الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/26
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الضمير الأنا الأخلاقيّ عند الإنسان بقلم:الدكتور سامي الشيخ محمد

تاريخ النشر : 2005-12-14
الضمير الأنا الأخلاقيّ عند الإنسان

الدكتور سامي الشيخ محمد

مبحث الضّمير من مباحث الفلسفة الأخلاقيّة ، فثمّة تعريفات ومترادفات فلسفيّة لمعنى الضّمير ، فالضّمير بوصفه الأنا الأخلاقيّ في الإنسان ، أو الأنا الأعلى بلغة التّحليل المدرسيّ للشّخصيّة ، مركز إصدار الأحكام الأخلاقيّة المعياريّة على أفعال وتصرّفات الإنسان ، ما تحّقق منها أو ما هو في طريقه للتّحقّق .

ولعلَّ من النّافع التوقّف عند أبرز التّعاريف الفلسفيّة للضّمير ، فتعريف المعجم الفلسفي له بأنّهُ :" .. خاصيّة العقل في إصدار أحكام معياريّة تلقائيّة ومباشرة على القيمة الأخلاقيّة لبعض الأفعال الفرديّة المعيّنة . وحين يتعلّق هذا الضّمير بالأفعال المقبلة فإنّهُ يتّخذ شكل صوت يأمر أو ينهى ، وإذا تعلّقَ بالأفعال الماضية فإنّهُ ضمير التكلّم ." [ د. وهبة ، مراد ، المعجم الفلسفي ، طبعة ثالثة ، دار الثّقافة الجديدة ، القاهرة ، 1979، ص247 ].

ومن التّعاريف الفلسفيّة للضّمير بأنّهُ : " .. خاصّة يصدر بها الإنسان أحكاماً مباشرةً على القيم الأخلاقيّة لأعمال معيّنة ، فإن تعلّقَ بما وقع ، صاحبه ارتياح أو تأنيب ، وإن تعلّقَ بما سيقع كان آمراً أو ناهياً ، وقد عني به الحدسيّون وعدّوه قوّة فطريّة تدرك الخير والشّرّ حدسياً من غير خبرةٍ سابقة ، وأنكر الطّبيعيّون ذلك ورجعوا به إلى التّجربة ، وربطوا الحكم على أخلاقيّة الأفعال بنتائجها . " [ تصدير الدكتور مدكور ، إبراهيم ، المعجم الفلسفي ، مجمع اللغة العربيّة ، جمهوريّة مصر العربيّة ، الهيئة العامة لشئون المطابع الأميرية ، القاهرة ، 1983، ص، 110 ] .

وفي معجم علم الأخلاق الضّمير: " مقولةٌ من مقولات الإيطقا ، تدلُّ على قدرة الشخصيّة على القيام بمراقبة الذّات الأخلاقيّة ، وعلى الصّياغة الذاتيّة المستقلّة لواجباتها الأخلاقيّة ، ومطالبة نفسها بتأديتها ، وإعطاء تقييم ذاتي لما قامت به من تصرّفات ، وأحد تجلّيات وعي الذات الأخلاقيّ عند الشّخصيّة ، وقد لا يتجلّى الضّمير في صورة إدراك عقلي لقيمة الأفعال الأخلاقيّة ، فقط، بل وفي صورة معاناة عاطفيّة ، كما في الشّعور بتأنيب الضّمير ، أو في أحاسيس " راحة الضّمير" الإيجابيّة . وعليه ، فإنَّ الضّمير هو وعي الشّخصيّة الذّاتي لواجبها ومسئوليتها تجاه المجتمع ، ولكن لهذا الوعي شكلاً خاصّاً ، بحيث يتبديان واجباً ومسئولية للإنسان تجاه ذاته ." [ كون ، ايغور ( المشرف )، سلّوم ، توفيق (المترجم) ، معجم علم الأخلاق ، دار التقدم ، موسكو ، 1984، ص 248] .

أمّا في الموسوعة الفلسفيّة السّوفيتيّة فالضّمير :" مركّب من الخبرات العاطفيّة القائمة على أساس فهم الإنسان للمسؤولية الأخلاقيّة لسلوكه في المجتمع ، وتقدير الفرد الخاص لأفعاله ويلوكه . وليس الضّمير صفةٌ ولاديّة ، إنّما يحدّده وضع الإنسان في المجتمع ، وظروف حياته ، وتربيته ، وهكذا . ويرتبط الضّمير ارتباطاً وثيقاً بالواجب ، ويشعر المرء ـ بوعيه بأنّه أنجز واجبه تماماً ـ بأنّهُ صافي الضّمير ، أمّا انتهاك الواجب فيكون مصحوباً بوخزات التأنيب . والضّمير ، في استجابته الإيجابيّة لمتطلبات المجتمع ، قوّة دافعةٌ قويّة للتّهذيب الأخلاقي للفرد " .[ لجنة من العلماء والأكاديميّين السّوفياتيّين ، بإشراف ، روزنتال .م ، ويودين.ب ، ترجمة ، سمير كرم ،الموسوعة الفلسفية ، دار الطّليعة ، بيروت ، الطبعة الرابعة، 1981 ، ص ، 282 ].

وأمّا في الموسوعة الفلسفيّة العربيّة فثمّة تعاريف ومترادفات للضّمير كالوجدان ، الوعي الأخلاقي ، المعرفة الباطنيّة للعواطف والأحاسيس والمشاعر ، الشّعور ، السّريرة ..الخ : " …ترسّخت كلمة ضمير للدّلالة على الوعي الأخلاقي في الموسّعات ، والاستعمال اليومي ، إذ نقول : رجل صاحب ضمير ، افعل بحسب ضميرك ، أنَّبَهُ ضميرهُ ، إلاَّ أنَّ كلمة وجدان شائعة هي أيضاً في الاستعمال للدّلالة على تلك الحالات عينها ، فنحن نقول : رجلٌ صاحب وجدان .. الضّمير هو ، في اللّغة المستور ، فقد " أُطلِقَ على العقل لكونهِ مستوراً عن الحواس ، ( أبو البقاء ، " الكلّيات " –3) 135) ، يدل أيضاً على المضمر في النّفس ، الموجود فعلاً لكن مستور ، من هنا تنصبُّ مقاربة للضّمير بأنّهُ المستور من العواطف والنّوايا الّتي تظهر عند الحاجة أو الحاجز . وقال قدماؤنا بأنَّ الضّمير باطن الإنسان ، وما يخفى في السّر ، أو السّريرة ، أو الصّدور ، وبأنّهُ يعني السّرّ ، وداخل الخاطر " ( ابن منظور ، ج4، 491) . .. هو الوعي الأخلاقي ، والشّعور المميّز بين الخير والشّرّ ، ومحاكمة الذّات ومحاسبتها ، ومراقبتها وفق المعايير ، في كتب التّعامليّة والواجبة . الضّمير هو بنية الانفعالات والعواطف ، مع الأحكام والمعايير ، الّتي تمسّ قيمة عمل نفذّتُهُ أو أقوم به … " [ د. زيادة ، معن ،(رئيس التحرير) الموسوعة الفلسفيّة العربيّة ، معهد الإنماء العربي ، المجلّد الأوّل ، الطبعة الأولى ، معهد الإنماء العربي ، بيروت ، 1986 ، ص 543، ص 544 ] .

ممّا تقدّم ذكره من تعاريف ومعاني فلسفيّة وأخلاقيّة للضّمير ، بوسعنا القول : بأنَّ الضّمير هو الكيان الدّاخليّ للإنسان ، متمثّلاً في الوجدان المتعالي ببعديه الشّعوريّ والعقليّ ، فهو الجانب الحسّاس من الإنسان ، وهو القوّة الأخلاقيّة الباطنيّة فيه ، هذهِ القوّة منطلق التّغيير الأخلاقيّ والإنسانيّ الدّاخليّ والخارجيّ ، الجوّانيّ والبرّاني بآن معاً .

وباعتبار الضّمير قوّة جوّانيّة أخلاقيّة ، فإنَّ السّلب وظيفتهُ الأساسيّة في تقويم تصرّفات وأفعال الإنسان وأفكاره الدّاخليّة ، نعم الضّمير سلطةٌ سالبة ، لعلّة قدرته على تجاوز الآثار النّفسيّة والأخلاقيّة والسّلوكيّة ، النّاجمة عن القيام بتصرّفاتٍ وأفعالٍ شائنة ، أو التّفكير بالقيام بأفعالٍ تتعارض مع المبادئ والقيم والمفاهيم الأخلاقيّة الّتي يتكوّن منها الضّمير . هذهِ السّلطة سالبة كونها قادرة على الهدم والبناء النّفسيّ الأخلاقيّ في وقتٍ واحد ، أما القدرة على الهدم فتتمثّل في إحساس الإنسان ، ووعيهِ بطبيعة الأفعال الّتي يقوم بها ، أو ينوي القيام بها ، هذا الشّعور والوعي ، أوّل خطوات عمل الضّمير الّتي يتلوها الإحساس بالنّدم ، فالصّراع الدّاخليّ الهادف إلى تخليص الإنسان من ربقة الشّعور بالإثم ، فإعادة اللّحمة النفسيّة الأخلاقيّة للذّات ، الّتي غالباً ما يكون الإنكار والرّفضُ السّمة الأبرز لفعل السّلب لسلطة الضّمير ، وتكون التّوبة الخطوة الأولى في البناء ، وتحقيق وحدة الذّات ، هذه الوحدة تحقّق التّوازن النّفسيّ والأخلاقيّ لشخصيّة الإنسان ، والشّعور بالرّضى والسّرور .

بهذا المعنى يتّضح المراد من القول بأنَّ سلطة الضمير سلطة هدم ، هدمٌ للإثم والممارسات الأخلاقيّة الشّاذّة ، وبناء بناء للشّخصيّة بأبعادها النّفسيةّ والأخلاقيّة والاجتماعيّة والدّينيّة والجماليّة ، بناءً سليماً متوازناً يفضي للأمن والطّمأنينة والسّعادة ، والسّؤال : هل الضمير معصومٌ عن الخطأ ؟ . انقسم الفلاسفة بصدد الإجابة إلى قائلين بنعم ، وقائلين بلا ، فمنهم من قال بأنَّ أحكام الضّمير ، أحكامٌ مطلقة الصّواب ، وبالتّالي فهي معصومةٌ عن الوقوع في الخطأ . ومنهم من أنكر هذه العصمة ، بذريعة تأثّرهِ بالقيم والمبادئ الأخلاقيّة والتّربية الاجتماعيّة ، والأهواء الشّخصيّة .

أمّا نحنُ فنقول بضرورة توفّر جملةٍ من الشّروط لتحقّق العصمة ، أهمّها : أن تكون القيم والمبادئ والمفاهيم الأخلاقيّة ، التي تربّى عليها الإنسان وتشكّل منها أناهُ الأخلاقيّ سليمةً أخلاقيّاً ، كذلك أن يكون الضّميرُ راشداً ، فللضّمائر أعمارٌ كأعمار البشر ، منها الضّمير الجنين ، الوليد ، الطّفل ، الشّابّ ، الرّاشد ، فالكهل . أهمّها الضّمير الرّاشد ، الّذي يمتازُ بالقدرة على ضبط وإخضاع فكر وسلوك الفرد لسلطتهِ إخضاعاً مباشراً ، يحول دون اقترافه الإثم والمعصية والخطيئة . ليس هذا وحسب ، بل له المقدرة على إنقاذ صاحبه ، من ارتكاب الآثام والمعاصي ومنع حدوثها في المستقبل ، فيرتقي بذلك لمرتبة المخلّص ، ويجعلهُ موضع التّقدير والاحترام الشّخصيّ والاجتماعيّ .

نعم الضّمير الرّاشدُ يُصدرُ أحكامهُ وفاقاً للمبادئ والقيم والمفاهيم الأخلاقيّة الّتي تربّى عليها ، فبين الإجازة والرّفض ، والتّبرئة والإدانة ، وفرض العقوبات الشّخصيّة ، يمارس الضّمير سلطته الحرّة من كلّ قيد خارجيٍّ خارج تلك المبادئ والقيم والمفاهيم الأخلاقيّة .

نعم فامتلاكُ الإنسان ضميرٌ راشدٌ سليم النّشأة والتّكوين ، أمارةٌ على بلوغ الشّخصيّة ، مستوى أعلى من التطوّر الأخلاقيّ والوعي الذّاتيّ الّذي يُحرّر الإنسان من سلطة العالم الخارجيّ الزّائف من حوله ، فتغدو شخصيّتهُ مكتملة البناء والنّضوج ، في النّواحي العقليّة والنّفسيّة والأخلاقيّة والدّينيّة والجماليّة .

من ناحيةٍ أخرى يستدعي الحديثُ عن الضّمير الفرديّ ، نوعاً آخر من أنواع الضّمير هو الضّمير الجمعيّ ، متمثّلاً بضمير المجتمع ، والنّظام السّياسيّ عبر الدّولة ، فثمّةَ دولٌ لا تمتلكُ ضميراً راشداً ، فتجيء التّشريعات والنّظم والقوانين الّتي تسنها ، حيال مواطنيها ومواطني الدّول الأخرى وحكوماتهم ، فظّةً وغير متوازنةٍ أخلاقيّاً ، الأمر الّذي يتسبّب في حدوث إرباكاتٍ سياسيّة أمميّة في العلاقات الدّوليّة ، بين دول سياساتها أخلاقيّة إنسانيّة ، وأخرى سياساتها سيّئةٌ عدوانيّة ، فما يسمّى بالضّمير الدّوليّ المفترض أن يكونَ مؤسّساً على أسسٍ فلسفيّةٍ أخلاقيّةٍ سليمة ، يعدّ لازمةً لمنع حدوث انتهاك وطغيان بعض الدّول المارقة ضدّ الدّول المستضعفة .

نعم ثمّة دول مارست وتمارس انتهاكاتٍ إنسانيّةٍ وأخلاقيّةٍ بحقّ دول ومجتمعات وأفراد في الماضي والحاضر ، بفعل امتلاكها ضميراً طائشاً فاسداً ، مؤسّساً على مفاهيم وقيم ومبادئ تحاكي شريعة الغاب ، فتجيز ممارسة العنف والعدوان ،وصنوف القهر والاغتصاب ، والقتل والتّعذيب ، والاستيلاء على أراضي الغير ، ونهب الثّروات في أرجاء واسعة من العالم ، دون رحمةٍ أو شفقة ، عين ما فعله ويفعلونهُ الغربيّون والصّهاينة بحقّ العديد من دول العلم وشعوبه ، كما هو عليه الحال حيال العراق وفلسطين وغيرهما ، فما لم تمتلك بعض الدّول الغربيّة والأوروبيّة بزعامة الولايات المتّحدة الأمريكيّة ، ضميراً أخلاقيّاً سليماً من الأمراض والسّموم والفساد ، فإنَّ هكذا ضمير غير مؤهّلٍ كي يكون حاكماً أو حَكماً نزيهاً معصوماً عن الخطأ .

[email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف