فلسفة الحريّة الإنسانيّة(إشكالية المفهوم والممارسة) بقلم:الدكتور سامي الشيخ محمد
تاريخ النشر : 2007-04-26
فلسفة الحريّة الإنسانيّة

(إشكالية المفهوم والممارسة)

الدكتور سامي الشيخ محمد *

عين غزال- حيفا- فلسطين

· المفهوم الإشكالي للحريّة:

هل صحيحٌ أنَّّ الحريّةَ تُقاومُ التّحليل لأنّّها "مفهومٌ موضعُ مساءلةٍ في جوهره " كما يُقالُ أحياناً ؟(1) ألم تقترفُ جرائم كثيرة باسم الحريّة في أوج عهد الإرهاب أثناء الثّورة الفرنسيّة ، على حدّ تعبير السّيدة رولان ؟!(2) . هل نحن أحرار ؟ ما العلاقة بين الحريّة والعبوديّة ؟ أليست الحريّة مسؤوليّة ؟ هل حرّيّتنا مطلقة أم مقيّدة ؟ وهل بوسعنا الوقوف على تحديداتها النّظريّة وإشكالاتها العمليّة ؟ للإجابة على ذلك يجدر بنا اقتحام عالم الحريّة ، والوقوف على ماهيّتها ، بحيثُ تُصبحُ مفهوماً مُتَعَقّلاً ، لا لغزاً مبهماً .

صحيحُ أنَّ التّعاريف الفلسفيّة للحريّة تعدّدت ، إلى حدّ لا نكاد نقع فيه على تعريفٍ جامعٍ مانعٍ لها ، إلاَّ أنَ فهمها وتحديدَ ماهيّتها ، ليسا بالأمر المستحيل ، إذا أمكن لنا النّفاذ إلى العالم الّذي توجد فيه ، ألا وهو عالم الإنسان ، باعتبارها حاجةً إنسانيّة أصيلة ، وجزءاً مُكوّناً لشخصيّته الإنسانيّة . ولعلَّ الوقوف على بعض المفاهيم والتّعريفات الفلسفيّة لكبار الفلاسفة والمفكّرين ، يُشكّلُ مدخلاً صحيحاً للدّخول إلى عالمها والوقوف على ماهيّتها . من هذه المفاهيم والتّعاريف : ما قاله الفيلسوف الإنجليزي (جون ستيورت مِل) " أنَّ في حياة الفرد منطقة حرام لا يجوز للمجتمع أن يطأ ساحتها، هي موطن الحريّة الصّحيحة ، وتتمثّل في تصرّفات الفرد الّتي تمسّ الآخرين ، فإن مسّتهم جاء هذا بمحض اختيارهم ، ونعبّر عنها بحريّة الضّمير ، والفكر والوجدان ، وهي تتضمّن حريّة التّعبير والنّشر ، ثمَّ حرّيتنا في تشكيل حياتنا على الوجه الّذي يلائمنا ، وحريّة الرّاشدين في اجتماع بعضهم ، ببعض للتّعاون على أمرٍ لا يضرّ أحداً ." (3) ، وفي معجم علم الأخلاق نقع على تعريف لحريّة الإرادة : " مقولة فلسفيّة تعني قدرة الإنسان على تحديد تصرّفاته بنفسه ، تبعاً للرّؤية الّتي يتبنّاها ، قدرته على الفعل استناداً إلى قراره الذّاتي . وهي تعني كمقولة في الإطيقا _الأخلاق_ أنَّ الإنسان حين يقوم بالتّصرّف ، يختار (الاختيار) بين الخير والشّرّ ، بين الأخلاقي واللاّ أخلاقي ."( 4).

الحريّة من بين أكثر المفردات اللغويّة جماليّةً ووجدانيّة ، لذا استحقّت اتّخاذها شعاراً للحركات الثّوريّة ، وقوى التّحرّر ، والأحزاب السّياسيّة ، والعديد من الدّول ، ومنظّمات حقوق الإنسان في العالم ، بوصفها قيمةً إنسانيّة سامية ، تنطوي على مزيجٍ من العناصر الأخلاقيّة ، والاجتماعيّة والوجدانيّة والجماليّة . غير أنّها من بين أكثر المصطلحات اللغويّة والفلسفيّة إشكاليّةً ، يفهمها بعضُ النّاس بشكلٍ لا يعبّر عن حقيقة المعنى الكلّيّ للمصطلح ، فحريّة التّعبير عن الرّأي ، وإزالة العبوديّة ، وجميع العقبات الضّارة بحياة الإنسان ، وتمتّعه الكامل بالحقوق المدنيّة ، هو المعنى المقصود بالحريّة الإنسانيّة .

من ناحية ثانية يُشكّلُ تصوَّر البعض للحريّة بأنّها ترك الفرد يعيش حياته الشّخصيّة وفاقاً لحالته الطّبيعيّة الحرّة ، بما تنطوي عليه من ميول ورغبات وعواطف وغرائز دون قيد أو ضابط – أي تمتّع الفرد بالحرية المطلقة - انقلاباً علـى الحريـة الإنسانيّة

* دكتوراه في الفلسفة من جامعة دمشق

ذاتها ، فالحريّة التي ينشدها الإنسان في مجتمعه ليست حريّة مطلقة بالقطع ، إنّما حريّة مشروطة تحدّها ضوابط وقيود إنسانيّة صارمة ،غير مسموحٍ للفرد بتجاوزها ،فثمّة قيود أخلاقيّة وسياسيّة وقانونيّة واجتماعيّة وثقافيّة واقتصاديّة تحدّد المعنى الفلسفيّ للحريّة الإنسانيّة . وفي هذا السّياق نذكر بعض التّعاريف والمعاني الفلسفيّة للحريّة في سياق نشأة المفهوم وتبلوره لدى كبار الفلاسفة عبر العصور والأزمنة :

الحريّة ما قبل ظهور المعنى الفلسفي :

ارتبطت الحريّة عند اليونان قبل سقراط بفكرة المصير ، وبفكرة الضّرورة ، وبفكرة الصّدفة ، وفي العصر الهوميروسي ( القرن الحادي عشر والعاشر ق.م ) يُطلق لفظ حرّ على الإنسان الّذي يعيش بين شعبه وعلى أرض وطنه ، دون أن يخضع لسيطرة أحدٍ عليه ، أمّا في العصر التّالي لعصر الهوميروس صارت الكلمة من لغة "المدينة" فالمدينة حرّة ومن يعيش فيها فهو حرّ ، حيث يسود قانون يوفّق بين القوّة وبين الحقّ ، والمقابل "للحرّ " حينئذٍ ليس "العبد " بل الغريب أو الأجنبيّ ، أي من ليس يونانيّاً ، والآلهة هي الّتي قرّرت " الحريّة " ولهذا كانت الحريّة موضوعاً للعبادة .. من جهةٍ ثانية وُجِدَ إلى جانب فكرة الحريّة المدنيّة معنى تدلُّ عليه كلمة مختار " هو من يجعل قانون العالم الإلهيّ قانونه " (5) .

ظهور المعنى الفلسفي للحريّة :

عند السّفسطائيّين :

المعنى الفلسفي لكلمة حرّة وحرّ عند السفسطائيّين ناجمٌ عن التضاد بين الطبيعة والقانون ، فالحرّ " هو من يسلك وفقاً للطّبيعة ، وغير الحرّ هو من يخضع للقانون " ، أمّا عند (سقراط) فالحريّة تعني " فعل الأفضل" وهذا يفترض معرفة ما هو الأحسن " فاتّخذت الحريّة معنى التّصميم الأخلاقيّ وفقاً لمعايير الخير" ( 6) ، وأمّا عند (أفلاطون ) فتعني " وجود الخير " والخير هو الفضيلة ، والخير محض ويُرادُ لذاته ، ولا يحتاج إلى شيء آخر ، والحرّ هو من يتوجّه فعلهُ نحو الخير ، ومع ظهور (أرسطو) يبدأ المعنى الأدقّ للحريّة في الظّهور ،إذ يربطها بالاختيار : " إنَّ الاختيار ليس عن المعرفة وحدها ، بل أيضاً عن الإرادة .. والاختيار اجتماع العقل مع الإرادة معاً " (7).

عند الكتّاب المسيحيّين :

الفكرة الأبرز لدى الكتّاب المسيحيّين ، ربط الحريّة بالخطيئة ، فالإنسان قبل سقوطه في الخطيئة كان حرّاً ، من كلّ أنواع القسر الخارجيّ ومن كلّ سلطة عدا سلطة الله ، لكنَّ الخطيئة أفسدته ، فأصبح خاضعاً لسلطة الغرائز والأهواء والشّهوات ، وبالتّالي فربط الحريّة بالاختيار مشروطٌ بفعل الخير لأنَّه بوسع الإنسان أن يختار بين فعل الشّرّ أو فعل الخير ، لهذا ألحَّ الكتّاب المسيحيّون ـ على حدّ قول الدكتور عبد الرحمن بدوي _ على فكرة اللّطف الإلهي ، لعلّة فساد الطّبيعة الإنسانيّة بفعل الخطيئة ، " فلا بدَّ من اللّطف الإلهيّ ، كي تستطيع فعل الخير ، فلا يكفي معرفة الإنسان للخير ، بل المهمّ أكثر ، أن يقدر على جعل الإرادة تميل نحو الخير ، يقول (القديس بولس ) في أصحاح 7 عبارة 15 : " حقّاً أنا لا أفهم ما أفعله ، لأنّني لا أفعل ما أريد ، بيد أنّي أفعل ما أكره .." أمّا (القديس أوغسطين ) فيرى أنَّ التّوفيق ممكن بين القول بحريّة الإرادة الإنسانيّة وبين القول بعلم الله السّابق .. فإنَّ الله يعلم أنَّ الإنسان سيفعل بإرادته هذا أو ذاك ، وهذا لا يستبعد أن يفعل الإنسان بإرادته واختياره ، فعلم الله لا يحيل الأفعال من حرّة إلى مجبورٍ عليها . (8) . من ناحية ثانية يرى القديس (أوغسطين) بوصفه أحد آباء الكنيسة وفلاسفتها الكبار بأن حرية إرادة الإنسان مَرَدُّها إلى ملازمة النعمة الإلهية لها، وإذا ما افتقدت النعمة الإلهية فإنها تفقد قدرتها على الاختيار، فتصبح عرضة للوقوع في الإثم والخطيئة ، بمعنى أدق إن حرية الإرادة بقوتها الخاصة لا قدرة لها سوى السّقوط، ولا منافع منها سوى الخطيئة، وهو ما جعل (أوغسطين) يطلق عليها (إرادة عبده) .

أيضاً القدّيس (برنار) يعتقد أننا خاضعون لنير عبودية الإرادة، فنحن في نظر العبودية بؤساء ،وفي نظر الإرادة غير معذورين لأنها عرضة لعبودية الخطيئة ولكونها مقيدة بالنـزوع إليها.(9 ) .

كذلك (القديس توما الأكويني ) يُعرّف الحريّة بـ " القدرة على اختيار أمر أو نقيضه " ( 10) ، وفي القرن السّادس عشر يردّ المصلح الإنجيليّ (مارتن لوثر) على أفكار (أرازموس ) الواردة في مؤلّفه (حول حريّة الإرادة) الصّادر في العام 1524 ، بإصداره كتاباً بعنوان ( عبودية الإرادة ) فبينما يعتقد (أرازموس) أنه بوسع حريّة الإرادة أن تحرز للإنسان كسباً كبيراً فيما يتعلق بالمسائل الصلاحية والتقوية والخلاص باعتبارها "ملكة من ملكات الحرية البشرية ، وصفة من صفاتها الملازمة ، بها يستطيع الإنسان أن يأتي كل ما يفضي به إلى الخلاص أو الهلاك الأبدي" (11) ، يمضي (لوثر) إلى النقيض من ذلك تماماً، بتقريره أنَّ حريّة الإرادة لا تشكّل ضامناً لنيل الخلاص بالاعتماد على نفسها ، ما لم تقترن بملازمة النّعمة الإلهية لها ، من جهة أخرى يتخذ مفهوم الحريّة المسيحية لدى (لوثر) صورة جدلية، تكون فيها الحرية مرتبطة بالعبودية الرّوحية. بل أن العبودية تصبح الشرط الضروري لنيل الحرية وعليه فالإنسان المسيحي هو سيدٌ حُرٌّ في علاقته بالأشياء وهو عبدٌ مطيعٌ وخادمٌ أمين لله بآن معاً. والإنسان المسيحيّ هو الإنسان الروحي الّذي يكون حًرّاً وبمقدوره الاستقامة والصلاح، لأنه متحرر من الجسد والخطيئة، ويدخل في دائرة من العبودية الإلهية تكون منبع حريته وصلاحه .

أمّا (جون كالفن) فيرى أنّهُ "لا يمكن للحرية أن تتحقق إلا بالامتثال التام والحقيقي لأوامر الله وشرائعه، فبمقدار ما تتحرر الذات من سلطة الناموس فإنها تحظى بنصيب أوفر من الحرية بدخولها مملكة الله، فالقيد الإلهي على الحرية هو الضامن الوحيد والأكيد لنيل الحرية . مع عدم إنكاره للحريّة الدنيوية الّتي يتمتّع بها الإنسان ، في نطاق معاملاته اليومية ، هذه الحريّة تجعل من الإنسان سيّداً على الأشياء لا عبداً لها ، بقوّة الإيمان والعقل لا بقوّة المحبّة الّتي يصير بموجبها عبداً لا سيّداً ، لكنَّ هذا النّوع من الحريّة ينبغي أن يتلازم مع وجود عنصرين آخرين هما الانعتاق من سيطرة النّاموس والإذعان الذّاتي لسلطة الله . فالانعتاق من سيطرة الناموس، والإذعان الذاتي لسلطة الله، والسيادة على الأشياء. هي المكوّنات الرّئيسة للحريّة عند الإنسان (12) .



عند المسلمين :

يندرج الحديث عن الحريّة عند الفلاسفة المسلمين ، في باب الحديث عن القدر ، والجبر والاختيار ، وفيما إذا كان الإنسان مخيّراً أم مسيّراً . يذكر (عبد الرحمن بدوي) في موسوعته الفلسفيّة بأنَّ ( ابن حزم ) يلخّص مختلف آراء الفرق الإسلاميّة بقوله :" اختلف النّاس في هذا الباب ( باب القدر) . فذهبت طائفة إلى أنَّ الإنسان مجبرٌ على أفعاله ، وأنّهُ لا استطاعة له أصلاً ـ وهو قول جهم بن صفوان ، وطائفة من الأزارقة ، وذهبت طائفةٌ أخرى إلى أنَّ الإنسان ليس مجبراً ، وأثبتوا له قوّة واستطاعة ، بها يفعل ما اختار فعله ، ثمَّ افترقت هذه الطّائفة على فرقتين ، فقالت إحداهما : الاستطاعة الّتي يكون بها الفعل لا تكون إلاّ مع الفعل و لا تتقدّمه البتّة ، وهذا قول طوائف من أهل الكلام ومن وافقهم ، كالنّجّار والأشعريّ ومحمد بن عيسى برغوث الكاتب ، وبشر بن غياث المريسي ، وأبي عبد الرّحمن العلوي ، وجماعة من المرجئة والخوارج ، وهشام بن الحكم ، وسليمان بن جرير ، وأصحابهما ، وقالت الأخرى إنَّ الاستطاعة الّتي يكون بها الفعل هي مثل الفعل موجودة في الإنسان ، وهو قول المعتزلة وطوائف من المرجئة ، كمحمد بن رشد ، ومؤنس بن عمران ، وصالح قبة ، والنّاشر وجماعة من الخوارج والشّيعة (13) ، ثمَّ افترق هؤلاء على فِرق : فقالت طائفة إنَّ الاستطاعة قبل الفعل ومع الفعل أيضاً : للفعل ولتركه ، وهو قول بشر بن المعتمر البغدادي ، وضرار بن عمر الكوفي ، وعبد الله بن غطفان ، ومعمّر بن عمرو العطّار البصري وغيرهم من المعتزلة . وقال أبو الهذيل بن الهذيل العبدي البصري العلاّف : لا تكون الاستطاعة مع الفعل البتة ، ولا تكون إلاَّ قبله ، ولا بدّ وتفنى مع أوّل وجود الفعل (14) .

في الفلسفة الحديثة والمعاصرة :



اتّخذت الحريّة معانٍ عديدة في الفكر الفلسفي الحديث والمعاصر ، فـ (مولينا (Molin قال بحريّة الاستواء ، ومفاده أنَّ الحرّ هو من يقرّر حين تُعطى كلّ الشّروط الواجب توافرها للفعل ، أن يفعل أو لا يفعل ، أو أن يفعل الشّيء أو ينقضه (15) ، أمّا (هوبز) فأعطى للحريّة معنى هو : انعدام القسر ، أي الخلوّ من القهر الماديّ( الفيزيائيّ) ، وكلّ فعلٍ يتمّ وفقاً لدوافع ، حتّى لو كان الدّافع هو الخوف من الموت ، يُعدُّ حرّاً . " والإنسان يكون حرّاً بقدر ما يستطيع التّحرّك على طرقٍ أكثر" وحريّة المواطن والعبد لا تختلف إلاّ من حيث الدّرجة فالمواطن ليس تام الحريّة والعبد ليس تام الحريّة (16) . كذلك يقدّم ( اسبينوزا ) نفس المفهوم للحريّة " الخلوّ من القسر" يقول : " هذا الشّيء يُدعى حرّاً إذا كان يوجد وفقاً لضرورة ماهيّته وحدها ، ويُعيّن ذاته بذاته بالفعل " ووفقاً لهذا التّعريف فإنَّ الله هو وحده الحرّ ، أمّا الإنسان فغير حرّ ، لأنَّ الله هو الّذي يُعيّن نفسه بنفسه . (17) . أمّا ( ليبنتس Leibinz) فيربط بين الحريّة والعقل : " الحرية تكون أوفر كلّما كان الفعل صادراً عن العقل ، وتكون أقلّ كلّما كان صادراً عن الانفعال ، ويرى أنَّ حريّة الاستواء غير ممكنة ، لأنّها تناقض مبدأ العلّة الكامنة ." (18) . وأمّا (لوك) و(كنت) و(شبنهور) و(هيجل ) و (فيورباخ) و ( هيدجر) و(سارتر) فيقدّمون عدداً من التعريفات الفلسفية للحريّة ، فـ ( لوك Locke ) يربط بين الحريّة والاختيار ، فالحريّة تعني أن نفعل أو لانفعل بحسب ما نختار أو نريد ( 19). وعند (كنت) نقع على تعريفين للحرية أحدهما سلبي والآخر إيجابي ، أمّا السّلبي فيعرّفها بأنّها :" خاصيّة الإرادة في الكائنات العاقلة لأن تفعل مستقلّة عن العلل الأجنبيّة .. فالحريّة هي الصّفة الّتي تتّصف بها الإرادة العاقلة في قدرتها على الفعل دون تأثير من الأسباب الأجنبيّة .. إنَّ حريّة الكائن تمكّنه من أن يفعل مستقلاً عن هذه الأسباب الخارجيّة " وأمّا الإيجابي فيعرّفها بأنّها : تشريع الإرادة لنفسها بنفسها" والحريّة عنده من شأن الكائنات العاقلة بما هي كذلك .. لأنَّ الكائن العاقل المزوّد بإرادة لا يمكن أن يفعل إلاّ إذا كان حرّاً :" كلّ موجود لا يستطيع أن يفعل إلاّ تحت فكرة الحريّة هو بهذا عينه ـ من النّاحية العمليّة ـ حرٌّ حقّاً " (20) . بينما يرى (شبنهور) أنّه لا توجد حريّة عمل ، بل فقط حريّة وجود ، ذلك أنَّ الإرادة القاصدة الواعية تتحدّد تحدّداً معيّناً واحداً . أمّا حريّة إرادة السّواء فلا يمكن تصوّرها " لأنَّ مبدأ العليّة .. هو الشّكل الجوهريّ لقدرتنا على المعرفة كلّها " (21) . وبالانتقال إلى (هيجل) فإنّه يقدم تصوّراً مجرّداً للحريّة هو : " قيام الذّات بنفسها وعدم الاعتماد على الغير ، ونسبة الذّات إلى ذاتها " (21). أمّا (فيورباخ) فينكر حريّة الإرادة بالقول :" إنّها تكرارٌ خاوٍ للشّيء في ذاته " ( 22) . وأمّا ( هيدجر) فيعرّف الحريّة بأنّها " القدرة الّتي ينفتح بها الموجود على الأشياء ، وهو يكتشف الوجود .. الحريّة هي الّتي تؤمّن التّوسّط بين عالم الوجود وعالم الأشياء .. الحريّة هي ما يهيئ للموجود أن يوجد ، بيد أنّها ليست موقفاً سلبيّاً ، بل هي مجهودٌ فعّال ، لأنَّ الموجود ليس شفّافاً منذ البداية للإنسان ، ولهذا فإنَّ الحريّة تنطوي دائماً على المخاطرة بالوقوع في الخطأ ، إنَّ ماهيّة الحقيقة تجد في الحريّة مقامها الأصيل ، إنَّ ماهية الحقيقة هي الحريّة ، والإنسان لا يوجد إلاَّ من حيث هو مملوكٌ للحريّة ... فالحريّة من ماهية الإنسان الجوهريّة والحريّة هي الأساس المطلق ، وهي التّأسيس وهي الوجود الأساسي (23). كذلك ( سارتر ) يرى أنَّ الحريّة نسيج الوجود الإنساني ، وأنّ الشّرط الأوّل للعقل هو الحريّة :" إنَّ الإنسان حرّ ، الإنسان حريّة ... الإنسان محكومٌ عليه أن يكون حرّاً ، محكومٌ عليه لأنّهُ لم يخلق نفسهُ بنفسه وهو مع ذلك حرٌّ لأنّه متى أُلقيَ به في العالم ، فإنّهُ يكون مسؤولاً عن كلّ ما يفعله " (24) .

· هل نحنُ أحرار ؟! :

إذا كنّا كذلك فما هي مساحة حريّتنا وما حدودها ؟ . الحقيقة أنّنا وُلِدنا في هذا العالم دون علمٍ منّا ، فوجودنا في العالم ثمرة لحريّة الآخرين واختيارهِم ، لكنَّ تلك الحريّة وذلك الاختيار ، ينتهيان لحظة بدء حدوث تخليقنا ، لذا لم نكن أحراراً في خلقنا ، ولا في اختيار نوع وشكل خلقتنا ، ولا في سني ما قبل نضج ملكاتنا العقليّة والإراديّة . فولادتنا وموتنا من النّاحية الطّبيعيّة أمران خارجان عن إرادتنا الإنسانيّة ، وبالتّالي لسنا أحراراً في حدوثهما . والسّؤال : ما مساحة وحدود حريّتنا ؟ .

يبدأ شعورنا بالحريّة منذ اللحظة الّتي نقدر فيها على الاختيار بين ما نريد و ما لا نريد ، فامتلاكنا القدرة على الاختيار بالقبول أو الرّفض ، يؤكّد امتلاكنا للحريّة . ولكن هل امتلاكنا للحريّة يعني أنّنا أحرارٌ في تقرير شؤون الحياة المختلفة ؟ تدلُّ التّجربة أنّنا نمتلكُ قدراً محدوداً من الحريّة ، يُخوّلنا القيام بأفعالٍ محدودةٍ ، تبعاً لقدراتنا وللقيود والشّروط الموضوعيّة من حولنا ، مما يعني أنَّنا مخيّرون بمقدار ومسيّرون بمقدار ؟ مخيّرون في الأمور الّتي تخضعُ لإرادتنا ، ومسيّرون إزاء تلك الّتي لا تخضع لها . من هنا يُفسَّرُ توق الإنسان إلى امتلاك قدْرٍ أكبر من الحريّة المتاحة له ، قدْراً يلبّي نزوعه الشّديد نحوها .

الحقيقة أنَّ الحرّيّة حاجةٌ فطريّةٌ لدى الإنسان ، جوهرها الاتّساق والتّوازن الذّاتيّ للشّخصيّة الإنسانيّة للأفراد ، فالنّاس وُلدوا من بطون أمّهاتهم أحراراً ، لذا فهي ليست كسباً يحرزهُ المرء بجهده الخاص ، وإن كان الحفاظُ عليها يستدعي بذل قُصارى الجهد لمواجهة التّهديدات المستمرّة الهادفة للنّيل منها ، وعليه فجميع البشر يدركون معنى الحريّة ، رغم تفاوتِ مقدار حيازتِهم لها ، وكلّما تعمّق وعيهم بها ازدادوا نزوعاً إليها ، وذادوا عنها وضحّوا في سبيلها . فثمّة عوائق تحول دون ممارستنا للحرّية على النّحو الّذي نريده كـ : انعدام العدالة ، وممارسة الاستبداد ، وإشاعة الظّلم ،وحرماننا من ممارسة الحقوق الطّبيعية ، الأمر الّذي يجعلنا نشعرُ بأنّنا لسنا أحراراً بالقدر الكافي ، وبأنّنا أسرى لتلك العوائق ، فيُصيبُنا الإحباطُ والضّيقُ والاكتئاب ، ويتولّدُ الشّعور لدينا بالحقد والكراهية حيال من سلبونا تلك الحقوق .

الحريّة والعبوديّة :

ماذا نعني بالقول أنَّ فلاناً من النّاس حرٌّ ؟ وما صلة الحريّة بالعبوديّة ؟ وهل يمكن للفرد أن يكون عبداً وحرّاً بآنٍ معاً ؟ بوسع المرء أن يكون حرّاً من النّاحية النّفسيّة وعبداً من الناحية الجسديّة ، والعكس صحيحٌ تماماً ، فالحريّةُ في المقام الأوّل حريّة نفسيّة _ أي شعورٌ نفسيٌّ بالحريّة _ ، وفي المقام النّهائيّ حريّة نفسيّة وجسديّة .

من ناحيةٍ ثانية ثمّة حرّيّة لا تتحقّق إلاّ مع العبوديّة ، ولكن ليس أيّ عبوديّة ، إنّما العبوديّة الاختياريّة النّابعة من صميم الفرد ، من عقله ووجدانه (عين عبوديّة المؤمن لربّه ، والمحبّ لمحبوبه ) ، لا العبوديّة القائمة على الإرغام والإكراه ، إذاً قدرة المرء على الاختيار والتّنفيذ هو ما نسمّيه حريّة ، بهذا المعنى لدينا نوعان من العبوديّة ، عبوديّة حرّة ، قائمة على الاختيار الحرّ ، وأخرى مستعبدة قائمة على الاستعباد القسريّ فحسب .

من ناحية أخرى يظلُّ الإنسان حرّاً طالما هو قادرٌ على ممارسة حرّيّته بوعيٍّ ومسؤوليّةٍ والتزام ، وغير حرٍّ عندما يكون مجبراً على القيام بفعل مّا رغم إرادته .

من ناحيةٍ أخرى الحديث عن الحريّة في جوهره ، حديثٌ عن الإرادة الحرّة ، فالحريّة ثمرةٌ طبيعيّة للإرادة الحرّة ، إذ لا وجود للحريّة في ظلّ انعدام الإرادة الحرّة ، والإرادة الحرّة : ملكةٌ عقليّة ونفسيّة ، وهي هبةٌ عامّة لجميع البشر ، أمّا إضعافُها أو تعطيلُها عن العمل أو فقدانها ، فمسؤوليّة الفرد نفسه في المقام الأوّل ، دون إغفالٍ لأثر العوامل الخارجيّة في ذلك . على أيّة حال تظلُّ حريّة الإنسان محدودةً بالإمكانات القابلة للتّحقّق من قبل الإنسان ذاته ، فلا وجود للحريّة المطلقة إلاَّ لدى الله ، فالله وحدهُ يملك هذا النّوع من الحريّة ، لعلّة امتلاكه القدرة المطلقة القادرة على فعل أيّ شيء .

· ماهيّةُ الحريّة الإنسانيّة :

يشير مفهوم الحريّة الإنسانيّة في جانبٍ من جوانبهِ إلى :تمتّع الفرد بكامل الحقوق والواجبات المدنيّة والاجتماعيّة المتعاقد عليها بين المواطنين أنفسِهِم عبر هيئاتِهِم وممثّليهم المنتخبين ديمقراطيّاً ، بما في ذلك التّشريعات والقوانين الّتي يضعها نوّاب الشّعب للدّولة ، فخضوع المرء للقوانين المتعاقد عليها مدنيّاً لا يعني خضوعاً قسريّاً لسلطةٍ خارجيّة عنه ، إنّمّا خضوعٌ حرٌّ لذاته المدرِكَة الواعية ، باعتباره عنصراً مشاركاً فيها ، من هنا تفتقدُ الحريّة المطلقة للفرد في إطارها الاجتماعيّ للمشروعيّة النظريّة والعمليّة معاً . لعلّة التعارض الحاصل بين الفردي والاجتماعيّ ، فالحريّة المنفلتةُ من عقالها الإنسانيّ والأخلاقيّ شرٌ ينبغي محاربته ، أمّا الحريّة الإنسانيّة الّتي تصون كرامة الفرد ، وتحافظُ على مكانته الاجتماعيّة والأخلاقيّة ، جديرة بالكفاح في سبيلها ، هذه الحريّة حرّةٌ من الانفلات والفوضى ، ومن عبوديّة الإنسان للإنسان والطّبيعة في الوقت نفسه ، حريّة ليست ميكانيكيّة ، إنّما حريّة إراديّة واعية ، تحدّد أهدافها ، ووجهة سيرها بدقّة متناهية ، بعدما عاشت لحظاتٍ من الفوضى التّلقائيّة العارمة ، إنّها شعورٌ إنسانيٌّ بمعنى الحياة ، تخضعُ لسلطة الإنسان ، يتحكّم بها ، يحدّد ماهيّتها ومواصفاتها ، تماماً كالحريّة الطّبيعيّة الخاضعة للقوانين الطّبيعيّة للطّبيعةِ ذاتها ، مع الأخذ بالحسبان ، الفارق النّوعيّ بينهما ـ [الوعيّ والتّلقائيّة] ـ .

· جدل الحريّة والمسؤوليّة :

ثمّةَ رابطٌ بين الحريّة والمسؤوليّة ، كون الحريّة في جوهرها مسؤوليّة ، متى انتفت عنها استحالت إلى حريّة غير مسؤولة ، حريّة ناقصة ، غير جديرة بالكفاح لأجلها ، ومعنى أنَّها مسؤوليّة يعني أنَّها شيءٌ ثمينٌ وجوهريٌّ يستحقّ التّضحية في سبيله ، لذا فالحريّة المسؤولة تنشأ في محيط القيم الأخلاقيّة ، والعادات والتّقاليد الاجتماعيّة ، والنّظم والتّشريعات والقوانين المُتعاقد عليها ، تلتزم بها وتتفاعل معها ، فالحريّة قبل كلّ شيء التزام ومسؤوليّة وانضباط وليست انفلاتاً أ وعبثاً أو لا مبالاة و فوضى ، على ألاّ يُفهَمَ من ذلك توفير ذرائع ومبرّرات للمواقف المناهضة للحريّة من جانب أعدائِها .

نعم الحريّة مسؤوليّة ، كونها عاقلة بذاتها واعيةٌ لأفعالها ، فحريّة العقلاء ليست عين حريّة البلهاء والمجانيين ، من هنا الإنسان الحرُّ وحدهُ المسؤول عن النّتائج والآثار المترتّبة على أفعاله وممارساته ، لأنّه حرّ .

· قيود الحريّة الإنسانيّة :

يبدو الحديث عن قيود للحريّة مناقض لمفهوم الحريّة للوهلة الأولى ، بخاصّةٍ أنَّ بعض التّعاريف الفلسفيّة لها ذهبت للقول بأنها : انعدامُ القسر الخارجي ، ولكن ما المعنى المقصود بالقسر الخارجيّ وما صوره ؟ أليس خضوع الحريّة لمقتضيات القيم الأخلاقيّة والذّوق الجماليّ والعادات والتّقاليد والأعراف والقوانين الاجتماعيّة ، صورة من صور القسر الخارجيّ للحريّة ؟ وهل بالإمكان تحقّق الحريّة دون ملازمة تلك الصّور القسريّة لها ؟! .

الحقيقةُ ثمّة صور ومعان متناقضة ومتضادّة للقسر الخارجيّ ، فهناك قسرٌ بمعنى الإجبار والعسف والإكراه والأسر ، وهي صورٌ ومعانٍ لا يمكن تصوّر وجود الحريّة معها ، فالحرية قدرةٌ على الاختيار بين ممكناتٍ وأشياءٍ متعدّدة لا حصر لها في مستوى الحياة الفردية ، وقدرةٌ على الاختيار بين ممكناتٍ وأشياء متعدّدة لا تتعارض مع ما هو اجتماعيّ وعام في المستوى الاجتماعيّ ، وهناك قسرٌ بمعنى الإلزام الاجتماعيّ للفرد بالخضوع لمقتضيات القيم والعادات والتّقاليد والقوانين والدّساتير الاجتماعيّة ، الّتي لا يمكن الحديث عن الحريّة الفرديّة في المستوى الاجتماعيّ من دونها، إلاَّ إذا كان المقصود بانعدام القسر الخارجيّ ، اللاّ تقيّد المطلق المنتج لضروب العبث والفوضى ، في المحيط الاجتماعيّ والبيئيّ للإنسان . فأيُّ حريّة عادمةٍ للقسر الخارجيّ بصورته المشروعة اجتماعيّاً وأخلاقيّاً وقانونيّاً ، يجري تبنّيها والتّنظير لها ؟!. إنَّ الامتناع عن ممارسة الظّلم والأذى والقتل والإساءة للآخرين شرطٌ ضروريٌّ للتمتّع بالحريّة وممارستها ، فليس مُبرّراً للفرد القيام بأعمالٍ ضارّةٍ وشرّيرة بدعوى أنّهُ حرّ ، إنَّ عبوديّة تحول بين المرء وارتكاب الجريمة وإلحاق الأذى بالآخرين خيرٌ من حريّةٍ تقوده لفعل ذلك . فكم هي الجرائم المرتكبةُ باسم الحريّة بحقّ الأبرياء في عالم اليوم ؟! ، بهذا المعنى بوسعنا تعريف الحريّة بالقول: إنّها انعدام الانفلات الدّاخليّ والخارجيّ بصوره المختلفة.

فالحريّة الحقيقيّة هي الحرية المقيّدة ، بقيود إنسانيّة وأخلاقيّةٍ رفيعة ، فلا ينبغي لبريقها الأخّاذ وتوق المحرومين إليها أن يحملنا ، على المطالبة بنزع تلك القيود عنها ، لطالما أنَّ المقصود بالقيود ، القيود الإنسانيّة الأخلاقيّة حصراً .

فالحريّة قيمةٌ إنسانيّة وأخلاقيّة سامية ، متى أضرّت بحياة الإنسان وبحقوقه الإنسانيّة ، انقلبت إلى ضدّها ، فلا تعود حريّة ، بل شيءٌ آخر منتج للعبوديّة ، للديكتاتوريّة ، للفساد ، للإرهاب ، للعبث ، للفوضى ..الخ .

من هنا فكون الإنسان حراً من النّاحية الطّبيعيّة ، في تفكيره وأقواله وأفعاله في محيطه الشّخصيّ ، لا يعني أنّه حرٌّ بنفس الدّرجة والكيفيّة في محيطه الاجتماعي ، فحرّيّتهُ في هذا المستوى تخضعُ لجملة من المفاهيم والأفكار والعادات والتّقاليد والأعراف والقوانين الاجتماعيّة والمدنيّة ، لذا لا وجود للحريّة الفرديّة المطلقة في محيطها الاجتماعيّ ، بل إنَّ الحديث عن حاجة الفرد للتّمتّع بهذا النوع من الحريّة ، يفضي إلى التّدمير فالانتحار فالموت لا محالة . صحيحٌ أنَّ الإنسان حرٌّ في تقرير مصير ه الشّخصيّ ، وصحيحٌ أيضاً أنّهُ ليس حرّاً في تقريره لمصير الآخرين من حوله ، لهُ الحريّةُ في القولِ والفعلِ بما لا يتسبّب في إلحاق الأذى والضّرر بالآخرين ، فالحريّة الفردية في محيطها الاجتماعيّ مشروطةٌ بحريّة أفراد المحيط أنفسِهم ، بما يتعاقدون عليه من دساتير وقوانين وأنظمة وتشريعات لأنفسِهِم .

من ناحية أخرى تبرز حاجة الحريّة للقيم الأخلاقيّة ، باعتبارها سياجاً واقياً ، يصونها من الاعتداء ، والانفلات بأشكاله المختلفة ، والسّقوط ، ناهيك عن القول بأنَّ الحريّة في مبدئها حاجةٌ إنسانيّةٌ وقيمةٌ أخلاقيّة ، كونها ترمي إلى تحرير الإنسان ، من نير عبوديّة الإنسان للإنسان ، ومن جميع الاعتداءات والممارسات اللاّأخلاقيّة بحقّه . فالحريّة لا تكون حريّة إلاَّ إذا كانت أخلاقيّة في المقام الأوّل والأخير .

· الحريّة مفهومٌ ثوريّ :

الحريّة في جوهرها مفهومٌ ثوريّ ، يدعو إلى تحطيم الأغلال والقيود ، وإزالة العوائق المعطّلة لنموّ الإنسان وتقدّمه وازدهاره ، وصياغة الواقع بما يحقّق للإنسان كرامتهُ الشّخصيّة ، ومكانته الاجتماعيّة في العالم ، والحريّة بوصفها مفهوماً ثوريّاً ، تتّخذُ من المفاهيم والقيم الأخلاقيّة ، منطلقاً لها في سعيها نحو التعيّن والتّحقّق .

وليس صحيحاً القول بأنَّ الحريّةَ فاعليّةٌ هدّامة لا تُبقي ولا تذر ، وبأنَّها وثيقة الصّلة بالعدم والموت والشّر والفناء ، وسعيٌ من جانب الإنسان نحو القضاء على ما خلقهُ الله نفسه ، أو تمثيلها بالنّار الّتي تأكل بعضها إن لم تجد ما تأكله ، أو القول بقدرتها على تدمير ذاتها إن لم تجد شيء تدمّره ، على حدّ تصوّر جون بول سارتر لها (26).

صحيحٌ أنَّ الحريّة قدرة المرء على ممارسة فعل السّلب في حياته وعالمه، قدرة تخوّله مقاومة ما يُهدّد وجوده ويعوق حركته وتقدّمه ،ففعلها يتّجه نحو هدم الممارسات الخاطئة والوقائع الميّتة ، وانحيازٌ للأفكار المتجدّدة وللوقائع الحيّة في الوقت نفسه ، إنّها سعيٌ متواصلٌ نحو الهدم والبناء بالمعنى الجدليّ ، وبالتّالي فهي ليست نشاطاً منفلتاً عادماً يفضي إلى العبث والتّدمير العشوائيّ للذّات والآخر بالمعنى اللا جدلي للعدم والسّلب ، من هنا الحريّة لصيقة بالقيم الأخلاقيّة والحاجات الإنسانيّة ، فتصوّر الحريّة على أنّها فاعليّة مطلقة لا تخضع لضوابط و قيود ، تصوّرٌ خاطئ يضعُ الحريّة في غير محلّها ، ولا يخدم قضيّة الحريّة الإنسانيّة ذاتها ، بل وينزع صفة الثّوريّة عنها .

من هنا يتعيّنُ على الفلاسفة والمفكّرين ، تحديد ماهيّة الحريّة ومحدداتها النّظريّة والعمليّة ، تفادياً لحدوث الانتهاكات المتكرّرة باسمها ، فالحريّة الّتي تجري ممارستها وتداولها في الخطاب الأيديولوجيّ الغربيّ في عالم اليوم ، تتعارض مع حقّ الشّعوب في تقرير مصيرها ، وحقّها في مقاومة الاحتلالات الأجنبيّة لبلدانها ، وفي ممارسة سلطاتها الوطنيّة على ثرواتها ، والحفاظ على ثقافاتها القومية ، بل تمضي أبعد من ذلك ، في انتهاكها حقّ الإنسان في الحياة والعيش بأمن وسلامٍ وحريّة . فالسّجن والتّعذيب والقتل ، وسنّ التّشريعات القانونيّة ، واتّخاذ إجراءات عقابيّة بحقّ ممارسة الأفراد حرّيّاتِهم الشّخصيّة ، كإجراءات حظر ارتداء بعض النّساء المسلمات قطعاً من القماش فوق رؤوسِهنّ ، في بعض البلدان المتقدّمة ، رغم عدم انطوائها على مخاطر أو أذىً حيال المجتمعات الّتي يعيشن فيها ، وإجازة اقتناء السّلاح الفرديّ ، وممارسة الشّذوذ الجنسيّ ، في أماكن عامّةٍ على مرأى الآخرين ، دون مراعاةٍ لمشاعِرهِم وأحاسيسهم ، وخصوصيّاتِهِم الأخلاقيّة والاجتماعيّة والدّينيّة يحدثُ في كلّ حين باسم الحريّة وحقوقها .

أمّا في المجتمعات الرّاكدة والمتخلّفة فيتمّ انتهاك الحريّة بصورٍ مختلفة ، أبرزها معاقبة الإنسان وممارسة الضّغوط عليه بسبب مواقفه وآرائه وأفكاره الشّخصيّة ، النّاقدة والرّافضة للعديد من المظاهر والممارسات الخاطئة .

· أشكال الحريّة الإنسانيّة :

· الحريّة النّفسيّة :

الحريّة في جوهرها حاجة إنسانيّة ترتبطُ بإحساس وشعور الإنسان الباطنيّ ، وكونها شعوراً داخليّاً فإنّها حاجةٌ نفسيّةٌ في المقام الأوّل منشؤها النّفس ، لذا فالحريّة النّفسيّة تعبيرٌ عن حريّة الإنسان بأوسع معانيها ، إذ تنتهي سلطة العسف الخارجي عند تخوم الجسد الحامل لها ، سواء كانت فرداً أو جماعةً ، مجتمعاً أو دولةً ، طقوساً دينيّةً ، أو قيماً أخلاقيّةً ، أعرافاً اجتماعيّةً أو قوانينَ مدنيّةً ،فيُتركُ للإرادةِ والعقل والشّعور والعاطفة والضّمير الحريّة الكاملة في التّفكير والتّصرّف ، بمنأى عن الخوف من الآخر ومساءلته ، فالنّفس الفرديّة وعاءٌ حقيقيّ للحريّة الشّخصيّة ، ومملكةٌ مستقلّةٌ في علاقتها بمحيطها الاجتماعيّ ، التّفكير والرّغبات والعواطف والغرائز فيها حرَّة لا تخضع لسلطة ، إلاّ سلطة الفرد نفسه ، نعم بوسع المرء تصوّر أشياء متداخلة ومتناقضة ومتضادّة ، لا نظير لها في الوقع ، وهذا إن دلَّ على شيء إنّما يدلُّ على الطّابع اللاّمحدود للحرّيّة النّفسيّة . لكنَّ تصوّراً كهذا لا ينبغي أن يحملنا على تطبيقه واقعيّاً ، نظراً للمخاطر الكبيرة الّتي ينطوي عليها من النّواحي الأخلاقيّة والاجتماعيّة والحياتيّة ، فبوسع المرء رؤية نفسه يمارس القتل العشوائيّ بحقّ الآخرين بحريّة تامّة من النّاحية الذّهنية التصوّريّة ، لكنَّ الممارسة الفعليّة لهذا التصوّر من النّاحية الواقعيّة ، تخضع لجملة من الشّروط والاعتبارات والقيود الّتي تحول دون تحقّقها .

· الحريّة الاجتماعيّة :

ساحتها الرّئيسة المجتمع ، وهي على مستويين ، الأوّل الجماعات البشريّة المكوّنة للمجتمع ، بأصولها العرقيّة ، وأطيافها الاجتماعيّة والثّقافيّة المختلفة ، والثّاني المجتمع كوحدة اجتماعيّة متكاملة ، والحريّة الاجتماعيّة في المستويين المذكورين ، تعني عدم إجازة ممارسة أيّ شكلٍ من الإكراه أو القهر أو التّمييز الدّاخليّ ، من جانب بعض الفئات الاجتماعيّة أو غيرها ، وعدم التّدخّل في الشؤون الاجتماعيّة للمجتمع ، بما في ذلك نشاط المنظّمات الأهليّة ، الملتزمة بالقوانين والأنظمة المُتعاقد عليها بين أفراد الشّعب والدّولة ، على نحوٍ ينال من حريّة الأفراد في التّعبير عن الرّأي وممارسة حقوقهم الاجتماعيّة ، واحترام خصوصيّاتِهِم الثّقافيّة المتنوّعة ، فثمّة عادات وتقاليد اجتماعيّة متنوّعة بتنوّع النّسيج الاجتماعي للمجتمع ، ينبغي احترامها ، وعدم المسّ بها ، فللمجتمع حرّيّته الكاملة في الاحتفاظ بموروثه الاجتماعي والثّقافيّ ، وأسلوب عيشه ، و تنشئةِ أبنائه تنشئةً سليمةً تُسهِم في نهوضه وتقدّمه ، فثمّةَ انتهاكٌ للحرّيات الاجتماعيّة حيال العديد من الجماعات والأقليّات الاجتماعيّة في العديد من الدّول ، أقلّها تدخّل الحكومات بتحديد نوع اللّباس المسموح بارتدائهِ ، بذريعة محاربة الرّموز الدّينيّة .

إنَّ النّيل من الحرّيات الاجتماعيّة للجماعات والأمم والشّعوب ، هو اعتداءٌ على هويّاتها الثّقافيّة والقوميّة . الأمر الّذي يتناقض مع مفهوم الحريّة الاجتماعيّة ذاته .

· الحرّيّة السّياسيّة :

تتمثّل الحريّة السّياسيّة في حريّة التّعبير عن الرّأي ، واختيار المعتقد السّياسيّ ، والانتماء الحزبيّ ، وممارسة العمل السّياسيّ المنضبط بالأنظمة والقوانين الوطنيّة والقوميّة المتعاقد عليها بين أفراد المجتمع ، والدّفاع عن المصالح الوطنيّة في مواجهة الأخطار والتّهديدات والمؤامرات المعادية . فالحريّة السّياسيّة تمنح الفرد كامل حقوق المواطنة ، وفي مقدّمتها ممارسة الدّيمقراطيّة ، وحقّ الانتخاب والتّرشّح ، وشغل الوظائف المختلفة ، على أساس مبدأ تكافؤ الفرص والأهليّة . من ناحية أخرى تحتاج الحريّة السّياسيّة إلى كافلٍ لها ، يمنع الاعتداء عليها ، ويصونها ، وهذا الكافل هو الدّستور والقانون ، فالحريّة السّياسيّة تنطوي على المساواة القانونيّة بين الأفراد والتّعامل معهم ، ومع الأطر والأحزاب الّتي ينتسبون إليها ، بمعنى جعل سيادة القانون المبدأ والأساس في ممارسة الحريّة السّياسيّة ، والمحافظة عليها ، أمّا الحريّة السّياسيّة للدّول ، فتقضي بعدم تدخّل قوىً دوليّةً خارجيّة في شؤونها الدّاخليّة ، عملاً بمبادئ القانون الدّولي الّذي يكفل للدّول حرّياتها في رسم سياساتها الدّاخليّة والخارجيّة ، فليس من حقِّ أيّ دولةٍ ، ممارسة أيّ شكلٍ من أشكال الضّغط السّياسيّ على دولةٍ أخرى ، طالما أنّها ملتزمة بمبادئ القانون الدّولي ، ولا تشكّل تهديداً لغيرها من الدّول . بهذا المعنى تنحصرُُ الحريّة السّياسيّةُ في كونها حريّة أفرادٍ وأحزاب ودول ، من حقّ الجميع امتلاكها دون عسفٍ أو إكراه .

· الحرية الاقتصاديّة :

تعني حريّة النّشاط الاقتصاديّ للأفراد والجماعات والدّول ، الأمر الّذي يتطلّب إزالة جميع العوائق الّتي تحدّ من فاعليّة هذا النّشاط ، ويعود الفضل للحريّة الاقتصاديّة في إنتاج الثّروة ، وتراكم رؤوس الأموال ، وازدهار الاقتصاد الوطنيّ ، وتحقيق مستوى معيشيّ أفضل للمواطنين ، وللحريّة الاقتصاديّة أوجه متعدّدة أبرزها: حريّة العمل والاستثمار المباشر وفتح الأسواق أمام تدفّق السّلع والمنتجات المحليّة ، حريّة الاستيراد والتّصدير بصورة تكامليّة مع المنتجات الوطنيّة والاقتصاد الوطنيّ ، حريّة النّشاط التّجاري والمصرفي ، سنّ التّشريعات والقوانين الدّاعمة للاستثمار ، ومنح التّسهيلات الضّروريّة لاستثمار رؤوس الأموال الوطنيّة المجمّدة وجذب رؤوس الأموال الخارجيّة للأسواق المحليّة ، ومنع احتكار السّلع والمنتجات واستيراد وتصدير أنواع منها من جانب بعض الأفراد دون غيرهم .



· الحريّة الفكريّة :

لكلّ فردٍ الحقَّ في أن يفكّر ، و يعبّر عن أفكاره ، دون خوفٍ أو قلق ، أو مصادرة أو منع ، وللآخرين الحقّ في قبول أو رفض تلك الأفكار ، فلا سلطة على الفكر إلاَّ للفكر نفسه ، ولا ينبغي أن يُكره المرء على قبول أو رفض فكرٍ مّا بعينه ، ولعلّ من أبرز مظاهر الحريّة الفكريّة : تبنّي الإنسان للأفكار الّتي تستجيبُ لفكره واحتياجاته ، والتّعبير الحرّ عن أفكاره بالقول أو بالكتابة ، أو ممارسة تلك الأفكار في إطار المشروعيّة القانونيّة والمجتمعيّة . فالتّنوع الفكريّ سمةٌ جوهريّةٌ للتّنوّع الإنسانيّ ، والاختلاف الفكريّ نتيجةٌ موضوعيّة لاختلاف الأفراد والمجتمعات البشريّة ، فحريّة الاختلاف والتّنوّع الفكريّ أمرٌ طبيعيٌّ مشروع في إطار التّنوع الثّقافيّ والاجتماعيّ في المجتمع ، والقبول والاحترام المتبادل للأفكار المختلفة ، في إطار الانتماء الاجتماعيّ والوطنيّ لأفراد المجتمع الواحد والوطن الواحد . ولتعزيز الحريّة الفكريّة ، ينبغي إشاعةُ روح التّسامح بين مختلف المكوّنات الثّقافيّة والاجتماعيّة ، وتعميق الممارسة الدّيمقراطيّة القائمة على التّعدّدية ، وقبول الآخر . واعتماد الحوار وسيلةً لمواجهة الاختلافات الفكريّة المتعدّدة .

· الحريّة الدّينيّة :

الحريّة الدّينيّة هي الاعتراف بحقّ كلّ فردٍ في اختيار دينه ، واحترام عقيدته ، وممارسة شعائره وطقوسه الدّينيّة ، بمعزلٍ عن أيّ من أشكال القسر والإكراه ، فلا إكراه في الدّين ، ولأنَّ الدّين أمرٌ شخصيٌّ منوطٌ بالفرد ، وبعلاقته مع ربّه ، فهو حقٌّ أساسيٌّ من حقوقه الحياتيّة ، لا يحقّ لأيِّ التدخّل في شؤونه ، أو الإساءة إليه ، بما في ذلك ممارسة التكفير من جانب بعض الأفراد و الجماعات و الدّول ، واتّخاذ عقوبات ماديّة أو معنويّة بحقّهم ، فمن حقّ المتديّن ممارسة شعائرة وطقوسه الدّينيّة الفرديّة والجماعيّة ، في إطار التّنوع الدّينيّ والمذهبيّ للمجتمع واحترام الآخر ، من أتباع الدّيانات السّماويّة والمذاهب الدّينيّة المختلفة . من ناحية أخرى لا يعني القول بالحريّة الدّينيّة للأفراد والجماعات ، قبول أو تسويغ الأعمال العنفيّة وغير الإنسانيّة الّتي يقوم بها البعض باسم الدّين ، فالحريّة الدّينيّة مشروطةٌ بالتّسامح ، وعدم الاعتداء و الإكراه والتطرّف بكافّة أشكاله ، من قبل الأفراد والجماعات والدّول ، فالله وحده القيّم على الدّين ، لا البشر .

· الحريّة والدّولة :

صلةُ الدّولة بالحريّة صلةٌ وثيقةٌ ، فالدّولة تحتاج للحريّة لأنَّ حريّتها تجعلُها قادرةً وفاعلة في الحياة الاجتماعيّة ، وحرّيتها تكمن في التزامها بتطبيق القوانين المُتعاقدِ عليها بين المواطنين من جهة ، وبينهم وبينها من جهة أخرى ، وفي قدرتها على منع انتهاك سلطتها وسيادتها في أداء مهامها من قِبلِ أيّ سلطةٍ فرديّة أو اجتماعيّة أو ٍفئويّةٍ أو سياسيّة داخليّةٍ أو خارجيّة ، فالدّولةُ الحرّة دولةٌ لكلّ المواطنين المتعاقدين معها للتّعايش المشترك ، وهي في الحقيقة نتاج تعاقد الإرادات الحرّة للمواطنين أنفسِهِم ، إنّها الإرادة الكليّة للمجتمع ، متى تعرّضت للمساس في أداء وظيفتها ، تفقد حرّيتها وتصبحُ أداةً مسلّطةً على حريّة الأفراد والمجتمع ، فتتحوّل من راعيةٍ للحريّة إلى أداةٍ للقمع والعبوديّة . الحريّة بحاجةٍ لدولةٍ حرّة تحرسها وتصونها ، وليس إلى دولةٍ مُستَعبدةٍ ، تُمارسُ العسف والظّلم والتّمييز على مواطنيها ، استجابةً للضّغوط الّتي تُمارَسُ عليها أيّاً كان مصدرُها . الدّولةُ الحرّة تخضعُ كافّة الأجهزة والإدارات والمؤسّسات التّنفيذيّة فيها لسلطة الشّعب ، وتكون علاقتها بالمواطنين علاقةً دستوريّة قانونيّة ، بوصفها وسيلةً حضاريّة لتنظيم شؤون الحياة المدنيّة للأفراد ، على أسسٍ قانونيّة ارتضوها لأنفسِهِم بحرّيّة تامّة .

· استخلاص :

يُستنتج ممّا تقدّم بأنَّ الحريّة حاجة إنسانيّة أصيلةٌ في الإنسان ، مصدرها الشّعور الشّخصيّ بامتلاكها وممارستها في مناشط وحقول الحياة المختلفة ، وبالتّالي فهي ليست لغزاً مبهماً يصعبُ تفسيرهُ وفهمه و تعقّله ، وكونها حاجةً إنسانيّةً فإنّها تكتسب مشروعيّتها العمليّة من خلال التزامها بجملة قواعد وضوابط وشروط ، تكفل للإنسان تلبيتها والتّعبير عنها والحفاظ عليها ، أساسها احترام حريّة الآخرين ، وعدم النّيل منها ، لذا تخضع الحريّة لاعتبارات أخلاقيّة واجتماعيّة وقانونيّة ، فالإنسان حرّ في فكره وقوله وفعله وسلوكه ، متى التزم باحترام الآخرين وعدم إلحاق الأذى بهم . والحريّة الإنسانيّة بصورتها الفرديّة والمجتمعيّة ، قضيّة مقدّسة ، أساسها الحق الطّبيعيّ باعتبارها حاجةً فطريّةً لا مكتسبة . من ناحية أخرى الغاية النّهائيّة للحريّة هي البناء لا الهدم ، رغم اتّخاذها من جدليّة الهدم والبناء أسلوباً لتحقيق البناء المستمرّ في حياة الإنسان الفاعل في حياته ومجتمعه وعالمه .


مراجع البحث

Bibliography


*- د. بدوي عبد الرحمن ، موسوعة الفلسفة ج1 ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1984.

*- د. زيادة ، معن ، رئيس التحرير ، الموسوعة الفلسفية العربية ، المجلد الأول ، ط1 ، معهد الإنماء العربي ، 1986 ، بيروت .

*- كون ، ايغور، المشرف ، ترجمة ، توفيق سلّوم ، معجم علم الأخلاق ، دار التّقدّم ، موسكو ، 1984 .

*- مجموعة من المتخصّصين ، ترجمة ، د. أنطون حمصي ، قاموس الفكر السّياسي ، الجزء الأوّل،منشورات وزارة الثّقافة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، دمشق ، 1994 .

*- الدكتور الطويل ، توفيق ، جون ستيورت مِل ، دار المعارف ، القاهرة ، ب . ت .

*- موسنييه، رولان، تاريخ الحضارات العام، (القرنان السادس عشر والسابع عشر)، المجلد الرابع ، ترجمة، يوسف أسعد داغر، فريد م. داغر، طبعة أولى، بيروت 1966 .

*- زكريا ، تأمّلات وجوديّة ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1962.

*- Cavlin, John , Institutes Of The Christian Religion Book II, Translated by Henry

Beveridge Eerdmans, W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids,Michigan,

U.S.A , 1995 .

*- Calvin, John, Institutes Of The Christian Religion Book III, Translated by Henry

Beveridge, Eerdmans, W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids, Michigan,

U.S.A , 1995


هوامش البحث

Footnotes

(1) _ أنظر ، مجموعة من المتخصّصين ، ترجمة ، د. أنطون حمصي ، قاموس الفكر السّياسي ، الجزء الأوّل،منشورات وزارة الثّقافة في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة ، دمشق ، 1994، ص 247 .

(2) _ أنظر ، المرجع نفسه ، ص 247 .

(3) _ الدكتور الطويل ، توفيق ، جون ستيورت مِل ، دار المعارف ، القاهرة ، ب . ت ، ص74 .

(4) _ كون ، ايغور، المشرف ، ترجمة ، توفيق سلّوم ، معجم علم الأخلاق ، دار التّقدّم ، موسكو ، 1984، ص 177.

(5) _ أنظر ، د. بدوي عبد الرحمن ، موسوعة الفلسفة ج1 ، ط1، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 1984، ص458 .

(6) _ المرجع نفسه ، ص458 .

(7) _ المرجع نفسه ، ص459 .

(8) _ المرجع نفسه ، ص 459 .

(9) _ Cavlin, John , Institutes Of The Christian Religion Book II, Translated by Henry

Beveridge Eerdmans, W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids,Michigan,

U.S.A , 1995, P.254.

(10) - د. زيادة ، معن ، رئيس التحرير ، الموسوعة الفلسفية العربية ، المجلد الأول ، ط1 ، معهد الإنماء العربي ، 1986 ، بيروت ، ص365 .

(11) _ موسنييه، رولان، تاريخ الحضارات العام، (القرنان السادس عشر والسابع عشر)، المجلد الرابع ، ترجمة، يوسف أسعد داغر، فريد م. داغر، طبعة أولى، بيروت 1966، ص82 .

(12) - Calvin, John, Institutes Of The Christian Religion Book III, Translated by Henry

Beveridge, Eerdmans,W M. B.Eerdmans Publishing Company,Grand Rapids,

Michigan, U.S.A , 1995, P.131 .

(13) _ د, بدوي ، عبد الرحمن ، 459.

(14) _ المرجع نفسه ، ص460،ص461.

(15) _ أنظر ، المرجع نفسه ، ص460.

(16) _ المرجع نفسه ، ص460 .

(17) _ المرجع نفسه ، ص460 .

(18) _ المرجع نفسه ، ص460 .

(19) _ المرجع نفسه ، ص460.

(20) _ المرجع نفسه ، ص461 .

(21) _ المرجع نفسه ، ص461.

(22) _ المرجع نفسه ، ص 461.

(23) _ المرجع نفسه ، ص 461.

(24) _ المرجع نفسه ، ص 461.

(25) _ المرجع نفسه ، ص 461.

(26) _ للمزيد ، أنظر ، إبراهيم ، زكريا ، تأمّلات وجوديّة ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1962،ص 206، ص207،ص208 .

[email protected]