خطوات ضرورية لإنهاء الانقسام وترسيخ الوحدة الوطنية بقلم:ناصر البلوي
تاريخ النشر : 2014-01-07
خطوات ضرورية لإنهاء الانقسام وترسيخ الوحدة الوطنية

ناصر البلوي

فضلا عن كونه مطلب وطني وشعبي يجمع عليه الفلسطينيون، فإن إنهاء الانقسام يعتبر ضرورة وطنية ملحة لا تقبل التأجيل أو التردد. سبع سنوات عجاف مرت على شعبنا وقضية، تعتبر من أسوأ المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، والمثير للدهشة أن الجميع يتحدث عن ضرورة إنهاء الانقسام، وأن المستفيد منه هو الاحتلال حصراً، وأعداء الشعب الفلسطيني، والراغبين في تصفية القضية الفلسطينية، لكن مع ذلك الانقسام مستمر. يدور الحديث هذه الأيام عن اتصالات تهدف إلى تحقيق المصالحة، لكنني أشك في جديتها، لأن هناك بعض الأوساط المحلية والإقليمية والدولية تسعى إلى إحباط أي مسعى على طريق إنهاء الانقسام، خدمةً لمصالحها ومصالح المحتل الصهيوني. الساحة الفلسطينية أسيرة الانقسام والتشرذم، بسبب خلافات فصائلية ضيقة، وبسبب بعض القادة الذين ابتلانا الله بهم، لا يعرفون معنى الوطن، ولا يعرفون معنى الانتماء إلا لمصالحهم وذواتهم . الفصائل أصغر من فلسطين، والمشهد الراهن هو معيب بل عار لا يستقيم مع شعب يريد أن يتحرر ويحصل على حقوقه.

من هنا يتوجب العمل على إنهاء هذا الانقسام بحسم ودون تردد، على اعتبار أنه جريمة كبرى وعار يتوجب غسله وإنهاءه إلى الأبد. أقدم هنا بعض الخطوات التي أراها هامة وضرورية ليس لإنهاء الانقسام فحسب، وإنما لتعزيز وترسيخ الوحدة الوطنية الفلسطينية، وضمان عدم ولوج الساحة الفلسطينية إلى منزلق مشابه لما هو حاصل.

أولاً: ضرورة التعالي عن المصالح الحزبية الضيقة، والتخلي عن ثقافة التعصب الفصائلي، وتقديم مصلحة فلسطين وقضيتها وشعبها على أي مصلحة حزبية أو فئوية أو شخصية ضيقة لقادة الفصائل.

ثانياً: معالجة الملف الأمني بطريقة وطنية وليست حزبية، من خلال فصل الأجهزة الأمنية عن العمل الحزبي بشكل تام، وصياغة العقيدة الأمنية لهذه الأجهزة بطريقة تخدم الوطن ككل، وليس حزب أو فئة أو جماعة، والعمل على تقليص عدد تلك الأجهزة وأفرادها، من خلال الدمج والإحالة إلى التقاعد، فهي أكثر من حاجة الشعب الفلسطيني، وتشكل عبئ على كاهل الموازنة العامة. كما يتوجب منع الأجهزة الأمنية قطعيا من التدخل في قضايا مثل التعيينات للوظائف الحكومية، وما يسمى اختبار السلامة الأمنية، لأنها سياسة أثبتت فشلها، وأدت إلى إقصاء كثير من الشرفاء، ومصادرة حقهم الشرعي والقانوني في إشغال الوظيفة العامة، وغيرها من القضايا ذات الطابع المدني، والمرتبطة بحقوق وحريات الأفراد، وفرض الرقابة المشددة على قادة وعناصر تلك الأجهزة، لمنع التجاوزات والمخالفات وانتهاكات حقوق الإنسان، والاعتداء على حريات المواطنين، ومحاسبة المخالفين منهم بشكل فوري وصارم.

ثالثاً: الأمر نفسه ينطبق على الجهاز الإداري الفلسطيني ( القطاع العام)، الذي يتوجب فصله برمته عن العمل السياسي الحزبي. هذا يعني إتباع سياسة توظيف عادلة، دون تمييز بين المواطنين الفلسطينيين، بناء على انتماءاتهم الحزبية، والتوقف الفوري عن سياسة القهر والإقصاء الوظيفي، التي تُمارس في جناحي الوطن، واحترام التشريعات الفلسطينية والدولية المتعلقة بهذا الشأن، وإتباع سياسة عادلة في التعيينات للمناصب الكبيرة والمتوسطة والصغيرة، بعيدا عن المحسوبية والواسطة التي دمرت هذا الجهاز. وإلغاء سياسة فرز الموظفين للعمل في مؤسسات غير حكومية، مثل الفرز على التنظيمات أو على مؤسسات أخرى، يفترض بها أن تتولى هي مسؤولية الدفع للموظف وليس الخزينة العامة، لأن الموظف هنا يقدم الخدمة لحزب أو مؤسسة غير حكومية، بينما يحصل على راتبه من الحكومة، فهذا أمر غير قانوني وغير أخلاقي. إضافة إلى ضرورة ضبط التعيينات لتتوافق مع الحاجة الحقيقية للشعب الفلسطيني، وليس لاستثمارها كامتيازات يتم إغداقها على المقربين والمحاسيب للفصائل الفلسطينية.

رابعاً: ضبط المصروفات العامة، وإلغاء النثريات وبعثرة الأموال على الأمور التافهة، كالمرافقين والحراس ...الخ، ووقف رواتب آلاف الموظفين الذين لا يقدون أي خدمة للمواطن، أو أولئك المفرزين على الأحزاب والمؤسسات غير الحكومية، فالمال العام ملك للشعب يتوجب إدارته بطريقة تخدم الشعب كله، وليس حزب أو فئة أو جماعة، والعمل على خلق مصادر دخل للحكومة الفلسطينية. لدينا أصدقاء كثر في العالم، 138 دولة وقفت إلى جانبنا وصوتت لصالح عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، سنجد من هذه الدول الكثير ممن يرغبون في مساعدتنا، عربية وإسلامية وأسيوية، ومن أمريكا اللاتينية وأوروبا وفي كل مكان، وسنجد رجال أعمال وشركات ومؤسسات مستعدة لتقديم مساهمات كبيرة لتعزيز صمود شعبنا وانجاز استقلالنا، والاستثمار في فلسطين، لتطوير الاقتصاد والقضاء والتخفيف من حدة البطالة، المهم أن تكون هناك أيدي أمينة ونظيفة تدير الأموال بطريقة شفافة وواضحة وفعالة.

خامساً: احترام مبدأ التداول السلمي للسلطة، واحترام مواعيد الانتخابات ونتائجها، لا شرعية لأحد إلا عبر صندوق الاقتراع، ولا شرعية لانهائية لأحد، لن تزيد شرعية المنتخبين عن أربع سنوات، وإن أرادوا تجديد شرعيتهم فعليهم العودة مرة أخرى للشعب ليقول كلمته.

سادساً: فلسطين توحد ولا تفرق، ومن يريد أن يفرقنا فهو عدو يجب محاربته " بالقانون"، لا مكان بيننا لفرد أو جماعة أو فصيل يريدون فرقتنا، وشق صفنا ووحدتنا الوطنية. يتطلب هذا ضرورة صياغة ميثاق وطني جديد للشعب الفلسطيني، يحظى بالإجماع الوطني اللازم، ويؤسس لحالة الاستقلال والانعتاق من الاحتلال، كما يتطلب استكمال البنية القانونية الفلسطينية، التي تعاني من نقص في جوانب عدة.

سابعاً: تحييد المساجد والدين الإسلامي الحنيف عن المناكفات الحزبية، وتجريم – بالقانون- الاستخدام والاستغلال الحزبي للمساجد أو الدين، وتجريم لغة التخوين والتكفير والفتاوى السياسية الحزبية، وضرورة احترام الرأي والرأي المخالف، وتجريم اللجوء للقوة أو العنف بغية حسم الخلافات الحزبية، واعتماد أسلوب الحوار كحل وحيد لحسم هذه الخلافات، مع الالتزام بالقانون والأعراف السياسية المتعارف عليها في المجتمعات المتحضرة.

ثامناً: أوسلو تجاوزه الزمن، وعليه من واجب الحكومة الفلسطينية ( بأجهزتها كافة: التنفيذية والتشريعية والقضائية) أن تتخلص من التزامات أوسلو المضرة بالمشروع الوطني، والكابحة لتحقيق الاستقلال، والعمل على فرض أمر واقع معاكس لسياسات العدو الصهيوني. أمر واقع يكرس حالة الاستقلال الفعلي والدولة الفلسطينية المستقلة، والفكاك من أسر السياسات والرغبات الصهيونية المانعة للنهوض والتحرر الوطني الفلسطيني. هذا يستوجب أيضاً إعادة النظر جذرياً في سياسة التنسيق الأمني والإداري مع الاحتلال، وإعادة النظر بجدية في السياسات الاقتصادية السابقة، والعمل على بناء اقتصاد فلسطيني يساعدنا على التخلص من حالة التسول والاستجداء التي نعيشها، وحالة التبعية لإسرائيل. الاستقلال الاقتصادي يساعدنا على استكمال الاستقلال السياسي.

تاسعاً: الخلافات الموجودة هي خلافات حزبية سببها المصالح الحزبية، فتح لن تستطيع إلغاء حماس، والأخيرة لن تستطيع شطب فتح، والتعايش والتعاون على أسس وطنية هو السبيل الحكيم، الأخلاق الدينية والوطنية تدعونا لذلك، لكن فصائلنا ترى في السلطة وكأنها المزرعة الخلفية لها، من هنا لابد من وقف تدفق المال العام على الفصائل، لتتدبر الفصائل أمر ميزانيتها بنفسها، وأن تبتعد الفصائل عن التأثير في سياسات التوظيف، وإبعادها عن التحكم في الموارد الاقتصادية، ليصبح الراغب في الانتماء للفصائل ليس لتحقيق مكاسب وامتيازات شخصية، وإنما لأجل العمل في إطار تنظيمه لصالح وطنه وقضيته.

عاشراً: الأهم مما سبق هو إجراء مصالحة اجتماعية شاملة، تعالج مختلف القضايا الاجتماعية التي نجمت عن الانقسام، مع اتخاذ التدابير اللازمة لمحاكمة المتورطين في عمليات القتل والسحل والإساءة للآخرين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية أو مناصبهم في فترة الانقسام، ومحاكمة لصوص المال العام الفلسطيني، ومن مارسوا الفساد وارتكبوا مخالفات جسيمة في الفترة المنصرمة. العدالة لها جانبين، جانب يتعلق بإنصاف المظلوم ورد اعتباره وحقه، وجانب يتعلق بمحاسبة الظالم، لا نريد عدالة عرجاء، تسمح بالطبطبة على من ارتكبوا جرائم قتل أو تعذيب أو فساد. وبناءً على ذلك، لا خروج آمن لأحد، كل من ارتكب مخالفة أو جريمة أو شارك وحرض عليها يجب أن يحاكم، بدون ذلك ستبقى المصالحة شكلية، وستنفجر الأوضاع الاجتماعية في أي وقت، يعقب هذه الإجراءات عقد مؤتمر شعبي فلسطيني للمصالحة الاجتماعية، لحل مختلف القضايا الاجتماعية والعائلية التي تسبب بها الانقسام، ووضع السبل الكفيلة بعدم تفجر خلافات عائلية واجتماعية ذات صلة بنتائج الانقسام.

الوطن للجميع، والمسؤول فيه مؤتمن على الكل بلا استثناء، ولا يجوز أو يحق للمسؤول إقصاء أحد، أو منعه من التمتع بحقوقه، أو جزء منها، التي كفلها له القانون، ويجب أن يخضع المسؤول في سلوكه وقراراته وتصرفاته للقانون، ومن حق الشعب مساءلته وانتقاده. نريد قادة قدوة لشعبهم في الانتماء والارتباط بالوطن، وفي تقديم النموذج الأخلاقي في القيادة، يدركون جيدا معنى مهماتهم ومسؤولياتهم، يحترمون أنفسهم وحقوق أبناء شعبهم.