غسان نزال عاد إلى سنديانة بقلم:تيسير نظمي
تاريخ النشر : 2006-03-13
غسان نزال عاد إلى سنديانة بقلم:تيسير نظمي


تيسير نظمي

أقامت رابطة الكتاب الأردنيين بالتعاون مع المركز العربي للانتاج الفني ندوة تأبينية للكاتب الراحل غسان نزال في اربعينه.

وقد شارك عدد لا بأس به من أعضاء الرابطة المخضرمين في كلمات منها ما تناول القصة ومنها ما تناول الرواية «تشريق» التي ظلت حبيسة الأدراج عدة سنوات من تاريخ انجاز الراحل لها، ومنها ايضا ما تناول الجانب الدرامي وكتابة الراحل للسيناريو ومنها ما تناول جانب البحث والكتابة السياسية للكاتب غسان نزال الذي تحقق له جزء بسيط من أمنياته بمواراة جثمانه في بلدة قباطية. غير أن هذه الجوانب وكلمات من تقدموا مضافا الى ذلك كلمة صديق للراحل وكلمة ذوي الفقيد التي القاها شقيقه، ليست موضوعي هنا وانما عيون المحبين لغسان التي كانت محتقنة بمشاعر ما بعد الشعر وما بعد الأدب والنقد.

مضافا لذلك كله استيائي ممن تغيبوا عن هذا المشهد ولا أقول التأبين ولكل امرئ ما يرى وما يفكر ولذلك سأقول كلمتي وإن لم ادع لذلك في غسان وفي حفل التأبين ذاته ومشهديته التي غاب عنها من يلتقط الرواية التي لم يكتبها أي غسان بعد والتي للأسف غابت عن أذهان المشاركين وفضلت كتابتها هنا على إقحامها في سياق ليس هو سياقها.

فأنا أغبط غسان نزال الذي استأثر بما قد لا أناله من العودة الى الجذور .. بالنسبة له عاد ليس الى قباطية التي نزل بها آل نزال وفي غيرها من القرى شمال فلسطين بعد النكبة الأولى عام 1948 قادمين من سنديانة وانما عاد ايضا الى ثرى اجدادنا الكنعانيين في الأرض المقدسة. هذه هي الملحمة التي لم يكتبها كاتب فلسطيني بقلمه ولكنهم في الغالب يكتبونها بالدم والمعاناة والقهر والتحدي والاستجابة والتحدي والتصدي والتراجع والصمت والعزلة ثم الاستجابة مرة ثالثة ورابعة والتحدي في صيرورة الروح الفلسطينية التي لا تنكسر الى مرايا كل يرى في شريحته من الزمن ما يستطيع هو تحديدا رؤيته. لذلك أرى أن غسان نزال في يوم تأبينه لم تتم رؤيته كاملا، لا كإنسان ولا ككاتب. ولم تتم ايضا مناقشة كتابته في سياقها التاريخي المقارن. لكنه رغما عن كل اختصاصات اتحادات وروابط وتجمعات الكتاب كان كلا لا ينفصل. هو غسان نزال الذي لا يقبل التجزئة. وحتى بيكاسو عندما ابتكر التكعيبية لم يكن سوى فنان واحد لكنه كان يرى موضوعه من الجوانب كلها. غسان ومن قبله أهله وشعبه نزل في كل بقاع الأرض ولم يترك وراءه سوى السنديان الندي بدمع القوة والكبرياء. لا بكت عين على الرجال. فغسان في سيرته كلها يقدم للروائيين موضوعا فذا وملحمة للكتاب إن وجدوا، وللروائيين إن صاروا، وغسان دمعة ورصاصة في مسيرة شعبه ليس أكثر وليس أقل.

ألا يكفيه أنه عاد الى احضان الكنعانيين مبتكري الأبجدية. فلتكتب يا غسان وشعب غسان بالآرامية بعد اليوم ... إلهي شكرا لك .. أنك لم تدعني أقول: إيلي إيلي .. شبقتالي .. أي: أن الرب لم يخذلك فأعاد إليك مجدك المفقود ووهبك المجد بالتراب الممجد بدمنا منذ نحو 12 ألف سنة!

www.nazmi.org