و لا بالعقل و لا بالمنطق الإنساني أو الصوري.

و لذلك نجد أن واقع الحكم له علاقة وطيدة بالطبقة الاجتماعية التي تحكم، و جميع الطبقات تستغل الدين الإسلامي عن طريق الادلجة بدرجة تتناسب مع حاجة تلك الطبقة إلى تلك الادلجة و في شروط معينة. و الطبقة الوحيدة التي لا تلجأ إلى ادلجة الدين الإسلامي هي الطبقة العاملة التي يتفق الجميع على استهدفها بالتضليل الأيديولوجي حتى لا تمتلك وعيها الطبقي الحقيقي الذي يجعلها تلجأ الى اعتبار الدين الإسلامي من مقومات المجتمع الروحية، و مصدر القيم النبيلة التي تساهم بشكل كبير في سلامة المجتمع من مختلف الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في حالة وصولها إلى الحكم إلى جانب المقومات الأخرى التي تزخر بها المجتمعات و التي لا يمكن إلغاؤها بجرة قلم، و لا يمكن بأي شكل من الأشكال عدم اعتمادها في التحليل الموضوعي للواقع في مختلف تجلياته حتى يتبين ما يجب عمله للاستفادة منها في الاتجاه الصحيح.

و انطلاقا من هذا التحليل لواقع الاسلام و لواقع الحكام يتبين أنه من اللازم اعتماد مبدأ التمييز بين الاسلام و بين الادلجة من جهة و بين الحكام كمؤدلجين للدين الاسلامي لحماية مصالحهم الطبقية حتى تكون رؤيتنا للاسلام و للحكام موضوعية بعيدة عن كل أشكال التحليل القائم على المصلحة الذاتية الفردية أو الطبقية وصولا الى القول بضرورة تحييد الدين و التزام الجميع بعملية التحييد هذه التي تقودنا الى استبعاد كل عوامل التخلف الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي القائمة على الاستغلال الايديولوجي للدين.

فهل نصل فعلا إلى تحقيق هدف تحييد الدين في التعامل الأيديولوجي و السياسي ؟

فهل ترقى مختلف الطبقات الاجتماعية إلى مستوى الاقتناع بضرورة تحييد الدين ؟

أزمة الدين الإسلامي و أزمة مؤدلجيه :

و تبعا لما رأيناه في الفقرات السابقة نجد أنفسنا أمام سؤال ملح هو : هل يعرف الدين الإسلامي أزمة معينة ؟ و إذا وجدت تلك الأزمة، فما العمل من أجل تجاوزها ؟ ألا تعتبر أزمة الدين الإسلامي هي مجرد تجل بشكل أو بآخر لأزمة مؤدلجي الدين الإسلامي ؟ و هل يمكن اعتبارها أزمة للمسلمين جميعا ؟

لعله من غير المقبول و من غير المنطقي القول إن الإسلام في أزمة، لأنه لو كان في أزمة لما استطاع الاستمرار كل هذه القرون من الزمن، و لما استطاع الانتشار في كل القارات الخمس. فأزمة الإسلام كانت تعالج في حينها عندما تنفرز فيظهر أنه من الضروري أن يعمل الوحي على تجاوز الأزمة الحاصلة بنزول آية أو آيات تنسخ ما قبلها لتزل الأزمة . و هكذا منذ نزول أول آية "اقرأ باسم ربك الذي خلق ..."إلى أن نزلت آخر آية "اليوم أكملت لكم دينكم و أتممت عليكم نعمتي و رضيت لكم الإسلام دينا". و أي حديث عن أزمة الإسلام بعد نزول آخر آية إنما هو من باب الاختلاق لأنه إذا قلنا إن الإسلام في أزمة، فإننا سنضطر إلى القول بأننا في حاجة إلى الرسول الذي يتلقى الوحي من الله من اجل معالجة الأزمة القائمة فيه. و هو أمر غير وارد لاعتبارات كثيرة نذكر منها :

1) أن محمدا كان آخر الأنبياء.

2) أن القرآن كان آخر الرسالات.

3) إن تطور البشرية يقتضي امتلاكها لمناهج البحث التي تمكنها من معرفة حقيقة الإسلام.

4) إن وقوفنا على أسباب النزول سيمكننا إلى حد كبير من الشروط الموضوعية التي اقتضت نزول القرآن في تلك المرحلة دون غيرها. و لماذا لم يعد في الإمكان حصول أزمة في الإسلام ؟ و هل يمكن أن يوجد حل إذا افترضنا وجود تلك الأزمة بعيدا عن وجود رسول يتلقى الوحي من الله ؟

و ما دام غير وارد للاعتبارات التي ذكرنا، فإن أزمة الإسلام ليس إلا افتراضا نظرا لعدم انسجام التأويلات التي تتعارض مع الواقع المتحول على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هذا الافتراض ليس إلا تضليلا للكادحين عن حقيقة أزمة مؤدلجي الدين الذين لا يستطيعون جعل تأويلاتهم تنسجم مع الواقع. لأن التأويلات الأيديولوجية لا تعبر إلا عن المصالح الطبقية. و من طبيعة جميع المصالح الطبقية لطبقة معينة،أنها تتعارض مع مصالح الطبقات الأخرى. و الطبقة الوحيدة التي تتناسب مصالحها المتجسدة في الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية مع مصالح الطبقات الاجتماعية الأخرى هي الطبقة العاملة.

و لذلك فالأزمة ليست أزمة الإسلام بقدر ما هي أزمة مؤدلجي الدين الذين تختلف درجة أدلجتهم من طبقة اجتماعية إلى طبقة اجتماعية أخرى باستثناء الطبقة العاملة المستهدفة بتلك الادلجة كما رأينا في الفقرات السابقة هي التي لا تؤدلج الدين الإسلامي، و لكنها في نفس الوقت تقع ضحية ادلجته.

فما هي الأسباب التي تقف وراء ادلجة الدين الإسلامي ؟

إن الأسباب القائمة في الواقع و التي تجعل جهات معينة تلجأ إلى أدلجة الدين الإسلامي يمكن تصنيفها في :

1) كون الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي تعيش أزمة طبقية تجعلها مهددة بالذوبان، و الاندثار ثم الزوال بصفة نهائية، فتلجأ إلى عملية الادلجة التي تمكنها من تضليل الكادحين، و إخضاعهم للاستغلال الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي حتى تتمكن تلك الجهة من ضمان استمرارها، و إيجاد حلول لأزمتها.

2) كونها تفتقد أيديولوجية محددة و واضحة كما هو الشأن بالنسبة للأيديولوجية البورجوازية و أيديولوجية الإقطاع، و أيديولوجية الطبقة العاملة. لذلك فهي تلجأ إلى ادلجة الدين الإسلامي حتى تفك أزمتها الأيديولوجية لتتمكن من تضليل الطبقات المستهدفة.

3) كون المجتمعات الإسلامية تعاني من انتشار الأمية في صفوفها و خاصة في الأرياف، و هوامش المدن مما يجعل الأميين اكثر تقبلا لأدلجة الدين الإسلامي باعتبارها إسلاما.

4) كون هذه المجتمعات تعاني من تدني مستوى المعيشة لدرجة أن غالبية أفرادها لا يستطيعون القدرة على مواجهة متطلبات الحياة مما يجعل معظم متعلميها ذوي وعي متدن بسبب تدني المستوى التعليمي.

5) ارتفاع درجة الفقر، وكثرة الذين يعيشون دون مستوى الفقر الأمر الذي يترتب عنه عجز غالبية السكان عن الحصول على الحاجيات الضرورية التي من جملتها الحصول على الحق في التعلم.

و ما هي الأهداف التي تحققها تلك الجهة من ادلجة الدين الإسلامي لتجاوز أزمتها مرحليا ؟

إن الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي العاملة على تجاوز أزمتها، تسعى في هذا الأفق إلى تحقيق أهداف محددة نجمل بعضها في :

1) جعل غالبية الكادحين تعتقد أن تلك الادلجة هي الدين عينه بمن فيهم المتعلمون أو أشباه المتعلمين الفاقدين للوعي بخطورة ادلجة الدين الإسلامي.

2) ضمان وحدة الطبقة التي تسعى تلك الجهة إلى خدمة مصالحها الطبقية.

3) تجييش الكادحين و المقهورين على جميع المستويات وراء الجهة التي تؤدلج الدين الإسلامي باعتبارها "مجاهدة" تسعى إلى نشر الدين الإسلامي و المحافظة عليه و الدفاع عنه.

4) توظيف ذلك التجييش للوصول إلى مراكز القرار و التمكن من فرض الرؤى و التصورات المؤدلجة للدين الإسلامي على المستوى الرسمي من خلال القوانين و القرارات الرسمية.

5) جعل الدين الإسلامي تعبيرا عن برنامج حزب الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي مما يجعل الكل يعتقد أن ذلك البرنامج هو الإسلام، و أن العاملين على تحقيق ذلك البرنامج هم المسلمون.

6) تحقيق التطابق بين الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي و بين المجتمع الذي يدين بالإسلام. و هذا التطابق هو الذي يقف وراء تكريس كل أشكال التضليل الأيديولوجي باسم الدين.

7) جعل السيادة الدينية التي تتحقق بواسطة ادلجة الدين الإسلامي وسيلة لتحقيق السلطة الدينية على المجتمع الذي يصير خاضعا لارادة مؤدلجي الدين الإسلامي.

8) توظيف السلطة الدينية التي تملكها الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي إما لتأييد الطبقة الحاكمة في شروط معينة، و إما إلى تحقيق السيطرة على السلطة السياسية في حالة رفض الطبقة الحاكمة لتوجهات مؤدلجي الدين الإسلامي بسبب تعاظم أمرهم على مستوى الكرة الأرضية بسبب توفر الإمكانيات المادية و المعنوية أمامهم. و بسبب تداخل مصالحهم مع مصالح الطبقة الرأسمالية التابعة وجميع الذين يكرسون استغلال الكادحين، ما لم يتحمل اليسار مسؤوليته التاريخية في فضح و تعرية أسباب و اهداف ممارسة ادلجة الدين الإسلامي، وما لم يستعد قوته و قدرته على جعل الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة يمتلكون وعيهم الطبقي في أبعاده الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. فإذا تحمل اليسار مسؤوليته التاريخية وفق برنامج محدد، فإنه يستطيع أن يعمل على تفكيك ادلجة الدين الإسلامي، و يرفع من الغشاوة عن أعين الكادحين فيستعيدون بذلك وعيهم الطبقي، و يشكلون قوة رافضة لتلك الادلجة و مقاومة لها، و محاصرة لمؤدلجي الدين الإسلامي عن طريق فرض حياد الدين في ممارسة السياسة التي تصير تعبيرا عن الصراع الأيديولوجي الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي القائم في المجتمع. و الذي يقوم به البشر الذين يجدون أنفسهم مضطرين إلى الانخراط في ذلك الصراع، و مساهمين فيه كل من موقعه الطبقي الاقتصادي و الاجتماعي، و انطلاقا من اقتناعه بأيديولوجية معينة، و انتمائه إلى حزب سياسي معين لا علاقة له بأدلجة الدين الإسلامي.

و بهذا التصور يمكن أن نستنتج أن الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي تحمل أزمتها معها، و أزمتها في عجزها عن امتلاك نظرية عن الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي. و أن ادلجتها للدين الإسلامي ليس إلا تعويضا عن ذلك العجز المستميت و المستمر، و أن تجاوز تلك الأزمة التي يعاني منها مؤدلجو الدين الإسلامي لا يتحقق إلا بإعادة النظر في ممارسة الادلجة في حد ذاتها بهدف التخلي عنها عن طريق القول بتحييد الدين الإسلامي في الصراع القائم في المجتمع حتى يأخذ الصراع مساره الطبيعي و ينتج التطور المنشود في حياة البشر بالانتقال من تشكيلة اقتصادية اجتماعية متخلفة إلى تشكيلة اقتصادية اجتماعية متقدمة.

و هذه الخلاصة التي وقفنا عليها في الفقرة السابقة تجعلنا نطرح السؤال :

ألا يعتبر تطور الصراع الطبقي في اتجاه الانتقال من تشكيلة اقتصادية/اجتماعية متخلفة إلى تشكيلة اقتصادية/اجتماعية متقدمة هو الذي يشكل عمق أزمة مؤدلجي الدين الإسلامي في مختلف مستويات ادلجتهم، و على اختلاف الطبقات الاقتصادية /الاجتماعية التي ينتمون إليها ؟

إننا في الواقع، و بدون اللجوء إلى ادلجة الدين الإسلامي، نجد أن أية طبقة اجتماعية لها أيديولوجيتها التي تناسبها و أن دور تلك الأيديولوجية في عرقلة امتلاك الكادحين لوعيهم الطبقي الذي لا يأتيهم إلا بامتلاكهم لأيديولوجيتهم الاشتراكية العلمية، التي توحد صفوفهم و صفوف طليعتهم الطبقة العاملة التي تقودهم بواسطة حزبها الثوري لتحقيق عملية الانتقال و عبر الصراع المعقد و المتعدد الأوجه، من المجتمع الرأسمالي التبعي أو الرأسمالي، أو ما قبل الرأسمالي إلى المجتمع الاشتراكي. إلا أن أيديولوجيات مختلف الطبقات، و بسبب طبيعتها الاستغلالية التي يمكن الوقوف عليها بسهولة لا تقوى على الاستمرار في تضليل الكادحين و خاصة في المجتمعات المحكومة بأنظمة رأسمالية تابعة. و لذلك نجد أن اللجوء إلى ادلجة الدين الإسلامي باعتباره دين غالبية الكادحين في البلاد الإسلامية المحكومة بأنظمة رأسمالية تابعة حتى تؤدي تلك الأيديولوجية الدينية دورها في تضليل الكادحين، و الحيلولة دون امتلاكهم للوعي الطبقي و خلق عداوة مطلقة بينهم و بين أيديولوجيتهم الحقيقية "الاشتراكية العلمية" باعتبارها أيديولوجية "الكفار" و "الملحدين" و في ظل غياب يسار قوي و متمكن و سائد في الواقع الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي و نظرا لضعف الإمكانيات المتوفرة لدى اليسار القائم أو انعدامها، و التي تمكنه من نشر أيديولوجية الكادحين بين الكادحين أنفسهم و على نطاق واسع، و نظرا للأسباب التي أشرنا إليها سابقا، فإن الكادحين سرعان ما ينساقون وراء خطاب ادلجة الدين الإسلامي. و أن تلك الادلجة غالبا ما ترتبط بالكادحين ارتباطا عضويا. و أن هذا الارتباط العضوي يقيم سدا منيعا بين الكادحين و بين أيديولوجيتهم الحقيقية. و هو ما يعني انتقال أزمة مؤدلجي الدين الإسلامي إلى المستهدفين بتلك الادلجة الذين ينفصلون عن واقعهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، لينخرطوا في واقع مؤدلجي الدين الإسلامي الذي ليس إلا واقعا متصورا من خلال شعار "الإسلام دين و دولة" و شعار "الإسلام هو الحل" و شعارات "الجهاد" و "التكفير" و شعار "تطبيق الشريعة الإسلامية" و الكادحون عندما ينخرطون في واقع مؤدلجي الدين الإسلامي المتصور يجدون أنفسهم قابلين راضين بالاستغلال الممارس عليهم من جميع الطبقات المستفيدة من الاستغلال الذي يصير في نظر الكادحين "قضاء و قدرا"، يعتبر جزءا من الإيمان الذي يترتب عنه انتظار الجزاء الأوفى من الله تعالى يوم القيامة حيث يجازى كل بقدر عمله " فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره و من يعمل مثقال ذرة شرا يره". و في مقابل انتظار الجزاء يتجيش الكادحون وراء مؤدلجي الدين الإسلامي من اجل تنفيذ مخططاتهم الإرهابية التي يسمونها "جهادا" لاستسراع الجزاء الأوفى من الله كما يتوهمون.

و الأزمة التي يعاني منها الكادحون تنقلنا إلى استحضار أزمة اليسار التي تتخذ لها ثلاث مستويات رئيسية :

المستوى الأيديولوجي بسبب عدم حسم العديد من فصائل اليسار مع الأيديولوجيات اليمينية البورجوازية و البورجوازية التابعة و الإقطاع و اليمين المتطرف. و لذلك فتبني اليسار لأيديولوجية الاشتراكية العلمية التي تعرف تفسيرات و تأويلات تصل إلى درجة التناقض أحيانا مما يجعل اليسار غير منسجم بسبب اختلاف المواقع الطبقية/الاجتماعية للقيادات اليسارية. و بسبب اختلاف خصوصيات البلدان التي ينتمون إليها، و اختلاف التشكيلات الاقتصادية الاجتماعية التي يعملون على تفكيكها، و اختلاف مستويات فهمهم بسبب اختلاف مستويات تكوينهم. و لتجاوز الأزمة الأيديولوجية يجب قيام اليسار بتعميق النظر في الاشتراكية العلمية، و في قوانينها المادية الدياليكتيكية و المادية التاريخية، و القيام بدراسة معمقة لمختلف التجارب الاشتراكية، و الوقوف على عناصر القوة و الضعف فيها، و الاستفادة من كل ذلك لصالح تطور و تطوير الاشتراكية العلمية، و الخروج بخلاصات تستحضر ضرورة الوحدة الأيديولوجية لليسار في أفق تجاوز الأزمة الأيديولوجية التي يعاني منها.

و المستوى التنظيمي الذي يختلف باختلاف التأويلات الأيديولوجية الاشتراكية العلمية نظرا لطبيعة القيادات اليسارية البورجوازية الصغرى التي لا تستبعد مصلحتها الطبقية في تأويل قوانين الاشتراكية العلمية، و في ابتداع الأساليب التنظيمية التي تناسب تأويلاتها ،الأمر الذي خلق أزمة تنظيمية بين أحزاب اليسار. و هذه الأزمة و من هذا النوع وقفت دائما و تقف و ستقف حائلا دون قيام وحدة يسارية مستقبلا نظرا للتناقض القائم بين التصورات التنظيمية المختلفة. و لذلك يجب أن يفتح نقاش واسع بين مكونات اليسار الحقيقي و الديمقراطي حتى تتبين الصيغة المناسبة لتحقيق الوحدة التنظيمية تبعا لتحقيق الوحدة الايديولوجية حتى يستطيع اليسار القيام بدوره في قيادة الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة و بتصور يتناسب مع التحولات التي يعرفها الواقع و في مقدمتها العولمة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية، حتى تقوم حركة اليسار من جديد على أساس السعي إلى قيام عولمة مضادة، و مناضلة و موحدة لنضالات الكادحين عبر العالم.

و المستوى السياسي الذي يتجلى في اختلاف مواقف مكونات اليسار من مختلف القضايا الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، بسبب اختلاف التأويلات الأيديولوجية، و التصورات التنظيمية و بسبب اختلاف مصالح قيادات اليسار ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى. لأن المواقف السياسية هي التعبير السياسي عن الانتماءات الأيديولوجية و التصورات التنظيمية. و لذلك نرى ضرورة تفعيل التنسيق و التحالف في أفق اتخاذ مواقف سياسية مشتركة حول مختلف القضايا الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية المحلية و الوطنية و القومية و العالمية و خاصة في ظل سيادة عولمة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أفق وحدة الموقف المنبثق عن الوحدة التنظيمية المترتبة عن الوحدة الأيديولوجية.

و بذلك يتجاوز اليسار أزمته الأيديولوجية و التنظيمية و السياسية ليصير قويا و قادرا على دراسة الواقع بمختلف تجلياته بما فيها التجلي المتجسد في ادلجة الدين الإسلامي الذي يحتاج من اليسار دراسة علمية و مدققة من اجل الوقوف على طبيعة الادلجة و كيف يتم التمييز بينها و بين الدين الإسلامي الذي يجب النظر إليه باعتباره مكونا من مكونات الواقع التي يجب أخذها بعين الاعتبار في التحليل العلمي نظرا لكونه مصدرا للعديد من القيم التي تلتصق بحياة الناس، حتى يقوم اليسار بدوره و من موقع الارتباط بحياة الناس الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية في مناهضة ادلجة الدين الإسلامي عن طريق فضح و تعرية الممارسات التحريفية التي يقوم بها المؤدلجون ، لا من اجل التحول إلى مؤدلجين جدد للدين الإسلامي، و من موقع اليسار، بل من اجل نفي ادلجة الدين الإسلامي، و العمل على تحييده حتى يبقى بعيدا عن الاستغلال الأيديولوجي و السياسي، و يصير كما كان " و أن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحدا " و يصير أمر الناس للناس كما جاء في القرآن " و أمرهم شورى بينهم ".

انتشار الإسلام و دموية المسلمين :

و بعد وقوفنا على أن الإسلام ليس في أزمة، و أن الأزمة القائمة هي أزمة مؤدلجي الدين الإسلامي الذين يعتبرون ادلجتهم تلك وسيلة لتجاوز أزمتهم نطرح مع السيد عيسى بطرس السؤال :

هل يرجع انتشار الإسلام إلى دموية الإسلام أم إلى دموية المسلمين ؟

إننا عندما نطرح هذا السؤال على أنفسنا و نسعى للبحث عن إجابة مقنعة يجب أن نميز بين أمرين :

الأمر الأول : هو الإسلام باعتباره إيمانا و شريعة و قيما مجردة لا يمكن أن تؤثر في الواقع إلا بواسطة المسلمين. و لذلك فالأفكار و القيم و الإيمان تنتشر بدون واسطة لأن الناس كيفما كانوا يتلقون تلك الأفكار، و يعملون على مناقشتها و تحليلها و التأثر بها، و التأثير فيها.

الأمر الثاني : أن الإسلام لا يتجسد على ارض الواقع إلا من خلال المسلمين الذين يختلف فهمهم للإسلام كما تختلف درجة إيمانهم به من شخص إلى آخر، و من قارة إلى أخرى. و بالتالي فإن مصلحة الفرد أو الطبقة أو الشعب تحدد إلى أي حد يمكن توظيف الإسلام لخدمة تلك المصلحة المادية أو المعنوية الدنيوية أو الأخروية. و بناء على هذا التحليل فإن كل ما ينسب إلى الإسلام هو من عمل المسلمين الذين تجاوزوا منذ البداية منطوق النص الديني، و أعطوا أنفسهم الحق في النيابة عن الله في حماية الدين الإسلامي، مع أن الله لم يكلف أحدا بذلك، و لو فعل لكان ذلك الشخص رسولا. و إذا كان كذلك سيخالف منطق القرءان الذي يقول "و ما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل" كما خالفوه في قوله تعالى " انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون" .فالله لم يكلف أحدا بحماية الدين الإسلامي، و حفظ نصوصه، و ما يقوم به المسلمون إنما هو من ابتداعهم تبعا لمصلحتهم.

و نحن عندما نتتبع البدايات الأولى لظهور الإسلام سنجد أن كل من آمن بالإسلام و اقتنع به لم يرغمه أحد على ذلك ،بل إن المقتنعين به وجدوا فيه وسيلة لمناهضة ما كانت تمارسه الأرستقراطية القرشية التي اغتنت على حساب فقراء قريش الذين صاروا يستعبدون بسبب فقرهم كلما اضطروا إلى الاستدانة من تلك الأرستقراطية القرشية. نظرا لدعوة الإسلام إلى المساواة و العدل بين الناس مهما كانت جنسيتهم أو لونهم " لا فرق بين عربي و عجمي ولا بين ابيض و اسود إلا بالتقوى"و هذه الدعوة لم يفهم منها المسلمون الاوائل الذين ينتمون في الغالب إلى الطبقات الاجتماعية الفقيرة ، و إلى العبيد إلا ما يتناسب مع واقعهم الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي. فالحاجة إلى تغيير الواقع هو الذي جعل الإسلام وسيلة للتغيير الشامل لأوضاع العرب و غيرهم في الجزيرة العربية و في غير الجزيرة العربية لا على أنه أيديولوجية أو برنامج سياسي أو دستور، بل على أنه إسلام يحمل قيما تتناقض مع القيم التي كانت سائدة قبل ظهوره و تسعى إلى بناء إنسان من نوع جديد ينبذ التفرقة و يسعى إلى تحقيق الوحدة، و يعمل على حفظ كرامة الإنسان بقطع النظر عن الطقوس التي يجب أن يقوم بها المعتنقون لعقيدة الإسلام، و التي تسعى في جوهرها إلى تقديم المثل القيمية بشكل مجسد. و قد تظهر من خلال نصوص القرءان بعض الآيات التي تدعوا المسلمين إلى القيام بعمل معين مثل قول الله "و اعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل" و قوله "فإن قاتلوكم فاقتلوهم" و قوله " و إن طائفتان من المومنون اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله" و قوله " من قتل نفس بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا". فإنما لبث قيم الشجاعة و القوة التي تجعل المسلمين يدافعون عن أنفسهم و يحافظون على دينهم، و ليس من اجل فرض الإسلام بالقوة كما يذهب إلى ذلك العديد من الذين تناولوا هذه المسألة بالدراسة. و الدليل على ما نذهب إليه ما جاء في القرءان "يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا و بينكم أن لا نعبد إلا الله". فالإسلام يحمل من القيم ما يتناقض مع ممارسة المسلمين في مختلف العصور. و ما يجعل متلقيه يقتنع بقيمه و يعمل بها سواء آمن به أو لم يومن. و انتشاره في أوربا و إفريقيا و آسيا و أمريكا و استراليا لم يحصل بحد السيف كما يذهب إلى ذلك كثيرون، بل إن حد السيف كان يستهدف الغنائم من الأموال و الأنعام و الجواري و خراج الأرض. وفي مقابل ذلك كان الناس يعتنقون الإسلام لحماية أنفسهم و أموالهم و نسائهم من المسلمين مما يجعل الاعتقاد بأن الإسلام انتشر على حد السيف. في الوقت الذي جاء الإسلام ليخاطب الناس بالتي هي احسن كما جاء في القرءان " و لا تجادلوا أيهل الكتاب إلا بالتي هي احسن" و هو بذلك لم يفكر أبدا و لن يفكر – نظرا لانتهاء عهد الوحي بموت محمد – في إرغام الناس على الاقتناع بالدين رغما عنهم كما جاء في القرءان " لا إكراه في الدين ".

و لذلك و منذ موت الرسول اصبح كل شيء بيد المسلمين كأفراد و جماعات، و كدول يدين سكانها بالإسلام. و نحن لا نبرر ما قام به المسلمون في عصر الخلافة إلا بالحاجة إلى حماية عقيدة المسلمين حتى و إن أدى ذلك إلى الحصول على الغنائم المختلفة لأن الجميع يعرف مدى العداء الذي كانت تكنه الدول المحيطة بالجزيرة العربية من الشرق ومن الغرب، و من الشمال و من الجنوب. إلا أن ما حصل بعد ذلك في آسيا و إفريقيا و أوربا لم يتم إلا بالرغبة في توسيع رقعة حكم الدول التي كانت تؤدلج الدين الإسلامي، و تعتمد تلك الادلجة لارغام الناس على اعتناق الدين الإسلامي و هم في الواقع لا يعتنقون إلا ادلجة الدين. و لجمع المزيد من الغنائم التي تذهب إلى مراكز الدول و توزع بين الجنود. و يمكننا أن نستدل على ذلك بكون كل دولة لها تأويلها للدين. فالأمويون في المشرق لهم تأويلهم، و هم في الأندلس لهم تأويلهم. و الدولة العباسية لها تأويلها. و الدويلات المتفرعة عنها لكل منها تأويلها، و الدول التي قامت في المغرب لكل واحدة منها تأويلها، و هكذا، و لكل دولة يدين سكانها بالإسلام في عصرنا هذا تأويلها. و تدعي وحدها أنها هي التي تملك الحق بالدفاع عن الإسلام الحقيقي. و الواقع أنها إنما تدافع عن مصلحة الطبقة الحاكمة في بلدها، و تسعى إلى حماية تلك المصالح الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية عن طريق ادلجة الدين، و فرض تلك الادلجة بواسطة القوة و التحكم في المؤسسة الدينية "المسجد" حتى تقوم بدورها في تكريس إشاعة تلك الادلجة، و ما اعتماد مذهب معين سني أو شيعي إلا امتلاك للتوجيه الأيديولوجي العام الذي يحدد أسلوب العمل بإشاعة ادلجة الدين الإسلامي و حمايتها. و نحن عندما نرتبط بمذهب موجه للادلجة لا نرتبط بالإسلام بقدر ما نرتبط بتأويل معين. و الارتباط بالتأويل الشيعي أو السني، المالكي أو الشافعي أو الحنبلي أو الحنفي، إنما نرتبط بتوجه عام تندرج ضمنه توجهات أخرى تختلف من مكان إلى مكان آخر، و من زمن إلى آخر. و هي توجهات غالبا ما تخالف ما جاء في القرءان. و تقف وراء الصراع الذي ينحرف عن حقيقته ليصبح صراعا دينيا دينيا، إسلاميا مسيحيا، أو إسلاميا يهوديا، أو ليصبح صراعا مذهبيا مذهبيا، سنيا شيعيا، أو مالكيا شافعيا، أو حنفيا حنبليا، و هكذا.

و التأويل، أنى كان هذا التأويل، و مهما كان القائم، ليس إلا تعبيرا عن مصلحة طبقية في نظر أصحاب التأويل الأيديولوجي. لا تتحقق إلا باستعمال القوة ضد الأمم و الشعوب، و ضد المخالفين و ضد أحزاب اليسار في عصرنا هذا و التي تتعرض لعملية استئصال و مصادرة حقه في الوجود من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي.

و لذلك فإن أي حديث عن دموية الإسلام يمكن أن نعتبره إجحافا في حق الإسلام الذي جاء ثورة من القيم و المثل على الأوضاع المتردية على مستوى القيم في ذلك الوقت. و هذه الثورة اتخذت طابعا دينيا نظرا لانشغال الناس في ذلك الوقت بعبادة الأوثان. و تفسير كل شيء و كأنه بإرادة الآلهة التي ليست إلا إرادة طبقة معينة مستفيدة من سيادة عبادة الأوثان التي اكتسبت بعدا اجتماعيا أدى إلى تمزيق المجتمع العربي إلى قبائل و عشائر، و عائلات و اسر تبعا لتعدد الآلهة، و تبعية كل مجموعة من البشر إلى اله معين مما أدى و خلال سنوات طويلة قبل مجيء الإسلام إلى صراع دام بين القبائل و العشائر من اجل الحصول على الغنائم.

فالدموية المؤصلة في السلوك قبل مجيء الإسلام هي نفسها التي بقيت ملتصقة بالسلوك بعد الإسلام. و لذلك فنحن إذا استثنيا عهد الرسول الذي دخل فيه الإسلام في دفاع مستميت عن التواجد المشروع للعقيدة الإسلامية، و عهد ابو بكر وعمر و عثمان الذي تميز بمقاومة الاستئصال الذي تعرض له الإسلام من داخل الجزيرة العربية و من خارجها. و إذا استثنينا كذلك الصراع بين معاوية و علي الذي وصف بالصراع المذهبي/المذهبي، فإن بني أمية استعادوا العقلية القبلية قبل الإسلام فيما صار يسمى بالفتوحات الإسلامية التي ليست إلا مناسبة للحصول على المزيد من الغنائم (الأموال، و العبيد، و الجواري، و الأنعام، و خراج الأرض) لصالح الفاتحين، و لصالح مركز الدولة. و لذلك نجدهم يجهزون الجيوش في اتجاه الشرق و الغرب و الشمال. و نظرا لأن الأنظمة التي كانت سائدة في ذلك الوقت كانت أنظمة مهترئة، فإن الفتوحات غالبا ما تلقى استجابة واسعة من قبل الجماهير، فتعتنق الدين الإسلامي لا لأنه فرض عليهم بحد السيف. بل لأن الفاتحين كانوا يخلصون الجماهير من تلك الأنظمة المهترئة فيظهرون و كأنهم مجموعة من الثوار الذين ينقذون الجماهير من ويلات حكامهم، خاصة و أن قيم الدين الإسلامي تساهم بشكل كبير في بناء الشخصية الإنسانية التي تعد شيئا جديدا لم يكن معروفا من قبل. و عندما تكون الأنظمة مرتبطة بالجماهير الشعبية كانت الفتوحات تجد صعوبة في الاختراق و مع ذلك فالفاتحون كانوا لا يهمتون إلا بالغنائم التي كانت تشغل بال خلفاء بني امية في دمشق، و أن الاهتمام بنشر الدين جاء عارضا و قد كان في الإمكان أن ينتشر الإسلام بدون تلك الفتوحات، لأن قوته في القيم التقدمية التي كان يدعو إليها في ذلك الوقت كما حصل بعد توقف الفتوحات. إذ استمر الإسلام في الانتشار، لأن البشر من طبعه أن يحرص على بناء شخصية سليمة من الأمراض الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هي أمراض كان يمكن اتقاؤها بالتحلي بقيم الدين الإسلامي في ذلك الوقت، غير أنه و بفعل تحولات الواقع، و تطور التشكيلة الاقتصادية و الاجتماعية و سيادة الفهم المؤدلج للدين الإسلامي على انه هو الإسلام صار الفهم المؤدلج للدين الإسلامي الذي ترعاه الدول كما ترعاه الجماعات المؤدلجة للدين الإسلامي يقدم قيم التخلف و الرجعية على أنها هي القيم التي تعتبر قيما إسلامية، و كل من رفض التحلي بها يعتبر كافرا و ملحدا، و يرغم على التحلي بتلك القيم تحت حد السيف، و الرصاص، و المتفجرات، و كل وسائل الموت و الدمار كما يحصل في الكثير من بلدان العالم. لأن مؤدلجي الدين الإسلامي يعتبرون مصيرهم و مصير مصالحهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية رهينة بانتشار تلك الادلجة. و لذلك يصير الإسلام في نظرهم سياسة، و يصير الانتماء إليه ممارسة سياسية تقتضي العمل على تحقيق الشعارات. و بما أن شعارات مؤدلجي الدين الإسلامي تكون منبوذة جماهيريا فإن الناس يرغمون على اعتناقها بالقوة التي يسمونها "تربية إسلامية".

و الخلاصة التي نصل إليها أن الدموية لا ترتبط بالإسلام بقدر ما ترتبط بالمسلمين الذين يعطون الإسلام فهما محددا انطلاقا من مصالح طبقية محددة لا يمكن تحقيقها إلا باستعمال العنف ضد الآخر، و باسم الدين. و أن ما يقوم به مؤدلجوا الدين في عصرنا هذا إنما هو محاولة للتعبير عن استمرار تشكيلة اجتماعية متخلفة تحتاج إلى الوجود الدائم خارج تطور التاريخ. فتلجأ إلى استعمال العنف لفرض ذلك مما أعطى صورة مغلوطة عن الإسلام الذي لعب دوره في مرحلة تاريخية معينة لحاجة الناس إلى القيم النبيلة التي كان يعمل على نشرها بالحكمة و الموعظة الحسنة، كما جاء في القرءان، لا بحد السيف كما يفعل مؤدلجو الدين الإسلامي.

تخلف دول المسلمين نتيجة للتبعية :

و ما وقفنا عليه من خلال الفقرة السابقة من أن الدموية ترتبط بالمسلمين لا بالإسلام، يقودنا إلى طرح سؤال آخر هو :

هل يرجع تخلف الدول الإسلامية إلى الإسلام، أم إلى تبعية الدول المسماة إسلامية ؟

إن الحديث عن تخلف الدول هو نتيجة لتخلف الشعوب و تخلف الشعوب هو نتيجة للاختيارات التي تتبعها الطبقة الحاكمة، و كيفما كانت هذه الطبقة، و في أي عصر حكمت فإذا كانت الاختيارات المتبعة في الحكم تستجيب لإرادة الشعوب على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، كانت الشعوب في خدمة تلك الاختيارات، و كان التناغم بين الحاكم و المحكوم وحصل التماسك بين مكونات الشعب و بين الدولة فيكون تقدم الدول و تقدم الشعوب في نفس الوقت. أما إذا كانت تلك الاختيارات لا تستجيب لإرادة الشعوب، فإنها تكون مجحفة في حقه، و تستهدف قوته اليومي، و إضعاف قدرته الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لصالح الطبقة الحاكمة، و لصالح الجهات الموجهة لسياستها في جميع المجالات كان التخلف قائما في الأوساط الشعبية، و كان تبعا له تخلف الدول بسبب تبعيتها، و خضوعها لتنفيذ و أجرأة تعليمات صندوق النقد الدولي.

و بالنسبة لمختلف الدول الإسلامية هل يرجع إلى الإسلام ؟ إننا على خط الوضوح العلمي، و بالرجوع إلى نصوص الإسلام، فإننا سوف لا نجد شيئا اسمه الدولة الإسلامية. و هذا المصطلح إنما هو من ابتداع مؤدلجي الدين الإسلامي، لأن النص الإسلامي الذي هو القرءان ليس نظرية أيديولوجية، و ليس بيانا سياسيا انه الإسلام، و ليس شيئا آخر، انه الدين الإسلامي الذي يجب أن يبقى بعيدا عن الاستغلال الأيديولوجي و السياسي، و ليس شيئا آخر. و لذلك نقترح استعمال دول المسلمين حتى نبعد الإسلام من مسؤولية التخلف الذي يلتصق بطبيعة التخلف الملازم للطبقات التي تتحكم في دول المسلمين. فهذه الطبقات التي تحكم هي طبقات لم تصعد إلى السلطة كنتيجة لممارسة صراع مشروع، و الصراع المشروع لا يكون إلا ديمقراطيا، سواء كان اقتصاديا أو اجتماعيا أو ثقافيا أو مدنيا أو سياسيا. بل نجد أن صعودها يأخذ شكلا غير مشروع وغير مقبول جماهيريا انه يأخذ طابعا استبداديا تسلطيا. و الاستبداد و التسلط لا علاقة لهما بالإسلام. فقد جاء في القرءان "و آمرهم شورى بينهم" و الضمير في أمرهم لا يعني إلا المسلمين الذين عليهم أن يتداولوا فيما يجب اعتماده على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. إلا أن الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين عندما تصل إلى السلطة لا تصل إليها بناء على ذلك التداول ،و بسبب اقتناع الجماهير الشعبية الكادحة بتوجهاتها المختلفة، بل باستبدادها بأمور المسلمين و حتى تعطي الشرعية لتسلطها و استبدادها، و تبعيتها لمراكز السيطرة الرأسمالية العالمية. فإنها تلجأ إلى ادلجة الدين الإسلامي الذي توظفه لتبرير تسلطها، و يصبح كل ما يصدر عنها بمرجعية إسلامية. أما إذا انعدمت تلك المرجعية، فإن ممارستها تصبح اجتهادا و إضافة و إبداعا في الشريعة التي يسميها فقهاء الظلام و التبرير المستفيدون من العطاءات اللامحدودة للطبقة الحاكمة ب "الإسلامية".

و لذلك فاعتماد الإسلام في الحكم بتخلف دول المسلمين غير وارد في التحليل العلمي. و في المقابل يجب اعتماد ادلجة الدين الإسلامي في ذلك التخلف. لأن الادلجة في عمقها ليست إلا ممارسة تضليلية للكادحين و المقهورين حتى يقبلوا بالتسلط و القهر و بالقوة باعتباره قدرا من عند الله .لأن الطبقات الحاكمة تعتمد القدر جزءا من الإيمان، و تعتبر كل من خالفها في الأخذ بالقدر، كيفما كان هذا القدر، هو الذي يكسب الطبقات الحاكمة في بلدان المسلمين قداسة الله. لذلك نجد أن الحكام في بلدان المسلمين صاروا مقدسين باعتبارهم قدرا من عند الله. و لأنهم كذلك، فكل من انتقد حكمهم و ممارستهم يعتبرونه ماسا بالمقدسات، و لإعطاء الشرعية لقداستهم و تقديسهم من قبل الجماهير. فإنهم يستندون إلى الدين الإسلامي، و إلى التاريخ و إلى الواقع لفرض تلك القداسة و تدبيرها حتى تصير جزءا من الواقع الاجتماعي و الثقافي و السياسي و حتى لا يستطيع أي أحد مخالفة الواقع.

و إلى جانب ادلجة الدين الإسلامي نجد أن الأنظمة القائمة في بلاد المسلمين تستند في سلطتها و استبدادها إلى قوى خارجية تتمثل في الرأسمالية العالمية و زعيمة الإمبريالية في الولايات المتحدة الأمريكية، و إلى المؤسسات المالية الدولية، صندوق النقد الدولي، و البنك الدولي، و تلتزم بشروط تلك القوى التي تتسلح بوسائل السيطرة و بالخبرة الكافية في "ضبط الأمن" الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و السياسي، حتى تستطيع الطبقة الحاكمة السيطرة على أجهزة الدولة.

و الفرق بين الإسلام و مؤدلجيه الحاكمين :

1) أن الإسلام هو مجموعة من القيم النبيلة النابعة من النصوص الثابتة من القرءان و السنة و العاملة على تحقيق كرامة الإنسان كما يراها الإسلام. أما المؤدلجون فهم القائمون بالتأويل الذي يتناسب مع مصالحهم الطبقية و المحتكرون للكلام باسم الدين نيابة عن الله في الأرض و المحتكرون للسلطة السياسية التي يعتبرونها تفويضا من الله. و المستندون في حكمهم إلى تلك الادلجة و ذلك التفويض، و المعتبرون لما يصدر عنهم حكما من الله. و على البشر أن يخضعوا لأمر الله و يمتثلوا لحكم من فوضهم لذلك حتى تستمر الحياة على الأرض.

2) أن الإسلام مجموعة من القواعد الثابتة التي يقوم بها المسلمون، و مجموعة من الأحكام القطعية التي جاءت لأجرأة ثورة اقتصادية و اجتماعية و ثقافية و مدنية، إضافة إلى الثورة الإيمانية الهادفة جميعها إلى تغيير الأوضاع التي صارت فاسدة جملة و تفصيلا قبل ظهور الإسلام. و كان لابد أن تكون تلك الثورة وسيلة لتغيير تلك الأوضاع لتصير بعد انتهاء الوحي، و موت الرسول مصدرا للقيم التي يتحلى بها الناس في سلوكهم و معاملاتهم بقطع النظر عن كونهم مسلمين أو غير مسلمين. أما مؤدلجو الدين فقد استعادوا بادلجتهم للدين كل المسلكيات التي جاء الإسلام لتغييرها. و لذلك نجد أن تأويلاتهم للدين و لنصوصه الثابتة تختلف باختلاف المؤدلجين و الأمكنة التي يتواجدون فيها، و العصور التي عاشوا فيها، من اجل ضمان تأبيد سلطتهم في حال سيطرتهم على دولة معينة لحماية مصالحهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و ضمان خضوع الناس لسلطتهم باعتبارها سلطة و قدرا من الله.

3) أن الإسلام يحمي النفوس من القتل كما جاء في القرءان "من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا" أما المؤدلجون فوجودهم قائم على قتل كل من خالف ادلجتهم للدين الإسلامي باعتباره كافرا أو ملحدا. كما حصل مع عمر بنجلون، و حسين مروة، و مهدي عامل، و فرج فودة. و الإرهاب السائد في العالم اليوم لا علاقة له مطلقا بالإسلام بقدر ما له علاقة بأدلجة الدين الإسلامي.

4) أن الإسلام يمكن الإنسان من حريته الكاملة كما جاء على لسان عمر " متى استعبدتم الناس و قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" فهم أحرار في أمورهم الاقتصادية " فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض و ابتغوا من فضل الله " و في الأمور السياسية " و أمرهم شورى بينهم " و في الأمور الاجتماعية " و المومنون و المومنات بعضهم أولياء بعض " و تبعا لذلك فهم أحرارا في أمورهم الثقافية " لا فرق بين عربي و عجمي، و بين ابيض و اسود إلا بالتقوى" و مفهوم التقوى في رأينا يكمن في تجنب ما يلحق الأذى بالبشر و يخدش كرامة الإنسان " و لا تقل لهما أف و لا تنهرهما و قل لهما قولا كريما". أما مؤدلجوا الدين الإسلامي فيصادرون كل الحريات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية و يصادرون حرية المرأة، و يوظفون الدولة لمصادرة تلك الحرية حتى يفرضوا استبدادهم على جميع أفراد المجتمع. و حتى يكون ذلك الاستبداد وسيلة لتأبيد سلطتهم. و الديمقراطية بالنسبة إليهم حرام، و الفن حرام، و الشعر حرام، و كل ما يترجم شعور الإنسان حرام. و كلمة " الحرام " ذات بعد استبدادي أريد لها أن تكون ذات بعد ديني تشريعي.

و انطلاقا من هذه الخروقات التي وقفنا عليها بين الإسلام و مؤدلجيه. نجد أن الإسلام يحمل في قيمه عوامل التقدم و التطور رغم أن أصول تلك القيم جامدة. إلا أن ما ينبثق عنها باستمرار لا يكون إلا قيما متجددة و متطورة و متناسبة مع الزمان و المكان. و هو ما وقف أمام تقدم المسلمين و تطورهم إلى درجة الإبداع و الإضافة في القرون الأولى، كما تشهد بذلك العلوم و الآداب و الفنون التي يزخر بها تاريخ المسلمين القديم. و في نفس الوقت نجد أن مؤدلجي الدين الإسلامي ساهموا بشكل كبير و في مختلف العصور في عرقلة تطور المسلمين، و في تخلف دولهم سواء كانوا في مواقع للسلطة أو لم يكونوا، لأن أدلجتهم للدين تجدد الواقع في مختلف تجلياته، و تعرقل حركة المجتمع، و تجعل عناصر تخلف الماضي تعيش في الحاضر.

و لذلك نستطيع أن نجزم، و انطلاقا من المنطق العلمي الذي اعتمدناه في التحليل ، بأن تخلف دول المسلمين لا علاقة له بالإسلام بقدر ما له علاقة بلجوء الطبقة الحاكمة في كل بلد إلى اعتماد ادلجة الدين الإسلامي التي تساهم بشكل كبير في عرقلة التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي ، و تعمل على تضليل المواطنين الذين يفتقدون القدرة على إدراك خطورة ادلجة الدين الإسلامي، و تكرس سيطرة الجهة المؤدلجة للدين الإسلامي على أجهزة الدولة، و تؤبد سلطتهم، و في نفس الوقت لجوء تلك الطبقة إلى الاعتماد على المؤسسات المالية الدولية، و على النظام العالمي الرأسمالي الذي استفاد كثيرا من ادلجة الدين الإسلامي في مواجهة النظام الاشتراكي العالمي.

و بهذه الخلاصة نستطيع أن نقول إن أي ادلجة للدين بصفة عامة، و أن أي تبعية لأية جهة و كيفما كانت تلك الجهة لابد أن تكون من عوامل الكبح التي تعرقل تطور المجتمعات و الدول و الشعوب على السواء. و إن أي إرادة أو رغبة في التطور الاقتصادي و الاجتماعي و الثقافي و المدني و السياسي، لابد من القيام بشيئين اثنين : مقاومة الادلجة التي تستهدف الدين، أي دين، حتى يبقى محايدا تجاه ممارسة الصراع الطبقي في مختلف مظاهره الأيديولوجية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و وضع حد للتبعية إلى المؤسسات المالية الدولية و إلى النظام الرأسمالي العالمي، و العمل على بناء اقتصاد متحرر، و إيجاد ديمقراطية حقيقية انطلاقا من دستور ديمقراطي يصادق عليه الشعب، مهما كان هذا الشعب، و انتخاب برلمان يرعى مصالح الشعب، و يقوم بملاءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية و يفرز حكومة مسؤولة أمام البرلمان للقيام بأجرأة تلك القوانين، و العمل على تطبيقها في أفق قيام دولة الحق و القانون التي هي الهدف الأسمى لجميع الكادحين و طليعتهم الطبقة العاملة و بقيادة أحزاب اليسار الحقيقي التي تأخذ على عاتقها أن تعمل على تحقيق الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية كسمات رئيسية لدولة الحق و القانون أنى كان البلد الذي تقوم فيه، و مهما كانت الطبقة التي تحكم . و حينها يصبح التقدم واردا و التخلف متواريا إلى الوراء، لأنه في دولة الحق و القانون تزول عرقلة ادلجة الدين الإسلامي التي تضلل الجماهير و تزول تبعية الدولة التي تغرق البلاد بالديون و تكبلها بتوجيهات و تعليمات صندوق النقد الدولي و البنك الدولي، و النظام الرأسمالي العالمي.

و تحقيق دولة الحق و القانون في بلاد المسلمين يمكن اعتباره بداية لدخول عصر الحداثة الفعلية و العملية التي تتجسد في الحداثة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و تلك البداية لابد أن تحققها أحزاب اليسار إذا لم تتلوث صفوفها و برامجها بالأفكار و الممارسات التي تسقط أمام اغراءات الطبقة الحاكمة.

فهل تتحقق دولة الحق و القانون في كل بلد من بلدان المسلمين ؟

و هل يعتبر قيام دولة الحق و القانون هو الوسيلة لتقدم دول بلدان المسلمين ؟

إن التاريخ هو وحده الذي يستطيع أن يمدنا بالإجابة الصحيحة على السؤالين أعلاه. أما نحن فمهمتنا هي رصد حركة التاريخ من خلال رصد حركة الواقع حتى نستطيع التأكد من الإجابة الصحيحة.

المسلمون خير أمة أخرجت للناس !!!

و بعد وقوفنا على أن الإسلام ليس مسؤولا عن التخلف الذي آلت إليه دول المسلمين. و أن الطبقة الحاكمة في كل بلد هي المسؤولة عن ذلك التخلف بسبب اختياراتها اللاديمقراطية و اللاشعبية الناتجة عن ادلجتها للدين الإسلامي. و عن تبعيتها للنظام الرأسمالي العالمي فإننا نجد أنفسنا أمام السؤال الآتي و هو :

لماذا يعتقد المسلمون انهم خير أمة أخرجت للناس ؟

إننا نجد أنه في هذا الموضوع، قد ورد في القرءان "كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تومنون بالله" و في هذه الآية نجد أنفسنا نضع خطا تحت كلمات "كنتم" و "المعروف" و "المنكر" و هذه الكلمات تحمل من الدلالة على أن هذه الآية لا يمكن أن تنسحب على واقع حال المسلمين إلا إذا صارت مقولة أيديولوجية. فكنتم تحلينا على الزمن الماضي و الزمن الماضي من طبعه انه لا ينسحب على الحاضر نظرا لتحول الواقع المستمر على جميع المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، أي انه من خلال كلمة "كنتم" تتحقق النسبية التي تستلزم في حاضرنا استبدالها بكلمة "لستم" و هي التي تناسب ما علية المسلمون الآن. و "كنتم" الواردة في الآية مشروطة ب"الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر" و معلوم أن كلمة "المعروف" و "المنكر" مفهومان عامان تختلف دلالتهما من عصر إلى عصر، و من زمن إلى زمن، و من مكان إلى مكان. و بناء على هذا الاختلاف يمكن أن نسجل أن ما كان معروفا في زمن نزول الوحي قد يصير منكرا في أيامنا هذه، و ما كان منكرا قد يصير معروفا في زمننا هذا. و مع ذلك يمكن أن نقول تحديدا أن مفهوم المعروف هو مفهوم يربطنا بغاية مجيء الإسلام في زمن تردي الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية ،في زمن نزول الوحي "القرءان". و غاية مجيء الإسلام هي تحقيق كرامة الإنسان كما يراها الإسلام "ولقد كرمنا بني آدم" و هي غاية العبادات نفسها "إن الصلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر". و في مقابل ذلك فمفهوم المنكر لا يمكن أن يعني في العمق إلا كل ما يؤدي إلى إهدار كرامة الإنسان. و هذا المعنى الذي يحتمله مفهوما المعروف و المنكر نجده مبثوثا في القرءان في غير ما آية. مما يوضح انه حتى في عصر نزول الوحي لم يكن المسلمون خير أمة أخرجت للناس. فقد جاء في القرءان "و الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس و لا يومنون بالله و اليوم الآخر، مثله كمثل صفوان عليه تراب فأصابه وابل فتركة، صلدا لا يقدرون على شيء مما كسبوا". فالإيمان شيء يصعب تحققه لا يتأتى إلا بالجمع بين القول و العمل حسب ما جاء في القرءان نفسه. لأن الإسلام كان لا يتوقف عند حدود القول، بل كان يربطه بالعمل. و العمل هنا لا يعني إلا السعي الذؤوب لتحقيق كرامة الإنسان. فقد جاء في مأثور الحديث " لأن يأخذ أحدكم حيلة فيحتطب على ظهره فيبيعه خير له من أن يسأل الناس، سواء أعطوه أو منعوه "، لأنه بدون العمل لا تتحقق كرامة الإنسان. و بالتالي فتحقق كرامة الإنسان في الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية هو الذي يعطي للمسلمين الحق في أن يعتبروا أنفسهم خير أمة أخرجت للناس، و لكن عندما تتحول الآية " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف و تنهون عن المنكر و تومنون بالله" إلى مقولة أيديولوجية. فإن كلمة "كنتم" تنسحب على الزمن الماضي كما تنسحب على الزمن الحاضر و على الزمن المستقبل أي أنها تتخذ صفة الديمومة، و الاستمرار إلى ما لا نهاية و الديمومة و الاستمرار يستلزمان الثبات في المعنى و في الواقع. فكأن التاريخ لا يتحرك، و كأن المسلمين في عهد نزول الوحي هم أنفسهم الذين يعيشون اليوم، و كأن عملية الاستنساخ التي يحاربها مؤدلجو الدين الإسلامي قائمة منذ نزول الوحي، و إلى ما لا نهاية، و كأن الشروط الاقتصادية التي ورد ذكرها في القرءان "لايلاف قريش ايلا فهم رحلة الشتاء و الصيف" لازالت قائمة، و كأن الواقع الاجتماعي القبلي التجاري العبودي القائم على حرب الكر و الفر للحصول على الغنائم لازال قائما. و كأن الثقافة القائمة على رواية الشعر، و رواية أخبار العرب، و تداول الحكم و الأمثال، لازال قائما، و كأن النظام السياسي القبلي لازال مستمرا، و كأن الإسلام لازال يقاوم من اجل الوجود و الانتشار في ظل استمرار تلك الشروط، و كأن الوحي لازال ينزل، و كأن شريعة "الجاهلية" لازالت مهيمنة. و هذا الانسحاب على الحاضر و المستقبل غير ممكن لأن العقل البشري تطور، و لأن ثورة الزمن لم تعد تسمح بذلك. و لأن النسبية صارت واقعا علميا قائما لا يمكن فهم ما جرى و يجري في هذا العالم إلا بها، و لأننا في عصر الثورة الإليكترونية المعلوماتية فإننا لا نستطيع القول بالاستمرار و الثبات الذي يذهب إليه مؤدلجوا الدين الإسلامي الذين يستغلون هذه الثورة الإلكترونية المعلوماتية لنشر التخلف و الإرهاب في العالم.

و تبعا لانسحاب مفهوم "كنتم" على جميع الأزمنة و في جميع الأمكنة. نجد أيضا أن مفهوم المعروف يصير هو كل ما يصدر عن مؤدلجي الدين الإسلامي، بما في ذلك العمليات الإرهابية التي دبرها هؤلاء و يدبرونها في جميع أنحاء الأرض، و التي تستهدف جميع الناس بمن فيهم المسلمون. و لذلك فمفهوم المعروف الذي ارتبط في نزول الوحي بتحقيق كرامة الإنسان، فقد صار على يد مؤدلجي الدين الإسلامي لا يعني إلا تحقيق "كرامة" "المسلمين" الذين ليسوا إلا مؤدلجي الدين الإسلامي الذين يعتبرون من لم "يومن" بأدلجتهم، لا يومن بالله. و لذلك فهو كافر و ملحد يجب قتله لا فرق في ذلك بين مسلم غير مؤدلج للدين، و بين مسيحي أو يهودي أو أي مومن بدين آخر، أو غير مومن بأي دين. وانطلاقا من هذا الفهم الذي يتجسد في واقع مؤدلجي الدين الإسلامي نجد أن العمليات الإرهابية التي يسمونها "جهادا" تستهدف كل الناس من غير مؤدلجي الدين الإسلامي الإرهابيين الذين يصيرون "مجاهدين" سواء كان الناس مسلمين أو غير مسلمين و مهما كان لونهم، و كيفما كانت الطبقة الاجتماعية التي ينتمون إليها، و كيفما كان جنسهم. انهم الكفار الذين يجب قتلهم على يد "المجاهدين" الذين تتحقق فيهم مقولة "كنتم خير أمة أخرجت للناس" القرآنية التي تحولت على أيدي مؤدلجي الدين الإسلامي إلى مقولة أيديولوجية تحكم سلوك و ممارسة مؤدلجي الدين الإسلامي "المجاهدين" الذين يتخذونها وسيلة للاستعلاء على البشرية في الشرق و في الغرب و في الشمال و في الجنوب و في القارات الخمس في آسيا و في إفريقيا و في أوربا و في استراليا و في أمريكا. و عملية الاستعلاء تلك ناتجة عن اعتقاد مؤدلجي الدين الإسلامي بأنهم صاروا خير أمة، أخرجت للناس لا تقوم إلا بفعل المعروف نيابة عن الله في الأرض و في السماء، في البر و في البحر، يعتبرون الديمقراطية "كفرا"، كما يعتبرون محاربتها و قتل الداعين إليها "جهادا". و فعلهم باعتبارهم خير أمة أخرجت للناس، لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه. و هذا الفعل، و حسب تصورهم، تنزيل من عند الله انطلاقا من مقولتهم الأيديولوجية "الحاكمية لله" التي تجعل كل أفعالهم بما فيها العمليات الإرهابية/الانتحارية التي يقومون بها، و الاغتيالات التي ينفذونها في مشارق الأرض و مغاربها من عند الله. و هذه الممارسة هي التي جعلت الكثيرين ممن لا يميزون بين الإسلام كدين و بين ادلجة هذا الدين، فصاروا لا يفرقون بين دعوة الإسلام إلى تحقيق كرامة الإنسان في مرحلة تاريخية معينة و بين ما كان و لازال يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي منذ موت الرسول، و منذ مقتل عثمان وعلي و عمرو بن العاص و إلى يومنا هذا، و هو ما يمكن اعتباره في نظر الإسلام منكرا فصار على يد مؤدلجيه معروفا.

و تبعا لمدلول المعروف الذي تحول إلى تقرير ممارسة مؤدلجي الدين الإسلامي على أنها هي "جوهر" الاسلام. فإن مفهوم المنكر في نظر مؤدلجي الدين الاسلامي، ليس هو القيام بعمل يسيء الى الانسان و يدوس كرامته كما هو في الدين الاسلامي،و كما تقر الانسانية في كل العصور ذلك، و كما تنص عليه المواثيف الدولية المتعلقة بالحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. بل هو كل ما خالف ادلجة الدين الإسلامي و تعارض مع ممارسة مؤدلجيه في جميع العصور، و في جميع الأماكن، باعتبار مؤدلجي الدين الإسلامي خير أمة أخرجت للناس، يجب أن يسري حكمهم و رأيهم على جميع الناس، لأنهم وسطاء بين البشرية و بين الله، يقررون من يدخل إلى الجنة، و من يدخل إلى النار، و قبل ذلك يقررون من هو المومن و من هو الكافر و الملحد.

و ما دام المنكر غير وارد بحسب فهم المسلمين الأوائل للمنكر، فإن كل ما يراه مؤدلجوا الدين الإسلامي مخالفا لرأيهم يعتبر منكرا كما هو مبثوث في كتبهم التي تغطي الأرصفة في جميع أنحاء بلدان المسلمين و بأثمنة لا تساوي حتى تكلفة التوزيع، و هو ما يطرح سؤالا طويلا و عريضا هو من أين لمؤدلجي الدين الإسلامي بهذه الأموال الطائلة التي لا يدري أحد مصدرها و لا كيف يحصلون عليها، و من هي الجهات التي تمدهم بتلك الأموال التي تقدر بميزانيات الدول العظمى؟ أليس الحصول على تلك الأموال بطرق غير مشروعة منكرا ؟

أليس توظيف تلك الأموال لإرهاب الناس في كل مكان منكرا ؟

أليس تبييض تلك الأموال في مشاريع مشبوهة على يد مؤدلجي الدين الإسلامي منكرا ؟

هل تلك الأموال الكثيرة و التي لا يعرف أحد قدرها و لا تستطيع أمريكا بجبروتها و بخبرتها، و بمخابراتها ضبط حساباتها في الأبناك العالمية، وحيا من عند الله تنزل عليهم كما نزل القرءان ؟

إن ما يقوم به مؤدلجو الدين "نيابة عن الله في الأرض" بما في ذلك التصرف في أموال غير معروفة الأصل، لا يمكن اعتباره منكرا، لأنه في حكم المنزل من عند الله، و بناء عليه، فكل من قاوم ما يقوم به مؤدلجو الدين الإسلامي يعتبر قام بمنكر.

فكل سعي إلى قيام ديمقراطية حقيقية من الشعب و إلى الشعب يعتبر منكرا لأن الديمقراطية ذات مصدر غربي. و الغرب كافر و ملحد، و ما يأتي منه يجب أن يحارب، و كل من سعى إلى النضال من اجل الديمقراطية يعتبر كافرا يجب قتله. و لذلك فحياة جميع الديمقراطيين في العالم مهددة من قبل مؤدلجي الدين الإسلامي.

و كل من ناضل من اجل الحرية يعتبر كافرا لأن الحرية تتناقض مع إرادة الله و مع اختياره لنيابة مؤدلجي الدين الإسلامي في الأرض. و لذلك يعتبر كافرا بإرادة الله يجب قتله.

و كل من ناضل من اجل تحقيق العدالة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، يعتبر ناكرا لقول الله في القرءان " و الله فضل بعضكم على بعض في الرزق" و كل ناكر لقول الله فهو كافر و الكافر يجب قتله.

و لذلك فما على المسلمين في بلدان المسلمين إلا أن يقبلوا بما يريده مؤدلجوا الدين الإسلامي حتى لايعتبره مؤلجوا الدين الإسلامي كفارا و ملحدين. و هذا الانسياق وراء إرادة أولئك المؤدلجين خوفا من التكفير و من القتل، و هذا الوضع الذي تسببوا فيه، و الذي جعل مجتمعات المسلمين في بلدان المسلمين بمثابة قطيع يرعاه مؤدلجوا الدين الإسلامي دون خوف من القطيع المستسلم لإرادة المؤدلجين للدين الإسلامي هو الذي يجعل هؤلاء المؤدلجين يعتقدون أن المجتمعات التي يرعونها في بلاد المسلمين هي خير أمة أخرجت للناس. و لكن في التخلف و الاستسلام و قبول القهر و الظلم باعتبار كل ذلك قدرا من عند الله.

فهل بعد هذا يمكن القول بأن مجتمعات المسلمين المحكومة بالأنظمة المؤدلجة للدين الإسلامي هي خير أمة أخرجت للناس ؟

إن خير أمة أخرجت للناس هي المجتمعات التي تتحقق فيها الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية، المجتمعات التي تحترم فيها الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية لجميع المواطنين على السواء، المجتمعات التي تكون محكومة بدول الحق و القانون التي تعتمد دساتير ديمقراطية، و تشرف على تطبيق القوانين المحلية المتلائمة مع المواثيق الدولية، و تعمل على إيجاد مؤسسات محلية و إقليمية و جهوية و وطنية عن طريق انتخابات حرة و نزيهة تحترم فيها إرادة شعوب المسلمين من بدايتها إلى نهايتها، و حكومات منبثقة عن الأغلبية في كل برلمان على حدة، تقوم بخدمة مصالح الشعوب، و حماية تلك المصالح وفق برنامج محدد، و ما سوى ذلك لا يمكن اعتباره عقلا و منطقا، خير أمة أخرجت للناس. لأن تلك الأمة لا توجد إلا في مخيلة مؤدلجي الدين الإسلامي، و على أسس علمية دقيقة و بتنظيمات يسارية قوية و مستقطبة لعموم الجماهير الشعبية الكادحة التي تسترجع وعيها. و تنفض عنها غبار تضليل ادلجة الدين الإسلامي، و عندها سيضطر مؤدلجوا الدين الإسلامي ،أنى كان لونهم أو موقعهم الطبقي، إلى مراجعة أنفسهم و يتخلون عن ادلجتهم للدين الإسلامي، و يمارسون السياسة من منطلقات أيديولوجية أخرى بعيدا عن الدين الإسلامي الذي يصير محايدا في الحياة العامة.

فهل يتحقق هذا التحول في حياة المسلمين ؟

وهل تخلو حياتهم من ادلجة الدين الإسلامي ؟

و هل يختفي الإرهاب من حياتهم ؟

إن تحولات الواقع التي تحكم حركة التاريخ هي وحدها التي تحدد طبيعة الجواب التي تتقرر انطلاقا من تلك الحركة. و هو ما تترقبه البشرية التي تعاني من انتشار ظاهرة الإرهاب عبر العالم، و في جميع القارات من اجل فرض ادلجة الدين الإسلامي، لا من اجل جعل الناس يعتنقون الإسلام تحت حد السيف. كما هو مشاع بين الناس و في جميع أرجاء الأرض.

خاتمة :

و الخلاصة التي نصل إليها بعد الإسهاب في تحليل "رؤية الإسلام و الإرهاب، أم المسلمين و الإرهاب" إن الإسلام، و نظرا لكونه مصدرا للقيم النبيلة التي تساهم في بناء الشخصية الإنسانية التي تتحقق فيها كرامة الإنسان الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، و على مدى بلدان المسلمين وفي جميع القارات. لأن الإسلام إذا لم يكن منتجا للقيم المحققة لكرامة الإنسان، فإن وجوده يكون غير مبرر. أما القيم السالبة لكرامة الإنسان فمصدرها ادلجة الدين الإسلامي التي تختلف باختلاف حاجة المؤدلجين نظرا لاختلاف الطبقات الاجتماعية التي ينتمون إليها، و بسبب اختلاف العصور التي حدثت فيها تلك الادلجة في كل بلد من بلدان المسلمين و ادلجة الدين الإسلامي لا تنتج إلا قيم الحرص على حماية المصالح الطبقية التي تحدث صراعا غير مشروع في المجتمعات يقود إلى اللجوء إلى ممارسة إرهاب الأفراد و المجتمعات و الشعوب من قبل الدول و الأحزاب و التيارات المؤدلجة للدين الإسلامي. و الادلجة لا تتم إلا بوجود المؤدلجين الذين يحرصون على توظيف الدين الإسلامي لحماية مصالحهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و لذلك فهؤلاء المؤدلجون هم الذين يمارسون الإرهاب اعتمادا على انتشار قيم ادلجة الدين الإسلامي السالبة لكرامة الإنسان و المانعة لممارسة الحرية و الديمقراطية و العدالة الاجتماعية ، بالإضافة إلى الاستناد إلى جهات خارجية تستفيد من ممارسة الإرهاب، كصندوق النقد الدولي و البنك الدولي و النظام الرأسمالي العالمي. و لتوضيح هذه الخلاصة المركزة لإقناع السيد عيسى بطرس. تناولنا في تحليلنا علاقة الإسلام بالإرهاب، و واقع الإسلام و واقع الحكام، و أزمة الدين الإسلامي و أزمة مؤدلجيه. و حاولنا الإجابة على الأسئلة : هل يرجع انتشار الإسلام بالقوة في آسيا و إفريقيا و أوربا إلى دموية الإسلام، أم إلى دموية المسلمين ؟ و هل يرجع تخلف الدول الإسلامية إلى الإسلام أم إلى تبعية الدول إلى جهات خارجية ؟ و لماذا يعتقد المسلمون انهم خير أمة أخرجت للناس ؟ و حرصنا أن تكون الإجابة موضوعية و مقنعة في نفس الوقت. و غايتنا ليست هي الدفاع عن الإسلام كما يدعى مؤدلجوه ذلك. لأن الإسلام ليس في حاجة إلى من يدافع عنه، بقدر ما هو في حاجة إلى من يواجه ادلجته التي يتضرر منها كل أفراد المجتمعات التي تعيش في إطار بلدان المسلمين، كما تتضرر منها الطبقات الاجتماعية، و تؤثر على جوانب الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، بل إن غايتنا هي أن نتعامل مع مكونات مجتمعات بلدان المسلمين الروحية. و الإسلام من تلك المكونات الروحية التي تتحول إلى قوة مادية لا يمكن التخلي عنها أبدا، مهما كانت الظروف التي نعيشها، و لا بد أن تحضر في تحليلنا للأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية، حتى تتحول إلى عامل قوة كما كانت بدل أن تصير عامل ضعف على يد مؤدلجي الدين الإسلامي، و كما تريد ذلك القوى المستفيدة من تلك الادلجة.

فهل يقتنع السيد عيسى بطرس بما سقناه في هذا التحليل ؟

انه و كيفما كان الحال ارتأينا أن تكون أجوبتنا على أسئلة السيد عيسى بطرس على شكل موضوع تحليلي حتى يكون اكثر فائدة له و لغيره .

و أملنا أن تكون وجهة نظرنا التي عرضناها من خلال هذا التحليل صائبة.

محمد الحنفي المغرب : ابن جرير في 29/6/04
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف