
هل ستنجح حماس في أول اختبار لها لقيادة الشعب الفلسطيني ؟
بقلم : محمد خليفة / كاتب من الإمارات
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني : http://www.mohammedkhalifa.com
الفوز الساحق لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" في الانتخابات التشريعية التي أجريت مؤخراً ، في الضفة الغربية وغزة ، لم يكن وليد الصدفة ، أو لغياب الرؤية السياسية عند الشعب الفلسطيني ، بل إن هذا الفوز يؤكد على أن هذا الشعب لا يؤمن إلاّ بخيار المقاومة كطريق وحيد لتحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني . فقد خبر الفلسطينيون طريق المفاوضات منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 بين حركة فتح وإسرائيل ، ووجدوا أن هذه المفاوضات لم ترجع أرضاً ولا حررت إنساناً . وما تحرر من أرض فلسطين في غزة ، إنما تم بأيدي الأبطال والمجاهدين لا بالمفاوضات السلمية العقيمة وحني الرؤوس ، لا بل إن إسرائيل وخلال سنوات التفاوض الطويلة ، واصلت بناء مستوطناتها في الضفة وخاصة حول منطقة القدس بهدف تهويدها بشكل نهائي وضمّها إليها . ومنذ نشأة حركة حماس في الأراضي الفلسطينية مع الانتفاضة الأولى عام 1987 ، كانت المقاومة خيارها الوحيد لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ، ورفضت الاعتراف بإسرائيل أو الإقرار لليهود بأي حق في فلسطين . ولاحقتها إسرائيل في كل مكان من الضفة وغزة واعتقلت الآلاف من نشطائها وزجّت بهم في معتقلاتها الشبيهة بمعتقلات النازي خلال الحرب العالمية الثانية ، كما مارست سياسة الاغتيال ضد قادتها ، فاغتالت مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين ، والقائد صلاح شحادة ، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وآخرين غيرهم . وكثيراً ما تألمت إسرائيل من عمليات حماس الاستشهادية في مدنها ، لاسيما أن هذه العمليات الكثيرة أوقعت آلاف الصهاينة بين قتيل وجريح . واستغاثت إسرائيل بحلفائها الغربيين لمساعدتها في القضاء على حماس ، فقامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بوضع الحركة على قائمة ما يسمى "الإرهاب" وأصبح عناصر الحركة مهددين بالاعتقال أو القتل في كل مكان من العالم وليس في فلسطين وحدها . وقبل إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية ، هددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني إذا اشتركت حماس "الإرهابية" في الانتخابات . لكن هذا التحذير لم يُثْنِ حركة حماس عن خوض الانتخابات ، ولم يُثْنِ الشعب الفلسطيني عن التصويت لها . والواقع أن ما يقدمه الغرب للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة من مساعدات لا يعتبر شيئاً مذكوراً مقارنة بما يقدمه لإسرائيل. فهذه الأخيرة تتلقى سنوياً مساعدات أمريكية مقدارها (6) مليارات دولار ، كما تتلقى من دول الاتحاد الأوروبي مساعدات عسكرية وتقنية وعلمية تفوق الملياري دولار في العام . أما المساعدات الغربية التي تأتي إلى الشعب الفلسطيني ، فهي لا تتجاوز الملايين القليلة ، وكان معظمها مخصصاً لتقوية مؤسسات الأمن الفلسطيني وتعزيز دورها في قمع الشعب الفلسطيني وإجباره على الخضوع لإسرائيل بشكل دائم . وأما الباقي فإنه يأتي على شكل مواد غذائية كالطحين والرز والسكر وسوى ذلك . وعلى رغم قلّة هذه المساعدات ، فإن الغرب حسد نفسه عليها وهدد بقطعها عن الشعب الفلسطيني ظناً منه بأن هذا الشعب سيخضع لإرادته الاستعلائية وسوف ينبذ حماس وينبذ معها مشروعها الرامي إلى تحرير فلسطين . لكن نسي هذا الغرب أن الشعب الفلسطيني يعتبره أسّ المشكلة في عذابه وفي احتلال أرضه . فلولا الدعم الغربي لليهود لما كانوا استطاعوا أخذ شبر واحد من أرض فلسطين . لكن بفضل هذا الدعم المتواصل منذ نحو سبعين عاماً ، فقد أقام اليهود دولتهم بالقوة وشرّدوا مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في جميع بقاع الدنيا ، وجلبوا مئات الآلاف من روسيا ومن سواها بدعوى (لمّ الشمل اليهودي) . وكل ذلك كان يجري وما يزال على مرأى من الشعب الفلسطيني ورغماً عن إرادته المقهورة . وعندما أتيحت الفرصة لهذا الشعب كي يعبّر عن رأيه ، فقد اختار حماس واختار معها خيار المقاومة على الاستسلام ، واختار معاداة الغرب على التصالح معه . ويبقى السؤال هو ، هل ستنجح حماس في أول اختبار لها لقيادة الشعب الفلسطيني ؟. لا شك أن هناك عقبات هائلة ستنهض أمام عمل الحركة السياسي ، ولعل أهم هذه العقبات هو أن أعضاءها سيكونون مستهدفين بشكل دائم من قبل إسرائيل ، ولن يستطيع أي مسؤول في حماس أن يتحرك بحرية ـ كما يفعل المسؤولون في فتح ـ لأن إسرائيل قد تغتاله إذا سنحت لها الفرصة . وسيكون تصرفها هذا مبرراً من قِبَل الغرب الذي يعتبر حماس (منظمة إرهابية) . كما أن من العقبات التي ستعترض حماس هو أنها ستجد نفسها في صراع مع رئيس السلطة الذي ينتمي إلى حركة فتح والذي يحتفظ بقيادة الأجهزة الأمنية التي أنشأها الغرب بأمواله . ولن يكون لحكومة حماس أية سلطة على هذه الأجهزة التي يبلغ عدد أفرادها نحو (60) ألف غالبيتهم العظمى من فتح . وهذا العدد الهائل من رجال الأمن المدججين بالسلاح سيكون عامل كبح لحماس التي لن تستطيع تجاوز قرارات الرئيس أو انتهاج سياسة جديدة في العمل الفلسطيني تخالف توجهات سلطة فتح ولاسيما في التعامل مع إسرائيل وفي عملية السلام ككل .
بقلم : محمد خليفة / كاتب من الإمارات
البريد الإلكتروني: [email protected]
الموقع الإلكتروني : http://www.mohammedkhalifa.com
الفوز الساحق لحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس" في الانتخابات التشريعية التي أجريت مؤخراً ، في الضفة الغربية وغزة ، لم يكن وليد الصدفة ، أو لغياب الرؤية السياسية عند الشعب الفلسطيني ، بل إن هذا الفوز يؤكد على أن هذا الشعب لا يؤمن إلاّ بخيار المقاومة كطريق وحيد لتحرير فلسطين من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني . فقد خبر الفلسطينيون طريق المفاوضات منذ توقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 بين حركة فتح وإسرائيل ، ووجدوا أن هذه المفاوضات لم ترجع أرضاً ولا حررت إنساناً . وما تحرر من أرض فلسطين في غزة ، إنما تم بأيدي الأبطال والمجاهدين لا بالمفاوضات السلمية العقيمة وحني الرؤوس ، لا بل إن إسرائيل وخلال سنوات التفاوض الطويلة ، واصلت بناء مستوطناتها في الضفة وخاصة حول منطقة القدس بهدف تهويدها بشكل نهائي وضمّها إليها . ومنذ نشأة حركة حماس في الأراضي الفلسطينية مع الانتفاضة الأولى عام 1987 ، كانت المقاومة خيارها الوحيد لتحرير فلسطين من النهر إلى البحر ، ورفضت الاعتراف بإسرائيل أو الإقرار لليهود بأي حق في فلسطين . ولاحقتها إسرائيل في كل مكان من الضفة وغزة واعتقلت الآلاف من نشطائها وزجّت بهم في معتقلاتها الشبيهة بمعتقلات النازي خلال الحرب العالمية الثانية ، كما مارست سياسة الاغتيال ضد قادتها ، فاغتالت مؤسس حماس الشيخ أحمد ياسين ، والقائد صلاح شحادة ، والدكتور عبد العزيز الرنتيسي وآخرين غيرهم . وكثيراً ما تألمت إسرائيل من عمليات حماس الاستشهادية في مدنها ، لاسيما أن هذه العمليات الكثيرة أوقعت آلاف الصهاينة بين قتيل وجريح . واستغاثت إسرائيل بحلفائها الغربيين لمساعدتها في القضاء على حماس ، فقامت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بوضع الحركة على قائمة ما يسمى "الإرهاب" وأصبح عناصر الحركة مهددين بالاعتقال أو القتل في كل مكان من العالم وليس في فلسطين وحدها . وقبل إجراء الانتخابات في الأراضي الفلسطينية ، هددت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بقطع المساعدات عن الشعب الفلسطيني إذا اشتركت حماس "الإرهابية" في الانتخابات . لكن هذا التحذير لم يُثْنِ حركة حماس عن خوض الانتخابات ، ولم يُثْنِ الشعب الفلسطيني عن التصويت لها . والواقع أن ما يقدمه الغرب للشعب الفلسطيني في الضفة وغزة من مساعدات لا يعتبر شيئاً مذكوراً مقارنة بما يقدمه لإسرائيل. فهذه الأخيرة تتلقى سنوياً مساعدات أمريكية مقدارها (6) مليارات دولار ، كما تتلقى من دول الاتحاد الأوروبي مساعدات عسكرية وتقنية وعلمية تفوق الملياري دولار في العام . أما المساعدات الغربية التي تأتي إلى الشعب الفلسطيني ، فهي لا تتجاوز الملايين القليلة ، وكان معظمها مخصصاً لتقوية مؤسسات الأمن الفلسطيني وتعزيز دورها في قمع الشعب الفلسطيني وإجباره على الخضوع لإسرائيل بشكل دائم . وأما الباقي فإنه يأتي على شكل مواد غذائية كالطحين والرز والسكر وسوى ذلك . وعلى رغم قلّة هذه المساعدات ، فإن الغرب حسد نفسه عليها وهدد بقطعها عن الشعب الفلسطيني ظناً منه بأن هذا الشعب سيخضع لإرادته الاستعلائية وسوف ينبذ حماس وينبذ معها مشروعها الرامي إلى تحرير فلسطين . لكن نسي هذا الغرب أن الشعب الفلسطيني يعتبره أسّ المشكلة في عذابه وفي احتلال أرضه . فلولا الدعم الغربي لليهود لما كانوا استطاعوا أخذ شبر واحد من أرض فلسطين . لكن بفضل هذا الدعم المتواصل منذ نحو سبعين عاماً ، فقد أقام اليهود دولتهم بالقوة وشرّدوا مئات الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني في جميع بقاع الدنيا ، وجلبوا مئات الآلاف من روسيا ومن سواها بدعوى (لمّ الشمل اليهودي) . وكل ذلك كان يجري وما يزال على مرأى من الشعب الفلسطيني ورغماً عن إرادته المقهورة . وعندما أتيحت الفرصة لهذا الشعب كي يعبّر عن رأيه ، فقد اختار حماس واختار معها خيار المقاومة على الاستسلام ، واختار معاداة الغرب على التصالح معه . ويبقى السؤال هو ، هل ستنجح حماس في أول اختبار لها لقيادة الشعب الفلسطيني ؟. لا شك أن هناك عقبات هائلة ستنهض أمام عمل الحركة السياسي ، ولعل أهم هذه العقبات هو أن أعضاءها سيكونون مستهدفين بشكل دائم من قبل إسرائيل ، ولن يستطيع أي مسؤول في حماس أن يتحرك بحرية ـ كما يفعل المسؤولون في فتح ـ لأن إسرائيل قد تغتاله إذا سنحت لها الفرصة . وسيكون تصرفها هذا مبرراً من قِبَل الغرب الذي يعتبر حماس (منظمة إرهابية) . كما أن من العقبات التي ستعترض حماس هو أنها ستجد نفسها في صراع مع رئيس السلطة الذي ينتمي إلى حركة فتح والذي يحتفظ بقيادة الأجهزة الأمنية التي أنشأها الغرب بأمواله . ولن يكون لحكومة حماس أية سلطة على هذه الأجهزة التي يبلغ عدد أفرادها نحو (60) ألف غالبيتهم العظمى من فتح . وهذا العدد الهائل من رجال الأمن المدججين بالسلاح سيكون عامل كبح لحماس التي لن تستطيع تجاوز قرارات الرئيس أو انتهاج سياسة جديدة في العمل الفلسطيني تخالف توجهات سلطة فتح ولاسيما في التعامل مع إسرائيل وفي عملية السلام ككل .