مدخل إلى البنيوية التكوينية بقلم:د.جميل حمداوي
تاريخ النشر : 2006-12-12
مدخل إلى البنيوية التكوينية

الدكتور جميل حمداوي عمرو( ص.ب5021 الناظور المغرب)

1ـ القسم النظري:

إذا كان المنهج الاجتماعي الوضعي يعقد ربطا آليا بين مضامين الأدب والمجتمع, باعتبار أن الأديب لا يعكس سوى بيئته ووسطه الاجتماعي, فإن البنيوية التكوينية تعقد تماثلا من نوع آخر ليس بين مضمون الأدب والمجتمع, بل بين الأشكال الأدبية وتطور المجتمع بطريقة غير آلية. ويتم هذا الترابط بواسطة التناظر أو التماثل بين البنى الجمالية أو الفنية والبنى الاجتماعية . ويمكن التمييز كذلك بين بنيوية تكوينية وظيفية يمثلها لوسيان كولدمان , وبنيوية شكلانية غير تكوينية يمثلها كل من جاكبسون وكلود لفي شتراوش ورولان بارت وﮔريماس وألتوسير وفوكو ولاكان .....

هذا، وإن البنيوية التكوينية عبارة عن تصور علمي حول الحياة الإنسانية ضمن بعدها الاجتماعي. وتمتح تصوراتها النفسية من آراء فرويد , ومفاهيمها الإبستيمولوجية من نظريات هيــجل وماركس وجان بياجي . أما على المستوى التاريخي والاجتماعي , فتعود تناصيا إلى آراء هيجل وماركس وكرامشي ولوكاتش والماركسية ذات الطابع اللوكاتشي .

ويستهدف لوسيان كولدمان من وراء بنيويته التكوينية رصد رؤى العالم في الأعمال الأدبية الجيدة عبر عمليتي الفهم والتفسير بعد تحديد البنى الدالة في شكل مقولات ذهنية وفلسفية . ويعد المبدع في النص الأدبي فاعلا جماعيا يعبر عن وعي طبقة اجتماعية ينتمي إليها، وهي تتصارع مع طبقة اجتماعية أخرى لها تصوراتها الخاصة للعالم. أي إن هذا الفاعل الجماعي يترجم آمال وتطلعات الطبقة الاجتماعية التي ترعرع في أحضانها , ويصيغ منظور هذه الطبقة أورؤية العالم التي تعبر عنها بصيغة فنية وجمالية تتناظر مع معادلها الموضوعي "الواقع".

وتنبني منهجية لوسيان ﮔولدمان السوسيولوجية على اعتبار العمل الأدبي أوالفني عملا كليا , أي دراسته كبنية دالة كلية . وهذا يستلزم تحليل النص بطريقة شمولية وذلك بتحليل بنياته الصغرى والكبرى من خلال تحليل عناصره الفونولوجية والتركيبية والدلالية والبلاغية والسردية والسيميولوجية دون أن نضيف ما لا علاقة له بالنص , إذ علينا أن نلتزم بمضامين النص دون تأويله أو التوسع فيه , وبعد ذلك نحدد البنية الدالة وهي مقولة ذهنية وفلسفية تستخلص من كلية العمل الأدبي عبر توارد تيماته المتواترة . ويشكل كل هذا عملية الفهم LA COMPREHENSION. وعندما نحدد البنية الدالة والرؤية للعالم المنبثقة عن الوعي الممكن, نقوم بتفسير تلك الرؤية خارجيا أومايسمى لدى ﮔولدمان EXPLICATION ، وذلك بتحديد العوامل المؤثرة في هذه البنية وكيف تشكلت من خلالها رؤية العالم . ويعني هذا أنه لابد عند إضاءة النص الأدبي وفهمه فهما كليا وحقيقيا من الانتقال إلى خطوة أساسية وهي تفسير النص خارجيا بالتركيز على العوامل التاريخية والاجتماعية والسياسية والثقافية والنفسية على الرغم من الطابع الفردي لما هو نفسي . ويعني كل هذا أن البنية الدالة ذات الطابع الفلسفي لا يمكن أن تبقى ساكنة, بل لا بد من إدراجها ضمن بنية أكثر تطورا لمعرفة مولداتها وأسباب تكوينها؛ لذلك سميت بالبنيوية التكوينية (Structuralisme génétique).

وتعتمد البنيوية التكوينية على مصطلحات إجرائــية لا بد من التسلح بها لتحليل النص الأدبي تحليلا سوسيولوجيا للأشكال الأدبية ويمكن حصر هذه المصطلحات فيما يلي :

1 ـ الفهم والتفسير: La compréhension et l’éxplixation

إذا كان الفهم هو التركيز على النص ككل دون أن نضيف إليه شيئا من تأويلنا أو شرحنا, فإن التفسير هو الذي يسمح بفهم البنية بطريقة أكثر انسجاما مع مجموع النص المدروس. ويستلزم التفسير استحضار العوامل الخارجية لإضاءة البنية الدالة .

2 ـ الرؤيــة للعالم: La vision du monde:

هي" مجموعة من الأفكار والمعتقدات والتطلعات والمشاعر التي تربط أعضاء جماعة إنسانية (جماعة تتضمن، في معظم الحالات, وجود طبقة اجتماعية) وتضعهم في موقع التعارض في مجموعــات إنسانية أخرى" . ويعني هذا أن الرؤية للعالم هي تلك الأحلام والتطلعات الممكنة والمستقبلية والأفكار المثالية التي يحلم بتحقيقها مجموعة أفراد مجموعة اجتماعية معينة.

إنها باختصار تلك الفلسفة التي تنظر بها طبقة اجتماعية إلى العالم والوجود والإنسان والقيم . وتكون مخالفة بالطبع لفلسفة أو رؤية طبقة اجتماعية أخرى . فمثلا رؤية الطبقة البرجوازية للعالم تختلف عن رؤية الطبقة البروليتارية ، ورؤية شعراء التيار الإسلامي مختلفة جذريا عن رؤية شعراء التيار الاشتراكي في أدبنا العربي المعاصر .

3ـ التماثــــل Homologie:

إن العلاقة بين الأدب والمجتمع ليست علاقة آلية أوانعكاسية أو علاقة سببية دائما، بل على العكس , فإنها علاقة ذات تفاعل متبادل بين المجتمع والأدب , وبتعبير آخر إن الأشكال الأدبية - وليست محتويات الأدب- تتماثل مع تطور البنيات الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية , ويعني هذا أن هناك تناظرا بين البنية الجمالية والبنية الاجتماعية بطريقة غير مباشرة ولا شعورية ، وأي قول بالانعكاس بينهما يجعل الأدب محاكاة واستنساخا وتصويرا جافا للواقع , ويعدم في الأدب روح الإبداع والتـتخييل والاسطيطيقا الفنية . إذاً، " هناك تناظر دائم في كل عمل إبداعي... بين واقعه وموضوعه، بين بنية شكلية ظاهرة، وبنية موضوعية عميقة, بين اللحظة التاريخية والاجتماعية واللحظة الإبداعية, بين سياقية الجدل الروائي، وسياقية الجدل الاجتماعي ".

4 ـ الوعي القائم والوعي الممكن:La conscience réelle e t la conscience possible

الوعي القائم هو الوعي الواقعي الموجود لدى الشخصية في الحاضر. وهو الوعي الموجود تجريبيا على مستوى السلب . ويعني هذا أن الوعي القائم هو " وعي آني لحظي وفعلي , من الممكن أن يعي مشاكله التي يعيشها , لكنه لايملك لنفسه حلولا في مواجهتها والعمل على تجاوزها". أي إنه وعي ظرفي, فكل مجموعة اجتماعية تحاول فهم الواقع وتفسيره انطلاقا من ظروفها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والدينية والتربوية, دون أن يكون لها تصور مستقبلي وإيديولوجيا لاقتراح بديل إيجابي ومثالي لحياتها المعيشية. وإذا كان الوعي القائم هو وعي الحاضر والآني والمرحلي, فإن الوعي الممكن هو وعي إيديولوجي مستقبلي يتجاوز جدلا الوعي القائم والوعي الزائف المغلوط. وإذا كان الوعي القائم هو وعي التكيف والمحافظة على الواقع, فإن الوعي الممكن هو وعي التغيير والتطوير, ويصبح الوعي الممكن في كلية العمل الأدبي المنسجم رؤية للعالم وتصورا فلسفيا وإيديولوجيا للطبقة الاجتماعية.

" وإذا كان الوعي الفعلي يرتبط بالمشكلات التي تعانيها الطبقة أو المجموعة الاجتماعية , من حيث علاقاتها المتعارضة ببقية الطبقات أو المجموعات , فإن هذا الوعي الممكن يرتبط بالحلول الجذرية التي تطرحها الطبقة لتنفي مشكلاتها, وتصل إلى درجة من التوازن في العلاقات مع غيرها من الطبقات أو المجموعات " .

5 ـ البنية الدالــــة أو الدلاليةStructure signifiante:

البنية الدالة هي عبارة عن مقولة ذهنية أو تصور فلسفي يتحكم في مجموع العمل الأدبي. وتتحدد من خلال التواتر الدلالي وتكرار بنيات ملحة على نسيج النص الإبداعي, وهي التي تشكل لحمته ومنظوره ونسقه الفكري. وتحمل بنى العالم الإبداعي دلالات وظيفية تعبر عن انسجام هذا العالم وتماسكه دلاليا وتصوريا في التعبير عن الطموحات الاجتماعية والسياسية والإيديولوجية للجماعة. ويحدد ﮔولدمان الدور المزدوج للبنية الدالة باعتباره مفهوما إجرائيا بالأساس . فهو" من جهة الأداة الأساسية التي تمكننا من فهم طبيعة الأعمال الإبداعية ودلالاتها , ومن جهة أخرى , فهو المعيار الذي يسمح لنا بأن نحكم على قيمتها الفلسفية والأدبية أوالجمالية , فالعمل الإبداعي يكون ذا صلاحية فلسفية أو أدبية أو جمالية بمقدار ما يعبر عن رؤية منسجمة عن العالم إما على مستوى المفاهيم وإما على مستوى الصور الكلامية أو الحسية وإننا لنتمكن من فهم تلك الأعمال وتفسيرها تفسيرا موضوعيا بمقدار ما نستطيع أن نبرز الرؤية التي تعبر عنها ". إذاً، فالبنية الدالة هي التي تسعفنا في إضاءة النص الأدبي وفهمه, كما تساعدنا فلسفيا وذهنيا على تحديد رؤية المبدع للعالم ضمن تصور جماعي ومقولاتي.

6ـ البطل الإشكاليLe héro problématique :

ورد هذا المفهوم عند جورج لوكاتش في نظرية الرواية ، وهذا البطل ليس سلبيا ولا إيجابيا , فهو بطل متردد بين عالمي الذات والواقع ، يعيش تمزقا في عالم فض. إذ يحمل البطل قيما أصيلة يفشل في تثبيتها في عالم منحط يطبعه التشيؤ والاستلاب والتبادل الكمي . لذلك يصبح بحثه منحطا بدوره لاجدوى منه . ويصبح هذا البطل مثاليا عندما يكون الواقع أكبر من الذات كرواية دون كيشوط لسيرفانتيس ، كما يكون البطل رومانسيا عندما تكون الذات أكبر من الواقع وخاصة في الروايات الرومانسية ، ويكون كذلك بطلا متصالحا مع الواقع عندما تتكيف الذات مع الواقع ولاسيما في الروايات التعليمية . وهذا التصنيف أساس نظرية الرواية لجورج لوكاتش ، وقد استفاد منه ﮔولدمان كثيرا وخاصة في كتابه :( الإبداع الثقافي في المجتمع الحديث) الذي يقول فيه عن هذا البطل:" يتمتع هذا الشكل - رواية البطل الإشكالي ـ بوضع خاص في تاريخ الإبداع الثقافي : إنها حكاية البحث المتدهور لبطل لا يعي القيم التي يبحث عنها داخل مجتمع يجهل القيم ويكاد أن ينسى ذكراها تقريبا . فالرواية، ربما, كانت الأولى بين الأشكال الأدبية الكبيرة المسيطرة في نظام اجتماعي, التي حملت، جوهريا طبيعة نقدية...". ويضيف أيضا " من خلال بحثه المضطرب ينتهي البطل إلى وعي استحالة الوصول وإعطاء معنى للحياة ".

إذاً، فالبطل الإشكالي ليس بطلا إيجابيا مثل البطل الملحمي الذي نجده في الإلياذة أوالأوديسا لدى هوميروس حيث تتحقق الوحدة الكلية بين الذات والموضوع ،بل هو بطل يعيش اضطرابا مأساويا، ومأزقا يجعله يتردد بين الذات والموضوع وبين الفرد والجماعة،ويفشل في تحقيق أهدافه وقيمه الأصيلة في مجتمع لا يعترف بالقيم الكيفية ولا يؤمن سوى بقيم التبادل والسلع والمعايير المادية .

2- القــــــســـم التـــحليـــلــي:



لمعرفة البنيوية التكوينية إجرائيا وتطبيقيا آثرنا أن نحلل دراسات نجيب العوفي الأدبية والنقدية حول القصة القصيرة المغربية الحديثة ؛ إذ تتمظهرفيها البنيوية التكوينية نظريا وتطبيقيا، وهي بنيوية ذات أساس مادي جدلي .

ينطلق الناقد المغربي والأستاذ الجامعي نجيب العوفي في كتابه" مقاربة الواقع في القصة القصيرة" أو في مقاله" القصة القصيرة والأسئلة الكبيرة" من التصور البنيوي التكويني .إذ يصرح الباحث قائلا :

" وبموازاة هذا التفكيك أو ضمنه كنا نقوم بتفكيك البنى الذهنية ذاتها الثاوية في طيات البنى السردية والمنتجة لها . كنا نقرأ الأسئلة المضمرة من خلال الأسئلة المظهرة . نقرأ واقعية النصوص من خلال قصصيتها وقصصيتها من خلال واقعيتها . كنا نقرأ بعبارة , واقع القصة المغربية وقصة الواقع المغربي .

يمكن أن نعتبر العملية الأولى( تفكيك البنى السردية) حسب المصطلح الـﮔولدماني فهما ... كما يمكن أن نعتبر العملية الثانية (تفكيك البنى الذهنية) وحسب المصطلح الكولدماني أنها (تفسيرا)".

يقسم نجيب العوفي رسالته الجامعية إلى بابين : الباب الأول خاص بالبحث عن الهوية (التأسيس)، والباب الثاني متعلق بإثبات الهوية (التجنيس). ويركز نجيب العوفي في بحثه على أهمية القصة القصيرة في عصرنا، ويعتبر هذا الجنس على الرغم من قصر حجمه يطرح أسئلة وقضايا كبرى . وينتقل بعد ذلك ليحدد مراحل القصة المغربية في مرحلتين أساسيتين:

1ـ القصة القصيرة بين التأسيس والبحث عن الهوية والهم الوطني.

2ـ القصة القصيرة بين التجنيس وإثبات الهوية والهم الاجتماعي .

إذاً، يحدد نجيب العوفي نشأة القصة القصيرة بالمغرب ويبرز مراحلها وتطوراتها على غرار أحمد اليابوري وأحمد المديني في رسالتيهما الجامعيتين حول نفس الجنس بالمغرب .

وتمتاز القصة المغربية القصيرة حسب نجيب العوفي بميزتين أساسيتين :

أ ـ التأسيس.

ب- التجنيس.

في مرحلة الحماية، كان الصراع حادا بين المغاربة والمستعمر في إطار ثنائية " نحن ـ الآخر "، وامتدت هذه الفترة ما بين 1940ـ1956. وكان سؤال القصة القصيرة آنذاك هو سؤال الوطن والبحث عن الهوية، وأصبحت الوطنية طابعا مميزا لتلك القصة . وكان البطل بالضرورة وطنيا . ولا يعني هذا أن السؤال الاجتماعي مغيب , بل كان ثانويا بالمقارنة مع السؤال الوطني . ولم يتبلور مفهوم الطبقة الاجتماعية بشكل جلي؛ لأن الأمة هي المبتغى والرهان الأساس. ويعني هذا أن القصة الغالبة في مرحلة الحماية كانت قصة وطنية أكثر مما هي قصة اجتماعية؛ لأنها انتقدت الاستعمار ونددت بكل أشكال الظلم الاستعماري حتى الاجتماعي منه. وكان أبطال القصة يحلمون بالحرية ويعملون على تحقيقها , لذلك كان الوعي عند الشخصيات وطنيا والرؤية للعالم رؤية وطنية قوامها الكفاح والتحرر من الاستعمار . أما البطل فكان بطلا بروميثيوسا يقارع الاستعمار ويحاول مجابهته قصد تحقيق الحرية لأبناء وطنه .

ويتجلى الهاجس الوطني من خلال فعل الدفاع عن الهوية ( البطل البرومثيوسي الوطني )، وفعل الهجوم على الهوية ( البطل الاستعماري المضاد). وقد نتج عن هذا الصراع الوطني صدع اجتماعي كان يؤجج الصراع الداخلي لطرد المستعمر من البلاد. ويمكن تفسير هذا المتن القصصي بما كانت تقوم به الحركة الوطنية من دفاع عن الهوية الوطنية ونشر الوعي الوطني بين أبناء هذا الوطن وتأطير الطبقة الاجتماعية الكادحة لتنسيق المواقف لمواجهة المستعمر . لذلك كان الوعي الوطني ـ في طابعه السلمي والعسكري ـ مهيمنا على هذه المرحلة .

ويمثل هذه المرحلة كل من عبد المجيد بن جلون و عبد الرحمن الفاسي وأحمد بناني وعبد الكريم غلاب و أحمد بناني وأحمد عبد السلام البقالي ومحمد الخضير الريسوني .

إذاً، انطلق نجيب العوفي من عملية التفسير ليحدد العوامل التي أفرزت القصة القصيرة الوطنية إبان المرحلة الاستعمارية , وحصرها في عوامل تاريخية واقتصادية واجتماعية وثقافية , وبين أن الهاجس الغالب على هذه المرحلة هو الهاجس الوطني الذي يتمثل في البحث عن الاستقلال وبناء مغرب جديد متحرر ومستقل . وهذا يتماثل مع مكونات عملية الفهم إذ استخلص بنية دالة ألا وهي البحث عن الهوية والشروع في تأسيسها . وأبرز بعد ذلك نمط الوعي لدى الشخصيات الذي يكمن في الوعي الوطني كما أن رؤية الشخصيات إلى العالم رؤية وطنية محضة .

إذا كانت الدلالة القصصية مبنية على تيمة الوطن /الهوية، فإن البنية الشكلية تتسم بالحفاظ على البنية التقليدية الموبسانية ( البداية و الوسط و النهاية)، وعدم الاهتمام باللغة القصصية , وغلبة أسئلة المضمون على الشكل تماثلا مع هيمنة السياسي على الثقافي من حيث التـفسير .

وتبتدئ المرحلة الثانية من أعقاب الاستقلال إلى غاية 1970، وسيمتاز الظرف التاريخي بالصراع الاجتماعي والطبقي(نحن ــ نحن )، ويمثل هذه المرحلة مجموعة من القصاصين المغاربة أمثال محمد إبراهيم بوعلو , ومحمد بيدي , ومبارك ربيع , وعبد الجبار السحيمي , ورفيقة الطبيعة , ومحمد زفزاف , وإدريس الخوري , ومحمد شكري , والأمين الخمليشي، ومحمد زنيبر، ومحمد برادة، ومحمد القطيب التناني , ومحمد عزيز الحبابي، وخناتة بنونة، ومحمد أحمد شماعو، وحميد البلغيثي، ومحمد التازي، ومحمد الصباغ .

وفي هذه المرحلة، أصبح السؤال الاجتماعي يطرح نفسه بإلحاح بعد تغير مغرب الاستقلال تاريخيا واقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وثقافيا, وحلت الطبقة محل الأمة، واتخذ الصراع طابعا طبقيا واجتماعيا بين المغاربة أنفسهم، بين الطبقة الكادحة والطبقة المسيطرة, على وسائل الإنتاج والثراء المادي.

أما عن شخصيات القصة فهي عادية، يمكن حصرها في شخصية الكادح من فلاح وعامل وشخصية المثقف اللتين تعانيان من القــهر الاجتماعي والقهر الروحي , ومن سمات شخصيات هذه القصة الاجتماعية أنها كائنات إشكالية مهمشة تعبر عن مجتمع مشتت .

هذا، وإن العوفي بدأ هذه المرحلة الثانية بعملية التفسير إذ حدد العوامل التي تحكمت في متن التجنيس وجعلها في ما هو تاريخي وسياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي . وإذا كان الواقع يعج بالصراع الطبقي والاجتماعي ,فإن هذا يتناظر مع ذلك الصراع الذي نجده في المتن القصصي , إذ تهيمن تيمة المجتمع / الهوية التي تتمثل في السعي الجاد نحو إثبات الهوية الاجتماعية وتأسيس المغرب الاجتماعي . ويعني هذا أن تطور القصة القصيرة المغربية متواشج ومتفاعل مع تطور البرجوازية الصغيرة وتطور الأحداث المرجعية أي إن القصة المغربية في بعديها : الوطني والاجتماعي كانت مرآة عاكسة للواقع المغربي بطريقة غير مباشرة أو غير آلية. فبعد القصة الوطنية والبحث عن الهوية الوطنية ننتقل إلى القصة الاجتماعية والبحث عن الهوية الاجتماعية , وبعد البطل الوطني البرومثيوسي، نجد البطل الكادح والمثقف الإشكالي ، كما ننتقل من وعي وطني إلى وعي اجتماعي، ومن رؤية وطنية إلى رؤية اجتماعية . وإذا كانت دلالة القصة في المرحلة الثانية دلالة اجتماعية , فإن بنية الشكل ترتكز على بطولة هامشية مقهورة، وعلى اختلاف في المنظورات الواقعية لدى القصاصين , والمحافظة إلى حد كبير على بنية السرد الكلاسيكي مع تنويع البنى والأغاريض السردية , واستخدام مكثف للمنولوج والميل نحو الاقتصاد في توظيف الشخوص والفضاءات واللغة القصصية.

ومن مآخذنا على هذه الدراسات الأدبية والنقدية التي قام بها نجيب العـــوفي :

1ـ التلفيق المنهجي: إذ يجمع العوفي بين الواقعية التجريبية والبنيوية التكوينية والبنيوية الشكلانية السردية والسيميائيات. فكيف يمكن الجمع بين مناهج متعددة ومتعارضة إبستيمولوجيا وفلسفيا ؟!

2ـ ترجيح كفة الواقعية المباشرة على كفة البنيوية التكوينية والسقوط في الانعكاس والافتراض الآلي المسبق.

3ـ ضعف الإحالات الببليوغرافية التي تحدد التصور النظري والمنهجي للبنيوية التكوينية لدى لوسيان ﮔولدمان .

4ـ تمييع المصطلح النقدي وعدم احترام مفاهيم كل جنس أدبي، إذ يقارب القصة القصيرة بمفاهيم الشعر على غرار الدكتور أحمد المديني الذي عاب عليه كثيرا في كتابه" جدل القراءة" لغته البيانية والإنشائية في رسالته حول القصة القصيرة المغربية.

5ـ توظيف لغة بيانية إنشائية يغلب عليها التسيب بدل الإتقان والتحكم في الحقل الاصطلاحي؛ إذ تصبح لغته ذاتية تنقصها الموضوعية والطابع الوصفي العلمي.

6ـ التضحية بالنص لحساب المرجع الواقعي وإديولوجية الرؤى والطبقات الاجتماعية وتصورات المبدعين .

7ـ كيف يمكن الحديث عن تجنيس القصة القصيرة المغربية وتأسيسها من خلال مقاييس القصة الغربية الموباسانية( نسبة إلى غي دي موباسان الكاتب الفرنسي المشهور في مجال القصة القصيرة) , مع العلم أن التجنيس القصصي بدأ مع السرد العربي القديم ( كليلة ودمنة , المقامات ....)، وأن أهم مرحلة قصصية يمكن اعتبارها هي مرحلة التأصيل التي نجدها عند مجموعة من القصاصين العرب والمغاربة( كجمال الغيطاني مثلا ....).

8 ـ عدم دقة مفهوم التأسيس والتجنيس لأن معناهما واحد، فالتجنيس هو إرساء قواعد جنس معين وتأسيس النصوص اعتمادا على هذه المعايير الفنية .

وعلى الرغم من هذه الملاحظات , فتبقى دراسة نجيب العوفي المنهجية والتطبيقية دراسة جادة , ولا سيما أنه يطرق موضوعا بكرا متشعبا ألا وهو موضوع القصة القصيرة ومحاولة تحقيبها تاريخيا وفنيا . لذلك تعد دراسات نجيب العوفي الـــبداية الحقيقية والفتح الأول لعالم القصة القصيرة في المغرب إلى جانب أعمال عبد الرحيم مودن . أما أعمال أحمد اليابوري وأحمد المديني فلم تكن إلا دراسات انطباعية ومحاولات جنينية فرضتها ظرفية تاريخية معينة.





مراحل القصة القصيرة المغربية حسب نجيب العوفي


الأشكال الأدبية الفهــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــم التفسيـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــر الرؤية إلى العالم

الدلالة الشكل البنية الدالة نمط

الوعي الرواد من القصاصين المرجلة التاريخية الحيثيات المرجعية

القصة القصيرة الوطنية/

مرحلة التأسيس - سؤال الوطن-الهوية.

- بطل القصة وطني بروميثيوسي.

- سؤال الصدع الاجتماعي حاضر بدوره بشكل ثانوي.

- البحث عن الهوية الوطنية والشروع في تأسيسها .

- محور الوطن. - بناء تقليدي على غرار القصة الموباسانية.

-عدم الاهتمام بالحساسية القصصية ولا باللغة القصصية.

- هيمنة أسئلة المضمون على أسئلة الشكل. سؤال الوطن وعي

وطني عبد المجيد بن جلون، عبد الرحمن الفاسي، عبد الكريم غلاب، عبد السلام البقالي، محمد خضير الريسوني. مرحلة الحماية

(1940-1956) - صراع الحركة الوطنية مع الاستعمار.

- صراع نحن والآخر.

- هيمنة الأمة على مفهوم الطبقة.

- هيمنة الوعي الوطني على الوعي الاجتماعي . الرؤية الوطنية

القصة القصيرة الاجتماعية/

مرحلة التجنيس - سؤال المجتمع/الهوية.

- بطل القصة من الطبقة الكادحة أو المثقفة.

- المعاناة من القهر الاجتماعي والقهر الروحي.

- الصراع الاجتماعي والطبقي.

- محور الإنسان. - تنويعات قصصية على وتر الواقعية.

- الحفاظ على البناء الكلاسيكي مع تنويع موضوعات المتن وبناه السردية.

- الاقتصاد والتكثيف في لغة القصة وفضاءاتها وشخوصها.

- حضور الحوار الداخلي للتعبير عن الصراع الداخلي وانعدام التواصل. سؤال المجتمع وعي

اجتماعي محمد إبراهيم بوعلو، محمد برادة ، محمد بيدي، محمد زفزاف، محمد شكري، الأمين الخمليشي، محمد زنيبر، إدريس الخوري، مبارك ربيع،... أعقاب الاستقلال وصعدا مع الستينيات(1956-1970) - تحولات المغرب مابعد الاستقلال.

- الصراع الطبقي والاجتماعي( صراع نحن- نحن).

- صراع الطبقة الكادحة والبورجوازية الصغيرة ضد الطبقات الاجتماعية المستغلة.

- هيمنة مفهوم الطبقة على مفهوم الأمة. الرؤية الاجتماعية