معاهدة النفس بالتربية و التزكية بقلم الداعية الدكتورة ابتسام مطيع القدوة
تاريخ النشر : 2013-10-20
بقلم الداعية الدكتورة / ابتسام مطيع القدوة
عزيزى الإنسان ( آدم و حواء)
في زحمةِ الحياةِ وكثرة المشاغلِ وتعدّد المتطلَّبات ، قد ننسى أن نعاهد أنفسَنا بالتربية والتزكيةِ ، ومن ثمَّ تقسوا القلوب ، ونتثاقلُ عن الباقياتِ الصالحاتِ ونركُنُ إلى متاع الدنيا ، ولأجل ذلك نتحدثُ عن تزكيةِ النفوس من خلال النقاط التالية :

أ- أهمية الموضوع
ب- معنى التزكية
جـ – وسائل تزكية النفس .

أ – أهمية الموضوع :

ممَّا يدلُّ على أهميته أن الله تعالى أقسم أقساماً كثيرةً ومتواليةً على أن صلاحَ العبدَ وفلاحَه منوطٌ بتزكية نفسِه، فقال تعالى  ونفسٍ وما سوّاها ، فألهمها فجورَها وتقواها قد أفلح من زكّاها) الشمس 7-10
وتزكيةُ النفوس سببُ الفوزِ بالدرجات العُلي: قال الله تعالى (ومن يأتِه مؤمناً قد عمَل الصالحاتِ فأولئك لهُمُ الدرجاتُ العُلى جنّاتُ عدنٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها وذلك جزاءُ مَنْ تزكىَّ )طه75،76

قال ابنُ كثير( أي طهرَّ نفسه من الدنسِ والخبَثِ والشركِ، و اعبدَ اللهَ وحده لا شريك له ) تفسير ابن كثير 3/156
وكانَ من دعائه صلي الله عليه وسلم " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكِّها أنت خيرُ من زكاَّها ، أنت وليُّها ومولاها " مسلم 2722،

فلا تزكية إلا بتوفيق الله قال تعالى بلِ اللهُ يزكِّي من يشاء  النساء 49 .

ب-أما معنى التزكية :
فهي إصلاحُ النفوسِ وتطهيرُها عن طريق العلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ ، وفعلِ المأموراتِ وتركِ المحظورات .

جـ - وسائلُ تزكية النفس :

لابد أن نعلم أن تزكية النفوس عن طريق الشرع ، فلا سبيل إلى تزكية النفوس إلا من طريق الرُّسلُ ، قال ابنُ القيمّ ( وتزكيةُ النفوس أصعبُ من علاج الأبدان وأشدَّ ، فمن زكَّى نفسه بالرياضةِ والمجاهدة والخلوةِ التي لم يجيءَ بها الرسل ، فهو كالمريضِ الذي يعالجُ نفسَه برأيِه ، فالرسلُ أطباءُ القلوب ، فلا سبيل إلى تزكيتها وصلاحها إلا من طريقهم والتسليم لهم ) مدارج السالكين 2/315 ،
ولابد أن نعلم أنّ التزكيةَ فضلٌ من الله ورحمةٌ لا تحصل للعبد إلاّ بمشيئة الله تعالى ، قال الله تعالى  ولولا فضلُ اللهِ عليكمُ ورحمتُهُ ما زكى منكم من أحدٍ أبداً ) النور 21 .وقال تعالى ( بلِ اللهُ يزكِّي من يشاءُ ) النساء 49 ،
ثم يؤخذُ العبدُ بأسباب تزكية النفس .

وتزكيةُ النفوسِ تتحققُ بأمورٍ كثيرةٍ منها :

1- التوحيدُ :

وهم أعظمُ وأكدُ طريقٍ إلى تزكية النفوس ، فالتوحيدُ زكاةٌ ، حيثُ يُنَمِّي ثوابَ الأعمالِ الصالحةِ ويباركَ فيها ، فإنَّ التوحيدَ إذا تمكَّن من طاعةِ ما ، فكانت هذه الطاعةُ خالصةً لوجه الله تعالى فإنَّ أجرها عظيمٌ وثوابَها جزيلٌ أمَّا الشرك فهو محبطٌ لجميع القربات،وموجبٌ للخلود في نار جهنَّم ، بل نجسٌ ونجاسةُ الشرك ملازمةً لا تطهرّها المصائب المكفِّرةُ ولا الحسناتُ الماحية ، ولا تزكو النفسُ بسائر أنواع العبادات حتى تزكو بالتوحيد أولاً ، هو الإيمانُ بالله و ملائكتِه وكتُبه ورسِله واليوم الآخرِ والقدرِ خيرِه وشرِّه ، فكلِّما قويَ الإيمانُ بذلك ، زكت النفسُ واطمئنَّت ، وأثمرت الثمارَ اليانعةَ .

2- الصلاةُ وفعلُ الواجبات والنوافل :

في صحيح البخاري (4/231) حديثُ الولي عنه صلي الله عليه وسلم قال : قال الله تعالى (وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءً أحبَّ إليَّ ممّا افترضتُه عليه (
والصلاةُ أهم العبادات والواجبات بعد الشهادتين ، فهي من أهم وسائل وأسبابَ تزكية النفوس ، قال الله تعالى ( إنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاءِ والمنكر ) العنكبوت 45 ،

وفي الحديث المتفق عليه ( فذلك مَثَلُ الصلواتِ الخمس يمحُوا اللهُ بهنَّ الخطايا ) ، فعملُ الصالحاتِ يطهرّ النفس ويُزكّيها من الذنوب السابقة، ومن تلك الأعمال بعد الصلاة: الصدقةُ قال الله تعالى ( خذ من أموالهم صدقةً تطهرُهم وتزكِّيهم بها ) التوبة 103 ، فالعملُ الصالح يحصلُ به التطهيرُ والتزكية وكذلك جميعُ الطاعات من واجبات ونوافل ، تكون وسائل لتزكية النفوس .

3- ومن وسائل تزكية النفس : تركُ المحرَّمات عموماً :

قال ابنُ تيميه : النفسُ والأعمالُ لا تزكوا حتى يُزالَ عنها ما يناقضهُا ، ولا يكونُ الرجلُ متزكياً إلاّ مع ترك الشرِّ ، فإنَّه يدنسُ النفس ويدسيها ، قال ابنُ قتيبه : دسَّاها أي أخفاها بالفجور والمعصية ) الفتاوى 10/629و 10/188 ،
فالابتعادُ عن المحرَّمات كبيرةٍ أو صغيرةٍ يؤدِّي إلى تزكية النفس ، قال تعالى) قل للمؤمنين يغُضَّوا من أبصارِهم ويحفظوا فروجَهم ذلك أزكى لهم ) النور 30 ،
وارتكابُ المحرَّماتِ والمعاصي يؤدي إلى موت القلب فلا تتزكى

رأيتُ الذنوبَ تميتُ القلوبَ *** وقد يورثُ الذلَّ أدمانهُا
وتركَ الذنوب حياةُ القلوب *** وخيرٌ لنفسك عصيانها

4- ومن وسائل تزكية النفس : محاسبةُ النفس :

- قال ابن القيمّ رحمه الله ) زكاةُ النفس وطهارتُها موقوفةٌ على محاسبتها ، فلا تزكو ولا تطهُر ولا تصلحُ البتَّةَ إلا بمحاسبتها قال الحسنُ رحمه الله : إنّ المؤمنَ لا تراهُ إلا قائماً على نفسِه ما أرادتِ بكلمةِ كذا ؟ ما أردتِ بأكلة كذا ؟ ما أردتِ بمدخلِ كذا ومخرج كذا ؟ ما أردتِ بهذا ؟ مالي ولهذا ؟ والله لا أعودُ إلى هذا ، ونحو هذا من كلامٍ ، فمحاسبةِ النفسِ يّطلعُ على عيوبها ونقائضِها ، فيمكنُه السعيُ في إصلاحها ) مدارج السالكين 2/510
ثم قال أيضاً ( وأخيرُّ ما على المكلَّفِ : الإهمالُ ، وتركُ المحاسبةِ والإسترسال ، وتسهلُ الأمورِ وتمشيتُها ، فإنَّ هذا يؤولُ به إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرورِ ، يُغمضُ عينَه عن العواقب ، ويَّتكلُ على العفو ، فيهملُ محاسبةَ نفسِه والنظرَ في العاقبةِ ، وإذا فعلَ ذلك سهُل عليه مواقعهُ الذنوب وأنِسَ بها ، وعَسُر عليها فطامُها ) إغاثةُ اللهفان 1/136)
قال ميمونُ بنُ مهران : لا يكونُ الرجلُ من المتقين حتى يحاسبَ نفسَه أشدَّ من محاسبةِ شريكهِ ، حتى يعلمَ من أين مطعمُه ، ومن أين ملبسُة ، ومن أين مشربُه أمِنْ حلالٍ ذلك أم من حرام ) حليه الأولياء4/89 .

5- ومن وسائل تزكية النفس : الحرص على التأدُّب بآداب وأخلاق الرسول صلي الله عليه وسلم.

6- ومنها : طلبُ العلم الشرعي والعملُ به والدعوةُ إليه والصبرُ على الدعوة.

7- ومنها : مجاهدُة النفسِ والهوى والشيطانِ والدنيا والزهدُ فيها .

8- ومنها : التوبةُ والاستغفارُ إلى الله من كلِّ ذنبٍ في كلِّ وقتٍ .

9- ومنها : الرفقة الصالحةُ ومصاحبةُ الأخيار .

10- ومنها : الحذر : الحذرُ من أمراض النفوس كالعُجب والغرور والكبرْ وغيرها .

11- ومنها : الصبرُ بأنواعه ، على الطاعة وعلى البلاءِ وعن المعصية .

والخلاصةُ أن تزكية النفس سببٌ للفوز بالجنّة .