وعد بلفور بقلم : م . غسان محمود الوحيدي
تاريخ النشر : 2013-11-26
وعد بلفور

بقلم : م . غسان محمود الوحيدي

ما أن يذكر وعد بلفور إلا ويتذكر العربي عامة والفلسطيني خاصة بريطانيا اللعينة صاحبة الوعد, التي لا نبرئها على فعلتها ولا على سياستها العدوانية ضدنا وتواطؤها مع اليهود .

وقد يكون للحدث لحظة وقوعه ما يثير العواطف ويحركها , لكن بعد إنتهائه , فإن الأمر يتطلب تفكيرا عقلانيا نقيس الأمور من خلاله .

و إذا فقد العاقل صديقاً أو مساعداً، فليس أمامه إلا أن يعتمد على نفسه ، ويوطنها على تحمل المهام العظام , ذلك أن بريطانيا بوعدها لليهود لم تقم لهم دولة على أنقاضنا في فلسطين .

بل كان الوعد بمثابة صافرة الإنطلاق للإيذان ببناء وطن لليهود ,الذين تجمعوا من كل أفق وتنادوا من كل جانب ليتعاونوا على إيجاد كيان لهم يلم شعثهم ويحفظ كرامتهم .

ليست المشكلة في وعد بلفور، بقدر ما هي في أنفسنا نحن العرب الذين لا نحسن إلا إختيار الألقاب وتبرير الهزائم .

لقد إكتفينا بوصف وعد بلفور بأنه مشئوم تارة ، وتارة أخرى بأنه وعد لا يملك لمن لا يستحق .

هب أن الموعود لا يستحق ولكنه حقق هدفة .

وهب أن من وعد لا يملك ، لكن مالك الأرض الأصلي تقاعس عن حماية أرضه , وتكاسل عن إثبات وجوده .

إن وصفنا للوعد بهذه النعوت ، يذكرني بذلك العربي القديم الذى فقد إبله ، فعاد لأمه قائلا : أوسعتهم شتما وأودوا بالابل .

لكن الأم الحزينة لم تكن لتسعدها تلك الشتائم بعدما فقدت إبلها .

ونحن لم نفقد إبلاً ، إنما فقدنا مسرى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقدنا قطعة من الجنة ، فقدنا فلسطين الغالية .

نستذكر وعد بلفور كل عام بزيادة رقم (1)عن كل سنة سبقتها ، ولكن هل سألنا أنفسنا لماذا قامت دولة إسرائيل ؟

أو بصورة أخرى لماذا فقدنا فلسطين ؟

لاشك أن هناك أصواتا واعية كانت ترفع عقيرتها بالشكوى , والدعوة إلى التيقظ والحذر من خطر مدلهم قادم , على نحو ما قال شاعرنا إبراهيم طوقان :

أمامَك أيُّها العربيُّ يومٌ

                   تشيبُ لهولهِ سودُ النواصي

وأنت كما عهدتك لا تبالي

                   بغير مظاهِرِ العبَثِ الرّخاصِ

مصيرك بات يَلْمُسُه الأَّداني

                   وسار حديثُهُ بين الأَقاصي

فلا رَحْبُ القصور غداً بباقٍ

                   لساكنها ولا ضيق الخصاصِ

لنا خصمان ذو حوْلٍ وطوْلٍ

                   وآخر ذو احتيالٍ واقتناصِ

وتواصواْ بينهم فأتى وبالاً

                   وإذلالاً لنا ذاك التواصي

مناهجُ للإبادة واضحاتٌ

                   وبالحسنى تنفَّذُو الرصاصِ

وما قاله شاعرنا عبد الرحيم محمود مخاطبا الأمير سعود في زيارته  لفلسطين :

المسجد الأقصى أجئتَ تزوره      

                      أم جئت من قبل الضياع تودعه؟        

حرم تباح لكل أوكع آبق          

                                      ولكل آفاق شريد أربعه           

والطاعنون وبوركت جنباته       

                                    أبناؤه الضيم بطعن يوجعه      

وغدا وما أدناه لا يبقى سوى       

                                      دمع لنا يهمي وسن نقرعه      

إن التشرذم والإختلاف الذي ساد فلسطين قديماً وما زال والجهل مقابل الوحدة والعلم في الطرف الآخر ، كان عاملاً قوياً وسبباً رئيساً في إنتصار القوم علينا .

لقد ذابت الفوارق بين اليهودي الروسي والأمريكي والأحمر والأصفر فإذا بهم جميعاً على قلب رجل واحد .

و كنا وما زلنا منقسمين بين يمين وشمال وولاء إلى هنا وهناك , نفرق بين إبن المدينة وإبن القرية , بين المواطن واللاجئ بين هذا وذاك .

كثيرة هي المواقف التي خسرنا فيها , ولم نقيم وضعنا فيها , ولم نأخذ من التاريخ عبره , ولا من المصائب عظه , بل نفرح عندما ننهزم , ونبرر الهزيمة بأن العدو حاول أن ينال من رموزنا الوطنية , ولكنه لم يفلح , صحيح أنه إحتل الأرض , وإغتصب المقدسات , فليس مهما ما دام أنه  لم يستطع أن ينال من زعمائنا . والأعداء تموت زعاماتهم في سبيل كيانهم , ونحن يموت الشعب وتطير الأوطان في سبيل بقاء كرسي الحاكم .

 يحزنني كثيرا عندما أسمع أو أقرأ عن حوارات أو مؤتمرات تبحث عن سبب تدني فن الغناء أو التمثيل , " ونحن ما أفل نجمنا إلا يوم سطعت نجوم المغنين وقويت دولة الراقصات في سماء حضارتنا ", على حد تعبير المرحوم مصطفى السباعي .

إن صاحب البقالة البسيطة لو خسر في صنف ما من بضاعته لفكرملياً عن أسباب الخسارة , وكيفية تحويلها إلى ربح ونحن الذين خسرنا قطعة من الجنة , ألا تستحق أن نفكر لماذا خسرناها ؟ وكيف خسرناها ؟

إن الأمه التي لا تراجع حساباتها عقب كل هزيمة أو ملمة ، هيهات أن يعاودها نصر أو ترفرف عليها راية عز.