حول مسرحية "عين البلبل" او "قدواح الزلومي":
ولادة مسرح محلي محترف آخر اسمه "النقاب"!
بقلم: اسامة مصري
*لا بد انكم تعرفون ما تعني كلمتي "عين" و"بلبل"، لكن معظمكم لا يعرف ماذا يعني مصطلح "عين البلبل" او باللغة الدارجة في بعض قرانا وخاصة الدرزية "قدواح الزلومي".. هذا المصطلح يعني الخرم الموجود في خرطوم الابريق، وزلوموي تعني خرطوم، وبلبل في بعض بلادنا العربية الفلسطينية تعني العضو الذكري للاطفال وهو ايضا يشبه الى حد كبير خرطوم الابريق، ويسمى هذا الخرطوم في منطقة الشمال بـ "الزنبوعة" وجميع المصطلحت تصب في نفس الفنجان!!
شرحت كل هذا حتى نكون على بيّنة من اسم المسرحية الجديدة "عين البلبل" او "قدواح الزلومي" وهي آخر انتاجات مسرح "النقاب" الدالاوي، والتي تم افتتاحها يوم الجمعة 19/11/2004، في المركز الجماهيري في عسفيا.
حضر الافتتاح جمهور غفير من الدالية وعسفيا وضيوف من عدة قرى ومدن عربية وتميز حضور العاملين في العديد من المسارح المحلية، وبعد العرض تم تكريم جميع من عمل في المسرحية.
**النقاب والاحتراف
هناك فكرة مسبّقة عن بعض المسارح التي تظهر في قرانا العربية بأنها فرق هواة، والكثير منّا يتعامل معها هكذا والاقبال عليها يأتي من هذا المنطلق.. هذا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الاقبال على المسارح المحترفة هو ضئيل من الاصل.. وكثيرون لا يعرفون انه اصبح لدينا عدد لا بأس به من الممثلين والمسرحيين وتقنيي المسرح خريجي معاهد المسرح.. وانا لا اقصد التقليل من قيمة المسرحيين الموهوبين الذين لم يتخرجوا من اي معهد.. لكن الآخرون ضحوا بفترة من حياتهم لدراسة المسرح، غير آبهين بالمقولة التي تقول بأن "المسرح ما بطعمي خبز"، وهم اليوم منتشرين في مدننا وقرانا العربية ويعملون داخل المسارح المحلية التي نعتقد بأنها مسارح للهواة، مدعمينها بقدرات لا نعرفها وحتى لم نسمع عنها، طاقات لها قدرات احترافية عالية، تسطيع ان تكون في اكبر المسارح المعروفة!.. وهذا ما يدور في مسرح "النقاب" الكرملي، الذي يملك ممثلين على قدرة عالية من الاحتراف، وخاصة ما شاهدتهم في مسرحية "عين البلبل": بيان عنتير، حسن طه، مجيب منصور، رنين بشارات، منعم منصور. فجميعهم يتمكنون من ادواتهم المسرحية ويتحلون بجرأة وحضور كبيرين على خشبة المسرح.
**المسرحية
المسرحية من تأليف د. مسعود حمدان، الذي كتب لنفس المسرح مسرحية اخرى بعنوان "الأمر"، ولاقت في حينه ردود فعل ايجابية من المشاهدين، وفي هذه المسرحية يعتمد اسلوب الكابريه السياسي، وانتهج الاسلوب الساخر والكوميدي الى اقصى حد، بينما استعمل منه القليل في مسرحيته السابقة "الأمر"، وقد كان من الواضح تأثره باسلوب محمد الماغوط ودريد لحام في مسرحية "كاسك يا وطن"، حيث استعمل الكثير من الافكار، خاصة البرنامج التلفزيوني الذي أطّر المسرحية، وهذا التأثر لم ينقص من المسرحية، اذ انه وضع من عنده الكثير واصبحت المسرحية التي امامنا، لها طبع خاص ومميز وجريء الى حد كبير، مستغلا في بعض الاحيان انه من الطائفة العربية الدرزية، وموجهاً لها ولبعض قيادتها ومخاتيرها النقد اللاذع، الأمر الذي لا يستطيع فعله كاتب آخر ومسرح آخر، خوفا من اتهامه بالعنصرية، وهذه النقطة جاءت لصالحه كليأً، فقد كان النقد صريح ومباشر في كثير من الاحيان.. من ناحية أخرى كان مجدداً في الاسلوب المسرحي المتبع في باقي المسارح، وهذه نقطة اخرى تحسب لصالحه.
**الاخراج
عرفت المخرج صالح عزام في عمل سابق، وعندها لم تلفت نظري قدراته الاخراجية، فقد اهتممت في السابق بنوعية المادة الذي سيقدمها هذا المسرح الذي كنت اتعرف عليه لأول مرّة في حينه.. اما في مسرحية "عين البلبل"، فقد تجلت قدراته الاخراجية جيداً، خاصة ان المسرحية تتنوع في كل مشاهدها، ولا ترتبط ببعضها إلا بخيط رفيع جداً، نكاد لا نلاحظه عندما ننغمس في كل مشهد.. لقد كان هناك عشرة مشاهد واحد منها مكرر، وهو اغنية "الخروج من الابريق"، بمعنى آخر لقد اخرج صالح عزام (9) مسرحيات قصيرة كل بمفردها، وقد ابدع في جميعها، وقد كان من الواضح قدرته على "عصر" الممثلين واخراج افضل ما عندهم، بغض النظر عن الموهبة التي يمتلكها كل ممثل وممثل، اضافة الى البناء الكوميدي في تفاصيل صغيرة، ولو غابت هذه التفاصيل لقتلت الضحكة في بطن امها، حسب رأيي.
**الموسيقى والموسيقي
اعترف امامكم بأنني لم اكن اعرف عن المشاركين في المسرحية سوى المؤلف والمخرج ونصف الممثلين.. واثناء حضوري للمسرحية، صادفت جلستي بجانب الموسيقي يوسف حبيش، وعندما قام الممثلين بالغناء في اول مشهد، وبعدها جاءت بعض الخلفيات الموسيقية، اردت بين الحين والآخر ان اهمس ليوسف، لأشير له على مدى جمالية الموسيقى، وخاصة انني ما زلت متأثراً، الى حد الثمالة في ما قدمه يوسف من عرض موسيقي حي في مسرحيدية "ام الروبابيكا".. وبعد المسرحية وعند التكريم، علمت ان يوسف نفسه واضع هذه الموسيقى ايضاً!! فمدحت حسن اصغائي وتأدبي بعدم ازعاجي للآخرين اثناء العرض.
لقد تذكرت زياد الرحباني في اغنية "عالنظام"، ولا اقصد ان يوسف يقلده، لكن المستوى اللحني للاغنية الساخرة، كان بنفس المستوى ان لم يكن حتى اعلى!
**الكاباريه
لم يستعمل هذا المصطلح المسرحي كعمل في اي من المسارح المحلية قبل مسرح "النقاب"، وبما ان جمهورنا يتعامل معه لأول مرة، فتعالوا بنا نلقي بعض الضوء على هذا النوع من المسرح:
بعد موجة الاستعراضات الصاخبة والمنوعة خلال الحرب العالمية الأولى، بدأ الجمهور يتوجه نحو الصالات الصغيرة، حيث لا تنوع الفقرات كثيراً وتقتصر على مغن واحد او عرض قصير.. في فرنسا تميزت كاباريهات "مونمارتر" في الخمسينات بتقديم فقرات لها طابع الهجاء السياسي والنقد اللاذع، وبرع فيها مغنون هجّاؤون عرفوا باسم الشانسونييه.. اشهر الكاباريهات كاباريه "الكوكو" ومسرح "الساعة العاشرة" في باريس، ومنه اقتبس اسم مسرح "الساعة العاشرة" في لبنان.
في المانيا، كانت الكاباريهات هي الشكل الأكثر شعبية خلال الحربين العالميتين وما بينهما، وفيها ظهر فنانون مشهورون امثال الممثلة مارلين ديترش، ولوتي لينا، والأخيرة اشتهرت بتقديم اغاني بريخت.. والواقع ان المسرحي الألماني برتولد بريخت، استوحى في بعض مسرحياته عناصر الكاباريه، وخاصة اسلوب تقديم الاغاني في العرض المسرحي.. كذلك فان المسرحي الالماني بيسكاتور، والنمساوي ماكس راينهاردت، قدما اشهر ممثلي الكاباريه والميوزيك هول في عروضهما المسرحية.
في العالم العربي، وعلى الأخص في مصر ولبنان، انتشرت تقاليد الشانسونييه وظهر المونولوغ الهجائي ايضاً.. من اشهر الفرق التي رسّخت هذه التقاليد ونشرتها فرقة وسيم طبارة وايفيت سرسق واندريه جدعون في مسرح "الساعة العاشرة" في بيروت، وفرقة سامي خيّاط الذي كان يقدم اسكتشات يغير كلمات الاغاني المعروفة فيها حسب مستجدات الاحداث.. كذلك اشتهر المونولوجيست المصري احمد غانم واللبنانية فريال كريم والسوريين احمد ايوب وسلامة الاغواني.
ولادة مسرح محلي محترف آخر اسمه "النقاب"!
بقلم: اسامة مصري
*لا بد انكم تعرفون ما تعني كلمتي "عين" و"بلبل"، لكن معظمكم لا يعرف ماذا يعني مصطلح "عين البلبل" او باللغة الدارجة في بعض قرانا وخاصة الدرزية "قدواح الزلومي".. هذا المصطلح يعني الخرم الموجود في خرطوم الابريق، وزلوموي تعني خرطوم، وبلبل في بعض بلادنا العربية الفلسطينية تعني العضو الذكري للاطفال وهو ايضا يشبه الى حد كبير خرطوم الابريق، ويسمى هذا الخرطوم في منطقة الشمال بـ "الزنبوعة" وجميع المصطلحت تصب في نفس الفنجان!!
شرحت كل هذا حتى نكون على بيّنة من اسم المسرحية الجديدة "عين البلبل" او "قدواح الزلومي" وهي آخر انتاجات مسرح "النقاب" الدالاوي، والتي تم افتتاحها يوم الجمعة 19/11/2004، في المركز الجماهيري في عسفيا.
حضر الافتتاح جمهور غفير من الدالية وعسفيا وضيوف من عدة قرى ومدن عربية وتميز حضور العاملين في العديد من المسارح المحلية، وبعد العرض تم تكريم جميع من عمل في المسرحية.
**النقاب والاحتراف
هناك فكرة مسبّقة عن بعض المسارح التي تظهر في قرانا العربية بأنها فرق هواة، والكثير منّا يتعامل معها هكذا والاقبال عليها يأتي من هذا المنطلق.. هذا اذا اخذنا بعين الاعتبار ان الاقبال على المسارح المحترفة هو ضئيل من الاصل.. وكثيرون لا يعرفون انه اصبح لدينا عدد لا بأس به من الممثلين والمسرحيين وتقنيي المسرح خريجي معاهد المسرح.. وانا لا اقصد التقليل من قيمة المسرحيين الموهوبين الذين لم يتخرجوا من اي معهد.. لكن الآخرون ضحوا بفترة من حياتهم لدراسة المسرح، غير آبهين بالمقولة التي تقول بأن "المسرح ما بطعمي خبز"، وهم اليوم منتشرين في مدننا وقرانا العربية ويعملون داخل المسارح المحلية التي نعتقد بأنها مسارح للهواة، مدعمينها بقدرات لا نعرفها وحتى لم نسمع عنها، طاقات لها قدرات احترافية عالية، تسطيع ان تكون في اكبر المسارح المعروفة!.. وهذا ما يدور في مسرح "النقاب" الكرملي، الذي يملك ممثلين على قدرة عالية من الاحتراف، وخاصة ما شاهدتهم في مسرحية "عين البلبل": بيان عنتير، حسن طه، مجيب منصور، رنين بشارات، منعم منصور. فجميعهم يتمكنون من ادواتهم المسرحية ويتحلون بجرأة وحضور كبيرين على خشبة المسرح.
**المسرحية
المسرحية من تأليف د. مسعود حمدان، الذي كتب لنفس المسرح مسرحية اخرى بعنوان "الأمر"، ولاقت في حينه ردود فعل ايجابية من المشاهدين، وفي هذه المسرحية يعتمد اسلوب الكابريه السياسي، وانتهج الاسلوب الساخر والكوميدي الى اقصى حد، بينما استعمل منه القليل في مسرحيته السابقة "الأمر"، وقد كان من الواضح تأثره باسلوب محمد الماغوط ودريد لحام في مسرحية "كاسك يا وطن"، حيث استعمل الكثير من الافكار، خاصة البرنامج التلفزيوني الذي أطّر المسرحية، وهذا التأثر لم ينقص من المسرحية، اذ انه وضع من عنده الكثير واصبحت المسرحية التي امامنا، لها طبع خاص ومميز وجريء الى حد كبير، مستغلا في بعض الاحيان انه من الطائفة العربية الدرزية، وموجهاً لها ولبعض قيادتها ومخاتيرها النقد اللاذع، الأمر الذي لا يستطيع فعله كاتب آخر ومسرح آخر، خوفا من اتهامه بالعنصرية، وهذه النقطة جاءت لصالحه كليأً، فقد كان النقد صريح ومباشر في كثير من الاحيان.. من ناحية أخرى كان مجدداً في الاسلوب المسرحي المتبع في باقي المسارح، وهذه نقطة اخرى تحسب لصالحه.
**الاخراج
عرفت المخرج صالح عزام في عمل سابق، وعندها لم تلفت نظري قدراته الاخراجية، فقد اهتممت في السابق بنوعية المادة الذي سيقدمها هذا المسرح الذي كنت اتعرف عليه لأول مرّة في حينه.. اما في مسرحية "عين البلبل"، فقد تجلت قدراته الاخراجية جيداً، خاصة ان المسرحية تتنوع في كل مشاهدها، ولا ترتبط ببعضها إلا بخيط رفيع جداً، نكاد لا نلاحظه عندما ننغمس في كل مشهد.. لقد كان هناك عشرة مشاهد واحد منها مكرر، وهو اغنية "الخروج من الابريق"، بمعنى آخر لقد اخرج صالح عزام (9) مسرحيات قصيرة كل بمفردها، وقد ابدع في جميعها، وقد كان من الواضح قدرته على "عصر" الممثلين واخراج افضل ما عندهم، بغض النظر عن الموهبة التي يمتلكها كل ممثل وممثل، اضافة الى البناء الكوميدي في تفاصيل صغيرة، ولو غابت هذه التفاصيل لقتلت الضحكة في بطن امها، حسب رأيي.
**الموسيقى والموسيقي
اعترف امامكم بأنني لم اكن اعرف عن المشاركين في المسرحية سوى المؤلف والمخرج ونصف الممثلين.. واثناء حضوري للمسرحية، صادفت جلستي بجانب الموسيقي يوسف حبيش، وعندما قام الممثلين بالغناء في اول مشهد، وبعدها جاءت بعض الخلفيات الموسيقية، اردت بين الحين والآخر ان اهمس ليوسف، لأشير له على مدى جمالية الموسيقى، وخاصة انني ما زلت متأثراً، الى حد الثمالة في ما قدمه يوسف من عرض موسيقي حي في مسرحيدية "ام الروبابيكا".. وبعد المسرحية وعند التكريم، علمت ان يوسف نفسه واضع هذه الموسيقى ايضاً!! فمدحت حسن اصغائي وتأدبي بعدم ازعاجي للآخرين اثناء العرض.
لقد تذكرت زياد الرحباني في اغنية "عالنظام"، ولا اقصد ان يوسف يقلده، لكن المستوى اللحني للاغنية الساخرة، كان بنفس المستوى ان لم يكن حتى اعلى!
**الكاباريه
لم يستعمل هذا المصطلح المسرحي كعمل في اي من المسارح المحلية قبل مسرح "النقاب"، وبما ان جمهورنا يتعامل معه لأول مرة، فتعالوا بنا نلقي بعض الضوء على هذا النوع من المسرح:
بعد موجة الاستعراضات الصاخبة والمنوعة خلال الحرب العالمية الأولى، بدأ الجمهور يتوجه نحو الصالات الصغيرة، حيث لا تنوع الفقرات كثيراً وتقتصر على مغن واحد او عرض قصير.. في فرنسا تميزت كاباريهات "مونمارتر" في الخمسينات بتقديم فقرات لها طابع الهجاء السياسي والنقد اللاذع، وبرع فيها مغنون هجّاؤون عرفوا باسم الشانسونييه.. اشهر الكاباريهات كاباريه "الكوكو" ومسرح "الساعة العاشرة" في باريس، ومنه اقتبس اسم مسرح "الساعة العاشرة" في لبنان.
في المانيا، كانت الكاباريهات هي الشكل الأكثر شعبية خلال الحربين العالميتين وما بينهما، وفيها ظهر فنانون مشهورون امثال الممثلة مارلين ديترش، ولوتي لينا، والأخيرة اشتهرت بتقديم اغاني بريخت.. والواقع ان المسرحي الألماني برتولد بريخت، استوحى في بعض مسرحياته عناصر الكاباريه، وخاصة اسلوب تقديم الاغاني في العرض المسرحي.. كذلك فان المسرحي الالماني بيسكاتور، والنمساوي ماكس راينهاردت، قدما اشهر ممثلي الكاباريه والميوزيك هول في عروضهما المسرحية.
في العالم العربي، وعلى الأخص في مصر ولبنان، انتشرت تقاليد الشانسونييه وظهر المونولوغ الهجائي ايضاً.. من اشهر الفرق التي رسّخت هذه التقاليد ونشرتها فرقة وسيم طبارة وايفيت سرسق واندريه جدعون في مسرح "الساعة العاشرة" في بيروت، وفرقة سامي خيّاط الذي كان يقدم اسكتشات يغير كلمات الاغاني المعروفة فيها حسب مستجدات الاحداث.. كذلك اشتهر المونولوجيست المصري احمد غانم واللبنانية فريال كريم والسوريين احمد ايوب وسلامة الاغواني.