القصــاصــة- قراءة في نصوص أدبية معاصرة- بقلم: د. إيمان خليفة حامد آل خليفة
تاريخ النشر : 2006-04-24
الملخص

القصاصة مصطلح شاع في فترة وجيزة في التسعينات من القرن الماضي وخلف وراءه عدداً من النصوص حملت معها طموحاً تأسيسياً لابداع نص هجين لا يتفق وسمات النصوص المألوفة التي اكد مبدعو القصاصة انها (قولبت) الابداع ولاحقت المبدع فحاصرته لتنال من ابداعه وتعيق طموحاً مشروعاً في التجدد ونبذ المألوف ، فهي مأخوذة من ((قص)) ولعلها تحمل دلالة الانفصال والعزلة على وفق تصورهم فهي ((ورقة صغيرة بيضاء مهملة بسبب انفلاتها من ضوابط المساحة القياسية))./ أنظر وثيقة القصاصة - كتاب ألقاب الجمجمة لسعد محمود وبشارعبدالله - المومصل 1993 /

لقد قدم البحث معالجة قرائية اجرائية افترشت النص فكانت تجيء وتذهب على مساحة نص القصاصة) مانحة اياه فرصة وجوده ، كاشفة عن دلالات اخرى حاول القصاصي (كاتب القصاصة) إخفاءها.

وقد تسنى للبحث الكشف عن سمات هذا النص ، بوصفه نصاً قابلاً للقراءة ، آخذاً في عين الاعتبار أن طموح مؤسسيه كان: ابداع نص جديد بتشكله وفرادته يختلف عن ((قصة)) ((قصيدة)) ((مقالة)) … الخ ، فهو نص ينأى عن أي انتماء ، لكنه يبقى ((نصا)) قابلاً للقراءة.

المقدمة

هل استطاعت القصاصة ان تنجز النص الواحد ؟!!

ما يقع وراء القصاصة ؟ أدب النص أم (أنا) القصاصي.

لك ان تسميه نصاً عصياً ولك ان تعده منجزاً مفتوحاً ، ولك ان تظنه كلاماً ملغزاً لكن: حاذر ان تلغيه عالماً مرتحلاً ، ينبغي ان نتواضع منذ البداية على انتخاب مصطلحاتنا لمد الجسر بينها وبين القارئ ، ولأنها السبيل الامثل لاجتياز الغموض بينه وبين النص المرشح أمامه ، لقد كانت هروباً من الواقع لكنه الهروب الذي احتضن الواقع فاراً به منه ، فاراً به لانه جزء منه ، وفر منه لانه أراد غربته والقاءه مع تلك الغربة.

إن القصاصي إذ ينجز نصه فانه لا يتجرد من ذاته الواعية إلا ليصهرها في ذلك النص ، لقد حمل نصه لغة التمرد والرفض في تخطيه للواقع ورفضه له ، لا في محاولة لاصلاحه إذ لم يؤسس البتة لنص وعظي وما كان هدفه رسم استراتيجية لاقتصاد أفضل ، فهو نص يسعى الى الخروج نحو الابداع في حركة منبعها الرفض القائم على ترك كل ما من شأنه ان يقولب الأشياء امامه فلم يعد الحقل الدلالي لديه يتحرك وفق معجمه بل انتخب حقولاً فمازج بينها لا للحصول على نص هجين كما أراد (القصاصيون) بل كانت محاولة الرفض لابداع عالم هجين تشكله فرشاتهم كلما اعادوا ضربها والالوان.

ان العملية الابداعية من هذا المنطلق باتت تشكو صراع الموت والبقاء الذي احسته ذات المبدع ، فحاولت بدءاً تغييب مرجعايتها لاطمئنانها بالانفصال عن واقعها ، وتبنت مرجعية تواضع عليها كاتبوها لاتقان لغة الابداع وتحقيق طموح التأسيس ، فكان لنا ان نفهمها على انها لغة( الكود) او لغة الجماعة في انفرادها إن صح التعبير ، ولا تتأتى هذه المعرفة لهذا التواضع من غير قراءة إذ ((أن النص في ذاته ليست له أية قيمة تجريبية باعتباره أحد اطراف التواصل الادبي فليس أمامنا في أية حال سوى استخدام النص..)) (1) إن هناك ضوءاً خافتاً يقع وراء نص القصاصة ذاك الضوء هو بريق فلسفي يمكننا فهمه إذا ما حاولنا قراءة القصاصة قراءة منفتحة ومنغلقة في الآن نفسه ، منفتحة فيما بينها ومنغلقة عما يحيط بها فحسبها انها تعكس صراع جيل في استباقه الزمن للوجود ، هذا الجيل أبى ان يركع لشيء من الاستنساخ الفكري لاستشعاره ان الاستنساخ عيب وانه يسرق الهوية فبات يدعو الى التحرر الذي ستكشف عنه القراءة كما قد تبنته القصاصة .

ولنا في فهم القصاصة تبني عدة مرتكزات نبعت من نصها ، منها ما هو شديد الصلة بواقعها (الواقع الادبي لا التاريخي) ومنها ما هو ممتد من سنن اللغة (شاء القصاصي ام أبى) ومنها ما يعكس نظرة فكرية تقع وراء النص تسعى لتكون رؤية كونية حول صراع الأنا وسعيها نحو التفرد ، فهل استطاعت في سعيها هذا تكوين نظرية تحقق نموذجاً مستقلاً ذي طابع مجرد ؟ (2). هذا ما ستكشف عنه قراءة النص وفق الطرح الاتي:

النص / جدل التكوين

يقوم نص ((قصاصة)) -إذا ما اتفقنا بدءاً على تسميته نصاً- في بنائه على المتن والعنوان ويرافقه في بعض الاحايين اهداء همش به القصاصي نصه ، ولأن للعنوان دلالته المقترنة بالنص فاننا سنقف عند إشارية العنوان وسيميائه بما يتفق وسمات النص نفسه ، ومن ثم متابعة امتدادها وصولاً الى التداعيات الفكرية التي قد تمنحها هذه الإشارات وعلاقتها بالنص التأسيسي للقصاصة ، لقد أفرزت النصوص التي بين ايدينا العنوانات الأتية:

1-خمس زهور في سندان الغيبوبة 2-مقدحة الأفق

3-ليس للملائكة زاريه 4-دمعة الشمس

5-أصابع الغيبوبة 6-مسلة السراب

7-أقنعة التيمم 8-معرض الرؤية

9-سذاجة من فصيلة الطرقات 10-حوار مشتعل في القلب

11-إلى القاب الجمجمة

اما الاهداء فنلحظ ان أربعة من النصوص قد تصدرتها إهداءات أرفقت بالعنوان ، وقد جاء أثنان منها مباشرين صرح فيهما القصاصي باسم المهدى اليه في قوله:

(الى الرسام المبدع باسل العبيدي ، وإلى بشار عبدالله وسعد محمود) ،

ويبدو الاهداء على الرغم من حضوره اليسير اكثر كشفاً عن سمات القصاصة وثيماتها ، وتتضح هذه السمة في الاهداءين الاخيرين: (الى مقدحة الملاك الطيب زاريه و (إلى طفيليات الادب) ، إذ سعى القصاصي في اهدائه الى زيادة الغموض المتأتي من تغييب المعنى بالوصف (طفيليات الادب) تارة واستقبال المتخيل غير المصرح به (الطيب زاريه) ثانياً ، محدثاً خلخلة اولى في وعي المتلقي لسمات الاهداء التي لم تحقق لديه سوى الإمعان في الغموض والإكثار في الاغتراب النصي ، كطريقة لفصل النص عن مجتمعه وتحقيق عالم خاص به ، ((فالمتلقي ((يؤول)) النص المعين ، بتنفيذ كل التوجيهات المرتبطة بكل الاشارات النصية حسب تعليمات ضمنية / صريحة)) (3).

العنوان بين التركيب والدلالة:

يقترب العنوان في تركيبه من بنية القصاصة ، ولعلنا نقف عنده تركيباً لنمهد من خلاله عرض الثنائيات المتضايفة التي تشكل منظومة الانزياح فيها [سندان الغيبوبة ، مقدحة الافق ، دمعة الشمس ، أصابع الغيبوبة ، مسلة السراب …] ولن نتحدث عن ادبية العنوان ؛ لاننا نعنى بالكشف عن سمات تشكل القصاصة الذي يعني اول ما يعني معرفة السمات التي تجعلنا نقاربها نصاً يختلف في سماته عن نص ((قصيدة)) او ((قصة)) او ((مقالة)) ، فهي سمات تسعى لتحقق نصاً مغادراً عن اجناسية النص ومشكلاً كياناً جديداً اصطلح على نعته بـ((قصاصة)) وهنا تبدأ الالتفاتة الاولى لاستضافة سنن اللغة كما ذكرنا فهي مأخوذة من ((قص)) بتعاقب المدلولين (روى / اقتطع) وبتغيب مدلول آخر هو ((تتبع)) الذي آثر القصاصيون تغييبه كي يشكل لحظة الانفلات الاولى من انتمائه والتي عبر عنها كل من (سعد محمود وبشار عبدالله) متمسكين بمقولة سوسير ان العلاقة بين الدال والمدلول هي علاقة (اعتباطية) ولئن كان المصطلح ينأى بتنظيره عن مستوى التقليد و(التتبع) فان النص تطبيقاً يمثل نقطة الفصل في رد او قبول أي من التنظيرات التي جاءت لتدلي عن قصاصة.

ولنا ان نسأل هنا عن حركة العنوان تركيباً في إثراء النص وارتباطه به ، ومن هنا تبدأ المعالجة الاولى لتشكله ، حينما تبدأ بفك الاضافة وفق آلية فكرية تشكلية تستضيف فكرتي الانزياح والتداعي من حقليهما المختلفين لتعالج او تطرح او تتمم فكراً آخر او فكراً جديداً.

تعطي الاضافة في العنوان كما هي عليه في النص عدة مفارقات نستقبلها ونحاول مناقشتها وفق تصور يستقبل المتلقي حيناً والمبدع حيناً آخر ويحاور مرجعيات النص التي كادت تتلاشى في خضم التضايف التركيبي الفكري – إن جاز التعبير – ويلحظ عكس ذلك من خلال العنوانات الاتية:


العلاقة

سندان الغيبوبة 

مقدحة الافق 

دمعة الشمس 

اصابع الغيبوبة 

مسلة السراب 

اقنعة التيمم 

معرض الرؤية 

سذاجة في فصيلة الطرقات 

حوار مشتعل في القلب 

إلى القاب الجمجمة 

تشكل العلاقة () مجموعة لا يمكن الوصول إليها ودلالة لا تحقق انتماءً أو علاقة بين عناصر أية مجموعة ، فالعنصر ((سندان)) يدخل أو لا يدخل في علاقة منطقية مع العنصر (غيبوبة) بما تقتضيه فلسفة الإضافة التي تحاول في إحدى اتجاهاتها ان تبني نوعاً من العلاقة تبرر هذه الرفقة بين عنصرين وتبيح التقاءهما سوية ، إذ ان ((التركيب الإضافي يخضع للذوق العربي الحقيقي في بناء كلمة من كلمتين مستقلتين ذواتي معنى إي ما تحققه الإضافة المحضة)) (4) ، إن حركة الحقل الدلالي الذي انبثق منه أي من هذين اللفظين تعد حركته منافية وبعيدة عن اتجاه حركة الحقل الثاني ومن هنا بدأت المفارقة في رسم حدود عالم جديد تتحرك فيه الالفاظ المتنافرة لتولد حقلاً هجيناً يستقبل الالفاظ المتنافرة وتبدع نصاً هجيناً في معالمه في انتمائه وفي سيرورته.

المتن / بنية الإضافة – جسد النص

يأتي النص كأي كيان في العالم ناقلاً معه جسده –حسب بارت- وستقوم قراءتنا لهذا النص على أساس من تشريحه ، والتشريح وفق انتمائه العلمي يقتضي تقصيص القصاصة ومن ثم لمها للبحث عن جنسها الادبي المغيب وصولاً الى عرض مستقبل (النص) الذي يمثل في الوقت ذاته مستقبل مبدعيه كاشفاً عن رؤية كونية للعالم منبثقة من عالم قد يبدو غير واسع في انتمائه الى ((قصاصة)) أهملت من الورقة الام باحثة عن ولادتها ، وعلى الرغم من سعيهم الحثيث لسحبها عن عوالم النصوص وتسمياتها بدءاً من اختيار اسم قصاصة ، وهي بلا شك تتفق وميول عصرهم واشكالاته بقول احد الباحثين متحدثاً عن عوالم انفتاح الشعر ((وهكذا فرضت ضرورة اعادة النظر في مفهوم الشعر الذي لم يعد تبين حدوده امرا سهلاً إلا إذا شئنا ان نغمض اعيننا عن تحولات عصرنا وبالتالي التحولات في وعينا وحساسيتنا)) ولعل قصاصة شيء من ضرورات فتح اعيننا في تحولات الشعر من عوالمه المختلفة الى عوالم قد تبدو اكثر ألفة لاصحابها (5).

وبدءاً من العنوان الذي قاربناه نرى انه جاء حاملاً معه بنية لا تكاد تنفك عنه ، تلك هي بنية الإضافة التي شكلت بدورها نقطة الإرتكاز المهيمنة على نص القصاصة ، لذا جاء عنوان هذه المعالجة المتن / بنية الإضافة ، ولئن كان مجيء مهيمنة ما ملمحاً من الملامح المثيرة للمتلقي فان غيابها يعد ملمحاً مثيراً ومنبهاً أيضاً ، إذ كشفت الرؤية الداخلية للقصاصة عن ثلاث بنيات تحقق بحركتها عالماً نصياً كتابياً معيناً (6) ، وهي (بنية الإضافة ، بنية العطف ، بنية الوصف) ولا يخفى ما تحققه أي من هذه البنيات من تفاوت دلالي عند تنقلها داخل جسد النص ، إذ يحقق العطف بما لا يقبل الشك نصاً قوامه الترابط والتراكم الذي ينتج عن فلسفة العطف ذاتها (7) ، فشكل غياب العطف من نص القصاصة دالة على انفصاله عن منطقية البناء محققاً بذلك نواة وجوده القائم على المخالفة والانفصال والعزلة.

وإنطلاقاً من المعاني المعجمية للإضافة نرى انها تستدعي قيام علاقة من نوع ما بين المتضايفين ، هذه العلاقة تسعى لمد اواصر الفهم وإزالة الغموض والابهام وتحقيق معنى جديد لا يتسنى لأحد من المتضايفين تقديمه دون هذه العلاقة.

ولكي تنبني هذه العلاقة وتصل الى ذروتها فانها تكشف عن انتمائها المعرفي فهي حين تكون امتداداً للنحو نراها تقدم ثلاثة طروحات هي: (مفهومها ، اقسامها ، احكامها) (8) ، فالاضافة ((نسبة بين اسمين ، تقتضي ان يكون الثاني منها مجروراً .. والاضافة تفيد ازالة الغموض والابهام عن معنى جزئي في الجملة)) إن الاضافة وفق هذا التصور تسعى للكشف عن المعنى وايصال المتلقي الى مستوى من الفهم يجعله قادراُ على استقبال المعنى وفق نسقه المتضايف الجديد ، فهي عملية فكرية تسعى لتحقيق نسق التواصل بين المرسل (باختياراته) وبين المتلقي باعماله الفكر في البحث عن فك العلاقة بين هذين المتضايفين ، انها عملية قائمة على التواصل ، إذن فهي بحاجة الى لغة مشتركة يتفق على فك شفرتها كل من طرفي عملية التواصل .. وهي كفكر يحكي عن وجود علاقة بين المتضايفين ، علاقة من نوع ما. نقل جميل صليبا عن هاملن قوله: ((ولذلك يجب ان نضيف الى المرحلتين اللتين وجدناهما في التصور الذهني –الرأي ، ضده ، التأليف بينهما- مرحلة ثالثة وهي مرحلة التأليف ، فالرأي وضده ، والتأليف بينهما قانون عام ، وهو في مراحله الثلاث ابسط قانون للأشياء)) (9) ، إن التأليف بوصفه المرحلة الابعد والاكثر تعقيداً في قانون إدراك الاشياء يعد مرحلة الفهم واختراق النظام الاستقبالي للعقل البشري ، وهي علامة على نضجه وتمامه ، فماذا إن حاولت الاضافة خلخلة النظام الادراكي ؟! حينها نبحث عن المقصدية الواقعة خلف هذه الخلخلة.

تقتضي الاضافة في كتب النحو افتراض تقدير العلاقة القائمة بين المتضايفين بتقدير اربعة أحرف هي (الكاف ، اللام ، في ، من) (10) ، وفي مقاربة تجريبية للغة منبثقة من اللغة ذاتها ننتخب عدداً من النماذج لنقاربها تجريبياً وهي:

دمعة الشمس مسلة السراب

اصابع الغيبوبة اقنعة التيمم

معرض الرؤية مقدحة الافق

ويتم تحويل الثنائيات المتضايفة اجرائياً لتتحول الى التراكيب الاتية:

دمعة كالشمس تشبيه

دمعة للشمس

دمعة في الشمس

دمعة من الشمس

أصابع كالغيبوبة

أصابع للغيبوبة

أصابع في الغيبوبة

أصابع من الغيبوبة

معرض كالرؤية

معرض للرؤية

معرض في الرؤية

معرض من الرؤية

مسلة كالسراب

مسلة للسراب

مسلة في السراب

مسلة من السراب

مقدحة كالافق

مقدحة للأفق

مقدحة في الافق

مقدحة من الافق

أقنعة كالتيمم 

أقنعة للتيمم 

أقنعة في التيمم 

أقنعة من التيمم 

إن فك الإضافة بطريقتها النحوية يحاول محاكاة العلاقة الفكرية المختفية داخل الاضافة ، ولعل المعنى المنبثق من أي من هذه التراكيب لا يتسنى له الظهور بعيداً عن دلالة حرف الجر ذاته ، إذ لكل من الاحرف الاربعة دلالته التي تكاد تكون ثابتة حتى وان تعددت ، نلحظ ان (الكاف) تعطي دلالة التشبيه لذا لا تكاد الثنائيات تغرق في غموضها إذا ما عد التركيب مجازاً مغرقاً في الوصف (11) ، فالدمعة لا بهيئتها الفيزيائية ، ولكن تصورتها الخيالية قد تبدو كالشمس ، إذ يستطيع التشبيه او يسمح باقامة علاقات ناجحة بين المتضايفين لكنها لا تصل النجاح في الثنائيات المتضايفة اجمعها في نماذج مثل: أساطيل السكون ، موج الفراغ ، زعانف الابدية … .

إن جدة نص قصاصة تتأتى من جدة لغتها الخاصة وهنا نستدعي النصوص لا كنمط حكائي مقلد ولكن بوصفها تحمل لغتها المتواضع عليها والتي جاءت مكثفة الدلالة، ومشفرة .. ولا يعد التشفير لغة إذا ما بقي بعيداً عن القراءة التي تحاول فك هذا التشفير ، وقد استطاعت الاضافة تحقيق التشفير النصي(12).

وما دام النحو لا يحقق للثنائيات حضوراً سننياًُ ، لذا فان ايا من هذه الثنائيات يرتد عند فك الاضافة الى حقول دلالية متاحة امام المرسل ، يتسنى له من خلال اللغة اختيارها ، إن الاضافة قاربت المفاهيم الآتية: (الدهر ، الانسان ، الدين) ، وقد شكل الانسان محور هذه المفاهيم ، إذ عرضت علاقة الانسان بالدهر والدين ، متخذة من الوجود والطبيعة متنفساً نصياً له ، لقد سعت ذات القصاصي حثياً إلى الانصهار في اللغة والارتقاء بها ومنها ، عاكسة موقف القصاصي من الكون معبراً عنه بنص ذي مقصدية إبداعية تنأى عن المألوف لانها انعكاس طبيعي لموقف صاحبها من الثوابت التي بدت تحاصره والتي ظن انها تبتغي قتل ابداعه (13) ، من هنا جاء النص فكراً مؤطراً باللغة ولغة مؤطرة بالفكر ، فهما سيان ، اللغة تنأى عن المالوف والقصاصي ينأى بدوره عن التقليد ، رفض اللغة لا يعني قتلها ، انه رفض من اجل الاحياء والتمرد على كل ما يمكن ان نعده او (تعده) او (يعده) ثوابت ، ولعل هذه الفكرة تثير فينا حفيظة طالما حاولنا التمسك بها وهي: (الدين ، العرف ، التقاليد ، الارض) ، فحين نذكر ان ثمة تمرد لا يعني البتة رفض الثوابت قدر ما يعني مناقشتها او الولوج الى اعماقها … من هنا جاء تمهيدنا بدءاً في الحديث عن النص بوصفه لغة جماعة تواضعوا عليه ، وسعوا الى شق طريق في اللغة من اللغة يعلن عن انفصاله وهو مدعاة تسمية النص بـ((قصاصة)) التي اشار مؤسسوها الى انفصالها عن الورقة الام وعزلتها عنها ، فهي ((ورقة صغيرة بيضاء مهملة بسبب انفلاتها من ضوابط المساحة القياسية ، ولانها مقصوصة من ورقة قياسية فقد اصبحت مهملة اننا نؤكد هنا على ان الانفصال هو الخطوة الاولى نحو الاتصال ، فانفصالية القصاصة هي جذر قيمتها واساس تفردها وليس العكس ، إذ لولا انفصالها عن الورقة الام لما اصبحت قصاصة)) (14).

يشكل الدين المرتكز الاكثر سمواً في حياة الانسان والاكثر جدلاً بوصفه يحقق له انتماءه الروحي ، وغالباً ما كانت هذه المساحة من حياة الانسان محط جدل ونقاش لطالما انتهت الى نهايات متعددة لا يعنى البحث بذكرها ، فهي خلخلة في نظام الانسان وعلاقته بالكون ، الحياة ، الموت بكل ما في ذلك من جدليات اثمرت ميداناً فلسفياً رحباً استطاعت الفلسفة على اختلاف مذاهبها وتياراتها ان تعالجه.

لم يستطع القصاصي الانفلات من هذا المرتكز الذي ترك بصماته واضحة في نصه متضمناً عدداً من الالفاظ نستحضرها ببنياتها في:

شهقة الملائكة ، ذهول الانبياء ، شريعة الندماء ، موجز الرب ، رحيق التنزيل ، عصير الفطرة ، نكهة الترتيل ، محبرة الاله ، ضمير اللاهوت ، قطرات الجحيم ، مشط المعابد ، اموات اللهفة ، رسول حليب … الخ

إن أياً من هذه الالفاظ تستدعي معها مدلولاتها الدينية التي تقع بالضرورة في وعي كل من القصاصي والمتلقي وإلا كيف يتسنى للقارئ تمييز هذه الدوال ان لم تكن مدلولاتها قد استقرت بشكل او بآخر في وعيهما ؟! غير انها لم تأت لتعبر عن الخزين المعرفي لها ، ولم تستطع الخروج عن مدلولها من غير زحزحة ما استقر منها عن طريق الاضافة التي وظفت في النص فاخرجته عن مرجعيته ، فأنى للملائكة وهي اجسام نورانية من شهقة تكاتمها النفس ، لقد ابتعدت المدلولات عن الحقل الدلالي الذي انتمت اليه فهي بذلك قصاصة اجتثت من الورقة الام غير انها سعت لتؤسس معنى جديداً بتعالقها التركيبي ، وهذا المعنى الاخير نأى عن المرجعية التي ينتمي اليها حين غدت الانبياء (ذاهلة) واصبح للآله (محبرة) يستقطر منها الاديب رؤاه وافكاره.

وثمة مسألة تعد سمة من سمات الاضافة في هذا البحث سنحاول الاشارة اليها كلما تسنى لنا ذلك ، إذ يلحظ على الالفاظ عند تعالقها إضافياً انكفاء دلالتها الايجابية التي حملت بها من حقلها الدلالي وتحولها الى معانٍ مفعمة بدلالات التشتت او الضياع ، فهي بنية قائمة على المفارقة المتحققة بفعل التداخل بين حقول دلالية قد لا يتسنى لفنون القول المجيء بها على الرغم من سعة المجاز في تقريب صورة أي من هذه البنيات التركيبية.

إن الدين في نص القصاصي لم يعد عالماً منغلقاً على مجموعة من الثوابت يتحدث عنها بل غدا عالما منفتحاً على عدد من العوالم منبعها ثقة القصاصي ورغبته في خلخلة التوازن المعرفي لدى المتلقي ، فهي لا تحاكي ثوابته قدر ما تدعو الى مشاغبة هذه الثوابت وحملها على منح دلالات جديدة هي دلالات النص لا دلالات اللغة.

وسنأخذ النص الثامن نموذجاً لحضور الدين في القصاصة .. (15).

يأخذ النص عنوان ((معرض الرؤية)) والنص عموماً يعطي موقفاً نقدياً تجاه معرض حقيقي للرسم غير انه يعد متنفساً نقدياً يعلن عن تمرد المبدع أمام مقيدات الابداع وسنلاحظ كيف استطاع التعالق الاضافي نسج خيوط النص وتحقيق تداخلها وصولاً الى غاية النص بادئين من العنوان.


الإضافة

معرض الرؤية محبرة الاله وشم الكلام الإضافة مسبوقة بالنداء

الإضافة المحورة

إن هذا المعرض يستمد عالمه من المثال إذ تأتي الاضافة ((محبرة الاله)) منبعاً يستقطر منه الاديب ابداعه متمثلاً بهذا العالم الرافض للواقع فهي مزج بين الارضي (برتابته) وبين السماوي (بمثاليته) في دعوة الى تحقيق طموح الاديب في توافقه مع طموح الناقد ، ويلحظ هذا التداخل عند امتزاج الاضافة واستحالتها موقفاً نقدياً في قوله: ((فلأ علمها إذن بوشم الكلام)) ، فوشم الكلام أضافة فتحت موقفاً نقدياً كاملاً املاه الكاتب بطريقة يلحظ فيها مقصدية تشكيلية قائمة على الفن الطباعي ومحاولته ابراز حيثيات الموقف النقدي الذي تشكل بالطريقة الاتية:

 شعوب تلتحف الغيوم.

 عيون متحجرة في ضمير اللاهوت.

 اكف نسيت نكهة التصفيق.

 عقول تسمنها الإشاعات.

 اذهان تستوجب التجنيد.

 ادمغة تصلح ميداليات.

 رؤوس انتهت مدة صلاحيتها.

نلحظ ان الموقف النقدي الذي كشف عنه النص بطريقة تجزيئية اقرب الى التفصيل قد اتخذ من الانسان باعضائه الجسدية سبيلاً لمنح الافكار اتصالها المباشر الذي يحقق بتكامل نجاح الرؤية الادبية ، غير انه جاء عارضاً للفكرة بضدها فالشعوب التي ينسل منها الانسان باعضائه (عيون ، اكف ، عقول ، اذهان ، ادغمة ، رؤوس) قد جاءت هذه المفردات جميعاً حاملة معها عجزها الادائي في تحقيقي صورة عالم ابداعي مثالي. إن الاعضاء التي تضمنها وشم الكلام هي بالضرورة رموز لعوالم ابداعية مختلفة تمثل الرسم والشعر والفلسفة والاعلام فهي جميعاً عاجزة عن تحقيق نجاحها لذا ((فهي لا تصلح جوازات سفر)).

ويتجدد الموقف الابداعي للناقد ليأخذ صورة اخرى تعلن عن المباشرة في منح الاحكام النقدية لعوالم مختلفة في قوله: ((يا بلدية التفكير ، يا عقلياتنا المدبوغة ، فقه القطيع وبروتوكولات الحشيش يا قاصر الرايات ، يا نخاسي المنطق ، يا حضيض الاسئلة ، يا عصر المنجزات الورقية)) ، عالم قائم على الاضافة وعالم يرفض الاضافة وعالم ينفر منها إليها ، هذا ما يصوره النص وما يتحرك في هاجس القصاصي ، إن الاضافة تعني الاتباع والاتباع يعني مصادرة الهوية ، إن الدخول في علاقة من هذا النوع بين الاديب والحياة ، بين المبدع والابداع ، بين الناقد والنص ، في حركته في عوالم الابداع والنقد والحياة ، كل ذلك يحقق دائرة مفرغة يدور فيها الانسان طامعاً في سحب الاخرين قبالته رافضاً ان تهيمن عليه سلطة اعلى فيستحيل مضافاً إليه ، من هنا كان مثار سؤالنا وسؤال النص: هل ما يقع وراء القصاصة أدب القصاصة أم نفسية القصاصي ؟! وهل استطاعت القصاصة ان تنجز النص الواحد ؟!

لعل هذه المداخلة ستجعلنا نحرر الملحظ الاخير من هذا البحث بشيء من الطمأنينة …

مستقبل النص (الرؤية الكونية)

تشكل المرجعية مرتكزاً مهماً في الكشف عن سمات نص من النصوص يتجاذبها كل من المبدع وقارئ النص ، وقد سعى القصاصي حثياً إلى تغييب هذه المرجعية وجعلها حصراً على مبدع نص القصاصة متجاوزاً بذلك او مصادراً لهوية القارئ ومرجعيته ، وهو بهذا يطمح الى جعل النص عالماً منفلتاً عن قيود الاتصال لهاجس يصور له ان الاتصال يعد عيباً في الابداع وان الابداع لا يخضع للتشكل وان التشكل عالم ينأى عن الفرادة والتمييز ، فجاء النص كما ذكرنا في اكثر من موضع حاملاً معه سمة جماعة تواضعوا على بناء نص يهيئ لهم التميز والفرادة.

إن المرجعية وفق أبسط تصوراتها تعني مد خيوط الالتقاء بين سابق ولاحق ، بين ماضِ وحاضر ، بين أصل وفرع (16) ، وهذا الالتقاء يقتضي بالضرورة الاعتراف بمبدأ التأثير والتأثر ، لقد كان للقصاصة مرجعيتها الخاصة التي تنتقل الاحالة فيها بين متون النصوص فيرتد واحدها على الآخر في حركة اشبه بالتراسل بين عدد من الافراد او مجموعة من البشر بشيء من التشفير الذي يعد نقطة التقاء القصاصيين والذي يمثل قضيتهم المشتركة وهمهم الاكيد ..

ليس للقصاصة تشكل تنفرد به غير ان لها تشكلها الخاص ، ليس لها انتماء تدعيه إلا ان لها انتماءها الذي تسعى اليه ، فهي ادب من الادب ، ولغة في اللغة ، وقضية لها ابعادها … من هنا رأيناها تعطي موقفاً ثابتاً يتخذه كل مبدع يحاصره ابداع من سبقوه ، فهي ثورة فكرية متجددة غير انها ليست بجديدة ، ولعل نقطة التجدد المنهجية فيها انها حاولت ان تؤطر نفسها بثوب جديد سعت لجعله متأنياً في تقنيته وفي تقاطيعه ، فجاءت بنية الاضافة لتكون الملمح الاكثر تلاؤماً مع مقصدية النص.

لقد اعلنت النصوص جميعها بمجازاتها بوادر ثورة فكرية حاولت جعل الرفض (17) لغة تمردها وجاءت في النصوص جميعها تصريحاً او تلميحاً محاولة الكشف عن رؤية القصاصي في رسم مستقبل النص ، ففي النص الاول يأتي قوله:

-((ولأنك تمتطي لحظة مقصوصة الجناحين لن يهبك حلمي مظلة امل))

و: ((انتظر حتى يورق سرابي حقائق الراحلين … هكذا الحلم يتصدع)).

و: ((هناك فقط يمكن ان نحرر الحلم من القماط))

يمثل النص بادرة تمرد تتخذ من السبب والنتيجة وسيلة لها ، فـ((اللحظة المقصوصة الجناحين)) هي لحظة تنفلت من الزمن ، فهي تكره ان تضاف اليه لكنها لا تقوى على الطيران لانها ((مقصوصة الجناحين)) لحظة أمل آفل ، يعرف ما يريد ولا يقوى على نيله ، فيأتيها الهاجس ليباغتها ((لن يهبك حلمي مظلة أمل)). ثم ما يلبث الامل يعود ثانية: "انتظر" بما في هذا الفعل من تساؤل وعمق دلالي تنحصر فيه الدلالات والمعاني ويتداخل فيه الزمن "انتظر" توقف زمن الامل واستحالته يأساً ثم انفتاحه بدلالة فعل الامر نحو الزمن الاتي .. الذي ما يلبث ان يعلن عن لا جدواه في ((هكذا الحلم يتصدع)).

إن الامل والحلم ، والمجهول والحقيقة معانٍ كثر مجيؤها في النص مقترنة مع موقف القصاصي ورغبته في التحرر من قيود الابداع تتضح في صراع الوهم والخديعة وتحررها وانفلاتها وصولاً الى الهدف الاسمى ، يقول:

انا وهم

وانت خديعة

تعال إذن لنلتقي

خارج قضبان الحقيقة

هناك فقط

يمكن ان تحرر الحلم

من

القماط

فـ((قضبان الحقيقة)) هي التي تشوه الابداع وتقتله ، وطموح القصاصي ان ينفلت منها حينذاك يتحرر ((الحلم من القماط)) بكل ما فيها من رمزية عالية في توظيف الكلمات .. فضلاً عن هندسة الكتابة ذاتها التي تعبر عن انفلاتها فوق السطور حين تتجاوز قيد السطر وقيد التركيب الجملي فما يلبث ان يتحرر اللفظ بتحرر الحلم فتصبح اللفظة متحررة في نهاية السطر عندما يصبح القماط (القيد) وحيداً على السطر الاخير .. ويقترب هذا النص مع النص الخامس في صورة اخرى ومجاز مشابه يقول:

ايها الزاحف في دمي

مثل طفل ملفوف

بشرنقة شيب

لا تخربش علي

جدران مخيلتي

بهذيانات الضوء المنفرط

يبدأ النص ويتراءى الحلم بالنداء لما له من خاصية اسلوبية لا تخفى اهميته في مد سبل التواصل بين المنادي والمنادى ثم يأتي التشبيه ليضع عقبة في طريق هذا التواصل (مثل طفل) بما في هذه اللفظة من تداعيات ، فالطفل فضلاً عن كونه صغيراً فهو بحاجة الى الآخرين ، لكنه في الوقت نفسه باكورة الحياة ، الطفل يعني ((الامل)) ويعني ((الحلم)) غير انه حلم ((ملفوف بشرنقة)) تداعيات مستمرة للمعنى المتضاد ذاته فالشرنقة قيد لكنه قيد حريري فهو يحمل في ذاته الصفات المتضادة ايجابية وسلبية ويأتي الامر بصيغة النهي: ((لا تخربش علي جدران مخيلتي)) أي حلم ذاك الذي يحتاط بكل هذه العقبات قيد بعد قيد يتراءى امام الابداع يقول:

ايها المتناثر

مع قطرات الجحيم

فوق عشبة آخر حلم مؤجل

لا تقلب صفحات احلامك

فانا خارج الذاكرة أغني ..

يكاد يتضح النص ، وتكاد الرؤية تعلن عن ثباتها في استحضار موقف الجحيم بما يحتويه من مرجعية وما غيب منها سيراً مع النبرة ذاتها ((فوق عشبة آخر حلم مؤجل)) تداخل في الالفاظ يعطي تشتتاً للرؤية تعمد القصاصي في بعثرتها فالحلم لا يزال مؤجلاً لذا ، فلا حاجة لان يقلب صفحاته ، وهنا يأتي الاعتراف بالابداع المتفرد ((فانا خارج الذاكرة)) إن ذهاب الحلم وتلاشيه في التقائه مع دلالة العزلة والتفرد ((خارج الذاكرة)) التي تدل على الانفصال عن المرجعيات والدعوة الى عزلة جديدة تقع خارج ما يستقر في الذاكرة من مألوفات ، كل ذلك يعني الرغبة في حلم الابداع المنفرد حلم ((القصاصة)).

ثم يأتي النداء ثانية في نص آخر لا يكاد يختلف في طموحه التأسيسي عن النصوص السابقة يبدأ بقوله:

-ايتها الدمعة الحبلى

بالشمس

لا تلدي …

-وانتهي الى ظلال احلامك

-دمعة واحدة تكفي

لشطف هذا الظلام

المعرش

فوق لهفة خضراء

وقبلة ساطعة

هكذا يبدأ النص بالطموح ذاته قيد يحاصر الابداع (دمعة حبلى بالشمس) وهذا القيد يعاني العجز

((لا تلدي)) باسلوب الطلب ذاته (النهي) والطلب لا يعني حقيقة بل هو اعلان عن ثورة المبدع وتمرده ((لا تلدي)) ألان الوقت لم يحن ، أم لأن الامر مستحيل ؟ أم لانها –الدمعة- لا تمثل الطموح ؟! ام لان القصاصي قد حوصر بإبداعه فلا ينفك من قيده … الأمر يبدو طموحاً مشروعاً في غاية السهولة ((دمعة واحدة تكفي لشطف هذا الظلام)) تلك هي لحظة الاعتراف بالتأسيس ، وتلك هي مشروعية التأسيس والحلم الأكبر الذي يسعى اليه النص ..

لقد حاول القصاصي استضافة معانٍ عديدة محملة بطموحه في التمرد ورفضه لثوابت الابداع ومقيداته فانتخب ((زاريه)) أسطورة تواضع القصاصيون عليها غير معنيين بحقيقتها او صدق انتمائها فضلاً عن كونها أسطورة تنأى عن البحث في المرجعية الحقيقية لكنها اسطورة مؤطرة بالاسطرة ، فهي رغبة في تشفير النص وتكثيف رمزيته فانتخبه القصاصيون رمزاً للمستقبل في نصين ، الاول جاء بعنوان ((مقدحة الافق)) تحت اهداء: ((إلى مقدحة الملاك الطيب زاريه)).

وجاء النص الثاني بعنوان ((ليس للملائكة زاريه)) إن التساؤل عن حقيقة زاريه ، والبحث في ثقافتنا ومرجعياتنا قراءة وتاريخاً لا يفصح عن هوية هذا الرمز ، او ((الاسطورة)) ، فهي بعيدة عن التحديد والتقيد ، لكن هذين النصين يرتد احدهما نحو الآخر ليعلن عن هوية تواضع عليها كل من (بشار عبدالله) و(سعد محمود) اللذين انتخبا شخصية وهمية ليصبا جم افكارهما فيها معلنين رفضهما لكل ما يقعد الأدب ويقيده ، وقد اختارا لهذا الرمز صفة الملائكة نزولاً عند مثالية هذه المخلوقات التي تسمو على الواقع البشري يقول واصفاً زاريه في النص الاول:

مصير مبلط بالملائكة ، هو زرايه ، الرائد في تفرده ، وطلعة كياسته ، مروض الكلمات ، متحصن بالاحلام ، متدثر بالوداعة ، فيه سياسة الاقداح ، يتنفس الأنس ، في شريعة الندماء.

أليست هذه الصفات ترقى بمستوى ((زرايه)) كي يغدو شفرة يتواضع عليها كل منهما .. فالصفة الملائكية تحبط كل ما هو آدمي خاضع للخطأ او الخطيئة وهي حين ترقى به الى مصاف الملائكة فانها تنفي عنه صفة البشرية والبشرية أمام المبدع تخلو من المثال كونها مألوفة له وهي تمثل القواعد والثوابت التي اعتاد عليها لكن المرجعية الثقافية لم تستطع الابتعاد عن آيديولوجية المبدع ، إذ فرت منه الكلمات لتفضح مكنون هدفه الذي حاول اخفاءه وراء صورة زاريه التي جاءت واضحة في العنوان ((ليس للملائكة زاريه)) وهو تصريح واضح بتبرئة الملائكة من انتماء زاريه اليها ، فهو يمثل المستقبل وهو رمز للتجدد والتحرر.

ففي النص نفسه تتصارع الثنائيات لتنقسم قسمين احدهما نعت للماضي عبر عنه بـ((زريبة الافق)) ((أصابع نعاس)) ((مساء التقاويم)) ((خريف الاسلاك)) والتي انتجت مستقبلاً مغلقاً قاتماً عبر عنه بـ((قابوط بليد)) ((سماواتنا القديمة)) ولا يبتعد النص عن الفكرة الاولى التي طرحناها في هذا البحث ، ذاك ان نص قصاصة كان نصاً موجهاً يحمل فكراً يعبر عن آيديولوجية على الرغم من سعي مبدعيه لتخطي عقبات الابداع ورفض كل ما يحاصر المبدع ، ويبقى نص قصاصة يحمل معه طموحه المشروع في الرغبة الحقيقية الصادقة في ابداع نص هجين ، نص جديد يرقى بمستوى الابداع والكتابة لكنه عجز عن تحقيق نص تأسيسي بشكله ، وتبقى فرادته متأتية من تفرد لغته بتشكل أدبي مكثف نجحت الاضافة في تحقيق هذا التكثيف الدلالي الذي تخطى اللغة ليؤسس لغة في اللغة ذات خصيصة أدبية وجمالية كشفت عنها القراءة التي تجاوزت التنظير لتقف عند سمات النص حاصرة اهتمامها بلغته وباحثة فيه عنه وفق الصورة السابقة التي حاولت ان تلقي بقراءتها وسط تعدد القراءات وتباينها ولعلها تبقى محاولة للقراءة وتدعو في الوقت نفسه إلى اعادة القراءة وفتح أفق جديد بحثاً عن مستقبل ثقافتنا الكتابية منطلقين من ثقافتنا القرائية.

الهوامش

( ) شفرات النص ، دراسة سيميولوجية في شعرية النص والقصيد ، د. صلاح فضل ، ط1 ، دار الآداب،1999: 152.

( ) =: مستويات دراسة النص السردي – الرواية نموذجاً ، عبد العالي بو طيب ، علامات من النقد ، ج35 ، مج 9 ، ذو القعدة ، 1420 ، مارس 2000م.

( ) دراسة علمية للسردية الادبية ، نظرية وتطبيق ، س. ج. شميدت ، العرب والفكر العالمي ، العدد التاسع ، مركز الانماء القومي ، شتاء 1990: 73.

(1) في التوازن اللغوي ، المعادل الايقاعي والمعنوي ، مصطفى الجوزو ، الفكر العربي المعاصر ، بيروت ، عدد 68-69 ، 1989: 107.

(2) في الشعرية العربية ، طراد الكبيسي ، ط1 ، 1998 ، عمان: 42.

(3) =: شفرات النص ، صلاح فضل: 181 ، ولقد عدت بنية الإضافة البنية التي قام عليها تشفير نصوص قصاصة كما يتضح في التحليل.

(4) =: أساليب العطف في القرآن الكريم ، د.مصطفى حميدة :45.

(5) الشامل ، محمد سعيد أسبر وبلال جنيدي : 118-126.

(6) المعجم الفلسفي: 1/202.

(7) =: المقتضب: 4/136 ، والاصول في النحو: 2/56.

(8) =: أسرار البلاغة: 357.

(9) =: شفرات النص: 182.

(10) =: في المرجعية الاجتماعية للفكر والابداع ، محمد الطيب محمد ، مركز الحضارة العربية: 13.

(11) القاب الجمجمة: 4.

(12) النصوص ملحقة في نهاية البحث.

(13) =: الحداثة والبنيوية في معرفة النص الأدبي ، جودت الركابي ، آفاق الثقافة والتراث ، ع10 ، 1995: 16.

(14) =: بوادر الرفض في الشعر العربي الحديث ، خالدة سعيد ، مجلة شعر ، ع9 ، 1961: 93.

(15) النصوص ملحقة في نهاية البحث.

(16) =: الحداثة والبنيوية في معرفة النص الأدبي ، جودت الركابي ، آفاق الثقافة والتراث ، ع10 ، 1995: 16.

(17) =: بوادر الرفض في الشعر العربي الحديث ، خالدة سعيد ، مجلة شعر ، ع9 ، 1961: 93.

المصادر

أساليب العطف في القرآن الكريم ، د.مصطفى حميدة ، ط1 ، القاهرة ، 1999م.

أسرار البلاغة ، عبدالقاهر الجرجاني ، تح: هـ. ريتر ، مطبعة وزارة المعارف ، اسطنبول ، 1954م.

الأصول في النحو ، ابن السراج (ت 316 هـ) ، تح: د. عبد الحسين الفتلي ، مطبعة النعمان ، النجف الاشرف ، 1973م.

ألقاب الجمجمة ، بشار عبدالله وسعد محمود ، موصل ، د. ن ، 1994م.

بوادر الرفض في الشعر العربي الحديث ، خالدة سعيد ، مجلة شعر ، ع9 ، 1961م.

الحداثة والبنيوية في معرفة النص الأدبي ، جودت الركابي ، آفاق الثقافة والتراث ، ع10 ، 1995م.

دراسة علمية للسردية الأدبية ، نظرية وتطبيق ، س. ج. شميدت ، ع9 ، مركز الإنماء القومي ، شتاء 1990م.

شفرات النص ، دراسة سيميولوجية في شعرية النص والقصيد ، د.صلاح فضل ، ط1 ، دار الآداب ، 1999م.

في التوازن اللغوي ، المعادل الايقاعي والمعنوي ، مصطفى الجوزو ، الفكر العربي المعاصر ، بيروت ، ع 68-69 ، 1989م.

في الشعرية العربية ، طراد الكبيسي ، ط1 ، عمان ، 1998م.

في المرجعية الاجتماعية للفكر والابداع ، محمد الطيب محمد ، مركز الحضارة العربية ، د.ت.

مستويات دراسة النص السردي –الرواية أنموذجاً ، عبدالعالي بو طيب ، علامات من النقد ، ج35 ، مج 9 ، ذو القعدة ، 1420هـ- مارس ، 2000م.

معجم الشامل في علوم اللغة العربية ومصطلحاتها ، محمد سعيد أسبر ، وبلال جنيدي ، ط1 ، بيروت ، 1981م.

المعجم الفلسفي بالالفاظ العربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية ، جميل صليبا ، بيروت ، 1982م.

المقتضب ، المبرد (ابو العباس محمد بن يزيد 285هـ) ، تح: محمد عبد الخالق عضيمة ، عالم الكتب ، بيروت ، د.ت.

ملحق بالنصوص

النص الاول: خمس زهور في سندان الغيبوبة

1) … ولأنك تمتطي ، لحظة / مقصوصة الجناحين / ، لن يهبك حلمي / مظلة أمل / ، وفوق يدي … ، تتهشم / دموعك المفخخة / ، بالخيبة.

2) انتظر ، حتى يورق سرابي ، / حقائق الراحلين / ، / لحظة باردة / ، تشرب / الدفء النائم / ، بين / أصابعنا المشبوكة / … هكذا / الحلم يتصدع /.

3) أنا وهم ، وانت خديعة ، تعال إذن لنلتقي ، خارج / قضبان الحقيقة / ، هناك فقط ، يمكن ان نحرر الحلم ، من ، القماط.

4) أيامي المتدلية ، من / سقف المجهول / ، تنقطني نفسا نفسا في فم آكل / انفاس البشر /

النص الثاني: مقدحة الافق

الاهداء: الى [مقدحة الملاك] الطيب زاريه.

1) ليس [للأثداء أبجدية] ، يا [حليب الازمنة] ، بل مكوث في [حجرة التقاويم] ، منها [شهقة الملائكة] ، عليها [تهذيب النسيم] ، وعنها [ذهول الانبياء].

2) ليس له [فخفخة الاجراس] ، ولا منه [تهريج المذنبات] ، مصير مبلط بالملائكة ، هو زاريه ، الرائد في تفرده ، وطلعة كياسته ، مروض الكلمات ، متحصن بالاحلام ، متدثر بالوداعة ، فيه [سياسة الاقداح] ، يتنفس الانس ، في [شريعة الندماء].

3) مقدحة ترضع الشهب ، [معزوفة البريق] ، في الفتيل: [مروءة الماء] ، و[طيبة الأضابير] ، فهل الزناد: ، [موجز الرب] [ورحيق التنزيل] ، أم اللهب ، [عصير الفطرة] و[نكهة الترتيل].

النص الثالث: ليس للملائكة زاريه

ملاكي زاريه … ، ربما / إرتباك الموقد / هو الذي فضح ، / سري المحتمي / بالجمر ، وطارد القداسة ، إلى / زريبة الافق / كي نتسأل: ، هل يكفي / رسول حليب / واحد ، لافحام شحنة من الرضع ؟!.

ربما من / بحيرة هذا التأهب / سترتفع / أصابه نعاس / ما ، كي تمسد / صوتي المتدحرج / من / خانة الندى / وتحزقه في / خانة الـ(يك) / ، لئلا تقودني رشاقة طيشهن الى / قابوط بليد / ، الآن .. قرب / طوافة زاريه الملاك / ، ينحني / مساء التقاويم ويغرف من / رغوة اللؤلؤة/ ، / ربيعها الفائر / ، بينما / خريف الاسلاك / يرغو ، ما بين المخابرين والثغرات المشدودة إلى / زناد الأصيل / ، الآن .. هل جن / شراع البحيرة / الموقوت / بهلوسة الريح / ؟ ، هل / عطس الفانوس / المدمن / سماواتنا القديمة / ولملم / مسارات الغواية / من / اشتباك لسيانين / ؟ ، مهزومون في / فراغاتهم المحشورة / داخل الاسئلة ، مهزومون في / شقاوة الاجوبة / ، مهزومون في / تشنج الكلام / ، مهزومون في / عري الموجة / القصيرة طريدة الذبذبات ، ومع ذلك أقول: ربما مهزومون تحت / بلاط الجنون / ، وصمت هذه البرية الملطخ / بتهجنة البرق / ، حيث ريش الفجر دائما يدغدغني إلى / شفق متروك / ، مع المعوقين ، وحيث المفاتيح كلها متنكرة بنصائح لا نيات لها ، غير التحرش / بأقفال السراب !

النص الرابع: دمعة الشمس

أيتها / الدمعة الحبلى / بالشمس ، لا تلدي ، عند / محاق ابتسامتنا / ، وكنت أشدك مثل قمر ، يبلع [طعم الجزر] ، وكنت أطوف بوداعتك ، حول [نزقي السامق] ، وانتهي إلى [ظلال احلامك] ، أيها الفارس المحتمل ، يا [صياد النزق] ، من [بحر اغماضتي] ، دمعة واحدة تكفي ، لشطف هذا الظلام ، المعرش ، فوق [لهفة خضراء] ، وقبلة ساطعة.

النص الخامس: أصابع الغيبوبة

1) أيها الزاحف في دمي ، مثل / طفل ملفوف / ، / بشرنقة شيب / ، لا تخربش علي ، / جدران مخيلتي / ، بهذايانات الضوء المنفرط.

2) أيها المتناثر ، مع قطرات الجحيم ، فوق عشبة آخر حلم مؤجل ، لا تقلب صفحات احلامك ، فانا خارج الذاكرة أغني …

3) أبق هناك ، في قلب نغمة التلفون ، المشغول ، حيث انا وحدي ، أسمع أنينك ينساب ، عبر دمي إلى السلك الساخن.

4) هناك في نهر الكلمات ، المعمد برائحتي ، ثمة صوت ، يجاهد قلبي المنتشي ، بين أصابع غيبوبتك.

النص السادس: مسلة السراب

قبلاتي المتدلية من [مظلة السعد] ، تتراقص في شفق لحظة خجلى ، يا من تسميني وردة ، وتسورني [بشوك النظرات] ، يا من تسميني قبلة ، وتقذفني بمظلة عمرها لحظة رفيق ، [تسريحة السراب] أنا ، وأنت [مشط المعابد] ، وانا ذكريات تغسلها [شموع الابد] ، اعني الأبد الخافر ، في انفراج شفتين مبتسمتين ، فأين اليد ؟ ، عبثاً تحاول الهدوء ، في [أساطيل السكون] ، مثل أمنيات شائخة ، ترسو عند [شواطئ مخمورة] ، يا [زعانف الابدية] ، دائماً في [موج الفراغ] ، هناك هاجس يجدف باسمي ، نحو شطآن مسامح ، مهدهدا [القاب الجمجمة].

النص السابع: أقنعة التيمم

الاهداء: الى طفيليات الأدب

أطارد [بصمات المطر] ، بـ[بزجاج البرية] ، المبثوث على قنوات ، [حافلة الجسد] ، لأختم [عرائض ، الرؤيا].

شعراء من اللاصق الشفاف ، حكماء من المناشف ، مبدئيون من الورق المقوى ، [كتاب مخططون] ، منكتون بلا ضرائب ، متطفلون في [مراحيض المزايدة] ، ينشزون على المقام.

[جوارب للفطريات] ، مزنوقون في [خانة الدوشش] ، لا يتفقون مع البياض ، مخدوعون بتصفيات لا نهاية لها ، بين [بصمة الاقدام] ، و[كتاب الاحذية] ، يتمرغون بـ[عطر الحثالة] ، ويسبحون للعفن ، في [ابجدية التدشين] ، ترى ، هل نضجت [عجينة ، العمر] ، [لهاث انغام] ، تفخخ لقنص ، هو اقرب [لتقطير ، السمسارا] الابدية.

النص الثامن: معرض الرؤية

الاهداء: الى الرسام المبدع باسل العبيدي في معرضه الشخصي الرابع.

يداهم [محبرة الإله] ، ليستقطر الرؤيا ، يباغت الذهول ، ويقلم الهواجس ، بفرشاة استبصاراته ، أي لون ذلك الذي أجفل البصيرة ، أية لوحة تلك التي مسدت ، قلبي بنبضها ، لوحات تتقمصني في المرآة ، فلأعلمها إذن ، بوشم الكلام ، شعوب تلتحف الغيوم ، عيون متحجرة في [ضمير اللاهوت] ، أكف نسيت [نكهة التصفيق] ، في بحثها عما يشبهها ، عقول تسمنها الاشاعات ، أذهان تستوجب التنجيد ، أدمغة تصلح ميداليات ، روؤس انتهت مدة صلاحيتها ، ولأنها تخجل من حملتها ، فهي تصلح جوازات سفر ، يا [بلدية التفكير] ، و((حافظ على تفكير مدينتك)) ، آفاق تسلخ جلد الايحاءات ، من اجل احذية تفقه منتعليها ، يا [عقلياتنا المدبوغة].

بيوض [لحضارات ، تحتضن السماجات] ، لتفقس الهمج ، وبحراً من العجايا ، يا [فقه القطيع] ، و[بروتوكولات الحشيش] ، خيول زعلت من رموزها ، في أزمنة سواق الحافلات ، [وفروسية الشتائم] ، يا [قاصر الرايات] ، رعاع يسيجون لنا التجليات ، وعرابون في كل المنعطفات ، يمغنطون الاقدار ، يا [نخاسي المنطق] ، دع الحثالة يهنأون بتدليل السوقة ، والسفلة يعلفون الدهماء ، لبطانة تسوسها [فايروسات البورصة] ، يا [حضيض الاسئلة] ، وباسل [حنفية الاحلام] ، يقهقه مثل غيمة مترعة بالالتباسات ، لفن كله شغب ، يا[عصر المنجزات الورقية] ، يرقع الالوهة ، بتناسخات تنتعل الناسوت ، وباسل ، [مسقط ضوء للابدية] ، [أصبع للهاوية] ، إذ يعري [شيزوفرينيا ، البوصلات] ،

النص التاسع: سذاجة من فصيلة الطرقات

1) هرب او اقل قليلا ، فيما القصاصات باتجاه شيطاني ، أشياء غير صالحة للتدفئة ، ربما للطيران ، ويوم القيامة بلا زينة ، رأي التاريخ أسيرا في علبة كبريت ، رأى عاهرة هي الاحق بالمكوث ، رأى مؤامرة ، وادعية بلا خنازير ، رأى اسنانا وشهوة كرستالية ، رأى طائراً بزه نجمان من قشرة الرأس ، وفيما كانت القصاصات ، هرب او اقل ضياء.

2) غريب التنافر او مصعوق ، مرت عليه الاسرة والارحام ، غريب التنافر او مختنق بالنافورات ، يداه منجل وصوته حنطة ولا حصاد ، يداه ضفادع وصوته شلال ولا نقيق ، يداه محطة وصوته قهوة ولا حساء الحافلات ، يداه يداه وصوته صوته ولا هو ، وكل ما يرقص في الصحراء عشب سري ، وفنان يقتفي الكآبة في الحمامة والشمع ، وكل ما يرقص يداه ، ولا سديم يستقبل الطمث ، مرت عليه القوارب والشواطئ ، غريب التنافر او بلا سواحل

3) قريبا منه او لعل ساعة ، يحيك او يحوك ، قريبا منه او لعل شجرة مزقها عصر بلا مؤونة ، فارتمى في احضان فاتحين ، مردداً "رف رمش العدم" ، او عكس ذلك بـ((لا مناص)) ، او عكسه ، يمشي على سواحل امضاءه ، بلا مقدمات حتى ينام القتيل الثالث في "احتمال قادم لتابوته" ، ينبئ الحشرات بإلماحاته / إياها ، ينبئ التفاهة بالبرئ الملغز لـ((يتفوضى مرتباً)).

4) رمى بريده بالابجدية والاناقة ، رمى شرايينه في الحضور ، رمى احفاده في ملكوت ممغنط بالعشيقات والملائكة ، رمى رفاته في علب الاحلام ومستنقعات الهواء ، فجر انتظاره ، وظل يحرس السراب.


النص العاشر: حوار مشتعل في القلب

-ما بك ، أحبك ، وبعد ، بمنتهى الحرية ، ترفرف هذه ، الروح ، حول رحيق صمتك ، المتفتح ، رغم أنف الاسيجة ، التي يبنيها الوقت بيننا ، منذ سنين ، والمدن ، مثل قطار ، تمر امام قلقي ، منذ دهور ، وانت انت ، استاذة ، ترفع المسطرة ، وتأمر القلب الامي ، ان يخط بالطبشور ، على سبورة الصمت "حاء / باء" ، ولكنني اخاف ، إذا قلتها سراً مثل راهب ، ما انا براهب ، فمثل زمن قاس ، لا ، حاء / باء / حب ، احبك ، رغم لسعة المسطرة المؤجلة ، وليكن طوفان خجل ، وليكن طوفان خوف ، احبك ، ولأكن حزام امان ، لهذا الصمت الذي ، سيقلع ، إلى سماء الحلم.

النص الحادي عشر: إلى القاب الجمجمة

الاهداء: إلى بشار عبدالله وسعد محمود

1) من يرتق جرحي ، من يحاورني في وحدتي ، أرصفة الدموع عمقي ، تشير الى النهاية ، وقلبي المسكون بالبياض يرشح اوردته والشرايين ، لسواد بين دمعتين ، صوتي الخنجر في محافل التائهين لحبل مريض بجرعة (التوسيرام) ، وحده يحتسي شكل المساء ، يمرق من زحام الزمن المغبر بوعي الداخلين بلا تعب لساحتي ، رموني بغرب الكلام ، واشعلوا بداخلي جنون الحياء … ، من هؤلاء ؟! ، كيف لي ان ارى العكس في زهرة برية او نخلة مجهولة الثمار ، مقاعدي مقلوبة ، وصحوتي طائرة تنتظر الغزاة ، الفضاء يخرج من اسفل الطباق السبع حاملاً "بشار عبدالله" الذ … ، لا يرتمي ابداً ، منزه الشكل بريق ، من يشنق الذ … لوث البريق.

2) من جوف بصيص الصمت يخرج ضوء الماس محفوفاً ، بمخاطر ذات القلقين ، مسحوبا بالقرعة كالنجم المبهم ، يبسمل اسراراً ، لعيون المحترفين العزل ، ويحاكي بخفاياه الارواح الشريرة ، يسلخها عن جلد الانفاس ، يرسم للارواح دروباً شتى ويلاعبني … آه … يا شيطان ، يا آخر اموات اللهفة للضوء النابع مني ، لن تدخل ، بالاتعاب المنشورة في حافلتي ، يا أبن المحمود رتق جرحي ، وتقيا وعيا مخمورا تحت الجذر المرموز من أس اللا ادري … حاورني.