الأخبار
الولايات المتحدة تفرض عقوبات على مقررة الأمم المتحدة الخاصة للأراضي الفلسطينية(أكسيوس) يكشف تفاصيل محادثات قطرية أميركية إسرائيلية في البيت الأبيض بشأن غزةجامعة النجاح تبدأ استقبال طلبات الالتحاق لطلبة الثانوية العامة ابتداءً من الخميسالحوثيون: استهدفنا سفينة متجهة إلى ميناء إيلات الإسرائيلي وغرقت بشكل كاملمقررة أممية تطالب ثلاث دول أوروبية بتفسير توفيرها مجالاً جوياً آمناً لنتنياهوالنونو: نبدي مرونة عالية في مفاوضات الدوحة والحديث الآن يدور حول قضيتين أساسيتينالقسام: حاولنا أسر جندي إسرائيلي شرق خانيونسنتنياهو يتحدث عن اتفاق غزة المرتقب وآلية توزيع المساعدات"المالية": ننتظر تحويل عائدات الضرائب خلال هذا الموعد لصرف دفعة من الراتبغزة: 105 شهداء و530 جريحاً وصلوا المستشفيات خلال 24 ساعةجيش الاحتلال: نفذنا عمليات برية بعدة مناطق في جنوب لبنانصناعة الأبطال: أزمة وعي ومأزق مجتمعالحرب المفتوحة أحدث إستراتيجياً إسرائيلية(حماس): المقاومة هي من ستفرض الشروطلبيد: نتنياهو يعرقل التوصل لاتفاق بغزة ولا فائدة من استمرار الحرب
2025/7/10
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

رحلت ذات صباح...بقلم: ميسون ابو بكر

تاريخ النشر : 1970-01-01
رحلت ذات صباح...

في يوم خريفي نقلت إلي الطبيعة كسلها وسكونها فلازمت غرفتي التي تعودت مجالسة أثاثها وجدرانها وقضيت جل الوقت في قراءة رسائلك القليلة التي كنت كتبتها لي رغم معرفتي بكرهك لكتابة الرسائل فأنت رجل تحب المواجهة في كل شيء فإذا برنين الهاتف يخرجني من قوقعتي ،هو زوج صديقتي زينب أتى صوته شاردا حزينا مذهولا يذهلني أنا الأخرى بنبأ وفاتها

هي الصدمة الكبيرة التي لم أكن يوما أتوقعها حيث يقرع هاتفي معلنا عن حياة توقفت للتو وصداقة ستكون منذ اللحظة مجرد ذكريات ،حياتها التي لم تستمر سوى ثلاثين عاما توقفت وصداقتنا التي امتدت لأكثر من سبع سنوات حكم عليها بالبتر 0

زينب ..آه زينب.. لقد كانت كضحكة فجر..كسحابة صيف هي طفلة رغم أعوامها الثلاثين ،وبرغم تضاريس الحياة على بشرتها السمراء

كانت تضحكنا دوما برغم آلامها وتشعرنا بالأمان رغم خوفها وتمنحنا القوة رغم ضعفها ،كان صدرها وسادة نتوسدها رغم أوجاعه في لحظات يأسنا الشديد ،كنا نرى ابتسامتها التي لم تكن تفارقها وسعادتها التي أوهمتنا بها ،ومرت الأيام حيث لم نكن نشعر أن بمرورها يقترب الفراق ،وسنكون على عتبات وداع أخير لا لقاء بعده أبدا.

رحلت ذات صباح تاركة قلبها ينبض في صدورنا ،وحنان لمساتها مازالت ملتصقة على وجوهنا

وصور حياتها وذكرياتها باقية في مخيلتنا ،وفراغا كبيرا شعرنا به وكانت تشغله قبل وفاتها.

رحلت كعملاقة من الثلج أذابها حر الصيف حين رحل الشتاء ،فشعرنا بماضينا وبوهج البراءة يرحل معها0

لقد كانت مزيجا من البراة والطفولة والشباب المتجدد والمرح ،واليوم تبخر كل ذلك ولم تشعرنا بألمها أو حرارة أنفاسها إلا حين فقدناها 0

كان عويل علي عاليا ،أهو الفراق المفاجئ أم الشعور بالتقصير تجاهها ؟أم أنها حياتها كانت قصيرة جدا وحالت دون أن يعوضها عن أيام قاسية مرا بها ،في لحظة 00انتقلت الحياة إلى جثة هامدة

وماتت في عينين كانتا في السابق نافذ ذاك الجسد على العالم ،وهاتان الشفتان اللتان كانتا تقطرا شهدا وحبا تراهما وقد تجمدت الحياة فيهما وكأن كهرباء الروح عندما أطفأها الخالق عن ذاك الجسد أخذت معها كل بريق الحياة وصخبها ودفئها وآن لهذا الجسد أن تحتويه الأرض التي كان عليها يسير شامخا ولم يرفق يوما بأديمها 0

هنا تلوح في ذاكرتي قصيدة لشاعرة كتبتها تزف جثة والدها إلى أديم الأرض وكأنها تهنئه

باحتواء نجمها (أبيها) 0هذه الكلمات كنت تعودت قراءتها حين فقدت أبي ووجدتها تتحدث عني في وقت خذلتني فيه الكلمات وعصاني سلطان الشعر0

تقول الشاعرة:

وتجمد النــبض الأخــير

وغفـت عروق النـهر واختنـق الأثــير

وتوقفت في القــلب أصداء الـزمــان

فترجل العمر الشجـي عن الـثريــا

وامتطى عرش الـرمــال

كالغـيث يسـكن فـي جـفون الأرض

يفترش القفــاف

كالـورد تلثمـه شفـاه المرج من ولــه

وتـأويه اللـحود

هو لن يــعود00

لكن وأمام أسرة زينب وأمام أبنائها كان لا بد لي أن أبتلع حزني 00وأخفي دموعي ،وذهولي وأتمالك نفسي كي أحسن عزاء أطفالها،في الصالة الفسيحة كان استقبال النساء لتقديم العزاء وكعادة بيوت العزاء :النساء تتشح السواد ويرتدين وجوههن ذاتها من دون أقنعة أو مساحيق تجميل، يبكين قليلا ومن ثم تتعدى النسوة موضوع الزيارة التي قدمن من أجلها إلى مواضيع أخرى

تدور بين كل اثنتين متجاورتين وكأن شيئا لم يحدث وكأنهن لم يبكين للتو امرأة استل الموت حياتها ويتم أطفالها ، أولئك الذين جلس كل منهم حيث وجد حضنا يضمه في صدر امرأة أشفقت على طفولتهم البائسة أو على يتمهم وكأنهم يلتمسون بقايا حنان حركتها مشاعر الموت فينا 0

هم لا يدركون حقيقة الموت أو لماذا يموت الإنسان لكن شيئا واحدا قد وعوه :أن زينب لن تعود لتكون بينهم ثانية 0

كنت يوما أحد أفراد هذا البيت واليوم أنا أقدم العزاء وأتقبله ،هي صديقة العمر رغم الفارق البسيط في السنوات بيننا ،كثيرا ما كنت أقصد منزلها ،لأشكو همومي أو أبث حزني أو لكي تشاركني فرحة ما وكانت كلماتها الرقيقة كشحنة أمـل تزودني بالصبر وبفرج قادم ،واليوم يا ترى من أين أحصل على هذه الشحنات لأتحمل فراقها وأتقبل فكرة موتها ،كانت دوما تستمع إلي ولم أكن أدرك بأن لديها الكثير لتقوله لي ،كانت بابتسامتها توهمني بسعادتها ،وفي أحضان هذا المنزل الذي أجلس فيه الآن بكل كآبتي ،كنت أهرب إليه من ضجيج مشاعري ومن ذكرياتي ،

واليوم أجلس أمام باب غرفتها ونظراتي ترتعش حين تصطدم ببابها ،فأشعر بكل الخوف والفزع والغربة والألم أمام جدران تلك الغرفة التي كانت بأميرتها عرشا من الراحة والأمان 0

كيف اليوم أجلس أمام أطفالها أصبرهم وبماذا أخبرهم وكيف أشرح لهم الموت وأنا ابنة الخمسة و العشرين عاما مازلت لا أجهله ولا أفهمه كيف أطلب منهم الكف عن البكاء وأنا لا أستطيع السيطرة على دموعي ،وهل مهما قلت من جمل ستنسيهم الكلمات فجيعتهم ،سنغادر بعد قليل لكن الحزن سيبقى نزيل هذا المنزل الذي انطفأت شمعة من شمعاته 0

وأغادر بحزني الكبير ووجعي الأكبر وبحزن صار يسكنني كلما فكرت بيتم أبنائها،أعود إلى المنزل وأقفل علي باب غرفتي فحدودها فقط هي المساحة التي أملك من العالم لأمارس فيها خصوصيتي ،لأبكي 00وأكتب وأصرخ وأقول لتلك الصور المعلقة هنا وهناك على جدرانها ما أريد دون أن يحاسبني أحد،أو يراني بكل حزني وضعفي ويتمي ،أكتب بنهم على صفحات بيضاء بحبر أسود يناسب حالتي ، أعرف أني بعدها أعود أمزق هذه الصفحات حين أعود لوعيي0

هذه غرفتي التي أثثتها بأنفاسي وأفراحي وأحزاني ،وقد تركت بصماتي في كل ركن فيها ،مارست فيها إنسانيتي بكل أشكالها ومارست كذلك همجيتي ،فإذا خرجت من محيطها أصير تحت المجهر وأفقد خصوصيتي >

ميسون أبوبكر
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف