الأخبار
بعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكريا بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيينمسؤولون أميركيون:إسرائيل لم تضع خطة لإجلاء المدنيين من رفح..وحماس ستظلّ قوة بغزة بعد الحربنتنياهو: سنزيد الضغط العسكري والسياسي على حماس خلال الأيام المقبلة
2024/4/23
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

دراسة مشروع قناة البحرين (الأحمر – الميت) -الجزء1

تاريخ النشر : 2003-12-08
مشروع قناة البحرين (الأحمر – الميت)

إسرائيل تسعى جاهده لتنفيذ المشروع

بسبب الفوائد العديدة التي ستجنيها منه

غزة / ماهر إبراهيم

أوصت دراسة فلسطينية بضرورة إجراء المزيد من الدراسات والأبحاث المعمقة على مشروع قناة البحرين (الأحمر – الميت) ، لما قد يسببه المشروع من مخاطر على مختلف الأصعدة البيئية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية في المنطقة بشكل عام وعلى الصعيد الفلسطيني بشكل خاص .

واعتبرت الدراسة التي أعدها مركز الإعلام والمعلومات في غزة وحصلت دنيا الوطن على نسخة منها أن إسرائيل تسعى جاهده لتنفيذ المشروع بسبب الفوائد العديدة التي ستجنيها منه، ومع ذلك فان تنفيذ مشروع القناة مازال بعيد المنال بسبب تعثر عملية السلام واستمرار الصراع العربي الإسرائيلي دون أي حلول مستقبلية واضحة، مشيرة إلى أن الهدف البيئي الذي تم تسويق المشروع عبر العالم على أساسه ما هو إلا غطاء دعائي يهدف إلى التقليل من حجم الانتقادات التي يمكن أن يواجهها المشروع على المستويين الإقليمي والدولي.

واستعرضت الدراسة المراحل المختلفة التي مر بها المشروع موضحة أن عمر التفكير في مشروع لربط البحر الميت بأحد البحار المفتوحة من حوله (المتوسط أو الأحمر) يتجاوز مائة وخمسين عاما، وأن مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هريتزل تبنى مشروع لربط البحر الميت بالبحر المتوسط منذ بداية القرن الحالي وهو ما يؤكد الجذور التاريخية للمشروع في الفكر الإسرائيلي، إضافة إلى تبني الحكومات الليكودية الإسرائيلية للمشروع وخاصة في عهد مناحم بيجن الذي باشرت حكومته بالفعل في شق قناة تربط بين البحر المتوسط والبحر الميت إلا أن جهودها فشلت بسبب المعارضة الدولية و العربية والداخلية للمشروع.

وتناولت الدراسة فوائد المشروع التي يروج لها ، وبخاصة الدور الذي يمكن أن يلعبه في القضاء على مشكلة نقص المياه التي تعاني منها المنطقة ، والفوائد الاقتصادية المختلفة له ، وبخاصة في مجال توليد الطاقة ، وإعمار المنطقة الواقعة بين خليج العقبة والبحر الميت، وإقامة مناطق صناعية حره ، ومشاريع ومنتجعات سياحية على طول القناة ، بجانب المشاريع الزراعية وتربية الأسماك ذات الجدوى الاقتصادية الكبيرة في برك وبحيرات صناعية ومشاريع تكميلية للمشروع نفسه مثل صناعة تحلية المياه وغيرها.

ثم عرضت الدراسة بالتفصيل للمخاطر المختلفة التي يمكن أن تنتج عن المشروع من مختلف الجوانب البيئية والاقتصادية والسياسية والاستراتيجية ،فعلى المستوى البيئي يمكن أن يتسبب المشروع في زيادة احتمال حدوث الزلازل ، بسبب كميات المياه الهائلة التي ستتدفق على البحر الميت الذي يعتبر منطقة نشطة زلزالياً ، و هو ما يمثل مشكلة كبيرة للمباني الموجودة في المدن الفلسطينية المختلفة والتي تعاني من عيوب خطيرة تجعلها معرضة لأضرار فادحة حتى مع الزلازل الضعيفة نسبيا،وفي نفس الإطار فأن هذا المشروع قد ينتج عنه تكوين بحر آخر يختلف في خصائصه وصفاته و طبيعة مياهه عن البحر الميت الموجود الآن إضافة إلى تأثير ارتفاع منسوب المياه في البحر الميت على المياه الجوفية ، و إغراقه لمناطق زراعية في منطقة الأغوار، وتأثير المشروع على المناخ و البيئة في المنطقة.

و بالنسبة للأخطار الاقتصادية فقد أشارت الدراسة إلى تأثير المشروع على استخراج الأملاح من البحر الميت ، و تأثير تغير البيئة على صناعة السياحة التي تعتمد على الخصوصية البيئة للمنطقة ، أما بخصوص الأخطار السياسية و الاستراتيجية فمن أهمها تحسين صورة إسرائيل في العالم ، و إظهارها في صورة المتعاون مع الدول المحيطة بها، كما أن المشروع يصب لصالح الرؤية الجديدة التي تتبنها الولايات المتحدة عن المنطقة بعد الحرب على العراق ، و تصل هذه الأخطار إلى حد قيام إسرائيل بتطوير قدراتها النووية مستخدمة مياه القناة لتبريد المفاعلات الجديدة التي ترغب في إنشائها في النقب إضافة لمفاعل ديمونة الذي يعاني من مشكلة نظام التبريد الهوائي الذي يعتمد عليه .

وتناولت الدراسة دور عملية السلام بين الأردن وإسرائيل في تطوير فكرة مشروع القناة، ووصول الجانبان لفكرة توفيقية بين وجهتي نظريهما المختلفة، و قيامهما بعرض المشروع على قمة الأرض في جوهانسبرج في سبتمبر 2002، و ما لاقاه هذا الإعلان من معارضة على المستوى العربي، و الجهود التي بذلتها الأردن لتذليل هذه المعارضة.

ثم قدمت الدراسة وصفا للوضع البيئي الحالي للبحر الميت، مع التركيز على مشكلة انخفاض منسوب المياه فيه وتطورها خلال الأعوام الأخيرة، والعوامل التي أدت لحدوث هذا الانخفاض، والمشاكل البيئية التي سببها.

و شرحت الدراسة المشروع المطروح في الوقت الحالي لربط البحر الأحمر بالبحر الميت ومراحله المختلفة ، ثم تعرضت بالتحليل لموقف ودوافع الدول المشاطئة للبحر الميت من المشاركة في المشروع ، مؤكدة أن هناك اختلاف في الأساس الذي تنبع منه مواقف الأردن وفلسطين وإسرائيل من مسألة قناة البحر الأحمر- الميت إلى حد كبير فالجانب الأردني يرى أن مشروع قناة البحرين هو مشروع القرن الحالي بالنسبة للأردن، ويفسر ذلك الجهود الكبيرة التي يبذلها الأردن للترويج له على المستوى الدولي والعربي،و ينطلق موقف الأردن من أن المشروع أردني المنشأ وأنه جاء ردا على مجموعة من المشاريع الإسرائيلية التي أرادت وصل البحر الميت بالبحر المتوسط أو الأحمر ، وأن المشروع هو الحل الوحيد لمنع البحر الميت من الاندثار، إضافة لدور المشروع في حل مشكلة المياه التي يعاني منها الأردن عبر تحلية المياه .

أما بالنسبة للموقف الفلسطيني فأن الدراسة تشير إلى أن الجانب الفلسطيني وجد نفسه أمام خيارات محدودة بعد أن قامت الأردن وإسرائيل بعرض المشروع على قمة الأرض في مدينة جوهانسبرج عام 2002 بشكل منفرد، مما جعله مضطراً للمشاركة في المشروع حتى يضمن المحافظة على حقوقه المشروعة، بعد أن تأكد أن لدى الأردن وإسرائيل رغبة في الاستمرار في المشروع حتى بدون الجانب الفلسطيني.

وتشير الدراسة إلى أن فلسطين شاركت في المشروع كونها دولة مشاطئة لحوض نهر الأردن والبحر الميت الذي يمثل جزءا من الحدود الشرقية لفلسطين ، و لدعم الموقف الأردني الداعي للمشروع وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح دراسة الجدوى البيئية الاقتصادية الاجتماعية للمشروع،إلى جانب المحافظة على الحقوق الفلسطينية في السيادة على أرضه ، وفي المياه وفي استغلال ثروات البحر الميت المختلفة والتي يقوم الجانبان الإسرائيلي والأردني فقط باستغلالها ،وضمان عدم وجود آثار أو مخاطر كبيرة للمشروع على البيئة الفلسطينية، أو على الوضع الاجتماعي لأي من قطاعات المجتمع الفلسطيني.

وحول منطلقات الموقف الإسرائيلي من المشروع فأن الدراسة أكدت أن إسرائيل أرادت الاستفادة من الأجواء التي وفرها الانتصار الأمريكي في الحرب على العراق للقيام بمشروعات مشتركة مع الدول العربية المحيطة بإسرائيل وبخاصة الأردن التي يمكن من خلالها التسلل إلى المنطقة بأسرها.

و أشارت الدراسة إلى أن المشروع يمثل أحد الأهداف المبكرة للحركة الصهيونية التي آمنت بأن توفير المياه وتوليد الطاقة هو من أهم ركائز الاستيطان في فلسطين ، لذلك فأن الدولة العبرية تريد الاستفادة من المشروع في تنفيذ مشروعات قومية إسرائيلية، تزيد من قوتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية، وبخاصة في منطقة النقب .

و خلصت الدراسة إلى أن هذا المشروع الذي يروج له كمنقذ للبيئة و مطور للمنطقة وكحل لأكبر المشاكل المزمنة، وكبوابة للتعاون الإقليمي يمكن أيضا أن يمثل كارثة أول ضحاياها هو البيئة، إذا لم يتم دراسته ودراسة نتائجه بكل دقة بعيدا عن التعجل الذي يخدم مصالح دولة بعينها وبعيدا عن الضغوط الخارجية التي تريد أن تبدو المنطقة في صورة من التعاون والسلام وهي مازالت أبعد ما تكون عنها.




مدخــــــل:

أثار مشروع اتفاق الأردن وفلسطين وإسرائيل على إحياء مشروع قناة البحرين الأحمر– الميت خلال المنتدى الاقتصادي الدولي الذي عقد في المملكة الأردنية الهاشمية في شهر يونيو 2003 العديد من التساؤلات حول طبيعة المشروع والأهداف الحقيقية له والآثار التي يمكن أن تنتج عن تنفيذه.

وبالرغم من أن المشروع يروج له عبر العالم منذ الطرح الأردني الإسرائيلي المشترك له في قمة الأرض التي عقدت في جوهانسبرج عام 2002م، في سياق المحافظة على البيئة وإنقاذ البحر الميت من الجفاف والزوال، إلا أن الدلائل تشير إلى أن الهدف البيئي ما هو إلا غطاء دعائي يهدف إلى التقليل من حجم الانتقادات التي يمكن أن يواجهها المشروع على المستويين الإقليمي والدولي.

وأكثر ما يثير الغموض حول المشروع هو الاهتمام بتنفيذه في هذه المرحلة الدقيقة من تاريخ المنطقة بشكل عام ، والقضية الفلسطينية بشكل خاص، التي تعيش تداعيات حرب الخليج الثالثة، واحتلال العراق، وظهور الرؤية الأمريكية لخلق شرق أوسط جديد ، وما يتزامن مع ذلك من تطورات في الانتفاضة الفلسطينية التي تدخل عامها الرابع في ظل نمو متزايد لاستخدام الآلة العسكرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، وجمود قاتل لعملية السلام.

هذه الظروف تجعل من طرح مشروع بحجم مشروع قناة البحر الأحمر– الميت الذي يعتمد أساساً على التعاون الإقليمي المشترك والدعم المالي الدولي الكبير،تجعل منه أمرا مثيرا للريبة مهما كانت الأهداف التي يمكن الوصول إليها من خلاله نبيلة وسامية.

ومما يؤكد هذه الرؤيا هو ما يرشح من تصريحات من جهات مقربة أو مراقبة للمشروع من أنه سينفذ حتى لو لم يتوصل الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي لاتفاق سلام نهائي، وبمعنى آخر فإنه يمكن أن ينفذ بدون مشاركة حقيقية للجانب الفلسطيني.

ورغم كل الجهود التي تبذلها الآن الدول المتحمسة للمشروع وبخاصة الأردن وإسرائيل والولايات المتحدة للتعجيل في مراحل تنفيذه وتذليل ما تبقى من عقبات قد تحول دون إتمامه، فإن المشروع يحمل في طياته عناصر ضعف داخلية تجعل تنفيذه رغم كل هذه المحاولات بعيد المنال.

فالمشروع من ناحية الإمكانية الفنية والجدوى الاقتصادية يمكن أن يكون جيدا لكن الشيء السيئ حقيقة هو أنه يقوم بين الأردن وفلسطين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى وهي التي تحتل الأراضي الفلسطينية وتقهر الشعب الفلسطيني وتمارس كل أشكال الإرهاب الفردي وإرهاب الدولة المنظم ضده فكيف يمكن أن يكون هناك تعاون إقليمي اقتصادي قبل الاتفاق على تسوية بصورة مقبولة و مضمونة من جميع الأطراف بين أعداء عاشوا في صراعٍ دامٍ.

ولعل هذا السبب هو العقبة الكبيرة التي وقفت في وجه المشاريع الإسرائيلية المتتالية والتي يمتد تاريخها لأكثر من مائة عام لربط البحر الميت بأحد البحار المفتوحة.

أن هذا التقرير يهدف في المقام الأول إلى إلقاء المزيد من الضوء على مشروع قناة البحرين بأبعادها المختلفة، فالمعلومات التي نقلت عنه في وسائل الإعلام كانت في الغالب عبارة عن أخبار تحتوي على معلومات دعائية تهدف لتسويقه دون تناول تفاصيله أو الآثار التي يمكن أن تترتب عليه. أما المقالات والدراسات التي كتبت عن المشروع فأغلبها يتحدث عن المفهوم الإسرائيلي له والذي تغير بشكل كلي في المشروع المطروح الآن وهو ما سيتم توضيحه لاحقا.

لذلك فقد أصبح من الضروري تناول مشروع قناة البحرين الأحمر– الميت بشيء من التفصيل لتزويد القارئ الفلسطيني بشكل خاص والعربي بشكل عام بصورة أوضح عن هذا المشروع، وذلك نظرا لأهميته الخاصة بالنسبة لمستقبل الدولة الفلسطينية التي تعتبر أحد البلدان المشاطئة للبحر الميت، ولتأثيراته على حقوق الشعب الفلسطيني التي مازالت تحت التفاوض وبخاصة في مجال المياه وفي مجال توزيع ثروات البحر الميت.

وسوف نحاول من خلال هذا التقرير أن نرصد الأبعاد المختلفة للمشروع فنبدأ بالتعرف على التطور التاريخي لفكرته، ودور عملية السلام في بلورته وتغيير مساره، ثم نعرج على الوضع البيئي الحالي للبحر الميت وطبيعة المشروع المقترح والذي بُدِء بالفعل في مراحل تنفيذه، مرورا بمنطلقات الموقف الأردني والفلسطيني والإسرائيلي منه، إضافة إلى الفوائد التي ستعود على الدول المشاركة فيه وبخاصة الطرف الإسرائيلي، والمخاطر التي يمكن أن يسببها للأطراف الأخرى، وموقف الأطراف المعارضة له.


مراحل تطور المشروع:

على الرغم من أن مشروع تنفيذ قناة تربط بين البحر الميت وأحد البحار المفتوحة قد أخذ زخما كبيرا منذ منتصف السبعينات إلا أن هذه الفكرة طرحت منذ فترة طويلة تتجاوز مئة وخمسين عاما، وقامت أكثر من جهة بدراستها على فترات متباعدة ولأغراض وأهداف مختلفة.

ففي ظل الصراع الذي احتدم بين فرنسا وبريطانيا خلال القرن التاسع عشر حول السيطرة على الطرق الموصلة للمستعمرات في الشرق، وقيام فرنسا بإقناع حكام مصر بحفر قناة السويس، فكرت بريطانيا في إيجاد بدائل يمكن من خلالها الربط بين الشرق الأدنى وأوروبا دون المرور بقناة السويس، ولهذا الغرض طرح المهندس البريطاني وليام آلن عام 1850م فكرة ربط البحر الميت بالبحر المتوسط عبر قناة تبدأ من خليج حيفا إلى وادي الأردن، بحيث يمكن رفع منسوب المياه في البحر الميت وخليج العقبة إلى درجة تمكن من إبحار السفن من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر عبر البحر الميت، وعرض هذه الأفكار في كتاب له بعنوان "البحر الميت – طريق جديد للهند".

ورغم احتلال بريطانيا لمصر وبسط سيطرتها على قناة السويس، إلا أنها استمرت في التفكير في المشروع خوفاً من حدوث أي تغيرات في وضع احتلالها لمصر يؤدي لحرمانهما من استغلال قناة السويس لأغراض النقل البحري وبالتالي عزلها عن مستعمراتها في الهند.

وقد أوفدت إلى فلسطين آنذاك الجنرال تشارلز غوردون حاكم السودان لإجراء مزيد من الدراسات على فكرة آلن، وقام غوردون بتطوير مشروع سلفه وأدخل بعض التعديلات عليه.

وبعد تراجع الاهتمام البريطاني بمشروع قناة البحار الذي لم يعد له مبرر في نظرهم، تَلَقَف دعاة الصهيونية من علماء ومنظرين سياسيين الفكرة بعد تعديلها، وكان أول هؤلاء المهندس السويسري ماكس بوركارت الذي أعتنق اليهودية واتخذ له اسم ابراهام بن ابراهام. وطور بوركارت أفكار آلن وغوردون لتتلاءم ومشاريع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، الذي كان نشيطا في أواخر القرن التاسع عشر، والذي كانت دعامته الاستيلاء على الأرض والمياه و إنتاج الطاقة. وفي عام 1899، أرسل بوركارت إلى تيودر هيرتزل نتائج أبحاثه التي تضمنت مخططا موجزا للمشاريع اقترح فيه شق قناة من خليج حيفا إلى غور بيسان، ومن ثم السير بمحاذاة نهر الأردن، وصولا إلى البحر الميت. بهدف استغلال فارق الارتفاع 400م ما بين سطح البحر المتوسط والبحر الميت لتوليد الطاقة. و قد قام تيودور هيرتزل بعرض هذا المشروع في كتابه " الأرض القديمة – الجديدة " الذي صدر عام 1902، حيث أشار فيه إلى التصاميم المتعلقة بمشروع قناة البحار الذي أرسلها إليه بوركات [1].

وفي عام 1919 تطرق المهندس النرويجي يورث إلى المشروع واقترح شق نفق مباشر بين جبال " يهودا " بغية استخدام سقوط المياه لتوليد الطاقة على شاطئ البحر الميت، وفي عام 1925 اقترح مهندس فرنسي يدعى بيار جنادريون، شق قناة تربط البحرين المتوسط والميت عبر سهول مرج بن عامر حتى غور الأردن، وبناء محطتين للطاقة، الأولى في أول غور بيسان، والأخرى في منخفض نهر الأردن.[2]

وفي عام 1938 كلفت الوكالة اليهودية المهندس الأمريكي والتر لاودر ميلك دراسة الأوضاع المائية في فلسطين. و الذي قام بدوره في عام 1944 بتقديم مشروعه المعروف باسمه إلى الوكالة اليهودية ويتضمن مشروع لاودر ميلك تحويل مياه نهر الأردن إلى إقليم السهل الساحلي وإقليم النقب. وتضمن مشروعه شق قناة تصل البحر المتوسط بالبحر الميت وتمتد من خليج عكا عبر سهل مرج ابن عامر إلى غور بيسان ووادي الأردن ومن ثم إلى البحر الميت.[3]

ويلاحظ أن كل هذه الجهود التي بذلت لدراسة مشاريع ربط البحر الميت بأحد البحار المفتوحة القريبة منه ( المتوسط أو الأحمر ) كانت مرتبطة بشكل كبير بالرغبة في زيادة الاستيطان اليهودي والهجرة إلى فلسطين، وضمان السيطرة على الموارد المائية المختلفة وتحويلها لصالح المشروعات الاستيطانية الكبيرة وبخاصة في منطقة النقب،وهو ما لم يتحقق في تلك المرحلة بسبب الأوضاع التي سادت فلسطين ومنعت تنفيذ هذه الأفكار والمشاريع.

وفي بداية الأربعينات أخذ العديد من التقنيين والباحثين، بإيعاز ودعم من الحركة الصهيونية العالمية، بدراسة مشروع قناة البحار جديا، وشكلت الحركة الصهيونية "لجنة استقصاء الحقائق في فلسطين" بهدف دراسة ومعرفة إمكانيات استيعاب المستوطنين اليهود في فلسطين بناء على استغلال أقصى للأراضي والمياه الفلسطينية. ونشرت اللجنة أول تقرير لها في عام 1943، والتي كان يرأسها المهندس الأمريكي جميس هنز، و بمشاركة الخبيرين جون سافدج و والتر لاودرميلك ، واقترحوا تحويل مياه نهر الأردن لأغراض الري، وتعويض انخفاض مستوى البحر الميت الناتج عن ذلك بنقل مياه البحر المتوسط عبر قناة إلى البحر الميت، إضافة إلى استغلال ذلك في توليد الطاقة.[4]

وخلال الفترة بين عامي 1950 و1955 قدم الخبير الأمريكي جون كيتون سبعة مشاريع لسبع قنوات مختلفة لربط البحر الميت بالبحر المتوسط ليتم اختيار واحدة منها.[5]

وقد شكلت التطورات السياسية التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط من انسحاب بريطاني من قاعدة قناة السويس في مصر و قيام جمال عبد الناصر بتأميم القناة و بسط السيطرة الكاملة عليها، وما تبع ذلك من فشل للعدوان الثلاثي الفرنسي البريطاني الإسرائيلي في تحقيق سيطرة على قناة السويس، و قيام مصر بمنع السفن الإسرائيلية من عبور القناة، كل هذه التطورات شكلت دافعا قويا لدى الحكومات الإسرائيلية لتشجيع الأبحاث والدراسات التي تناولت إمكانية الربط بين البحر الميت والبحار المفتوحة الأخرى كبديل عن قناة السويس.

وهكذا أصبح لدى الحكومة الإسرائيلية في الستينات ما يكفي من العلماء والتقنيين لمتابعة دراسة مشروع قناة البحار. وعلى الرغم من أن هذا المشروع لم يكن مدرجا للتنفيذ بإلحاح في جدول أعمال الاستيطان الصهيوني في تلك الفترة، فقد تمت دراسته بصورة منهجية من قبل خبراء إسرائيليين منهم شلومو غور ويوفال نثمان ومئير باشن وحاييم فنكل، وشلومو أكشتاين .[6]

وفي عام 1968 طرحت فكرة حفر قناة تربط بين ميناء "أسدود" على البحر المتوسط وميناء "إيلات" على البحر الأحمر، وعلى الرغم من أن العديد من المؤشرات كانت تشير إلى تبني حكومة جولدا مائير للمشروع، إلا أن الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية قد أدت إلى تعليق المشروع بانتظار حدوث متغيرات جديدة. [7]

وقد شكلت أزمة الطاقة التي عانت منها الدول الغربية أثناء حرب أكتوبر عام 1973 دَفعةً قوية أخرى للحكومات الإسرائيلية للبحث بجدية أكبر في مشروع قناة تربط البحر الميت بأحد البحار المفتوحة من حوله، والاستفادة من هذا المشروع في إحكام السيطرة على الأراضي التي احتلتها عام 1967 ولتوليد الطاقة.

فقامت الحكومة الإسرائيلية عام 1974 بتشكيل لجنة مهمتها إعداد دراسة أولية عن فوائد المشروع في توليد الطاقة في منطقة البحر الميت، وبعد عمل دام أكثر من سنة، قدمت اللجنة تقريرا أشار إلى جدوى إقامة قناة البحرين من الناحية الاقتصادية، وأوصت اللجنة بإجراء بحث مفصل وإعداد مشروع أولي.[8]

المسارات المقترحة لربط البحر المتوسط بالبحر الميت



وفى عام 1977 قامت الحكومة الإسرائيلية بتشكيل لجنة تخطيط لدراسة ثلاثة عروض لمسارات تربط البحرين الميت والمتوسط. وعرض آخر يربط البحر الأحمر بالميت عبر "إيلات"، الغريب أن النتيجة النهائية التي توصلت إليها هذه اللجنة كانت التأكيد على أفضلية مشروع توصيل البحر الميت بغزة. باعتبارها الأكثر جدوى اقتصاديا بينما جاء مقترح توصيل البحر الميت بإيلات باعتباره هو الأسوأ والأقل من حيث الجدوى الاقتصادية!.[9]

ويبدأ الخط الذي أطلق عليه " خط القطيف – مسعدة " من تل القطيفة الذي يقع على شاطئ البحر الأبيض المتوسط جنوبي دير البلح وشمالي خانيونس في قطاع غزة وينتهي في منطقة مسعدة بالقرب من البحر الميت مارا بالنقب الشمالي جنوبي بئر السبع.[10]

وفي 24/8/1980 اتخذت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع قرارا سياسيا يقضي بالعمل على تنفيذ المشروع، وفي 28/5/1981 بوشر العمل بتنفيذ المشروع من قطعة على سفح جبل "يائير" ( قطاعه ) المطل على البحر الميت بالقرب من مسعده.[11]

وحسب وجهة النظر الإسرائيلية فإن هذه القناة تهدف إلى توليد حوالي ثلاثة آلاف ميجا واط من الطاقة الكهربائية سنويا عن طريق المحطات الكهربائية والطاقة الشمسية والمفاعلات النووية. كما تهدف إلى إنتاج ما يقارب 20 ألف برميل من الزيت الخام يوميا من الصخور الزيتية, وإقامة مجمعات صناعية ومستوطنات زراعية تصل إلى مائة مستوطنة في النقب الشمالي, وتحلية مياه البحر وإنشاء بحيرات مائية لأغراض السياحة وتربية الأسماك. ويتوقع أن إسرائيل هدفت ـ وإن لم تعلن عن ذلك ـ إلى إقامة أربعة مفاعلات نووية جديدة.وحسب تقديرات الكلفة عام 1983 كانت تكلفة إنشاء القناة 1,5 بليون دولار, جمع منها حوالي مائة مليون دولار من منظمة السندات الإسرائيلية لتغطية تكاليف المرحلة الأولى من المشروع.[12]

وتوقعت الدراسات الإسرائيلية أن ترفد هذه القناة البحر الميت بحوالي 1600 مليون متراً مكعباً سنويا, وبإضافة 600 مليون متراً مكعباً من مياه الروافد سيصب في البحر الميت ما مجموعه 2200 مليون متر مكعب من المياه سنوياً. ليعود مستوى سطح البحر الميت إلى -395 مترا تحت مستوى سطح البحر عام 2000, وتعود مساحته إلى ما كانت عليه في الخمسينيات. وبعد عام 2000 توقعت الدراسة الإسرائيلية أن تزداد مساحة البحر الميت لتصل إلى 1173كم2, وبذلك سوف تغمر المياه أجزاء خارج نطاق البحر الميت لتصل إلى غور الصافي وغور فيفا في الأردن.[13]

وقد واجه المشروع انتقادات عربية ودولية، فالأردن رفضه لتأثيره على الأراضي العربية المحتلة وآثاره الاقتصادية والجغرافية السلبية، والأضرار التي يمكن أن تلحق بمعامل البوتاس الأردنية على البحر الميت، وتم إثارة و بحث الموضوع على مختلف الصعد سواء على مستوى الجامعة العربية ومؤتمرات وزراء الخارجية العرب أو على المستوى الإسلامي.

كما انتقدت الأمم المتحدة مشروع حفر القناة في 16 ديسمبر 1982، لأنها تنتهك حرمة الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتضر بالمصالح الفلسطينية، ودعت الهيئات الدولية إلى عدم تقديم أية مساعدات سواء مباشرة أو غير مباشرة لهذا المشروع.[14]

وفي عام 1983 وخلال اجتماعات المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة UNEP قدم مشروع قرار للمجلس لإدانة إسرائيل، وقد حظي القرار بتأييد ساحق ولم يصوت ضده إلا الولايات المتحدة الأمريكية، إذ إن إسرائيل لم تكن في تلك الدورة عضوا في المجلس التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة, ولكن ممثلها كان حاضرا الجلسة. وقد توجه القرار الذي اتخذ بتاريخ 13 أيار 1983 إلى جميع الدول والوكالات المتخصصة والمنظمات الحكومية وغير الحكومية, بألا تساعد, بطريقة مباشرة أو غير مباشرة, في الإعداد لهذا المشروع وتنفيذه. وطلب القرار من المدير التنفيذي للبرنامج أن يسهل أعمال الأمين العام للأمم المتحدة في الرصد والتقييم على أساس متواصل لجميع الجوانب وخصوصا الأيكولوجية المتعلقة بالآثار غير المواتية المترتبة بالنسبة للأردن والأراضي العربية المحتلة عام 1967, بما في ذلك القدس, وعدم تنفيذ القرار الإسرائيلي الذي يرمي إلى إقامة هذه القناة.[15]

وفي تلك الفترة، طرحت الحكومة الأردنية مشروعاً بديلاً لربط البحر الميت بالبحر الأحمر، كرد على المشروع الإسرائيلي. غير أن الدراسات المستقلة أثبتت أنه لا مكان لمشروعين منفصلين، كما أن تنفيذهما معاً سيؤدي إلى كارثة اقتصادية وبيئية، من ثم لا بد من الاتفاق على مشروع واحد، إذا قدّر له أن يرى النور.[16]

وقد قوبل المشروع الأردني برفض واعتراض إسرائيلي، وقام رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت مناحم بيجن بدعوة الأردن إلى المشاركة في تنفيذ المشروع الإسرائيلي بدل من القيام بمشروع منفرد.

وبموازاة الضغوط الخارجية كانت هناك اعتراضات كبيرة داخل إسرائيل، حيث أثارت الجدوى الاقتصادية للمشروع شكوك المعارضة الإسرائيلية وبخاصة مع تأثر مشاريع استخراج البوتاس على جانبي البحر الميت، وانخفاض أسعار البترول، وتركيز الحكومة الليكودية في ذلك الوقت على الأهداف السياسية والعسكرية و الاستراتيجية بعيدة الأمد.

وبعد تشكيل حكومة الوحدة الوطنية بزعامة شمعون بيريس عام 1984 تم تجميد المشروع بشكل كامل في انتظار حدوث تغيرات في المنطقة تسمح بتنفيذه في إطار إقليمي، بعد أن تأكد لإسرائيل استحالة تطبيقه بشكل منفرد.


مشروع القناة و عملية السلام:

أتاحت الأجواء التي وفرتها انطلاقة عملية السلام في الشرق الأوسط بعد مؤتمر مدريد ومن بعده توقيع اتفاق المبادئ بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية الفرصة لإجراء اتصالات ثنائية ومتعددة الأطراف بين إسرائيل والدول العربية المعنية بعملية السلام، وبالتالي جاءت الفرصة لإحياء العديد من المشروعات التي يمكن أن تنفذ بشكل إقليمي، وكان من أبرزها مشروع قناة البحرين بعد أن تم تطوير التصور الإسرائيلي ليتفق مع التصور الأردني الذي كان يتركز حول حفر قناة تربط البحر الأحمر بالبحر الميت.

وبدأ بحث المشروع جديا بتاريخ 25/7/1994 بعد توقيع الجانبين الأردني والإسرائيلي اتفاق إنهاء حالة الحرب بينهما حيث اتفق الطرفان على تشكيل لجنتين إحداهما لترسيم الحدود والأخرى لبحث قضايا المياه وقد كان من نتائج اجتماعات لجنة قضايا المياه الإعلان في نهاية آب من عام 1994 عن التوصل إلى اتفاق لإنشاء قناة البحرين كما شملت المادة السادسة من معاهدة السلام الموقعة بين الجانبين في نهاية تشرين أول عام 1994 ملحقا تنظيميا للعلاقات المائية بين الطرفين وقد كان من بين تلك الأمور إنشاء قناة البحرين.

وتجدر الإشارة إلى أن البنك الدولي والحكومة الإيطالية قد قاما بتمويل دراسة المشروع عام 1997 وهذه الدراسة قدرت كلفة المشروع بحوالي مليار دولار على اعتبار أن طول القناة لا يتعدى 20 كيلومتراً من البحر الأحمر يتم ربطها بأنابيب لنقل المياه للبحر الميت·[17]


لكن الأمر لم يكن بالشيء الهين فالتعسر المستمر لعملية السلام على المستوى الفلسطيني والسوري واللبناني، وما ترتب على ذلك من أحداث دامية على الأرض كان من أبرزها هبة النفق وانتفاضة الأقصى، وتولي حكومات متشددة زمام الحكم في إسرائيل، وما ترتب على ذلك من تعطيل لمسيرة التطبيع الاقتصادي العربي مع إسرائيل، ومعارضة العديد من الدول العربية للمشروع وعلى رأسها مصر التي رأت فيه تهديداً لقناة السويس ومحاولة لإيجاد بديل عنها، إضافة إلى التكلفة الكبيرة للمشروع والتي تتراوح بين مليارين ونصف المليار وخمسة مليارات دولار وإحجام المستثمرين عن التضحية بأموالهم في منطقة خطرة، كل هذه العوامل أدت إلى عدم تنفيذ المشروع طوال حقبة التسعينات ومطلع الألفية الثالثة.

ومع ذلك ظلت الاتصالات الأردنية الإسرائيلية للتنسيق حول المشروع مستمرة لبحث النقاط التي جعلت المعارضة العربية للمشروع قوية، ومحاولة تذليل هذه المعارضة والحد منها في انتظار الفرصة المناسبة للإعلان عن المشروع وبدء تسويقه للعالم. وفي خلال عام 2002 بدأت الأخبار تتوارد حول هذه الاتصالات التي ادعى المسؤولون الأردنيون أنها اتصالات غير رسمية عن طريق البنك الدولي والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وقرر الطرفان إعلان الفكرة ووضعها موضع التنفيذ الفعلي خلال قمة الأرض في جوهانسبرج في سبتمبر 2002 من خلال طرحها في شكل جديد هو من خلال مد خط أنابيب وليس حفر قناة، وذلك من أجل تقليص المعارضة العربية من ناحية وخفض التكلفة من ناحية أخرى، هذا فضلا عن طرحها في إطار مؤتمر دولي للبيئة من أجل إضفاء أبعاد بيئية تصرف النظر عن الحقائق السياسية والاقتصادية التي يتضمنها المشروع، وقد أكد شمعون بيريس أنهم اضطروا إلى تغيير المصطلحات من قناة إلى خط أنابيب تجاوبا مع المستجدات الدولية والإقليمية في قمة الأرض، ومن أجل تخفيف المعارضة ضد المشروع خاصة من الدول العربية. ولا شك أن صبغ المشروع بالصبغة البيئية يساهم في دفع الدول الغنية الممولة لتحمل نفقات المشروع، ولذلك ارتبط توقيت الإعلان عنه بقمة الأرض، حيث تحاول الدولتان تمرير المشروع من بوابة مشاريع البيئة العالمية المهمة بسبب صعوبة تمريره من بوابة المشاريع الإقليمية المشتركة على خلفية الشرق الأوسط الجديد.[18]

وقد شكل هذا الإعلان مفاجأة كبيرة للدول العربية التي شاركت في المؤتمر و بخاصة مع وجود قرارات عربية بتجميد أي تعاون اقتصادي مع إسرائيل بعد انتفاضة الأقصى، حيث قوبل برفض عربي واسع النطاق. وخلال اليوم الرابع للمؤتمر عقدت المجموعة العربية اجتماعا عاصفا أعربت خلاله غالبية الوفود العربية المشاركة في القمة عن استيائها من توقيت الإعلان عن المشروع.

وعلى صعيد وجهة النظر الفلسطينية فقد أكد الوفد الفلسطيني أن فلسطين ليست طرفا في مشروع القناة، وأنه يتعارض مع الحقوق الفلسطينية في البحر الميت.

وذهب احد أعضاء الوفد الفلسطيني إلي حد القول بان الإعلان عن المشروع في قمة جوهانسبرج هدفه في المقام الأول سياسي وليس هدفا بيئي‏,‏ وذلك في إطار خطه إسرائيلية رصدت لها ميزانيه‏2.5‏ مليون دولار للتأثير في مقررات قمة جوهانسبرج.[

وقد بذلت الأردن جهوداً حثيثة على المستوى العربي لإقناع الدول العربية بسحب معارضتها للمشروع. فمن جهة حاولت إشراك الجانب الفلسطيني في المشاورات الخاصة بالمشروع، كون الفلسطينيين هم الطرف الثالث الذي يتصل بشكل مباشر بالبحر الميت، ومن جهة أخرى حاولت إزالة الشكوك المصرية حول القناة من خلال التأكيد على أن جزءاً منها سيكون عبارة عن خط أنابيب وأنها لن تكون صالحة للملاحة، وبالتالي فهي لن تشكل بديلا أو منافسا لقناة السويس في المستقبل.

وقد أثمرت هذه الجهود خلال المنتدى الاقتصادي العالمي الذي عقد على ساحل البحر الميت والذي أعلن فيه بشكل رسمي وبموافقة كل الدول المشاركة بما فيها الجانب الفلسطيني البدء الفوري في تنفيذ المشروع.

الوضع البيئي الحالي للبحر الميت:

يمثل البحر الميت ظاهرة نادرة غير متكررة على سطح الأرض وخاصة فيما يتعلق بخصائص مياهه وما تحمله من عناصر ومركبات معدنية هامة، والطبيعة التكوينية له وللمناطق المحيطة به، جعله منذ عهود كبيرة مركزاً لاهتمام العلماء والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

ويشغل البحر الميت أخفض منطقة في غور الانهدام السوري الأفريقي، وتبلغ مساحته حوالي 1000 كم2، ويتكون من حوضين، الحوض الشمالي ويشغل مساحة 756كم2 تقريبا, والحوض الجنوبي يشغل مساحة 244 كم2، وتبلغ نسبة الملوحة في مياه البحر الميت حوالي 30% وهي أعلى نسبة ملوحة في البحار والمحيطات، ولهذا يخلو البحر الميت من وجود الأسماك والكائنات الحية.

والحقيقة أن سطح البحر الميت يعاني منذ فترة طويلة جدا من انخفاض مستمر حيث تؤكد بعض الدلائل والأبحاث أن مستوى سطحه كان يقع على انخفاض 182 متراً فقط من سطح البحر، وبالتالي فإن مياهه كانت ممتدة على طول غور الانهدام من أطراف بحيرة طبرية في الشمال وحتى موقع عين حصب في وادي عربة على بعد 38 كم جنوبي البحر الميت. [20]

والجدول التالي يوضح تذبذب مستوى منسوب سطح مياه البحر الميت منذ سنة 1865 حتى عام 1980 [21]

مستوى البحر الميت منذ سنة 1865 حتى 1980



السنوات

المستوى (تحت سطح البحر)

السنوات

المستوى (تحت سطح البحر)



1865

1910

1912

1915

1928

1933

1938

-393.8م

-392م

-391م

-387م

-393م

-394م

-395م



1944

1946

1961

1963

1966

1971

1973

1980

-395م

-394.29م

-395م

-398.5م

-399م

-399م

-398م

-402م





وقد أثرت عملية التذبذب السلبي في منسوب المياه والذي بلغ معدله خلال السنوات الأربعين الماضية ما بين 50 إلى 70 سنتمترا في السنة، على مساحة البحر الميت التي تقلصت من 1000 كم2 لتصل في وقتنا الحالي إلى 660 كم2 تقريبا.حيث انخفضت شواطئه أقل من متر سنوياً في المناطق ذات الانحدار الشديد و30 سنتمترا في المناطق قليلة الانحدار وبالتالي كان معدل تقلص مساحة البحر الميت ما بين خمسة إلى ستة كيلو مترات مربعة سنوياً. [22]

ورغم وجود العديد من الأسباب التي ساهمت في هذا الانخفاض ومنها التغيرات المناخية التي يشهدها العالم بشكل عام والمنطقة بشكل خاص والتي أدت إلى حالة من الجفاف و شح الأمطار والطبيعة التكوينية للبحر الميت واختلاف معدلات التبخر، إلا أن أهم أسباب انخفاض منسوب سطح البحر الميت في السنوات الأربعين الأخيرة يرجع إلى مشروعات المياه الإسرائيلية التي نفذت بهدف استغلال مياه الأنهار التي تصب في البحر الميت لخدمة أغراض التوسع والاستيطان الإسرائيلي وبخاصة في منطقة النقب، وعلى رأس هذه المشاريع مشروع تحويل مجرى نهر الأردن الذي نفذته الحكومة الإسرائيلية عام 64 حيث ضخت نصف مياهه إلى مناطق في النقب، ومن جهة أخرى فإن الصناعات الأردنية والإسرائيلية لاستخراج البوتاس والأملاح المختلفة التي تستفيد من البحر الميت تستهلك كمية ضخمة من المياه وهو ما زاد من تدهور المنسوب، ونتيجة لذلك فإن البحر الميت قد فقد حوالي 90% من كمية المياه التي كانت تصل له مما أدى إلى اختلال المعادلة البيئية التي كانت توازن بصورة دقيقة بين كمية المياه التي تصل إلى البحر الميت و كمية المياه التي يفقدها البحر من جراء التبخر والتي كانت تحافظ على مستوى المياه شبه ثابت.

وقد أشارت دراسات الموازنة المائية للبحر الميت التي أجرتها سلطة المياه الأردنية إلى أن معدل كميات المياه في السنوات الأخيرة المغذية للبحر الميت من المياه الجوفية والسطحية في الجهتين الغربية والشرقية معا تصل إلى حوالي 450 مليون متر مكعب سنويا فقط ، علما بأن حاجة البحر الميت السنوية من المياه يجب أن تصل في معدلها إلى 1250 مليون متر مكعب والتي تساوي كمية التبخر من سطح ماء البحر الميت لكي يحافظ على منسوبه دون هبوط، أي أن هناك حاجة إلى ما يعادل 800 مليون متر مكعب سنويا.[23]

لكن انخفاض منسوب المياه ليس بحد ذاته «المشكلة»، فالأدلة التاريخية (كما يظهر الجدول السابق) تثبت أنه خلال الثلاثمائة سنة الماضية، تأرجح منسوب المياه ما بين 375 و405م تحت مستوى سطح البحر. أما «المشكلة» فهي حقاً النتائج المترتبة على حدوث انخفاض منسوب المياه، وأهمها وأسوأها هو انخفاض منسوب المياه الجوفية في المناطق المجاورة للبحر الميت، والحفر الانهيارية، وازدياد ملوحة مياه البحر الميت، وتبلور وترسب الأملاح.[24]

فقد بدأت في التشكل حفر معرضة للانهيار بين فترة وأخرى على جانبي البحر الميت جراء انخفاض كثافة المياه وبالتالي ازدياد سرعة حركة المياه الجوفية العذبة في اتجاه البحر الميت وجرف الأتربة والصخور الداخلية مما شكل هذه الحفر الانهدامية التي بلغ عددها حوالي 1000 حفرة مغطاة بالمياه والتي أسفرت عن عدد كبير من المشاكل منها سقوط وغرق عدد من المواطنين فيها، كما أنها تسببت في انهيار جزء من الطريق السريع المحاذي للبحر الميت من الجانب الأردني.

وتهدد هذه الحالة العديد من المنشآت السياحية التي أخلي بعضها بالفعل وألغي إنشاء البعض الآخر، كما تهدد مساكن المواطنين، حيث أجبرت الانهيارات الأرضية على الساحل الأردني لإجلاء أكثر من 3000 نسمة من المنطقة.[25]

وبانخفاض مستوى سطح البحر الميت، تنجرّ المياه الجوفيه المالحة إليه، فاسحة المجال لقدوم المياه العذبة التي تغادر الحيز الذي كانت تشغله سابقاً. وهذا الماء العذب يصبح مالحاً من جراء تماسه بالأرض التي لا تزال تحتوي على كميات كبيرة من البقايا الملحية. وهذا التلوث الملحي بدوره يزيد من تقليص احتياطي المياه الباطنية العذبة في منطقة البحر الميت.[26]

فالوضع البيئي الحالي في البحر الميت والذي يمكن وصفه بالوضع المتردي يحتاج لمعالجة سريعة، حتى لا تمتد الآثار المترتبة عليه لتشكل مخاطر كبيرة على المنطقة المحيطة ومواردها المختلفة، و بخاصة المياه الجوفية والأرضي الزراعية وصناعة استخراج البوتاس، والسؤال المطروح الآن هو: هل قناة البحر الميت الأحمر هي الحل الأمثل لهذه المشكلة ؟، وهل يمكنها حقا إنقاذ البيئة في هذه المنطقة ؟ أم أن القناة يمكن أن تكون تهديداًً آخر للبيئة في المنطقة ربما أخطر من التهديد القائم ؟


المشروع المطروح:

يؤكد المراقبون أن المشروع المطروح حاليا لربط البحر الميت بالبحر الأحمر مازال برمته قيد الدراسة و التفاوض ،وأنه بالرغم من تسويق أفكار محددة عن طبيعة المشروع ومراحله إلا أن هذه التصورات التي جاءت للتقريب يين وجهتي النظر الأردنية والإسرائيلية مازالت بعيده عن اتفاق الأطراف المشاركة أو الممولة للمشروع.

ولا شك أن المشروع لن يتم تنفيذه خلال فتره قصيرة، فبحث تأثيرات المشروع ووضع تصور شامل عن طبيعته و ملحقاته، وكيفية التنفيذ سيحتاج إلى وقت طويل وبخاصة في ظل الظروف السياسية المتقلبة في المنطقة.

لكن ما يمكن تأكيده أن الخطوات العملية للمشروع قد بدأت بالفعل، فقد تناقلت الصحف العربية التي قامت بتغطية أعمال المنتدى الاقتصادي الدولي الأخير الذي عقد على شاطئ البحر الميت أن ممثلي الأردن وإسرائيل والسلطة الوطنية الفلسطينية اتفقوا على هامشه علي ضرورة البدء الفوري في تنفيذ مشروع قناة لربط البحر الميت بالبحر الأحمر وعدم تسييس الموضوع أو ربطه بالوضع المتأزم في الشرق الأوسط‏.

ففي إحدى جلساته قدم الدكتور حازم الناصر وزير المياه والري الأردني عرضا عن مشروع قناة البحرين (الأحمر – الميت) وذلك بحضور عدد من الشخصيات الرسمية الأردنية وبمشاركة د. نبيل قسيس وزير التخطيط الفلسطيني ويوسف بريتسكي وزير البنى التحتية الإسرائيلي وممثلي وزارة الخارجية الأمريكية والبنك الدولي وعدد كبير من رجال الأعمال وممثلي الشركات المهتمة بالموضوع.

وبعد انتهاء المنتدى قدم البنك الدولي للدول الثلاثة مسودة الشروط المرجعية لإعداد دراسة الجدوى التفصيلية للجوانب البيئية والاجتماعية للمشروع حتى يتم إقرارها بعد أن تقدم كل دولة ملاحظتها عليها.


وحسب وجهة النظر الأردنية فإن المشروع يتكون من مرحلتين: الأولى منهما ستشكل المرحلة الأساسية وهي إنشاء قناة تربط بين البحر الأحمر والبحر الميت على أن تنفذ عبر خطوتين:

الخطوة الأولى: تتضمن قناة بطول 12 كيلومترا من شاطئ العقبة باتجاه الشمال، بسعة تدفق تصل إلى 60 مترا مكعبا في الثانية، لتصل بعد ذلك إلى محطة رفع تضخ المياه بواسطة الأنابيب إلى ارتفاع 126 مترا فوق سطح البحر، لتصب في أنابيب أخرى قطرها 4 أمتار تنقل المياه وبطول 180 كلم إلى الشاطئ الجنوبي للبحر الميت، وبواسطة الانسياب الطبيعي، ولتصل إلى نقطة ترتفع عن سطح البحر الميت بحوالي 107 أمتار لتنساب إلى مستوى 400 متر تحت سطح البحر، وبالتالي الاستفادة من فرق المنسوب المقدر بـ 507 أمتار لتوليد الطاقة الكهربائية.

الخطوة الثانية: بناء محطات لتوليد الطاقة الكهربائية للاستفادة من الارتفاع الشاهق لسقوط المياه[27].

وبعد الانتهاء من إنشاء القناة سيتم طرح عطاء عالمي للشركات المتخصصة لإنشاء محطة تحلية ونقل المياه إلى الأردن وإسرائيل وفلسطين علي أساس نظام بناء وتشغيل ونقل الملكية وبكلفة تقديرية تصل إلي ثلاثة مليارات دولار، وهو ما يشكل المرحلة الثانية.

مواقف الدول المشاطئة للبحر الميت من المشروع:

من خلال تحليل تطور فكرة مشروع قناة البحرين والطرح الحالي لها يتضح وجود اختلاف في الأساس الذي تنبع منه مواقف الأردن وفلسطين وإسرائيل من مسألة قناة البحر الأحمر- الميت إلى حد كبير، فالمواقف وإن بدت متشابهة في ظاهرها فإنها تحمل الكثير من الاختلاف في الغاية التي ينطلق إليها كل طرف.

كما أن حماسة الأطراف المختلفة المشاركة تتباين أيضا، ففي حين تتحمس الأردن له وتعتبره مشروع المستقبل لها فإن الجانب الإسرائيلي ورغم محاولة الظهور بمظهر الموافق والمتحمس للمشروع يريد أن يضمن قبل كل شيء أن يخدم أكبر قدر ممكن من مصالحة الحالية والمستقبلية بغض النظر عن الأطراف الأخرى، وبالتالي فإنه يمكن أن يتخلى عن المشروع في حالة حالت الأطراف الأخرى دون تحقيق هذه المصالح، أما الجانب الفلسطيني فقد وجد نفسه مرغما على المشاركة في المشروع وبخاصة بعد قمة جوهانسبرج عندما انفردت الأردن وإسرائيل بطرحة حتى يضمن المحافظة على حقوقه المشروعة، ولعدم القفز على الشعب الفلسطيني الذي يعتبر جزءاً أساسيا من معادلة المنطقة.

ويمكن تلخيص الدوافع التي تقود وجهة نظر الدول المختلفة من المشروع كالتالي:

دوافع وجهة النظر الأردنية:

يعتبر المسؤولون الأردنيون أن مشروع قناة البحرين هو مشروع القرن الحالي بالنسبة للأردن، وتفسر ذلك الجهود الكبيرة التي يبذلها الأردن للترويج له على المستوى الدولي والعربي، وترتكز وجهة النظر الأردنية في تسويقها للمشروع وبخاصة على المستوى العربي على عدد من النقاط:

1. أن المشروع أردني المنشأ وأنه جاء ردا على مجموعة من المشاريع الإسرائيلية التي أرادت وصل البحر الميت بالبحر المتوسط أو الأحمر.

2. إثارة المشكلة البيئية للبحر الميت وبخاصة انخفاض مستوى المياه فيه بشكل مستمر، مع تسويق مقولة أن البحر الميت سيختفي بعد خمسين عاماً إذا لم يتم إنقاذه الآن.

3. أن المشروع يمثل حلا لمشكلة المياه الكبيرة التي يعاني منها الأردن بشكل خاص والمنطقة بشكل عام حيث سيوفر حسب المصادر الأردنية ما يزيد على 850 مليون متر مكعب من المياه سنويا للأطراف الثلاثة الأردن وفلسطين وإسرائيل، حصة الأردن منها تصل إلى نحو 570 مليون متر مكعب سنوياً.

4. أن التكلفة العالية للمشروع تحول دون تنفيذه من الجانب الأردني بمفرده وهو ما يحتم أن يتم التمويل على شكل منح وان هذا العمل يجب أن يكون مشتركا بين الأردن وفلسطين وإسرائيل وبالتالي لا بد من طرح هذا المشروع بشكل إقليمي كجزء من المشاركة الدولية في العملية السلمية.

ومن أبرز العروض لوجهة النظر هذه مقال لوزير المياه والري الأردني د. حازم الناصر نشرته صحيفة الشرق الأوسط قال فيه: "إنَّ المشروع أردني الطرح، وقد واجه مشروعاً إسرائيلياً لربط البحرين الأبيض والميت، وقد فرض هذا المشروع (البحر الأحمرـ البحر الميت ) وجوده، بعد النتائج الخطيرة التي عانى ويعاني منها البحر الميت، وانخفاض منسوبه حوالي 24 مترا خلال الخمسين سنة الماضية، وهي عملية مستمرة بمعدل انخفاض متر واحد سنوياً جراء عملية التبخر والاستخدامات الصناعية المقامة عليه، وانخفاض كميات المياه المغذية وبسبب استخدامات الدول المشاطئة له، التي كانت تقدر بـ 1.3 مليار متر مكعب سنوياً، لتصبح الآن أقل من 0.3 مليار متر مكعب، وما ترتب على ذلك من انحسار لمساحة البحر من 950 كيلومترا مربعا إلى أقل من 630 كيلومترا مربعا، وانخفاض منسوبه من 392- مترا ، إلى 412- مترا تحت السطح، الأمر الذي سيؤدي إلى زوال البحر الميت نهائيا إذا ما استمر الوضع على ما هو عليه في غضون 50 عاما."[28]

دوافع وجهة النظر الفلسطينية:

وجد الجانب الفلسطيني نفسه أمام خيارات محدودة بعد أن قامت الأردن وإسرائيل بعرض المشروع على قمة الأرض في مدينة جوهانسبرج عام 2002 بشكل منفرد، مما جعل الجانب الفلسطيني مضطراً للمشاركة في المشروع حتى يضمن المحافظة على حقوقه المشروعة، بعد أن تأكد أن لدى الأردن و إسرائيل رغبة في المشروع حتى بدون الجانب الفلسطيني.

وترتكز دوافع وجهة النظر الفلسطينية على الأمور التالية:

1. فلسطين دولة مشاطئة لحوض نهر الأردن والبحر الميت الذي يمثل جزءا من الحدود الشرقية لفلسطين وبالتالي يجب أن يكون لها دور كامل في جميع مراحل أي مشروع يقام في المنطقة سواء من حيث تطوير المفهوم أو التنفيذ.

2. دعم الموقف الأردني الداعي للمشروع وتقديم كافة التسهيلات اللازمة لإنجاح دراسة الجدوى البيئية الاقتصادية الاجتماعية للمشروع.[29]

3. الاحتفاظ بالحق القانوني الكامل لفلسطين كطرف مشاطئ في كيفية التعامل مع التوصيات التي تنتج عن دراسة الجدوى، وذلك بما يتلاءم و عدم المساس بحقوق المياه المعلقة مع إسرائيل أو السيادة للدولة الفلسطينية المستقبلية في مختلف النواحي للمشروع ذاته.[30]

4. المحافظة على الحقوق الفلسطينية في استغلال ثروات البحر الميت المختلفة والتي يقوم الجانبان الإسرائيلي والأردني فقط باستغلالها.

5. ضمان عدم وجود آثار أو مخاطر كبيرة للمشروع على البيئة الفلسطينية، أو على الوضع الاجتماعي لأي من قطاعات المجتمع الفلسطيني.

6. يعتبر الجانب الفلسطيني أن إسرائيل هي المسؤولة بشكل مباشر عن مشكلة انخفاض منسوب المياه في البحر الميت، بسبب المشاريع التي نفذتها لتحويل مياه نهر الأردن وروافده إلى بحيرة طبريا.

دوافع وجهة النظر الإسرائيلية:

منذ أكثر من مائة عام تفكر الحركة الصهيونية، ثم الحكومات المختلفة المتعاقبة لدولة إسرائيل في الربط بين البحر الميت واحد البحار المفتوحة ( المتوسط أو الأحمر)، وتم خلال أكثر من 100 عام إنجاز عشرات الدراسات التي تناولت الموضوع وهو ما خلق تفهماً كبيراً لدى إسرائيل لطبيعته وأسلوب الاستفادة القصوى منه. وترتكز الرؤية الإسرائيلية للمشروع على النقاط التالية:

1. الاستفادة من الأجواء التي وفرها الانتصار الأمريكي في الحرب على العراق والتي نتج عنها زيادة النفوذ الأمريكي بشكل كبير في المنطقة، وتبني الولايات المتحدة لرؤية جديدة في المنطقة وهو ما يقابله خمول واستسلام عربي وتفكك للعمل المشترك وهو ما سيقضي على أي معارضة رسمية للتعاون مع إسرائيل.

2. ضرورة القيام بمشروعات مشتركة مع الدول العربية المحيطة بإسرائيل وبخاصة الأردن التي يمكن من خلالها التسلل إلى المنطقة بأسرها.

3. أن أحد الأسباب المباشرة لفشل إسرائيل في تنفيذ المشروع في السابق هو تفكيرها في تنفيذه بمفردها وبالتالي كان يلاقي معارضة دولية كبيرة لانتهاكه حقوق الدول المجاورة، الأمر الذي دفع مناحم بيجن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إلى دعوة الأردن إلى المشاركة في تنفيذ المشروع الإسرائيلي لربط البحر الميت بالبحر المتوسط الذي طرح في ذلك الوقت.

4. يمثل المشروع أحد الأهداف المبكرة للحركة الصهيونية التي آمنت بأن توفيرالمياه وتوليد الطاقة هو من أهم ركائز الاستيطان في فلسطين، ففي عام 1902 أشار تيودور هيرتزل إلى مشروع قناة تربط بين البحر المتوسط والميت في كتابه " الأرض القديمة – الجديدة " وتضيف هذه النقطة بعدا تاريخيا له أهميته بالنسبة للإسرائيليين وأكبر دليل على هذه الرؤية ما نشرته صحيفة عل همشمار في مقال كتبه ف.سيفر وقال فيه:

"أن قناة البحرين هي جزء من رسالة تيودور هيرتزل التي قرأ فيها المستقبل، وبالتالي فهي جزء من المشروع الصهيوني الكبير، وأمامنا مزيج من الأساطير التي تبعث الدفء في أكثر القلوب برودة، ويوقد النار في أكثر العقول نبوغاً".[31]

5. تحقيق أكبر نفع ممكن للدولة العبرية والاستفادة من المشروع في تنفيذ مشروعات قومية إسرائيلية، تزيد من قوتها الاقتصادية والعسكرية والبشرية، وبخاصة في منطقة النقب سنأتي عليها بالتفصيل خلال استعراضنا للفوائد العائدة من المشروع على الجانب الإسرائيلي.

6. يعتبر حزب الليكود الذي يتولى الحكم في إسرائيل الآن وزعيمه شارون من أشد المؤيدين لمشروع قناة البحار والحقيقة أن الفترة التي أصبحت فيها إسرائيل قريبة من تنفيذ المشروع كانت فقط خلال تولي حزب الليكود الحكم و بخاصة في عهد مناحم بيجن.

*يتبع-
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف