الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تخريب النقابة … تخريب السياسة … أية علاقة بقلم:محمد الحنفي

تاريخ النشر : 2005-12-24
تخريب النقابة … تخريب السياسة … أية علاقة

محمد الحنفي

" النار تأكل بعضها إن لم تجد ما تاكله "

- مثل سائر -

الإهـداء

إلى الرفيق مبارك المتوكل علما بارزا في مسار العمل النقابي .. من أجل نقابة مبدئية مناضلة.

إلى كل المناضلين النقابيين الشرفاء لحرصهم على لعب الدور الهادف إلى جعل الشغيلة تمتلك وعيها، وتحقق وحدتها في إطار نقابة مناضلة عتيدة.

إلى الشغيلة الحريصة – برفضها للممارسة الانتهازية – على تحقيق وحدتها في إطار ك.د.ش كنقابة ديموقراطية ، تقدمية ، جماهيرية ، مستقلة.

من أجل العمل على تجاوز عوامل تمزق جسد الشغيلة المغربية من أجل وضع حد للهرولة وراء تحقيق حسابات حزبية ضيقة.

محمد الحنفي



قبل المقدمة

لعل بعض الناس الذين تحدد انتماؤهم إلى الأحزاب الحكومية ، قد أصيبوا إلى حد كبير بداء المخزنة الذي أصبح بالنسبة إليهم يشكل داء عضالا يستعصي شفاؤهم منه كما يتجلى ذلك من خلال ردود الأفعال التي يقومون بها عندما تنفلت الأمور من بين أيديهم في العديد من المواقع النقابية والحقوقية أو الجمعوية التي لازالت تستعصي على المخزنة. ومن بين ردود الأفعال المخزنية المتشنجة التي لفتت انتباهي وأنا أتصفح الجرائد الصادرة بتاريخ 2002/02/06 مقال بعنوان " حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي يخرب العمل النقابي " فتساءلت : هل اجتمعت الهيئات المقررة في حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي ؟ وهل اتخذت قرارا بتخريب النقابة ؟ وما هي النقابة التي أقدم حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي على تخريبها؟

فحسب علمي أن حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي هو أكثر حزب عانى ولازال يعاني من الإقصاء من مختلف التنظيمات الكونفدرالية ، وعلى المستوى المركزي ، والجهوي ، والمحلي . وخاصة في المدن الكبرى كفاس و مكناس ،والدار البيضاء والرباط و مراكش وأكادير وغيرها بعد محطة 8 ماي 1983 وبعد أن تم الزج ب 34 مناضلا طليعيا في ذلك الوقت انطلاقا من الرباط ومرورا بالدار البيضاء ومراكش و انتهاء بكل المحطات التنظيمية التي عرفتها الكونفيدرالية الديموقراطية للشغل على المستوى المركزي أو الجهوي أو المحلي ، والتنظيم الذي ينتمي إليه كاتب المقال المنشور في جريدة الأحداث المغربية بتاريخ 2002/02/06 تحت عدد1113 هو أول من قاد عملية الإقصاء ،أو ساهم فيها بشكل فظيع لغاية في نفس يعقوب وما في نفس يعقوب بعد سنة 1983 هو التحكم في ك.د.ش كمركزية ، وكقطاعات من أجل دوس مبادئ العمل النقابي وتحويل النقابة إلى منظمة ذيلية للاتحاد الاشتراكي وإذا كان السيد نوبير الأموي منذ ذلك الوقت يعمل على تكوين قيادة فسيفسائية مع الغلبة للاتحاد الاشتراكي فلأنه ينفذ توجيها حزبيا داخل النقابة وحتى يكرس ذيلية النقابة لحزبه يدخل في تنسيق مع نقابة ذيلية أخرى هي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب كامتداد للتنسيق بين الاتحاد الاشتراكي وحزب الاستقلال في المؤسسة البرلمانية .

وأفق هذا التنسيق هو الأفق الانتخابي ليس إلا . أما النضالات المطلبية فلا تهم كاتب المقال ، ولم يسبق له دعمها كما يستفاد ذلك من السموم التي نفثها في مقاله المشار إليه ، لأنها ستقود إلى جعل الشغيلة مالكة لوعيها الطبقي الذي هو نقيض الوعي الانتخابي ،ولذلك كان الإقصاء من أجهزة ك.د.ش عاديا حتى لا يكون لها موقف يتناقض مع موقف الاتحاد الاشتراكي الذي يختصر استراتيجيته كلها في الانتخابات باعتبارها معبرا يوصل إلى المسؤوليات الحكومية ، أما وصول المناضل الطليعي إلى قيادة النقابة الوطنية للتعليم و الك.د .ش فليس منة من أحد ، أو نعمة ، بل بنضالاته وصموده الذي تجاوز أربعين سنة سواء داخل الاتحاد المغربي للشغل أو عندما تأسست الك.د.ش. ولازال يهب كل وقته للعمل النقابي .وإذا انتدب إلى ترؤس تجمع كونفيدرالي في مكان ما فلأنه مؤهل لذلك ، وأهل له ، ولو رأى أعضاء المكتب التنفيذي لك.د.ش غير ذلك لا انضبط لقراره ، وهو عندما يترأس تجمعا أو مؤتمرا نقابيا ، فلأنه كونفيدرالي ولا يخلط بين الحزب والنقابة . وإذا كان هناك من يخرق مبادئ ك.د.ش فهم أعضاء الحزب الذي ينتمي إليه كاتب المقال سواء قبل مؤتمره الأخير في مكتب الصرف وما وقع فيه لا يعني حزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي في شيء أو بعده ،وإذا انسحب أناس منه أثناء انعقاد المؤتمر أو قبله أو بعده فأسسوا جمعية أو حزبا فذلك شأنهم، وحقهم . ولايد لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي في ذلك ، والتنسيق مع حزب السيد نوبير الاموي بطريقة غير مشروعة غير وارد . فالطليعيون ينسقون معهم على أرض الواقع كما يجدون أنفسهم ينسقون مع كل نقابي مبدئي حتى وإن كان عضوا في الاتحاد الاشتراكي أو منظمة العمل ، أو في الحزب الاشتراكي الديموقراطي مادام يحترم التقدمية والديموقراطية ، والجماهيرية ، والاستقلالية والوحدة النضالية ، وإذا كان هناك من خرب العمل النقابي فهم الذين يحولون تنظيماتها إلى وكالات انتخابية من اجل الوصول إلى المؤسسات المزورة جملة وتفصيلا ، لأن الأهداف التي تخدمها النقابة ليس أهدافا نقابية ، كما أنها ليست أهدافا سياسية بمعناها العام بل هي أهداف حزبية ضيقة لا تخدم إلا مصلحة الحزب الذي يسيطر على الأجهزة منذ محطة 8 ماي 1983 وإلى الآن وهو ما لا علاقة له بمطالب الشغيلة .

المقدمة :

و انطلاقا مما سبق نجد أن الاهتمام بالعمل النقابي ليس مسألة طارئة على الشغيلة المغربية بمختلف قطاعاتها الاجتماعية و الصناعية و التجارية.بل إن هذا الاهتمام الذي بدأ في أواخر الثلاثينات، و خضع لمجموعة من التحولات قبل تأسيس الاتحاد المغربي للشغل، و في إطاره عرف العمل النقابي تحولات أخرى جعلت النقابة إطارا محكوما بالممارسة البيروقراطية، مما أدى إلى اللجوء إلى نقابة حزبية هي الاتحاد العام للشغالين بالمغرب الذي لم يساهم لا من قريب و لا من بعيد في إيجاد حل موضوعي للممارسة النقابية التي حولت النقابة من مؤسسة بيروقراطية إلى مؤسسة حزبية. و هو ما جعل الاهتمام بديمقراطية و تقدمية و جماهيرية و استقلالية التنظيم النقابي حتى يؤدي دوره، و كانت أول تجربة في هذا الإطار هي تجربة الجامعة الوطنية للبريد، و من بعدها تجربة النقابة الوطنية للتعليم التي استطاعت أن تكتسح قطاع التعليم في أواخر الستينات و أوائل السبعينات من القرن العشرين، فتحولت إلى نموذج تقتدي به العديد من القطاعات الخدماتية، و الانتاجية، مما أنضج شروط تأسيس ك.د.ش كمنظمة ديمقراطية تقدمية جماهيرية مستقلة. و اعتقدت الشغيلة، و خاصة في القطاعات العمومية و شبه العمومية، أن نضالات الشعب المغربي أثمرت نقابة مبدئية و مناضلة ستؤدي بالضرورة الى استيعاب الشغيلة المغربية و توحيدها على أرض الواقع لتحولها إلى قوة ضاغطة تستطيع فرض تحقيق مطالب الشغيلة المغربية، و هو ما تحقق على أرض الواقع في إضرابات رجال التعليم و رجال الصحة في مجموعة من المحطات النضالية المطلبية، ثم في الفوسفاط و في غيرها من القطاعات إلى أن توجت بالإضراب العام في 20 يونيو 1981 لتمر الك.د.ش بمنعطف القمع الشرس الذي تعرضت له القيادة الكونفيدرالية و مناضلوها على المستوى الوطني فزاد ذلك الاهتمام بهذه المركزية التي استقطبت جميع الأنظار الوطنية و الدولية، و تلقت دعم المنظمات المناضلة وطنيا و دوليا، إلا أن هذا المنعطف انعكس سلبا على الك.د.ش التي أصبحت توظف في اتجاهين :

الاتجاه الأول : تقوية الاتحاد الاشتراكي المكتب السياسي في ذلك الوقت ضد الاتحاد الاشتراكي اللجنة الإدارية الوطنية الذي تحول فيما بعد إلى حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي.

و الاتجاه الثاني : تحول الك.د.ش الى إطار يستغل أصوات مناديب الشغيلة في القطاعات العمومية و شبه العمومية و الخاصة من أجل الوصول إلى البرلمان و دعم أعضاء الاتحاد الاشتراكي فيه، بل و الانضمام إلى فريقه بدل التنسيق معه في مراحل معينة.

و بذلك بدأ التحول في اتجاه جعل النقابة ذيلية للاتحاد الاشتراكي لينضاف تحريف آخر إلى تحريف الممارسة البيروقراطية في الاتحاد المغربي للشغل، و قلنا ذيلية، و لم نقل تابعة للاتحاد الاشتراكي، لأن الفرق بين الذيلية و التبعية واضح. فالذيلية هي ممارسة نقابية تستند إلى التصور النظري المبدئي،و لكنها في الواقع تكون موجهة من قبل الحزب. بخلاف النقابة التابعة التي تستند إلى تصور الحزب، و تخضع له، و يؤطرها أعضاؤه. و استناد ك.د.ش إلى المبدئية هو الذي جعل المسؤولين يعملون على تطعيم قيادتها بعناصر تنتمي إلى أحزاب و تيارات مختلفة، لجعل الإنسان العادي يعتقد أن الك.د.ش مبدئية فعلا ، و تأخذ بالتعددية في الانتماء الحزبي لأعضائها مع الاحتفاظ بالأغلبية الساحقة للتنظيم الذي ينتمي إليه القائد النقابي فتظهر الك.د.ش و كأنها ديمقراطية تقدمية جماهيرية مستقلة و هي في الواقع ليست إلا ذيلية لحزب معين، و عندما ينقسم حزب القائد على نفسه، تعاد صياغة ك.د.ش لتتناسب مع التوجه الذي استقر فيه القائد النقابي كما حصل في مؤتمر العيون الذي كلف ك.د.ش كثيرا على المستوى المادي و على مستوى بناء الذات. و إذا كانت ك.د.ش الآن في ظل حكومة التناوب قد تخلصت من العناصر التي تنتمي إلى التوجه المناهض للسيد نوبير الأموي في الاتحاد الاشتراكي قبل مؤتمره المنعقد في مكتب الصرف ، فإن ذلك قد يدخل الك.د. ش – إن عاجلا أو آجلا – في دوامة من الصراعات وليس ما جرى في أكادير إلا مقدمة لها وستستمر في مجموعة من القطاعات والجهات والأقاليم والفروع . وهو ما فرض طرح السؤال ما العمل من أجل نقابة مبدئية قولا وعملا ؟ ما العمل من أجل تجنب تحزيب النقابة و انتاج التشرذم ، واستحضار مصلحة الشغيلة فوق كل اعتبار ؟ ما العمل من أجل نقابة مناضلة هادفة لا مجال فيها للممارسة الانتهازية أنى كان شكلها ومهما كان مصدرها ؟ وللإجابة على هذه الأسئلة سنعرج على معالجة العمل النقابي كمفهوم وكوسيلة تستهدف تحسين أوضاع الشغيلة المادية والمعنوية ، ثم العمل السياسي كمفهوم وكوسيلة يستهدف الوصول إلى السلطة ثم العلاقة بين العمل النقابي والعمل السياسي وتأرجح هذه العلاقة بين التجاذب والتنافر ، ثم العلاقة بين النقابة والحزب من أجل رصد نقط الالتقاء والاختلاف مستعرضين الفهم الحزبي السائد للعلاقة مع النقابة انطلاقا من اعتبارها مبدئية أو ذيلية أو تابعة للحزب أو مجرد سوق للتبضع ، ثم علاقة النقابة بالتعدد الحزبي، وما موقع التنسيق بين الأحزاب في إطار العمل النقابي ،و احترام المبادئ والسيطرة على الأجهزة ،أو على مستوى النضالات المطلبية ، وهل الأولوية للنضال النقابي أم للعمل الحزبي انطلاقا من أهداف الحركة المطلبية أو أهداف الحركة السياسية ، وعلاقة الالتقاء والاختلاف بين الحركة المطلبية والحركة السياسية، وموقف النقابة الذيلية أو المبدئية من الحركة السياسية ، وموقف الحركة السياسية من الحركة المطلبية ، لتنتقل بعد ذلك إلى الحديث عن التصور النظري للعمل النقابي في الك.د.ش من عوامل إمكانية انهيار البناء الكونفيدرالي، و ما هي آفاق العمل النقابي في ظل البلقنة على المستوى البرنامجي – المطلبي أو على المستوى التنظيمي أو على المستوى العلائقي؟ ثم دور الأحزاب السياسية في تخريب العمل النقابي من خلال دور القائد النقابي – الحزبي الذي يعمل على تذييل النقابة أوبقرطتها أو ركوبها لتأسيس حزب سياسي وتوجيه البرامج النقابية ، وإملاء المواقف على النقابة ، وتجسيد الحركة المطلبية ، ثم دور النقابة في تخريب الأحزاب السياسية عن طريق الصراع على المواقع داخل النقابة مرورا بممارسة الإقصاء بشكل فج ، وتوظيف النقابة للتموقع داخل الأحزاب ، وامتداد نشوب الصراع داخل النقابة إلى صراع حزبي أو العكس ، وانعكاس كل ذلك على تشرذم النقابات كنتيجة للصراع لنختم بدور البورجوازية الصغرى في تخريب الأحزاب والنقابات معا وبذلك نكون قد قاربنا الإجابة على السؤال الإشكالية : ما العمل من أجل نقابة مبدئية قولا وعملا، لنتبين من يحافظ على العمل النقابي، وعلى النقابة ومن يعمل على تخريب العمل النقابي وتخريب النقابة ؟ وكيف نتجاوز عملية التخريب التي لا تتضرر منها الشغيلة، وطليعتها الطبقة العاملة؟ أما البورجوازية الصغرى وبواسطة أحزابها فبإمكانها تحقيق تطلعاتها بوسائل أخر بعيدا عن النقابة وعن العمل النقابي مادامت تختار الانبطاح وتجتهد كيف تنطبح أمام المؤسسة المخزنية.

أما ادعاء الغيرة على العمل النقابي فقد أصبح واضحا للعيان ، ولا داعي للاستمرار في طرحه ممن أصبحوا يعرفون بالمخزن الصغير ممن انتفخوا من المؤسسات المزورة ومن نسج العلاقة وتوطيدها مع المخزن الكبير كما يتجلى ذلك من خلال وضعيتهم الاجتماعية التي تصنفهم إلى جانب التحالف البورجوازي الإقطاعي ، وتبعدهم عن شرائح الشغيلة التي تكتوي بنار سياسة حكومة التناوب ، أكثر مما كانت تكتوي بنار سياسات الحكومات السابقة.

العمل النقابي والعمل السياسي :

فما المقصود بالعمل النقابي؟ وهل هو وسيلة أو هدف؟ وهل يتوقف عند حدود المطالبة بتحسين الأوضاع المادية والمعنوية ؟ أم يتجاوز ذلك إلى مطالبة بأشياء أخرى ؟

وما المقصود بالعمل السياسي؟ وهل هو وسيلة أو هدف؟ وما هو الهدف الذي يسعى إلى تحقيقه ؟ وما هي العلاقة القائمة بين العمل النقابي والعمل السياسي ؟ وهل هي علاقة تجاذب أم تنافر ؟

إن العمل النقابي كمفهوم يقتضي منا أن نميز بين مجموعة من مستويات العمل الصادر عن مجموعة من المركزيات، و القطاعات المنظمة في المجتمع. فهذا العمل قد يكون موجها من قائد نقابي له مصلحة معينة في ذلك التوجيه، و قد يكون موجها من قائد نقابي له مصلحة معينة في ذلك التوجيه، و قد يكون ناتجا عن قرار تتخذه الشغيلة المنتمية إلى نقابة معينة، و عن طريق أجهزتها التقريرية و بكامل حريتها.

فإذا كان يستهدف تحقيق أهداف القائد البيروقراطي افتقد كونه عملا نقابيا بالمعنى الصحيح.

و إذا وجه من طرف حزب أو مجموعة من الأحزاب التي تسيطر على الأجهزة النقابية، فلا يمكن أن يكون إلا عملا حزبيا يأخذ طابعا نقابيا.

أما إذا نتج عن رغبة حرة للشغيلة المنتمية إلى نقابة معينة، أو مجموعة من النقابات التي تحترم الديمقراطية الداخلية في اتخاذ القرارات، فإن العمل النقابي يكون صحيحا.

و لذلك فالعمل النقابي هو كل عمل يهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للشغيلة عن طريق التنظيم النقابي الذي يحترم مبادئ العمل النقابي/الجماهيري المتجسدة في الديمقراطية و التقدمية و الجماهيرية و الاستقلالية.و وفق برنامج نضالي أعدته الهيئات التقريرية، و صادقت عليه، و تشرف الأجهزة التنفيذية على تنفيذه عبر إجراءات وطنية و محلية و تعبوية و نضالية.

و انطلاقا من هذا التحديد المركز، نجد أن العمل النقابي يخضع لضوابط محددة مثل كونه حركة منظمة أفقيا وعموديا على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الجهوي أو الوطني ، تشرف عليها نقابة معينة تحترم مبادئ العمل النقابي ، وتكون صيغته من اختيار المنخرطين وفق الصيغة التنظيمية المنصوص عليها في القوانين التنظيمية للنقابة .ويهدف إلى رفع مستوى الشغيلة المادي والمعنوي حتى ترتقي الشغيلة إلى مستوى ما تقتضيه كرامتها الإنسانية .

والعمل النقابي ليس هدفا في حد ذاته بقد رما هو وسيلة وهذه الوسيلة تعتمد مجموعة من الآليات التي نذكر منها : إعداد التنظيم النقابي إعدادا جيدا ، وضبطه وصياغة برنامجه ، والعمل على تنفيذ ذلك البرنامج الذي يستهدف تعبئة الشغيلة، فهذه الآليات تدخل ضمن الصيرورة اليومية للعمل النقابي حتى يكون عملا متكاملا، لأنه بدون عمل تنظيمي لا يكون هناك برنامج ، وبدونه لا يكون عمل تعبوي ، ولا تخوض الشغيلة نضالات مطلبية . وقبل ذلك لابد من حصول قناعة بضرورة بناء التنظيم وبمبادئ ذلك التنظيم ، وبالأهداف التي يسعى إلى تحقيقها .

ويهدف العمل النقابي إلى :

1) العمل على حل المشاكل الفردية للشغيلة في العلاقة مع الإدارة حتى لا تصبح حقوق الأفراد الإدارية والاجتماعية التي لها علاقة مباشرة بالعمل اليومي .

2) تحسين الأوضاع المادية للشغيلة عن طريق المطالبة بالرفع من الأجور والتعويضات المختلفة مما ينعكس إيجابا على مستوى معيشة الشغيلة .

3) تحسين المستوى المعيشي الصحي ، والسكني لجميع أفراد الشعب عن طريق المطالبة برفع مستوى التعليم ، وتعميمه ومحاربة الأمية ، وبرمجة التكوين المستمر لاستيعاب المستجدات التي لها علاقة بالعمل ، وتعميم الحماية الصحية لجميع أفراد الشغيلة وعائلاتهم ، ورفع مستوى الخدمات الصحية وتشجيع السكن الاقتصادي ودعمه حتى يتمكن أفراد الشغيلة من الحصول عليه في شروط أفضل .

4 ) تحسين المستوى الثقافي للشغيلة عن طريق تشجيع الأنشطة الثقافية في المجتمع بصفة عامة ، وفرض تخصيص أنشطة خاصة بالقطاعات العمالية والخدماتية في أماكن عملها وتحسيس الشغيلة بأهمية التتبع الثقافي عن طريق استهلاك الأدوات الثقافية في تطور المسلكية الفردية والجماعية .

5) تحسين الوضعية السياسية للشغيلة عن طريق المطالبة بدستور ديموقراطي ، وقوانين انتخابية تتوفر فيها كافة الضمانات لإجراء انتخابات حرة ونزيهة لإيجاد مؤسسات محلية وجهوية ، ووطنية تعبر عن إرادة الشغيلة وتعمل على ملاءمة القوانين مع المواثيق الدولية مما يتناسب مع ما يجب أن يكون عليه مستقبلا الشغيلة أسوة بالشغيلة في الدول ذات الأنظمة الديموقراطية . وبالعمل على تحقيق هذه الأهداف يكون العمل النقابي قد ربط العمل النقابي بالعمل السياسي على مستوى المطالب وعلى مستوى خوض النضالات المطلبية التي تبقى ممارسة يومية كوسيلة للضغط على المشغل أنى كانت هويته لانتزاع تحقيق المطالب التي تسعى الشغيلة إلى تحقيقها .

وكون العمل النقابي يضع بين أهدافه تحسين الوضعية السياسية للشغيلة لا يعني أبدا أنه فقد هويته النقابية وأصبح يحمل هوية أخرى لها علاقة بمطالب النقابية والمطالب السياسية باعتبارها جميعا من اهتمامات الشغيلة ، لأن البعد النقابي لا يكتسب دلالته إلا في بعده السياسي ليصبح عملا نقابيا متكاملا ومنسجما مع نفسه .

أما العمل السياسي الصرف فيتطلب منا التمييز بين مستوياته المختلفة والمتكاملة والمتناقضة في نفس الوقت . فهناك مستويان رئيسيان :

1 ) المستوى العام الذي يتداخل فيه كل ما هو سياسي سواء صدر عن الأجهزة الرسمية للدولة أو عن الأجهزة غير الرسمية .

2) المستوى الخاص الذي يمكن تصنيفه إلى :

أ - العمل السياسي الذي تقوم به الدولة عبر مواقفها المعلنة التي تستهدف القضايا الخارجية والقضايا الداخلية وتصنف الدولة على المستوى الدولي : هل هي متحررة أم تابعة ؟ وهل هي رأسمالية أو اشتراكية وهكذا…

ب- العمل السياسي الصادر عن الأحزاب والمنظمات والهيئات عبر مواقف منسجمة ومؤيدة لمواقف الدولة من مختلف القضايا.

ج- العمل السياسي الصادر عن الأحزاب والمنظمات والهيئات عبر مواقف مناقضة ومعارضة لمواقف الدولة تجاه القضايا المختلفة الخارجية والداخلية .

وانطلاقا من هذه المستويات المتنوعة يمكن القول بأن العمل السياسي هو ممارسة يومية تستهدف امتلاك تصور معين تجاه الواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والمدني والسياسي . والعمل على جعل الناس يقتنعون به انطلاقا من مصلحة طبقية معينة ، وتوظيف تلك المصلحة من أجل تعبئة جميع أفراد المجتمع المعنيين بها للالتحاق بممارسة العمل السياسي كآلية لتأبيد ودعم السياسة الرسمية ، من أجل تأبيد سيطرتها أو تأبيد ودعم العمل السياسي المناقض والمعارض للسياسة الرسمية ، ونقض السيطرة القائمة ، والعمل على الحلول محلها .

ولكي يكون هناك عمل سياسي معين لابد من وجود أدوات سياسية تقود العمل السياسي ، وتؤطره للوصول إلى تحقيق أهداف معينة . ومن أهم الأدوات نجد :

1 ) الأحزاب السياسية المعبرة عن التشكيل الطبقي أو شبهه في مجتمع معين ، والمقتنعة بأيدلوجيات معينة تنبني عليها تصورات تنظيمية ومواقف سياسية معينة .

2) المنظمات الجماهيرية التي تبقى كيفما كانت مجالا لتصريف المواقف السياسية فيما يخص قضايا معينة، لأن المنتمين إلى أي منظمة جماهيرية لا يمكن أن يتحرروا من انتمائهم الحزبي، و قناعتهم الأيديولوجية، و مواقفهم السياسية. لذلك فهم يعملون على تصريفها بشكل أو بآخر بما لا يتنافى مع مبادئ الجمعية و ضوابط العمل فيها سواء كانت نقابة أو جمعية حقوقية أو ثقافية أو تنموية.

3) الإعلام المقروء، و المسموع، و المرئي، و الرقمي باعتباره وسيلة الاتصال بأوسع الجماهير مهما كانت بعيدة، و لدوره في عملية الإقناع الجماعية، و وسيلة عالمية ناجعة، فهو المؤطر الجماعي للجماهير المعنية بالعمل السياسي.

و العمل السياسي بدون أدوات متكاملة لا يمكن أن يكون ذا فعالية ناجعة. فغياب الأحزاب و المنظمات الجماهيرية، ووسائل الإعلام الهادفة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إقبار الممارسة السياسية في المجتمع ككل، و في القطاعات الساعية إلى تغيير الواقع بما يخدم مصلحة غالبية المجتمع من العمال و الفلاحين و المستخدمين و التجار الصغار و الحرفيين و العاطفين من الذكور و الإناث معا. و لذلك فبناء الأدوات و دعمها و ضمان استمرارها حتى تؤدي دورها في تأطير الجماهير على المستوى السياسي و قيادتها للمساهمة في الممارسة السياسية في المجتمع.

و توظيف الأدوات السياسية المشار إليها لا يهدف إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية، و الاجتماعية، و الثقافية للمجتمع فقط، لأن ذلك تقوم به مجموعة من الأدوات الأخرى التي تأخذ على عاتقها الاهتمام بالوضعية الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية، بل يسعى إلى امتلاك السلطة السياسية، أو دعم السلطة السياسية القائمة عبر التواجد في المؤسسة البرلمانية المحلية و الجهوية و الوطنية و التي تمكن من اتخاذ القرارات اللازمة لتكريس السلطة التشريعية و التنفيذية و القضائية.

فبناء الأحزاب السياسية المعبرة عن التشكيلة الطبقية القائمة في المجتمع يهدف كل حزب منها إلى امتلاك السلطة، أو دعم السلطة القائمة لتنفيذ البرنامج الحزبي الذي يعمل على تنفيذه حزب، أو تحالف حزبي معين بخلاف العمل النقابي الذي يقف عند حدود تحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة.

و العلاقة بين العمل السياسي و العمل النقابي تتأرجح بين التجاذب و التنافر. فالعمل السياسي الحقيقي هو عمل عام يشمل النضال من أجل تحقيق المطالب السياسية و الاجتماعية و الثقافية، و هي نفسها المطالب النقابية مع اختلاف في التصور و الأهداف. فالنضال السياسي يسعى إلى تغيير الأوضاع السياسية و الاجتماعية و الثقافية بطريقة جذرية لإحداث ثورة في مختلف المجالات التي لها علاقة بحياة الشعب ككل بينما نجد أن العمل النقابي لا يتجاوز مجرد النضال من أجل تحسين أوضاع الشغيلة السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية في إطار ما هو قائم. و مادام الأمر كذلك فالعمل السياسي يدعم العمل النقابي، و العكس صحيح في العلاقة الجدلية القائمة بينهما. و العملية تقتضي أن لا يتحول العمل النقابي إلى عمل سياسي. كما تقتضي أن لا يتحول العمل السياسي إلى عمل نقابي. غير أن ما يحصل في الواقع، و انطلاقا مما يحدث في العديد من المواقع، أن العديد من الأحزاب تسعى إلى تحويل العمل النقابي إلى امتداد للعمل الحزبي. فتصبح النقابة تبعا لذلك مؤسسة حزبية كما حاصل الآن في العديد من النقابات. فعملية تحويل النقابة إلى مؤسسة حزبية يفرغ العمل النقابي من محتواه الحقيقي، و يعطيه مضمونا آخر مخالفا يجعل العلاقة بين العمل النقابي و العمل السياسي تماثلية. فيصبح العمل الحزبي هو العمل النقابي، و العمل النقابي هو العمل الحزبي. و بذلك يفقد العمل النقابي استقلاليته. و تبعا لذلك تصبح غير ديمقراطية، و غير جماهيرية، و قد تكون تقدمية أو رجعية تبعا لتقدمية أو رجعية الحزب. و في جميع الحالات التي تتحول فيها النقابة إلى منظمة حزبية ينحرف العمل النقابي عن مساره، و يوظف في أمور أخرى، لا علاقة لها بتحسين الاوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية و تصبح غير ديمقراطية، و غير جماهيرية، و قد تكون تقدمية أو رجعية تبعا لتقدمية أو رجعية الحزب. و في جميع الحالات التي تتحول فيها النقابة إلى منظمة حزبية ينحرف العمل النقابي عن مساره، و يوظف في أمور أخرى لا علاقة لها بتحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية. و تصبح مجرد إطار للاستقطاب الفج و ابتزاز الحاكمين، و التواطؤ معهم لإيهام الشغيلة أن النقابة تناضل من أجلهم في الوقت الذي لا تسعى إلا إلى خدمة المصلحة الطبقية للتشكيلة المكونة للحزب المتحكم في النقابة. و بذلك تختل العلاقة الطبيعية بين العمل النقابي و العمل السياسي، فيتضرران معا من ذلك الاختلال، و تتضرر الشغيلة التي تفقد المنظمة التي تدافع عن مصالحها الاقتصادية و الاجتماعية.

و نرى أن تجنب الاختلال المؤدي إلى تضرر العمل النقابي و العمل الحزبي يكمن في احترام المهام الموكولة إلى العمل النقابي، و احترام مبادئ العمل النقابي، و تجنب توظيف النقابة لأغراض حزبية ضيقة، و اعتبارها إطارا خاصا بالشغيلة، لا منظمة حزبية حتى تقوم بدورها لصالح شرائح الشغيلة الذين قد ينتمون إلى عدة أحزاب، و حينها يكون تبادل الدعم بين النقابة و الحزب مسألة طبيعية.

النقابة /الحزب : علاقة الالتقاء و الاختلاف :

و من خلال ما رأيناه سابقا يمكن أن نرجع اختلال التوازن في العلاقة إلى بين الحزب و النقابة إلى طبيعة الفهم الحزبي لتلك العلاقة.

فهناك أحزاب تقتنع بمبدئية النقابة و ضرورة احترامها و بالتالي فإن التوجه الذي يحكم سلوك النقابيين المنتمين إليها يفرض ذلك الاحترام، و العمل على احترام المبادئ من خلال الممارسة النقابية اليومية حتى و إن تعارض ذلك الاحترام مع ما يسعى الحزب إلى تحقيقه في الساحة الجماهيرية، و هو ما يمكن اعتباره ممارسة ديمقراطية حقة من قبل المناضلين النقابيين من هذا النوع. فهم يحرصون على الديمقراطية الداخلية مما يمكن الشغيلة من صياغة المطالب التي تتناسب مع طموحاتها و تطلعاتها الآنية و المستقبلية، و بدون احترام تلك الديمقراطية لا تستطيع الشغيلة ذلك، كما أن سعي النقابة إلى تحسين أوضاع الشغيلة المادية و المعنوية وفق ما تقرره الشغيلة عبر أجهزة النقابة التقريرية يفرض تقدميتها بقدر ما تكون النقابة مخلصة في العمل على تحسين أوضاع الشغيلة بقدر ما تتسع قاعدتها الجماهيرية التي يجب الحرص على توسيعها بالحرص على عدم انزلاق النقابة في التبعية لحزب سياسي معين نظرا لما لذلك من انعكاس سلبي على النقابة و على العمل النقابي من جهة أخرى. بالإضافة إلى تحول الصراع الديمقراطي الحقيقي إلى صراع تناحري بين المنتمين إلى أحزاب تتناقض مصالحها، و أهدافها من العمل النقابي… و هكذا.

و هناك الأحزاب التي تتعامل مع النقابة على أساس أنها منظمات حزبية. و هذا النوع من الأحزاب يصنف إلى نوع يقبل على إنشاء منظمات نقابية حزبية لا ينخرط فيها إلا الحزبيون أو المتعاطفون مع الحزب، و كل منخرط يصبح تلقائيا في الحزب، إن لم يكن قد انتمى إليه من قبل. و نوع آخر يسعى إلى السيطرة على أجهزة النقابة المبدئية و يحولها إلى منظمة حزبية حتى و لو أدى ذلك السعي إلى تخريب النقابة أو إفراغها من محتواها النضالي.

و النقابة التابعة، أو التي تتحول إلى تابعة لحزب معين فإن عدد منخرطيها يتحدد في المنخرطين في الحزب أو الذين يؤمل أن ينخرطوا فيه. و هو ما يؤثر سلبا على جماهيرية النقابة. أما الاستقلالية و الديمقراطية و التقدمية فلا داعي لذكرها.

و في أحسن الأحوال نجد أن العديد من الأحزاب يوجه منتميه إلى الأحزاب في نقابة معينة لا لأنهم يقتنعون بمبادئها أو يسعون إلى النضال في إطارها من أجل تحسين الأوضاع المادية و المعنوية لعموم الشغيلة بما يتناسب مع التوجيه العام للبرنامج المرحلي و الاستراتيجي لتلك الأحزاب. بل إن توجيه المنتمين لا يتجاوز مجرد الرغبة في استقطاب النقابيين إلى تلك الأحزاب حتى و إن أدى ذلك التواجد إلى عدم الالتزام بتنفيذ قرارات النقابة النضالية إذا كانت تلك القرارات تتناقض مع ما تهدف إليه تلك الأحزاب على جميع المستويات، و بذلك تصبح النقابة في نظر هؤلاء مجرد مجال للتسوق، أو الاستقطاب مع ما يتبع ذلك من تأثير على مسار النقابة، و على وثيرة أداء العمل النقابي.

و مجمل ما نستخلصه فيما يخص الرؤى المتنوعة للنقابة و العمل النقابي من طرف الأحزاب المختلفة، أن الأحزاب التي تحترم الشغيلة تجد نفسها مضطرة إلى احترام مبدئية النقابة و الأحزاب التي لا تحترم الشغيلة تنشئ منظمات نقابية حزبية، أو تسعى إلى تحويل النقابة إلى منظمة حزبية، أو تحويلها إلى مجرد مجال للاستقطاب . وهذا الاختلاف في الرؤى والتصورات يقود إلى حرمان الشغيلة من وجود أداة نقابية قوية كما هو حاصل الآن ، وهو ما يقتضي تسليط الأضواء على الأحزاب وعلى برامجها المرحلية ، والاستراتيجية ، إن كان لها برنامج ، والعمل على تشريح مسلكيته السياسية حتى تتبين الشغيلة كيف تتعامل مع المنتمين إلى مختلف الأحزاب وتحد من تأثيرهم على أداء النقابة وعلى مسار العمل النقابي ، وإلا فإن النقابة المبدئية ستزول ، وستتعرض الشغيلة لأخطار جسيمة بسبب ذلك وستكون الأحزاب قد لعبت دورا يخدم مصالح الطبقة الحاكمة تنفيذا لتوجيهات صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ولتوجهات نظام عولمة اقتصاد السوق الذي يسعى إلى التخلص من 80% من الشغيلة التي تحولت أوفي طريقها إلى التحول إلى العطالة المستديمة بدون تعويض يذكر ، وبدون مقاومة منظمة لآثار العولمة من قبل الأحزاب ، والنقابات والجمعيات الحقوقية وباقي منظمات المجتمع المدني .

وغالبا ما يكون المنتمون إلى نقابة معينة منخرطين في أحزاب متباينة ومتناقضة أيديولوجيا وسياسيا وهو ما يجعل النقابة إطارا للتعدد الحزبي الذي يجرنا إلى طرح السؤال :إلى أي حد يكون التعدد الحزبي في خدمة النقابة ؟ وهل يسمح بالمحافظة على مبدئيتها ؟ ألا يعتبر اختلاف ايديولوجيات الحزبيين المنتمين إلى النقابة خطرا على النقابة وعلى العمل النقابي ؟ ألا يؤدي ذلك إلى جعل النقابة حاملة لأفكار وممارسات تتناقض مع أيديولوجية الطبقة العاملة ؟ كيف يسمح بتعدد انتماءات النقابيين الحزبية ، وتتم الرغبة في جعل النقابة تعمل على تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة ؟ ألا يعتبر تعدد انتماءات النقابيين الحزبية عائقا يحول دون قيام النقابة بدورها الإيجابي لصالح الشغيلة ؟

إن تعدد الانتماءات الحزبية للنقابيين لا يعني إلا السماح لأولئك المنتمين إلى مختلف الأحزاب بالانتماء إلى نقابة معينة وهذا يؤدي إما :

1) تضارب الآراء الفردية داخل النقابة ومحاولة قيام كل حزب بإقصاء الأحزاب الأخرى ، وخاصة عندما يصل المنتمون إليه إلى السيطرة على أجهزة النقابة .

2) أو إلى إلزام الحزبيين باحترام مبادئ النقابة وضوابط العمل النقابي .

3) أو إلى قيام بعض الأحزاب بالتنسيق فيما بينها من أجل المحافظة على مبدئية النقابة ، أو من أجل جعلها تابعة لتلك الأحزاب .

وكيفما كان الأمر فإن تصريف التوجهات الحزبية في النقابة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى إفساد النقابة التي تفقد قيمتها النضالية الهادفة إلى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة لتحل محلها القيمة الحزبية نظرا لانقياد النقابة وراء التصورات الحزبية .

وقد كان المفروض أن يتم تطوير النقابة والقوانين النقابية لقطع الطريق أمام تأبيد السيطرة الحزبية على أجهزة النقابة ، وفسح المجال أمام فرض احترام المبادئ التي تقوم عليها النقابة مما يعتبر مدخلا لإمكانية تحمل مسؤولية تسيير النقابة.

و يتم التنسيق بين الأحزاب في النقابة على مجموعة من المستويات التي نذكر منها :

1) مستوى تطوير العمل النقابي إذا كانت الأحزاب مهتمة فعلا بذلك، و تسعى إلى دعم النضال النقابي الهادف إلى تحسين الأوضاع المادية، و المعنوية للشغيلة بصفة عامة، و الطبقة العاملة بصفة خاصة. أما إذا كان اهتمامها شيئا آخر غير ذلك كتحريف النقابة و العمل النقابي عن مساره الصحيح، فإن ذلك سيقود النقابة إلى الخراب .

2) و قد يهدف التنسيق إلى حماية المبادئ الأربعة للعمل النقابي الصحيح عن طريق وضع خطة تلتزم بها الأحزاب من أجل المحافظة على تقدمية النقابة و جماهيريتها و ديمقراطيتها و استقلاليتها، و تجنب السيطرة على أجهزة النقابة من أجل تحويل النقابة إلى منظمة حزبية، و معلوم أن تنسيقا من هذا النوع هو الذي يختفي في ممارسة التكثلات الحزبية محليا و إقليميا و وطنيا، مما يحول النقابة إلى مجال للصراع من أجل الانتخابات ليس إلا. كما يحصل في عدد من المواقع الإنتاجية.

3) و في مستوى آخر فإن التنسيق قد يحصل من أجل التواجد في الأجهزة التنفيذية إما لفرض احترام المبادئ النقابية، و المحافظة على نضالية النقابة، و إما لتحول النقابة إلى مجال للاستقطاب الحزبي، أو إلى مجرد وكالة انتخابية كما يحدث في كثير من المحطات السياسية.

4) و قد يكون التنسيق بين الأحزاب على مستوى النضالات المطلبية إما لدعم النقابة، و مساندة الشغيلة عن طريق إصدار البيانات و تقديم الدعم المادي للضحايا، و الحضور اليومي إلى جانبهم و القيام بحملة إعلامية مكثفة لفضح و تعرية ما يمارس على النقابيين من طرف المسؤولين أو من طرف الباطرونا، و توضيح و فضح نظام عولمة اقتصاد السوق و ما ينتجه من كوارث في حق الشغيلة، و إما لعرقلة النضالات المطلبية، و العمل على إضعاف النقابة، و إفراغها من محتواها النضالي خدمة لمصالح المستغلين و الحكام أنى كان لونهم الحزبي أو السياسي. فالنضالات المطلبية التي تتخذ أشكالا متعددة هي المرحلة القصوى التي تضطر الشغيلة إلى خوضها تجد دعما لا محدودا من قبل أحزاب تحترم العمل النقابي، و مبادئ النقابة، و نضالات الشغيلة المطلبية، و في نفس الوقت نجد من يعرقل العمل النقابي و لا يحترم مبادئ النقابة، و يحمل حقدا طبقيا على الشغيلة و طليعتها الطبقة العاملة، و لذلك كان من اللازم الوقوف على طبيعة التشكيلة الاجتماعية التي تتكون منها الأحزاب التي توجه المنتمين إليها إلى العمل في النقابات القطاعية، و في المركزيات من أجل العمل على تصنيفها إما مع أو ضد الطبقة العاملة.

و هذا التمييز الذي يعتبر ضروريا يقودنا إلى معرفة الأحزاب التي يعطي المنتمون إليها الأولوية للعمل الحزبي، و الأحزاب التي يعطى المنتمون إليها الأولوية للعمل النقابي على أساس الالتزام بالمبادئ و الضوابط، أو على أساس الإخلال بها، و في الحالتين معا، فالعلاقة بين النقابة و الحزب ستكون مختلة إما لصالح الحزب على حساب النقابة أو لصالح النقابة على حساب الحزب ، و هو ما يؤدي إلى غياب الجدل بين النقابة و الحزب من جهة، و بين العمل النقابي و العمل السياسي من جهة أخرى. و قد كان المفروض أن يحضر الحرص عند الجميع على جدلية النقابة و الحزب، و بين العمل النقابي، و العمل الحزبي، و ترفض المس بمبادئ النقابة و ضوابطها.

فالوضوح في الممارسة النقابية يجعل الشغيلة تحرف النقابة، و الهدف من وجودها، و برامجها المطلبية، و خططها النضالية، فتنخرط فيها من أجل تحسين وضعيتها المادية و المعنوية، و حماية مكتسباتها حتى لا يتم إهدارها، و سلبها. و يقود الوضوح في الممارسة النقابية إلى نشر الوعي النقابي في صفوف الشغيلة و حلفائها، و هو وعي لا يمكن أن يكون إلا طبقيا على مستوى المواقع التي تحتلها الشغيلة في علاقات الإنتاج.

أما الوضوح في العمل الحزبي، فيجعل الشغيلة تدرك الفرق بين حزب و آخر. و من هو الحزب الذي يعبر عن مصلحتها الطبقية، و الفرق بينه و بين الأحزاب البورجوازية الصغرى أو الكبرى، أو الأحزاب الإقطاعية التي لا تعبر عن مصالح الطبقة العاملة لا من قريب و لا من بعيد، كيفما كان هذا الحزب لأن الشغيلة التي ترى الامور واضحة، و تعرف حقيقة كل حزب لا يمكن أن تنخدع بالشعارات.

و إلى جانب الوضوح في النقابة و في الحزب هناك وضوح آخر يجعل الشغيلة تدرك علاقة الالتقاء و الاختلاف بين العمل النقابي، و العمل الحزبي. فهما يلتقيان معا في :

1) استهداف الشغيلة بالتنظيم.

2) استهدافها بالعمل على تحسين أوضاعها المادية و المعنوية.

3) جعلها تمتلك وعيها الطبقي.

4) جعلها تنخرط في النضالات المطلبية المختلفة.

و هما يختلفان فيما يخص :

1) الغاية من التنظيم هل هو حزبي أو نقابي ؟ و هل هو لتحقيق أهداف نقابية أو حزبية ؟

2) طبيعة الأوضاع المادية و المعنوية ؟ هل تبقى في حدود تجسيد ما هو قائم ؟ أم لابد من الوصول إلى امتلاك السلطة السياسية من أجل القيام بالتغيير الجذري لأوضاع الجماهير الشعبية الكادحة، و من ضمنها الشغيلة ؟

3) طبيعة الوعي، هل يبقى في مستواه الاقتصادي أو يرتفع إلى مستوى الوعي السياسي الذي يجعل الشغيلة تسعى بواسطة حزبها إلى امتلاك السلطة السياسية ؟

4) طبيعة الانخراط في النضالات. هل يبقى في حدود النضالات الاقتصادية ؟ أو يتجاوزه إلى النضالات السياسية الهادفة إلى الوصول إلى مراكز القرارات السياسية ؟

و علاقة الالتقاء و الاختلاف هذه التي تربط العمل النقابي بالعمل السياسي تعتبر مسألة طبيعية، و لا يمكن أن تؤثر سلبا على الساحة النقابية بقدر ما يكون التفاعل إيجابيا، و يمكن أن نضيف إليها :

1 ) أن النقابة تكون محكومة بمبادئ الديمقراطية و التقدمية و الجماهيرية و الاستقلالية و الوحدة، بينما نجد أن الحزب يكون رهينا بأيديولوجية إحدى الطبقات التي ينبني عليها التصور التنظيمي، و الموقف السياسي.

2) أن البرنامج النقابي يهم الشغيلة فقط . أما البرنامج الحزبي فيهم مجموع أفراد المجتمع الذين يكون من مصلحتهم الطبقية العمل على تحقيقه.

3) أن البرنامج النقابي يصنف إلى ما يهم أفراد الشغيلة و إلى ما يهم كل قطاع من قطاعاتها على حدة ، و إلى ما يهم كل فرد من أفراد ذلك القطاع ، بخلاف البرنامج الحزبي الذي يصنف إلى برنامج مرحلي ، و آخر استراتيجي معبر معبر عن مصالح طبقة معينة تقتنع بأيديولوجية معينة.

4) أن النقابة تتفاعل مع التحولات الاقتصادية التي تؤثر على الدخل الفردي و الجماعي لمجموع أفراد الشغيلة. أما الحزب فيتفاعل مع سيرورة الأحداث السياسية التي تكون من نتائجها التحولات الاقتصادية في بعديها القومي / القطري .

وبذلك نجد أن علاقة الاختلاف بين النقابة والحزب وبين العمل النقابي والحزبي أقوى من علاقة الالتقاء ولا يمكن أن تتحول أبدا إلى علاقة تماثل ، إلا إذا تحولت النقابة إلى منظمة ذيلية للحزب .

فالمنظمة النقابية الذيلية يتساوى فيها العمل النقابي والعمل الحزبي ، لأنها تكون مؤطرة حزبيا كما أن أهداف النقابة تتحول إلى أهداف حزبية صرفة ، وطرح الملف المطلبي من طرف نقابة كهذه ليس إلا ممارسة تضليلية ، و إيهاما للشغيلة بأن النقابة الذيلية تدافع عن مصالحهم المادية والمعنوية وهي في الواقع لا تنفد إلا برنامجا حزبيا ، وبناء على ذلك فموقف النقابة الذيلية من الحركة السياسية هو نفسه موقف الحزب لا يختلف عنه بقدر ما يستنسخه ليصير بذلك موقف النقابة هو موقف الحزب في حالة ثباته أو تطوره أو تغيره .وهو ما يتنافى مع مبدئية العمل النقابي الصحيح .

أما المنظمة النقابية المبدئية فإنها تصوغ موقفها انطلاقا من مبدئيتها ، وبطريقة ديموقراطية ،وانسجاما مع مصلحة الشغيلة المادية والمعنوية، فتعتبر الحركة السياسية داعمة لها أو محايدة أو معادية . وهي بذلك لا تستنسخ موقفا حزبيا لكونه يتنافى مع مبدئية النقابة ،ولاعتقاد المنتمين إليها أن تحرير النقابة من أسر الحزب يرفع مستوى الأداء النقابي ، ويجعل موقف النقابة في مستوى طموحات الشغيلة .

وفيما يخص موقف الحركة السياسية من الحركة المطلبية فإن ذلك يمكن التمييز فيه بين الحركة السياسية المساندة للحركة المطلبية التي تخوضها النقابات ، والحركة السياسية المعادية للحركة المطلبية ، والحركة السياسية المحايدة .

فالحركة السياسية المساندة للشغيلة ترى أن الحركة المطلبية التي تقودها النقابة المستقلة تؤدي بالضرورة إلى تقوية صفوف الشغيلة وتحقيق وحدتها النضالية ، والمحافظة على مكاسبها ، والنضال من أجل تحسين أوضاعها المادية والمعنوية .

أما الحركة السياسية المعادية للحركة المطلبية فإنها توظف كل الإمكانيات المتوفرة لديها كما يحصل دائما من أجل عرقلة تلك الحركة المطلبية ، والضغط على المسؤولين من أجل قمعها ، وفرض الحظر على النقابة ، والعمل النقابي ، لأنها تزكي الحركة المطلبية ، وإذا استمرت فإنها ستهدد مصالح المنتمين إليها بسبب ارتفاع حدة الوعي الطبقي في صفوف الشغيلة الذي ينتقل مستواه الاقتصادي والاجتماعي إلى مستواه السياسي .

أما الحركة السياسية المحايدة ، فإنها على المستوى الظاهر لا تتخذ أي موقف ، ولا تعلن عنه ، ولا تسعى إلى تجسيده على أرض الواقع ، ولكنها في العمق تخدم مصالح الطبقة التي تستغل الشغيلة ، وتخدم الحاكمين . وفي الحالة التي تصبح مصالحها مهددة يمكن أ تتحول علنا إلى مساندة النضالات المطلبية .

وهكذا نجد أن موقف النقابة من الحركة السياسية يختلف باختلاف طبيعة النقابة ، هل هي مستقلة ؟ وهل هي ذيلية ؟

كما أن موقف الحركة السياسية من الحركة المطلبية التي تقودها النقابة ليس واحدا فهو يتأرجح بين المساندة و المعاداة ، و بين موقف الحياد. والذي يحدد اتخاذ موقف معين هو طبيعة النقابة وطبيعة الحركة السياسية . والمواقف المتخدة ليست إلا تعبيرا عن حركة الصراع القائم في الواقع بسبب التناقضات الطبقية القائمة فيه ، والتي لا يمكن القفز عليها ولا تجاوزها إلا بإزالة تلك التناقضات التي لا تكون إلا طبقية.

الكونفدرالية الديموقراطية للشغل بين النظرية والممارسة :

ومن النقابات التي نالت اهتماما كبيرا فيما يخص النقاش والتتبع من قبل الأحزاب التي تعتبر نفسها معينة بها : الكونفيدرالية الديموقراطية للشغل التي اعتبرنا تأسيسها تتويجا للحركة التصحيحية التي دشنها الشهيد عمر بنجلون في بداية الستينات ، واستمرت متوالية في العديد من القطاعات إلى نونبر 1978 الذي عرف المؤتمر التأسيسي لك.د.ش .و هو الاسم الذي يحمل في مضمونه دلالة التصحيح و فسح المجال أمام تعدد الانتماء الحزبي لأعضاء النقابة حسب قناعاتهم ما داموا يحترمون المبادئ و الضوابط، و يلتزمون بتنفيذ القرارات الصادرة عن الاجهزة.

و هذه المهمة المنجزة بمناسبة تأسيس ك.د.ش جعلت ك.د.ش نقابة رائدة في الواقع المغربي. فقد استطاعت أن تستقطب القطاعات العمومية و شبه العمومية في وقت وجيز إلى جانب استقطاب شرائح مهمة من القطاعات الخاصة. وهو ما جعلها تقود نضالات كاسحة في قطاعات التعليم و الصحة و الفوسفاط على المستوى الوطني، و تجعل من العيد الاممي عيدا نوعيا في المغرب. سواء على مستوى الشكل أو على مستوى المضمون. أو على مستوى الشعارات المرفوعة، و تعلن عن الإضراب العام يوم 20 يونيو 1981.

و نظرا للريادة التي أصبحت تتمتع بها ك.د.ش بعد تأسيسها مباشرة. فقد ووجه مناضلوها بقمع شرس لم تعرفه من قبل أية نقابة على مستوى المغرب، فقد اعتقل و سجن و حوكم و أوقف و طرد المئات من أعضاء ك.د.ش و هو ما جعل صيتها يتجاوز الحدود الوطنية، ليصبح موضوع التداول في المنتديات الدولية.

و هذه الريادة لا يمكن أن تحظى بها الك.د.ش لولا قناعة أعضائها بالمبادئ الاربعة المعروفة و المتمثلة في الديمقراطية و التقدمية و الجماهيرية و الاستقلالية. فهي مبادئ تحصن التنظيم الكونفيدرالي، و تحول دون الممارسة التحريفية التي كانت تسود في العديد من التنظيمات النقابية.

فقد كانت الك.د.ش ديمقراطية بالمعنى الصحيح لهذه الكلمة. ذلك أن الاجهزة كانت تنتخب بطريقة ديمقراطية، و القرارات كانت تنبع من قواعد الك.د.ش، و لا مجال لفرض هيمنة الفرد، و لا لتحكم الاجهزة التنفيذية، و لا لتبعية النقابة لحزب سياسي معين، و لا لسيطرة أعضاء حزب معين على أجهزة ك.د.ش لأن كل ذلك يتنافى مع الديمقراطية الداخلية.

و كانت ك.د.ش تقدمية بتبنيها شعارات تقدمية، و لسعيها إلى تحسين أوضاع الشغيلة المادية و المعنوية، و لربط مصيرها بفصائل حركة التحرر الوطني.

كما تعتبر جماهيرية لديمقراطيتها و تقدميتها، و هو ما يجعل الالتحاق بها كاسحا من قبل العاملين في القطاع العمومي و شبه العمومي و الخاص.

و قد أعلنت الك.د.ش منذ تأسيسها عن تبنيها لمبدأ الاستقلالية الذي يعني في عمقه عدم تبعيتها للسلطة السياسية القائمة، و عدم تبعيتها لأي حزب سياسي معين كيفما كانت هويته، حتى لا ترتبط في قراراتها بالسلطة الحاكمة أو بتوجيه حزب سياسي معين.

و الغاية من مبدئية الك.د.ش هي الحرص على إنتاج عمل نقابي صحيح، لا يهتم إلا بتحسين الأوضاع المادية و المعنوية للشغيلة، الشيء الذي لم يكن يتوفر من قبل في الساحة النقابية.

و هذه الممارسة الكونفدرالية الصحيحة لم تلق الاهتمام اللازم من قبل الأحزاب التي كان يفترض فيها دعم و مساندة العمل النقابي الصحيح خاصة و أن معظم المنتمين اليها يعملون في إطار ك.د.ش. و قد كان ذلك واضحا في إضرابات 1979 القطاعية و الإضراب العام في 20 يونيه 1981. و هو ما يمكن أن نستنتج منه أن العمل النقابي الصحيح لا يخدم مصلحة القيادات الحزبية التي ترتبط بشكل أو بآخر بالمؤسسة المخزنية و تأخذ توجيهها من تلك المؤسسة. إلا أنه، و بعد اعتقال قيادة ك.د.ش، و حدوث تحول في المسار الحزبي بعد محطة 8 ماي 1983أخذت الك.د.ش تعرف تحولا يتمظهر في :

1) ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي من خلال المؤسسة البرلمانية حتى يصبح كل برلماني باسم ك.د.ش عضوا في فريق حزب معين.

2) تبعية التنسيق مع نقابة ذيلية معينة لحزب معين للتنسيق بين فريقين معينين في إطار المؤسسة البرلمانية.

3) رفع وتيرة النضال النقابي بتزامن مع الاستعداد للانتخابات في مواعيدها المحددة مما يجعلنا نستنتج أن العمل النقابي موجه حزبيا، و أن النقابة لا تخدم مصلحة الشغيلة بقدر ما تخدم مصلحة الحزب الذي يوجه عملها.

4) تأثر الك.د.ش بالمشاكل الداخلية للحزب الذي أصبح يتحكم فيها مما يجعل العديد من أفراد الشغيلة ينسحب منها، و يلتحق بنقابات أخرى لا تختلف عنها إلا في التسمية أو أقبح من ذلك.

و كنتيجة لذلك تصبح التحريفية سائدة في الممارسة النقابية للك.دش كما هي سائدة في ممارسة باقي النقابات، فيصبح شعار البديل النقابي، أو شعار التصحيح النقابي الذي رفعته الك.د.ش أثناء التأسيس في أواخر السبعينات، و بداية الثمانينات من القرن العشرين مجرد شعار زائف، و يصبح ما قدمه الشرفاء من تضحيات لا حدود لها مهدورة أمام أعتاب التبعية للحزب، و التنسيق بين الفرق البرلمانية.

فتحريف العمل النقابي أصبح يشمل الك.د.ش كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد المغربي للشغل، و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب. و الذي عمل على سيادة التحريف في ممارستها هم قياديوها المنتمون إلى قيادة حزب معين خلال الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين، لأن تواجد هؤلاء الحزبين في القيادات الوطنية و القطاعية جعل الك.د.ش مجرد منظمة حزبية بامتياز، و أصبح هؤلاء القياديون لا يهتمون إلا بالحفاظ على تبعية النقابة للحزب، و هو ما ترتب عنه إقصاء أعضاء النقابة المنتمين إلى أحزاب أخرى وجدوا في الك.د.ش كنقابة مبدئية مجالا خصبا للعمل الصحيح . و أصبح العرف النقابي السائد في العديد من المواقع النقابية هو التماثل و التطابق بين الانتماء إلى النقابة و الانتماء إلى الحزب. و أصبح الهاجس الذي يحكم النقابيين هو الوصول إلى عضوية المجالس التي تشهد ك.د.ش، و تشهد جميع الأحزاب بأنها مزورة، و بذلك يتخلى النقابيون عمليا عن النضال من أجل تحسين الأوضاع المادية و المعنوية حتى و إن كانوا يرفعون الشعارات الهادرة و المحرضة و المنددة بممارسات الحكومة. و أكثر من هذا فقد لجأت الك.د.ش إلى فتح أوراش كونفيدرالية على مستوى التراب الوطني دعما لحكومة التناوب التوافقي/المخزني التي يقودها الحزب الذي ينتمي إليه معظم القياديين، و في مقدمتهم الكاتب العام لك.د.ش الذي فرض القيام بتلك الأوراش رغما عن الكونفدراليين، و رغما عن الأحزاب التي لازال مناضلوها يتحملون المسؤولية في أجهزة ك.د.ش وطنيا و اقليميا، أو ينتمون إليها على مستوى الانخراط فقط. و هذه الارواش التي قامت بها الك.د.ش انعكست سلبا على مسارك.د.ش التي تم تصنيفها كنقابة موالية للحكومة من جهة، و كنقابة ذيلية لحزب الوزير الأول من جهة ثانية، و إلا فإن الأداء الحكومي الذي ألحق خيبة الأمل بالجماهير العريضة التي توهمت أن حكومة التناوب التوافقي تغير شيئا. فإذا بأحزابها هي التي تتغير مما أدى إلى احتداد الصراع في الحزب الذي يتحكم في النقابة لينتقل إلى الممارسة النقابية في العديد من القطاعات، و على مستوى المركزية الكونفدرالية. و قد تجلى ذلك واضحا في النقابة الوطنية لعمال الفوسفاط، و النقابة الوطنية للتعليم، و النقابة الوطنية للفلاحة و الأبناك، ليتوج كل ذلك بتهريب المؤتمر الوطني الكونفدرالي إلى مدينة العيون، مع ما يترتب عن ذلك من تكاليف مادية باهرة. بالإضافة إلى المقاييس المعتبرة في انتخاب المؤتمرين، و عضوية المؤتمر، و كثافة المؤتمرين، و الأجواء السياسية التي انعقد فيها، و السرعة في الإعداد للمؤتمر.

و من الطبيعي جدا أن يتحول الصراع الذي يفترض فيه أن يكون ديمقراطيا بين المنتمين إلى نفس النقابة إلى صراع تناحري، لأن الديمقراطية كمبدأ لم تعد واردة في فكر و ممارسة المتصارعين المنتمين إلى الحزب المسيطر على أجهزة ك.د.ش التي أصبحت إطارا للصراع التناحري بين الفصيلين المتفرعين عن نفس الحزب بعد مؤتمر مكتب الصرف الذي أنتج هذه الظاهرة الكونفدرالية القديمة/الجديدة.

فالصراع التناحري الذي تجاوز مرحلة الإقصاء لينتقل إلى مرحلة تخريب المقرات. و إسالة دماء النقابيين، و محاصرة المقرات، و تجييش المنتمين إلى حزب معين لا يمكن أن يحافظ أبدا على قوة الك.د.ش التنظيمية و النضالية بقدر ما يؤدي إلى إضعافها خاصة و أن صراعا من هذا النوع سيحصل في العديد من المواقع الكونفيدرالية، و في العديد من القطاعات النقابية، و سيرشح الفصائل الأخرى إلى السقوط في ممارسة ذلك الصراع التناحري عن طريق تأييد هذا الفصيل أو ذاك عن طريق حصول الرغبة في احتلال أجهزة النقابة بطريقة غير ديمقراطية كما فعل و يفعل الفصيل المشارك.

و لتجنيب الك.د.ش المزيد من الاستنزاف و الانهيار و التآكل يحق لنا أن نطرح السؤال : ما العمل من أجل تخليص الك.د.ش من عوامل الانهيار و التآكل ؟ هل يتم سحب عضوية المنتمين إلى كافة الأحزاب التي توجه المنتمين إليها إلى العمل في ك.د.ش؟ هل تسحب عضوية كل من مارس الصراع الديمقراطي ؟ هل يتم حسم أمر ك.د.ش لصالح الجهة التي تتحكم في الأجهزة المركزية..؟ أم يرجع الأمر إلى المتحكمين في الأجهزة القطاعية ؟

إن قدر النقابيين المخلصين أن يفتقدوا العمل النقابي الصحيح. و أن يسعوا باستمرار إلى النضال من أجل تصحيح العمل النقابي منذ بداية الستينات و إلى الآن. و نظرا لأن الك.د.ش لازالت نقابة صالحة لأن تكون مجالا لممارسة العمل النقابي الصحيح لاعتبارات نذكر منها :

1) أن أدبياتها لازالت تتضمن الحديث عن المبادئ الأربعة أو كما يسميه أحد الكونفدراليين المخلصين: "الأركان الأربعة"

2) أن العاملين فيها ينتمون إلى أحزاب مختلفة.

3) أنه لا ترقى أية نقابة إلى مستواها في احترام الشغيلة إذا كانت مبدئية أو صارت كذلك.

4) أن صيتها أصبح يخترق نسيج المجتمع، و يصل إلى أبعد مدى على المستوى الدولي.

5) أن التضحيات التي قدمها مناضلوها في مختلف المحطات النضالية المطلبية، و خاصة في 1979 و 1981 . هؤلاء المناضلون الذين عانوا من التوقيف و الطرد و الاعتقالات و المحاكمات، و أشياء أخرى، و منهم من شردت أسرهم، و خرج أبناؤهم من متابعة الدراسة في معظم الأحيان.

و لاستعادة الك.د.ش لعافيتها، لابد من إنجاز الخطوات الآتية و انطلاقا من القناعة بضرورة الحرص على مبدئية ك.د.ش :

1) إلزام مناضلي النقابة المنتمين إلى الأحزاب المختلفة أن يتجنبوا إقحام الحزبي في النقابي، و أن ينسوا و هم يعملون في النقابة أو يقومون بإنجاز مهام نقابية معينة، و أنهم ينتمون إلى حزب سياسي معين حتى يتمكنوا من تصريف القرارات النقابية التي يجب أن لا تتناقض مع القرارات الحزبية تجنبا للحرج الذي قد يقع فيه الحزبيون العاملون في الك0د0ش كما حصل سابقا ، وكما يمكن أن يحصل .

2 ) إلزام مناضلي ك.د.ش بعدم توظيف النقابة والعمل النقابي لتحقيق أهداف حزبية ضيقة ، لأن ذلك سيؤدي إلى الخلط بين ما هو نقابي وما هو حزبي ، وسيحول النقابة إلى منظمة حزبية وسيدوس مبادئ النقابة وضوابطها. لذلك يجب تجنب توظيف النقابة والنقابيين في العمل الحزبي من أجل المحافظة على سلامة العمل النقابي ونظافته لتحقيق الأهداف النقابية الصرفة.

3 ) قيام الأحزاب التي تدعي مساندتها لك.د.ش عن طريق تشريح الممارسة الحزبية التي أدت إلى عدم الالتزام بمبادئ النقابة وضوابطها لأنه بدون عملية التشريح يكون النقد الذاتي غير ذي موضوع وسيعتقد المنتمون إلى الحزب أن توظيف النقابة لتحقيق الأهداف الحزبية الضيقة هو الصحيح .

4) إعلان ميثاق شرف جماعي مباشر وغير مباشر بين الأحزاب التي يعمل المنتمون إليها في إطار ك.د.ش ويتعلق ذلك الميثاق باحترام النقابة والالتزام بمبادئها وضوابط العمل فيها من أجل تكريس العمل النقابي الصحيح البعيد عن التلوث بالعمل الحزبي .

5) تجنب الخلط بين العمل النقابي والعمل الحزبي في الممارسة اليومية للعاملين في النقابة ، كأن يلجأ الإطار إلى تعبئة الشغيلة حول موقف نقابي ، وفي نفس الوقت يقوم بالدعاية لموقف حزبي أو العكس ومن الأفضل أن تتجنب الأطر النقابية ذلك ما أمكن خاصة ، وأن في إمكان الحزب أن يتجنب أعضاءه ممارسة المهام المتعددة في عدة إطارات . مما يقحم الحزبيين في عملية الخلط تلك فيعتقد المعنيون من الشغيلة أن النقابة هي الحزب وأن الحزب هو النقابة .

6) قيام الأحزاب باتخاذ الإجراءات التأديبية في حق المنتمين إلى الأحزاب المساندة لك .د.ش وذلك في الإطارات الحزبية بسبب الإخلال باستقلالية النقابة وبقية مبادئها وضوابطها التي يجب أن تكون واضحة.

7) التزام الأحزاب بعقد ندوات تكوينية وإشعاعية للمنتمين إليها ، والمتعاطفين معها فيما يخص النقابة ومبادئها وضوابطها ، وكيفية تكوين ملفاتها المطلبية القطاعية والعامة ، ووضع برامجها المطلبية والنضالية ، والفرق بين كل ذلك ، وبين ما يخص الحزب والأحزاب وبذلك التكوين الذي يجب أن يتحول إلى تقليد في الممارسة الحزبية حتى تساهم الأحزاب في إعداد الأطر النقابية القطاعية والمركزية ، تفيد النقابة وتحترم مبادئها ولا توظفها لأغراض أخرى غير الأغراض النقابية الصرفة ليعتبر ذلك أكبر دعم للنقابة ومساندة لها .

آفاق العمل النقابي في ظل سيادة بلقنة النقابة :

وما تعاني منه الك.د.ش ليس إلا مظهرا من مظاهر الأزمة النقابية في المغرب منذ بداية الاستقلال وإلى الآن .. فمن أزمة البيروقراطية إلى الذيلية إلى ضرب المبدئية لتحل محلها التبعية والضحية دائما هي الشغيلة التي يتم التخلي عنها أو الانشغال بمصالح البيروقراطيين والحزبيين والزعماء وبيادق الزعماء بدل مصالح الطبقة العاملة، فكأن الذين يفتعلون ذلك تسلطوا على النقابات لأجل خدمة مصالحهم، و مصالح الطبقة الحاكمة و سائر البورجوازيين الذين يستغلون الشغيلة وفي مقدمتها الطبقة العاملة.

فما العمل من أجل تجاوز وضعية التردي التي تعرفها النقابات ؟ كيف نسعى إلى جعلها نقابات ديمقراطية و تقدمية و جماهيرية و مستقلة ؟ ما العمل من أجل إشراك جميع النقابيين في اتخاذ القرارات التي تهم العمل على تحقيق مصالح الشغيلة؟

إن تجاوز الوضعية التنظيمية يقتضي منا تصور الآفاق التي يمكن أن يكون عليها العمل النقابي. و هذه الآفاق التي نتصورها هي :

أ – الأفق المطلبي البرنامجي الذي يجب أن يكون مختلفا عن البرنامج السابق الذي يكون مستوحى من البرامج الحزبية إن لم يكن مستنسخا منها. و هذا الأفق يقتضي من النقابيين المخلصين لمبادئ العمل النقابي في إطار ك.د.ش أن يعملوا على :

1) إعادة النظر في الملفات المطلبية القطاعية و المركزية المحلية و الوطنية بطرحها للمناقشة في الجموعات العامة من أجل تجميع المعطيات و تصنيفها و عرضها على الهيئات التقريرية المحلية و الوطنية و المصادقة عليها لتصبح إطارا للنضال النقابي الذي تفرزه الهيئات التقريرية انطلاقا من مقترحات الجموعات العامة. و تعمل الأجهزة التنفيذية على أجرأة تنفيذه دون أن تعطي لنفسها الحق في التصرف فيه إلا من منطلق ما يقتضيه تاكتيك العمل النقابي، و مصلحة الشغيلة القطاعية و العامة حتى لا تتحول الأجهزة التنفيذية إلى هيئات تقريرية كما يحصل الآن، مما جر الكثير من الكوارث على ك.د.ش و أفرغها من محتواها المبدئي و الجماهيري.

فالأجهزة التنفيذية القطاعية و المركزية أصبحت تنجز مهام الأجهزة التقريرية في الفروع و الأقاليم، و على المستوى المحلي، و هو ما حول الك.د.ش في العديد من الفروع و الأقاليم على المستوى الوطني إلى منظمة حزبية و ذيلية لحزب معين، و دون التنصيص على ذلك في القانون الأساسي و النظام الداخلي، و من مظاهر ذلك تأثر النقابة بما يجري داخل الأحزاب أو داخل حزب معين، و هو ما يؤدي إلى الانسحابات المتوالية من الك.د.ش، و إعطاء الشرعية للنقابات الصفراء، و البيروقراطية. و هذه الوضعية لا يمكن تجاوزها إلا باعتبار الجموعات العامة و الهيئات التقريرية التي يجب الحرص على تشكيلها وفق ما هو مدون في القوانين حرصا على سلامة المنخرطين بك.د.ش.

2) مراعاة مناسبة الملفات المطلبية لمستجدات الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. لأن مستجدات الحياة متطورة و متغيرة باستمرار. لذلك وجب أن لا نتمسك بالملفات المطلبية المحكومة بشروط مختلفة عن الشروط القائمة. و للوصول إلى ذك يجب أن تكون الأجهزة النقابية في مستوياتها المختلفة مواكبة لما يجري على المستوى العام، و على المستوى الخاص ، و أن تجتمع في الأوقات القانونية، وكلما دعت الضرورة إلى ذلك لإعادة النظر في الملفات المطروحة من أجل تطويرها بالتخلي عن ما لم يعد مفيدا. و إضافة ما هو جديد و مفيد للشغيلة و مستقطب لها في الشروط الجديدة، و بمساهمة جميع المنخرطين، أو ممثليهم في الهيئات التقريرية.

3) إعادة النظر في صياغة البرنامج المطلبي انطلاقا من معاناة الشغيلة القطاعية و المركزية، لأن النقابة عندما تغض الطرف عن تلك المعاناة، لا تقوم بالمبادرات النضالية اللازمة تكون غير مرتبطة بالشغيلة، و غير معبرة عن طموحاتها و تطلعاتها. فارتفاع الأسعار،و التسريحات المتوالية. و التضييق على الحريات العامة و النقابية. و إصدار التشريعات المتناقضة مع تلك الحريات. كل ذلك يجب أخذه بعين الاعتبار في إعادة صياغة البرنامج المطلبي الذي يحدث دينامية نقابية منقطعة النظر. فتصبح الك.د.ش نقابة – كما كانت – رائدة على جميع المستويات. و بذلك تتجاوز وضعية الركود التي تعرفها الآن و التي يقف وراءها ما أصبح يروج له ب " النقابة المؤسسة " التي لا تنكر أهميتها. و لكن في نفس الوقت يجب أن لا نحول النقابة إلى مجرد هياكل إدارية، لأن تلك الهياكل هي التي تقود إلى ممارسة البيروقراطية، أو الذيلية.. و لتجنيب الك.د.ش الوقوع في المزالق يجب أن تتفاعل إيجابا مع معاناة الشغيلة ذلك التفاعل الذي يعكسه النظر المستمر من قبل الأجهزة النقابية و على جميع المستويات في صياغة البرنامج المطلبي انطلاقا من الشروط الجديدة التي تعاني منها الشغيلة.

4) وضع خطة نضالية واضحة المعالم و الأهداف، لأنه بدون ذلك الوضوح تبقى إمكانية التلاعب -و بواسطة النقابة – بمصالح الشغيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية واردة. فتوظف الشغيلة للوصول إلى المؤسسات المزورة الجهوية و الوطنية دعما لأحزاب معينة كما حصل في مختلف التجارب التي عرفها المغرب. كما توظف لخدمة الأحزاب التي تصبح ذيلية لها. و لذلك فالحرص على الوضوح في الخطة النضالية التي لا تهم إلا الشغيلة، و الأهداف التي لا تخدم إلا مصلحة الشغيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية . و ذلك الوضوح لا يتم إلا بإشراك الشغيلة عن طريق الجموعات العامة و الهيئات التقريرية في وضع الخطة، و صياغة الأهداف حتى لا تنحرف الخطة و الأهداف عن المسار النقابي الصحيح.

5) الحرص على أن يصدر كل ما يهم الشغيلة قطاعيا و مركزيا عن الأجهزة التقريرية المحلية، و الإقليمية لتجنيب النقابة مزالق الوقوع في البيروقراطية و الذيلية، و تحويل النقابة إلى منظمة حزبية، لأنه يكفي الشغيلة ما عانت منه في العقود السابقة، و في خيبة أملها في العديد من النقابات. هذه الخيبة التي تسربت إليها، و أخذت تتسرب إليها في العديد من المناطق فيما يخص الك.د.ش. و لتجنب الاستمرار في خيبة الأمل يعاد الاعتبار إلى الهيئات التقريرية، و تجنب اتخاذ القرارات المصيرية من قبل الأجهزة التنفيذية إلا إذا كانت هناك ضرورة قصوى تقتضي ذلك، و بقرار من الأجهزة التقريرية و أن تلك القرارات مرضية للشغيلة.

ب- الأفق التنظيمي الذي يقتضي التخلي النهائي و الصارم عن إعادة الهيكلة وفق توجيه لا علاقة له بالمصلحة النقابية الصرفة، و لا يهدف إلا إلى مجرد الإنقاذ الذي يكرس الأزمة و لا يعمل على حلها. فالأفق التنظيمي الهادف إلى تجاوز الأزمة النقابية يجب أن يلتزم العاملون في ك.د.ش ب :

1) إعادة الهيكلة محليا، و إقليميا، قطاعيا و مركزيا في المواعيد المحددة في القوانين التنظيمية التي صادقت عليها المؤتمرات احتراما لقراراتها، و التزاماتها. وذلك تلافيا للجمود التنظيمي الذي تصاب به النقابة إذا لم تتم إعادة هيكلتها، وإحداث حركة نقابية مستمرة لأن التجديد يعني الدخول في عملية الإعداد والاستعداد لعملية تجديد أخرى عن طريق تجديد الانخراطات والعمل على توسيعها ، وتجديد لجان المؤسسات وتكوين لجان أخرى اعتمادا على الانخراطات الجديدة التي تغير خريطة النقابة . وإلا فإن عدم تجديد الهياكل في المواعيد المحددة لا يمكن وصفه إلا بتفضيل عملية الجمود التي تخدم مصلحة الأحزاب ، ومصلحة الجهة المسيطرة على الأجهزة التنفيذية للنقابة . مما لا يخدم مصلحة النقابة ومصلحة الشغيلة بامتياز والتمسك بالجمود هو أكبر دليل على ممارسة الانحراف النقابي على جميع المستويات ، وتكريس ذيلية أجهزة النقابة أو بيروقراطيتها. وإعادة الهيلكة في وقتها هو أكبر دليل على احترام المبادئ والضوابط النقابية .

2 ) الالتزام بعدم التواجد في الجهاز أكثر من فترتين تنظيميتين متواليتين طبقا للقانون المنظم للعمل النقابي كما تفعل العديد من المنظمات الجماهيرية لإتاحة الفرصة أمام الكفاءات الأخرى لتشكيل تجاربهم التنظيمية والنضالية ولإحداث تراكم من التجارب بخلاف ما يحصل في المركزيات المختلفة والنقابات الإقطاعية حيث نجد نفس الجهاز ونفس الكاتب العام لعدة عقود بما في ذلك ك.د.ش وتنظيماتها الإقطاعية لدرجة أن قولة الشاعر الكونفيدرالي " وجوه شاخت وملتها الأقنعة" تصدق عليهم .

فهؤلاء الذين " يناضلون " من أجل الديموقراطية أو يدعون ذلك ، ويفرضون أنفسهم كتابا عامين للنقابات المختلفة لا يمكن أن يكونوا كذلك إلا إذا كانت هناك "معجزة". فوجودهم على رأس النقابات لعشرات السنين دليل على بيروقراطيتهم، أو ذيليتهم أو انتماء نقابتهم إلى حزب معين . وهذا الخلود في مهمة الكاتب العام كلف النقابة والنقابيين مشاكل كان من الممكن تجنبها بممارسة التداول على المسؤولية الذي يعبر عن الإيمان بالديموقراطية ، وبممارستها ، ويفرض احترام الشغيلة للقادة الذين لا يتمسكون بالمسؤولية الأولى ، ويعمل على إشاعة مبدأ التداول في صفتها ويساعد على التخلص من أمراض الذات التي تذوب في الجماعة، ويجعل القيادة الجماعية ممارسة تنظيمية .

3) عقد المؤتمرات في مواعيدها المحددة سواء تعلق الأمر بالقطاعات أو تعلق بالمركزيات مع مراعاة إشراك جميع المنخرطين في النقابة في الإعداد والاستعداد، لأنه بالحرص على عقد المؤتمرات في وقتها يمكن أن يتم خلق فرص التداول والتوضيح وإبداء الرأي ، وتجاوز المشاكل القائمة ، والخروج بخلاصات تساهم في تطوير العمل النقابي ، وتمكن الشغيلة من حماية مكاسبها ، وتحقيق وحدتها التنظيمية والنضالية وبدون ذلك سيجد المسؤولون النقابيون أنفسهم محاصرين من قبل النقابيين أنفسهم ، ومن قبل الجماهير الشعبية ، وحتى نتجنب الحصار يجب أن يتعامل المسؤولون النقابيون مع سائر الأعضاء على أساس احترام القانون الذي يقتضي عقد المؤتمرات في أوقاتها .

4 ) الحرص على إشراك كل المؤتمرين في كل القرارات المتخذة في المؤتمر حتى لا يتحول المؤتمر النقابي إلى مجرد مناسبة للاستماع إلى املاءات القائد النقابي والمصادقة عليها . فمساهمة النقابيين في جميع أشغال المؤتمر خلال الإعداد ، والمؤتمرين أثناء انعقاد المؤتمر . يكسب النقابة مناعة ضد الانحراف ، ويحميها من التحول إلى نقابة تابعة لجهة معينة أو لحزب معين أو لشخص معين ، وهو ما يعتبر – إن حصل –تحريفا للنقابة والعمل النقابي عن المسار الصحيح المتجسد في مبدئية الممارسة النقابية ، وفي ارتباطها بالسعي إلى تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة على أساس تلك المبدئية وانطلاقا منها.

5) تعميم خلاصات المؤتمر وقراراته ، ومقرراته على جميع النقابيين وعلى الجماهير المعنية حتى يكون الجميع على بينة من تلك الخلاصات وحتى يتصرف على أساسها لأن عدم تعميمها كما يحصل خلال العقود الأخيرة يبقيها في الرفوف ويجعل النقابيين جاهلين لها . و الشغيلة لا تدري هل هناك خلاصات أم لا ؟ وهو ما يعطي الفرصة لمسؤولي النقابة ليتصرفوا انطلاقا من قناعتهم الآنية والذاتية ، والحزبية لا من تلك الخلاصات مما يساهم بشكل فج في جعل النقابة ذيلا لحزب معين، فتتحول النقابة بذلك إلى منظمة حزبية أو شبهها. وفي أحسن الأحوال إلى مجال للصراع التناحري بين الأحزاب كما حصل في أكادير ، و في قطاع الفوسفاط ، وفي قطاعات أخرى وفي أقاليم وفروع أخرى، الشيء الذي لا يمكن اعتباره إلا ممارسة تحريفية لتزييف إرادة النقابيين المخلصين . ولذلك فتعميم نتائج وخلاصات المؤتمر سيساعد على مساهمة الجميع في حماية النقابة من التحريف . وبعد ذلك فلتذهب التحريفية إلى الجحيم .

ج- الأفق العلائقي الذي يجب الحرص فيه على احترام المبادئ والضوابط النقابية و القرارات المتخذة بطريقة ديموقراطية . والسعي إلى جعل النقابة إطارا للنضال من أجل خدمة مصالح الشغيلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية ليس إلا . والحيلولة دون تحويلها إلى أداة في خدمة حزب معين ولا يتأتى ذلك إلا ب:

1) ضبط العلاقة مع النقابات الأخرى، و باقي المنظمات الجماهيرية على أسس مبدئية، بحيث إذا تم نسج علاقة معينة دون احترام مبادئ النقابة فإن ذلك سيؤدي إلى الإخلال بتلك المبادئ، و سيجر إلى القبول بالممارسة التحريفية كما حصل بين ك.د.ش و الاتحاد العام للشغالين بالمغرب منذ أواخر الثمانينات و إلى الآن، لأنه بتلك العلاقة التي تم نسجها لكون الك.د.ش تنسق مع نقابة تعلم مسبقا أنها ليست تقدمية، و لا يمكن أن تكون كذلك و ليست ديمقراطية، و لا يمكن أن تكون كذلك. بالإضافة إلى أن التنسيق و منذ البداية جاء كامتداد للتنسيق بين حزبي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية و حزب الاستقلال على مستوى الانتخابات و على مستوى البرلمان خلال الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين. و لذلك فضبط العلاقة مع أي نقابة أو أي منظمة جماهيرية أخرى يعتبر فارغا من محتواه إذا لم يتم احترام المبادئ.

2) رفض إقحام الحزبي في النقابي، و اعتبار العلاقة مع الأحزاب علاقة المساندة المنسجمة مع مبادئ تلك الأحزاب. ذلك الانسجام الذي يختلف من حزب إلى آخر كل على قدر ما تسمح به مبادئه، و حتى إذا ارتأى حزب معين أن لا يساند النقابة و مواقفها و قراراتها لعدم تناسب تلك المواقف و القرارات مع الحزب فذلك شأنه. و المهم بالنسبة إلينا أن لا يحشر أنفه فيما يهم النقابة و النقابيين، و أن لا يوجه العمل النقابي لتحقيق أهداف تختلف عن الأهداف النقابية الصرفة. و لذلك فعلى الأجهزة النقابية التي تحرص على مبدئية النقابة أن ترفض رفضا مطلقا المساندة المشروطة بعمل النقابة في أفق تحقيق الأهداف الحزبية الصرفة. و هو ما يتنافى مع العمل النقابي الصحيح حتى تبقى النقابة ممارسة لاستقلاليتها عن الأحزاب.

3) اشتراط عدم تحمل المسؤولية النقابية وطنيا و محليا بالنسبة لكل شخص يتحمل المسؤولية في جهاز حزبي معين سعيا إلى تجنيب النقابة هيمنة التوجيه الحزبي في الممارسة النقابية، و السطو على أجهزتها من قبل الحزبيين من أجل تحويلها إلى مجرد منظمة حزبية تصرف قرارات الحزب في أوساط الشغيلة. و هذا الاشتراط يقف وراءه غياب التمييز بين الممارسة النقابية الصحيحة، و الممارسة الحزبية الضيقة في سلوك و مواقف الحزبيين، و من هذا المنطلق تأتي وجاهة اشتراط عدم تحمل مسؤولية الجهاز النقابي.

4) الحرص على عدم إقحام المطالب ذات الطبيعة الحزبية في المطالب النقابية، حتى يتأتى الفصل بين العمل النقابي الحقيقي و العمل الحزبي. فالمطالب النقابية يجب أن تبقى نقابية في أبعادها الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية. و حتى لا تخالطها المطالب الحزبية التي لا تتجاوز مجرد طرح ما يتعلق بالمناسبات السياسية، و خاصة منها ما يتعلق بالانتخابات، و ما سوى ذلك مما لا يتجاوز مجرد استغلال الأوضاع الجماهيرية العامة، و أوضاع الشغيلة لأهداف حزبية ضيقة. و لذلك فعدم إقحام المطالب الحزبية في المطالب النقابية يعتبر ضروريا.

5) تجنب اتخاذ مواقف سياسية من قبل النقابة تتقاطع مع المواقف السياسية الحزبية، أو تتعارض معها حتى لا تتحول النقابة إلى حزب سياسي، أو إلى منظمة تابعة لحزب معين، و هو ما يحصل في العديد من النقابات التي تعلن في بياناتها عن مواقف سياسية متفقة أو متعارضة مع أحزاب يعمل أعضاؤها في النقابة فيجدون أنفسهم إما متفقين مع النقابة فيحرصون على أجرأة تلك المواقف المعلنة، أو مختلفين معها، فيقعون في حرج من أمرهم، فلا يدرون هل يتبنون مواقف النقابة أو يحافظون على قناعتهم الحزبية. و هو ما يحصل في المعطيات الانتخابية المختلفة التي قد تشارك فيها ك.د.ش و تقاطعها أحزاب بعض العاملين في إطارها. إنها الأزمة التي تصبح قائمة في التنظيم النقابي. و عليه فتجنب اتخاذ مواقف ذات طابع سياسي، سيجنب مناضلي ك.د.ش الوقوع في هذا الحرج.

6) خوض النضالات المطلبية بعيدا عن المحطات السياسية الصرفة. كالمحطات الانتخابية حتى لا يتم توظيف النقابة لأغراض حزبية. لأن تحريك النقابة في المحطات السياسية يجعل الشغيلة تعتقد أن النقابة تابعة للحزب، و أن الحزب يتحكم في النقابة و يوجهها للقيام بالمحطات المطلبية التي تتناسب مع البرنامج الحزبي. و حتى لا نسقط في مثل هذا الخلط يتعين أن تبقى النضالات المطلبية بعيدة عن النضالات السياسية /الحزبية، و منفصلة عنها، و متميزة عليها لجعل الشغيلة تشعر باستقلاليتها عن الأحزاب التي تختار دعم النقابة أو عدم دعمها حسب توجهها السياسي وقناعتها الأيديولوجية.

7) عقد ندوات نقابية حول العلاقة مع الأحزاب تستدعى لها التنظيمات الحزبية لسماع وجهة نظرها، و إخضاعها للمنافسة حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود. و تعرف الشغيلة من هو الحزب الذي يسعى إلى السيطرة على النقابة من أجل أن يوظفها لتحقيق أهداف حزبية ضيقة بعيدا عن مصلحة الشغيلة الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هذا النوع من الندوات غير وارد في عرف النقابة لغرض في نفس يعقوب حتى يسود الوهم بأن النقابة تابعة لحزب معين. و هو ما يجب تجنبه عن طريق فتح نقاش واسع في الموضوع مع الشغيلة عن طريق العروض و الندوات التي تحضرها الشغيلة بعيدا عن المنابر الصحفية التي تثير الحساسيات، و توقظ النعرات و التي غالبا ما تكون بعيدة عن الموضوعية المتوخاة من الندوات و العروض.

8) إنشاء مؤسسة إعلامية نقابية صرفة تفسح المجال أمام وجهات نظر الأحزاب في الممارسة النقابية، تجنبا لتوظيف الإعلام الحزبي للدعاية للعمل النقابي الذي يكرس الوهم بأن ذلك العمل هو من توجيه ذلك الحزب، أو أن النقابة تابعة للحزب الذي ينشر في جرائده بيانات النقابة. و هو دعم يجب التصدي له، و استئصاله من الجذور في صفوف وجدان و فكر الشغيلة بامتناع النقابة عن التزلف للأحزاب من أجل نشر بلاغاتها و بياناتها و القيام بتغطية أنشطتها المختلفة، و إنشاء جريدة خاصة بها تصدر يوميا أو أسبوعيا أو شهريا … الخ و لا تتم تغطية الأنشطة المختلفة إلا عبرها.

9) و إذا لم تكن هناك مؤسسة إعلامية نقابية فيجب التعامل مع جرائد الأحزاب المساندة للنقابة على أساس المساواة فيما بينها، و إلا فإن أي تحيز للنقابة، كما حصل في السابق و يحصل الآن – لأية جريدة ناطقة باسم حزب معين – فإن ذلك يعني أن النقابة متحيزة لذلك الحزب، مما يجعل الشغيلة تعتقد أنها تابعة له. و لتجنب ذلك يجب التعامل مع جرائد الأحزاب على أساس المساواة فيما بينها لدرء الشبهة.

10) اشتراط أن تكون مساندة الأحزاب للنقابة مبدئية و إلا فإن تلك المساندة ستكون مرفوضة، لأن المساندة إذا لم تكن مبدئية ستكون ملغومة، وستقود إلى اشتراط أن تسعى النقابة إلى تحقيق أهداف حزبية ضيقة، و هو ما يتناقض مع المبادئ الأربعة لك.د.ش . و لذلك فاستقلالية النقابة رهينة باحترام تلك الاستقلالية، و عدم تحويلها إلى مجرد شعار. فدعم الأحزاب للنقابة هو دعم للشغيلة التي يجب أن لا يفرض عليها أن تناضل من أجل تحقيق هدف حزبي ضيق بواسطة النقابة، لأنها حينها ستنسحب من ممارسة العمل النقابي، و من الانتماء إلى النقابة. و الذي يستفيد من ذلك ليست هي الأحزاب، بل هي الطبقة التي تستغل سائر شرائح الشغيلة، و هو ما يتنافى مع الهدف من تأسيس و بناء و استمرار الإطار النقابي الذي يجب التأكيد على المساندة المبدئية له.

و هكذا نجد أن آفاق العمل النقابي التي أشرنا إليها في ظل البلقنة السائدة ستقود إلى إعادة الاعتبار للعمل النقابي من جهة، و تقوية المنظمة النقابية القائدة للنضالات المطلبية من جهة أخرى لتتجاوز بذلك وضعية البلقنة التي لم تعد تخدم مصلحة الشغيلة لا من قريب و لا من بعيد بقدر ما تخدم مصلحة الأحزاب التي تنشئها، أو تسيطر على أجهزتها فتذيلها.

الأحزاب السياسية و تخريب النقابة :

و العمل النقابي باعتباره عملا جماهيريا، فإنه يتأثر سلبا أو إيجابا مع مختلف المكونات السياسية و الاجتماعية و الثقافية، إلا أن الذي يلفت الانتباه أكثر من غيره هو تأثر العمل النقابي بالعمل الحزبي لدرجة أن الأحزاب قد تعتبر نفسها مسؤولة عن النقابة و عن توجيه العمل النقابي، فينشئ كل حزب نقابته، أو يسعى إلى السيطرة على الأجهزة النقابية حتى يتحكم في النقابة من أجل توجيه العمل فيها. و لذلك لا يمكن القول بأن العمل النقابي الصحيح يتعرض للتحريف. و التحزيب المؤدي إلى الجمود أو القتل عن طريق :

1) ازدواجية انتماء المناضل النقابي إلى الحزب و النقابة في نفس الوقت. هذا الازدواج الذي يكون رهينا بطبيعة الحزب. هل هو ديمقراطي أم لا ؟ و هل يحترم مبادئ النقابة أم أنه ينتهكها ؟ و هل يدعم القرارات و المواقف التي تتخذها النقابة ؟ أم أنه يشترط لدعمها شروطا معينة ؟ و ما هي هذه الشروط التي يجب على النقابة الخضوع لها قبل تلقي أي دعم؟ و من أي حزب ؟

فالمنتمون الحزبيون العاملون في النقابة هم المعنيون بالإجابة على التساؤلات المتعددة التي يمكن طرحها في هذا الإطار، لأنهم هم الذين يحتكون بالحزبي و النقابي في نفس الوقت. و لأن النقابة في حاجة إلى الدعم الحزبي، شئنا أم أبينا، فإن الحزبيين العاملين في النقابة يستغلون هذه الحاجة لاستدراج النقابة من أجل أن تتحول إلى منظمة تابعة للحزب إن لم تكن أصلا منظمة حزبية. و لذلك كان يجب رسم الحدود بين النقابي و الحزبي، و وضع الخطوط الحمراء التي يجب أن لا يتجاوزها المنتمون إلى حزب معين حتى لا تتحول النقابة إلى مجال الاستقطاب الحزبي الفج كما حصل خلال الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين في إطار ك.د.ش التي تحولت حين ذاك إلى إطار لممارسة أشكال الانتهازية الحزبوية لاستعراض العضلات أمام الطبقة الحاكمة رغبة في التأثير والمساومة على حساب مصالح الشغيلة التي فضلت الانسحاب إلى الخلف بدل الاستمرار في الصراع من أجل المحافظة على ك.د.ش من هيمنة الحزبي على النقابي، وسيطرة المنتمين إلى حزب معين على الأجهزة النقابية . والازدواجية في الانتماء إلى النقابة والحزب ، أي حزب ليست عيبا في حق المناضل النقابي الحزبي بقدر ما هي عيب عندما يصبح هاجس الحزبي هو كيف يجعل النقابة تابعة لحزب معين ، وهو ما يجب رفضه جملة وتفصيلا .

2) وبناء على ما سبق : فإن طرح السؤال : هل الأولوية للحزب أم للنقابة ؟ وهو سؤال وجيه يجب النظر فيه من منطلق تحقق الانتماء إلى الحزب والنقابة في نفس الوقت .

فالانتماء إلى النقابة يفرض الالتزام بمبادئها وضوابط العمل في إطارها والاستماتة في الدفاع عن مطالب الشغيلة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية والسياسية لإثبات الارتباط النضالي بالشغيلة، و في نفس الوقت يجب تجنيب النقابة الدخول في المتاهات السياسية التي لها علاقة بما هو حزبي حتى لا تتعارض مواقف النقابة مع المواقف الحزبية لأن ذلك سيحتم أن تكون الأولوية للمواقف الحزبية بحكم الانتماء الحزبي.

أما الانتماء إلى الحزب فيفرض الالتزام بإشاعة المواقف الحزبية في المجتمع ، والدفاع عن تلك المواقف والسعي إلى أجرأتها على أرض الواقع دون أن يؤدي ذلك إلى فرضها في الإطارات النقابية عن طريق الحزبيين العاملين في النقابات حتى لا تتحول النقابة إلى ذيل للحزب .

وهكذا يتبين أن الأولوية تكون للنقابة عندما يتعلق الأمر بالدفاع عن مطالب الشغيلة ما لم تتعارض تلك المطالب مع مواقف الحزب ، وإلا فإن الأولوية تكون للحزب الذي يجب أن يلتزم مناضلوه بعدم إقحام النقابة في أمور لا علاقة لها بالعمل النقابي الصحيح .

3) وفي حالة تحديد الأولوية التي تكون إما للحزب أو للنقابة . هل يكون لذلك أثر على الحزب أو على النقابة؟

إن الحزب الذي يبني ممارسته على السيطرة على النقابة سيصاب بالهستيريا عندما يرى النقابة تنفلت من سيطرته وتتحول إلى إطار مبدئي أو تابع لحزب آخر، فإن ذلك سيؤدي ولاشك إلى العمل على تخريب النقابة التي لم تعد تابعة للحزب ، ولم تعد موظفة لخدمة أهدافه كما يتجلى ذلك في قطاعات الفوسفاط، و الأبناك ، والفلاحة ، و التعليم، و السكك الحديدية، وفي عدة مدن مغربية ، وخاصة في مدينة أكادير التي تجند فيها المنتمون إلى حزب معين من أجل السيطرة على النقابة والنقابيين الذين قد تكون لهم انتماءات أخرى ليثبت وبالملموس ، وعلى مرأى من الجميع أن ذلك الحزب هو الذي مارس السيطرة على أجهزة النقابة خلال الثمانينات والتسعينيات من القرن العشرين ووجهها لخدمة أهدافه الحزبية الضيقة. وعندما أخذت تنفلت من بين يديه كنتيجة للتصدع الذي عرفه هذا الحزب، اتخذ قرارا سافرا بتخريب النقابة والانتقام من النقابيين إلى درجة محاولة القتل كما حصل في مدينة أكادير في مقر ك.د.ش .

ولذلك فإعطاء الأولوية للموقف الحزبي المتناقض مع الممارسة النقابية الصحيحة لا يمكن أن يؤدي إلا إلى تخريب النقابة.

أما إعطاء الأولوية للموقف النقابي فإنه سيعمل على تطوير النقابة ، وسيكرس مبدئيتها وسيضع حدا للممارسة الحزبية الهادفة إلى السيطرة على النقابة ، وتوظيفها لأهداف حزبية صرفة ، ولكن عندما تتحول النقابة في اتجاه اتخاذ مواقف سياسية تتناقض مع مواقف الأحزاب كما حصل في ك.د.ش في مراحل سابقة وكما قد يحصل مستقبلا إذا لم تتم حماية النقابة من التحريف، فإن ذلك سيجعل النقابة مجرد أداة لتخريب الأحزاب وهو ما يجب تجنبه.

4) وحتى لا يحصل التناقض بين العمل الحزبي والعمل النقابي ويبقى الاحترام المتبادل بين الأحزاب والنقابة هو السائد فإننا نطرح السؤال : ما العمل ؟

هل يعمل على جعل نقابة معينة ذيلية له ؟

إن المخرج الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه هو :

أ - التمرس الحزبي على احترام الإطارات الجماهيرية بصفة عامة ، و الإطارات النقابية بصفة خاصة عن طريق تربية أعضاء الحزب على ذلك، ومحاسبتهم على الممارسات التحريفية التي يمكن أن تصدر عنهم في حق النقابة والعمل النقابي .

ب- الدعم اللامشروط للعمل النقابي الصحيح حتى لا يدخل الحزب في ممارسات تسيء إلى النقابة والنقابيين .

ج- توجيه أعضاء الحزب العاملين في النقابة من أجل أن يكونوا قدوة لغيرهم في الالتزام باحترام المبادئ والضوابط النقابية .

د- رفض وقوف الحزب وراء تحويل النقابة إلى ذيل للحزب .

ه- رفض تحول النقابة إلى القيام مقام الحزب السياسي في الإعلان عن المواقف السياسية الصرفة .

و-رفض القيادة الدائمة للنقابة من طرف عضو منتم إلى حزب معين .

أما لجوء الأحزاب إلى تأسيس نقاباتها – كما يحصل الآن- فلا يمكن أن يؤدي إلا إلى إضعاف و شرذمة وحزبية العمل النقابي. و هو ما يتنافى مع مصلحة الشغيلة .

وفيما يخص العمل على جعل النقابة ذيلية للحزب فإن ذلك سيؤدي إلى صراع دام يخرب النقابة ، ويعمل على إفراغها من محتواها المبدئي ومن ضوابطها ومن المحتوى المطلبي .

وهكذا يتبين أن لا مناص – شئنا ذلك أم أبينا – من المحافظة على النقابة المبدئية ، ودعمها حتى تؤدي دورها لصالح الشغيلة التي يبقى من حقها أن تختار الحزب الذي تريد كأفراد كل حسب قناعته .

5) لكن هل يمكن تكييف الموقف الحزبي مع الموقف النقابي ؟ إننا بهذا السؤال نجد أنفسنا أمام إشكالية التناقض الذي يمكن أن يحصل عندما يكون الموقف الحزبي متناقضا مع الموقف النقابي.ذلك التناقض الناتج عن الممارسة التحريفية النقابية التي تحولت إلى إطار يسعى إلى الحلول محل الحزب ، أو أن الحزب عجز عن فرض رأيه داخل النقابة. و هذه الإشكالية لا يمكن تجاوزها إلا بالتدقيق في الممارسة النقابية، والحزبية معا. فإذا كانت الممارسة النقابية تحريفية يجب التصدي لها، و فضح مظاهر التحريف فيها من داخل النقابة، و من خارجها حتى لا تقع فيه مستقبلا، و إذا كانت الممارسة الحزبية هي التي تستهدف تحريف الممارسة النقابية الصحيحة، فإنه يجب التصدي لذلك و فضحه، و تعريته من أجل المحافظة على الممارسة النقابية الصحيحة. و حتى لا تتحول النقابة إلى أداة مخربة للاحزاب، أو تتحول الأحزاب إلى أدوات مخربة للنقابة.

و انطلاقا من هذا التحليل نجد أن تعميق الموقف الحزبي ليتناسب مع الموقف النقابي، أو تكييف الموقف النقابي ليتناسب مع الموقف الحزبي يكون غير وارد. لأنه حينها يكون التناقض بين الحزب و النقابة غير قابل للحل لتحوله إلى تناقض رئيسي يقود إلى صراع تناحري، كما حصل في أكادير. و كما قد يحصل في العديد من المواقع في المغرب.

6) و توخيا لتعميق الرؤيا في الموضوع : هل يعتبر تنصيب الحزبي قائدا للنقابة دليلا على تبعية النقابة للحزب ؟ إن المناضل النقابي الذي يوصله إخلاصه و استماتته للنقابة إلى القيادة لا يشترط فيه إلا أن يكون منتميا إلى حزب سياسي معين. بقدر ما يشترط أن يكون أهلا للمسؤولية التي يتحملها حسب المبادئ التي يتحملها حسب المبادئ و الضوابط النقابية. إلا أن ما يؤاخذ على النقابات بصفة عامة، و على الك.د.ش بصفة خاصة هو خلود القائد على رأس المنظمة، الأمر الذي لا يمكن أن يفسر إلا بالممارسة البيروقراطية، أو بتذييل النقابة للحزب، أو بتحويل النقابة إلى منظمة حزبية، و هو ما يتنافى مع الممارسة الديمقراطية التي تقتضي التداول على المسؤولية لتجنب مختلف الأمراض التنظيمية التي لا يمكن تجاوزها إلا بإتاحة الفرصة، و وفق القانون التنظيمي للكفاءات النقابية المختلفة من أجل الوصول موقع المسؤولية كما يحصل في نقابة المحامين، و في غيرها من الإطارات الجماهيرية التي تم فيها التداول على المسؤولية تكريسا للممارسة الديمقراطية.

7) و في حالة القبول بالقائد النقابي كمخلص للمبادئ و الضوابط، و حريص على تفعيلها، و مستميت في الدفاع عن مصالح الشغيلة المادية و المعنوية. فما هو دوره النقابي ؟

أ – المحافظة على مبدئية النقابية التقدمية و الديمقراطية و الجماهيرية و الاستقلالية عن طريق تفعيلها، و تفعيل القوانين المنظمة للنقابة الأساسية و الداخلية و الاستماتة في ذلك التفعيل.

فالقائد النقابي يجب أن لا يفسح المجال أمام الممارسة الرجعية داخل النقابة محليا، و جهويا، و وطنيا، و الحرص على انفتاح النقابة على الشغيلة لتحقيق وحدتها في الإطار النقابي الصحيح. و عدم الخضوع لإغراءات النقابات البيروقراطية و الرجعية التي تفتقد مبرر وجودها أو استمرارها كما أنه لا يجب أن يتساهل مع أي إطار نقابي أو أي جهاز نقابي يثبت في حقه أنه أخل بالمبادئ و الضوابط النقابية بعد البحث و التقصي الذي تكون له لجن خاصة.

ب- و إذا لم يعمل القائد النقابي على تفعيل المبادئ و الضوابط فإنه سيصر على تحويل النقابة إلى منظمة بيروقراطية يصبح كل شيء فيها رهين بإرادة القائد الذي يضمن لنفسه الاستفادة من امتيازات المسؤولية التي لا تعد و لا تحصى، سواء تعلق الأمر بما هو مادي أو معنوي.

ج- أو العمل على تحويل النقابة إلى نقابة ذيلية لحزب معين. كما حصل خلال الثمانينات و التسعينات من القرن العشرين بالنسبة لك.د.. و معلوم أن عملا كهذا جاء محكوما بمجموعة من الشروط التي أدت إلى نفور قطاع عريض من الشغيلة من النقابة ، و حدوث صراع غير مشروع بين من يقبل ذيلية النقابة لهذا الحزب أو ذاك، و بين من يرفضها. بالإضافة إلى خضوع النقابة إلى التوجيه الحزبي، و تحولها إلى مجرد إطار للاستقطاب الفج للحزب الذي يوجه الممارسة النقابية، مما يساعد على تحويل النقابة إلى مجرد منظمة تماثل الحزب إلى درجة التطابق .

د- أو العمل على تحويلها إلى مجرد منظمة حزبية تهدف إلى جعل كل منخرط أو منخرطة في النقابة عضو في الحزب، و هو ما يحصل في العديد من النقابات التي لا يمكن اعتبارها إلا مجرد منظمات حزبية كما هو الشأن بالنسبة للاتحاد العام للشغالين، و يسعى حزب معين إلى أن تصير الك.د.ش كذلك حتى تضمن سيولة الانتماء إلى الحزب عن طريق النقابة. و يضمن تبعا لذلك توفر المرشحين في مختلف المحطات الانتخابية، و ارتفاع عدد أعضاء الحزب في المؤسسة البرلمانية و من تم الوصول إلى الحكومة إن لم يتم الوصول إلى الوزارة الأولى، كل ذلك يمكن أن يعمل على تحقيقه القائد النقابي الذي يستعمل موقع القيادة لتحويل النقابة إلى مجرد منظمة حزبية.

ه – أو استغلال النقابة للدعاية لتأسيس حزب معين كما حصل بالنسبة لك.د.ش التي تم استغلالها لتكوين تيار معين تم اعتماده في مرحلة معينة لتأسيس حزب معين يكون تابعا للنقابة و يستمد قوته من النقابة.و القائد النقابي عندما ينتج هذه الممارسة يبين إلى أي حد يوظف النقابة و العمل النقابي لتحقيق أهداف حزبية ضيقة. و هو ما يمكن اعتباره تحريفا للعمل النقابي المبدئي.

و في مثل هذه الحالة : هل يمكن اعتبار النقابة منظمة حزبية أو تابعة للحزب ؟ أم أن الحزب هو الذي يمكن اعتباره منظمة نقابية أو تابعة للنقابة بحكم المرجعية ؟

إننا إذا انطلقنا من حزبية القائد النقابي، فإن النقابة تكون قد تحولت إلى منظمة حزبية بعد أن كانت من قبل تابعة للحزب القديم الذي كان القائد النقابي في مكتبه السياسي.

أما إذا انطلقنا من كون النقابة إطارا لتفريخ الحزب الذي يدعم النقابة، و يؤيد نضاليتها المطلبية،و ينفذ ما يريده قائدها، فإن الحزب في مثل هذه الحالة يكون ذيلا للنقابة، يأخذ توجيهه منها، و يطابقها في المواقف، و لا يخالفها. يتبعها و لا يسير معها و لا يسبقها. فمرجعية الحزب هنا ليست هي الأيديولوجية الاشتراكية العلمية، كما قد يعتقد البعض، بل ما تقرره النقابة و ما يتضمنه برنامجها.

و في الحالتين معا فالنقابة لم تعد ذلك الإطار الذي تحترم فيه المبادئ شئنا ذلك أم أبينا. و لم تخضع للضوابط النقابية المتضمنة في القوانين الأساسية و الداخلية، و لم تعد تهتم فقط بالنضال من أجل تحسين الأوضاع الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية بقدر ما أصبحت إطارا لتصريف التوجيهات الحزبية، أو إطارا للإعداد لتأسيس أو دعم حزب معين، و هو ما يعتبر تحريفا للممارسة النقابية الصحيحة.

و- و يبقى أن نتساءل : ما هو دور القائد النقابي في توجيه البرامج النقابية ؟ إن القائد النقابي، و انطلاقا من قناعته الحزبية، إما يجعل النقابة تنظيما حزبيا، أو ذيلا للحزب الذي ينتمي إليه، أو إطارا للمحافظة على المبادئ و الضوابط.

و اعتبار القائد النقابي النقابة تنظيما حزبيا يقوده إلى استنساخ البرنامج الحزبي ليصبح نقابيا و تبعا لذلك فإن العمل النقابي يتحول إلى عمل حزبي صرف.

أما اعتباره النقابة إطارا ذيليا للحزب الذي ينتمي إليه القائد، فإنه يكتفي بتلقي التوجيهات التي يجب أن تخضع لها النقابة في وضع برامجها و العمل على استحضار تلك التوجيهات في الممارسة النقابية.

و في حالة اعتباره النقابة إطارا للإعداد لحزب سياسي معين فإن القائد النقابي يسعى إلى صياغة برامج النقابة وفق التصور المفترض للحزب القادم من رحم النقابة كما رآه القائد النقابي.

أما إذا كانت قناعته بمبدئية النقابة، و خضوعها للضغوط النقابية، فإن دور القائد النقابي ينحصر في الحرص أجرأة تنفيذ القرارات و البرامج النقابية التي ساهم في صياغتها أعضاء النقابة، و في إطاراتهم التقريرية، و بطريقة ديمقراطية.

ز- و انطلاقا من قناعة القائد النقابي الحزبية، فإنه سينفذ قرارات الحزب القاضية بتجميد العمل النقابي، أو يراعي توجيه الحزب بالعمل على التجميد، أو يراعي ضرورة التجميد إذا كان يخدم أفق تأسيس الحزب، أو يسعى إلى التجميد إذا كان في تحريك النقابة مضرة تلحق الشغيلة. فتحريك العمل النقابي أو تجميده في الأصل يجب أن يرتبط باستعداد القاعدة، أو عدم استعدادها لخوض النضالات المطلبية. و انطلاقا من درجة التعبئة، هل هي في مستوى مواجهة التحديات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و السياسية ؟ أم دون مستوى ذلك بكثير ؟ و القائد النقابي المخلص للشغيلة هو الذي يحرص باستمرار على تعبئة النقابة للشغيلة استعدادا لخوض النضالات المطلبية الآنية. و المستقبلية لدرجة أن الحديث عن الجمود النقابي لم يعد واردا في ظل الاستعداد المستمر لمواجهة التحديات المختلفة. و ما يحصل من تجميد في الإطارات النقابية ليس إلا انطلاقا مما تقتضيه مصلحة الأحزاب السياسية، و هو ما يمكن اعتباره ممارسة تخريبية للنقابة و العمل النقابي من قبل القائد النقابي.

فما العمل من أجل تجاوز قيام الأحزاب بتخريب النقابة ؟

إن تجاوز قيام الأحزاب بتخريب العمل النقابي يحتاج إلى إعادة النظر في مجمل الممارسة الحزبية تجاه العمل الجماهيري، و تجاه العمل النقابي بالخصوص بهدف التحرر من أسر الرغبة في السيطرة على الأجهزة النقابية، أو توجيه قراراتها حتى تبقى النقابة حرة من أسر الانضواء الحزبي، أو أسر التبعية، أو أوامر التوظيف ، و لا يتم ذلك إلا ب :

1) حرص الحزبيين العاملين في النقابات الإقطاعية و في المركزية على مبدئية العمل في إطار النقابة، و رفض كل ممارسة تستهدف تحزيب النقابة و النقابيين و ذلك الحرص لا يتم بالتشبع بالروح النضالية الصرفة إلى جانب الشغيلة، و في طليعتها، و من أجل الدفاع عن مصالحها المادية و المعنوية، و السعي إلى تحقيق المزيد من المكاسب لصالحها و درء كل أشكال التخلف التي تعشش في صفوفها.

2) مراجعة ممارسة الحزبيين في النقابة، و قيام كل حزب بمحاسبة المنتمين إليه على انتاجهم للممارسة التحريفية في مختلف القطاعات، و في المركزية النقابية وصولا إلى استئصال الممارسات التحريفية من النقابات جملة و تفصيلا، تأسيسا و تكريسا للعمل النقابي الصحيح من جهة أخرى.

3) قيام العلاقة بين الأحزاب و النقابة على أسس مبدئية، بحيث لا تتدخل الأحزاب في الشؤون الداخلية للنقابة، و لا تشترط في دعمها أن تتبنى البرنامج الحزبي، و لا أن تستوحي منه برنامجها بقدر ما تدعمها انطلاقا من قناعتها بضرورة تحسين الأوضاع المادية و المعنوية لجماهير الشغيلة.

و بذلك يتبين أن الحزب الذي يسعى إلى الهيمنة في النقابة أو السيطرة على أجهزتها هو الذي يقف وراء تخريب العمل النقابي، و ينظر إلى العمل النقابي انطلاقا من مصلحة الحزب لا من مصلحة الحزب لا من مصلحة الشغيلة. أما النقابة فإنها تبقى مجالا قائما و صالحا لممارسة المبادئ، و لممارسة كل أشكال التحريف في نفس الوقت. و إذا كان لابد من قيام نقابة مبدئية سليمة من كل أنواع التحريف، فإن على الأحزاب أن تراجع مسلكيتها تجاه النقابة، و أن تحاسب أفرادها على ما يصدر عنهم في حق النقابة، و العمل على تأسيس العلاقة المبدئية بين الحزب و النقابة، و رسم حدود العمل الحزبي، و العمل النقابي حتى لا يحصل تداخل بينهما، من أجل أن تميز الشغيلة بين ما هو حزبي صرف و ما هو نقابي خالص. و بعد ذلك فهي تختار ما تشاء، و الجهة التي ترغب في الالتحاق بها، بكامل حريتها و نوعيها الحقيقي الذي لا يمكن أن يكون إلا وعيا طبقيا.

النقابة و تخريب الأحزاب السياسية :

و إذا تبينا أن ممارسة الأحزاب أو بعضها على الأقل من خلال العمل على تحويل النقابة إلى منظمة نقابية، أو العمل على توجيه قراراتها، أو استغلالها لتأسيس حزب معين. فهل يمكن الحديث عن دور قائم، أو وارد للنقابة في تخريب الأحزاب السياسية ؟ و ما هي حدود هذا التخريب؟ و هل يمكن أن يستمر؟ و ما هي سبل تجاوزه ؟

إننا من خلال هذه المعالجة سنحاول استعراض الظواهر التي يمكن الوقوف عليها من خلال التجارب النقابية لأي قطاع، و في أي إقليم، أو أي فرع على المستوى الوطني وعلى مستوى المركزية النقابية الك.د.ش و من هذه الظواهر :

1) الصراع على المواقع داخل النقابة، و في مختلف القطاعات، و على المستوى الوطني و المركزي من أجل التواجد في الأجهزة التقريرية، و التنفيذية، ليس بناء على النضال المستميت، و التضحيات اللامحدودة، بل بناء على الانتماء إلى حزب سياسي معين، و هو ما يبعث اليأس و الإحباط في نفوس المناضلين الحقيقيين، سواء كانوا منتمين إلى أحزاب سياسية معينة، أو غير منتمين. و هذا الصراع يتخذ مجموعة من المستويات آخرها مستوى التواجد في الأجهزة الذي قد ينخرط فيه :

أ – اللامنتمون الذين يحملون رؤى سياسية غير واضحة، و يقتنعون بممارسة تقودهم إلى اتخاذ موقف معين من المنتمين إلى مختلف الأحزاب الذين قد يتعرضون إلى كل أشكال الإقصاء بسبب انتمائهم بدعوى الحرص على عدم وقوع النقابة في أسر التبعية لأي حزب، و هي ممارسة تهدف إلى اعتبار الانتماء بمثابة جمرة خبيثة تصيب كل من فكر في الانتماء لأي حزب سياسي ، و بالتالي فإن العلاقة بين النقابة و بين الأحزاب السياسية قد تكون علاقة تناقض مما يجعل الأحزاب لا تتفاعل إيجابا مع النقابة، و لا تعمل على دعم العمل النقابي.

ب- المنتمون إلى نفس الحزب الذين يكونون منسجمين فيما بينهم، فيعملون انطلاقا من قرار حزبي إلى أحد الأمرين :

الأمر الأول : العمل على السيطرة على الأجهزة النقابية وتحويل النقابة إلى مجرد منظمة حزبية عن طريق إقصاء العناصر المسببة من اللامنتمين إن لم يتم إقصاؤهم جميعا . من الأجهزة النقابية التقريرية والتنفيذية ليجدوا أنفسهم مهمشين في النقابة مما يدفعهم إلى الابتعاد عنها كما هو الشأن بالنسبة للمنتمين إلى الأحزاب الأخرى

والأمر الثاني : العمل على توجيه قرارات النقابة انطلاقا من التوجه الحزبي ، أو العمل على استغلال النقابة لتأسيس حزب معين اعتمادا على التوفر على الأغلبية في الأجهزة التقريرية والتنفيذية وهو ما يؤثر سلبا على الأحزاب التي لا تمثل إلا الأقلية في الأجهزة المختلفة ، فتعتبر نفسها مجرد أدوات لتنفيذ برنامج لا تقتنع به فإنها فتهميش نفسها ، أو إذا قاومت ما لا تقتنع به فإنها ستهميش رغما عنها ، كما يحصل في العديد من القطاعات ، وفي العديد من فروع ك.د.ش وهو ما يساهم في نخر بنيتها على المدى المتوسط والبعيد .

ح- المنتمون إلى مختلف الأحزاب الذين قد يتوافقون على تصور محدد للعمل النقابي وعلى التواجد في الأجهزة وعلى تقسيم المسوؤليات فيما بينهم ضدا على اللامنتمين الذين قد يستميتون في العمل النقابي الذي قد يستهلك أوقاتهم وقد يجرهم إلى تقديم المزيد من الضرائب النضالية من أجل تحسين الأوضاع المادية والمعنوية للشغيلة المغربية ، وقد يدخل المنتمون إلى مختلف الأحزاب في صراع مرير فيما بينهم من أجل السيطرة على الأجهزة بطريقة لا ديموقراطية ولا تنظيمية ، وهو ماي نعكس سلبا على العمل النقابي في انسحاب العديد من المنخرطين من النقابة مما يؤدي إلى إضعاف النقابة و شرذمتها كما هو حاصل الآن على جميع المستويات المحلية و الإقليمية و الوطنية. فالصراع بين المنتمين إلى مختلف الأحزاب يجر النقابة إلى الكوارث. و هو ما يجب تجنبه بالحوار الهادئ و ضبط معايير تحمل المسؤولية التي يجب أن يغيب عنها معيار الانتماء إلى حزب سياسي معين.

و هذا الصراع يستهدف :

أ – الحرص على التواجد على رأس المسؤولية، يجد أن المنتمين إلى الحزب الواحد أو إلى أحزاب مختلفة أو اللامنتمين لأي حزب ممن تحكمهم رؤى سياسية معينة، يحكمهم الحرص على الاستفراد بالمسؤولية الأولى نظرا لدورها في توجيه الممارسة النقابية و التحكم في قرارات النقابة، و طرق تنفيذها.

ب- و هناك من يكتفي بالحرص على التواجد في الأجهزة التنفيذية حتى يتمكن من ممارسة التأثير في مسار النقابة، و العمل على بقرطة العمل النقابي، و القوانين النقابية خالية من أي سند يؤدي إلى قطع الطريق أمام الممارسة البيروقراطية و خاصة في قوانين النقابة التي تدعي أنها تحرص على الديمقراطية في بنياتها المختلفة، و في علاقتها مع المنخرطين و مع جماهير الشغيلة، فالتنصيص على مدة الولاية لمختلف المسؤولين أصبح ضروريا لقطع الطريق أمام استمرار التحكم في الأجهزة التنفيذية.

ج- و ما قلناه في التواجد في الأجهزة التنفيذية وطنيا و جهويا و محليا يمكن أن نسحبه على الأجهزة التقريرية التي تتكرر فيها نفس الوجوه بسبب غياب الدينامية داخل المؤسسات، و انعدام التداول على مستوى تمثيلية المؤسسات التقريرية، و هو ما يؤدي إلى إنتاج رتابة في الأداء، و في المؤسسات، و خلق شروط إمكانية قيام الممارسات الوصولية ، و الانتهازية داخل النقابة، و التي تتجنب ذلك. لذلك نرى أنه من الضروري التنصيص في قوانين النقابة على التداول فيما يخص تمثيلية المؤسسة.

و ينعكس الصراع على المواقع داخل النقابة سلبا على :

أ – العلاقة بين النقابيين الذين ينتمون إلى اتجاهات سياسية مختلفة و خاصة إذا كانت القطاعات التي ينتمون إليها ذات طابع بورجوازي صغير، فيتحول الصراع بين النقابيين من صراع ديمقراطي داخل النقابة إلى صراع تناحري يخرج على نطاق النقابة كما حصل في العديد من المواقع الكونفيدرالية كما أشارت إلى ذلك العديد من الصحف.

ب- العلاقة بين المنتمين إلى أحزاب تتناحر فيما بينها في الساحة الجماهيرية بحيث يسعى كل منتم إلى حزب معين إلى إقصاء المنتمين إلى أحزاب أخرى، و هو ما يجعل النقابة في بعض المناطق تظهر و كأنها بيد أحزاب، و في مناطق أخرى تصير في يد أحزاب أخرى، بل إن هذا التناحر قد يؤدي إلى إضعاف النقابة أو قتلها.

ج- العلاقة بين المنتمين إلى نفس الحزب الذين تفتقد فيما بينهم عوامل الانسجام و الوحدة في الأداء داخل النقابة بسبب التفاعل مع ما يجري في النقابة و عدم تحمل المنتمين إلى نفس الحزب مسؤوليتهم في رسم خطة موضوعية للمعالجة الموضوعية للمشاكل التي تعاني منها النقابة.

د- و في نفس السياق فإن الصراع قد يقود إلى تفكيك التحالفات الحزبية داخل النقابة لتنكشف هشاشة الأسس التي يقوم عليها التحالفات في المجالات الجماهيرية لأن التحالف الذي لا يستهدف وحدة الطبقة العاملة قد تقود إلى أمور لا علاقة لها بتلك الوحدة و سيتعرض التحالف إلى الانهيار.

ه- و أكثر من هذا فإن الصراع على المواقع داخل النقابة قد يتحول إلى داخل الحزب الذي قد يعرف انقساما بين أعضائه، ليتحول الحزب بدوره إلى مجموعة من الأحزاب، تتنافس فيما بينها من أجل احتلال المواقع المتقدمة في النقابة.

و- بل إن التحالف الذي قد يقوم بين مجموعة من الأحزاب في النقابة الواحدة، قد يتحول إلى صراع تناحري بسبب الانفراط الذي قد يتعرض له ذلك التحالف بسبب تغييب استحضار مصلحة الطبقة العاملة، و الوقوع في أسر المصلحة الحزبية الضيقة.

و بذلك يتبين أن الصراع على المواقع داخل النقابة من قبل الأشخاص اللامنتمين، و الحزبيين قد يؤدي إلى الانسجام بين أعضاء النقابة من جهة، و عدم اعتبار مصلحة الطبقة العاملة في الممارسة النقابية من جهة أخرى، و هو ما يؤدي إلى عدم إعطاء أهمية للممارسة النقابية الصحيحة. مما يعني ضعف النقابة و تراجع أدائها وسط الشغيلة، الأمر الذي ترتاح إليه الباطرونا، و الحكومة و الطبقة الحاكمة. و هو ارتياح يخلق وضعا جديدا في الساحة النقابية، و يقف وراء استفحال أزمة العمل النقابي في منطقة معينة و في البلاد كلها، و في جميع المركزيات.

2) و من تجليات الصراع داخل الإطارات النقابية : اللجوء إلى إقصاء عناصر معينة لجعل النقابة تخدم أهدافا مجددة، أو تتحول إلى مجرد إطار لتصدر العمل النقابي، دون حصول الفعالية المطلوبة،و يمارس الإقصاء من أجل احتلال صدارة التنظيم النقابي :

أ – بين النقابيين بصفة عامة بقطع النظر عن انتماءاتهم الحزبية حيث نجد أن كل نقابي يحرص على أن يتواجد في المكتب فقط، لأنه يرغب في ذلك دون اعتبار لكفاءته أو لعدم كفاءته، و دون قدرة على استيعاب للممارسة النقابية الصحيحة، و دون قدرة على الأداء النقابي الجيد. فالعناصر الانتهازية تسعى إلى احتلال المكاتب النقابية، و تحتقر غيرها في هذا الاتجاه، و تقطع الطريق أمام العناصر المخلصة للعمل النقابي.

ب- و ينتقل مرض الإقصاء إلى المنتمين إلى نفس الحزب الذي يتكون من مجموعة من التيارات بحيث يعمل كل تيار على إقصاء التيارات الأخرى حتى لا تتواجد في الجهاز التنفيذي المحلي أو الوطني.

ج- و من الطبيعي جدا أن يمارس المنتمون إلى مختلف الأحزاب الإقصاء على بعضهم البعض نظرا لحرص كل حزب يعمل أعضاؤه في نفس النقابة على السيطرة على الأجهزة التنفيذية . حتى و إن كان المنتمون إلى حزب معين لا يتوفرون على أية كفاءة في العمل النقابي على المستوى التنظيمي، و لا على المستوى الإشعاعي، و لا على المستوى المطلبي في الوقت الذي يعملون على إقصاء ذوي الكفاءات.

و مرض الإقصاء الذي ابتليت به الإطارات النقابية و في مختلف المركزيان، و خاصة الك.د.ش التي تنضج فيها شروط الإقصاء أكثر من غيرها بسبب تعدد انتماءات المنتمين إليها. و لذلك نجده يؤثر سلبا على:

أ - العلاقة بين النقابيين بقطع النظر عن انتمائهم أو عدم انتمائهم إلى أي حزب سياسي، بحيث يتراجع أداء النقابيين، و يفتر اهتمامهم بالنقابة، و بالعمل النقابي فتضرر الشغيلة بسبب افتقادها للكفاءات النقابية التي لم تعد تتواجد في الأجهزة.

ب- و نفس الشيء نقوله عن المنتمين إلى نفس الحزب الذين تعرضوا للإقصاء من قبل حزبيين آخرين.

ج- و إذا تعلق الأمر بالمنتمين إلى أحزاب مختلفة فإن الطامة الكبرى تكون أعظم بسبب انسحاب جميع أعضاء حزب معين من النقابة، و السعي إلى تأسيس نقابة أخرى لتكون ذات فائدة بالنسبة للشغيلة، و لكنها على الأقل ستقود إلى شرذمة العمل النقابي الناتج عن انخراط التحالف بين الأحزاب في إطار نقابة معينة.

3) و النقابة تعتبر وسيلة أساسية لفرض سيادة معينة داخل حزب معين لدرجة أن الأحزاب أصبحت تعاني من الاتجاه النقابي الذي يسعى إلى فرض قيادة معينة، و توجيه تلك القيادة الحزبية حسب هوى النقابيين و إرادتهم، وهو ما يقف وراء إحداث شروخ داخل الأحزاب التاريخية بالخصوص للاعتبارات الآتية :

أ – هيمنة النقابي على الحزبي الذي يحصل عندما يصبح الحزب إصلاحيا غير قادر على مواجهة النقابوية داخل الحزب باعتبارها توجها إصلاحيا سياسويا يسعى إلى جعل الحزب تابعا للنقابة بدل أن يكون الحزب هو الموجه للنقابة، أو المتحكم فيها كما هو حاصل. و إذا عجز النقابويون عن التحكم في الحزب أو توجيهه وفق رغبة النقابويين، فإنهم يسعون إما إلى تفجير الحزب، أو الانسحاب منه، و تأسيس حزب على المقاس، و بنظرة إصلاحية لا تختلف عن إصلاحية الحزب الذي كانوا ينتمون إليه. أما الحزب الجذري الذي يمتلك أيديولوجية الطبقة العاملة. فإنه يتعاطى مع الأشياء التي تتصل بالشغيلة، و خاصة النقابة، تعاطيا علميا، و يسعى باستمرار إلى تثوير الجانب الإصلاحي في النقابي، و فسح المجال أمام اندماج الطبقة العاملة و سائر الشغيلة في الحزب الذي يتجاوز إصلاحية النقابة.

ب- استغلال التواجد في الأجهزة النقابية لفرض التواجد في الأجهزة الحزبية التنفيذية و التقريرية من أجل فرض رؤيا معينة داخل الحزب، و لأجل اختيار الحزب دعم النقابة، أو جعله تابعا لها، و هو ما يصطلح على تسميته بالاتجاه النقابي داخل الحزب، و يهدف في عمق الممارسة السياسية إلى توجيه سياسة الحزب حتى تتلاءم مع التوجه النقابي، و يصبح الحزب تابعا للنقابة كما حصل خلال الستينات من القرن العشرين، حتى و إن كانت النقابة تقوم بممارسة تتناقض مع مصلحة الطبقة العاملة، و هو ما يعكس مسألة الاستقلالية. فبدل أن يعمل النقابيون على جعل النقابة مستقلة عن الحزب، يصبح على الحزب أن يعمل على التمتع باستقلاليته عن النقابة، و هو ما تم تأسيسه منذ 30 يوليوز 1972 حيث عمل المناضلون منذ ذلك الوقت على جعل الحزب مستقلا في قراراته، بل إن المناضلين سعوا إلى تأسيس تنظيم نقابي في أواخر السبعينات من القرن العشرين، من مبادئه التمتع باستقلالية النقابة عن الحزب، و عن السلطة في نفس الوقت مع إمكانية التخندق في نفس الواجهة لتحقيق نفس الأهداف. و لذلك فاستغلال التواجد في جهاز حزبي معين أصبح غير ذي موضوع لكونه يؤدي إلى أحد أمرين اثنين : إلحاق الضرر بالنقابة، وإلحاق الضرر بالحزب، مما يؤدي إلى التشرذم الحزبي، و التشرذم النقابي، و هو ما ليس مقبولا شكلا و مضمونا، سواء تعلق الأمر بالنقابة أو بالحزب.

ج- و كنتيجة لذلك يتم الدفع بالحزب إلى تأييد النقابة على أسس غير مبدئية من منطلق " انصر أخاك ظالما أو مظلوما" . فالنقابة عندما تكون في ممارستها مبدئية ستكون مؤثرة في صفوف الشغيلة، و ستستقطب الشغيلة إلى صفوفها. و هي بذلك لا تحتاج إلى تأييد أي حزب مهما كانت مكانته، إلا إذا كان ذلك بمبادرة منه. أما إذا كانت غير مبدئية فإن ذلك سيدفع القيادات النقابية إلى ممارسة تهدف إلى جعل الأحزاب تؤيد التحريف النقابي، بل إن الأحزاب نفسها ستسارع إلى كسب القيادات النقابية ، حتى وإن كانت القيادات الحزبية تمثل طبقات اجتماعية تتناقض مصالحها مع مصالح الشغيلة وطليعتها الطبقة العاملة . والنقابة الممارسة للتحريف النقابي تسعى إلى التغطية على التحريف السياسي بغرض تأييد حزب معين أو مجموعة من الأحزاب مهما كانت هويتها الإيديولوجية وكيفما كانت الطبقة التي تعبر عن مصالحها لدرجة أننا قد نجد نفس النقابة مدعومة من قبل حزب رجعي ، وآخر تقدمي ، ويجلسان جنبا إلى جنب في نفس منصة الدعم والتأييد كما يحصل في العديد من النقابات أثناء احتفالات فاتح ماي من كل سنة ، وكأن النقابات التحريفية تقوم بدورين مزدوجين :

الدور الأول : هو الدفع في اتجاه تكوين حزب داعم للنقابة .

والدور الثاني : هو السعي إلى استقطاب أي حزب لا يجد نقابة تقبل دعمه .وإذا كانت هذه الممارسة تعبر عن شيء معين ، فإنه يعكس كون النقابة تعتبر الشغيلة مجرد ورقة تستغلها لتحقيق أهداف معينة في علاقتها مع أجهزة الطبقة الحاكمة ، أو مع الباطرونا ، وهو ما يمكن أن نفسر به لماذا هذا الانسحاب الواسع من النقابات المختلفة ؟

فالتحريف النقابي هو الذي يجر إلى استغلال النقابة للتموقع داخل الأحزاب المختلفة ، وفي أجهزتها، سواء كانت قائمة بالفعل أو سعت القيادات النقابية إلى تأسيسها حتى تمارس الضغط بواسطتها على أجهزة الإدارة القائمة، أو على الباطرونا ، وممارسة الابتزاز عليها . ولتجنب ذلك لابد من وضع حد لممارسة التحريف النقابي . والحرص على أن تكون النقابة مبدئية .

3) ونظرا للتداخل المفتعل بين النقابي والحزبي فإن الصراع القائم بين فهمين مختلفين للعمل النقابي داخل النقابة سوف لا يبقى في حدود الاختلاف في الرأي بل يتحول إلى صراع تناحري كما في العديد من المناطق وفي بالعديد من الإطارات النقابية وأكثر من هذا، فإن ذلك الصراع سينتقل إلى داخل الحزب الداعم للنقابة ، إما باعتبارها تابعة له أو يعتقد أنها يجب أن تكون كذلك أو تبقى تابعة له، وسيحدث صراع مرير بين حاملي الفهمين المتناقضين المفتقدين للأسس الأيديولوجية والسياسية والتنظيمية :

أ - فعلى مستوى الحزب الواحد نجد أن حدوث ذلك الصراع ناتج عن افتقاد مقومات وحدة العمل الحزبي التي لا تكون إلا وحدة أيديولوجية، و وحدة سياسية، و وحدة تنظيمية. و هو ما يقود إلى التحلق حول الأشخاص الذين يشرعون في استقطاب الحزبيين للأخذ بالآراء التي يرونها انطلاقا من فهمهم الخاص للممارسة النقابية لخدمة أهداف محددة، و توظيف أولئك الحزبيين لإقصاء حاملي الرأي النقيض، و الفهم المخالف، و ليتحول ذلك إلى إقصاء من تحمل المسؤوليات الحزبية باعتبارها وسيلة لفرض توجه نقابي معين داخل الحزب. و قد يتطور ذلك الإقصاء إلى المنع من الحضور في الاجتماعات الحزبية، بل و الاستعانة بأجهزة الدولة القمعية لفرض الإقصاء بالقوة، و لا حاجة بنا إلى ذكر الأمثلة.

ب- و على مستوى التحالف الحزبي، فإن الفهم المختلف لكل حزب لما يجب أن تكون عليه الممارسة النقابية قد يقود إلى انفراط ذلك التحالف. و سيجر ذلك إلى إضعاف النقابة بسبب الصراعات القائمة بين المتحالفين حول نقاط محددة بما فيها العمل النقابي. فالتحالف الذي يقوم بين أحزاب معينة في العمل النقابي يجب أن يكون مبنيا على أسس مبدئية، و إلا فإنه سيتعرض للانهيار، و سينفرط التحالف الذي لا يخدم إلا أهداف أصحابه. أما الأهداف التي يستفيد منها العمل النقابي و تستفيد منها الشغيلة فغير واردة.و لذلك فالتحالف إن حصل بين أطراف معينة فيجب أن يقوم على أسس صحيحة حتى يمتلك قوة الصمود أمام مختلف العواصف التي قد تطيح به و منها ما يمكن أن يجري في إطار العمل النقابي.

4) و الصراع الذي يجري بين النقابيين المنتمين إلى نفس الحزب أو إلى نفس التحالف الحزبي، قد يتحول بسبب الخلاف القائم في النقابة الواحدة إلى صراع بين أطراف نفس الحزب داخل الحزب، أو أطراف نفس التحالف داخل التحالف. و صراع من هذا النوع قد يجر إلى :

أ – إما إلى شل قدرة الحزب على الحركة، و الدخول في عملية التصفية المتبادلة بين الأطراف المتصارعة على أسس قد تكون سياسية صرفة، أو أيديولوجية صرفة، أو هما معا، أو بسبب اختلاف التصور التنظيمي، أو بسبب الحساسيات الفردية التي لها علاقة بأمراض البورحوازية الصغرى.

ب- أو شل إمكانية استمرار تحالف ما، بين بعض الأحزاب نظرا لما يترتب عن ذلك من تناقضات تحول دون استمراره.

و في كل الأحوال : فالصراع داخل النقابة قد تكون له تبعات محسوبة على الأحزاب التي يعمل أعضاؤها في نقابة معينة دون استحضار ضرورة التشبع بالمبادئ و القيم التي تحول دون حدوث صراع تناحري بين الأعضاء النقابيين الذي سينعكس سلبا على انتماءاتهم الحزبية.

5) و نظرا للتشرذم المحتمل و الناتج عن تفكيك التنظيم الحزبي الواحد بسبب الانفراط الذي يصيب أعضاءه، أو الانفراط الذي يصيب العلاقة القائمة بين الأحزاب المتحالفة، فإن كل حزب قد يسعى إلى إنشاء نقابة معينة تكون تابعة له، و هو ما يعكس هذه الظاهرة القائمة الآن على أرض الواقع. فهناك تشرذم حزبي يقابله تشرذم نقابي في مناخ يسود فيه التضليل الأيديولوجي المترتب عن تضخم شرائح البورجوازية الصغرى المصحوب بالخطر الذي يتهدد مستقبل الطبقة العاملة.واحتمال استفحال ظاهرة البطالة سواء تعلق الأمر بخريجي المدارس والجامعات أو غيرهم ممن تغلق الأبواب في وجوههم .

ويعتبر التشرذم النقابي نتيجة طبيعية لـ :

أ - غياب فهم واضح وصحيح للعمل النقابي.إذ غالبا ما يتم التعامل معه إما باعتباره وسيلة لاستقطاب الشغيلة للتصويت على مرشحي الحزب في محطات انتخابية معينة . وإما مناسبة للتسلق والسمسرة وعقد الصفقات مع الطبقة الحاكمة أو مع الباطرونا .

ب- غياب فرز طبقي واضح في المجتمع . إذ غالبا ما نجد حزبا بورجوازيا معينا يؤسس نقابة تمارس الخداع والتضليل على العمال وباقي الشغيلة ، وكذلك الشأن بالنسبة للأحزاب الإقطاعية، والاتجاهات الظلامية لدرجة أن أي حزب أو اتجاه لا يصاب بالحرج عندما يقدم على تأسيس نقابة تابعة له من أجل إضعاف العمل النقابي الصحيح .

ج- غياب الوضوح الأيديولوجي في صفوف الشغيلة وطليعتها الطبقة العاملة التي تتجاذبها الأيديولوجيات البورجوازية الصغرى ، والبورجوازية ، والإقطاعية و الظلامية مما يجعلها تقبل أن تكون ضحية الأفهام التي تستهدفها.

و- غياب حزب طلائعي قوي للطبقة العاملة يمكن أن يكون إطارا لجعل الطبقة العاملة تمتلك أيديولوجيتها الحقيقية التي تحتصن بها ضد كل الأيديولوجيات التضليلية التي تهيمن عليها فتجعلها ضحية الاستغلال الشرس الذي يمارس عليها من قبل البورجوازية المتخلفة والتابعة لصالحها ، ولصالح المؤسسات المالية الدولية .

ولذلك فاستحضار فهم صحيح للعمل النقابي ، والعمل على إنضاج شروط الفرز الطبقي الواضح ، ومحاربة التضليل الأيديولوجي وبناء حزب للطبقة العاملة، سيساعد على وضع حد للتشرذم النقابي وسيساعد على إضعاف التشرذم الحزبي المستقطب للطبقة العاملة و الشغيلة، وسيعتبر ذلك عامل قوة بدل أن يصير عامل ضعف، وهو ما يعيد أمل الشغيلة في بناء نقابة قوية .

6) ويمكن تجاوز الأثر السلبي للنقابات على الأحزاب عن طريق :

أ- ابتعاد الأحزاب عن التدخل في شؤون النقابات المستهدفة بالاستقطاب الحزبي .

ب- تحويل المبادئ النقابية إلى ممارسة يومية للحزبين العاملين في النقابات المختلفة من أجل تحصينها ضد السقوط في التبعية لحزب سياسي معين .

ج- تفعيل الديموقراطية الداخلية للنقابات المختلفة من أجل أن تكون هيكلتها ، و قرارتها معبرة عن إرادة المنخرطين بهدف ربطهم بالعمل النقابي بعيدا عن التوجهات الحزبية وعن التعليمات التي يمكن أن يتلقاها العاملون في مختلف النقابات من خارجها .

د- الحرص على أن تكون العلاقة مع الأحزاب قائمة على أساس الدعم المتبادل والمبدئي ، وانطلاقا من القناعة الراسخة بذلك .

ه- الحرص على دمقرطة العلاقة بين مناضلي نفس الحزب سواء كان يأخذ بمبدأ المركزية الديموقراطية أم لا ، حتى يقتنع المنتمون إلى الأحزاب المختلفة بمواقف أحزابهم من النقابات . وحتى يسعوا إلى تنظيم العلاقة الديموقراطية مع النقابات المختلفة .

وبذلك يتم تجاوز الأثر السلبي للنقابات على الأحزاب، وكذلك الأثر السلبي للأحزاب على النقابات حتى نتجنب التداخل الناتج عن تبعية النقابة للحزب ، أو عن تبعية الحزب للنقابة كما يحصل في الساحة النقابية/ الحزبية .

كما أنه بتجنب أشكال الصراع التناحري على المواقع داخل النقابة ، وتوظيفها لاحتلال المواقع داخل الأحزاب . وتجنب ممارسة كافة أشكال الإقصاء داخل النقابات واستغلالها لممارسة الإقصاء داخل الأحزاب وبتجنب تحويل الصراع النقابي إلى صراع حزبي ، والحيلولة دون تسبب النقابة في تشرذم الأحزاب، سيبعد النقابات عن المساهمة في تخريب الأحزاب وإضعافها ، وسيجعلها عامل قوة ودعم لمختلف الأحزاب التي تساعد النقابات . لأن احترام الأحزاب والتنظيمات النقابية سيجعل النقابة قوية . وتجنب القيادات النقابية توظيف النقابة للتأثير في مسار الأحزاب وسيجعلها قادرة على تأطير المجتمع في أفق ممارسة ديموقراطية حقيقية تسود نسيج المجتمع . فهل ترقى النقابات والقيادات النقابية إلى هذا المستوى من النضج ، والالتزام بالأخلاق النضالية الصحيحة ؟ وهل ترقى الأحزاب إلى مستوى احترام المبادئ من أجل عمل نقابي صحيح ؟

إننا نأمل أن تكون المشاكل المترتبة عن الخلل الناجم عن توظيف النقابة لتخريب أحزاب معينة أو للتأثير في مسارها التنظيمي وسيلة لتقويم ما اعوج وتجنب تكرار أزمة العلاقة بين الأحزاب وبين النقابات .

البورجوازية الصغيرة وتخريب الأحزاب / النقابات :

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه هو : ماهي الطبقة التي تنتج ممارسة تخريب الأحزاب والنقابات معا ؟ هل هي البورجوازية الكبرى ؟ هل هو الإقطاع ؟ هل هي البورجوازية الصغرى ؟ هل هي الطبقة العاملة وباقي شرائح الشغيلة المقهورة ؟

إن الأمر عندما يتعلق بالبورجوازية الكبيرة ، والإقطاع فإننا نجد هذين الطبقتين لا تمتلكان نظرية طبقية واضحة تمكنهما من الممارسة البورجوازية أو الإقطاعية الواضحة . ولذلك فهما تستأجران شرائح المثقفين من خارجها لانتاج نظرية تتناسب مع طبيعتها الطبقية، و تحفظ مصالحهما، و تجعل باقي الطبقات تتوهم أنهما يخدمان مصالح سائر الطبقات الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و هذه النظرية ليست إلا الأيديولوجية البورجوازية الإقطاعية التي تتداخل فيما بينها. و تؤلف أيديولوجية واحدة يستند إليها البورجوازيون و الإقطاعيون على السواء. و الشرائح التي تقوم بتأليف تلك الإيديولوجية هي شرائح ذات انتماء بورجوازي صغير تم استقطابها إلى جانب البورجوازية الكبرى و الإقطاع. و طبقات كهذه تستطيع أن تشتري كل شيء بما في ذلك الشرائح الانتهازية من الشغيلة بما فيها الطبقة العاملة من أجل تكوين منظمات نقابية تابعة لأحزاب البورجوازية أو الإقطاع. و هي نقابات تلعب دورا معينا لصالح تلك الطبقات و ضد مصلحة الطبقة العاملة، و سائر الشغيلة، و نقابات كهذه لا يمكن أن تتعرض للتخريب، و لا يمكن أن تكون مجالا للصراع، لأنها مجرد إطارات لتلقي التعليمات و تنفيذها كما تتلقى الأحزاب البورجوازية التعليمات، و تعمل على تنفيذها ليس إلا.

و بالنسبة للطبقة العاملة، و معها شرائح الشغيلة المقهورة، فهي لا تملك الأموال لشراء منظريها، و لا تملك وعيها الطبقي الحقيقي الذي تستند إليه في تنظيم نفسها. بل هي تنتظر من يتصدى لصياغة أيديولوجيتها من خارجها، و مساعدتها على امتلاك وعيها الطبقي كما فعل ماركس و أنجلز في القرن التاسع عشر، و كما يفعل المناضلون الثوريون المقتنعون بالاشتراكية العلمية كوسيلة، و كهدف في جميع أنحاء العالم، و على مدى عشرات السنين. بل إن ثورات انتصرت في العديد من مناطق العالم و عملت على القضاء على كافة أشكال الاستغلال المادي و المعنوي للشغيلة، و طليعتها الطبقة العاملة. فالطبقة العاملة من مصلحتها بناء حزب قوي يقود صراعها من أجل تحويل ملكية وسائل الإنتاج من ملكية فردية إلى ملكية جماعية في أفق تحقيق عدالة اجتماعية. و النضال من أجل ديمقراطية حقيقية من الشعب و إلى العشب تساعد على تجسيد ممارسة الحريات العامة السياسية و النقابية، و تمتيع الأفراد بجميع الحقوق بما فيها حق العمال في تأسيس نقابة قوية تعمل بإخلاص على تحسين أوضاعهم الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية. و لذلك، فالطبقة العاملة في حالة امتلاكها وعيها الطبقي لا تسعى أبدا إلى تخريب حزبها، كما أنها لا تسعى إلى تخريب النقابة، لأن ذلك التخريب، كيفما كان الهدف منه، و مهما كان لا يخدم مصلحتها بقدر ما يخدم الطبقة البورجوازية التي تستغل العمال و سائر المقهورين.

أما عندما يتعلق الأمر بالطبقة الوسطى، فإن هذه الطبقة التي يمكن تسميتها بالبورجوازية المتوسطة أو البورجوازية الصغرى، فإنها تتطلع باستمرار الالتحاق بالبورجوازية الكبرى مستعملة في سبيل ذلك كل الوسائل الممكنة، سواء كانت شريفة أو لم تكن كذلك، بما فيها ممارسة التضليل الأيديولوجي الذي تمارسه على الشغيلة لصالح البورجوازية، و ممارسة الارشاء و الارتشاء، و كل الأساليب الدنيئة و المنحطة. و المهم أنها تتخذ الطبقة العاملة و سائر المقهورين سلما للتسلق و الارتقاء، و خاصة عندما يتعلق الأمر بتوظيف الحزب و النقابة في هذا الاتجاه. و هذه الطبقة هي المرشحة للعب مجموعة من الأدوار. فهي تفرز منظري البورجوازية من جهة، كما تفرز منظري الطبقة العاملة من جهة أخرى. و هي التي تقلب الموازين لصالح البورجوازية الكبرى إذا كان ذلك يخدم مصلحتها الطبقية، أو تقلب تلك الموازين لصالح الطبقة العاملة و سائر المقهورين عندما يتعلق الأمر بتوظيفهم حزبيا و نقابيا لانتزاع مكاسب لصالح البورجوازية الصغرى و المتوسطة، و عندما يتعذر عليها ذلك فإنها تلجأ إلى :

1) العمل على تفتيت الأحزاب القائمة ، و العمل على شرذمتها بكافة الوسائل مستعملة في سبيل ذلك:

أ – سلاح الاختلاف الأيديولوجي الذي قد يكون مقبولا إذا كان الحزب يضم بين صفوفه أناسا يقتنعون بأيديولوجيات متناقضة لا يمكن الانسجام فيما بينها نظرا لاختلاف الانتماء الطبقي الفعلي الذي يجعل كل طبقة من الأعضاء الحزبيين يتمسكون بالإيديولوجية التي تخدم مصلحتهم الطبقية، فيكون الاختيار المرجح هو تحول الحزب إلى حزبين أو مجموعة من الأحزاب كما يحصل دائما.

ب- سلاح التنظيم الذي سيختلف تصوره بسبب الخلاف الأيديولوجي، لأن التنظيم يجب أن يكون منسجما مع الأيديولوجية المعبرة عن اختلاف الانتماء الطبقي . فالتصور التنظيمي لحزب الطبقة العاملة ليس كالتصور التنظيمي لحزب بورجوازي أو بورجوازي صغير، أو حزب إقطاعي، لأن لكل حزب أيديولوجيته التي تنسجم مع تصوره التنظيمي. و تشرذم كهذا يعتبر مسألة طبيعية، لأن الحزب الواحد لا يمكن أن يكون إطارا تنتظم فيه جميع الطبقات، و لذلك سيكون معرضا للانقسام بفعل تطور المجتمع المصحوب بتطور الوعي الطبقي.

ج- السلاح السياسي الذي يقتضي وجود مواقف سياسية متناقضة داخل نفس الحزب بسبب الاختلاف في القناعة الأيديولوجية و في التصور التنظيمي المنتج للمواقف السياسية المتناقضة، و هو ما يسرع بالانقسام، و هو أيضا أمر طبيعي له علاقة بالانفراز الطبقي في المجتمع. ذلك الانفراز الذي يطال الأحزاب المفتوحة أمام مختلف الطبقات بما فيها الأحزاب التاريخية التي عرفها المغرب، و التي تحولت بفعل التطور في الواقع إلى مجموعة من الطبقات.

إلا أننا في بعض الأحيان نجد أن التمحور حول أفكار معينة أو أشخاص معينين، قد يساهم في المزيد من التشرذم و الانقسام، و عملية التمحور حول الأفكار و الأشخاص لا علاقة لها لا بالعلمية، و لا بالصراع الطبقي الحقيقي الذي يمكن أن يمتد إلى داخل الأحزاب، إنه ظاهرة مرضية بورجوازية صغيرة، دافعها الرغبة في التميز و ركوب العمل الحزبي من أجل تحقيق التطلعات و إنشاء أحزاب لهذه الغاية.

و نظرا لخصوصية الشرائح البورجوازية الصغرى و المتوسطة التي تحاول أن تبرهن باستمرار أنها تلعب دورا كبيرا في مختلف الأحزاب ذات اليمين و اليمين المتطرف، و ذات اليسار و اليسار المتطرف، من أجل تحقيق ذاتها على المستوى النظري و العملي للبرهنة على أهليتها للاستجابة إلى تحقيق تطلعاتها الاقتصادية عن طريق التواجد في مراكز القرار، و التنفيذ، و هلم جرا… و كل موقع يمكن أن يوصل إلى ما تريد. و لذلك نجدها تحرص على امتلاك القدرة على التنظير في مختلف الأيديولوجيات الإقطاعية المتخلفة و الإقطاعية، و البورجوازية و البورجوازية الصغرى و التابعة. و حتى أيديولوجية الطبقة العاملة، لأن تلك القدرة هي التي تؤهلها لقيادة أحزاب مختلف الطبقات، و الوصول إلى المسؤوليات الكبرى في الأجهزة التقريرية، و التنفيذية محليا، و جهويا، و وطنيا. و قد تختار الانحياز إلى الطبقة العاملة لتعاني بدورها من الإقصاء، و التهميش و الاعتقالات و المحاكمات.

و بذلك تكون للبورجوازية الصغرى الريادة في صياغة الأيديولوجيات المختلفة، و إنشاء الأحزاب، و تغذيتها، بل و توظيفها لتحقيق تطلعاتها، أو الوقوف إلى جانب الجماهير المعنية بالتغيير. إلا أنها عندما تربط مساهمتها في الأحزاب بتحقيق تطلعاتها، فإنها سرعان ما تغير جلدها، و تستبدل حزبا بحزب آخر، و ما يتبع ذلك من تغيير أيديولوجية بأخرى، و موقف سياسي بآخر، و طبقة بأخرى. و قلما نجد عناصر طليعية تختار البقاء في نفس الموقع، و لا تغيره مهما كلفها ذلك من معاناة. و إذا وصلت شرائح منها إلى اليأس ، فإنها تنسحب من العمل الحزبي لتنحاز إلى جانب الأجهزة التنفيذية مهما كان لونها الحزبي.

و يتحدد دور البورجوازية الصغرى في :

أ – أنها تستطيع أن تستوعب الأيديولوجيات المختلفة، و أن تعمل على إغنائها و تطويرها في الاتجاه الذي يخدم مصلحة الطبقة صاحبة تلك الأيديولوجية، كالطبقة الإقطاعية أو شبهها، و الطبقة البورجوازية أو شبهها، و الطبقة العاملة وسائر المقهورين من جهة، و مصلحة شرائح البورجوازية الصغرى و المتوسطة في حالة اختيارها الارتباط بالطبقة العملة و سائر المقهورين، أو مصلحة نخبتها فقط في حالة اختيار الارتباط بالطبقات المستغلة من جهة أخرى، و هي لذلك تجتهد في :

1) تعميق الرؤيا الأيديولوجية الإقطاعية أو البورجوازية أو أيديولوجية الطبقة العاملة من أجل أن تزداد الطبقة صاحبة الأيديولوجية في الالتحام.

2) العمل على تفريع الأيديولوجية الواحدة إلى مجموعة من الأيديولوجيات بهدف تفتت الطبقة صاحبة الأيديولوجية إلى مجموعة من التيارات أو مجموعة من الأحزاب.

3) العمل على توليف أيديولوجيات خاصة بها تعبر عن دهائها، و مكرها، و ممارستها للتضليل من أجل إيهام شرائح المجتمع المقهورة و غير المقهورة بما فيها الطبقة العاملة بكون أيديولوجيتها المؤلفة من مختلف الأيديولوجيات هي البديل.

4) مسايرة الطبقات الإقطاعية و البورجوازية من جهة أو الطبقة العاملة و سائر المقهورين من جهة أخرى، و المواقف السياسية، و الاستماتة في تلك المواقف انطلاقا من تأرجحها بين الانحياز إلى المستغلين، أو الانحياز إلى المستغلين المقهورين.

5) العمل على توليف موقف سياسي وسط يتناسب مع نمطية التوليف الأيديولوجي الخاص بها حتى لا تحرج مع الإقطاع و البورجوازية من جهة، أو مع الطبقة العاملة و سائر المقهورين من جهة أخرى. و حتى يتوهم بأن مواقف البورجوازية الصغرى تتناسب مع الجميع، و تناسب الجميع، و هو ما يساهم بشكل كبير في تليين الصراع الجاري بين الطبقات المستغلة و المقهورة بالاستغلال في أفق توقف المستغلين عن ممارسة الصراع.

6) موافقة الأحزاب المعبرة عن مصالح الطبقات المختلفة على صيغها التنظيمية في أحزابها من أجل التواجد معها في تلك الأحزاب. و العمل على تحقيق أهدافها ، سواء كانت تتناسب مع تطلعات البورجوازية الصغرى أم لا ، وسواء رضيت هي بذلك أم لم ترض ، إنها مرغمة على ذلك . وإلا فإنها ستخطط للانشقاق عن الأحزاب سواء كان ذلك الانشقاق ذات اليمين أو ذات اليسار ، معتقدة أنها بذلك أنها بذلك ستحدث تحولا عميقا في المجتمع بتنظيماتها اليمينية أو اليسارية . التي تراها بديلة للتنظيمات المتناسبة مع الطبقات المكونة لها. وهي بذلك لا تزيد المجتمع إلا إغراقا في التضليل السياسي، والمتاجرة مع الطبقة الحاكمة على حساب شرائح الكادحين وفي مقدمتهم الطبقة العاملة . ولذلك لا نستغرب وصول هذه الأحزاب إلى الحكومة بطرق مشبوهة تتنافى مع الممارسة الديموقراطية الصحيحة .

فما هي مصادر تذبذب شرائح البورجوازية الصغرى ؟

إن تذبذب البورجوازية الصغرى يرجع إلى عدة مصادر يمكن أن نسوق من بينها :

1) كون أيديولوجيتها توليفية من مجموعة من الأيديولوجيات المتناقضة في معظم الأحيان لأن طبيعتها الطبقية لا تؤهلها لإنتاج أيديولوجية خاصة بها. ولذلك لا نستغرب إذا وجدنا أنها تنتحر في اتجاه البورجوازية الكبرى أو تنتحر في اتجاه ظلامية الإقطاع المتخلف ، وعندما تنحو في اتجاه استقرار طبقتها ، وتقوية هذه الطبقة سياسيا، وتنشق لأجل ذلك أحزاب معينة ، فإنها تؤلف من مجموع الأيديولوجيات أيديولوجية خاصة بها تكون قابلة للانفراط والتفتيت في أية لحظة .

2) كونها لا تكتفي بإنشاء حزب واحد خاص بها بل تلجأ إلى مجموعة من الأحزاب التي لا يجمع بين أفرادها الخط الأيديولوجي الواضح ، أو التصور التنظيمي المنسجم ، أو الموقف السياسي الموحد ، بقدر ما يجمعهم الالتفاف حول شخص أو مجموعة من الأشخاص، التي يمكن أن تلعب دور السمسرة في أفق تمهيد الطريق أمام شرائح البورجوازية الصغرى قصد التسلق ، سواء في ذلك إذا تم الانتحار في اتجاه البورجوازية أو في اتجاه الطبقة العاملة .

3) كون هذه الطبقة غير منتجة ، لأن الأعمال التي تقوم بها لا تتجاوز مجرد وسيلة لامتصاص جزء من فائض القيمة الذي تسعى باستمرار إلى مضاعفته للالتحاق بالطبقة البورجوازية الكبرى أو بالإقطاع المتخلف، والعمل على حماية نفسها من التبلتر ، حتى لا تفقد استفادتها من جزء من فائض القيمة .

فالتذبذب كممارسة بورجوازية صغيرة يعتبر قاعدة تحكم مسار هذه الطبقة الاجتماعية ، وهو مصدر انتهازيتها ومبعث تطلعها إلى الأعلى وخوفها من البلترة ، و هو الذي يقودها إلى عدم الاستقرار الأيديولوجي والسياسي والتنظيمي .فمن طبيعة البورجوازية الصغرى أن تعمل على امتلاك المعرفة الموسوعية ، لأنها تحرص على استغلال المعرفة نفسها لتحقيق تطلعاتها الطبقية وحماية نفسها من التبلتر ، كما أنها تقتحم كل مجلات الفكر ، ومهما أغرقت في الرجعية ، والتخلف لنفس الغاية . ولممارسة التضليل على نفس المجتمع الذي تنتمي إليه لجعل كل الطبقات تتوهم أن البورجوازية الصغرى هي المتفوقة وهي الأهل لقيادة المجتمع ، وهي البديل للوصول إلى مجتمع اللاطبقات ، فلا يمين ، ولا يسار . فالوسط وحده يذوب اليمين واليسار في ذروته لتزول الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والسياسية ، والوصول إلى القول بعدم ضرورة الأدوات الحزبية .

فما هي دواعي تخلص البورجوازية الصغرى من تذبذبها ؟

إن تذبذب البورجوازية الصغرى هو ممارسة تلتصق بهذه الطبقة ، ويصعب التخلص منه بالنسبة إليها. ومع ذلك فالشرائح العريضة من هذه الطبقة يكون من مصلحتها التخلص من التذبذب . بل وتفرض ذلك على قيادتها ،وتسعى إلى الالتحاق بالشرائح الكادحة والمقهورة من المجتمع . وفي مقدمتها الطبقة العاملة. لأن التخلص من التذبذب يعني :

1 ) القطع من التطلعات الناتجة عن أفهام البورجوازية الصغرى ، وبصفة نهائية مادامت تقود الشرائح الوسطى إلى العمالة للأحزاب البورجوازية والإقطاعية ، وإلى الطبقة الحاكمة . بل تقودها إلى التطرق اليميني أو اليساري .

فالحسم مع تلك الأوهام سيقود البورجوازية الصغرى إلى الارتباط بالطبقة العاملة وسائر المقهورين على جميع المستويات الأيديولوجية والتنظيمين والسياسية :

2 ) فعلى المستوى الأيديولوجي ستتخلى البورجوازية الصغرى عن عملية التوليف بين الأيديولوجيات المتناقضة والاقتناع بالاشتراكية العلمية باعتبارها أيديولوجية الكادحين . والقيام بدورها في نشر الوعي الطبقي في صفوف الكادحين ، وقيادتهم من أجل الخلاص و الانعتاق من كافة أشكال الاستغلال الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي .

3) وكنتيجة للقناعة الأيديولوجية البورجوازية الصغرى نجدها تتبنى التصور التنظيمي المنسجم مع تلك الأيدلوجية ، وتعمل على توطيد بناء حزب الطبقة العاملة ، والمساهمة في وضع ، وصياغة برنامجه المرحلي الذي يصب في اتجاه تحقيق البرنامج الاستراتيجي الذي يجمع بين النضال من أجل التحرير ، والنضال من أجل الديموقراطية ، والنضال من أجل الاشتراكية.

4) و لدعم التنظيم لابد من تبني المواقف السياسية المتخذة انطلاقا من التحليل الملموس للواقع الملموس كما يقول منظروا الاشتراكية العلمية، و المساهمة في تعميق الرؤيا السياسية للواقع من أجل جعل الحزب و التنظيم الحزبي يتجذر في الواقع الاجتماعي، و في أوساط شرائح البورجوازية الصغرى بالخصوص حتى يكتسب الحزب بعده الطبقي من جهة، و بعده الجماهيري من جهة أخرى، فيصبح أملا للمجتمع ككل من أجل تحقيق المجتمع الاشتراكي باعتباره المجتمع الذي تتحقق فيه طموحات الجماهير التواقة إلى العدالة.

و هكذا نصل إلى أن البورجوازية الصغرى يمكن أن تلعب دورا إيجابيا بتخلصها من أوهامها، و بارتباطها العضوي بالطبقة العاملة و باقي المقهورين على جميع المستويات الأيديولوجية و السياسية و التنظيمية، لأنها، ومن موقع الارتباط هذا، تقوم بمناهضة الأيديولوجيات الإقطاعية و البورجوازية و التوقف عن توليف الأيديولوجية البورجوازية الصغرى، و العمل على نقض تلك الممارسة الأيديولوجية التي تتحول منطلقا لتخريب الأحزاب القائمة، و خاصة حزب الطبقة العاملة.

و كما نجد أن البورجوازية الصغرى يمكن أن تلعب دورا سلبيا في دعم الأحزاب الرجعية المختلفة البورجوازية و الإقطاعية، أو تكوين أحزاب خاصة بها تكون قابلة للانقسام، و التشرذم مما يبث المزيد من التشويش وسط الكادحين كنتيجة للتضليل الأيديولوجي، و تضخم أوهام البورجوازية الصغرى،يمكن أن تلعب دورا رياديا في حالة التحامها بالطبقة العاملة، و اقتناعها بأيديولوجيتها و التحامها بحزب الطبقة العاملة، و العمل على إشاعة الفكر العلمي الصحيح في المجتمع.

فما هو الدور الذي تقوم به في النقابة أية نقابة ؟

إن البورجوازية الصغرى ذات الطبيعة الحربائية و الانتهازية لا يمكن أن تكون كذلك إلا لكونها قابلة للانخراط في أية نقابة، أو تأسيس أي نقابة أخرى مادامت تسعى إلى تحسين أوضاعها المادية و المعنوية. و انطلاقا من هذا المعطى، فإن البورجوازية الصغرى لا تكون إلا مع مصلحتها، و النقابة التي تخدم هذه المصلحة تجذب إليها البورجوازية الصغرى، و لكن مع ذلك فهي أسيرة الانتماء الحزبي الذي قد يحدد لها المجال النقابي الذي تعمل فيه ، و تنضبط لتوجيهاته، و تتفاعل مع التحولات التي تحصل فيه، و هذا ما يمكن أن نفسر به : لماذا تتكدس البورجوازية الصغرى في نقابة معينة دون سائر النقابات ؟ و لماذا تلجأ إلى إنشاء نقابات جديدة بسبب ما يقع من انقسامات في الأحزاب التي تنتمي إليها ؟ و لماذا لا تنشئ نقابات تتناقض مع تطلعات الأحزاب البورجوازية الصغرى عندما تجد نفسها منتمية إلى أحزاب يمينية متطرفة؟ فهي إذن قابلة لإنتاج أي ممارسة نقابية منحرفة ما لم تلتحق بحزب الطبقة العاملة وعن اقتناع . أما إذا حصل ذلك فإن دورها سيكون هو الحرص على بناء نقابة مبدئية مناضلة تحرص على تحسين الأوضاع المادية والمعنوية لمجموع الشغيلة بما فيها شرائح البورجوازية الصغرى وبذلك يتبين أن الدور النقابي الذي تلعبه البورجوازية الصغرى يكون محكوما بانتمائها إلى أحزاب معينة تعمل على توجيه ممارستها للنقابة، أو بمصلحتها كطبقة تحرص على الاستفادة من كل شئ، حتى وإن خالفت ذلك التوجيه الحزبي الذي يصبح ثانويا ، أو أنها تلزم فعلا بالعمل النقابي الصحيح لتصبح جزءا من الشرائح المتضررة المنخرطة في هذا العمل النقابي .

وتعتبر البورجوازية الصغرى هي مصدر الروئ المفتعلة ، والمتناقضة التي تحكم الممارسة النقابية على المستوى العام . فهي عندما ترتبط بالأحزاب الرجعية الإقطاعية و البورجوازية تنتج رؤى تسعى إلى جعل الشغيلة رهينة بإرادة تلك الأحزاب ، وعندما يتعذر عليها ذلك تعمل على إنشاء نقابات لتحقيق هذه الغاية ولو في جزء من الشغيلة ، أو من يدعون أنهم من الشغيلة ، ولكنها عندما ترتبط الشغيلة وتمتنع بالرؤى النقابية المبدئية والصحيحة . فإنها تكون شيئا آخر وتبدع في هذا الإطار كما حصل في عدة محطات .

وانطلاقا من الرؤى المتنوعة والمتناقضة في بعض الأحيان والتي تسود في صفوف الشرائح البورجوازية الصغرى فإنها تلعب دورا مزدوجا : فهي من جهة تعمل باستماتة على تمزيق العمل النقابي عن طريق إنشاء منظمات نقابية تبعا للتشرذم الحزبي في اتجاه اليمين أوفي اتجاه اليسار أو في حدود الوسط انطلاقا من التنوع الأيديولوجي في صفوفها . وهي بذلك تلعب دورا سلبيا ينسجم مع تطلعاتها الآنية ومع تذبذبها من جهة أخرى وقد تلعب دورا يتناقض مع طبيعتها . فتلجأ إلى دعم العمل النقابي الصحيح . وتحرص على وحدته ، والدفع به في اتجاه التنسيق بين النقابات المتقاربة ، مما يجعل عملها إيجابيا وسط الشغيلة وهي بذلك تكون منسجمة مع مصلحتها الحقيقية ومع مصلحة الشغيلة في نفس الوقت .

ولعل ما يمكن أن نسجله هو أن البورجوازية الصغرى تعتبر مجالا لإفراز النخب الفكرية والسياسية والأدبية والفنية وغيرها ، وكل نخبة تعمل على استقطاب شرائح البورجوازية الصغرى حولها، وهذا الفرز قد يتحول إلى النقابات ، حيث نجد التحلق حول أشخاص معيينين لهم تصور مختلف للعمل النقابي يتعصب كل منهم لوجهة نظره ، ويعمل على الدفع في اتجاه تشرذم العمل النقابي . وعمل كهذا لا علاقة له بالاقتناع الأيديولوجي ، ولا بالموقف السياسي ولا بالتنظيم الحزبي ، فهو مجرد تحصيل الحاصل بالنسبة لمرض النخبة الذي لا يحضر فيه إلا البعد الذاتي الصرف الذي يخرب الأحزاب ويخرب النقابات في نفس الوقت .

ولذلك يجب الانتباه إلى مرض النزوع النخبوي البوجوازي الصغير في الإطارات النقابية . والعمل على محاربته بالحرص على مبدئية العمل النقابي وتفعيل الديموقراطية الداخلية وتفعيل القرارات النقابية لقطع الطريق أمام انفراز النخب التي تقود عملية تخريب النقابة وتحرف العمل النقابي الصحيح .

فبروز النخب والتمحور حولها هو الذي يقود في نهاية المطاف إلى قيام صراع غير شريف بين المنتمين إلى نفس النقابة، وفي إطاراتها التقريرية والتنفيذية وعلى أسس غير نقابية لا علاقة لها بالملفات المطلبية ولا بالبرنامج النضالي، وهذا الصراع الذي يتحول بالضرورة إلى صراع تناحري لابد أن يؤدي إلى:

1) لجوء المنخرطين إلى تجميد عضويتهم ، والعمل على إفراغ النقابة من محتواها البشري والنضالي

2) تجميد الأجهزة التقريرية والتنفيذية والشروع في التحلق حول الأشخاص أو حول النخب المختلفة بهدف السيطرة على الأجهزة النقابية عن طريق إقصاء العناصر التي تنتمي إلى نفس النخبة المعادية.

3 ) تشكيل فرق للصراع بين النخب المختلفة بهدف السيطرة على الأجهزة النقابية عن طريق إقصاء العناصر التي تنتمي إلى نفس النخبة المعادية .

4 ) قيام النخبة المسيطرة بإعادة النظر في مجمل الممارسة النقابية حتى تنسجم مع توجهها ، والقيام بتعبئة الشغيلة على أساس ذلك .

5 ) انسحاب النخب المقصية وقيامها ب:

أ- فضح وتعرية النخبة المسيطرة ، واعتبار النقابة لا تستجيب لمطالب الشغيلة .

ب- تعبئة الشغيلة تعبئة مضادة من أجل إبعادها عن النقابة التي تعتبر في نظر النخبة المنسحبة تحريفية ، وخائنة للشغيلة ، وعارية عن استغلالها لصالح النخبة المسيطرة في النقابة .

ح- العمل في اتجاه تنظيم نقابي جديد يستجيب لتطلعات النخبة المنسحبة التي سوف تدعي أنها البديل أو أنها هي المخلصة للشغيلة وبالتالي ، فمستقبل العمل النقابي " الصحيح " رهين بقيادتها .

وتخريب العمل النقابي من قبل نخب البورجوازية الصغرى يستهدف :

1 ) تخريب أيديولوجية الطبقة التي تؤهلها لامتلاك وعيها الطبقي الذي يدفع بها إلى الاحتماء بالنقابة باعتبارها إطارا لتنظيم أوسع العمال من أجل الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والثقافية و السياسية التي تخص الطبقة العاملة لأنه بدون التخريب الأيديولوجي لا يمكن تفتيت الطبقة العاملة التي تتمسك –انطلاقا من وعيها الطبقي– بوحدة النقابة الذي بدونه لا يمكن انفراز النخب و المحاور داخل النقابة، و لا يمكن التحكم فيها، بل لا يمكن إنشاء النقابة "البديل".

2) التركيز على المطالب ذات الطبيعة البورجوازية الصغرى، و إهمال المطالب التي يمكن أن تستفيد منها الطبقة العاملة، و سائر الكادحين مما يربك العمل النقابي، و يجعله نخبويا محضا، و التركيز على هذا النوع من المطالب قد يقف وراء نزاعات مريرة بين نخب البورجوازية الصغرى، و قد يؤدي إلى الانسحاب من النقابة، و إنشاء نقابة بديلة حتى تتمكن الفئة المنسحبة من طرح المبادئ التي تراها مناسبة للبورجوازية الصغرى نفسها، و لسائر الجماهير المعنية بالعمل النقابي. و يقود هذا التركيز إلى إقبار مبادئ النقابة، و يحولها إلى نقابة بيروقراطية أو ذيلية لحزب من الأحزاب.

3) و يأتي ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي على رأس النقط التي تقف وراء الصراع داخل النقابة و خاصة إذا كانت هذه النقابة مجالا لتعدد الانتماءات الحزبية. لأن كل نخبة من الحزبيين تجر في اتجاه جعل النقابة تابعة لحزبه، أو مجالا للاستقطاب الحزبي، أو إطارا لتصريف التوجه الحزبي، و هو ما يشرذم النقابيين حول المواقف المتناقضة، و حول أقطاب الأحزاب الذين يقعون و بإصرار وراء تخريب النقابة ماداموا يصرون على جعل النقابة بعيدة على أن تكون إطارا تحترم فيه مبادئ العمل النقابي.

4) و في حال تمكن توجه معين من السيطرة على النقابة فإنه لا يقف عند حدود جعلها تابعة للحزب بل يسعى إلى تحويلها إلى حزب على مستوى النظرية و على مستوى الممارسة عندما يتعامل معها على أساس كونها إطارا للتغيير الجذري في المجتمع، و عندما يوظفها للوصول إلى المؤسسات " المنتخبة " أو الوصول إلى الحكومة كما حصل في مختلف المحطات الانتخابوية، و تحويل النقابة لتحل محل الإطار الحزبي يؤدي إلى صراع تناحري بين المنتمين إلى مختلف الأحزاب الذين تمكنوا من السيطرة على أجهزة النقابة، و الذين انفلتت تلك السيطرة من أيديهم، و هو ما يفرغ النقابة من محتواها بصفة نهائية و يحولها إلى مجرد إطار للتنازع الحزبي. الشيء الذي يمكن اعتباره أكبر عملية تخريبية تتعرض لها النقابة، و أكبر دوس لمبدأي الديمقراطية و الاستقلالية، و هو عمل لا علاقة له بالتقدمية و لا يساعد أبدا على جماهيرية النقابة، و يسرع في نفس الوقت بحصول عملية الانقسام الحاد عموديا و أفقيا في النقابة و النقابيين، و هو عمل يؤدي إلى إضعاف قدرة الشغيلة على تحقيق مطالبها، و يعطي الفرصة للطبقة الحاكمة و الباطرونا لتكريس المزيد من الاستغلال، و للعمل على هضم حقوق الشغيلة، و التراجع عن المكتسبات التي تم تحقيقها.

5) و النقابة عندما تفقد قوتها، و إشعاعها في صفوف الشغيلة، و في المجتمع ككل، تلجأ قياداتها المحليةو الجهوية و الوطنية إلى عقد الصفقات مع الطبقة الحاكمة و مع الباطرونا و القطاع الخاص على حساب الطبقة العاملة و باقي المقهورين. و هي صفقات لا تستفيد منها إلا نخب البورجوازية الصغرى التي تقف وراء كل الكوارث التي تصيب النقابة و النقابيين المخلصين لتعم الشغيلة صاحبة المصلحة في قيام عمل نقابي صحيح. و عقد الصفقات على حساب الشغيلة كما يحصل في العديد من المناطق، و في العديد من القطاعات، و في معظم المركزيات ليس إلا تعبيرا عن الإفلاس النقابي الذي يجب التصدي له من قبل النقابيين المخلصين.

6) و لقطع الطريق أمام قيادة الشغيلة لعملية التصحيح في الإطارات النقابية، تلجأ القيادات النقابية إلى تكريس البيروقراطية كممارسة يومية تستهدف وضع الشغيلة أمام الأمر الواقع. و خاصة عندما يتم تحويل النقابة إلى مؤسسة لها مديرها، و لها جهازها الإداري الذي يرتبط بالدرجة الأولى بالممارسة البيروقراطية، بل و يعتبر منتجا لتلك الممارسة التي تتنافى مع النقابة و المبادئ النقابية، بل نجد أنها تتناقض تناقضا مطلقا مع مبدأ الديمقراطية. و البورجوازية الصغيرة المنتجة للممارسة البيروقراطية تعتبرها وسيلة لتسريع تحقيق تطلعات نخبها، و على جميع المستويات، سواء في علاقتها مع الأجهزة الإدارية للطبقة الحاكمة،أو مع إدارة الباطرونا في القطاع الخاص، و هي بذلك ترتكب أكبر جريمة في حق الطبقة العاملة، و سائر المقهورين، لأنها تقطع أمامهم إمكانية التطور في اتجاه التماسك الطبقي عن طريق امتلاك الوعي الحقيقي الذي تأتي بوادره من الممارسة النقابية الصحيحة التي يجب أن تتحطم أمامها كافة الممارسات التحريفية لولا حربائية البورجوازية الصغرى و زئبقيتها.

و لجعل البورجوازية الصغيرة تلعب دورها الإيجابي إلى جانب الشغيلة. و في إطار نقابة مناضلة و قوية. نرى أنه من الضروري:

1) أن تتخلص من أوهامها الأيديولوجية التي تقودها إلى التميز، و إنتاج النخب في اتجاه اليمين و في اتجاه اليسار. و للوصول إلى ذلك لابد من الحسم مع قياداتها التي تبين لنا أنها اختارت الانحياز إلى اليمين المتطرف، أو إلى البورجوازية الكبرى، و تنكرت للشغيلة.

2) التحامها بالطبقة العاملة و سائر المقهورين على جميع المستويات الإيديولوجية و التنظيمية و السياسية حتى تبتعد عن كونها بورجوازية صغرى، و تنفصل و بصفة نهائية عن قياداتها المنحرفة و المتنكرة للطبقة العاملة. و أن تنخرط في النضالات المطلبية و السياسية، من أجل فرض احترام إرادة الكادحين، و العمل على تحسين أوضاعهم المادية و المعنوية.

3) الحرص على احترام مبادئ و ضوابط العمل النقابي بما فيها الديمقراطية و التقدمية و الجماهيرية التي تعتبر حصانة للنقابة من الانحراف في اتجاه هذه الجهة أو تلك.

4) تفعيل الديمقراطية الداخلية التي تقطع الطريق أمام ممارسة البيروقراطية، و تكريس احترام إرادة القاعدة في اتخاذ القرارات، و انتخاب الأجهزة.

5) المساهمة الفعالة في تنفيذ القرارات، و خاصة تلك التي تهم شرائح الشغيلة المقهورة، و في مقدمتها الطبقة العاملة، لأن تلك المساهمة تبعدها عن ممارستها و تربطها بالطبقة العاملة.

6) تحمل مسؤولية بث الوعي الطبقي في صفوف الكادحين من أجل إيجاد لحمة الارتباط بالطبقة العاملة و سائر الكادحين، و هو ما يعتبر عامل قوة للنقابة و النقابيين، و للأحزاب التي تحترم النقابة و تدعم نضالاتها المطلبية دون قيد أو شرط.

فالبورجوازية الصغرى المتخللة لنسيج المجتمع تستطيع أن تخلق المعجزات، و في جميع الاتجاهات إلا أنها عندما تتحمل مسؤوليتها التاريخية، و تعي دورها الإيجابي تقلب موازين القوى لصالح الكادحين، لتحدث بذلك دينامية منقطعة النظير سواء تعلق الأمر بتفعيل حزب الطبقة العاملة الذي يعتبر إطارا لقيادة الكادحين في اتجاه القضاء على الاستغلال، أو تعلق بالنقابة التي تستطيع البورجوازية الصغرى أن تجعل منها إطارا كابتا للاستغلال، و مفجرا لإبداعات الشغيلة النضالية. و هي بذلك تكون أكبر حليف للطبقة العاملة، و سائر المقهورين في النضال من أجل فرض احترام كرامة الشغيلة، و العمل على المحافظة عليها اقتصاديا و اجتماعيا و ثقافيا و مدنيا و سياسيا. و ما ذلك على البورجوازية الصغرى بعزيز ما دامت مخلصة لمصلحتها التي لا يمكن فصلها عن مصالح الكادحين الطبقية.

خــــاتمة :

و هكذا نكون قد خلصنا إلى أن تخريب النقابة و تخريب السياسة مهمة دنيئة و منحطة لا يلجأ إليها إلا من يضع نفسه في خدمة الاستغلال، و من يسعى إلى الاستفادة منه. و للوصول إلى هذه الخلاصة المركزة نكون قد تناولنا في هذه المعالجة العمل النقابي كمفهوم و كوسيلة حتى نميز بين العمل النقابي كمفهوم و كوسيلة حتى نميز بين العمل النقابي الصحيح، و العمل النقابي المحرف، كما تناولنا العمل السياسي كمفهوم و كوسيلة لنميز بين العمل السياسي الذي يستهدف ضرب مصلحة الطبقة العاملة، و سائر المقهورين، و العمل السياسي الذي يحمي تلك المصلحة من جهة، و بين العمل السياسي الذي يحترم استقلالية العمل النقابي، و العمل السياسي الذي يستهدف ضرب تلك الاستقلالية في خضم السعي إلى الوصول إلى السلطة في نهاية المطاف. كما تناولنا تأرجح العلاقة بين العمل النقابي، و العمل السياسي، و وقفنا على شروط التجاذب و التنافر بينهما، معرجين على علاقة الالتقاء و الاختلاف بين النقابة و الحزب، سعيا إلى إزالة الخلط الذي يحصل في الساحة الحزبية و النقابية بين النقابة والحزب، و الوقوف على الفهم الحزبي للعلاقة مع النقابة الذي يتجسد إما في التعامل مع النقابة كإطار مبدئي، أو كإطار يجب أن يكون تابعا للحزب، أو كسوق صالح للتبضع. كما تناولنا علاقة النقابة بالتعدد الحزبي. و هل يصح أن تتفاوض الأحزاب فيما بينها من أجل الاتفاق على تصور نقابي معين، أم أن الأمر يقتضي الحفاظ على مبدئية النقابة، و أن يترك أمر صياغة قراراتها، و انتخاب قياداتها إلى القواعد الذين يجب أن تكون لهم الكلمة الأولى و الأخيرة في مصير النقابة و العمل النقابي، و ذهبنا إلى أن التنسيق بين الأحزاب يتحدد إما في تطوير العمل النقابي، أو احترام مبادئ النقابة، و ضوابط العمل فيها التي تكون محددة في قوانينها، أو السيطرة على أجهزة النقابة لجعلها تحقق الأهداف الحزبية، أو لدفع النقابة للتخطيط للنضالات المطلبية بما ينسجم مع النضالات الحزبية في محطات معينة، أو في إطار صيرورة الجدل الحزبي و النقابي. ثم تناولنا موضوع الأولوية، و هل تكون للنضال النقابي؟ أم للنضال الحزبي؟ مميزين بين الهدف من الحركة المطلبية، و الهدف من الحركة السياسية للأحزاب، لنخلص إلى علاقة الالتقاء و الاختلاف بين الحركة المطلبية، و الحركة السياسية. و ما موقف النقابة المبدئية منها ؟ بالإضافة إلى عرض الحركة السياسية من الحركة المطلبية . وبعد ذلك انتقلنا إلى الحديث عن ك.د.ش بين النظرية والممارسة ، وبينا أن الأصل في ك.د.ش هو المبدئية ، وأن الواقع هو الذيلية وتساءلنا ما العمل لتخليص ك.د.ش من عوامل إمكانية انهيار البناء الكونفيدرالي ؟ وانتقلنا بعد ذلك إلى الحديث عن آفاق العمل النقابي في ظل سيادة البلقنة على مستوى الأفق المطلبي /البرنامجي ، والأفق التنظيمي والأفق العلائقي لنخلص إلى دور الأحزاب السياسية في تخريب النقابة من خلال دور القائد النقابي في تحويل النقابة إلى نقابة ذيلية لحزب معين او تحويلها إلى نقابة بيروقراطية ، وفي ركوب النقابة لتأسيس حزب سياسي معين وتوجيه البرامج النقابية ، وإملاء المواقف عليها وتجميد الحركة المطلبية لننتقل إلى الحديث عن دور النقابة في تخريب الأحزاب السياسية من خلال الصراع على المواقع داخل النقابة وممارسة الإقصاء ، وتوظيف النقابة للتموقع داخل الأحزاب وامتداد نشوب الصراع داخل النقابة إلى صفوف الأحزاب وتحول الصراع النقابي إلى صراع حزبي ، لنصل إلى تشرذم الأحزاب وتشرذم النقابات ، وقد خصصنا فقرة للحديث عن البورجوازية الصغرى ، ودورها في تخريب الأيديولوجية ، وتخريب التنظيم وتخريب السياسة . مستعرضين مصادر تذبذب البورجوازية الصغرى حيث وقفنا على المصدر الطبقي، و المصدر الأيديولوجي، و المصدر الفكري، و المصدر السياسي. ثم دواعي التخلص من التذبذب : كالداعي الأيديولوجي، و التنظيمي و السياسي، واقفين على الدور الإيجابي للبورجوازية الصغرى في المجال الحزبي، ثم انتقلنا إلى الحديث عن دور البورجوازية الصغرى في المجال النقابي فيما يخص التشرذم الذي تعرفه النقابات، و نخبوية البورجوازية الصغرى، وأثرها على نخبوية العمل النقابي، و الدور المشبوه للبورجوازية الصغرى في تخريب النقابات عن طريق التضليل الأيديولوجي، و التشويش على المطالب النقابية، و ربط العمل النقابي بالعمل الحزبي، و تحويل النقابة إلى القيام بالممارسة الحزبية، و المتاجرة بمصالح الشغيلة، و فرض بيروقراطية الأجهزة النقابية، و رصدنا في نهاية المطاف ما يجب عمله لجعل البورجوازية الصغرى تلعب دورها لبناء نقابة قوية و مناضلة و مبدئية.

و بذلك نكون قد خلصنا إلى أن تخريب النقابة و تخريب السياسة هو ممارسة انتهازية تبقى في خدمة الطبقات المستغلة. و هذه الممارسة لا تصدر إلا عن الحزبيين الذين ينتمون إلى أحزاب رجعية متخلفة، و أحزاب بورجوازية أو بورجوازية صغيرة، و لا يمكن أن تصدر عن أحزاب الطبقة العاملة، أو من المنتمين إليها لأن ذلك يتناقض جملة و تفصيلا مع مصلحة الطبقة العاملة.فهل يقوم المنتمون إلى مختلف الأحزاب بالتوقف عن إنتاج الممارسة التحريفية في المجال النقابي؟ أم أن الأمر يحتاج إلى ضرورة ممارسة الفضح و التعرية، و مقاومة تلك الممارسة في الإطارات النقابية، وقطع الطريق أمام تواجد الانتهازيين في الإطارات النقابية،حفاظا على النقابة و على نضاليتها من أجل شغيلة بكافة الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية و المدنية و السياسية كأهداف تسعى النقابة إلى تحقيقها، و كمكتسبات تناضل من أجل حمايتها.

محمد الحنفي

ابن جرير في : 2002/5/19
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف