الأخبار
قطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّاتإعلام الاحتلال: نتنياهو أرجأ موعداً كان محدداً لاجتياح رفحإصابة مطار عسكري إسرائيلي بالهجوم الصاروخي الإيراني
2024/4/18
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ ( الحلقة الخامسة ) بقلم:مصطفى الغريب

تاريخ النشر : 2005-10-10
ذكرنا في "الحلقة الرابعة " من الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ معلومات يمكن أن نلخصها في مايلي : قانون الطواريء وأثره على الأحداث , إتهام القاعدة وخلاياها , وجود تنظيم سري له أفكار جهادية , التشكيك في وطنية , وولاء بدو سيناء , وجهة نظر بدو سيناء بهذا التشكيك , تصريحات قامت على تفسير الثأر والربط بين المكان والسكان والحدث .

أما هنا حيث "الحلقة الخامسة " سنحلق في فضاء سيناء باحثين عن مزيد من المعلومات المتعلقة بسيناء وأحداثها الحالية والتاريخية من واقع يتعايش مع الخطر الحقيقي الذي يعصف بالمنطقة وأبناءها ودول الجوار المحيطة بها حيث احتلت سيناء مكانة متميزة لأسباب دينية وتاريخية ، كما تعرضت لحروب مستمرة تجاوزت تأثيراتها الحدود الإقليمية إلى العالمية ، وحاول الاستعمار طمس معالم سيناء حيث لعب دوراً في تعتيم هوية سكانها والتشكيك في إنتماءهم العربي ، لكن التراث المتمثل في الموروث الشعبي استطاع أن يقف في وجه تلك المتغيرات المحدثة , ذات المصالح المختلفة , فمع بداية القرن التاسع عشر أصبحت سيناء محط أنظار الدوائر الإستعمارية ، وقد يكون الاستعمار حقق ما يريد من نجاح في مخطط عزل سيناء أرضاً وبشراً لفترة وجيزة من الزمن .

وهناك محاولات صهيونية حدثت في العام 1908م , سبقتها محاولات أخرى أهمها مشروع العريش الذي تبناه تيودور هرتزل عام 1903م عقب مجيئه إلى القاهرة في مطلع القرن التاسع عشر ، بعد أن أصدر عام 1895م كتابه "الدولة اليهودية" حيث طالب أثرياء اليهود في مصر بمساعدته للحصول على موافقة الخديوي عباس حلمي الثاني (1892م – 1914م ) على منح سيناء وطنا قوميا لليهود.

وجاء الإحتلال الاسرائيلي عام 1967م، وما تبعه من مخططات مثل فكرة تدويل سيناء وغيرهـا ، إلا أن البــدو قد أفشلوا هذا المخطط المعروف "بمؤتمرالحسنه" ، كما أفشلوا الكثير من المخططات العسكرية بعد ذلك .

وبعد صدمة مخابرات الاحتلال الإسرائيلي ، وفشل تمرير فكرة تدويل سيناء أشار رجال المخابرات وخبراء الموساد على حكومتهم بأن أفضل وسيلة لترويض البدو هو التعرف عن كثب على أسلوب تفكيرهم , ونواحي فلسفتهم ومثلهم الأخلاقية والاجتماعية ، لذا دفع الموساد بمجموعة من الباحثين الأجانب والإسرائيلين عام 1970م لجمع وتدوين تراث بدو سيناء إلا أن حرب رمضان (أكتوبر 1973م) قد خيبت آمال الصهاينة في إغتصاب الأرض وتذويب الشعب وسرقة التراث .

قد تكون الصحراء العربية المكان الوحيد التي مازالت ترفض الاعتراف بالحدود المرسومه بين الأقطار العربية، فالبدوي ساكن هذه الصحراء هو المواطن العربي الذي يعتز بأن جغرافيته الوحيدة هي الصحراء المفتوحة، والبدو في كل مكان هم أشقاؤه الحقيقيون، لذا يجدر القول أن بدو سيناء المصرية في تعلُّقهم بأشقائهم في كافة الصحاري العربية هم التجسيد الحي لهذه الحالة ، وقد ساعدهم على ذلك تاريخية المنطقة إلى جانب مناهضتهم للإستعمار.

البدوي بطبعه قريب إلى الطبيعة فهو صديقها الحميم ، لذا تجده يتجاهل الحدود المفروضة ويعترف بالصحراء فقط ، تلك التي يحافظ على عذريتها من التقسيم والاختراق ، والتمرد أحياناً على عولمة الصحراء إبتداءاً بالحدود ، ومروراً بالإستثمارات السياحية التي تخدش حياء البادية ، وتخالف معتقداته ، وتناهض التركيبة العقدية في المنظومة البيئية التي يعتبر البدوي جزءاً لا يتجزء منها ، وإنتهاءاً بما آل إليه الوضع الآن في المنطقة ، ولا شك فإن العاقل يدرك تزايد تلك الخطورة إن لم يحاول ترميم عصبها ووقف نزيفها ، فالبادية إمتداد طبيعي من خلال القبائل التي ينتشر أبناءها على الأراضي العربية من المحيط الى الخليج ، وهذا يعني أن كل قبيلة موجودة في سيناء لها أصولها الممتدة من أقصى الجزيرة العربية . وإن إختلفت الجنسيات بعد التقسيمات الإستعمارية ممثلة في إتفاقية "سايس بيكو" التي فرضت الحدود الجغرافية بين الدول العربية .

تداخل الأرض العربية يجعل من الاستحالة بمكان فصل الإنسان العربي عن أخيه في أي بقعة على امتداد الوطن الكبير، وذلك على الرغم من التقسيمات والاختلافات بين أنظمة الحكم في هذا البلد أو ذاك، البدو العرب شعارٌ للتداخل والتمازج وعنوانٌ من عناوين رفض الحواجز بين أبناء الأمة الواحدة مهما ارتفعت الأسوار وتعددت الحواجز التي لا يرونها أكثر من مجرد حواجز وهمية لا تُغيِّر شيئاً من واقع الحال.

هذا الاعتزاز من جانب البدوي بتقاليده وأعرافه القبلية القديمة حدَّ من بطش يد التغيير وقدرتها الخفية على التحديث، وعلى الرغم من أن تلك اليد قد طالت الكثير من مظاهر الحياة في سيناء المصرية وتحول الكثير من بواديها وواحاتها إلى مناطق جذب سياحي إلا أن أبناء القبائل العربية من سكان سيناء مازالوا يعتمدون في إدارة شؤونهم الداخلية على القضاء العرفي الذي مازال قادراً على حل كثير من المشاكل التي قد تنشب بين أبناء البادية، وبالتالي تفادي وصول المشكلة إلى السلطات الحكومية أو ساحات المحاكم.

وتبقى سيناء المصرية شأنها شأن بقية مدن ومحافظات مصر شاهدةً على تنوع مصادر الثقافة المصرية وسط قبولٍ عام لخصوصية كل إقليم على حدة وهو ما يؤكد فكرة التنوع في إطار الوحدة، ولعل خصوصية سيناء تتمثل في أن ساكنها البدوي العاشق لحريته وميله للتنقل والترحال هو أول من يتشبث بأرضه ويدافع عن بوابة مصر الشرقية.

بين الرغبة قي قطف ثمار المدنية الحديثة والحرص على الحفاظ على الموروثات الاجتماعية لأهل البادية يقف أبناء القبائل العربية في سيناء غير معترفين بالحدود السياسية التي تفصلهم عن أبناء عمومتهم توَّاقين لِلَم الشمل وممسكين بتلابيب الانتماء العربي , رغم مايعصف بالمنطقة من فوضى تلك التي لاتساعد على أن يستتب الأمن في سيناء خصوصاً باديتها وسكانها ، إذ هم قوم يعتزون بإنتماءهم البدوي فتجدهم يحافظون على أن تستمر حياة البداوة وينعشونها كلما طالبت رئاتهم أكسجين الصحراء ... فكل قبيلة من قبائل البادية جزء مستقل في جسد الصحراء ، بل الكلُّ دولة مستقلة بذاتها ، وهذا ما يدعوهم والكلام عن قبائل سيناء للتحالف المحمود حفظاً للسلام ، كما يمجد عملهم الجماعي التلاحمي ، ويعزز الرابطة فيما بين بعضهم البعض .

سيناء جزء من أقطار عربية التي قسمها الإستعمار ، يعيش فيها الإنسان على الفطرة وكأنه يعيش البيئة الحقيقية لأنبياء الله إبراهيم وموسى عليهما السلام , فتلك البلاد تتجلى فيها الطبيعة بأبهى مظاهرها ، ورغم هذا فإن أبناء النيل قلما يزورون قلب سيناء ، لذا تجدهم يجهلون الكثير عن صحراءها وسكانها وتاريخها وجغرافيتها وموقعها الإستراتيجي ، مع أن المستشرقين والغربيين يدخلونها أفواجا بقصد السياحة والصيد والنزهة وهذا هو الظاهر المزيف لنواياهم ، أما الباطن الذي إكتشفه السينائي فهو زيارة المناطق الأثرية في حملات تنكرية ، وربما الأديرة والمساجد والجبال والبحث عن المعادن النفيسة والتنقيب عن الآثار فيها.

ونضم رأينا الى رأي بعض المؤرخين أولئك الذين يعتبرون أن منطقة الشام التي تضم سوريا وفلسطين والأردن ولبنان كتلة سياسية وجغرافية واحدة يطلق عليها اسم بلاد الشام ، أما شبه جزيرة سيناء هي تلك المنطقة الصحراوية التي تقطنها عرب سيناء في البادية التي تصل القطر المصري بقطري بلاد الشام وشبه الجزيرة العربية ، كما أن منطقة رفح على الحدود الشمالية الشرقية لمصر هي الحد بين مصر وبلاد الشام .

إذ شدد خبراء أمنيون على أن تفجيرات شرم الشيخ تحمل رسالة مركزية مفادها أن الجماعات المسلحة التي ظلت لفترة طويلة في موقف الدفاع ، انتقلت إلى الهجوم، وأنها باتت تملك زمام المبادرة عبر أذرعها الممتدة عبر مختلف قارات العالم ، وهو ما تمثل في سلسلة الهجمات التي ضربت العاصمة البريطانية لندن، وقبلها تفجيرات مدريد، وبعدها تفجيرات طابا وشرم الشيخ، فضلا عن التواجد الواسع والقوي لتلك الجماعات في العراق.

قوات الأمن تعلم جيداً أن سيناء بها من الدروب والجبال والمسالك الكثيرة وانها لسنوات طوال نظمت علاقتها مع بدو سيناء بالاتفاق مع زعماء القبائل الذين يزرعون ويهربون المخدرات جهارا نهارا بمراعاة مصالح ضمنية وجزئية من الحكومة التي إن كانت تجهل ذلك فهي الكارثة وإن كانت تعلم فالكارثة أجل وأعظم .

يبدو أن عصر الفضائيات قد وصل الى بدو سيناء فخرج بعض شباب البدو عن طوع شيوخ القبائل ويبدو أيضا أن بعضهم طاله تأثير الجماعات المتطرفة فقرر أن يدخل فى معركة ضد السياح الأجانب والإسرائيليين فى طابا وشرم الشيخ , الأسلحة في سيناء متوفرة ، والتدريب عليها مُيسّر بمقابل مادي أو تبادل في السلاح ، وعندما حدث خلل في عملية التوازن القطبي بين البدو والحكومة ، خرجت الشرطة بعلياء سلطتها وقررت أن تنتقم إنتقاماً جماعياً من سكان سيناء، وهنا كانت الطامة الكبرى ، فتحول الأمر برمته الى ثأر بينهم وبين الشرطة فانقضوا على شرم الشيخ فى عملية ثأرية كجزء من سلسلة العمليات الثأرية التي أراقت الدماء لنصف الدائرة وسجنت الألاف من أبناء سيناء في النصف الأخر من الدائرة ، وما زالت الأحداث تدور والدائرة تتسع والخطورة تتمدد ولا تعرف الضمور.

الخلاصة التي يمكن الخروج بها من مجموع هذه الآراء أنه قد صار هناك نمط واضح لعمليات "القاعدة"، ورؤية إستراتيجية لتحركاتها إلى جانب التطور التكتيكي -وليس الإستراتيجي- لتعظيم فرص نجاحها وتقليل خسائرها قدر الإمكان, وهذا النمط ربما سيمكن السياسيين والباحثين بالتنبؤ بالعمليات "القاعدية" القادمة . وقد نكون بحاجة الى المزيد لنعرف إجابة سؤال مازال ماثل أمامنا : الإرهاب في سيناء هل هو بداية أم نهاية ؟ .

مصطفى الغريب – شيكاغو
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف