الأخبار
"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيرانمؤسسة أممية: إسرائيل تواصل فرض قيود غير قانونية على دخول المساعدات الإنسانية لغزةوزير الخارجية السعودي: هناك كيل بمكياليين بمأساة غزةتعرف على أفضل خدمات موقع حلم العربغالانت: إسرائيل ليس أمامها خيار سوى الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوقلماذا أخرت إسرائيل إجراءات العملية العسكرية في رفح؟شاهد: الاحتلال يمنع عودة النازحين إلى شمال غزة ويطلق النار على الآلاف بشارع الرشيدجيش الاحتلال يستدعي لواءين احتياطيين للقتال في غزةالكشف عن تفاصيل رد حماس على المقترح الأخير بشأن وقف إطلاق النار وتبادل الأسرىإيران: إذا واصلت إسرائيل عملياتها فستتلقى ردّاً أقوى بعشرات المرّات
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

تيسير نظمي:قصصي أطول عمراً من عمر الحكومات العربية

تاريخ النشر : 2005-03-26
تيسير نظمي:قصصي أطول عمراً من عمر الحكومات العربية
مخرب إبداعي وسياسي يدعو للتدمير الخلاق للبنية التقليدية

في أول حوار معه بعد " الوليمة" وقبل " الوقائع" تيسير نظمي:

• سأعطي الفرصة للنقاد كي يقعوا في شر أعمالهم إن وجدوا

• لا يوجد نقاد مبدعون ولديهم الشجاعة في الأردن لقول كلمتهم

• النشر في الكويت و الأحكام العرفية في الأردن جعلتا خليل السواحري يراني منقطعاً عن تراثي القصصي .

• قصصي أطول عمراً من عمر الحكومات العربية كلها

• أدفع ثمناً يومياً لما قلته قبل ثلاثين عاماً ولن أتراجع عنه

عمان -دنيا الوطن- فاطمة أحمد

شكلت ثقافته التي تشكلت في الكويت ومكتباتها العامة وجامعتها وصحافتها الحرة عبئاً كبيراً على كاتب يحترم قلمه وماضيه وتجربته لدى عودته للأردن صيف عام 1992 . فقد ظل طوال 12 عاماً من المتعذر عليه الانسجام مع الواقع الجديد كما لم يرض هو نفسه التراجع عن مستوى أدائه سواء في مجالي التعليم أو الصحافة الثقافية أو الترجمة وهي المجالات التي أكسبته الخبرة في العمل بها. لذلك ظل لعقد ونيف منعزلاً ومجهولاً في الأردن إلى أن فاجأ الجميع هنا بمجموعته القصصية التي صدرت عن دار الكرمل للنشر والتوزيع في عمان محدثة ما يشبه الصدمة لدى الأوساط الثقافية الأردنية والفلسطينية على حد سواء وفي طليعة المتفاجئين بإبداعه القصصي المتميز أحد مؤسسي رابطة الكتاب الأردنيين والناشر نفسه الأستاذ خليل السواحري الذي كتب على غلاف مجموعة " وليمة وحرير وعش عصافير" يقول: " الحقيقة أنني كنت أجهل هذه الطاقة القصصية ذات المستوى الرفيع عند تيسير نظمي ، فقد عرفناه منذ أوائل الثمانينيات كاتباً سياسياً وناقداً أكثر منه أديباً مبدعاً " أما الناقد فخري صالح فقد قال عن الكتاب الخامس لنظمي : " أنه أهم كتاب أدبي يصدر في الأردن خلال السنوات العشرة الأخيرة" .

لفتت قصصه القصيرة أنظار النقاد في السبعينيات من القرن الماضي وأثارت أماسيه القصصية الجدل في الصحافة الثقافية ونشر في مختلف المجلات الأدبية المتخصصة مثل الآداب البيروتية و "البيان " الكويتية " و " كتابات " البحرانية و" الطليعة الأدبية " العراقية.ثم جمع بعض قصصه المنشورة في كتابي " البحث عن مساحة" 1979 و" الدهس" 1982 عن دار الطليعة.

واللذان حظيا بإشادة كثير من الكتاب العرب من القاهرة إلى دمشق إلى بغداد والكويت حيث نشأ وتعلم وعمل قبل أن يعود إلى الأردن. إنه تيسير نظمي الذي ستصدر روايته الأولى قريباً بعنوان " وقائع ليلة السحر في وادي رم" بدعم - ربما - من وزارة الثقافة ، وهذا اللقاء معه:

* في شهادة لك نشرتها " الرأي" الأردنية عام 1999 قلت مفسراً اعتزال إصدارك للكتب لسنوات طويلة بعد مجموعة" الدهس " أنك بحاجة لمساحة أكبر من الحريات فهل تغير الوضع مع إصدارك للكتاب الخامس بعد غياب 22 عاماً؟

- بالطبع هنالك متغيرات في حجم الادعاء الرسمي بالإصلاح و حقوق الإنسان و الحريات و الديمقراطية و على الكاتب أن يجيد التعامل مع هذه المتغيرات و" الإدعاءات" ، بل عليه أن يكون جاهزاً للتعامل معها عندما تحدث و يتوقعها. لحسن حظي أنني لم أجد مشكلة في التعامل مع الرقيب الكويتي و لا الرقيب الأردني و الفكرة الشائعة عن " الرقيب" تحتوي على شيء من المغالطة. فالكاتب المحترف، و خاصة في الأدب، عليه ببراعة أن لا يوفر زوائد فاقعة لمقص الرقيب. سوف أمتدح دائرة المطبوعات و النشر الأردنية لأنها أجازت روايتي تحديداً تاركة الأمر بذكاء لرقابة الجهة الداعمة، حيث تحفظت دائرة ثقافة أمانة عمان على بعض السطور و الكلمات لما هو مجاز من دائرة المطبوعات! و قد قام الأستاذ القاص و الناشر خليل السواحري بما أمكنه لتلبية شروط لجنة قراءة النصوص المجحفة لدرجة أنني مقتنع حتى اليوم أن الرقيب الفعلي يداوم في مؤسستها الثقافية و ليس في دائرة المطبوعات والنشر. و إذا تكرر ذلك مع وزارة الثقافة فستكون طامة كبرى أن يوجد لدينا أكثر من رقيب لا يشغل وظيفة رقيب المطبوعات بل منصباً ثقافياً في جميع مؤسساتنا الثقافية المنوط بها الدفاع عن و دعم المثقف و الأديب و ليس مساومته قبل دعم إصداره. المساومة بين موظف و بين مبدع و مثقف حقيقي تنطوي على مفارقة مأساوية. فهل تعلم أن بعض من هم معينون على كادر الدائرة الثقافية لأمانة عمان لم يستوعبوا أن القصص مكتوبة بتقنيات حديثة عالية الجودة و فكرتهم عن القصة القصيرة عفى عليها الزمن منذ أربعين عاماً؟ في كتاب الدعم قالوا" إنها مجموعة نصوص..." في حين كتب خليل السواحري عنها أنها " مجموعة قصصية متميزة لغة و سرداً و أسلوبا جاء مدهشاً.."

* لكن خليل السواحري أيضاً ربما كان مجحفاً بحق كاتب ماركسي عندما قال عن القصص أنها:" تشبه إلى حد كبير عوالم كافكا". ألا ترى أن السواحري يتهمك بالوجودية؟

- حالياً لم تعد الوجودية في عصر العولمة تهمة لمن يتفهمون هذه الفلسفة في الأدب، حقيقة أنه من الممكن العثور على ماركسي في السياسة و الاقتصاد و وجودي في الوقت نفسه في الفن. بل ربما كان هذا أفضل من أن يتحول الفن إلى منبر دعائي للحزب أو الأيدولوجيا، أذكر سطوراً مما كتبه الدكتور محمد عبد القادر عن كتابي الأول" البحث عن مساحة" فقد كتب في " الوطن" الكويتية و " كتابات" البحرانية أن على السياسي أن يستخلص الدروس الأيدلوجية و الفكرية التي يقدمها له الأدب الواقعي، و لست أخفي هنا إشارة عبد القادر الذكية لما كتبه الأستاذ محمود الريماوي في " الوطن" في مجال انتقاده لي على موقفي من " البرجوازية الوطنية" آنذاك الذي تطرحه قصص " البحث عن مساحة" و قد جاء رد عبد القادر عليه ليقف الموقف العلمي الماركسي و الثوري من " البرجوازية " الذي هو موقف كاتب تلك القصص.

* و هل تغير موقفك ما بين عقد السبعينيات و العقد الأول من القرن الواحد و العشرين من هذه الطبقة كما تطرحه قصصك؟

- ليس كثيراً، لأن الطبقة هي التي تغيرت أو تحولت. الجالية الأردنية أو الفلسطينية في الكويت كانت لها ملامح طبقية محددة و مواصفات بعضها ازداد شراسة في الدفاع عن مكتسبات الماضي " أيام المستنقع" مثلاً، و البعض الآخر قاوم لفترة محدودة أو انخرط في تشكيلات البرجوازية الوطنية الأردنية و البعض تموضع في تحالفات وقتية مع البيروقراط الأردني مثل المعلمين و صغار الموظفين، لذلك لم يكن من السهل عليّ أن اكتب بنشاط في الأردن قبل معاينة و مراقبة التحولات الجديدة لواقع جديد، فمن كانت سمكة في الكويت اضطرتها الظروف الجديدة أن تصبح تمساحاً، و من كان حراً طليقاً يعمل بوظيفة محددة و مجزية، أصبح عاطلاً عن العمل أو معتقلاً في مراكز الإصلاح و التأهيل، كثير من الأسر تحطمت مع نضوب و انهيار الطبقة الوسطي و هذا ما يدفع الأخ خليل السواحري لأن يتذكر عوالم كافكا عندما يقرأ بعض قصصي. إذا كان الأمر كذلك فلا يضيرني كمبدع وجود شبه ما لكنني لم أقرأ شيئاً من قبل لكافكا و على النقد الأدبي أن يفسر الأسباب المقنعة لوجود تناص ما، بين رؤيتي للواقع و بين رؤية كافكا. لكن هذا النقد الأدبي لا وجود له في الأردن لعدم وجود نقاد مؤهلين و مبدعين على مستوى الإبداع و التأهيل المطروح في قصصي.

* كلمة القاص و الناقد خليل السواحري على غلاف مجموعتك الخامسة و سمت قصصك بالكافكوية، هل صحيح أن عوالم قصصك " تشبه إلى حد كبير عوالم كافكا"؟وما هو السبب وراء اعتقاد السواحري بذلك؟

- أكنّ احتراماً كبيراً للقاص خليل السواحري، صاحب مجموعة " مقهى الباشورة" الذي أعربت عن إعجابي بتوجهاته الواقعية النقدية منذ أواخر السبعينيات، لكن لا بد من توضيح أن السواحري لم يقرأ لي من قبل قصصاً كما فعل العديد من الكتاب و المناضلين و المثقفين العرب أمثال : غالب هلسة، و خالد أبو خالد في دمشق و إسماعيل فهد إسماعيل الذي كتب عني كلاماً طيباً في كتابه عن القصة في الكويت و ليلى العثمان و وليد أبو بكر الذي كتب عن قصصي مشيداً بموقعها المتقدم على خارطة القصة العربية و محمود الريماوي الذي أشاد بالآفاق الجديدة التي طرقتها لأول مرة في القصة الفلسطينية في الكويت و السيد حافظ و أحمد فؤاد نجم و محمد عبد القادر و محمد الأسعد و المرحوم عبدالله الشيتي و سهيل الخالدي و المخرج المسرحي مراد منير وأحمد مطر قبل أكثر من عشرين عاماً، و آخرون. بمعنى ،أن صدور مجموعاتي القصصية الأربع الأولى في الكويت عن مطابع دار الطليعة، دون أن أمتثل لدعم أي نظام سياسي عربي آنذاك ( و قد كان متوفراً و جاهزاً للإحتواء ثلاثة أنظمة على الأقل آنذاك) و في ظل الأحكام العرفية التي كانت سائدة في الأردن أيامذاك، لم يتمكن خليل السواحري من معرفتي أو قراءة إنتاجي . و هو يقر بذلك بكل تواضع، و لذلك لم يجد جاهزاً في الذهن عندما قرأ المجموعة الخامسة غير كافكا دون أن يلاحظ التحول و التطور و النضج في قصص المجموعة الخامسة الذي يميزها عن قصصي في السبعينيات و أوائل الثمانينيات. أي أن السواحري نظر إليّ بصفتي منقطعاً عن تراثي الشخصي.

الأمر الذي استوجب التوضيح هنا لأن كلمة الناشر في أقل من صفحة لا يمكن أن تدعي الدراسة التفصيلية المسهبة التي تتوقف عند البدايات و تفحص مسار الكاتب خلال أكثر من ثلاثين سنة.

* هل هذا يعني أنك تعترض على تصنيف عالمك ضمن عوالم كافكا؟

- ليس اعتراضاً تماماً، فالسواحري يستطيع ببساطة الدفاع عن رؤيته و ذائقته، ثم أنني لا أعرف الكثير عن كافكا و لم أقرأ له لسبب بسيط هو أنني ماركسي الرؤية في تأمل الواقع و غرامشي النزعة منذ ثلاثين عاماً و نيف و قارئ جيد لأرنست فيشر و جورج لوكاتش وأعرف كيف ينظران للأدب و الفن في حين أن كافكا و جان بول سارتر وكولن ويلسون من الوجوديين، لكن دعيني أوضح لك الإلتباس القائم بشكل مبسط. ففي عقديّ السبعينيات و الثمانينيات و قبل انهيار الإتحاد السوفياتي و تراجعات حركات التحرر العربية كانت الأيدولوجيا واضحة للعيان في قصصي المجموعة في كتب . و اليوم مجموعتي الخامسة أخفت بحنكة و وعي فني أية شبهة أيدولوجية لكن الأيدولوجيا ذاتها كامنة وراء، هناك، في ما لا يبصره القارئ العادي. استخدمت التكثيف من هول التحولات و الإنكسارات و الهزائم. عدت فعلاً إلى القصص الأولى التي ظلمتها أنا بنفسي مثل" غيوم في السماء" و " أم طافش تزور المدينة و العجوز يروي أشياء عجيبة" و عشرات القصص التي لم أستطع في تلك المرحلة أن أظهر بها في كتاب مطبوع. لكنها نشرت مع ذلك في الصحف و المجلات. عدت لأتحصن في الفن و ليس لتكرار ما سبق و أن قلته و ما زلت حتى اليوم أدفع له ثمناً غالياً و يومياً. عدت لأقول أن السياسة و السياسيون أرهبوني و أرهبوا قصصي رغم ما قلته فيها و اليوم عدت للتأكيد على أن هؤلاء الأدعياء تساقطوا و تراجعوا و تحولوا و بقيت قصصي شامخة للنقاد فهي أطول عمراً منهم و مني و من عمر أية حكومة أردنية أو غير أردنية. الفن الحقيقي باق و سيعمر طويلاً لأن رؤية علمية و كونية و أممية تقف هناك، وراءه.، و هي القلعة التي ستظل صامدة للإنسانية جمعاء . لذلك ليس غريباً إن وجد فيها السواحري امتداداً لكافكا كما هو ليس مستهجناً أن يجد فيها ناقد آخر امتداداً لماركيز أو جويس أو تشيكوف. و أقول لك بصراحة لو لدي الوقت و المزاج و الترف و بحبوحة العيش البسيطة لقرأت شيئاً لكافكا كي أكون منصفاً لأستاذي خليل السواحري الذي تعلمت منه الجرأة في مجموعته " مقهى الباشورة" مثلما تعلمتها من المعلم الكبير أميل حبيبي في " الوقائع الغريبة في اختفاء سعيد أبي النحس المتشائل" و من " حال الدنيا" لتوفيق زياد، و هذا ما لاحظه الناقد سليمان الشيخ عندما كتب عن المجموعة الرابعة" الدهس" التي صدرت عام 1982 عن دار المشرق والمغرب العربي، و هي دار نشر ليس لها وجود الآن فقد ولدت بكتابي ذاك و ماتت و أغلقت مع التعتيم و النبذ الذي مورس ضد تلك المجموعة من القصص، و التمثيلية التلفزيونية من حلقتين التي أخرجها السيد حافظ عن واحدة من قصصي ساهمت أيضاً في تشويه صورتي و رؤيتي و فكرة القصة نتيجة مقصات الرقيب التي لم تبق من السيناريو و لم تذر بالرغم من النوايا الطيبة للسيد حافظ الذي كان أشد إعجاباً بقصصي من الشاعر أحمد مطر حيث وجد الأخير في أسلوبي ما يذكره بأسلوب جون شتاينبيك. و هذا ما كتبه بنفسه ذات مرة في جريدة القبس و لم أعترض عليه أيضاً فتلك وجهة نظره رغم أن مواقف جون شتاينبيك من الحرب الفيتنامية كانت مخجلة و لم يسعدني أن يجد أحمد مطر وجهاً للتشابه في أسلوبي مع أسلوب مؤلف " عناقيد الغضب" لكنني حقاً قرأت معظم رواياته و أظنني معجب حتى اليوم بروايته" اللؤلؤة" و "رجال و فئران" فهو أي شتاينبيك فنان كبير و لكنه شأنه شأن ت. أس إليوت، مواقفهم السياسية و الفكرية لا تروقني كصاحب قضية و ملتزم رغماً عن أحلامي الشخصية بحدود تجربتي و هموم واقعي.

* هل تعتقد بعدم وجود نقاد مختصين في الأردن؟

- ليس بهذه الصيغة المجحفة، و إنما من السهل وجود عشرات النقاد للأعمال الفنية الرديئة أو ذات المستوى المتوسط لكن وجود ناقد واحد للأعمال، خذي المسرحية منها مثالاً، الممتازة أمر يتطلب ليس وجود هذا الناقد و حسب بل و توفر الشجاعة فيه كي يدافع عن الجمال كقيمة اجتماعية و وطنية و أيديولوجية. و هذا غير متوفر في الأردن على مستوى المسرح مثلاً. في الذهن أسماء أكاديمية لن تغامر براتبها الذي يتجاوز الألف دينار شهرياً من أجل الدفاع عن كاتب أو مسرحي أو فرقة أو كتاب ممنوع تداوله في الأردن. أقول هذا و لدي لائحة طويلة من بينات الإثبات ففي المهرجان المسرحي قبل الماضي كانت مسرحية عبد الواحد عوزري وثريا جبران " أربع ساعات في شاتيلا" من أفضل ما قدم على خشبة المسرح الأردني، و غادر فريق العمل فورإنتهاء العرض الذي لم يفز بالجائزة و لا حتى بجائزة أفضل نص مسرحي، في المهرجان الذي تلاه غيروا بعض أسماء لجنة التحكيم ثم جرت محاولة تزوير نتائج لجنة التحكيم أثناء وجود الفنان أسعد فضة على منبر إعلان النتائج فأين الناقد الأردني المختص و الشجاع من هكذا فضيحة و إسفاف بل و مساس بسمعة البلد الثقافية و الأكاديمية؟قد نفلح في تربية كلاب نقدية لأية سلطة و قد يصاب بعضها بالسعار لكننا في الوقت نفسه لن نفلح في رفع سوية الذائقة بدون وجود من يغامر بشجاعة و قد يدفع في البداية ثمناً لذلك لكنه سوف يلقن الآخرين المترددين درسا؟ً و يكسب دور الريادة.

* هل تعتبر نفسك ذلك الناقد؟

- أرجو أن تسألي غالبية المثقفين العرب المشاركين في مهرجاناتنا منذ أكثر من سبع سنوات و لن أحدد لك أسماء هؤلاء فأنت تعرفين جلهم و كذلك رأي الجمهور المسرحي. ألم ألخص تجربة أحد " الشعراء" بكلمتين فقط ذات مرة؟ ألم أدفع و لا أزال الثمن باهظاّ لقاء عدم تراجعي عما ورد في كتبي السابقة رغم كل التعتيم و الاضطهاد الذي مارسه النقاد الأردنيون؟ هل أنا من منعت أي منهم من العمل في الكويت و صحافتها و جامعتها حتى يتم عقابي سياسياً بصفتي مثقف نفطي! و ماذا لدي اليوم من كل نفط الخليج غير أسرة محطمة و ابنتي الكبرى إلزا التي دفعت الثمن باهظاً؟

* هل خذلك الأصدقاء القدامى؟

- بكل تأكيد و أكثر من ذلك. أحدهم تآمر أيضاً ظاناً أنني مشطوب إلى أبد الآبدين.

* هل ترغب بالحديث عن قصص مجموعتك الأخيرة؟

- للقارئ العادي نعم، لكن دعي الفرصة سانحة للنقاد أو بعضهم للوقوع في شر أعمالهم أو التمترس خلف تجاهلهم و صمتهم. إننا لو تحدثنا لأرحنا كثيراً منهم مثلما نفعل الآن. و ليس مطلوباً من الكاتب أن يكون مفسراً و قارئاً أيضاً لأعماله بالنيابة عن الناقد إلا إذا كان كاتباً يشك في قدراته و أدوات فنه. لذلك فإن المجموعة الصادرة تتحدث عن نفسها بنفسها إن وصلت للقارئ

* هل تستطيع اليوم أن تحدد أكثر الآداب و الأسماء العالمية تأثيراً في تجربتك؟

بكل تأكيد ، لا ، فلو كانت ثقافتي محدودة في إطار الأدب العربي لقلت لك نجيب محفوظ و يوسف إدريس و لو كانت في إطار الأدب التركي لقلت لك ناظم حكمت و عزيز نيسن و لو كانت في حدود الأدب الأمريكي لقلت لك مارك توين و جون شتاينبيك و همنجوي و هنري ميلر و لو كانت في حدود الأدب الأسباني لقلت لك سيرفانتيز و لو كانت في حدود الأدب الفلسطيني لقلت لك فواز تركي و محمود درويش و غسان كنفاني و سميرة عزام وتوفيق زياد وأميل حبيبي و خليل السواحري و لو كانت في حدود أمريكا اللاتينية لقلت لك ماركيز وجورج أمادو و لو كانت في حدود الأدب الإنجليزي لقلت لك تشارلز ديكنز وت. أس. إليوت و الأيرلندي جيمس جويس لكنني أجد نفسي في هؤلاء جميعاً مضافاً لهم مارسيل بروست و أراغون و فيكتور هيجو و موليير من فرنسا و فوكنر في أمريكا و أجدني أيضاً لا أشبه أحداً منهم في نفس الوقت وإنما أشبه نفسي فقط.

* من النقد إلى الإبداع كيف تتولد السخرية؟

- لو لم تكن القراءة تتبنى الموقفين، الفلسفي و الجمالي، لما كان هنالك معاينة و فحص و عملية تأمل و تقييم عميقة و بالتالي لما كان هنالك نقد. بعض الأعمال ضحلة لا تتناسب مع استعدادات الناقد للغوص و تجهيزاته الثقافية من أوكسجين وزعانف و خبرات جمالية. مثل هذه الأعمال الهشة ليس لها بنية ذاتية دفاعية ، بالتعبير الدارج يقال عنها " صف كلام" و مهما سرت بها لن تغطي ساقيك و ليس بها عمق ركبتيك و هذا ما قصدته ب" ضحلة" بحيث لا تغريك و تمتعك بعملية تفكيكها و إعادة بنائها. لا أنكر أن الناقد المبدع لديه طاقة تدميرية خلاقة. بمعنى أنه إذا دخل لعمل متوسط تتفكك بين ناظريه المكونات الهشة و الأنسجة الميتة فيتخلص منها في محاولة إعادة تركيب العمل الفني وفق أسس إفتراضية جمالية و فلسفية معتمداً على ما هو متين في العمل و جيد. أما الأعمال الممتازة، و دعيني أضرب مثالاً هنا على قصة " أجمل الرجال الغرقى" لماركيز فإنها تستعصي على التفكيك و الزيادة أو النقصان .لأنك كلما حاولت نسفها أو تفكيكها أو اختراقها فإن تماسكها الداخلي المطاطي لن يستجيب نتيجة لتعدد التأويل و ممكناته المتعددة كما يستجيب المطاط لأكثر من تشكيل. أنسجة دقيقة مشغولة بعناية و خبرات فائقة و متماسكة مع الأنسجة الأخرى و كل شيء موظف توظيفه المناسب بحيث يوصلك إلى البنية الكلية و" الوحدة الموضوعية" بتعبيرات النقد التقليدي.

* أين السخرية في كل ذلك؟

- السخرية تنبثق من المفارقة الصارخة كأن يقول الغواص عندما تقدمين له كوباً من الماء على أنه البحر: ابتعدوا قليلاً فسوف أقفز للغوص في هذا الكوب الذي ترون. السخرية تأتي لوحدها نتيجة منطقية للمعاينة والفحص الدقيقين للموضوع.

* و في الإبداع ؟

- المبدع هو الذي يجهز البحر و يسيطر بمهارته على حركتي المد و الجزر و يريك كم هي الأعماق حافلة بالكائنات الجميلة. فحتى الحيتان و أسماك القرش يوظفها و يسيطر عليها جمالياً بحيث لا يرتكب خطأ في عملية الخلق يكون موضوعاً للنقد السلبي من نقاد آخرين. المبدع يذهل الناقد و الناقد المبدع يذهل المبدع و يدهشه في عملية الفهم والتحليل لما يقوم به، الناقد يكشف أسرار الخلق مثلما يكتشف الطبيب أسرار المرض ويعالجه و مثلما يبتكر طبيب الجراحة التجميلية النسب و الألوان و العلاقات. المهارات متكافئة بين الإثنين، المبدع و الناقد ، في أية عملية تفسير سوية. فالسخرية لدى المبدع تنبثق من كشفه لسوء التناسب في العلاقات في الواقع نفسه. فعندما انبرى دون كيخوته لمبارزة طواحين الهواء و الإنقضاض على الأغنام باعتبارها العدو سطعت المفارقة. و ظهرت السخرية.

* ماذا عن السخرية السوداء؟

- تحتاج لألم و حزن بالغين، كأن تكوني في أبعد نقطة في قاع المحيط عن الشمس، و تتوقعين جفاف حبال الغسيل في يوم ماطر.

* هل لنا بمثال تطبيقي من قصصك الأخيرة؟

- ربما كانت" النمور في اليوم الثالث و العشرين تشرب ماء العدس " أبرز قصص مجموعتي الأخيرة قدرة على التدمير الإبداعي و النقدي معاً. فقد تعمدت تحطيم البنى التقليدية للقصة فيها و إعادة توزيع قصيدة " الممثل" ذات البناء الشعري التقليدي لسميح القاسم بعد تحطيم شكلها العمودي. و كل ذلك ينبع من مرارة و مفارقات " الإضراب عن الطعام" الذي خاضه نحو 14 كاتباً أردنياً في آب 1999 من أجل أن تقوم الحكومة و القطاع الخاص بواجبهما تجاههم بتوفير فرص عمل كريمة. المفارقة في الواقع إنتقلت إلى مفارقة في الفن، فالنمور لدى زكريا تامر في قصة " النمور في اليوم العاشر" تم تدجينها، و صار القفص مدينة و صار النمر مواطناً صالحاً. في حالتي لم يستطع أحد أن يدجن نموريتي و لكنني في النهاية عندما حصد من حصد من وراء الإضراب نحو85 الف دينار مقابل توقيف الإضراب أو تعليقه، لم أجد ما أفك إضرابي عليه سوى ماء العدس. و لك أن تتصوري نمراً يأكل ماء العدس!

فالقصة شكلاً و موضوعاً عملية تدمير خلاق.

تدمير الأشكال و البنى التقليدية، و إعادة توليد بنى جديدة، تماماً كأنما أسهمت في إزاحة الهيئة الإدارية القديمة للرابطة التي انتقد فيها رئيسها الشاعر سميح القاسم على مقالة، و حاول التخلص من أحد المضربين عن الطعام بحجة أنه غير عضو في الرابطة أو بحجة إقليمية بائسة تخفي ما تخفي وراءها بأن العملية شخصية و الصراع قائم بين من هو كاتب قصة فعلاً و بين من هو مجرد كاتب عمود يومي في الصحف. و إن اتخذ الصراع شكلاً سياسياً بائساً أو إقليمياً أكثر بؤساً.القصة تجاوزت هذه التفاصيل و قدمت رحيقها أو خلاصتها و لذلك انتهى الإضراب حقاً و لكن القصة لم تنته..

* هل من مثال آخر لعملية التدمير الخلاق؟

- قبل الذهاب بعيداً، أرجو أن أحدد بأن المصطلح مجاله الفن و ليس العلوم الإجتماعية، بمعنى أن الإعاقة في المجتمع تخلق حافزاً إنسانياً لعلاجها و موضوعاً للتعاطف مع المصابين بها و لكن في الفن لا يسمح بانتاج أعمال معاقة لأن الإنسان نفسه هو خالق للعمل الفني و ليس مسموحاً له إنتاج أعمال مشوهة. في هذه الحالة أجيز لنفسي، بل من صميم واجبي، أن أمارس عملية الهدم و التدمير الخلاق لأعمال معاقة قبل تعميمها و ترويجها لأن التهاون في ذلك يوجد مجالاً لإفساد الذائقة الجمالية و المثال و القيم التي هلكت جموع بشرية من أجل إنتاجها و تحسين ظروف إنتاج ما هو أفضل منها . من هنا أعود لذات المثال السابق، فحين أسرد قصة ما جرى في الإضراب سرداً تقليدياً فإنني أعمم ثقافة و قيم من تآمروا على الإضراب و حولوه إما لمكاسب سياسية بائسة أو لمكاسب شخصية بائدة أو لكوبون نفطي . من واجبي إذن أن أدمر البنية التقليدية للقصة ذاتها و لقصيدة سميح القاسم نفسه التي ينتمي شكلها لنفس الثقافة التي تدين القاسم سياسياً و لكنها لا تدينه فنياً و حضارياً. عملية التدمير للشكلين القصصي و الشعري تمت لجعل القصة تقوم بالوظيفة الشعرية و لجعل القصيدة ، بتفكيك بنيتها إلى عبارات، تقوم بالوظيفة السردية القصصية و النتيجة تلاحم شكلي و عضوي بين القصة و القصيدة في شكل احتجاجي متمرد ، أضرب ليس عن الأكل و حسب بل و عن التعاطي مع ثقافة هؤلاء جميعاً التي تريد للإنسان أن يموت جوعاً ليموت البعض من التخمة و الرداءة و التخلف . ها أنا لم أمت بعد لا بالشكل الواقعي و لا بالشكل الفني. لكنني تعاملت فعلاً مع جثث سياسية و فنية و انتصرت للأجمل، أي لأن يأكل النمر ماء العدس دون أن يتخلى عن صفاته مقابل قطعة لحم، فما بالك إن كانت قطعة اللحم تلك مسلوبة من قوت فقراء العراق و فلسطين و الأردن؟

* بإيجاز شديد نعرف أنك تجيده نريد تعليقاتك على الأسماء التالية:

* محمود الريماوي

- كاتب تقليدي تنقصه شجاعة الفنان و مغامرة المبدع و ناقد رصين، يطمح لأن يكون كاتباً سياسياً لكن الواقع يخونه دائماً.

* محمود درويش

- أفضل قارئ يستفيد جداً ممن لا يذكر أسماءهم من الكتاب العظام.

* سميح القاسم

- طيب إلى حد الغفلة لكنه لا يعرف ذلك عن نفسه حتى الآن

* محمود شقير

- مستقبله هو ماضي رسمي أبو علي

* رسمي أبو علي

- صعلوك كاهن بعد الستين و حريص على دخل ثابت.

* تيسيرنظمي

- زوج سابق لا يقدر العواقب و أبو غضب أفضل منه.

* محمد الأسعد

- باحث ممتاز و يعتقد أنه وجد مساحة في الرواية لأن هاجسه محمود درويش الذي يفوقه دهاءً

* غسان كنفاني

- اكبر مناضل فلسطيني في القرن العشرين يكون شعبه المسئول عن تبديد طاقاته و هدر دمه قبل أن يبلغ السابعة و الثلاثين

* ناجي العلي

- أفضل من كان يمكنه أن يصفني و يسخر أو يقرأ قصصي بالكاريكاتير

* رشاد أبو شاور

- أخشى ما أخشاه أن يفوز بانتخابات الرئاسة

* أمجد ناصر

- صحفي نسي أن يكون الشاعر

* جان دمو

- شاعر نسي أن يعيش

* سميحة خريس

- كم نحن بحاجة إلى إمكانياتها في وزارة التربية و التعليم

* غالب هلسة

- عاش حياته بشجاعة كما يشتهي أن يكون

* جون شتاينبيك

- أفضل فنان روائي رعديد في العالم

* آرثر رامبو

- أنبل شعراء العالم على الإطلاق

* لويس أراغون

- أفضل عاشق عربي أول من خذله العرب

* جان جينيه

- معجزة فرنسا التي لن تتكرر

* خوسيفا بارا راموس

- أفضل صديقة رأيتها و قرأت لها دون أن نجيد لغة مشتركة غير الشعر

* فخري صالح

- ليس قبل أن يكتب عن مجموعتي، و الأرجح أنه لن يكتب.

* إلزا تروليه

- للشعب الروسي أن يفخر بها مدى الحياة

* إلزا نظمي

- أغلى ما لا أملك، و أفضل من يضحي بصمت.
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف