الأخبار
ترامب: إسرائيل وافقت على هدنة لمدة 60 يوماً بغزة والاقتراح بانتظار موافقة حماسليلة دامية بغزة.. مجازر متواصلة وقصف مدفعي يُعيد مشاهد الأيام الأولى للعدوان"التربية" توضح طبيعة أسئلة امتحان الثانوية العامة لطلبة غزةسلطة النقد تصدر تعليمات للمصارف برفع نسبة الإيداعات الإلكترونية لمحطات الوقود إلى 50%يوم دامٍ في غزة: أكثر من 100 شهيد وعشرات الجرحى والمفقودينإعلام إسرائيلي: نتنياهو يبحث "صيغاً مخففة" لإنهاء الحرب على غزةجيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ أُطلق من اليمنأول اتصال هاتفي بين بوتين وماكرون منذ ثلاث سنواتبالأسماء.. الاحتلال يفرج عن 14 أسيرًا من قطاع غزةتوجيه تهم القتل والشروع به لـ 25 متهماً في قضية الكحول بالأردنالسعودية تسجل أعلى درجة حرارة في العالم خلال الـ24 ساعة الماضيةمصر: أمطار غزيرة تفاجئ القاهرة والجيزة رغم ارتفاع درجات الحرارةمسؤولون إسرائيليون: تقدم في محادثات صفقة المحتجزين.. والفجوات لا تزال قائمة(كان): قطر تسلّم إسرائيل مقترحًا جديدًا لوقف لإطلاق النار في غزةترامب: سأكون حازمًا مع نتنياهو بشأن إنهاء حرب غزة وأتوقع هدنة خلال أسبوع
2025/7/2
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حين يستقيظ الضمير الإنساني بقلم: د.نوال السعداوي

تاريخ النشر : 2005-02-20
اليوم الجمعة 7 شباط (فبراير) 2005 ينطلق صوت من هنا، من الولايات المتحدة، صوت من الشعب الأميركي، يوجه صفعة قوية لجورج بوش، يكشف عن أكذوبته الكبرى، يفضح الانتصارات المزيفة التي يتفاخر بها في العراق.

اسمه كيفين بندارمان وهو رجل أميركي خدعته الأناشيد الوطنية في الإذاعات وخطب الرؤساء، انضم الى صفوف الجيش، حارب في العراق ثم عاد الى أميركا وأعلن أنه لن يعود الى الجيش، ولن يعود إلى الحرب، بعد ما شهده في العراق. عمره أربعون عاماً. يقف الآن في المحكمة العسكرية متهماً بالخيانة الوطنية. يسألونه: لماذا لا تعود إلى مكانك في الجيش في العراق، فيرد عليهم من دون أن يطرف له جفن: لن أعود، ولو حكمتم عليّ بالموت أو السجن المؤبد. ويسألونه: ماذا حدث لك؟ ويقول لهم: ما رأيته في العراق من وحشية وظلم أيقظ ضميري، لا أحد يمنعني من العودة إلى الجيش إلا ضميري.

وكتب بندارمان دفاعه عن نفسه، في سبع صفحات، قدمها للمحكمة، قال فيها: «الحرب أكبر قرار خاطىء، أكبر خطأ نقترفه، وقد أصبح ضميري والتزامي الأخلاقي للإنسانية يمنعاني من أن أكون جزءاً من هذا الخطأ الكبير، أو جزءاً من هذه الجريمة البشعة»!

عاش بندارمان ستة شهور في العراق، خلال العام 2003، شهد من المذابح البشرية ما اهتز له ضميره الإنساني. شهد أطفالاً يحرقون ويذبحون. رأى طفلة عراقية صغيرة واقفة في الشارع وهو يمر بسرعة داخل سيارة جيش، كانت واقفة بجسدها المحترق المسود بنار الحريق، تستنجد من دون أن ينقذها أحد، حتى هو كان داخل سيارة الجيش التي مرت بسرعة البرق، ورأى أطفالاً ينبشون في القمامة ويأكلون الكلاب المحروقة، ورأى كلاباً مشردة في الشوارع تلتهم لحم أطفال حرقوا أو ذبحوا. ورأى الجنود الأميركيين ينظرون الى الحرب كأنها لعبة على شريط فيديو، يصطادون العراقيين بالرصاص كأنهم قطعان من الماشية، ويعتبرون الاحتلال العسكري لهم أمراً عادياً.

قال بندارمان للمحكمة: «توسلت الى سائق السيارة الحربية أن يقف لنسعف الطفلة العراقية المحروقة الواقفة في الشارع، إلا أنه رفض، وقال إن الأدوية معنا لا تكفي إلا الجرحى من جنودنا». لكني نظرت في عيني الطفلة المحروقة، وفي عينيها رأيت الحقيقة التي كنت أجهلها: أن الحرب جريمة بشعة، وأنني لن أشارك فيها. بندارمان ليس الوحيد الذي كتب مثل هذه الكلمات، ليس الوحيد بين الجنود الأميركيين الذي استيقظ ضميره ورفض الحرب والقتل. هناك آخرون مثله، لم يكشف أحد عن عددهم في حرب العراق الأخيرة، لكن تم الكشف عن أعدادهم في حرب فيتنام، التي مضى عليها أكثر من أربعين عاماً. في تقرير أخير بلغ عددهم 189 ألف جندي أميركي استيقظ ضميره في فيتنام ورفضوا الحرب.

بحسب ما خرج من البنتاغون من تقارير عن حرب أفغانستان والعراق، فإن أعداد الجنود الأميركيين الذين يرفضون الحرب يتزايد على الدوام، بسبب يقظة ضميرهم. زاد عددهم من 23 جندياً عام 2002 إلى 60 جندياً عام 2003، الى 67 جندياً عام 2004، بحسب تقارير البنتاغون (وهي دائماً أقل من الحقيقة خصوصاً وقت الحرب).

قال كيفين بندارمان أنه لم يطع الأوامر العسكرية التي كانت تحرم على الجنود الأميركيين التحدث الى أي عراقي. الحديث مع العراقيين ممنوع منعاً باتاً. التعامل الوحيد معهم هو القتل. لكن بندارمان أصبح يتحدث الى العراقيين، ويدرك أنهم بشر مثله، وأن عقيدتهم الإسلامية لا تختلف عن عقيدته المسيحية، وأن لهم قيماً أخلاقية وإنسانية تشبه قيمه وأخلاقه. وقال: «اكتشفتُ كم كذبوا علينا في التدريب العسكري، وصوروا لنا العراقيين كأنهم بلا أخلاق ولا قيم، وإسلامهم يدعو الى القتل». وأضاف: «الحرب جريمة ضد القاتل والمقتول معاً، لأنها تسلب القاتل من إنسانيته، وتسلب المقتول من حياته، والانسانية هي الحياة لمن له ضمير، ولهذا لن أعود الى الحرب، ولن أسمح لأية قوة أن تسلبني إنسانيتي».

زوجته اسمها مونيكا، تقف في جواره، تؤيد آراءه. ليست مثل الأم جانيت التي قُتل ابنها الشاب في حرب العراق، فكتبت الى جورج بوش رسالة تؤيده في حرب العراق، ويكرمها جورج بوش بأن يذكر اسمها، وينشر صورتها في الصحف مع صورة امرأة عراقية تؤيد حرب العراق. تتعانق المرأتان أمام الأضواء، تنسى الأم مقتل ابنها، وتنسى العراقية المذابح في بلدها، من أجل ماذا؟ ربما هو الضمير الذي لم يستيقظ بعد، الضمير الذي يرقد في الظلمة مع الجهل وغسيل المخ للإعلام الزائف.

وقفت مونيكا الى جواره، وهدده رؤساؤه في الجيش، وسخر منه زملاؤه المقاتلون. قالوا عنه انه هارب من الواجب الوطني وجبان. إلا أنه لم يأبه بهم، ولا بالسجن، وبالموت، قال: إن موت الضمير هو الموت الحقيقي. ساندته مونيكا بمقالات على الانترنت عن بشاعة الحرب، واللاأخلاقية، والكذب وكيف يُساق الشباب الفقير الى الحرب بمبادئ مزيفة عن الوطنية أو الديموقراطية أو السلام، أو بإغراءات مادية كي يخرجوا من أزمتهم الاقتصادية.

ساعدت مونيكا في ايقاظ ضمير الكثيرين من الأميركيين، وبدأت بعض المؤسسات الاجتماعية تساند قضية بندارمان، وهب عدد من المحاربين القدامى في فيتنام لتأييده وزوجته في حملتهما ضد الحرب. وتلقى الزوجان رسائل تأييد (على الانترنت) من جميع أنحاء العالم، ومن العراق أيضاً، وانتشرت مقالات مونيكا في العالم تحت عنوان: «زوجة عسكري تتكلم».

كان حلم حياته أن يكون لاعب كرة، ودخل الجيش بوهم أنه يخدم الوطن، لكن هذا الوهم زال بعدما عرف حقيقة الحرب.

في الحرب العالمية الثانية أعفي 25 ألف جندي أميركي من الذهاب الى جبهة القتال تحت عنوان «الضمير يمنعهم». ودخل في القانون الأميركي هذا المبدأ منذ عام 1673، إذ تم الاعتراف بأن بعض الجنود لا يستطيعون القتل بسبب الضمير الذي يمنعهم، وتحت هذا البند تم اعفاء 1200 جندي أميركي من القتال عام 1701، وخلال الحرب الأهلية، وخلال الحرب العالمية الأولى والثانية، أعفي الآلاف لأن «الضمير يمنعهم»، وعُهد إليهم بأعمال أخرى لا تتعلق بالقتل، مثل تضميد جروح المقاتلين، وهو عمل كان قاصراً على النساء الممرضات، ولا يُنظر إليه باحترام مثل أعمال القتل القاصرة على الرجال الذكور الشجعان!.

أحيل بندارمان الى طبيب نفسي لاكتشاف لماذا يهرب من القتال؟ هل فقد رجولته؟ هل تحول امرأة؟!.

إلا أن النساء الأميركيات أصبحن مجندات مثل الرجال في الحروب، ويقاتلن مثل الرجال في أفغانستان وفي العراق، أصبحت لهن رجولة، إلا أنهن فقدن الضمير الذي يمنعهم من القتل!

ازدحمت عيادات أطباء النفس في الولايات المتحدة في العام الأخير بحوالي 32 ألف جندي يطلبون المشورة النفسية، لأن ضميرهم أصبح يمنعهم من القتل.

ولا يزال بندارمان ينتظر قرار المحكمة، بعدما اثبت الطب النفسي أنه سليم نفسياً وكامل الرجولة، لكن ضميره استيقظ!
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف