بحث بعنوان:
"صنع القرار في السياسة الخارجية لجمهورية ايران الاسلامية"
اعـداد :خالـد وليـد محمـود/الاردن
[email protected]
منهجية الدراسة
اولا:مشكلة الدراسة: ستحاول هذه الورقة الاجابة عن التساؤلات التالية: ما هي الية صنع القرار السياسي الخارجي للجمهورية الاسلامية الايرانية؟وما هي المؤسسات التي تساهم في صناعة القرار؟
ثانيا: فرضية الدراسة:
ستنطلق هذه الورقة من فرضية مفادها ان عملية صنع القرار السياسي الخارجي في الجمهورية الاسلامية الايرانية هي تفاعل عدة مؤسسات رسمية وكذلك عدة عوامل داخلية وخارجية ومن المؤسسات الرسمية المسؤولة عن صناعة القرار في السياسية الخارجية الايرانية على التوالي:
1-الدستور
2-القائد او المرشد (مجمع تشخيص، مصلحة النظام، مجلس الخبراء)
3- مجلس الشورى الاسلامي (مجلس صيانة الدستور)
4-الحكومة او السلطة التنفيذية والتي تتكون من (مجلس الوزراء ، رئاسة الجمهورية، مجلس الامن الوطني).
5-وزارة الخارجية
ثالثا: منهج البحث:
ستستخدم هذه الورقة عددا من المناهج البحثية المستخدمة في دراسة العلوم السياسية وعلى رأسها
1-المنهج التاريخي
2-المنهج صناعة القرار كاحد المدارس الفكرية في تحليل عملية صنع السياسة الخارجية
المقدمـة:
تتميز السياسة الخارجية في جميع الانظمة السياسية لا سيما المحنكة منها والقوية بان لها قنوات محددة ومحدودة لاتخاذ القرار بشانها، وبعبارة اخرى ان نفرا قليلا من المسؤولين والمصادر المختصة هم فقط الذين يملكون الامكانية في رسم السياسة الخارجية واتخاذ القرار بشانها،لذا نرى بقية المسؤولين وأيضاً المصادر الأخرى في الحكومات الاجنبية ينظمون أعمالهم طبقاً لما يعلنه هؤلاء المختصون في السياسة الخارجية لبلادهم.
والواقع أنه اذا أعلن احد المسؤولين الذين لهم الحق في اتخاذ القرار بشأن سياسة بلاده الخارجية عن رأيه يصبح ذلك الاعلان ذا تبعات سياسية وأهمية قانونية خارج حدود بلاده ،اما اذا لم يكن كذلك حتى ولو كان المسؤول على نفس المستوى من الأهمية ولكنه فاقد للصفة الرسمية في اتخاذ القرار في سياسة بلاده الخارجية .فالأمر لا يعدو أكثر من مجرد وجهة نظر شخصية ،وينظر اليها مع انها انعكاس لرأي أحد المقربين من الجهاز المصمم للسياسة الخارجية وليس تصريحاًرسمياً.
وثمة فروقات اخرى بين البيان الرسمي الصادر عن مسؤولين مؤثرين في السياسة الخارجية حول المسائل السياسية والقانونية والدولية وبين ابداء هؤلاء المسؤولين عن ارائهم الشخصية حولها .
اما المصادر الرسمية التي لها الحق في ابداء ارائها وفي اتخاذ القرار بشان صنع القرار الخارجي للدولة طبقا للوثائق والمستندات لا سيما الدستور في نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية فهم عبارة عن
1-الدستور
2-القائد او المرشد
3-مجلس الشورى الاسلامي (مجس صيانة الدستور)
4-السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء ، رئاسة الجمهورية ومجلس الامن الوطني
5-وزارة الخارجية
المبحث الأول :
الدستــور الايراني
يعتبر الدستور في كافة النظم السياسية والحكومية في العالم اعلى سند ومصدر رسمي وسياسي لها كما تتحدد فيه اطر وعموميات وحدود وقنوات السياسة الخارجية لكل دولة منها كذلك الامر بالنسبة لدستور جمهورية ايران الاسلامية فهو اقوى واغنى مصدر لسياستها الخارجية حيث يرسم لها ويوجهه اليها في مبادئه العامة وفصوله القانونية .
ولا شك ان المبادئ الاربعة الواردة في الفصل العاشر من دستور جمهورية ايران الاسلامية تعد من اهم محددات السياسة الخارجية الايرانية وتعد بمثابة المنار الهادي لسبيلها المؤطر لها حيث توضح المبادئ المذكورة وهي 152، 153، 154 ، 155 المفاهيم الاساسية لسياسة جمهورية ايران الاسلامية .
مبدأ 152:تقوم السياسة الخارجية الايرانية على اساس رفض أي نوع من انواع التسلط او الخضوع والحفاظ على الاستقلال التام ووحدة اراضي البلاد والدفاع عن حقوق جميع المسلمين وعدم الانحياز للقوة المتسلطة وعلى تبادل العلاقات السلمية مع الدول المسالمة.
مبدأ 153: ان ابرام أي معاهدة تفضي الى السيطرة الاجنبية على الثروات الصناعية والاقتصادية او الثقافية والجيش والشؤون الاخرى في البلاد امر ممنوع بتاتا
مبدأ 154: تعتبر جمهورية ايران ان هدفها المقدس هو سعادة الانسان في كل المجتمعات البشرية وترى ان الاستقلال والحرية واقامة حكومة الحق والعدل هو حق لجميع شعوب العالم كافة لذا فان جمهورية ايران الاسلامية ستقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم وذلك دون ان تتدخل في الوقت نفسه في الشؤون الداخلية في الشعوب الاخرى.
مبدأ 155: تشتطيع حكومة جمهورية ايران الاسلامية منح حق اللجوء السياسي الى الذين يطلبونه باستثناء الذين يعتبرون وفقا للقوانين الايرانية مجرمون وخونة.
انما يستفاد من هذه المواد وما استنبط من المفاهيم الاخرى كلها هو ان ماهية وجوهر العالمية واللاحدودية واللاقومية واسلامية الاهداف المصرح بها هنا قد تم تكريسه في اسعاد الانسان وجعله هدفا للسياسة الخارجية .
المبحث الثاني :
القـائد:
يعد منصب القائد في ظل الواقع الماثل اعلى منصب في اتخاذ القرارات العظيمة بشان السياسة الخارجية الايرانية وقد اثبتت التجربة العملية ذلك مرارا . وللوقوف على دور القائد بشكل دقيق علينا ان نتناوله على ثلاث خطوات تفصيلية على النحو التالي:
1-فلسفلة ولاية الفقيه : يعتبر البحث في فلسفة ولاية الفقيه وقدراتها وقانونها ومهامها بحثا يخص فرعا اخر من العلوم النظرية ويتصل ببحوث حول الاطار الفلسفي للحكومة الاسلامية والدولة الاسلامية وكذلك الحاكمية في الاسلام، وبناء على هذا فان الحديث عن السياسة الخارجية الايرانية وصناعتها يجب ان يبدأ من تلك اللحظة التي تم القبول فيها بولاية الفقيه بوصفها اهم مصادر السياسة الخارجية.
ولا شك ان حدود سلطة الولي الفقيه ونطاقها بالنسبة للسياسة الخارجية الايرانية ينطوي على اهمية كبيرة لان مفهوم السلطة بالنسبة لولاية الفقيه بوصفها القاعدة الفلسفية التي قامت عليها الحكومة الاسلامية اوسع بكثير مما ذكره النص الدستوري حولها.
وقد ذكر الامام الخميني في كتابه "ولاية الفقيه" رؤيته الموضحة لحدود ولاية الفقيه وسلطاتها بقوله "اذا نجح شخص جدير ومتصف بصفتي العلم والقانون وبالعدالة في اقامة الحكومة واصبح له ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاية بشان ادارة المجتمع وجب طاعته على جميع الناس" وبالتالي فان ما ذكره الخميني على ان حدود سلطة الولي الفقيه اوسع مما حدده الدستور له ومن ثم فان تناولنا لها يتم بما اوردناه من نظرية الخميني التي طرحها في حياته حول ولاية الفقيه والتي اعتبر من خلالها ولاية الفقيه ولاية مطلقة تسري على جميع امور المسلمين وهذا يعني ان الولي الفقيه اذا راى يوما انه لا حاجة للدستور او راى ان المصلحة تقتضي حذف أي مبدأ من مبادئه فما ذلك عليه بعسير ومن ثم يمكن ان يسقط الدستور او يحذف هذا المبدأ بمجرد ان يعلن الفقيه ببساطة وهذه هي مقتضيات الولاية والتزاماتها" .
هنا تجدر الاشارة الى مكانة الخميني الخاصة واقراراته ووصاياه بشان السياسة الخارجية ونتساءل هل لهذه الوصايا والاقرارات اهمية بشان اتخاذ القرار السياسي لجمهورية ايران ا لاسلامية خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية؟ يمكن الاجابة على هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
أ-ان المرشد الجديد للثورة الاسلامية الايرانية سبق وان اعلن مرارا ان الخط العام لسياسة جمهورية ايران الاسلامية هو نفسه الخط الذي رسمه لها الخميني.
ب-انه طبقا لمبادئ نظرية ولاية الفقيه يعتبر اتخاذ القرار بشان أي موضوع هو من صميم مهام الولي الفقيه الحاكم وكما هو وارد في الفلسفة العامة لولاية الفقيه. وسيقوم الاخير على مدى الزمان بتحديد مصلحة المسلمين
ج-ان الامام الخميني بما له من مكانة قد ورد ذكره في دستور ايران بوصفه اسما له خصوصية ، وتم ايلاء اهمية له من قبل المشرعين والمخططين.
حدود القيادة ومسؤولياتها في السياسة الخارجية طبقاً للدستور :
حدد المبدا العاشر بعد المائة من الدستور الصلاحيات والمهام الخاصة بالقائد بوصفه أعلى منصب سيادي في البلاد ومع ان هذه الصلاحيات جاءت متعددة الا أن ثلاثاً منها اختصت بالسياسة الخارجية لايران وهي :
1.تحديد السياسات العامة لنظام جمهورية ايران الاسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2.الاشراف على حسن سير السياسات العامة للنظام.
3.اصدار القرار باجراء استفتاء عام.
ويستطيع القائد أن يؤثر على مجريات السياسة الخارجية بما له من سلطات ومع مراعاته لامكانيات وصلاحيات مجمع تشخيص مصلحة النظام وآرائه ،ويعد رأي هذا المجمع بالنسبة للقائد "استشاريا" وخاصة أن جميع أعضائه سواء الدائم منهم أو المؤقت معينون من القائد شخصياً.
2.مجلس الخبراء :يعد مجلس الخبراء من المؤسسات الاخرى التي تستطيع ان تؤثر بصورة غير مباشرة على قرار القائد بشأن السياسة الخارجية ومع أن لمجلس الخبراء وظيفة خطيرة تتمثل في تعيين القائد الا انه لا يباشر عملا تشريعيا أو تخطيطياً أو ابتكارياً آخر ؛سوى انه يؤثر على التخطيط الخارجي بطريقة غير مباشرة سواء على توجهاتها أو قراراها من خلال تعيينه للقائد.
وكثيرا ما اتخذت القيادة قرارات بشان السياسة الخارجية الايرانية في حدود سلطاتها وامكانياتها وفي اطار الصلاحيات والحدود القانونية مثلما اتخذ "الخميني" في حياته قرارات أو أمر باتخاذها،كقبوله القرار 598 واصداره حكماً بردة "سلمان رشدي" وقتله وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة واحتلال السفارة الامريكية في طهران وما نجم عنه من عواقب وكذلك قطعه لعلاقات بلاده مع مصر.
ونظراً لأن قطع العلاقات مع هذه الدول كان بأمر الخميني ومن ثم فإن تعديل رأي الولي الفقيه يحتاج الى رأي جديد من جانب القائد الجديد.
المبحث الثالث: مجلس الشورى الاسلامي:
مجلس الشورى الاسلامي أو"مجلس النواب" :يشرف عليه القائد بحكم منصبه الا ان مكانة الأمة ونوابها في المجلس مكانة رفيعة وأن سلطة الحكومة نفسها انما هي محصلة لارادة الأمة.
وللوقوف على دور مجلس الشورى الاسلامي في السياسة الخارجية يتعين علينا أن نتناوله في موضوعين :
1.تأثير المجلس على السياسة الخارجية من خلال التقنين والقرارات البرلمانية :فلقد منح مجلس الشورى الاسلامي صلاحية دراسة ومناقشة كافة شؤون البلاد وفحصها وذلك بموجب المبدأ السادس والسبعين من الدستور ولعل مناقشته وتحريه بشأن السياسة الخارجية يعد المصداق الأوضح على هذا وقد نص المبدأ على " لمجلس الشورى الحق في أن يتولى التدقيق والبحث في كافة أمور البلاد".
وهناك المبدأ الثمانون الذي يقول "لايجوز أن تتم العمليات التي تقوم بها الحكومة من اقراض أو اقتراض سواء الداخلية أو الخارجية الا بعد تصديق مجلس الشورى الاسلامي عليها".
2.الاجراءات التنفيذية والمباشرة بشأن السياسة الخارجية الايرانية في صورة قرار حسم وقرار موقف .
اتخذ مجلس الشورى الاسلامي طيلة دوراته التشريعية مجموعة قرارات تنفيذية مباشرة في مواقف خاصة بشأن قضايا تختص بها السياسة الخارجية ومن ابرز هذه القرارات ما اتخذه بشأن مسألة "سلمان رشدي" وقطعه للعلاقات مع بريطانيا بسببها.
وكان مجلس الشورى الاسلامي في مثل هذه الامور يقوم باحاطة وزارة الخارجية بالقرار للتنفيذ واتخاذ اللازم .
ولقد اصبحت هذه البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن مجلس الشورى الاسلامي هو احد المصادر الرسمية لاتخاذ القرار بشأن سياسة ايران الخارجية .
وتجدر الاشارة هنا الى ان لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس تقوم بدراسة السياسة العالمية وعلاقات جمهورية ايران الاسلامية مع الدول والشعوب الاخرى وتباشر الاشراف عليها بصورة مستمرة كما أنها تقوم في الاوقات اللازمة بطرح الاسئلة وطلبات الاحاطة حول أي تحرك حكومي وخصوصا وزارة الخارجية منها وتتلقى توضيحاتها عليها.
وجدير بالذكر هنا أن مجلس صيانة الدستور هو احد المؤسسات التشريعية في ايران يمكن أن يكون له دور مؤثر في السياسة الخارجية الايرانية ويتكون هذا المجلس من فقهاء القانون وعلماء الدين ويقوم بدوره في مطابقة قرارات مجلس الشورى الاسلامي مع الدستور والشريعة الاسلامية واستناداً على هذه القناة أصبح قادراً على الاشراف على السياسة الخارجية والتأثير عليها.
المبحث الرابع:الحكومة أو السلطة التنفيذية
وتتكون من :
رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء.
وقد أعطاهما الدستور بعض الصلاحيات المباشرة في السياسة الخارجية الايرانية ونص عليها البند الخامس والسادس عشر من المبدأ الثالث وينص على :
"حكومة جمهورية ايران الاسلامية مكلفة بطرد الاستعمار ومكافحة النفوذ الاجنبي وتنظيم السياسة الخارجية للبلاد طبقاً للمعايير الاسلامية.
ج.مجلس الامن القومي :تم تأسيسه برئاسة رئيس الجمهورية بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الاسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية ويقوم بالمهام التالية :
*تعيين السياسات الدفاعية الأمنية للبلاد في اطار السياسات العامة التي يحددها القائد.
*التنسق بين الانشطة السياسية والمخابراتية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية والامنية العامة.
*الاستفادة من الامكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمجابهتها التهديدات الداخلية والخارجية.
هذا ويتكون اعضاء المجلس من :
1.رؤساء السلطات الثلاث .
2.رئيس هيئة اركان القيادة العامة للقوات المسلحة.
3.مسؤول شؤون التخطيط والميزانية .
4.مندوبين يعينهما القائد نيابة عنه.
5.وزراء الخارجية والداخلية والمخابرات.
6.الوزير المختص طبقاً لمقتضيات الأمور وأعلى مسؤول في الجيش والحرس الثوري ويقوم المن بتعيين المجالس الفرعية الأخرى .
ويخصص هذا المجلس جانباً من مهامه للسياسة الخارجية بينما الجانب الاعظم مكرس للتعامل مع المسائل الدخلية والأمن الداخلي.
المبحث الخامس :وزارة الخارجية :
يطلق على وزارة الخارجية في الانظمة الحكومية الكلاسيكةفي العام "جهاز الدبلوماسية" والواقع أن الفارق بين عمل وزارة الخارجية وبين كافة مصادر اتخاذ القرار بشأنها هو نفسه الفارق بين الدبلوماسي والسياسي ،فالاول منفذ والآخر مخطط.
فبعد تخطيط وترسيم الاطر العامة بواسطة المصادر الاربعة السابق ذكرها :القائد ،مجلس الشورى،الحكومة أو السلطة التنفيذية يحول الموضوع الى وزارة الخارجية للتنفيذ ولكن ليس بالمقدور أيضاً اعتبار وزارة الخارجية فقد مجرد منفذ لأن هناك بعض الوجوه التخطيطية ضمن فعالياتها والتي بموجبها تتخذ قراراتها بشأن الخارجية الى جانب قيامها بالتنفيذ .
ملاحــق:
أولاً.....الولي الفقيه.. الدور والصلاحيات
يتميز النظام السياسي الإيراني عن سائر النظم السياسية العالمية بميزة دستورية فريدة، وهي وجود مؤسسة اسمها "الولي الفقيه" أو "المرشد الأعلى" تتربع على قمة هرم السلطة ويخولها الدستور الإيراني صلاحيات واسعة.
من هو الولي الفقيه؟
"الولي الفقيه" أو"المرشد الأعلى" لفظان مترادفان مرتبطان بالنظرية السياسية الدينية التي قال بها الإمام الخميني وهي "ولاية الفقيه". وقد نشأت نظرية "ولاية الفقيه" على يد الشيخ أحمد النراقي مؤلف كتاب "عوائد الأيام" في أصول الفقه والمتوفى عام 1829، وطبقها الإمام الخميني لأول مرة عام 1979.
وقد شكلت النظرية تطورا كبيرا في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الإمامية في عصر غيبة الإمام الثاني عشر وطيلة مقاطعتهم للأنظمة السياسية الإسلامية المختلفة. وتقوم النظرية على النيابة العامة للفقهاء عن المهدي المنتظر الذي –إن عاد حسب الشيعة- سيملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا. وبموجب ولاية الفقيه صارت المرجعية الدينية مصدر الإفتاء والأحكام وتطورت من مهمة الإرشاد الروحي إلى شكلها المعاصر المتمثل في المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي يهيمن بسلطاته الجمة على مؤسسات الدولة الإيرانية كلها.
سلطات الولي الفقيه ومؤهلاته
نصت المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة في ظل استتار الإمام تؤول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107) من الدستور، ونصت المادة نفسها على تساوي المرشد مع عامة الشعب أمام القانون.
ومؤهلات المرشد هي: العلم والعدالة والمروءة والفقه الواسع بظروف العصر والشجاعة والفطنة والذكاء والقدرة على إدارة الأمور.
ويفوض الدستور المرشد الأعلى الاضطلاع بمسؤولية القائد العام للقوات المسلحة وإعلان الحرب وتعيين وعزل الأفراد التاليين:
نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدده 12 عضوا.
رئيس السلطة القضائية
رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون
القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري.
القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
ورغم هذه الصلاحيات الجمة فإن الإمام الخميني، أول مرشد أعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يكتف بها بل فرض هيمنته على مجلس الشورى وعلى رئاسة الجمهورية، فأقال أبو الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الأول عام 1981 عندما تمرد على تعليماته، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس على خامنئي عام 1988 عندما اعترض على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس المحافظة على الدستور.
واعتبر الخميني في تلك الرسالة ولاية الفقيه كولاية الرسول (ص)، فالولي الفقيه، بالنسبة للخميني، معين من قبل الإمام المهدي الغائب، ولذلك لا يجوز الاعتراض على قراراته بناء على الحديث المنسوب إلى المهدي الذي يقول "إن الراد على الفقهاء كالراد علينا وكالراد على الله".
انتخابه والهيئات التابعة له
يتم انتخاب المرشد الأعلى من طرف مجلس الخبراء (المنتخب من قبل الشعب)، وكان الإمام الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه إلى أن توفي عام 1989 فتولى المرشد الحالي السيد على خامنئي هذا المنصب. وكان من المفترض أن يكون آية الله العظمى حسين علي منتظري خليفة الخميني، إلا أن انتقاداته للإعدامات التي قامت بها الحكومة الإيرانية 1988 و1989 جعلت الخميني يدفعه إلى الاستقالة في مارس/ آذار 1989.
وينسق "مكتب المرشد الأعلى" نشاط الولي الفقيه وظهوره أمام الناس، وهو مكون من أربعة أعضاء يشترط أن يكون كل منهم "حجة الإسلام" أو "آية الله".
وللمرشد الأعلى أكثر من 2000 ممثل أغلبهم برتبة حجة الإسلام منتشرين في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها وفي محافظات إيران الثماني والعشرين. وقد أسس خامنئي عام 1990 المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وكذلك المجمع العالمي لأهل البيت.
عزل المرشد الأعلى ،يمكن لمجلس الخبراء -نظريا- أن يعزل المرشد في حالتين هما:
عجز المرشد عن أداء واجباته الدستورية.
فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.
الولي الفقيه وصراع المحافظين والإصلاحيين: منذ فوز الرئيس الإيراني محمد خاتمي بانتخابات رئاسة الجمهورية عام 1997 تغيرت صورة المشهد السياسي، فظهر معسكران محافظ وإصلاحي. ومع تحول المحافظين آلي أقلية من حيث التعاطف الجماهيري فإن المرشد على خامنئي، بصلاحياته الدستورية الواسعة، ظل سندا لهذا المعسكر، ما كرس الأزمة السياسية بين تيار لا شعبية له ويمتلك صنع القرار (المحافظون) وتيار جماهيري يسيطر على البرلمان ولا صلاحيات كبيرة بحوزته (الإصلاحيون). وبعد ذلك أصبحت مسألة الولي الفقيه أهم عنصر في الصراع بين التيارين الإصلاحي والمحافظ.
ومع أن الإصلاحيين يؤمنون بالإطار النظري لدستور الجمهورية الإسلامية، الذي يعتبر أن الالتزام العملي بمقولة ولاية الفقيه، كما وصفها الإمام الخميني هو معيار أي عمل سياسي، فإن قطاعات واسعة من مثقفين وطلاب ونساء محسوبة على الإصلاحيين طالبت بمنح مزيد من الصلاحيات الدستورية لمنصب رئاسة الجمهورية حتى تخف قبضة الولي الفقيه على مقاليد الحكم.
فالإصلاحيون يرون أن سلطات الولي الفقيه تتجاوز كثيرا تلك السلطات التي كان دستور 1906 يمنحها لشاه إيران، وهم في مطالبتهم بإعادة النظر في ولاية الفقيه يسعون –حسب المراقبين- إلى مراجعة أسس الحكومة في إيران، هل تقوم على أساس تفويض من الشعب الإيراني للحكم باسمه أم على تفويض إلهي باسم الإمام الغائب.
ويبدو أن هذا الإشكال سيظل محوريا بالنسبة للنظام السياسي في إيران إلى أن يحدث توازن بين منصب رئيس الحكومة ومنصب الولي الفقيه.
ثانياً .....مجلس صيانة الدستور
مجلس صيانة الدستور أو مجلس الرقابة على القوانين (شوراي ن?هبان) هو أعلى هيئة تحكيم في إيران ويتكون من 12 عضوا، 6 أعضاء فقهاء دينيون يعينهم المرشد الأعلى للثورة، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين الوضعيين ويعينهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية، وتتبع للمجلس لجان مراقبة تشرف على تطبيق وتنفيذ صلاحياته.
مهام المجلس
تناط بأعضاء مجلس صيانة الدستور مهمة مزدوجة هي: مرة عند الترشيح لعضوية المجالس التشريعية,، ومرة عند إصدار المجالس للقوانين واللوائح، فهو يشرف على جميع الاستفتاءات التي تجرى بدولة إيران، سواء تعلقت بالبلديات أم التشريعيات أم الرئاسيات أم اختيار أعضاء مجلس الخبراء، فلمجلس صيانة الدستور تقييم المرشحين وإعلان رأيه بشأن أهليتهم للترشح. ومن معايير المجلس في تقييم المترشح صحة العقيدة الإسلامية والولاء للنظام، وكثيرا ما ألغى المجلس ترشح الشيوعيين والقوميين والأكراد وأعضاء حركة حرية إيران أو كل من لا يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه.
ثم إن لمجلس صيانة الدستور أيضا الحق في تفسير الدستور وتحديد مدى توافق القوانين التي يجيزها مجلس الشورى (البرلمان) مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، وله حق النقض تجاه تلك القوانين.
رئاسة مجلس صيانة الدستور :
يترأس آية الله أحمد جنتي مجلس صيانة الدستور وهو أحد فقهاء الحوزة العلمية بمدينة قم، وفضلا عن كونه مرجعا تقليديا للشيعة الإمامية فهو أيضا خطيب الجمعة المناوب في طهران. وجنتي وجه من وجوه المحافظين المساندين لخط المرشد الأعلى سيد علي خامنئي من أجل المحافظة علي نقاء واستمرار نظام ولاية الفقيه أمام تيار الإصلاحيين الداعي إلى التخفيف من هيمنة الولي الفقيه المطلقة.
ويرى المراقبون أن أحمد جنتي جعل من مجلس صيانة الدستور قلعة تتحكم في ثغور النظام وتحرسها ورقيبا علي القوانين والقرارات. وقد عرفت فترة رئاسته تأزما شديدا بين مجلس صيانة الدستور والبرلمان.
صراع مجلس صيانة الدستور والبرلمان:كثيرا ما ألغى مجلس صيانة الدستور قرارات مجلس الشورى بحكم صلاحياته مما حد من قدرة البرلمان على إصدار تشريعات حتى مع وجود أغلبية من الإصلاحيين داخل مجلس الشورى نفسه. وقد سبب إشراف مجلس صيانة الدستور على لوائح الترشحيات حدوث أزمة مع البرلمان بداية العام 2004 حين رفض المجلس 3605 مرشحين للانتخابات من أصل 8157، وكان أغلب من رفض من الإصلاحيين وبينهم 80 نائبا تقدموا لتجديد ولايتهم. وكما رفض مجلس صيانة الدستور الكثير من تشريعات البرلمان ومن أهمها قانون زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية وتعديل شروط الترشيح والانتخابات، فقد رفض البرلمان بدوره تشريع زيادة ميزانية مجلس صيانة الدستور وتشريع مراكز أبحاث ومكاتب معلومات تابعة للمجلس.
ثالثاً.....محمد خاتمي
من هو محمد خاتمي ؟
حجة الإسلام محمد خاتمي هو الرئيس الخامس للجمهورية الإسلامية الإيراينة، ولد في أدركان عاصمة إقليم يزد الأوسط عام 1943 لأسرة متدينة.
أنهى محمد خاتمي دراسته الابتدائية وفي عام 1961 دخل مدرسة قم الدينية. وحصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعه أصفهان، وبعد تخرجه أكمل المستوى المتقدم في الدراسة الدينية من معهد قم. وفي عام 1970 درس العلوم التربوية في جامعة طهران، ثم عاود دخول معهد قم لدراسة علم الاجتهاد.
شارك خاتمي في نشاطات سياسية ضد الشاه، وفي إعداد ونسخ وتوزيع بيانات سياسية. لا سيما تلك التي تصدر عن مؤسس الجمهورية الإيرانية الإمام الخميني.
بدأ نشاطه السياسي في اتحاد الطلبة المسلمين بجامعة أصفهان، وعمل قريبا من ابن الإمام الخميني الراحل حجة الإسلام أحمد الخميني ومحمد منتظري ونظموا حلقات نقاشية سياسية دينية. وترأس خاتمي مركز هامبورج الإسلامي في ألمانيا قبل انتصار ثورة 1979 الإسلامية.
مثل خاتمي دائرتين انتخابيتين هما مقاطعة أردكان ووميبود في الفترة الأولى للبرلمان عام 1980. وعام 1981 عينه الإمام الخميني مديرا لمؤسسة كيهان (Kayhan). وعام 1982 عين وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي.تولى خاتمي عدة مسؤوليات أثناء الحرب مع العراق، بما فيها نائب ورئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة، ورئيس قيادة الحرب الدعائية.عين مجددا وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي في عهد الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1989. وبعد استقالته عام 1992 عين خاتمي مستشارا ثقافيا للرئيس رفسنجاني، ورئيسا للمكتبة الوطنية الإيرانية .
يجيد خاتمي ثلاث لغات غير الفارسية، هي الانجليزية والألمانية والعربية، وله العديد من الكتب المقالات في موضوعات مختلفة. تزوج عام 1974 وله ابنتان وولد.
انتخب خاتمي رئيسا خامسا للجمهورية الإسلامية في مايو/أيار 1997، وذلك بحصوله على أكثر من 20 مليون صوت، وبنسبة 70% من مجموع الأصوات
المصادر والمراجع :
1.ايزدي بيزن ،مدخل الى السياسة الخارجية لجمهورية ايران الاسلامية ،الدار الثقافية للنشر ،عام2000،ص 84 ،ص87،ص92.
2.النبالي عبد الله ،الحياة السياسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية ،عام 2003 ،ص 7-ص10.
3.عبد المنعم نيفين ،صنع القرار في ايران ،مركز دراسات الوحدة العربية ،عام 2001، ص66.
4. سالم احمد ،www.aljazeera.net، قسم الدراسات والبحوث.
5.مقابلات شخصية مع بعض الاكاديميين الدارسيين في جمهورية ايران الاس
"صنع القرار في السياسة الخارجية لجمهورية ايران الاسلامية"
اعـداد :خالـد وليـد محمـود/الاردن
[email protected]
منهجية الدراسة
اولا:مشكلة الدراسة: ستحاول هذه الورقة الاجابة عن التساؤلات التالية: ما هي الية صنع القرار السياسي الخارجي للجمهورية الاسلامية الايرانية؟وما هي المؤسسات التي تساهم في صناعة القرار؟
ثانيا: فرضية الدراسة:
ستنطلق هذه الورقة من فرضية مفادها ان عملية صنع القرار السياسي الخارجي في الجمهورية الاسلامية الايرانية هي تفاعل عدة مؤسسات رسمية وكذلك عدة عوامل داخلية وخارجية ومن المؤسسات الرسمية المسؤولة عن صناعة القرار في السياسية الخارجية الايرانية على التوالي:
1-الدستور
2-القائد او المرشد (مجمع تشخيص، مصلحة النظام، مجلس الخبراء)
3- مجلس الشورى الاسلامي (مجلس صيانة الدستور)
4-الحكومة او السلطة التنفيذية والتي تتكون من (مجلس الوزراء ، رئاسة الجمهورية، مجلس الامن الوطني).
5-وزارة الخارجية
ثالثا: منهج البحث:
ستستخدم هذه الورقة عددا من المناهج البحثية المستخدمة في دراسة العلوم السياسية وعلى رأسها
1-المنهج التاريخي
2-المنهج صناعة القرار كاحد المدارس الفكرية في تحليل عملية صنع السياسة الخارجية
المقدمـة:
تتميز السياسة الخارجية في جميع الانظمة السياسية لا سيما المحنكة منها والقوية بان لها قنوات محددة ومحدودة لاتخاذ القرار بشانها، وبعبارة اخرى ان نفرا قليلا من المسؤولين والمصادر المختصة هم فقط الذين يملكون الامكانية في رسم السياسة الخارجية واتخاذ القرار بشانها،لذا نرى بقية المسؤولين وأيضاً المصادر الأخرى في الحكومات الاجنبية ينظمون أعمالهم طبقاً لما يعلنه هؤلاء المختصون في السياسة الخارجية لبلادهم.
والواقع أنه اذا أعلن احد المسؤولين الذين لهم الحق في اتخاذ القرار بشأن سياسة بلاده الخارجية عن رأيه يصبح ذلك الاعلان ذا تبعات سياسية وأهمية قانونية خارج حدود بلاده ،اما اذا لم يكن كذلك حتى ولو كان المسؤول على نفس المستوى من الأهمية ولكنه فاقد للصفة الرسمية في اتخاذ القرار في سياسة بلاده الخارجية .فالأمر لا يعدو أكثر من مجرد وجهة نظر شخصية ،وينظر اليها مع انها انعكاس لرأي أحد المقربين من الجهاز المصمم للسياسة الخارجية وليس تصريحاًرسمياً.
وثمة فروقات اخرى بين البيان الرسمي الصادر عن مسؤولين مؤثرين في السياسة الخارجية حول المسائل السياسية والقانونية والدولية وبين ابداء هؤلاء المسؤولين عن ارائهم الشخصية حولها .
اما المصادر الرسمية التي لها الحق في ابداء ارائها وفي اتخاذ القرار بشان صنع القرار الخارجي للدولة طبقا للوثائق والمستندات لا سيما الدستور في نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية فهم عبارة عن
1-الدستور
2-القائد او المرشد
3-مجلس الشورى الاسلامي (مجس صيانة الدستور)
4-السلطة التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء ، رئاسة الجمهورية ومجلس الامن الوطني
5-وزارة الخارجية
المبحث الأول :
الدستــور الايراني
يعتبر الدستور في كافة النظم السياسية والحكومية في العالم اعلى سند ومصدر رسمي وسياسي لها كما تتحدد فيه اطر وعموميات وحدود وقنوات السياسة الخارجية لكل دولة منها كذلك الامر بالنسبة لدستور جمهورية ايران الاسلامية فهو اقوى واغنى مصدر لسياستها الخارجية حيث يرسم لها ويوجهه اليها في مبادئه العامة وفصوله القانونية .
ولا شك ان المبادئ الاربعة الواردة في الفصل العاشر من دستور جمهورية ايران الاسلامية تعد من اهم محددات السياسة الخارجية الايرانية وتعد بمثابة المنار الهادي لسبيلها المؤطر لها حيث توضح المبادئ المذكورة وهي 152، 153، 154 ، 155 المفاهيم الاساسية لسياسة جمهورية ايران الاسلامية .
مبدأ 152:تقوم السياسة الخارجية الايرانية على اساس رفض أي نوع من انواع التسلط او الخضوع والحفاظ على الاستقلال التام ووحدة اراضي البلاد والدفاع عن حقوق جميع المسلمين وعدم الانحياز للقوة المتسلطة وعلى تبادل العلاقات السلمية مع الدول المسالمة.
مبدأ 153: ان ابرام أي معاهدة تفضي الى السيطرة الاجنبية على الثروات الصناعية والاقتصادية او الثقافية والجيش والشؤون الاخرى في البلاد امر ممنوع بتاتا
مبدأ 154: تعتبر جمهورية ايران ان هدفها المقدس هو سعادة الانسان في كل المجتمعات البشرية وترى ان الاستقلال والحرية واقامة حكومة الحق والعدل هو حق لجميع شعوب العالم كافة لذا فان جمهورية ايران الاسلامية ستقوم بدعم النضال المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أي بقعة من العالم وذلك دون ان تتدخل في الوقت نفسه في الشؤون الداخلية في الشعوب الاخرى.
مبدأ 155: تشتطيع حكومة جمهورية ايران الاسلامية منح حق اللجوء السياسي الى الذين يطلبونه باستثناء الذين يعتبرون وفقا للقوانين الايرانية مجرمون وخونة.
انما يستفاد من هذه المواد وما استنبط من المفاهيم الاخرى كلها هو ان ماهية وجوهر العالمية واللاحدودية واللاقومية واسلامية الاهداف المصرح بها هنا قد تم تكريسه في اسعاد الانسان وجعله هدفا للسياسة الخارجية .
المبحث الثاني :
القـائد:
يعد منصب القائد في ظل الواقع الماثل اعلى منصب في اتخاذ القرارات العظيمة بشان السياسة الخارجية الايرانية وقد اثبتت التجربة العملية ذلك مرارا . وللوقوف على دور القائد بشكل دقيق علينا ان نتناوله على ثلاث خطوات تفصيلية على النحو التالي:
1-فلسفلة ولاية الفقيه : يعتبر البحث في فلسفة ولاية الفقيه وقدراتها وقانونها ومهامها بحثا يخص فرعا اخر من العلوم النظرية ويتصل ببحوث حول الاطار الفلسفي للحكومة الاسلامية والدولة الاسلامية وكذلك الحاكمية في الاسلام، وبناء على هذا فان الحديث عن السياسة الخارجية الايرانية وصناعتها يجب ان يبدأ من تلك اللحظة التي تم القبول فيها بولاية الفقيه بوصفها اهم مصادر السياسة الخارجية.
ولا شك ان حدود سلطة الولي الفقيه ونطاقها بالنسبة للسياسة الخارجية الايرانية ينطوي على اهمية كبيرة لان مفهوم السلطة بالنسبة لولاية الفقيه بوصفها القاعدة الفلسفية التي قامت عليها الحكومة الاسلامية اوسع بكثير مما ذكره النص الدستوري حولها.
وقد ذكر الامام الخميني في كتابه "ولاية الفقيه" رؤيته الموضحة لحدود ولاية الفقيه وسلطاتها بقوله "اذا نجح شخص جدير ومتصف بصفتي العلم والقانون وبالعدالة في اقامة الحكومة واصبح له ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من الولاية بشان ادارة المجتمع وجب طاعته على جميع الناس" وبالتالي فان ما ذكره الخميني على ان حدود سلطة الولي الفقيه اوسع مما حدده الدستور له ومن ثم فان تناولنا لها يتم بما اوردناه من نظرية الخميني التي طرحها في حياته حول ولاية الفقيه والتي اعتبر من خلالها ولاية الفقيه ولاية مطلقة تسري على جميع امور المسلمين وهذا يعني ان الولي الفقيه اذا راى يوما انه لا حاجة للدستور او راى ان المصلحة تقتضي حذف أي مبدأ من مبادئه فما ذلك عليه بعسير ومن ثم يمكن ان يسقط الدستور او يحذف هذا المبدأ بمجرد ان يعلن الفقيه ببساطة وهذه هي مقتضيات الولاية والتزاماتها" .
هنا تجدر الاشارة الى مكانة الخميني الخاصة واقراراته ووصاياه بشان السياسة الخارجية ونتساءل هل لهذه الوصايا والاقرارات اهمية بشان اتخاذ القرار السياسي لجمهورية ايران ا لاسلامية خاصة فيما يتعلق بسياستها الخارجية؟ يمكن الاجابة على هذا السؤال من خلال النقاط التالية:
أ-ان المرشد الجديد للثورة الاسلامية الايرانية سبق وان اعلن مرارا ان الخط العام لسياسة جمهورية ايران الاسلامية هو نفسه الخط الذي رسمه لها الخميني.
ب-انه طبقا لمبادئ نظرية ولاية الفقيه يعتبر اتخاذ القرار بشان أي موضوع هو من صميم مهام الولي الفقيه الحاكم وكما هو وارد في الفلسفة العامة لولاية الفقيه. وسيقوم الاخير على مدى الزمان بتحديد مصلحة المسلمين
ج-ان الامام الخميني بما له من مكانة قد ورد ذكره في دستور ايران بوصفه اسما له خصوصية ، وتم ايلاء اهمية له من قبل المشرعين والمخططين.
حدود القيادة ومسؤولياتها في السياسة الخارجية طبقاً للدستور :
حدد المبدا العاشر بعد المائة من الدستور الصلاحيات والمهام الخاصة بالقائد بوصفه أعلى منصب سيادي في البلاد ومع ان هذه الصلاحيات جاءت متعددة الا أن ثلاثاً منها اختصت بالسياسة الخارجية لايران وهي :
1.تحديد السياسات العامة لنظام جمهورية ايران الاسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.
2.الاشراف على حسن سير السياسات العامة للنظام.
3.اصدار القرار باجراء استفتاء عام.
ويستطيع القائد أن يؤثر على مجريات السياسة الخارجية بما له من سلطات ومع مراعاته لامكانيات وصلاحيات مجمع تشخيص مصلحة النظام وآرائه ،ويعد رأي هذا المجمع بالنسبة للقائد "استشاريا" وخاصة أن جميع أعضائه سواء الدائم منهم أو المؤقت معينون من القائد شخصياً.
2.مجلس الخبراء :يعد مجلس الخبراء من المؤسسات الاخرى التي تستطيع ان تؤثر بصورة غير مباشرة على قرار القائد بشأن السياسة الخارجية ومع أن لمجلس الخبراء وظيفة خطيرة تتمثل في تعيين القائد الا انه لا يباشر عملا تشريعيا أو تخطيطياً أو ابتكارياً آخر ؛سوى انه يؤثر على التخطيط الخارجي بطريقة غير مباشرة سواء على توجهاتها أو قراراها من خلال تعيينه للقائد.
وكثيرا ما اتخذت القيادة قرارات بشان السياسة الخارجية الايرانية في حدود سلطاتها وامكانياتها وفي اطار الصلاحيات والحدود القانونية مثلما اتخذ "الخميني" في حياته قرارات أو أمر باتخاذها،كقبوله القرار 598 واصداره حكماً بردة "سلمان رشدي" وقتله وقطع العلاقات مع الولايات المتحدة واحتلال السفارة الامريكية في طهران وما نجم عنه من عواقب وكذلك قطعه لعلاقات بلاده مع مصر.
ونظراً لأن قطع العلاقات مع هذه الدول كان بأمر الخميني ومن ثم فإن تعديل رأي الولي الفقيه يحتاج الى رأي جديد من جانب القائد الجديد.
المبحث الثالث: مجلس الشورى الاسلامي:
مجلس الشورى الاسلامي أو"مجلس النواب" :يشرف عليه القائد بحكم منصبه الا ان مكانة الأمة ونوابها في المجلس مكانة رفيعة وأن سلطة الحكومة نفسها انما هي محصلة لارادة الأمة.
وللوقوف على دور مجلس الشورى الاسلامي في السياسة الخارجية يتعين علينا أن نتناوله في موضوعين :
1.تأثير المجلس على السياسة الخارجية من خلال التقنين والقرارات البرلمانية :فلقد منح مجلس الشورى الاسلامي صلاحية دراسة ومناقشة كافة شؤون البلاد وفحصها وذلك بموجب المبدأ السادس والسبعين من الدستور ولعل مناقشته وتحريه بشأن السياسة الخارجية يعد المصداق الأوضح على هذا وقد نص المبدأ على " لمجلس الشورى الحق في أن يتولى التدقيق والبحث في كافة أمور البلاد".
وهناك المبدأ الثمانون الذي يقول "لايجوز أن تتم العمليات التي تقوم بها الحكومة من اقراض أو اقتراض سواء الداخلية أو الخارجية الا بعد تصديق مجلس الشورى الاسلامي عليها".
2.الاجراءات التنفيذية والمباشرة بشأن السياسة الخارجية الايرانية في صورة قرار حسم وقرار موقف .
اتخذ مجلس الشورى الاسلامي طيلة دوراته التشريعية مجموعة قرارات تنفيذية مباشرة في مواقف خاصة بشأن قضايا تختص بها السياسة الخارجية ومن ابرز هذه القرارات ما اتخذه بشأن مسألة "سلمان رشدي" وقطعه للعلاقات مع بريطانيا بسببها.
وكان مجلس الشورى الاسلامي في مثل هذه الامور يقوم باحاطة وزارة الخارجية بالقرار للتنفيذ واتخاذ اللازم .
ولقد اصبحت هذه البيانات والتصريحات الرسمية الصادرة عن مجلس الشورى الاسلامي هو احد المصادر الرسمية لاتخاذ القرار بشأن سياسة ايران الخارجية .
وتجدر الاشارة هنا الى ان لجنة الشؤون الخارجية بالمجلس تقوم بدراسة السياسة العالمية وعلاقات جمهورية ايران الاسلامية مع الدول والشعوب الاخرى وتباشر الاشراف عليها بصورة مستمرة كما أنها تقوم في الاوقات اللازمة بطرح الاسئلة وطلبات الاحاطة حول أي تحرك حكومي وخصوصا وزارة الخارجية منها وتتلقى توضيحاتها عليها.
وجدير بالذكر هنا أن مجلس صيانة الدستور هو احد المؤسسات التشريعية في ايران يمكن أن يكون له دور مؤثر في السياسة الخارجية الايرانية ويتكون هذا المجلس من فقهاء القانون وعلماء الدين ويقوم بدوره في مطابقة قرارات مجلس الشورى الاسلامي مع الدستور والشريعة الاسلامية واستناداً على هذه القناة أصبح قادراً على الاشراف على السياسة الخارجية والتأثير عليها.
المبحث الرابع:الحكومة أو السلطة التنفيذية
وتتكون من :
رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء.
وقد أعطاهما الدستور بعض الصلاحيات المباشرة في السياسة الخارجية الايرانية ونص عليها البند الخامس والسادس عشر من المبدأ الثالث وينص على :
"حكومة جمهورية ايران الاسلامية مكلفة بطرد الاستعمار ومكافحة النفوذ الاجنبي وتنظيم السياسة الخارجية للبلاد طبقاً للمعايير الاسلامية.
ج.مجلس الامن القومي :تم تأسيسه برئاسة رئيس الجمهورية بهدف تأمين المصالح الوطنية وحراسة الثورة الاسلامية ووحدة أراضي البلاد والسيادة الوطنية ويقوم بالمهام التالية :
*تعيين السياسات الدفاعية الأمنية للبلاد في اطار السياسات العامة التي يحددها القائد.
*التنسق بين الانشطة السياسية والمخابراتية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية ذات العلاقة بالخطط الدفاعية والامنية العامة.
*الاستفادة من الامكانيات المادية والمعنوية للبلاد لمجابهتها التهديدات الداخلية والخارجية.
هذا ويتكون اعضاء المجلس من :
1.رؤساء السلطات الثلاث .
2.رئيس هيئة اركان القيادة العامة للقوات المسلحة.
3.مسؤول شؤون التخطيط والميزانية .
4.مندوبين يعينهما القائد نيابة عنه.
5.وزراء الخارجية والداخلية والمخابرات.
6.الوزير المختص طبقاً لمقتضيات الأمور وأعلى مسؤول في الجيش والحرس الثوري ويقوم المن بتعيين المجالس الفرعية الأخرى .
ويخصص هذا المجلس جانباً من مهامه للسياسة الخارجية بينما الجانب الاعظم مكرس للتعامل مع المسائل الدخلية والأمن الداخلي.
المبحث الخامس :وزارة الخارجية :
يطلق على وزارة الخارجية في الانظمة الحكومية الكلاسيكةفي العام "جهاز الدبلوماسية" والواقع أن الفارق بين عمل وزارة الخارجية وبين كافة مصادر اتخاذ القرار بشأنها هو نفسه الفارق بين الدبلوماسي والسياسي ،فالاول منفذ والآخر مخطط.
فبعد تخطيط وترسيم الاطر العامة بواسطة المصادر الاربعة السابق ذكرها :القائد ،مجلس الشورى،الحكومة أو السلطة التنفيذية يحول الموضوع الى وزارة الخارجية للتنفيذ ولكن ليس بالمقدور أيضاً اعتبار وزارة الخارجية فقد مجرد منفذ لأن هناك بعض الوجوه التخطيطية ضمن فعالياتها والتي بموجبها تتخذ قراراتها بشأن الخارجية الى جانب قيامها بالتنفيذ .
ملاحــق:
أولاً.....الولي الفقيه.. الدور والصلاحيات
يتميز النظام السياسي الإيراني عن سائر النظم السياسية العالمية بميزة دستورية فريدة، وهي وجود مؤسسة اسمها "الولي الفقيه" أو "المرشد الأعلى" تتربع على قمة هرم السلطة ويخولها الدستور الإيراني صلاحيات واسعة.
من هو الولي الفقيه؟
"الولي الفقيه" أو"المرشد الأعلى" لفظان مترادفان مرتبطان بالنظرية السياسية الدينية التي قال بها الإمام الخميني وهي "ولاية الفقيه". وقد نشأت نظرية "ولاية الفقيه" على يد الشيخ أحمد النراقي مؤلف كتاب "عوائد الأيام" في أصول الفقه والمتوفى عام 1829، وطبقها الإمام الخميني لأول مرة عام 1979.
وقد شكلت النظرية تطورا كبيرا في نظام المرجعية الدينية الذي نشأ عند الشيعة الإمامية في عصر غيبة الإمام الثاني عشر وطيلة مقاطعتهم للأنظمة السياسية الإسلامية المختلفة. وتقوم النظرية على النيابة العامة للفقهاء عن المهدي المنتظر الذي –إن عاد حسب الشيعة- سيملأ الأرض عدلا بعدما ملئت جورا. وبموجب ولاية الفقيه صارت المرجعية الدينية مصدر الإفتاء والأحكام وتطورت من مهمة الإرشاد الروحي إلى شكلها المعاصر المتمثل في المرشد الأعلى للثورة الإسلامية الذي يهيمن بسلطاته الجمة على مؤسسات الدولة الإيرانية كلها.
سلطات الولي الفقيه ومؤهلاته
نصت المادة الخامسة من الدستور الإيراني على أن ولاية الأمة في ظل استتار الإمام تؤول إلى أعدل وأعلم وأتقى رجل في الأمة، ليدير شؤون البلاد وفق ما جاء في المادة (107) من الدستور، ونصت المادة نفسها على تساوي المرشد مع عامة الشعب أمام القانون.
ومؤهلات المرشد هي: العلم والعدالة والمروءة والفقه الواسع بظروف العصر والشجاعة والفطنة والذكاء والقدرة على إدارة الأمور.
ويفوض الدستور المرشد الأعلى الاضطلاع بمسؤولية القائد العام للقوات المسلحة وإعلان الحرب وتعيين وعزل الأفراد التاليين:
نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور البالغ عدده 12 عضوا.
رئيس السلطة القضائية
رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون
القائد الأعلى لقوات الحرس الثوري.
القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن.
ورغم هذه الصلاحيات الجمة فإن الإمام الخميني، أول مرشد أعلى في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، لم يكتف بها بل فرض هيمنته على مجلس الشورى وعلى رئاسة الجمهورية، فأقال أبو الحسن بني صدر رئيس الجمهورية الأول عام 1981 عندما تمرد على تعليماته، ووجه رسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس على خامنئي عام 1988 عندما اعترض على بعض ممارساته حين أجاز قانون العمل بعد أن عارضه مجلس المحافظة على الدستور.
واعتبر الخميني في تلك الرسالة ولاية الفقيه كولاية الرسول (ص)، فالولي الفقيه، بالنسبة للخميني، معين من قبل الإمام المهدي الغائب، ولذلك لا يجوز الاعتراض على قراراته بناء على الحديث المنسوب إلى المهدي الذي يقول "إن الراد على الفقهاء كالراد علينا وكالراد على الله".
انتخابه والهيئات التابعة له
يتم انتخاب المرشد الأعلى من طرف مجلس الخبراء (المنتخب من قبل الشعب)، وكان الإمام الخميني أول من أنيطت به ولاية الفقيه إلى أن توفي عام 1989 فتولى المرشد الحالي السيد على خامنئي هذا المنصب. وكان من المفترض أن يكون آية الله العظمى حسين علي منتظري خليفة الخميني، إلا أن انتقاداته للإعدامات التي قامت بها الحكومة الإيرانية 1988 و1989 جعلت الخميني يدفعه إلى الاستقالة في مارس/ آذار 1989.
وينسق "مكتب المرشد الأعلى" نشاط الولي الفقيه وظهوره أمام الناس، وهو مكون من أربعة أعضاء يشترط أن يكون كل منهم "حجة الإسلام" أو "آية الله".
وللمرشد الأعلى أكثر من 2000 ممثل أغلبهم برتبة حجة الإسلام منتشرين في كل الوزارات وفي مؤسسات الدولة وفي المراكز الثقافية داخل إيران وخارجها وفي محافظات إيران الثماني والعشرين. وقد أسس خامنئي عام 1990 المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وكذلك المجمع العالمي لأهل البيت.
عزل المرشد الأعلى ،يمكن لمجلس الخبراء -نظريا- أن يعزل المرشد في حالتين هما:
عجز المرشد عن أداء واجباته الدستورية.
فقدانه صفة من صفات الأهلية التي نصت عليها المادتان (5) و(109) من الدستور، أو إذا تبين أنه لا يملك تلك الصفة من الأساس.
الولي الفقيه وصراع المحافظين والإصلاحيين: منذ فوز الرئيس الإيراني محمد خاتمي بانتخابات رئاسة الجمهورية عام 1997 تغيرت صورة المشهد السياسي، فظهر معسكران محافظ وإصلاحي. ومع تحول المحافظين آلي أقلية من حيث التعاطف الجماهيري فإن المرشد على خامنئي، بصلاحياته الدستورية الواسعة، ظل سندا لهذا المعسكر، ما كرس الأزمة السياسية بين تيار لا شعبية له ويمتلك صنع القرار (المحافظون) وتيار جماهيري يسيطر على البرلمان ولا صلاحيات كبيرة بحوزته (الإصلاحيون). وبعد ذلك أصبحت مسألة الولي الفقيه أهم عنصر في الصراع بين التيارين الإصلاحي والمحافظ.
ومع أن الإصلاحيين يؤمنون بالإطار النظري لدستور الجمهورية الإسلامية، الذي يعتبر أن الالتزام العملي بمقولة ولاية الفقيه، كما وصفها الإمام الخميني هو معيار أي عمل سياسي، فإن قطاعات واسعة من مثقفين وطلاب ونساء محسوبة على الإصلاحيين طالبت بمنح مزيد من الصلاحيات الدستورية لمنصب رئاسة الجمهورية حتى تخف قبضة الولي الفقيه على مقاليد الحكم.
فالإصلاحيون يرون أن سلطات الولي الفقيه تتجاوز كثيرا تلك السلطات التي كان دستور 1906 يمنحها لشاه إيران، وهم في مطالبتهم بإعادة النظر في ولاية الفقيه يسعون –حسب المراقبين- إلى مراجعة أسس الحكومة في إيران، هل تقوم على أساس تفويض من الشعب الإيراني للحكم باسمه أم على تفويض إلهي باسم الإمام الغائب.
ويبدو أن هذا الإشكال سيظل محوريا بالنسبة للنظام السياسي في إيران إلى أن يحدث توازن بين منصب رئيس الحكومة ومنصب الولي الفقيه.
ثانياً .....مجلس صيانة الدستور
مجلس صيانة الدستور أو مجلس الرقابة على القوانين (شوراي ن?هبان) هو أعلى هيئة تحكيم في إيران ويتكون من 12 عضوا، 6 أعضاء فقهاء دينيون يعينهم المرشد الأعلى للثورة، أما الستة الباقون فيكونون من الحقوقيين الوضعيين ويعينهم مجلس الشورى بتوصية من رئيس السلطة القضائية، وتتبع للمجلس لجان مراقبة تشرف على تطبيق وتنفيذ صلاحياته.
مهام المجلس
تناط بأعضاء مجلس صيانة الدستور مهمة مزدوجة هي: مرة عند الترشيح لعضوية المجالس التشريعية,، ومرة عند إصدار المجالس للقوانين واللوائح، فهو يشرف على جميع الاستفتاءات التي تجرى بدولة إيران، سواء تعلقت بالبلديات أم التشريعيات أم الرئاسيات أم اختيار أعضاء مجلس الخبراء، فلمجلس صيانة الدستور تقييم المرشحين وإعلان رأيه بشأن أهليتهم للترشح. ومن معايير المجلس في تقييم المترشح صحة العقيدة الإسلامية والولاء للنظام، وكثيرا ما ألغى المجلس ترشح الشيوعيين والقوميين والأكراد وأعضاء حركة حرية إيران أو كل من لا يؤمن بمبدأ ولاية الفقيه.
ثم إن لمجلس صيانة الدستور أيضا الحق في تفسير الدستور وتحديد مدى توافق القوانين التي يجيزها مجلس الشورى (البرلمان) مع مقتضيات الشريعة الإسلامية، وله حق النقض تجاه تلك القوانين.
رئاسة مجلس صيانة الدستور :
يترأس آية الله أحمد جنتي مجلس صيانة الدستور وهو أحد فقهاء الحوزة العلمية بمدينة قم، وفضلا عن كونه مرجعا تقليديا للشيعة الإمامية فهو أيضا خطيب الجمعة المناوب في طهران. وجنتي وجه من وجوه المحافظين المساندين لخط المرشد الأعلى سيد علي خامنئي من أجل المحافظة علي نقاء واستمرار نظام ولاية الفقيه أمام تيار الإصلاحيين الداعي إلى التخفيف من هيمنة الولي الفقيه المطلقة.
ويرى المراقبون أن أحمد جنتي جعل من مجلس صيانة الدستور قلعة تتحكم في ثغور النظام وتحرسها ورقيبا علي القوانين والقرارات. وقد عرفت فترة رئاسته تأزما شديدا بين مجلس صيانة الدستور والبرلمان.
صراع مجلس صيانة الدستور والبرلمان:كثيرا ما ألغى مجلس صيانة الدستور قرارات مجلس الشورى بحكم صلاحياته مما حد من قدرة البرلمان على إصدار تشريعات حتى مع وجود أغلبية من الإصلاحيين داخل مجلس الشورى نفسه. وقد سبب إشراف مجلس صيانة الدستور على لوائح الترشحيات حدوث أزمة مع البرلمان بداية العام 2004 حين رفض المجلس 3605 مرشحين للانتخابات من أصل 8157، وكان أغلب من رفض من الإصلاحيين وبينهم 80 نائبا تقدموا لتجديد ولايتهم. وكما رفض مجلس صيانة الدستور الكثير من تشريعات البرلمان ومن أهمها قانون زيادة صلاحيات رئيس الجمهورية وتعديل شروط الترشيح والانتخابات، فقد رفض البرلمان بدوره تشريع زيادة ميزانية مجلس صيانة الدستور وتشريع مراكز أبحاث ومكاتب معلومات تابعة للمجلس.
ثالثاً.....محمد خاتمي
من هو محمد خاتمي ؟
حجة الإسلام محمد خاتمي هو الرئيس الخامس للجمهورية الإسلامية الإيراينة، ولد في أدركان عاصمة إقليم يزد الأوسط عام 1943 لأسرة متدينة.
أنهى محمد خاتمي دراسته الابتدائية وفي عام 1961 دخل مدرسة قم الدينية. وحصل على درجة البكالوريوس في الفلسفة من جامعه أصفهان، وبعد تخرجه أكمل المستوى المتقدم في الدراسة الدينية من معهد قم. وفي عام 1970 درس العلوم التربوية في جامعة طهران، ثم عاود دخول معهد قم لدراسة علم الاجتهاد.
شارك خاتمي في نشاطات سياسية ضد الشاه، وفي إعداد ونسخ وتوزيع بيانات سياسية. لا سيما تلك التي تصدر عن مؤسس الجمهورية الإيرانية الإمام الخميني.
بدأ نشاطه السياسي في اتحاد الطلبة المسلمين بجامعة أصفهان، وعمل قريبا من ابن الإمام الخميني الراحل حجة الإسلام أحمد الخميني ومحمد منتظري ونظموا حلقات نقاشية سياسية دينية. وترأس خاتمي مركز هامبورج الإسلامي في ألمانيا قبل انتصار ثورة 1979 الإسلامية.
مثل خاتمي دائرتين انتخابيتين هما مقاطعة أردكان ووميبود في الفترة الأولى للبرلمان عام 1980. وعام 1981 عينه الإمام الخميني مديرا لمؤسسة كيهان (Kayhan). وعام 1982 عين وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي.تولى خاتمي عدة مسؤوليات أثناء الحرب مع العراق، بما فيها نائب ورئيس القيادة المشتركة للقوات المسلحة، ورئيس قيادة الحرب الدعائية.عين مجددا وزيرا للثقافة والتوجيه الإسلامي في عهد الرئيس أكبر هاشمي رفسنجاني عام 1989. وبعد استقالته عام 1992 عين خاتمي مستشارا ثقافيا للرئيس رفسنجاني، ورئيسا للمكتبة الوطنية الإيرانية .
يجيد خاتمي ثلاث لغات غير الفارسية، هي الانجليزية والألمانية والعربية، وله العديد من الكتب المقالات في موضوعات مختلفة. تزوج عام 1974 وله ابنتان وولد.
انتخب خاتمي رئيسا خامسا للجمهورية الإسلامية في مايو/أيار 1997، وذلك بحصوله على أكثر من 20 مليون صوت، وبنسبة 70% من مجموع الأصوات
المصادر والمراجع :
1.ايزدي بيزن ،مدخل الى السياسة الخارجية لجمهورية ايران الاسلامية ،الدار الثقافية للنشر ،عام2000،ص 84 ،ص87،ص92.
2.النبالي عبد الله ،الحياة السياسية في الجمهورية الاسلامية الايرانية ،عام 2003 ،ص 7-ص10.
3.عبد المنعم نيفين ،صنع القرار في ايران ،مركز دراسات الوحدة العربية ،عام 2001، ص66.
4. سالم احمد ،www.aljazeera.net، قسم الدراسات والبحوث.
5.مقابلات شخصية مع بعض الاكاديميين الدارسيين في جمهورية ايران الاس