معضلة انضمام تركيا الى الاتحاد الأوروبي بقلم:معتصم عوض
تاريخ النشر : 2007-03-15
معتصم عوض

معهد أبو اللغد للدراسات الدولية

جامعة بيرزيت

بعد أن ظل موضوع انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي لفترة طويلة يعامل على أنة موضوع على هامش عملية البناء الأوروبي، أصبح فجأة في مقدمة موضوعات الساعة السياسية الأوروبية.

تكمن الإشكالية في أن تركيا بلد إسلامي ليبرالي يتجه في نظرته إلى الغرب كمثل أعلى كما أراد كمال أتاتورك، وهي حليف إستراتيجي للغرب من زمن بعيد وعضو في حلف الناتو بالإضافة إلى العديد من المنظمات الدولية الأوروبية وموقعه على العديد من الاتفاقيات منها اتفاقية الاتحاد الجمركي مع الاتحاد، وعملت الكثير من الإصلاحات السياسية والقانونية لتلبية شروط الدخول في الاتحاد الأوروبي، وبالرغم من ذلك فإن جميع المحاولات التركية لم تؤدي إلى انضمامها إلى هذا الاتحاد حتى الآن.

لكن ما هي الأسباب وراء عدم انضمام تركيا إلى الإتحاد الأوروبي حتى اليوم؟

بعد أن نفذت تركيا الإصلاحات السياسية التي طلبها الإتحاد الأوروبي والتي تجلت بوضوح في التعديلات القانونية التي تم إحداثها في نظامها القانوني حتى أصبحت تتوافق مع معايير كوبنهاجن السياسية، وهذا باعتراف اللجنة الأوروبية الخاصة للإتحاد الأوروبي، التي رأت في السادس من أكتوبر 2004 أن تركيا أصبحت تلتزم بشكل كاف بمعايير كوبنهاجن السياسية بعد أن ثبت لها التقدم الهائل الذي حققته تركيا في عملية الإصلاح السياسي، وبناءً علية قرر مجلس الإتحاد البدء بمفاوضات الانضمام في 03 أكتوبر من العام 2005، ظلت المعايير الاقتصادية والبعد الثقافي الاجتماعي هما العائقان المركزيان اللذان يحيطان بمستقبل الانضمام التركي، مع تفوق للبعد الاقتصادي حتى الآن.

لا شك أن هناك انقسام في الرأي العام الأوروبي بشأن انضمام تركيا إلى الإتحاد، بين مؤيد ومعارض، وإن نسب التأييد والمعارضة تختلف من دولة لدولة، كذلك أسباب الرفض ونسبها المئوية، ففي أحدث عملية مسح إحصائية قامت بها Eurobarometer، وهي مجموعة الآراء العامة لشعوب الإتحاد الأوروبي حول المسائل الهامة التي تقوم بها المفوضية الأوروبية منذ عام 1973، أظهر المسح أن 48% من المواطنين في دول الإتحاد الخمس وعشرون هم معارضون لانضمام تركيا للإتحاد الأوروبي مقابل 39% مؤيدون للانضمام. كما أوضح المسح أن نسبة المؤيدون في الدول العشرة المنضمة حديثاً قد وصلت 44% مقابل 38% في الدول الخمسة عشر القديمة. وأظهر المسح أن أعلى نسبة رفض لانضمام تركيا كان في النمسا حيث بلغت النسبة حوالي 81%، مقابل 66% لأعلى نسبة تأييد في رومانيا، تليها السويد 61% ثم بريطانيا 40%.

يمكن تقسيم أسباب الرفض الشعبية والتحفظات الدولية إلى قسمين، الأول بما يتعلق بالداخل التركي وآخر له علاقة بخلافات تركيا بدول الجوار. ففي فرنسا أظهر استطلاع للرأي أن 36% فقط من الشعب الفرنسي مؤيد لانضمام تركيا في حين 56% من الشعب أظهر معارضته لانضمامها. ويضيف نفس الاستطلاع أن 40% من المعارضين يرون أن المشكلة في حجم تركيا السكاني الكبير والخوف من الهجرة الجماعية للعمال الأتراك إلى أسواق العمل في دول الإتحاد في حين يرى 26% من الفرنسيين سبب رفضهم في أن تركيا ليست بلد أوروبي وأنها تقع في قارة آسيا، و25% يروا أن المشكلة الحقيقية هي كون المجتمع التركي مجتمع مسلم يختلف كل الاختلاف عن المجتمعات الأوروبية المسيحية. هذا وقد أظهر الاستطلاع أيضاُ أن 63% من المعارضين يروا أنه من الممكن تقبل تركيا حال نجاحها في الوصول إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية المطلوبة، في حين 30 من المعارضين يرون استحالة تقبل تركيا في الإتحاد بسبب الفروق الثقافية والتاريخية.

ومن الناحية الاقتصادية يرى الكثير من الأوروبيين أن الاقتصاد التركي ضعيف ولا يستطيع المنافسة في السوق الأوروبية كذلك فإن تركيا تعاني من مستوى بطالة مرتفع وهذا سيؤثر على سوق العمالة في الاتحاد إذا ما فتحت دول الاتحاد الأبواب أمام الأتراك للعمل حيث ترى بعض الآراء هذه الدول، أن انضمام تركيا، البالغ تعدادها حاليا72 مليون نسمة، يتضمن مخاوف أكثر من الفوائد، ومن بين هذه المخاوف أن يتم نزوح جماعي للأيدي العاملة التركية إلى دول الاتحاد الأكثر تطورا، بحثاً عن فرص عمل، وأن تقوم تركيا باستنزاف الكثير من الأموال الأوروبية التي ستضخ إليها، كمساعدات إقتصادية، دون أن يتعافى اقتصادها، الذي لا يتواكب ومستويات الاقتصاد الأوروبي، فقد أشار أحد التقرير إلى أن ما بين 16.5 ـ 27 بليون يورو، يفترض أن يبدأ الاتحاد تقديمها لتركيا اعتباراً من عام 2025، وهو الموعد المرجح أن تنضم فيه تركيا لعضوية الاتحاد، كمساعدات اقتصادية، وهذا يعني لكثير من للأوروبيين التقليل من رفاهيتهم.

ومن الناحية الديموغرافية فإن من المتوقع أن يصل عدد سكان تركيا خلال السنوات العشر المقبلة إلى 80 مليوناً، أي ما يعادل سكان ألمانيا، وسيبلغ نسبة السكان الأتراك 14% من عدد سكان الاتحاد الأوروبي، وبالتالي، ستكون تركيا أحد أكبر أعضاء الاتحاد، وسيتساوى ثقلها، داخل المجلس الوزاري، مع أصوات كل من ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وبريطانيا. ويتوقع وفقاً لذلك أن يتساوى عدد نواب تركيا في البرلمان مع عدد نواب ألمانيا (100 من أصل 732)، وهو الأمر الذي يثير مخاوف رسمية وشعبية في أوروبا في ظل الاختلافات الثقافية والدينية بين تركيا وباقي سكان أوروبا، علماً أن 23 مليون مسلم يعيشون الآن في دول الإتحاد الأوروبي، وهم يشكلون 4.5% من إجمالي سكان دول الإتحاد، ومن المتوقع أن تصل النسبة إلى 20% بحلول عام 2050، حيث أن نسبة المواليد عند المسلمين في الإتحاد تفوق ثلاث أضعاف عند غير المسلمين، وهذا أيضاً يزيد من مخاوف المعارضين للانضمام التركي.

وآخرون رأوا في تركيا الديموقراطية الناقصة علاوة على مشاكلها الداخلية وانتهاكها لبعض حقوق الإنسان المدنية والسياسة خصوصا فيما يتعلق بقضية الأكراد وحريات الرأي والتعبير، وعقوبة الإعدام وحقوق الأقليات الدينية.

إن جميع أئمة الجوامع والمساجد، وجميع العاملين في دور العبادة والمؤسسات الدينية، التعليمية والاجتماعية، هم بمنزلة موظفون حكوميون يتقاضون رواتبهم إما من الدولة مباشرة أو من رئاسة الشؤون الدينية، وهذه الأخيرة تأخذ ميزانيتها من الدولة وهي بالتالي مؤسسة رسمية ومن البديهي أن تكون توجهات هذه المؤسسة، وجميع الأئمة التابعين لها وعددهم أكثر من سبعين ألف إمام مسجد، مرسومة من قبل النظام، وهذا يتناقض مع ابسط قواعد العلمانية وهي عدم تدخل الدولة في الشأن الديني وترك الجماعات الدينية تنظم نفسها بنفسها وهذا ما هو قائم في جميع الدول الأوربية والأمريكية الشمالية.

كذلك يوجد في الدستور والقوانين التركية عشرات البنود التي تحد بصورة كبيرة من الحرية الفكرية وحرية التعبير والكتابة، وفرض عقوبات على كل من يطرح تصورا يتناقض مع الفكر الأتاتوركي أو حتى مجرد انتقاد بعض جوانبه. وهذا ما أثار دائما احتجاجات منظمات حقوق الإنسان وانتقادات تقارير منظمة العفو الدولية وهكذا سقط المئات بل الآلاف من الضحايا في ما سمي ب "جرائم مجهولة الفاعل" والتي كانت تنفذ من قبل أجهزة أمنية تابعة للدولة.

وفي ما يتعلق بحرية الأقليات، تعد تركيا البالغ عدد سكانها 72 مليونا فسيفساء من خليط الأعراق والمذاهب، فالأكراد فيها يناهزون 12 مليونا أي خمس السكان فيما العلويين يقاربون ثلث السكان، هذا إضافة إلى أقليات عرقية ودينية ومذهبية أخرى. إن النفي الديني الذي قامت العلمانية التركية على أساسة، واكبه نفي عرقي تحت شعار" هنيئا لمن يقول أنا تركي" الذي أطلقه اتاتورك، الأمر الذي أدى إلى نفي وإلغاء للآخر، و لم يعد هناك من أعراق سوى العرق التركي والجميع تحولوا، بقدرة مؤسس الجمهورية إلى أمة تركية وهكذا لم يعترف بالهوية الثقافية ل12 مليون كردي، وشنت حملة تتريك واسعة بدءا من قمع المتمردين وإعدام الزعماء وصولا وهذا الأخطر، إلى محاولات تذويب الهوية الكردية، حيث لم يسمح لهم باستخدام لغتهم الأم ولا التعليم أو الكتابة والنشر إلا حديثاً، وقد احتلت هذه القضية بالذات منذ سنوات أهمية بارزة في العلاقات التركية مع الاتحاد الأوروبي، وغدا احترام حقوق الأقليات الثقافية واللغوية هو احد أبرز العناوين الأساسية في وثيقة "معايير كوبنهاجن" التي يلزم الاتحاد الأوروبي كل من أراد الانضمام إلى ناديه تطبيقها. لقد اصرر البرلمان الأوروبي على إبراز القضية الكردية، وهو إصرار ناجم عن الضغط السياسي الذي تمارسه الجماعات الكردية مع المتعاطفين معها في مختلف المنافي الأوروبية من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ويشكل التوصل إلى حل لهذه المشكلة خطوة حاسمة، لان أي توسيع للاتحاد الأوروبي، لا يصبح ممكنا، دون الموافقة النهائية للبرلمان.

وبالإضافة إلى ما ذكر هناك نواقص تعاني منها الديمقراطية التركية، والمتعلقة بشكل رئيسي بتحكم الجيش في السياسة التركية، فقد ظلت المؤسسة العسكرية وحتى وقت هذا، وإن تراجع تأثيرها، تحكم وترسم السياسات التركية الخارجية، فوقع انقلابان عسكريان عامي 1960 و1980 وتدخلان عسكريان عامي 1970 و1997، وأحدثت هذه السياسة تأثيراً سلبياً على الديموقراطية وحقوق الإنسان في تركيا وهي القضايا المركزية والجوهرية في قييم الإتحاد الأوروبي وأحد الركائز التي تستند عليها معايير الانضمام. وقد أثارت سياسة الجيش في تركيا جدلاً واسعاً في برلمان الإتحاد الأوروبي حول ما إذا كان النظام التركي بالفعل نظاماً ديموقراطياً حسب المعايير الأوروبية، حيث رأى معارضي الانضمام أن الديموقراطية المقيدة في تركيا ستهدد البناء السياسي للإتحاد الأوروبي، وتجلى ذلك بالفتور في العلاقة بين تركيا والجماعة الأوروبية بعد التدخل العسكري عام 1970 وزاد الطين بله الانقلاب العسكري الذي وقع عام 1980 حيث انخفض مستوى الحجم التبادل التجاري بين الطرفين إلى أدنى مستوياته، ولم تتحسن العلاقة إلا بعد عودة الحكم المدني. وفي نفس السياق كان لإصدار الدستور الجديد التركي عام 1982 أثراً على مسألة الانضمام فقد تعارض هذا الدستور مع بعض الحقوق المدنية والسياسية للفرد وبالتالي لم يصل هذا الدستور الى مستوى معايير الاتحاد الأوروبي المتعلقة بالديموقراطية وحقوق الإنسان.

ومن المطالب التي يرى أعضاء الاتحاد أن على تركيا تلبيتها، الإقرار بعمليات الإبادة الجماعية للأرمن في أوائل القرن العشرين في الفترة ما بين 1915 و 1923، والتي تصر تركيا على أنها لم تكن إبادة مقصودة وأن ما جرى كان نتيجة حرب أهلية بعد مساندة الأرمن لروسيا في حربها ضد الدولة العثمانية، والدليل على ذلك أن الكثير من الأتراك أنفسهم سقطوا ضحايا أيضاً. ويقدر عدد الأرمن الذين قتلوا خلال تلك الفترة بنحو 1.5 مليون، في حين ترى تركيا أن عددهم كان 300 ألف. ولحل الأزمة اقترحت تركيا تشكيل لجنة مختصة للبحث في هذه المسألة والبت فيها.

ومن أبرز التحديات التي تواجهها تركيا على صعيد علاقاتها مع دول الإتحاد، الصراع مع اليونان حول بحر إيجا، والمشكلة القبرصية بعد التدخل العسكري التركي عام 1974 وتقسيم شطري جزيرة قبرص بين القبارصة اليونانيين والأتراك. وتشكل هذه التوترات عقبات موضوعية على طريق العضوية، بسبب ضرورة مواقفه جميع أعضاء الاتحاد الأوروبي بالإجماع على قبول أية دولة جديدة وبذلك فإن احتمالية ممارسة حق النقض الفيتو من قبل اليونان أو قبرص تشكل خطراً حقيقياً على الانضمام التركي طالما بقى النزاع اليوناني- التركي والتركي القبرصي مستمرا. وقد اتضح مدى صعوبة التغلب على مقاومة اليونان لأي تحسين في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا للرئيس كلينتون قبل اجتماع المجلس الأوروبي في شهر حزيران من العام 1998، حين حاول، عبثا، إقناع رئيس الوزراء اليوناني كوسنتاس سيميتس بتأييد اقتراح بريطاني يقضي بتمكين تركيا من الاندماج لاحقا بالاتحاد الأوروبي، لكن على الرغم من المزاج الشعبي اليوناني الحذر تجاه تركيا إلا أن الحكومة الاشتراكية السابقة والمحكومة المحافظة الحالية في أثينا تشاطر وجه النظر القائلة أن مصلحة اليونان تكمن في استيعاب تركيا مستقرة داخل الإتحاد الأوروبي وليست خارجة درءاً لأي مخاطر أو توترات مستقبلية.

إن نظرة الإتحاد الأوروبي إلى مسألة انضمام تركيا ستعتمد على مستقبل الإتحاد الأوروبي، فهي ستختلف إذا ما أصبح للإتحاد سياسة خارجية موحدة ودستور موحد عن ما إذا بقيت السياسة الخارجية في يد كل دولة على حدا، تحكم بدساتير متعددة. كذلك ستختلف النظرة إذا ما أراد الإتحاد أن يصبح قطب دولي في منظومة دولية جديدة متعددة الأقطاب أو ثنائية القطبية.

وفي ظل غياب الدستور الأوروبي الموحد وفعالية للبرلمان ستظل الشعوب وتقلبات الأحزاب الحاكمة في الدول الأوروبية مصدر قلق بالنسبة لتركيا لان تركيا ستظل بحاجة موافقة جميع الدول على انضمامه وسيبقى الفيتو الشبح الذي سيخيم على مستقبل الانضمام التركي. لكن إذا كان هناك إرادة أوروبية موحدة وهي الصعود بالإتحاد إلى القطبية جنباً إلى جنب مع الولايات المتحدة أو أقطاب أخرى، فمن المؤكد أن الإتحاد سيكون بحاجة إلى تركيا لتعزيز مكانته الديموغرافية والجغرافية والعسكرية، وفي هذه الحالة من المؤكد أن يفتح الإتحاد ذراعيه لتركيا بدل أن تنضم تحت ذراع الولايات المتحدة أو أي قطب آخر.

وفي ظل قراءتي لما تقدم، أعتقد أن هناك ثلاث احتمالات أو رؤى مستقبلية لعلاقة تركيا بالإتحاد الأوروبي:

1- إما أن توافق دول الاتحاد على انضمام تركيا إليها

2- وإما أن ترفض هذه الدول الانضمام وأن تبقي العلاقات التجارية فقط أو تبني شراكة متميزة

3- أو أن يستمر الاتحاد في تأجير الانضمام التركي العقد تلو الآخر

وباعتقادي فان الاحتمال الأول صعب المنال في الفترة القريبة أو متوسطة المدى، وهذا ما تعلن عنه معظم الدول في الاتحاد الأوروبي، حيث يتحدث الاتحاد عن إمكانية الانضمام في عام 2015 أو عام 2025، لأن الكثير من الدول الأوروبية ليست مستعدة في الوقت الحاضر إلى استيعاب دول أخرى، وكيف إذا كانت هذه الدولة تركيا بحجم سكانها الضخم واقتصادها الضعيف نسبياً.

أما بخصوص الاحتمال الثاني فانه غير مرغوب فيه تركيا وان كانت بعض الأطراف الأوروبية قد لوحت بهذا الاحتمال، ومن بين الدول التي أصرت على هذا الموقف النمسا، مستندة إلى معارضة الرأي العام النمساوي بأغلبية ساحقة إلى الطموحات التركية، وهذا دليل على أن قرار الحكومات متأثر بالرأي العام للشعب. لكن النمسا لم تنجح حتى الآن في فرض موقفها هذا وقد مورس عليها ضغوط من قبل نظيراتها الأوروبيات لسحب تحفظاتها هذه قبل انطلاق عملية المفاوضات بين الاتحاد وتركيا بشأن الانضمام التركي في أكتوبر من العام 2003، حيث اقترحت النمسا أن يتم منح تركيا مزايا أقل من تلك الممنوحة لباقي الدول، أو بمعنى آخر قبول تركيا كشريك مميز في الإتحاد بدل من منحها العضوية الكاملة، الأمر الذي رفضته أنقرة بشدة. ومن الناحية الأخرى من الصعب للغاية التراجع عن الوعود التي قطعها الإتحاد على نفسه لتركيا في المرحلة الحالية. وعلينا أن لا ننسى أن هناك حقائق ثابتة وهي أن أوروبا لا يمكنها الاستغناء عن ما تملكه تركيا من أهمية إستراتيجية جغرافيا وعسكريا واقتصادياً. ومن هنا فان هذا الاحتمال مستبعد على المدى القريب أو المتوسط وان من الممكن أن يتعزز في المستقبل بالتغيرات السياسية الدولية والأوروبية وسياسة الحرب على الإرهاب التي يشنها الغرب بقيادة الولايات المتحدة على الإسلام.

أما الاحتمال الثالث وهو سياسة التأجيل والممطالة التي يتبعها الاتحاد الأوروبي، فهو برأيي الأكثر ميولاً عند العديد من الدول الأوروبية. إن الإتحاد الأوروبي لا يريد الدخول في أزمة جديدة مع تركيا خصوصاُ وهو يعاني من أزمة رفض الدستور الأوروبي الذي يعد ضربة موجعة لعملية التكامل الأوروبي، وفي نفس الوقت تخشى الحكومات من الرفض الشعبي الأوروبي لانضمام تركيا والذي قد يهدد مصير الحكومة أو الحزب السياسي، وفي نفس الوقت سيعزز ذلك عناصر الطرف والتشدد في تركيا وبالتالي إدخال عنصر خطير من عناصر عدم الاستقرار في منطقة الشرق، ولهذا تظل الحكومات الأوروبية بحاجة إلى مد الجسور مع تركيا للاستفادة من الاستراتيجية العسكرية الجغرافية لهذا البلد في نفس الوقت يظل ملف تركيا للانضمام مفتوح أمام مراوغة الدبلوماسية الأوروبية. ولكن السؤال الجوهري الذي لا استطيع الإجابة عليه في هذا البحث وهو: الى متى ستبقى تركيا غائصة في هذا الملف؟؟ والى متى ستبقى رهن مراوغة الدبلوماسية الأوروبية؟ وهل ستفقد الأمل وتغير سياستها نحو أوروبا؟

لقد ازداد العامل الديني والثقافي أهمية بعد أحداث 11 أيلول وازداد الاعتقاد عند شعوب العالم الغربي ومن ضمنهم الأوروبيين أن للإسلام علاقة بالإرهاب والعنف، وأصبح ينظر للخطر القادم من المهاجرين المسلمين من معتقداتهم الدينية والثقافية أكثر من السابق. واستغلت بعد الأحزاب السياسية في أوروبا، وبالأخص اليمينية منها، هذا البعد للتأثير على المواطنين وكسب الناخبين، مدعين عدم انسجام الإسلام والمسلمين مع الثقافة الأوروبية، ما أدى إلى زيادة العنصرية والتمييز العرقي المبني على الاختلاف الثقافي، الأمر الذي زاد من أعمال العنف ضد المسلمين ومساجدهم ومراكزهم الدينية. وقد أشار استطلاع للرأي أن 62% من الفرنسيين يرون عدم انسجام القيم الإسلامية مع قيم الجمهورية الفرنسية.

وفي النهاية أقول أنه طالما بقي النظام الدولي على بنيته الحالية والإتحاد الأوروبي على قسمته وسياسته الغير موحدة وطالما بقي التوتر المبني على الخلفية الثقافية والدينية في تصاعد، فإن هذا لا يبشر الأتراك بمستقبل مشرق تحت أجنحة الإتحاد الأوروبي، ويمكننا القول أنه كلما زاد هذا التوتر داخل المجتمعات الأوروبية زاد انطواء المجتمعات المسلمة داخل الإتحاد على نفسها وشكلت مجتمع داخل مجتمع لا تجانس بينها وبالتالي تتضاءل فرص تقبل الآخر وتفهمه، فيزيد الصراع الاجتماعي والكراهية للمسلمين وبما أن الأتراك مسلمون رغم كل علمانيتهم فسيؤثر هذا على القبول الأوروبي لانضمامهم.