الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تيسير نظمي كان يتمنى لو أنه إدغار ألن بو أو فرانز كافكا بقلم:عبد الستار ناصر

تاريخ النشر : 2005-04-01
وليمة و حرير و عش عصافير*

عبد الستار ناصر

كل أديب في العالم يتمنى لو أنه كتب عملاً سبقه إليه كاتب آخر، فهذا أناتول فرانس كان يرجو لو أنه ( هو) من كتب رواية ( الدون كيخوته) لثربانتس، و جان بول سارتر كان يتمنى لو أنه كتب إلياذة هوميروس، و حنا مينه كان يعشق ( موبي ديك) و تمنى أن يكون مؤلفها، و نجيب محفوظ في أول حوار معه كان يتمنى لو أنه ( هو) الذي كتب ألف ليلة و ليلة، و هكذا مع أسماء و قامات أدبية معروفة، تراها تحلم لو أنها هي التي أبدعت نصوص قامات عملاقة سبقتها إلى ذاك المنجز العظيم.

و يأخذني الظن إلى أن تيسير نظمي كان يتمنى بدوره لو أنه ( إدغار ألن بو) أو ( فرانز كافكا) حتى يتمكن من الغوص عميقاً في لجة الكوابيس و أن يدخل العالم السفلي للكائنات البشرية المسحوقة و المهمشة و المنسية و التي ترزح تحت ضغوط نفسية و لا صوت لها غير الأنين، و برغم أن عنوان مجموعته القصصية ( وليمة و حرير و عش عصافير) و هو عنوان يوحي بجماليات الدنيا و عصافيرها، إلا أن القصص جميعها تحكي عن أشياء سوداء لا حرير بينها و لا زقزقة عصافير فيها، بل هو عالم يغرق في البؤس و اليأس و اللعنات من الصعب أن تحسم أمرك بين أشواكه و مساميره و صخوره، إذ لا وقت للتأمل أو ركوب طوق النجاة في زحمة القهر الذي يطارد أبطاله في كل جزء من المكان الذي هو فيه. هناك مرارة على طول الخط ، لا مكان للسعادة في عالم تيسير نظمي، العالم مزحوم بالأخطاء و ليس من ثغرة نحو النور، يأس مطبق و خوف عارم مثل أمواج غاضبة تلتهم كل شيء في طريقها، و الإنسان في قصصه مأخوذ و مجذوب و غير مرغوب فيه، و البطل في هذه القصص دون أية بطولة ، ممسوخ ، مرعوب ، مطارد ، يكاد من ثقل همومه أن يسقط أرضاً حتى تكاد( أنت القارئ) أن تسأل نفسك: من أين يأتي هذا الرعب الذي يمسك برقاب شخوصه؟ أين تحيا تلك الكائنات و على أي أمل تعيش؟ يقول خليل السواحري: " عوالم هذه القصص تشبه إلى حد كبير عوالم كافكا ، حيث يتحول المعقول إلى لا معقول و تغدو اللحظة النفسية عبئاً كبيراً على من يعيها."



في قصة " الأسم الأول له.... الاسم الثاني له" بطل الحكاية يبحث عن صديق قديم ، هو البحث عما بقي في الدنيا من ذكريات جميلة، لكن بحثه يطول في الشوارع و يمتد في الأزقة حتى يصل عمارة من أربعة طوابق، اسم صديقه محمود أبو الليل ( صديق الأيام العصيبة) الذي يستجير به و لا يرّد له أيما طلب، أو هكذا كان كما يتذكره الآن، و بعد عناء و استغراب تفتح الباب زوجة صديقه الأثير، لكنها تقول: ( لا نعرف شخصاً بهذا الاسم) و هو على يقين أن هذا البيت هو بيت صاحبه القديم صديق أيامه الصعبة، بل يسمع صوته من وراء الباب و هو يسأل عمن جاء يطرق الباب!

ليس من حنين و لا ذكريات و لا ذاكرة، العالم أصابه عطب في الصميم، علماً أن اختياره اسم بطل القصة ( أبو غضب) جاء طريفاً و على مقاس اللوعة.

في ( أيام المستنقع) يقع الكاتب في مطب القصة- القصيدة، حيث القافية و الوزن أحياناً يطغيان على سياق الموضوع، خذ مثلاً قوله:

- كل ما هو في البلدان من غدر الخلان

و حتى الحوار يقع في المطب نفسه إذا ما سمعنا صوت الضابط على الصفحة 8 و هو يصرخ بالموقوف:

انزع حزامك و اعطني ربطة عنقك و فتش بنفسك هندامك، ودّع أحبابك و كل خلانك، لسانك هو حصانك، و عليك أن تفكر من صانك و من خانك، هيا أمامي، فلا تظن أنني سأمشي طوال الطريق قدّامك.

هذه الطريقة في الكتابة، كما نعلم، فات زمانها، و قد كانت سائدة في الخمسينات و ما قبلها يلتذ كتّابنا بالسجع و الطباق و بقية فنون اللغة و يشعر البعض منهم بالإطراء إذا قيل بأن أسلوبه شاعري، مع أن لغة القصة تختلف تماماً عن لغة الشعر.

لاحظ معي عناوين قصصه، و بعضها أطول مما يجب، فهذه قصة ( النمور في اليوم الـ23 تشرب ماء العدس) و هي تعتمد على قصائد محمود درويش و سميح القاسم و أحمد دحبور، مع أن ( الطبخة تفسد كلما أكثرنا من طباخيها) كما يقول هو نفسه في أول السطور، كما أنه جاء على ذكر أرسطو و زكريا تامر و الأوديسة مع منتخبات من أقوال مأثورة، ثم إشارة صريحة إلى أدونيس في قصيدته ( مفرد بصيغة الجمع) إلى جانب الضجر و اليأس و الإضراب عن الطعام و ( الثورات التي يفكر بها دهاة القوم و ينفذها الشجعان و يستفيد منها الانتهازيون)

و حذار من جوعي و من غضبي كما يكرر محمود درويش طبعاً.

أما في قصة ( آخر النمور) فيستمر مع إحساسه بسقوط الحياة و يرى في الإنسان قوة مسلوبة، مع إحباط بلا حدود، و كل صحراء يمشيها وراءها صحراء خلف صحراء و ما وراء الصحراء سراب من الجهات كلها، لكنه يرجع إلى الشعر و السجع مرة ثانية ليقول على الصفحة 31:

" و كان واحداً وأحد، لم ير في زماننا له أماً و لا ولد، و كان نمراً و كان البلد، أسلمني روحه و أناخ الجسد."

كما يستجير بالقرن التاسع الميلادي فيختار كلاماً قاله علي بن محمد شعراً:

سلام عليك يا خير منزل

خرجنا و خلفناه غير ذميم

فان تكن الأيام أحدثن فرقة

فمن ذا الذي من ريبهن سليم

تشعر أن تيسير نظمي يريد أن يسكب معلوماته و قراءته في كل قصة يكتبها، مع أن القصة القصيرة ( حصرياً ) لا شأن لها بالمعلومات أو قراءات مبدعها، و قد يتحقق ذلك في الرواية نوعاً ما.



في قصة ( البحر لا ينام في غرفته أحياناً ) حديث شّيق عن البحر، فهنا بحر ميت و هناك بحر متمرد و بحر ضائع بين الصخور و بحر هائج، ثم ينتقل من البحر إلى برج ( ايفل) الذي ترى من أعلاه كل شيء إلاّ بلاد ( الجزائر) التي احتلتها فرنسا في زمن غابر، البحر يعوي، البحر ينوح على سمكة مقتولة، و لهذا تراه يجرف و يكنس الجرائد و المجلات و البيانات الحكومية، البحر هنا بطل القصة، و هي قصة تشهق بالجزع و الخراب و الحسرة على حفنة من الخسائر التي تراها البحار و لا يراها البشر، ترى هل أراد أن يقول كلاما كهذا؟ ذلك أن إرادة البحر فوق كل الحيتان و أسماك القرش و الغواصات النووية، و أكبر من تلوث المدن و أوساخ العواصم، لا تعلوه سوى نوارس الحياة السابحة في فضاء الحرية و الباحثة عن الحياة في الحياة ذاتها، صفحة 17.

يقول إن البحر الأبيض هائج، و بحر يافا متمرد، و بحر حيفا ممتد حتى الكرمل، و بحر غزة ضائع في المخيمات ، و بحر القدس يفتش بين الصخور عن بقايا معابد و كهنة تائهين، و للبحر بحر يأويه...و لا يمكن طبعاً ( حبس ) البحر في زنزانة!

و من قصصه المتميزة ( بيت الفراشة) عن بيت يسكنه رجل أعزب تدخله فراشة، البيت محض فوضى عارمة، منافض سجائر مطفأة، كتب غارقة بالغبار، قنينة عطر فارغة من المعنى، قداحة فارغة من الغاز، مروحة معطوبة، موسيقى عالقة مثل العليق، إلى جانب صور معلقة على الجدران لا يراها أحد، و روزمانة لأيام ميتة، و الفراشة لا تعلم أي شيء عن المحاكم و القضاة و فواتير الكهرباء و الماء و التلفون، فكيف و لماذا دخلت بيتاً كهذا و هي التي تبحث عادة عن الضوء و النور و النار و كل ما يلمع تحت عينيها؟

تلك كانت إشارة على نقاء هذا الرجل الوحيد المعزول عن متع الدنيا، فقد رأت الفراشة ما في داخل هذا الإنسان و لم تعبأ بالغبار و الدخان و السواد و بقية الخرائب الصغيرة التي يزدحم بها البيت.

يقول الناشر عن قصص هذه المجموعة: " إنها تضعك في التفاصيل المرّوعة التي نمر بها جميعاً دون أن نلتقطها أو نلتفت إليها، و تلك هي مهمة القاص المبدع الذي تتحول اللحظة على يديه إلى سرد قصصي مدهش، مفعم بالغرابة في سياق لغوي طازج."



تيسير نظمي نشر أول قصة له عام 1972 لكنه على ما يبدو لم يلتفت إلى نفسه و قصصه، و كان عليه أن يكتب أكثر حتى يأخذ حصته و نصيبه من هذا الفن الصعب، لكن كتاباته في السياسة أخذت الكثير من جرف القصة القصيرة، و يكفي أن نذكر بعض أساتذته حتى نعرف على يد من تتلمذ تيسير، فهذا علي الراعي، و طه محمود طه، و سليمان الشطي و غيرهم، مما يشير إلى نوع قراءته و اهتماماته في ظل أسماء معروفة تعّلم منها الكثير، و يضاف إليهم الروائي إسماعيل فهد إسماعيل. كما انه نشر مبكراً في مجلة ( الآداب) البيروتية و ( أفكار) الأردنية، و كذلك في مجلة ( الكرمل) و (كتابات) و ( عمان) وغيرها.

يقول عنه وليد أبو بكر: " إنه أحد الكتاب المهمين على المستوى العربي الذين لم يحظوا بشهرة يستحقونها و ذلك لأسباب سياسية."



قصة ( سيدة الكون) تقترب من الخيال العلمي أو الفانتازيا، حيث يشاهد بطلها العالم كله و هو جالس في غرفته، يرى عن طريق كاميرا تعمل بالطاقة النووية أزقة نيويورك حيث الجياع يقتاتون طعامهم من القمامة، كما يرى ما يحدث في إحدى الشقق أفعالاً مشينة ( غير مسموح بها) بل تصل به الكاميرا النووية إلى داخل السجون و المعتقلات العربية، أما أغرب ما رآه فهو اختفاء كوكب الأرض تماماً ، و لا أحد يدري طبعاً أين كان يجلس بطل القصة و في أية مجرة يعيش، المهم هو أنه لم يقل في نهاية القصة( إنه كان يحلم) كما يفعل بقية القصاصين أمام أمر غريب غير معقول كهذا.

أما القصة التي أخذت عنوان الكتاب، فهي تحكي عن الدود الذي ينتظر جثة البطل حتى تبدأ الوليمة، دود تحت الأرض، و دود فوق الأرض، عن الحياة التي نهايتها الموت حتماً، يعني بذلك أن نهايتها وليمة كبرى للدود و هو يدخل الجلد و المسامات حتى ينتهي كل شيء، و لا ينسى الكاتب هذه المرة أيضاً أن يذكر أرنست همنغواي و ناظم حكمت.

لكنه في قصة ( أصابع منتصف الليل) يكتب لنا قصة فكهة طريفة عن رجل على علاقة بامرأة تتصل به تليفونياً على أنها من شركة التأمين لئلا تشك به زوجته، لكنه بعد إصابته و بتر أصابعه ( في المنجرة ) حيث كان يعمل، ينسى عنوان عشيقته، كما أنه لا يستطيع تدوير قرص الهاتف، و في الوقت نفسه لا يمكنه أن يسأل زوجته عن رقم تليفون شركة التأمين ( المتفق عليه بينه و بين عشيقته) و فوق ذلك كله كان قد تهيأ للذهاب إليها و لم يخطر على باله أنه ( سوف ينسى كل شيء دفعة واحدة) و هي قصة تختلف عن تلك القصص السوداوية التي شملت كتابه القصصي الصغير (74 صفحة فقط).

و تبقى قصة ( شعرها طويل حتى الفجر) و هي انثيالات حارقة عن حب جارف، تقترب فيه القصة من أدب الرسائل ( شعري يهفهف بالكلام) و أحزان كثيفة موجعة و مناجاة ملتهبة( لا تعش أبد الدهر حزيناً مثل عراقي)...

مع كومة إرتعاشات و آهات و نجوى و حب و سلوى و أصابع تلعب في ظلام فارغ، حيث لا أحد هناك في الجانب الثاني، و قد رأيت أن أغلب أبطال تيسير نظمي يدخنون، يبدو من الصعب أن يكتب قصة لا يدخن فيها أبطاله، أنظر ما يقوله على الصفحات 19، 23، 38، 47:

- متحرق لسيجارة.

- بحاجة للتدخين و النقود.

- الركن المسود عند السقف لإفراطه في التدخين.

- منافض لسجائر مطفأة.

- و هو الآن هادئ مسترخ يدخن سيجارته.

لكنه من وراء الدخان الذي أفرط فيه، كتب القصة القصيرة التي يريدها، و نام ملء جفونه عن شواردها، و ربما يسهر بعد ذلك من يسأل عن شروطها و يحتكم إلى معناها كما يقول المتنبي.

* وليمة و حرير و عش عصافير. قصص قصيرة . تيسير نظمي . دار الكرمل للنشر والتوزيع . عمان . الأردن . عام 2004
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف