الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

فيرا موخينا احد الرموز الخالدة في فن النحت النصبي في القرن العشرين بقلم: د. شفيــق رضـوان

تاريخ النشر : 2005-02-06
النحاتة السوفيتية

فيـــــــرا موخيــــــنا

احد الرموز الخالدة في فن النحت النصبي في القرن العشرين

إعداد وترجمة عن الروسية

بقلم: د. شفيــــــق رضـــوان



من الغريب أن بانوراما الثقافة السوفيتية الواسعة، المتنوعة والغنية، والتي امتدت في الحقبة السوفيتية خارج بلاد السوفيت، وكان لها حضور في كل مكان، وألهبت مشاعر الشعوب التواقة إلى الحرية والتقدم، قاربت على الاختفاء اثر انهيار الاتحاد السوفيتي، والمنظومة الاشتراكية، وقل أن تلمس حضورها الآن في مختلف وسائل الإعلام والنشر، رغم صدقها وتنوعها الفني والفكري، فهي في جوهرها لم تكن مجرد بوق دعاية للنظام الايديولجي والسياسي السائدين في حينه، في البلدان الاشتراكية السابقة، فالحقيقة أنها عبرت عن مختلف جوانب حياة مجتمع متعدد القوميات والثقافات، في حقبة هامة من تطوره الحضاري، واستندت من ناحية أخرى رغم تشويه الكثيرين إلى مفاهيم فكرية، تؤمن بأن ميراث الشعوب الفني والفكري، في السابق واللاحق، رغم اختلاف النظم الاقتصادية والنظم الاجتماعية فيها، ملك للبشرية، لا يجوز رفضه، أو تجاهل قيمته العلمية والفنية، فهي ترى بأن منجزات البشرية الثقافية، وليدة زمانها، ولا يجوز رفض قيمتها الحقيقية تحت أي من الظروف والمبررات الأيديولوجية. وبالمقابل فليس من العدل تجاوز القيمة العلمية والفنية، للثقافة السوفيتية وثقافة الدول الاشتراكية السابقة الأخرى، ودمجها في النسيج العام للثقافة العالمية، فالحد الأدنى من القول، أنها عبرت عن الواقع الحقيقي لمجتمعات متعددة القوميات على مدى يقترب من القرن، في مساحة مترامية الأطرف، كان لها بفعل الإيديولوجية السائدة في حينه حضور كبير جدا في العالم، وشكلت أحد القوى الأساسية والرئيسية المؤثرة فيه.

وفي هذا السياق، من الصعب أن نتصور فن النحت المعاصر، بدون منجزات في النحت عامة بما فيها فن النحت النصبي في بلدان شعوب الاتحاد السوفيتي السابق، في الحقبة السوفيتية، بمنجزاته العظيمة، المتعددة الأساليب والميول الفنية، البالغة الحماس، والصدق الفني والفكري، وقد نستدل على ذلك بالنظر إلى إبداعات أحد أهم رموزه، الفنانة الكبيرة فيرا موخينا، ذات الشخصية الفنية المتميزة في فن النحت النصبي الواقعي. ليس من السهل على زائر موسكو الاعتيادي ولا الفنان المتابع، أن ينسى إحدى أهم معالم موسكو السياحية والفنية، أقصد تمثال العامل والفلاحة، العملاق الذي يحتل مقدمة المعرض الدائم للإنجازات الاقتصادية والعلمية في موسكو، والذي أصبح رمزا معروفا في حينه، للإتحاد السوفيتي بسياسته الاجتماعية والاقتصادية الخاصة، فضلا عن تماثيلها التي تعبر عن عاملي السوفيت النشطاء، كما هو في تماثيل الفلاحات الممتلئات بالحيوية والنشاط، وتماثيل المهندسين والضباط، والشرائح الاجتماعية الأخرى. لقد عبرت موخينا بقوة، ورومنطيقية عارمة عن إنجازات وروح تلك الحقبة، والتي حازت بجدارة على لقب فنانة الشعب في الاتحاد السوفيتي، وعلى جائزة الحكومة السوفيتية، ولم تزل تحتل موقعا مميزا في تاريخ فن النحت في بلدها وفي العالم في القرن العشرين.

ولدت فيرا موخينا في 1/7/1889 في مدينة ريجا، وتوفيت في موسكو في 6/10/1953.

درست في موسكو، في مرسم ك. ف. يون في الفترة ما بين 909ـ 1911 ، و ن. ا. سيفيتسيا 1911، و ي.. ماشكوف ما بين 1911-1912، وفي فرنسا عل يد الفنان بوديل فيما بين 1912 ـ 1914. كانت الفنانة عضو جمعية " الفنون الأربعة ", عضو " جمعيــة المثالين الروس "، وعلمت موخينا الفن، في المدرسة الحكومية الصناعية العالية في موسكو ( 1926-1927 )، وفي معهد فوختين في موسكو ( 1926 ـ 1030 ). ألفت الفنانة كتابا باسم " التراث الفني والأدبي "، موسكو ـ 1960، والذي تشر عام 1960، بعد وفاتها.

ظهرت فيرا موخينا، في البورترية المشهور الذي رسمه لها م. نيستروف، مع تمثال من عملها، يرمز للعاصفة ـ إله الريح الشمالي، مصنوع من البرونز، ثبتت كتلته المنطلقة على قاعدة زجاجية تثير تداعيات الثلوج. هكذا فكرت موخينا في التمثال التذكاري المكرس لغزوة تشيليوسكينتسيف البطولية. لقد صُوّرت الفنانة البورترية معطيا تصورا عن لمزاجها العاصف، وعن النفحات الحماسية الرومنطيقية العالية في فنها.

عندما تفكر في فن النحت السوفيتي، وعن أولئك الذين يحددون طبيعته من المثالين، فأن اسم فيرا موخينا واحد من أوائل الأسماء الذي يقفــز إلى ذهنك. إن فن موخينا، الذي كان يدوي في وقته، فن هادف تماما في اتجاهاته الأساسية. يبدو للناظر للوهلة الأولى لأعمال موخينا، كما لو أنه، لم تتغير فيها، ميولها الأسلوبية، حيث توجد دوما إشكالية الوحدة الروحية / الاجتماعية. ترن موضوعة الطموح الإنساني المتفائل في المستقبل في كل أشكال الفنون التي عملت فيها موخينا ـ من النحت النصبي التزييني، والأنصاب التذكارية، وحتى الدراسات التحضيرية لأعمال الديكور المسرحي، ومن البورترية النفسي، إلى مواد التزيين الداخلي ـ بثبات, وبشكل ملهم. لقد كانت موخينا مقتنعة بإمكانية التأثير على الإنسان، الذي بإمكانه أن يخلق بجرأة مجتمع جديد، وذلك بواسطة الأشكال الرومنطيقية، قبل كل شيء.

إن وعي موخينا لمشاكل القرن الفلسفية والأخلاقية، كان العامل الذي صبغ وجهة نظرها الرومنطيقية في النحت، فلقد ظهر في أعمال الفنانة المبكرة انجذاب نحو المنحوتات الديناميكية. لقد حددت الفنانة دور البداية الرومنطيقية في تشكيله الفن: بقولها " إن الحركات الروحية، وكل الطموحات، وكل نفحات النفس، يمكن أن تتضح مباشرة في النحت، من خلال حركات الجسد الإنساني ".

تتجسد الديناميكية الرومنطيقية مبكرا في أعمال موخينا، كما هو في التمثال التذكاري للثوري والشخصية الحكومية البارزة سفيردلوف المشهور بلقب " شعلة الثورة"( 1922 – 1923 )، فقد حولت الفنانة الفكرة الفنية المعبرة عن الإنسان العبقري المنطلق، بشكل إنسان يحمل في يده شعلةــ الفكرة الغير جديدة بالمطلق بالنسبة لفن النحت، إلى مجاز يعبر عن تحطيم الطرائق السلبية في العالم القديم، عندما نبذت برودة مفاهيم المذهب الأكاديمي الطبيعي، ولم تكتفي بالتغيرات وبالطرائق المعروفة، بل عملت بشكل مثابر إلى تجسيد الأفكار الوطنية العظيمة في الأعمال النصبية، الأمر الذي تطلب وضوحا خاصا في الفكرة والشكل.

إن الحـــــل الفني لنصب مكسيم جوركي التذكاري، الذي نقـــل إلى وطن الكاتب عــــام ( 1950 )، حل ديناميكي، وحديث في جوهره. يقف تمثال الكاتب الشاب على قاعدة شكلت على هيئة صخرة متماسكة، وذات خطوط لينة وحجوم إيقاعية دون انقطاع. وهنا تحطم النبرة القلقة والمضطربة، والحيوية التشكيلية، التصور القائم حول النصب التذكاري، كشيء راسخ، بدون حركة. وليس بالصدفة، أن وضع التمثال على شاطئ النهر. كي يكمل كل من عرضة، وهدوء تياره، شكل جوركي الرومنطيقي. كتبت فيرا موخينا " يجب على كل النصب التذكارية أن لا تكون سلبية، بل يجب أن تكون ذات فاعلية، أي أنه، يجب أن تثير العدوى عند الجمهور، بهذه، أو بتلك من الأفكار، والأعمال ". كما أن النصب التذكاري، أيضا، واحدا من اكثر الأشكال الفنية، التي تلعب دورا في التخطيط المعماري.

اكتسب النصب التذكاري ذو الشخصيتين" بالعامل والفلاحة " ــ الذي كان يكلل جناح الاتحاد السوفيتي، في المعرض الدولي الذي أقيم في باريس سنة 1937ــ شهرة واسعة. لقد كشفت موخينا في هذا العمل النحتي الجبار عن مفهومها للإمكانيات الديناميكية الممكنة في النحت التذكاري. إن موضوعة الحركة المنطلقة إلى الأمام، التي بدت أولى دلائلها في أعمال موخينا في مشروع " شعلة الثورة " لاقت في هذا العمل تعبيرا حيويا وقويا. تبدو المجموعة النحتية، التي تتحرك إلى الأعلى بارتفاع 34 مترا ـ عند رؤيتها من بعض الزوايا, وخصوصا من الجوانب ـ كأنها تطير. وليس بالصدفة أن كان تمثال " نيكا ساتوفراكيسكيا " واحد من أحب إعمال موخينا. إن اتجاه حركة الأيدي المحنية إلى الخلف، وكذلك الأذيال التي تتقابل مع القطر الأساسي في التكوين، يخلق انطباعا برشاقة الكتل في الأعمال النصبية. كما أن النصب ذاته، لا يبدو أقل ديناميكية، عند النظر إليه من الخلف ـ والذي تبدو فيه الأشكال، كما لو أنها تتطاول بشكل حثيث. ومن ناحية أخرى، فإن طرف المنديل المتطاير المشبع بالظلال، ومظهر الأردية المتطايرة، يذكر بأعمال فناني عصر الباروك.

يكتسب فن موخينا جرأة في المغالاة الفنية، فليس بالقليل أن تخالف الفنانة مشابهة الحقيقة في شخوصها الفنية، عندما يكون ذلك ضروريا لتقوية البداية الديناميكية في أعمالها. كما تحظى لديها الفكرة المجازية للشخصيات، على أهمية بلاغية كبيرة، فهذه، واحدة من الوسائل التي تعطي مغزى فكريا للإنجاز الوطني الكبير، ولإيقاع العمل الوطني الطموح في الحقبة السوفيتية. إن الخطوة المنطلقة لعمال التعدين الذين يحملون بشكل احتفالي المنجل والمطرقة ترمز للجهود العملية للشعب السوفيتي، ووحدة العمال والفلاحين في " المجتمع الجديد" ـ وهو ما تمثله المنحوتة.

من المميزات الهامة لهذا النصب الضخم المعرف على نطاق واسع، أن الفنانة استخدمت فيه تقنية جديدة، في نوع من المخاطرة، عند التنفيذ من الحجم الأصلي الصغير إلى القياس الكبير المعروف بنسبة 1: 15 لكل جزء كبير من المنحوتة.

رغم أن فكرة المجموعة النحتية " العامل والكلخوزية " نشأت في بداية ما هو معروف بالخطة الدعائية بالفن التذكاري النصبي، فقد نجحت الفنانة وفريقها في العمل في إبراز هذا العمل في شكله المقنع والخلاق، ولذلك فقد استقبلت هذه المجموعة النحتية، في الاتحاد السوفيتي، كما في الخارج بحماس كبير. كتبت موخينا باعتزاز عن شعبية عملها بين الناس التقدميين: " لهد شعرت بالحاجة إلى هذا العمل للانطلاق إلى المستقبل، تجاه النور، والشمس، وللإحساس بالجبروت الإنساني، وأهميته على الأرض، عندما حيا العمال الأجانب الّذين كانوا يعملون في المعرض العالمي في باريس الذين كانوا يقتربون إليه بلا توقف، وعندما كان آخر طابع بريدي لأسبانيا الحرة يمثل صورة لهذه المجموعة النحتية ! . لقد أردت أن أمثل في هذه العمل النحتي الهبة العاصفة والجبارة التي تميز بلدنا ".

يحس المشاهد لهذه المجموعة النحتية، بالتفكير التشكيلي المتفرد في اختيار الخامة, وفي طرق المعالجة الفنية. فللمرة الأولى في العالم، يستخدم عند عمل هذه المجموعة النحتية ذات المقياس الهائل، وذات التشكيل المعقد، معدن غير قابل للصدأ. لقد أملى هذا ضرورة تقنية ( لم يكن من الممكن في تلك السنوات صب تمثال من البرونز بهذه الضخامة )، وضرورة معنوية تهدف شرح فكرة النصب ذاتها. " لقد استخدم النحاتة هنا، من بين الخامات التي تم التفكير بها، أكثرها ثباتا، و استطاعت في نفس الوقت أن تكشف جمالية الخامة، وتؤكد على توهج المعدن الغير قابل للصدأ، وعلى إيجاد تشكيل جديد باستخدام صفائح من المعدن الفضي, التي تغلف به الأشكال والدعامات والركائز ". هكذا كتب الناقد الفني السوفيتي د. آركين . لقد أثبت استخدام اللحام بالقوس الكهربائي والطرق في هذا العمل جدارة في النحت المعدني.

ظهر عند إنجاز التمثال، غير القليل من الصعوبات، فقد ترافق مع إقرار التعامل بتقنية جديدة، كهذه في عمل بمثل هذا القياس الضخم، مخاطر ليست بالقليلة. فقد ظهرت عند استخدام طريقة التكبير بمقياس رسم 1: 15 لكسب الوقت في عمل الأجزاء الكبيرة في المنحوتة أخطاء غير كبيرة، وكان من الممكن أن تحدث هذه الأخطاء تشوهات فعلية. ومن ناحية أخرى فقد برزت عند التكبير بهذا المقياس الهائل مسألة كيف من الممكن تقوية المنديل الممتد إلى الخلف أفقيا بوزن خمسة أطنان. لقد حلت الكثير من المشاكل من قبل المؤلفة باستبعاد حصيف لكل ما لم يتم نقله بنجاح. ومع ذلك، لم يكن بالإمكان تدارك كل النواقص التي ظهرت بعد نقل المجموعة النحتية إلى ارتفاع شاهق، والأخذ بعين الاعتبار في ظل فرادة تكوينها العلاقات المعقدة في الشخصيات وأقمشة الملابس. ومع ذلك، فلم يزل طيران موخينا الفنتازي حتى اليوم يثير الدهشة، بعد أن دخل لحام المعادن بالقوس الكهربائي، وتطورا لوسائل التقنية المعاصرة التجربة النحتية، يثير الدهشة. لهذا نجح تماسك، وعمق الشكل في عمل موخينا هذا، أن يضيف وبدرجة هامة شيئا لتجربة التنظير في كل من الفن الكلاسيكي والحديث. ومع أن موخينا لم تستمع إلى محاضرات بورديل في أكاديمية " جراند شومير " في باريس لأكثر من عام، فقد بدا ذلك هام جدا في تشكيل موهبتها، وعمل على كشف تلك النوعية المتفردة للمثالة، المحبة للروح الإنشائية، والطموح في توكيد الكتلة الثقيلة، وإبراز الحجوم بالدرجة القصوى.

إن الارتباط الواسع بتقاليد الفن العالمي كان بلا شك، واحد من أهم خصوصيات موخينا، ولقد ساعدها ذلك في أبحاثها في اللغة التشكيلية المعاصرة. كانت موخينا بحق، مجددة في كل شيء: شاركت في نشاط " فرقة الثمانية " التي كانت مهمتها الرئيسية العمل على تملك الفنان للخامات الجديدة، وخلق تكوينات نصبية زخرفية. لقد عملت موخينا بمثل هذه الروحية لامتلاك القدرة على التشكيل بالزجاج، و راقت لها الإمكانية التعبيرية لهذه الخامة ـ من حيث شاعرية السطوح المطفية، والتأثير المتفرد للعمق، الذي ينشأ عند وضع المنحوتة الزجاجية قرب مصدر للضوء. لقد قامت الفنانة مع التقني المتخصص المعروف ن. كاتشالوفي في مصنع الزجاج الفني في ليننجراد بتجارب عديدة، والتي كان من نتائجها أن أبدعت الفنانة تحفة فنية ـ " جذع نسائي " ( 1940 1941 )، لم تحطم فيها تعميمية الشكل شاعرية المنحوتة. وعندما أبرزت موخينا ذاتها كفنانة تعبيرية خلقت في عملها الأساسي حركات عاطفية ـ بتفهمها لحركة الزمن المحسوسة والمتعددة ( مجموعات تزينية لجسر موسكو الجديد ( 1939 ) و " الفدائيــــة " ( 1942 ) وأخريات ). إلا انه، توجد في إبداع الفنانة ميول فنية أخرى، تتعلق إحداها بموضوعة التوازن الهارموني، وجمالية السكون.

برز تمثال موخينا " الفلاحة " في المعرض الذي أقيم في الذكرى العاشرة لثورة أكتوبر العظمى من بين أعمال المثالين ي. شادر " الحجر سلاح البروليتاريا "، و آ. ماتييف " أكتوبر " وأعمال بورتريه ل. ب. كوروليف، و س. ليبيدا، وأعمال أخرى من النحت السوفيتي الناجحة المشهورة. إن مظهر الضخامة النصبي في كتل تمثالها، وثبات الوضع، والإيقاع الهادئ، جعل العمل معبرا لدرجة غير اعتيادية. تقدم موخينا المرأة الروسية الكادحة في شكل شخصية متماسكة بيدين ثقيلتين، معقودتين على الصدر، امرأة مرتبطة دون انفصام بالأرض، التي ارتوت بمائها. إن مذهب ألوهية الكون عند موخينا، والذي ظهر كذلك عند إبداعها لأعمال أخرى، لم يتطلب منها الدخول في المجالات التجريدية، البعيدة عن الواقع الحقيقي. إن شعب روسيا الجديد الذي عاش الثورة، وعاش تجارب الحرب الأهلية الدرامية، طمح إلى الإحساس بأنه سيد أرضه ووطنه، وتأكيد اقترابه من السلام والشروع في البناء. لقد استوعبت التغيرات في العلاقة ما بين الناس، والمثل الجديدة، كوجود علاقة الإنسان العميقة بالإنسان، وارتباط الإنسان بالوطن، وبالأحزان الكبيرة، وبالثمار اليانعة، وبالقرى المليئة بالأغذية، والإحساس بالإمكانيات العظيمة للطبيعة يظهر تقريبا في كل أجناس الفنون في تلك السنوات.

إن فكرة الخلق واحدة من الأفكار السياسية في إبداع موخينا. وعلى امتداد عقد من السنوات تغنت الفنانة، في أشكال فنية متنوعة، بالعمل الملهم لشعبها، وبالحلم الرنان لتلك الفترة، التي تنطلق فيها الطاقات الإبداعية للفرد.

تتكشف الفكرة التي تدور حول انسجام الطبيعة والإنسان ـ بشكل شاعري ـ في تكوين " القمــــــــــح " ( 1930 ). تستخدم فيه موخينا أسلوبها المتفرد في التناقض ما بين خطوط حزم سنابل القمح الجرافيكية الزخرفية، والشخصيات الحيوية، والعفية للعاملات الشابات. إن عنصر التشكيل الكلاسيكي ـ للجسد العاري ـ يفهم هنا، كتجسيد للشباب، والانسجام، والإلهام الإنساني.

تظهر ثقة موخينا في المثابرة الإبداعية عند الإنسان، في فن البور تريه، وبكلماتها الخاصة فهي تبحث عن " الديناميكية النفسية الداخلية، التي لا تظهر في الحركة الخارجية، ولكن في المضمون الداخلي العميق، الذي يتكشف في الشكل ". كتبت موخينا في مقال لها: " أريد أن أكون في أعمالي إنسانا جديدا "، " كان من أكثر الأعمال الأكثر أهمية بالنسبة لي في الوقت الراهن، بورتريه المعماري س. زامكوف الذي أسميته البناء، هكذا كانت الفكرة الأساسية، التي حاولت أن أعبر عنها: عدا مشابهة البورتريه للرجل، أردت أن أجسده كصاحب إرادة لا تنثني، بثقته وهدوئه، وقوته "، لقد قدمت هذه الفكرة في تكوين نحتي لشخص. إن كل من الحركة الفنية الحرة الغير مقيدة والجمع ما بين الوجه الرقيق الذكي، والأيدي القوية القادرة على العمل يحدد النغمة الرومنطيقية للبورتريه. إن موخينا في هذا التمثال تستلهم إمكانيات المادة: المرمر الأورالي، وتعطي الإحساس بشاعرية درجاته الرمادية ـ الفضية، وتؤكد على ثقله.

أدت الفنانة البورتريهات التي عملتها في سنوات الحرب العالمية الثانية، بأسلوب آخر. يذكر فيها بورتريه العقيد ب. يوسوبوف ( 1942 ) بوجهه المشوه بالندوب بفعل الإصابات في الحرب، ووجهه الحليق، بمآسي سنوات الحرب، ويعكس في نفس الوقت روح الإنسان الغير قابلة للتحطيم. إن الحزن، والتفكير المركز في مصير الناس يدرك في بورتريه الجراح. بوردينكو (1942 ). ويحس بالكراهية للفاشية بقوة في التعبير المتماسك في تمثال العقيد. خيجناك ( 1943 ). ليس في هذه العمال أي مبالغة ملحوظة: فقد أعطيت فيه البطولة بلغة وثائقية تعبيرية.

إن فكرة صراع تجارب الشعب الأخلاقية تتخلل بورتريه أكاديمي بناء السفن المشهور آ. كريـــــــلوف ( 1944 ـ 1946 ) . ظهر شكل العالم شرطيا من قرمة خشبية حقيقية نامية. وعندما تترك الفنانة في البورتريه الإحساس الطبيعي بتأثير الخشب الطبيعي، فإن موخينا تعطي تناقضا ما بين الضوء والظل، محملة في ذلك كل سطح التمثال النصفي تموج ديناميكي لتأثير النقر الخشبية. لقد ظهرت في وجه كريلوف، بوضوح بالغ، دلالات الأهوال التي عاناها، رغم أن هذا ليس هو ما شغل الفنانة، فإن قوة الروح الهائلة، والغنى الذهني ـ هو أساس الشكل. في بورتريه كريلوف، ترن ثانية، ومن جديد، موضوعة القوى الإبداعية عند الإنسان، والتي تبدو المظهر العظيم للطابع القومي.

لقد كانت موخينا نصيرة عظيمة للرمزية ـ وفي هذه الطريقة الفنية يبرز نضوجها في النحت النصبي كفن عاطفي ينهض بشكل رومنطيقي. و عادة ما كانت تولي أهمية في البورتريهات التي أنجزتها إلى أسلوبها المفضل هذا. ومن الممكن أن يكون مثالا مناسبا لهذا الأسلوب البورتريه النحتي : " الفدائيـــة " ( 1942 ) الرائع والصارم. وليس بالصدفة أن يلاحظ فيه تأثير التقاليد الكلاسيكية في الفن.

لقد أصبح تمثال السلام واحد من أواخر أعمال موخينا لبنايــــــــــــة الكواكب في بلغراد ( 1953 )، الذي سعت فيه موخينا أن توحد العديد من موضوعاتها الفنية والفكرية: موضوعات الخلق الفني، وجمال الحياة، والطموحات الإنسانية السامية
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف