موسوعة موسيقى الشعر عبر العصور والفنون بقلم:د. عبد العزيز نبوى
تاريخ النشر : 2006-01-22
موسوعة موسيقى الشعر

عبر العصور والفنون

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. عبد العزيز نبوى

كلية التربية بجامعة عين شمس

لم يقف تطور الأوزان العربية عن إضافة بحر المتدارك إلى البحور التى رصدها الخليل ، وإنما جعل الشعراء يضيفون إلى هذه البحور أوزانًا جديدة ، وصورًا أخرى للبحور القديمة . وبقدر ما كان توقد العقل العربى إبداعًا فى أطر الشعر ، كان تخلف التصنيف العروضى عن مواكبته قديمًا وحديثًا .

وكانت مقولة الخليل إن الشعر " هو ما وافق أوزان العرب ، ومقتضاه أنه لا يسمى شـعرًا ما خرج عن أوزانهم " قيـدًا ارتضاه لنفسه فريق من العلمـاء القدماء ـ عن وعى ـ بعض مصنفى العروض المحدثين عن غير وعى .

واللافت للنظر أن فريقًا من العروضيين القدماء ، قد رفض هذا القيد ، ثم ما لبث عند التطبيق ـ المتمثل فى عرض بحور الشعر ـ أن ارتضاه . ومن هؤلاء الزمخشرى المتوفى 538 هـ / 1143م ؛ الذى انتصر للأوزان المخترعة فى مقدمة كتابه " القسطاس " دون أن يقدم أمثلة لهذه الأوزان التى أحدث ظهورها ضجة بين العروضيين . وعلى النقيض منه عالم يسبقه بقرنين من الزمان ، وهو أبو الحسن العروضى المتوفى سنة 342 هـ/ 953م ؛ إذ كان يرى أنه لا يجوز الخروج عن الأوزان التى نظمت فيها العرب ، يقول : " فإذا بنت العـرب بناء من الشِّعر واختارت نوعًا من الوزن ، وجب أن نقتـدى بها ، ونسلك طريقها ، ولا نخالف ما ألَّفت ، ولا ننقض ما بنت " .

وبرغم هذا القول ، فقد قدم نماذج لما خرج عن الأوزان التى رصدها الخليل ، والتى قالت العرب فيها أشعارها ، وإن جنح إلى ردها إلى بحور الشعر العربى بشىء من الاعتساف بقدر ما فيه من الإنصاف ؛ تبعًا لعيار الحكم : أهو نظـام الدوائر لازمًا ، أم بشىء من التجوز يتعارض مع هذه الدوائر . ومن ذلك ذكره لقصيدة معاصره أبى الحسن على بن هارون المتوفى 352 هـ/963م ( لم يصرح باسمه ) وهو مؤلف كتاب " الرد على الخليـل " فى العروض . وهى قصيدة كل شـطر فيها على وزن " مفاعلتن فعولن مفاعلتن فعولن " وهو وزن لا يمكن استخراجه من دائــرة المؤتلف ( الوافر والكامل ) . وبرغم ذلك لا يجد فيها أبو الحسن العروضى شيئًا جديدًا ، ثم يقول متهكمًا على صاحبها : " ويزعم أنه أتى بوزن غريب ... فهَّلا أتى بأجـزاء غير التى ذكرها الخليـل نحو فعولن وفاعلن وفعولن ، وما أشبه ذلك ؟ " . وواضح أن العلاقة منفكة ـ كما يقال ـ فالوزن جديد ، أو قل تشكيل جديد يمكن أن يضاف إلى الوافر بعيدًا عن نظام دائرته . وقد نظم أبو الحسن العروضى قصيدة من الوزن نفسه ، وبرغم ذلك لم يذكر هذا التشكيل عند حديثه عن بحر الوافر .

الإبداع الشعرى إذن يسير فى اتجاه رحب ، والتصنيف العروضى يرسف فى أغلال مأثورة . وضح هذا قديمًا ، ونجده ظاهرًا فى كتب العروض التى أخرجها المحدثون . ولو شئنا مثالاً طريفًا ، لقلنا أين نجد وزن قصيدة الهراوى " قطتى صغيرة ، واسمها نميرة " ؟ إن كتب العروض الحديثة لا تعرض لهذا أو لغيره ، لأنها ارتضت عن غير وعى ذلك القيد الذى أشرنا إليه . وجل ما نجده هو مجرد إشارات إلى بعض الصور التى استدركها القـدماء ، أو بعض الصور القليـلة التى تقع للمؤلف مصادفة ، أو بعد جهد يسير .

وقد أسهمت " موسوعة موسيقى الشعر عبر العصور والفنون " ـ التي شغلت ألفا وخمس مئة صفحة ـ فى ملء الفراغ الفاصل بين التصنيف فى موسيقى الشعر من ناحية ، وحركة الإبداع الشعرى من ناحية أخرى . هذا الفراغ الذى أحدث اضطرابًا فى النقد العروضى ، أو قل كان شركًا لمن تصدى له من النقاد ، على نحو ما نجده ـ مثـلاً ـ فى كتاب " التيارات المعاصرة فى النقد الأدبى " للدكتور بدوى طبانه ، حين قال : " ففى ديوان البارودى قطعة واحدة من وزن مخترع لا عهد للعروضيين به ، عدد أبياتها واحد وتسعون بيتًا .. منها :

املإ القــدحْ واعص من نصح

وَارْوِ غُلّتــى بابنةِ الفـــرحْ

فالفتــى متى ذاقها انشـــرح

وقوله : " وزن مخترع لا عهد للعروضيين به " يشير إلى الفراغ الحاصل بين حركة الإبـداع والتأليف العروضى . أما قوله " وزن مخترع " فليس بصحيح ، إذ نجد له أمثـلة قديمـة تردُّ إلى القرن الخامس على أقل تقدير ، وقد جعلتُـه على وزن " فاعلن فعـولن " الذى يجوز فيه قصر فعولن أو حذفها . وأسميته " وزن المتدارب " اشـتقاقًا من المتـدارك ـ الذى وحدته فاعـلن ـ والمتقـارب ـ الذى وحدته فعـولن . ومثاله ، قول التطيلى ( 525هـ / 1130م ) فى أحد موشحاته :

لو قبلت منى يا مُنى التمنى

فوزن كل شـطر " فاعـلن فعـولن " . ومثـاله أيضًا قول أبى بكر ابن الأبيض فى موشح له :

ليل هجرها

فوق نحرها

بين شعرها

فوزن كل شـطر " فاعـلن فعـو " ، وهو نفسه وزن قصيدة البارودى . ومعنى هذا أن البارودى لم يخترعه .

وقال الدكتور بدوى طبانه أيضًا : " وقد جاء فى رواية مجنون ليلى ـ لشوقى ـ عدة أبيات من وزن لا عهد للعروضيين به ، وهى :

زيـادُ ما ذاقَ قيسٌ ولا هَمَّـا

طبخ يـد الأمِّ يا قيس ذق مما

الأم يا قيـسُ لا تطبـخ السُّمَّا

فى حين أن هذا الوزن قديم أيضًا ؛ فهو من تشكيلات مشطور البسـيط ، وشطره " مستفعلن فع لن " . ومنه قول ابن شرف المتوفى سنة (460 هـ/1067م) :

من قبل أن تعـد عيناك لم أحسِبْ

أن تخضع الأسْدُ لشـادن رَبْرَبْ

وقول ابن الوكيل (617هـ/1316م) فى أحد موشحاته ، حيث جعل القسم الثانى من المطلع والأقفال شطرًا من نونية ابن زيدون :

غــدا منــادينا محكَّمـا فينـــا

يقضى علينا الأسى لولا تأسِّــــينا

***

يا صاحب النجوى قف واسـتمع منى

إياك أن تهــوى إن الهـوى يُضنى

......

نحن إذن فى حاجة إلى رصد شامل ـ أو قريب منه ـ لأوزان الشعر العربى عبر العصور والفنون ـ شعرًا وموشحات وأزجال ـ وهو رصد يستطيع الناقد من خلاله أن يسير على هدى ، مبينًا مواضع التجديد أو التقليد عند الشعراء . ولا سيما إذا قدمت له الشواهد مرتبة ترتيبًا تاريخيا .

وما من شك فى أن الغاية ما تزال بعيدة ؛ فهى فوق جهد كل فرد . ولئن كان الاستقراء التام بعيدًا ، فإن الاستقراء الناقص يسد فراغاً ، ويتقدم خطوة نحو التمام . وما لا يدرك كله ، لا يترك كله كما يقال .

انقسمت الموسوعة أربعة أقسام رئيسة :

القسم الأول ـ فى البحور الستة عشر . وفيه رصد لصور كل بحر منها قديمًا وحديثًا . وبيان زحافاته وعلله ـ الشائعة ، والنادرة ، والشاذة وتطورها . وكان من ثمرة ذلك تصحيح أوهـام العروضيين الذين عدوا بحور : المعتمد ، والوسيم ، والفريد ، والعميد ، بحورًا قائمة بنفسها ، والحقيقة أنها صور من بعض البحور الستة عشر .

ويجتمع فى حيز واحد نماذج كل صورة فى الشعر والموشحات والأزجال ، مضافًا إليها صورته فى شعر التفعيلة ، ثم قضايا البحر فى النقد الحديث .

وهذا بيان بعدد صور كل بحر :

1 ـ الطويل : خمس عشرة صورة ، إلى جانب شـعر التفعيـلة ، ومقلوب الطويل ( المستطيل أو المغفَّل ) وله أربع صور .

2 ـ المديد : ثمانى عشرة صورة ، إلى جانب مقلوبه ( الممتد ) تامًا ، ومربَّعًا ، ومثنى . ثم صورة امتزج فيها المديد بمقلوبه .

3 ـ البسيط : سبع وعشرون صورة ، إلى جانب صورته فى شعر التفعيلة.

4 ـ الوافر : إحدى وعشرون صورة ، إلى جانب صورته فى شعر التفعيلة وتطورها .

5 ـ الكامل : سبع وعشرون صورة ، إلى جانب صورته فى شعر التفعيلة ، وتطورها عند بعض الشعراء فيما أسميته بالشعر المجنزر أو توءم البند أو البند الجديد .

6 ـ الهزج : ثمانى صور ، إلى جانب صورته فى شعر التفعيلة .

7 ـ الرجز : ثمان وثلاثون صورة ، مضافًا إليها صورته فى شعر التفعيلة ثم قضية مفعولاتن فى بحر الرجز .

8 ـ الرمل : عشرون صورة ، ثم صورته فى شعر التفعيلة .

9 ـ السريع : اثنتا عشرة صورة ، ثم صورته وقضاياه فى شعر التفعيلة .

10ـ المنسرح : عشرون صورة .

11ـ الخفيف : إحدى وعشرون صورة ، ثم الخفيف وقضاياه فى شعر التفعيلة .

12ـ المضارع : خمس صور .

13ـ المقتضب : تسع صور .

14ـ المجتث : سبع عشرة صورة ، ثم صورته فى شعر التفعيلة .

15ـ المتقارب : تسع وعشرون صورة ، ثم صورته فى شعر التفعيلة .

16ـ المتدارك : إحدى وثلاثون صورة ، ثم صورته وقضاياه فى شعر التفعيلة .

فيكون مجموع صور البحور 328 صورة ، ومعلوم أن صورها عند الخليل 63 صورة ثم استدرك بعض العروضيين القدماء عليها ـ من خلال حركة الشعر ـ 19 صورة فيكون مجموع صور البحور 82 صورة . أما استدراكات المحدثين فلا تتجاوز عدد أصابع اليدين . ومن هنا فإن ما أضافته هذه الموسوعة إلى صور البحور أضعاف ما رصده العلماء قبل ظهورها . وهو ثمرة مراجعة لحركة الشعر فى عصوره المختلفة .

كما تضمن هذا القسم الأول من الموسوعة دراسة لوزن الدوبيت ، وهو عند حازم القرطاجنى " مستفعلن مستفعلن مفتعلن " ، وعند جمهرة العروضيين بعده ـ قدماء ومحدثين ـ " فع لن متفاعلن فعولن فعلن " ولا اختلاف فى المتحركات والسواكن بين التشكيلين . وقد جُعلَ وزنه مخالفًا لكليهما ؛ حتى يطرد الوزن مع صور الدوبيت الأربعة التى رُصدت . وهذا الوزن هو " فع لن فعلن مستفعلن مستفعلن " . مع ملاحظة أنه يستعمل مشطورًا ومجزوءاً مرفلاً .

ثم عرضت الموسوعة بعد ذلك لبعض ما سمى بالأوزان المستحدثة ، حيث قُسمت قسمين :

1 ـ أوزان لها علاقة بدوائر الخليل : وقد قُسمت بدورها قسمين :

( أ ) مقلوبات لبعض صور البحور ، وهى : المستطيل ، الذى بدا عند التأمل أنه يمكن أن يكون صورة من صور الهزج . ومثل ذلك الممتد ( مقلوب المديد ) إذ إن صورته المستعملة لا تعدو أن تكون صورة من صور مجزوء الخفيف .

(ب) أوزان فى الدوائر ، وليست بمقلوبات لغيرها ، وهى : المتوفر ، وشطره " فاعلاتك فاعلاتك فاعلن " والعـلاقة بينه وبين الرمل لا تخفى ، ولا سيما أن فاعلاتك قد استعملت صورة لفاعلاتن عند بعض الشعراء المعاصرين . ومن ثم فهو بحـر مفترض لا وجود له إلا فى بيتين يتواتران فى بعض المصنفات العروضية . ورأيت أن يسمى ـ إن شئنا فصله عن الرمل ـ بالمترامل ، لتكون التسمية دالة على هذه العلاقة .

ثم المنسرد ، وهو ليس مقلوبًا للمضارع التام كما ذهب الهاشمى فى ميزان الذهب ، ثم المسطرد وهو مقلوب المنسرد .

2 ـ أوزان لا علاقة لها بالدوائر : وكثير منها لا يعدو أن يكون صورة من صور بعض البحور حين تدخلها زحافات شاذة . ومن ذلك :

( أ ) البحر الوسيم : وهو عين أحد صور مجزوء الخفيف .

(ب) البحر الفريد : وهو أحد صور الهزج .

(ج) البحر العميد : وهو أيضًا أحد صور الهزج .

ثم عرضت الموسوعة بعد ذلك لفن البند ، حيث تبين خطأ القول بأنه فن منقول من الأدب الفارسى . وجل ما فى الأمر أن الذى نقل ـ بعد ظهور هذا الفن فى الأدب العربى بقرون ـ هو مصطلح " البند " وهو لفظ معرب عن " بنـد " الفارسية ووجه التعريب هو أن " بند " فى الفارسية معرفة . ثم أضيفت إليها فى العربية أداة التعريف ، ومن ثم قيل فى المعاجم إنه معرب .

كما أشار المؤلف إلى أن اللغة العربية قد عرفت " البند " كإبداع منظوم قبل أن يعرفه الفرس بنحو قرن من الزمان ، إذ تمتد جذوره فى الأدب العربى إلى النصف الأول من القرن الرابع الهجرى ، بينما نشأ البند عند الفرس فى القرن السادس الهجرى .

هذا وجه ، أما الوجه الآخر فى الاختلاف ، فهو أن البند فى العربية ، وكان يسمى عند نشأته بالعويص ، كان يقصد به الإلغاز والتعمية ، ثم أصبح يستعمل فى أغراض شتى لا علاقة لها بالألغاز . وقد انتقل بصورته الأخيرة إلى الفرس حيث أكثروا من النظم فيه فى موضوعات : المدائح ، والمراثى وسائر الأغراض الدينية والصوفية .

ثم تلا ذلك مناقشة قضية الأوزان فى البند ، ووجه الخطأ فى تحليل بعض نصوصه عروضيًا عند من درسوه . ثم العلاقة بين البند وشعر التفعيلة الجارى أو المجنزر الذى أسميته توءم البند ، أو البند الجديد . مع الإشارة إلى أنه ليس ثمة علاقة بين البند ونشأة شعر التفعيلة .

وقد تضمن هذا القسم من الموسوعة ـ أيضًا ـ عرض لدوائر الخليل والاختلاف فى تسمية بعضها ، ثم الزحافات والعلل ، مؤصلاً لمصطلح الزحاف وتطوره . ومناقشة ما أطلق عليه العلة الجارية مجرى الزحاف ، والزحاف الجارى مجرى العلة الذى أضافه الدمامينى .

وأما القسم الثانى من الموسوعة ، فقد اختص بالأوزان التى استحدثت فى الشعر والموشحات والأزجال ـ من غير ما ذكر فى القسم الأول ـ وقد رصد منها نحو مئة وتسعين وزنًا وتشكيلا ، لبعضها غير صورة . وقد رتبت الشواهد فى كل ذلك ترتيبًا تاريخيًا أيضًا ، " وهذا بالإضافة إلى الأوزان التى وضعت مع بحور الدوائر " .

ولهذا القسم مقدمة فى الأخطاء التى وقع فيها بعض من تصدوا لدراسة أوزان الموشحات . ومن أمثلة هذه الأخطاء التى وقع فيها الدكتور سيد غازى فى كتابه " أصول التوشيح " :

1 ـ قول التطيلى :

وليـلٍ طرقنـا ديـر خَمَّـارِ

فقد جعله من المطرد الذى وزنه : فاع لاتن مفاعيلن مفاعيلن ، وهذا ليس بصحيح ، إذ بيت التطيلى وزن جديد ، هو:

فعولن مفاعيلن مفاعيلن

2 ـ قول الكميت :

ما ضرَّ من عاقبوا إذا قدروا لو غفــــروا

حيث جعل الشطر الأول من البسيط ، وهو فى الحقيقة من المنسرح.

3 ـ قول ابن مالك :

وهل يرجى إيابْ لعهد الحبــائبْ

إذ غض الشبابْ مطلول الجوانب

ووصل الكعـابْ مبذول لشـاربْ

فقد جعله من المقتضب . وهو فى الحقيقة ليس منه ؛ وإنما هو وزن قائم بنفسه ، هو :

مفعولن فعولن مفعولن فعولن

ويجوز فيه خبن مفعولن . وقد جاءت العروض مقصورة .

ومثل ذلك كثير فى كتاب " فى أصول التوشيح " حيث أراد مؤلفه أن يردُّ كل وزن من أوزان الموشحات إلى بحور الشعر المشهورة . ولم يسع إلى اكتشاف تشكيلاتها العروضية التى تختلف اختلافًا ظاهرًا عن تشكيلات بحور الشعر .

ومن الأوزان التى رُصدت فى هذا القسم الثانى من الموسوعة :

( أ ) مفعولن فع لن مستفعلن مستفعلن

ويجوز فى مفعولن ( وهى هنا تفعيلة أصلية ) الخبن ، وبه تصير إلى فعولن ، كما يجوز فى دخول الكَفَف ـ وهو حذف السادس الساكن . وبه تصير إلى مفعولُ . ( والكفف أحد المصطلحات التى قدمتها الموسوعة ، وهو حذف الساكن السادس ) .

كما يجوز فى فع لن ( وهى هنا أيضًا تفعيلة أصلية ) التذييل ، وبه تصير إلى فع لان .

ومثال قول ابن سناء الملك :

نشكو يا سلطانْ بَيْنًا عرفْنا فيه قصــدك

فعند الهيمـانْ من الهوى ما ليس عندك

قد كان ما كانْ فليتنى لا عشْتُ بعــدك

(ب) فعلن فاعلن فعولن

ومنه أقفال موشح " عزمت يا متلفى على السفر " لصفى الدين الحلى ، وقد جاءت فعولن مقصورة :

تَمهَّلْ مَضَّـنى جفـاكْ

تَجمَّل ذُبْتُ فى هـواكْ

(حـ) فعولن فعولن مفاعيلن فعولن مفاعيلن

ومنه أقفال موشح ابن رافع رأسه " بسيفك أم لحظك الفاتر " ، كقوله :

أمير له مقلتا ســاحر يطاع بلا جُنْــــدِ

****

فدَلَّ على باطنى ظاهرْ وإن كنت لا أُبْــدِى

(د) فعولن مفاعيلن مفاعيلن

ومنه أدوار موشح ابن رافع رأسه فى الموشح السابق ، كقوله :

فتىً راح فَتُّ المسك من ذكرِهْ

وهَبَّ نسيم الروض من شكره

وأنفق سوق الحمـدِ من شكرهْ

(ﻫ) مستفعلن مستفعلن فاعلاتن

وواضح أن الشطر الثانى من المجتث . ومثاله موشح " حلو المجانى " للتطيلى . ومنه :

كيف الســـبيل إلى اختلاس التلاقى

جاش الغليـــل فالنفس بين التراقى

أين العـــذول من لوعتى واشتياقى

(و) مستفعلن فع لن فع لن

و " فع لن " فى الموضعين يمكن عدها مشتقة من " فاعلن " ويمكن عدّها تفعيلة أصلية . وقد جاء الضرب فى المثال الآتى مسَبَّغًا ـ أى بزيادة ساكن فى آخرها . قال الششترى :

يا طالبًا وهْو المطــلوبْ

أنت المنى أنت المرغـوبْ

فاشربْ , فما يُلْفَى مشروبْ

(ز) مستفعلن فعولن فعولن

ومنه قول ابن تقّى :

قالوا ولم يقولوا صــوابا

أفنيت فى المجون الشـبابا

فقلت لو نويْتُ متـــابا

.....

وأما القسم الثالث من الموسوعة ، فقد اختص بالقافية . ومما جاء فيه مصحوبًا بالجداول الإحصائية التى تؤصل الظاهرة :

( أ ) تعريف القافية : حيث رأى المؤلف أن البحث عن تعريف واحد جامع مانع ، أمر يبعدنا عن الصواب . وأن أدق ما يمكن أن يقال إن للقافية تعريفين ، يختص كل منهما بنوع من أنواعها :

الأول : القافية من آخر ساكن فى البيت إلى أول ساكن يليه من قبله . وهذا خاص بالقوافى المردفة والمؤسسة لا غير .

والآخر : القافية حرف الروى وحركته . وهذا خاص بالقوافى المجردة من الردف والتأسيس لا غير .

حروف القافية : ومما تجدر الإشارة إليه هنا :

1 ـ وجدت أن الوصل قد يكون بالميم المتصلة بالضمير ـ وقد يكون بالنون ـ وإلى ذلك أشار الخليل فى معجم العين . وقد يكون بالتاء . وهذا كله لا نجده فى أى من كتب القوافى قديمها وحديثها .

2 ـ وجدت أن الخرج قد يكون بالميم ، أو نون التنوين .

3 ـ التنوين يمكن أن يجىء رويًا . وهذا وما قبله لم تشـر إليه كتب القوافى ، وإن أفصحت عنه حركة الإبداع الشعرى .

ومن الجدير بالذكر هنا أن نجد شـاعرًا عالمًا مثل أبى العلاء المعرى يخطئ فى تعرُّف حرف الروى ، فى قوله فى اللزوميات :

يا أمة فى التراب هامـدة تجاوز الله عن سرائركمْ

يا ليتكم لم تطـوا إماءكمْ ولا دنوتمْ إلى حـرائركم

حيث جعل هذه المقطوعة فى روى الميم : والصواب عند المؤلف أنه لم يلتزم غير حرف الدخيل ، حيث جعله الهمزة دائمًا . فالألف تأسيس ، والهمـزة دخيل ، والـراء روى ، والكاف وصل ، والميم خروج . ( وهل يجوز عدم الالتزام بما قبل الميم ؟ ) .

ومثله قول المعرى فى اللزوميات أيضًا :

إن أكلتم فضلا وأنفقتم فضـ ـلا فلا يدخلنَّ والٍ عليكمْ

لا تولوا أموركم أيـدى النا س إذا رُدَّتِ الأمور إليكم

حيث جعل البيتين فى روى الميم . والصواب عند المؤلف أن الروى الكاف ، والياء ردف ، والميم الساكنة وصل .

اشتمل قسم القافيـة أيضًا على مباحث بعنـوان : لزوم ما لا يلزم ـ الترصيع وأثره فى الموشحات والأزجال ـ القوافى غير الموحـدة : شعر بلا قافية ( المرسل ، القافية الإشارة ، القافية البصرية ، قافية الأخوات ) . ثم تنويع القافية : الزخرفية : المسمط ، والمزدوج ، والمثنى التبادلى ، والثنائى ، والمثلثة ، والثلاثية ، والمربعة ، والأربعية ، والمخمسة ، والخماسية ... إلخ . ثم القافية العشوائية ( فى شـعر التفعيلة ، قسمتها قسمين : النمط الحلزونى ( الخصب ، والمفرَّغ ، والمجنزر ) والنمط غير الحلزونى ( الخصب ، والمفرّغ ، والمجنزر ) .

وقد وضعت الموسوعة للجزء الأخير من شعر التفعيلة ثلاثة مصطلحات : الضرب المدور ، والضرب المرسل ، والضرب المقفى .

وأما القسم الرابع من الموسوعة ، فقد تضمن خمس دراسات ، هى :

1 ـ الإطار الموسيقى للشعر ، علامات وتأصيل :

وقد انتهت هذه الدراسـة إلى أن الأطـر الخارجية لموسيقى الشعر العربى ثلاثة : التكرار التفعيلى المطرد ـ انتهاء التفعيلة بانتهاء الكلمة فى مواضع متقاربة لا تجاوز أربع تفعيلات ـ عدم إهمال القافية . وبالنسبة للعنصر الثانى ، فقد اعتمدت الدراسة على استقراء أربع عشرة قصيدة من المفضليات ، هى ذوات الأرقام : 1 ، 10 ، 20 ، 30 .. إلخ . وكان مجموع ابياتها 353 بيتًا من بحور مختلفة ثمانية وسداسية ، وكانت النتيجة أن ترواحت مواضع انتهاء التفعيلة بانتهاء الكلمة فى البيت الواحد ن بين موضعين ، وسبع مواضع . ومعنى هذا أن الخروج عن هذه القاعدة ، خروج فى الوقت نفسه من دائرة الشعر إلى دائرة البند . ونمثل لذلك بيت من قصيدة " حوار مع النيل " للدكتور محمد حماسة عبد اللطيف ( وهو صاحب تسمية هذا المقطع بالبيت ) ، يقول :

ظَلَّلّتْ وجهه المتغضَّنَ مسحةُ حُسْنٍ قديمٍ ،

وفاضت بصفحته الذكرياتُ ،

وقال بحكمته : لا تبالْ .

فهذه تسع عشرة تفعيلة ، كل منها تنتهى فى وسط الكلمة ، ولم ينته بنهاية الكلمة إلا فى النهاية . ومن ثم ضاع إيقاع الشعر فيه .

2 ـ ظاهرة انزلاق التفاعيل فى الشعر العربى :

وتنتهى هذه الدراسة إلى أن الحقيقة التى لا جدال فيها ، أن بعض الفروع القديمة ـ التى يعدها بعضهم من المسلمات ، قد تحطمت على صخرة الإبداع الشعرى ، وإن سَلِمَت الأصول ، التى تتمثل فى إمكان استخراج نظام عروضى .

ومن الفروع التى تحطمت ، ما يقال من عدم جواز توالى أكثر من أربعة متحركات فى الشعر ، إذ نجد أمثلة كثيرة فى شعر التفعيلة ، وفى الشعر المسمى بالعمودى ، نماذج توالت فيها خمسة متحركات ، أو سبعة ، وأكثر من ذلك . إلا أن الملاحظ أن عدد المتحـركات حينئذ يكون فرديًا . فلو تصورنا بيتًا ـ أو سطرًا شعريًا ، بنى على : " فعلن فعلن فعلن " ثم تحرك ساكن فعلن الأولى ، لأصبحنا أمام سبعة متحركات بعد أن تحولت فعلن بالحَرْكِ إلى فَعَلَتُ . أو قل لأصبحنا أمام فاصلة سباعية .

والحَرْكُ ـ وهو مصطلح تقدمه الموسوعة ـ لا يقتصر على " فعلن " وحدها ، وإنما نجده كذلك فى فاعلاتن ، حين تتحول إلى فاعلاتكُ . كقول الشاعر مانع سعيد العتيبة ( من مجزوء الرمل ) :

دربنا صعبُ ولكن لن أحيد ولن أتوهْ

كم كتابٍ مزقوا صفحـاته أو زيفوه

فوزنهما :

فاعلاتن فاعلاتن فاعلاتكَ فاعلاتْ

فاعلاتن فاعلاتكّ فاعلاتن فاعلاتْ

ومن المعلوم للعروضيين أن العروض القـديم قد عرف " فاعلاتك " وإن لم يضع لتحريك الساكن الأخير منها مصطلحًا ، وكأنهم عدوها تفعيـلة مستقلة ، برغم وضوح الدلالة على أنها عين فاعلاتن بعد تحريك ساكنها الأخير . ومما جاءت فيه فاعلاتكَ ، هذان البيتـان اللذان ذكرهما الدمنهورى فى حاشيته :

ما وقوفك بالركائب فى الطلل ما سؤالك عن حبيبك قد رحل

ما أصابك يا فــؤادى بعدهم أين صبرك يا فؤادى ؟ ما فعلْ

وإذا كانت فاعلاتن قد انزلقت إلى فاعلاتك بتحريك الساكن ، فإنه انزلاق منتمٍ ، لم تخرج فيه التفعيلة عن صورتها إلى تفعيلة أخرى من تفاعيل دوائر الخليل .

ثم تجاوزت حركة الإبداع الشعرى قديمًا وحديثًا . ذلك ، إلى انزلاق بعض تفاعيل البحر إلى تفعيـلة أخرى لا ترد فيه مطلقًا ـ بالمنطق العروضى ـ ومن ذلك :

( أ ) انزلاق مستفعلن فى السريع إلى متفاعلن ( فى الشعر القديم وفى الزجل ) . ومثل ذلك نجده فى البسيط فى الزجل .

(ب) انزلاق مستفعلن إلى مفاعيلن فى الرجز ، ( فى الموشحات وشعر التفعيلة ) .

3 ـ المتدارك بين الأخفش وأبى الحسن العروضى والجوهرى :

وما تضيفه هذه الدراسـة إلى الدراسـات السـابقة ، أنها ذكَّرتْ بأن أبا الحسن العروضى هو أول من ذكر وزن المتدارك ، مقدمًا نماذج مما نظم فيه ، وإن كان قد أسماه " الغريب " وذلك عند حديثه عن دائرة المتفق . وقد توفى المؤلف سنة 342 هـ . ومن المعلوم أن تدارك الأخفش للمتدارك بات قولاً غير صحيح ، وأن الجوهرى المتوفى سنة 393 هـ كان أول من أدخل المتدارك بين البحور بابًا مستقلاً ، وإن لم يكن أول من التفت إليه كما ذكرنا.

4 ـ إعادة تشكيلات بعض البحور :

ليست إعادة تشكيل بعض البحور ، من خلال توزيع المتحركات والسواكن بشكل يجعلنا أمام تفعيلات جديدة ، تختلف عن صورة البحر فى دوائر الخليل بأمر جديد ، فقد ذهب بعض العلماء والمحدثون إلى ذلك ، على نحو ما نجده ـ مثلاً ـ عند حازم القرطاجنى فى منهاج البلغاء . وإبراهيم أنيس فى موسيقى الشعر ، وأحمد مستجير فى مدخل رياضى إلى عروض الشعر العربى .

ووجه الاختلاف فى هذه الدراسة أنها تستهدف البحور التى لم تجر نغمتها على الأفواه ، أو قل البحور التى لا يتيسر تقطيعها عند الكثيرين شفويًا لأول وهلة . فللبسيط نغمة يحفظها جمهرة العروضيين والطلاب ، ومثله الوافر ، والهزج ، والطويل ، والمتقارب ، والمتدارك . أما بحور مثل المديد ، والرمل ، والخفيف ، والمديد ، والمنسرح وما إلى ذلك ، فليس من السهل تعرف موضع الخلل أو نسبة البيت إلى بحره فور سماعه .

والبحور التى تعيد هذه الدراسة إعادة تشكيلها ، بهدف بعث إيقاع يمكن التقاطه عند التعرف الشفوى ، هى :

( أ ) الخفيف : يكون وزن شطره : " فاعلن فاعلن فعولن فعولن " مع ملاحظة أن فاعلن الثانية ، أصلها مفعولن ثم تتحول بالطى إلى فاعلن فى كثير من الحالات ( وذلك حين تأتى مستفعلن فى حشو الوزن الأصلى على صورتها دون خبن ) .

نموذج :

وقف الخـلق ينظرون جميعًا كيف أبنى قواعد المجد وحدى

فهو بالتقطيع الشائع المعروف :

وَقَفَ الْخَلْـ قُ ينظرو نَ جميعًا

فعــلاتن متفع لن فعـلاتن

كيف أبنى قواعد الْـ مَجْدِ وحدى

فاعلاتن متفع لن فاعلاتن

وهو بالتفعيل المقترح :

وَقَفَ الْـ خَلْـقُ يَنْـ ـظُرُونَ جميعًا

فاعـلن فاعـلن فعـولُ فعولن

......

نموذج آخر ( للمجزوء ) :

جفنه علَّم الغــزل ومن الحب ما قَتَلْ

تقطيعه المأثور :

جَفْنُهُ عَلْـ لَمَ الْغَزَلْ

فاعلاتن متفع لن

......

وتقطيعه المقترح :

جَفْنُهُ عَلَّمَ الْـ غَزَلْ

فاعلن فاعلن فعو

(ب) المديد : يكون وزنه : " فاعلن مستفعلن فاعلن " مع جواز تذييل فاعلن التى فى العروض أو الضرب ، أو ترفيلها .

نموذج :

ما لهذا النجمِ فى السَّحَرِ قد سها من شدة السَّهَرِ

تقطيعه المقترح :

ما لِهَا ذَا النَّجْمِ فِسْـ سَحَرِ

فاعلن مستفعلن فعلن

وكل ما حدث أن نُقل السبب الخفيف الأخير من فاعلاتن الأولى إلى أول فاعلن التى بعدها فتحولت بذلك فاعلاتن إلى فاعلن ، وفاعلن إلى مستفعلن .

ويكمن السر فى انسياب البيت مقطعًا فى الذاكرة ـ حسب التشكيل المقترح ، فى أن بعض التفاعيـل لها جرس لا يخفى ، وهى : فاعلن ، فعولن ، مستفعلن ، مفاعلتن ، متفاعلن ، ولذا نجد أن بحور المتدارك ، والمتقارب ، والرجز ، والكامل ، والبسيط يسهل على متعلم العروض تقطيعها شفويًا .

(ج) الرمل : وجعلت وزنه " فاعلن مستفعلن مستفعلن " .

(د) المنسرح : وجعلت وزنه " مستفعلن مفعولن مفاعلتن " .

مع ملاحظة أن مفعولن تأتى كثيرًا مطوية ، أى وزن فاعلن ، فيكون الوزن الشائع " مستفعلن فاعلن مفاعلتن " وكل ما صنعناه فى هذا التشكيل المقترح نقل الحركة الأخيرة من مفعولاتُ إلى أول مفتعلن .

(ﻫ) المقتضب : ووزنه المقترح : " فاعلن مفاعلتن " فى كل شطر . وهذا أيضًا مذهب حازم القرطاجنى .

( و ) المضارع : ووزنه المقترح : " فعولن فع لن فعولن " فى كل شطر .

(ح) الدوبيت : ووزنه المقترح : " فاعلن فاعلن مستفعلن مستفعلن " .

5 ـ موسيقى الشعر بين المعنى والجو النفسى ، مع دراسة تطبيقية على شعر الأعشى :

وفى هذه الدراسة عرض لآراء القدماء والمحدثين حول علاقة الوزن بالمعنى . حيث انتهت إلى أن الموسيقى الداخلية هى أكثر ما يشد من أزر المعنى والجو النفسى ، ثم عرض لمقومات هذه الموسيقى فى شعر الأعشى نموذجًا .

***

وللموسوعة ثلاثة ملاحق :

الأول ـ ترتيب القوافى فهرسة .

والثانى ـ ثبت ببحور الشعر الستة عشر وتشكيلاتها .

والثالث ـ ثبت بأوزان الشعر والموشحات والأزجال من غير البحور الستة عشر .