يا ليت بين العراق وإيــــران جبل من نار
د. فيصل الفهد
كنا ولا نزال وسنبقى نتذرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يكفينا شر إيران وهذه قضية باتت أزلية بالنسبة للأمة العربية والإسلامية عموماً والعراقيين تحديداً فهذه الدولة الجارة ما انفكت تتآمر علينا أياً كان نظام الحكم في العراق وأياً كانت هوية من يحكمون إيران ويزداد هذا التآمر بوتيرة أعلى إذا كان في العراق نظاماً وطنياً يمتلك رؤيا إستراتيجية وإرادة صلبة قادرة على صيانة مشروع تنموي لإعادة بنائه حضارياً في جميع نواحي الحياة ليكون البلد الأكثر إشراقاً وتقدماً وقوةً في المنطقة وهذا ما حصل بعد قيام ثورة تموز 1968 العظيمة في العراق حيث عاصرت الشاه القوي ثم الشاه الضعيف ثم خميني ومن جاء بعده وهذه المسميات على تناقضاتها إلا أنها أجمعت على هدف واحد وهو التآمر على العراق والأمة العربية والإسلامية.
ورغم كل ما بذله العراق لتلافي أي صدام مسلح مع إيران بكل الوسائل المتاحة إلا أننا نعترف أننا فشلنا في ثني من يحكمون إيران عن التعبير عن حقدهم التاريخي علينا لأنهم كانوا ولا يزالون يعتقدون أننا حطمنا إمبراطورياتهم وكسرنا شوكتهم في الماضي فجعلوا منا عدواً دائماً يجب النيل منه بكل الأحوال والظروف وزاد في هذا فشلهم في تنفيذ هذه الإرادة في عدوانهم على بلدنا في 4/9/1980 وخسارتهم الحرب وتجرع قيادتهم السم للقبول بوقفها في 8/8/1988 وهذا ما أضاف كميات هائلة من الزيت على نار الحقد الصفوي على العراق العربي المسلم ورغم ما بذل من قبل النظام الوطني في العراق من جهود وإتباع سياسات مرنة من أجل إصلاح ذات البين مع الجارة إيران بل وتقديم تنازلات هنا أو هناك لكي يكفونا شرهم إلا أن ذلك كله لم يكن ليطفئ جذوة الحقد والرغبة الدائمة في الانتقام من العراق وشعبه وكان النظام في إيران يستغل وضع العراق والحصار عليه بشكل بشع فكانت سرقته للطائرات والمعدات واحتفاظه بالأسرى والتنكيل بهم واحتضانه لكل المتآمرين على العراق وتقديم كل الإمكانيات لهم المادية والعسكرية وفتح الحدود الطويلة /1400 كم/ لهؤلاء لتنفيذ سلسلة طويلة من الأعمال الدنيئة وتسريب أعداد منهم لنشر الرعب بين صفوف المواطنين عبر إلقاء القنابل وتفخيخ السيارات وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء لاسيما قرب رياض الأطفال والمدارس والأماكن العامة والأسواق فكانوا في الواقع يقتلون الأطفال في حين يصدروا بياناتهم على أنهم استهدفوا الشرطة أو أجهزة الأمن وكل العالم يعرف أنهم أضعف من أن يواجهوا تلك الأجهزة الشجاعة المدربة عالية الكفاءة... كانت هذه وغيرها من الأعمال العدوانية القذرة تشكل صفحات من سجلات طويلة عريضة من سلسلة المؤامرات الإيرانية على بلدنا وكنا نستوعبها ونعالجها بما يناسبها من إجراءات وتحوطات أملاً في مجيء يوم أبيض يزيل حلكة الظلام في عقول ونفوس حكام إيران وحقدهم على العراقيين كل هذا ناهيك عما قامت به الأجهزة الاستخبارية الإيرانية من دور قذر في صفحة الغدر والخيانة في آذار 1991 بعد اضطرار الرئيس بوش (الأب) إعلان وقف العدوان على العراق حيث ظهر أن هناك تنسيق وعمل مخطط بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني تقوم بموجبه إيران بتنفيذ المهمة التي فشلت في تحقيقها أمريكا وهي إسقاط النظام الوطني بالتعاون مع بعض الناس البسطاء الذين غرر بهم في ظل ظروف صعبة بالغة التعقيد وقد استطاعت القوات المسلحة العراقية والأجهزة المختصة إلقاء القبض على مئات من رجال الاستخبارات الإيرانية وحرس الثورة واحتفظت بهم ليكونوا شاهد إثبات ودليل على تآمر إيران وعدوانها الدائم على العراق.
وعند قيام العدوان الامبريالي والصهيوني على العراق واحتلاله في 9/4/2003 لعبت إيران أقذر الأدوار في إنجاح المساعي الأمريكية البريطانية وقدمت الدعم الاستخباري والعسكري واللوجستي فكان النظام الإيراني الشريك غير المعلن في احتلال العراق وهذا ما عبر عنه أكثر من مسؤول كبير في إيران حينما أكدوا أنه لولا الدعم الإيراني لما استطاعت أمريكا وبريطانيا من احتلال العراق وأفغانستان.
لقد استغلت إيران تحالفها مع أمريكا وبريطانيا ضد العراق واندفعت بكل إمكانياتها للسيطرة الفعلية العسكرية والاستخبارية على محافظات عدة في الجنوب والفرات الأوسط وهذا لم يكن ليحصل لولا اتفاقيات التفاهم بين الإدارتين الأمريكية والبريطانية من جهة والنظام الإيراني من جهة أخرى.
فرغم أن الرأي العام العالمي يسمع ويشاهد حمى التصريحات والتهديدات الدعائية الأمريكية والأوروبية ضد إيران في موضوع الملف النووي إلى أن تقاسم الكعكة في العراق والتقاء الغايات والأهداف بين هذه الأطراف هو الذي يشكل جوهر العلاقة غير المعلنة بينهم بل أن التناقضات (إن وجدت) بين هذه الأطراف وبالذات بين أمريكا وإيران فهي يمكن أن تعالج عبر إعادة ترتيب التنازلات أو المرونة هنا أو هناك على حساب قضية العراق.
ومن هنا نلاحظ سياسة السكوت أو غض النظر التي تتبعه الإدارة الأمريكية على كل ما تقوم به إيران من جرائم وتجاوزات في العراق فرغم أن الذين يقتلون على يد المقاومة العراقية البطلة هم الجنود المحسوبين على القوات الأمريكية البريطانية المحتلة إلا إن المستفيد الأكبر من كل ما يجري في العراق لحد الآن هو إيران ويدخل في ذلك مهزلة الانتخابات ومجيء حكومة صفوية تجسد الولاء المطلق لإيران رغم أنها صنيعة أمريكية وهذا يعني أن إيران هي التي تجني الثمر من الاحتلال أكثر من أمريكا التي لم تدرك أو لا تريد أن تعترف أن إيران تأكل من جرفها في كل يوم أكثر من سابقه.
وإذا كان المجرم بوش قد أعلن حربه على الإرهاب ومرتكزاته واستغلها ذريعة لاحتلال أفغانستان والعراق وأدعى أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وله علاقة مع تنظيمات القاعدة وظهر كذب وافتراء كل إدعاءاته وأثبتت اللجان التي أرسلها بوش إلى العراق قبل الاحتلال وبعده خلو العراق من هذه الأسلحة مثلما لم يجد أي بصيص من الأمل على وجود ولو (شعرة) علاقة مع القاعدة فإن الحقيقة تثبت أن بوش وبلير كانا يعلمان علم اليقين أنهما إنما يفتريان على العراق ويكذبان على العالم وعلى شعوبهم ومع ذلك استمروا في كذبهم حتى يومنا الحاضر.
أن المثير فيما يحدث اليوم والذي يؤكد صحة ما كانت تطرحه القيادة الوطنية العراقية الشريفة أن إيران تعلن بين فترة وأخرى وحسب مقتضيات مصالحها أنها احتجزت أو اعتقلت أو سلمت أعداد من تنظيمات القاعدة وقبل أيام قليلة ذكرت المصادر الإيرانية أنها فككت خلايا للقاعدة واعتقلت أكثر من ثلاثة آلاف من هذا التنظيم وهذا ما يجعل أي إنسان عاقل أو نظام شريف يتساءل لماذا لم يوجه السيدان بوش وبلير حملاتهم الضالة ضد إيران؟ وهي من أكبر الدول الحاضنة لتنظيمات القاعدة وهي الدولة التي تعترف بأنها تعمل على تخصيب اليورانيوم بمعنى أن في إيران أدلة وإثباتات على وجود خلايا القاعدة وتطوير لأسلحة الدمار الشامل إلا أنها لم تكن الهدف بالتحرك لمحاربة الإرهاب في حين أن الأمريكيين والبريطانيين استهدفوا العراق وهو البعيد كل البعد عن هذه التهم؟!
إذن أصبح واضحاً أن استهداف العراق لا علاقة له بمسرحية محاربة الإرهاب أو تقويض مرتكزاته بل للأسباب التي باتت معروفة للقاصي والداني وهو المنهج الوطني القومي الشريف للنظام في العراق ودعمه للقضية الفلسطينية ونجاحه في خلق أكبر مرتكزات للقاعدة العلمية والتقنية وجيش من العلماء قل نظيرهم في الدول المشابهة..
لقد أصبح الرئيس بوش ومعه حليفه بلير على قناعة تامة بفشل كل مشروعهما في العراق وحان الوقت الذي عليهما فيه أن يتصرفا بحكمة ليس لحفاظ ماء وجهها بل خشية مما هو قادم من أيام سوداء على جنودهم في العراق فتواتر الأحداث وديناميكيتها أفلت الزمام من أيديهم وأصبح إيقاع الموت يرن على مدى 24 ساعة في ذهن كل الذين جلبوهم من خيرة قواتهم ليحتلوا العراق ويخدموا أباطرة البترول وتجار السلاح ومؤسساتهم الكونية العملاقة ولأن حسابات البيدر في البيت الأسود كانت شيء وحسابات الحقل في أرض العراق شيء مناقض فلم يعد بإمكان بوش أو بلير أن يتجاهلا الأخبار والتقارير التي تنهال عليهم مثل المطر في كل يوم وهي مليئة بكل ما يعكر مزاجهما ويهدد أحلامهما الخائبة هذا عدا الضربات تحت الحزام التي بدأت تفعل فعلها ومنها ما حدث في لندن (ولا ندري القادمة منها أين؟) وهذا يعني أن المبدأ الذي استخدمه كل من بوش وبلير (الهجوم خير وسيلة للدفاع) انقلبت في عقر دارهما بما يثبت أن هذين المجنونان كذبا على شعوبهما عندما ادعوا أنهم عبروا بجيوشهم كل هذه المحيطات وأنفقوا كل هذه الأموال وتسببوا بمقتل عشرات الآلاف من جنودهم من أجل تجنيب شعوبهما مخاطر الإرهاب.
وإنهم ذهبوا لينشروا الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان و... الخ من الأكاذيب؟!!
إلا أن النتيجة جاءت نقيضة تماماً لما ادعوه طيلة الفترات الماضية وهذا ما يمكن أن يترتب عليه كوارث سياسية فوق رؤوس الإدارتين الأمريكية والبريطانية ومن تحالف معهم ناهيك عن أن الشعوب الأمريكية والبريطانية أدركت بالدليل القاطع أن إيران هي المستفيدة من كل ما يجري في العراق وأن كثيرين من الناس يعتقدون أن العراق كان الهدف الخطأ في المكان والزمان في حين لو أن بوش وبلير كانا صادقان في ما ادعياه في محاربة الإرهاب وغيره من الأكاذيب لكانا توجها إلى المكان الصحيح وهو إيران وليس العراق.
وتؤكد الزيارات المكوكية التي يقوم بها الفهلوي إبراهيم الأشيقر إلى هذه العاصمة أو تلك شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً منذ تنصيب حكومته العميلة على العراقيين وحرصه البقاء خارج الحدود العراقية أغلب أيام الشهر أن الأشيقر لابد وأنه أصبح هدفا للمقاومة العراقية البطلة وأن تصريحاته بعد كل زيارة أنه اتفق ونسق وإلى آخر الأكاذيب التي لا يمكن أن تخفي إحساس هذا العميل ومن معه بالمرارة والخذلان والفشل فهو يعلم أنه يكذب على المسؤولين في الدول التي يزورها مثلما يعلم أولئك أنهم يعطفون عليه ويدارون خواطره ليس احتراماً وتقديراً له بل خشية من سوط سيدهم بوش لأن جميع مسؤولي هذه الدول يعرفون حقاً ما يجري في العراق وما هي مساحة مسؤولية حكومة الأشيقر التي لا تتعدى الجمل المكتوبة على الورق والتي يحتفظون بها للذكرى في بعض الدهاليز تحت الأرض في المنطقة الحمراء أي أن الجميع يعلم علم اليقين أن الحكومة العميلة هي حكومة ورق.
إن المكان الوحيد الذي يمكن أن يصدق الأشيقر القول فيه هو طهران وهو ذات المكان الذي يمكن أن يسمع فيه ما يخفف عن آلامه ومرارته وإحباطه وخوفه لأن إيران المكان الوحيد الذي يرغب فيه حكامه ويعملوا ما في وسعهم من أجل إنجاح حكومة الأشيقر في مهامها المتعثرة لأنها تخدم إيران قبل أن تخدم بوش وبلير وهنا لابد من سؤال يفرض نفسه هل ستستطيع طهران انتشال حكومة الأشيقر من الرمال المتحركة التي تغطس فيها؟ والجواب كلا فلا إيران بكل قوة شرها وأجهزتها ومخابراتها المنتشرة في مدن عراقية كثيرة ولا بفيلق غدرها الصفوي ولا بحزب دعوتها العميل ولا برجال حوزتها الفرس ولا بكل ما أُتيت من ضلالة وشرور تتمكن إيران أو أمريكا أو بريطانيا أن توقف التداعي والسقوط لكل المرتكزات التي حاولت هذه الدول المعتدية تثبيتها على أرض العراق فهذه الأرض الطاهرة تلفظ وتتنكر لأي جسم غريب عليها وفي لحظة الغضب العراقي يتحول العراق كله إلى رمال متحركة تصطاد فرائسها وإن كان بعضها يعتقد أنه فريسة صعبة مثلما اعتقد بوش وبلير قبل مغامرتهم الخاسرة.... أن أرض الرافدين العظيمة عظمة شعبها وتاريخه المجيد قادرة على شفط كل هذه القوى الشريرة مهما كانت ليستقر بها الحال في قعر المستنقع العراقي وهذا هو مصير كل من يناصب العراقيين العداء.
إن على حكام إيران أن يفهموا جيداً حقيقة وجوهر المعادلات التي تتشكل في أرض العراق وأن ما ينفذوه من أهداف شريرة ضد العراقيين في هذه المرحلة سيأتي يوماً ليس ببعيد لتنقلب عليهم بشكل أكثر إيذاءاً وبنتائج كارثية فمثلما استغلت أمريكا وبريطانيا وبشكل أكبر إيران التلون العرقي والطائفي في العراق وهو التلون الأكثر منعة وقوة وتماسك في كل المنطقة فإن مثل هذا التلون موجود في الدول الأخرى وفي مقدمتها إيران ونقاط الضعف فيها كثيرة وسهلة المنال وسيستغلها خصوم إيران.... ونقول لحكام إيران إذا كنتم تعتقدون مثلما اعتقد بوش وبلير أنكم عندما تقاتلون خصومكم في أراضي الغير (العراق) ستبعدون الأذى عن حكمكم فأنتم واهمين لأن الدسائس التي تدبرونها لخصومكم سترتد عليكم بشكل قاسي وإن نجحتم في هذه الجولة في العراق فإنكم ستخسرون كل شيء مهما امتلكتم من الدهاء والخبث فأسود العراق وشرفائه هم من سيربحون في النهاية.
وهم يرددون دعوة الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه عندما تمنى أن يكون بيننا وبين إيران جبل من نار.
د. فيصل الفهد
كنا ولا نزال وسنبقى نتذرع إلى الله سبحانه وتعالى أن يكفينا شر إيران وهذه قضية باتت أزلية بالنسبة للأمة العربية والإسلامية عموماً والعراقيين تحديداً فهذه الدولة الجارة ما انفكت تتآمر علينا أياً كان نظام الحكم في العراق وأياً كانت هوية من يحكمون إيران ويزداد هذا التآمر بوتيرة أعلى إذا كان في العراق نظاماً وطنياً يمتلك رؤيا إستراتيجية وإرادة صلبة قادرة على صيانة مشروع تنموي لإعادة بنائه حضارياً في جميع نواحي الحياة ليكون البلد الأكثر إشراقاً وتقدماً وقوةً في المنطقة وهذا ما حصل بعد قيام ثورة تموز 1968 العظيمة في العراق حيث عاصرت الشاه القوي ثم الشاه الضعيف ثم خميني ومن جاء بعده وهذه المسميات على تناقضاتها إلا أنها أجمعت على هدف واحد وهو التآمر على العراق والأمة العربية والإسلامية.
ورغم كل ما بذله العراق لتلافي أي صدام مسلح مع إيران بكل الوسائل المتاحة إلا أننا نعترف أننا فشلنا في ثني من يحكمون إيران عن التعبير عن حقدهم التاريخي علينا لأنهم كانوا ولا يزالون يعتقدون أننا حطمنا إمبراطورياتهم وكسرنا شوكتهم في الماضي فجعلوا منا عدواً دائماً يجب النيل منه بكل الأحوال والظروف وزاد في هذا فشلهم في تنفيذ هذه الإرادة في عدوانهم على بلدنا في 4/9/1980 وخسارتهم الحرب وتجرع قيادتهم السم للقبول بوقفها في 8/8/1988 وهذا ما أضاف كميات هائلة من الزيت على نار الحقد الصفوي على العراق العربي المسلم ورغم ما بذل من قبل النظام الوطني في العراق من جهود وإتباع سياسات مرنة من أجل إصلاح ذات البين مع الجارة إيران بل وتقديم تنازلات هنا أو هناك لكي يكفونا شرهم إلا أن ذلك كله لم يكن ليطفئ جذوة الحقد والرغبة الدائمة في الانتقام من العراق وشعبه وكان النظام في إيران يستغل وضع العراق والحصار عليه بشكل بشع فكانت سرقته للطائرات والمعدات واحتفاظه بالأسرى والتنكيل بهم واحتضانه لكل المتآمرين على العراق وتقديم كل الإمكانيات لهم المادية والعسكرية وفتح الحدود الطويلة /1400 كم/ لهؤلاء لتنفيذ سلسلة طويلة من الأعمال الدنيئة وتسريب أعداد منهم لنشر الرعب بين صفوف المواطنين عبر إلقاء القنابل وتفخيخ السيارات وقتل الأبرياء من الأطفال والنساء لاسيما قرب رياض الأطفال والمدارس والأماكن العامة والأسواق فكانوا في الواقع يقتلون الأطفال في حين يصدروا بياناتهم على أنهم استهدفوا الشرطة أو أجهزة الأمن وكل العالم يعرف أنهم أضعف من أن يواجهوا تلك الأجهزة الشجاعة المدربة عالية الكفاءة... كانت هذه وغيرها من الأعمال العدوانية القذرة تشكل صفحات من سجلات طويلة عريضة من سلسلة المؤامرات الإيرانية على بلدنا وكنا نستوعبها ونعالجها بما يناسبها من إجراءات وتحوطات أملاً في مجيء يوم أبيض يزيل حلكة الظلام في عقول ونفوس حكام إيران وحقدهم على العراقيين كل هذا ناهيك عما قامت به الأجهزة الاستخبارية الإيرانية من دور قذر في صفحة الغدر والخيانة في آذار 1991 بعد اضطرار الرئيس بوش (الأب) إعلان وقف العدوان على العراق حيث ظهر أن هناك تنسيق وعمل مخطط بين الإدارة الأمريكية والنظام الإيراني تقوم بموجبه إيران بتنفيذ المهمة التي فشلت في تحقيقها أمريكا وهي إسقاط النظام الوطني بالتعاون مع بعض الناس البسطاء الذين غرر بهم في ظل ظروف صعبة بالغة التعقيد وقد استطاعت القوات المسلحة العراقية والأجهزة المختصة إلقاء القبض على مئات من رجال الاستخبارات الإيرانية وحرس الثورة واحتفظت بهم ليكونوا شاهد إثبات ودليل على تآمر إيران وعدوانها الدائم على العراق.
وعند قيام العدوان الامبريالي والصهيوني على العراق واحتلاله في 9/4/2003 لعبت إيران أقذر الأدوار في إنجاح المساعي الأمريكية البريطانية وقدمت الدعم الاستخباري والعسكري واللوجستي فكان النظام الإيراني الشريك غير المعلن في احتلال العراق وهذا ما عبر عنه أكثر من مسؤول كبير في إيران حينما أكدوا أنه لولا الدعم الإيراني لما استطاعت أمريكا وبريطانيا من احتلال العراق وأفغانستان.
لقد استغلت إيران تحالفها مع أمريكا وبريطانيا ضد العراق واندفعت بكل إمكانياتها للسيطرة الفعلية العسكرية والاستخبارية على محافظات عدة في الجنوب والفرات الأوسط وهذا لم يكن ليحصل لولا اتفاقيات التفاهم بين الإدارتين الأمريكية والبريطانية من جهة والنظام الإيراني من جهة أخرى.
فرغم أن الرأي العام العالمي يسمع ويشاهد حمى التصريحات والتهديدات الدعائية الأمريكية والأوروبية ضد إيران في موضوع الملف النووي إلى أن تقاسم الكعكة في العراق والتقاء الغايات والأهداف بين هذه الأطراف هو الذي يشكل جوهر العلاقة غير المعلنة بينهم بل أن التناقضات (إن وجدت) بين هذه الأطراف وبالذات بين أمريكا وإيران فهي يمكن أن تعالج عبر إعادة ترتيب التنازلات أو المرونة هنا أو هناك على حساب قضية العراق.
ومن هنا نلاحظ سياسة السكوت أو غض النظر التي تتبعه الإدارة الأمريكية على كل ما تقوم به إيران من جرائم وتجاوزات في العراق فرغم أن الذين يقتلون على يد المقاومة العراقية البطلة هم الجنود المحسوبين على القوات الأمريكية البريطانية المحتلة إلا إن المستفيد الأكبر من كل ما يجري في العراق لحد الآن هو إيران ويدخل في ذلك مهزلة الانتخابات ومجيء حكومة صفوية تجسد الولاء المطلق لإيران رغم أنها صنيعة أمريكية وهذا يعني أن إيران هي التي تجني الثمر من الاحتلال أكثر من أمريكا التي لم تدرك أو لا تريد أن تعترف أن إيران تأكل من جرفها في كل يوم أكثر من سابقه.
وإذا كان المجرم بوش قد أعلن حربه على الإرهاب ومرتكزاته واستغلها ذريعة لاحتلال أفغانستان والعراق وأدعى أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل وله علاقة مع تنظيمات القاعدة وظهر كذب وافتراء كل إدعاءاته وأثبتت اللجان التي أرسلها بوش إلى العراق قبل الاحتلال وبعده خلو العراق من هذه الأسلحة مثلما لم يجد أي بصيص من الأمل على وجود ولو (شعرة) علاقة مع القاعدة فإن الحقيقة تثبت أن بوش وبلير كانا يعلمان علم اليقين أنهما إنما يفتريان على العراق ويكذبان على العالم وعلى شعوبهم ومع ذلك استمروا في كذبهم حتى يومنا الحاضر.
أن المثير فيما يحدث اليوم والذي يؤكد صحة ما كانت تطرحه القيادة الوطنية العراقية الشريفة أن إيران تعلن بين فترة وأخرى وحسب مقتضيات مصالحها أنها احتجزت أو اعتقلت أو سلمت أعداد من تنظيمات القاعدة وقبل أيام قليلة ذكرت المصادر الإيرانية أنها فككت خلايا للقاعدة واعتقلت أكثر من ثلاثة آلاف من هذا التنظيم وهذا ما يجعل أي إنسان عاقل أو نظام شريف يتساءل لماذا لم يوجه السيدان بوش وبلير حملاتهم الضالة ضد إيران؟ وهي من أكبر الدول الحاضنة لتنظيمات القاعدة وهي الدولة التي تعترف بأنها تعمل على تخصيب اليورانيوم بمعنى أن في إيران أدلة وإثباتات على وجود خلايا القاعدة وتطوير لأسلحة الدمار الشامل إلا أنها لم تكن الهدف بالتحرك لمحاربة الإرهاب في حين أن الأمريكيين والبريطانيين استهدفوا العراق وهو البعيد كل البعد عن هذه التهم؟!
إذن أصبح واضحاً أن استهداف العراق لا علاقة له بمسرحية محاربة الإرهاب أو تقويض مرتكزاته بل للأسباب التي باتت معروفة للقاصي والداني وهو المنهج الوطني القومي الشريف للنظام في العراق ودعمه للقضية الفلسطينية ونجاحه في خلق أكبر مرتكزات للقاعدة العلمية والتقنية وجيش من العلماء قل نظيرهم في الدول المشابهة..
لقد أصبح الرئيس بوش ومعه حليفه بلير على قناعة تامة بفشل كل مشروعهما في العراق وحان الوقت الذي عليهما فيه أن يتصرفا بحكمة ليس لحفاظ ماء وجهها بل خشية مما هو قادم من أيام سوداء على جنودهم في العراق فتواتر الأحداث وديناميكيتها أفلت الزمام من أيديهم وأصبح إيقاع الموت يرن على مدى 24 ساعة في ذهن كل الذين جلبوهم من خيرة قواتهم ليحتلوا العراق ويخدموا أباطرة البترول وتجار السلاح ومؤسساتهم الكونية العملاقة ولأن حسابات البيدر في البيت الأسود كانت شيء وحسابات الحقل في أرض العراق شيء مناقض فلم يعد بإمكان بوش أو بلير أن يتجاهلا الأخبار والتقارير التي تنهال عليهم مثل المطر في كل يوم وهي مليئة بكل ما يعكر مزاجهما ويهدد أحلامهما الخائبة هذا عدا الضربات تحت الحزام التي بدأت تفعل فعلها ومنها ما حدث في لندن (ولا ندري القادمة منها أين؟) وهذا يعني أن المبدأ الذي استخدمه كل من بوش وبلير (الهجوم خير وسيلة للدفاع) انقلبت في عقر دارهما بما يثبت أن هذين المجنونان كذبا على شعوبهما عندما ادعوا أنهم عبروا بجيوشهم كل هذه المحيطات وأنفقوا كل هذه الأموال وتسببوا بمقتل عشرات الآلاف من جنودهم من أجل تجنيب شعوبهما مخاطر الإرهاب.
وإنهم ذهبوا لينشروا الديمقراطية والتسامح وحقوق الإنسان و... الخ من الأكاذيب؟!!
إلا أن النتيجة جاءت نقيضة تماماً لما ادعوه طيلة الفترات الماضية وهذا ما يمكن أن يترتب عليه كوارث سياسية فوق رؤوس الإدارتين الأمريكية والبريطانية ومن تحالف معهم ناهيك عن أن الشعوب الأمريكية والبريطانية أدركت بالدليل القاطع أن إيران هي المستفيدة من كل ما يجري في العراق وأن كثيرين من الناس يعتقدون أن العراق كان الهدف الخطأ في المكان والزمان في حين لو أن بوش وبلير كانا صادقان في ما ادعياه في محاربة الإرهاب وغيره من الأكاذيب لكانا توجها إلى المكان الصحيح وهو إيران وليس العراق.
وتؤكد الزيارات المكوكية التي يقوم بها الفهلوي إبراهيم الأشيقر إلى هذه العاصمة أو تلك شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً منذ تنصيب حكومته العميلة على العراقيين وحرصه البقاء خارج الحدود العراقية أغلب أيام الشهر أن الأشيقر لابد وأنه أصبح هدفا للمقاومة العراقية البطلة وأن تصريحاته بعد كل زيارة أنه اتفق ونسق وإلى آخر الأكاذيب التي لا يمكن أن تخفي إحساس هذا العميل ومن معه بالمرارة والخذلان والفشل فهو يعلم أنه يكذب على المسؤولين في الدول التي يزورها مثلما يعلم أولئك أنهم يعطفون عليه ويدارون خواطره ليس احتراماً وتقديراً له بل خشية من سوط سيدهم بوش لأن جميع مسؤولي هذه الدول يعرفون حقاً ما يجري في العراق وما هي مساحة مسؤولية حكومة الأشيقر التي لا تتعدى الجمل المكتوبة على الورق والتي يحتفظون بها للذكرى في بعض الدهاليز تحت الأرض في المنطقة الحمراء أي أن الجميع يعلم علم اليقين أن الحكومة العميلة هي حكومة ورق.
إن المكان الوحيد الذي يمكن أن يصدق الأشيقر القول فيه هو طهران وهو ذات المكان الذي يمكن أن يسمع فيه ما يخفف عن آلامه ومرارته وإحباطه وخوفه لأن إيران المكان الوحيد الذي يرغب فيه حكامه ويعملوا ما في وسعهم من أجل إنجاح حكومة الأشيقر في مهامها المتعثرة لأنها تخدم إيران قبل أن تخدم بوش وبلير وهنا لابد من سؤال يفرض نفسه هل ستستطيع طهران انتشال حكومة الأشيقر من الرمال المتحركة التي تغطس فيها؟ والجواب كلا فلا إيران بكل قوة شرها وأجهزتها ومخابراتها المنتشرة في مدن عراقية كثيرة ولا بفيلق غدرها الصفوي ولا بحزب دعوتها العميل ولا برجال حوزتها الفرس ولا بكل ما أُتيت من ضلالة وشرور تتمكن إيران أو أمريكا أو بريطانيا أن توقف التداعي والسقوط لكل المرتكزات التي حاولت هذه الدول المعتدية تثبيتها على أرض العراق فهذه الأرض الطاهرة تلفظ وتتنكر لأي جسم غريب عليها وفي لحظة الغضب العراقي يتحول العراق كله إلى رمال متحركة تصطاد فرائسها وإن كان بعضها يعتقد أنه فريسة صعبة مثلما اعتقد بوش وبلير قبل مغامرتهم الخاسرة.... أن أرض الرافدين العظيمة عظمة شعبها وتاريخه المجيد قادرة على شفط كل هذه القوى الشريرة مهما كانت ليستقر بها الحال في قعر المستنقع العراقي وهذا هو مصير كل من يناصب العراقيين العداء.
إن على حكام إيران أن يفهموا جيداً حقيقة وجوهر المعادلات التي تتشكل في أرض العراق وأن ما ينفذوه من أهداف شريرة ضد العراقيين في هذه المرحلة سيأتي يوماً ليس ببعيد لتنقلب عليهم بشكل أكثر إيذاءاً وبنتائج كارثية فمثلما استغلت أمريكا وبريطانيا وبشكل أكبر إيران التلون العرقي والطائفي في العراق وهو التلون الأكثر منعة وقوة وتماسك في كل المنطقة فإن مثل هذا التلون موجود في الدول الأخرى وفي مقدمتها إيران ونقاط الضعف فيها كثيرة وسهلة المنال وسيستغلها خصوم إيران.... ونقول لحكام إيران إذا كنتم تعتقدون مثلما اعتقد بوش وبلير أنكم عندما تقاتلون خصومكم في أراضي الغير (العراق) ستبعدون الأذى عن حكمكم فأنتم واهمين لأن الدسائس التي تدبرونها لخصومكم سترتد عليكم بشكل قاسي وإن نجحتم في هذه الجولة في العراق فإنكم ستخسرون كل شيء مهما امتلكتم من الدهاء والخبث فأسود العراق وشرفائه هم من سيربحون في النهاية.
وهم يرددون دعوة الخليفة عمر الفاروق رضي الله عنه عندما تمنى أن يكون بيننا وبين إيران جبل من نار.